الحسن محمد ماديك
New member
إلى من يهمه الأمر من الباحثين المتجردين من القراء والمفسرين والمحدثين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وبعد فهذه نبذ مختصرة من تفسيري للقرآن قيد الإنشاء تحت عنوان من تفصيل الكتاب وبيان القرآن تجدون في "حوار مع المفسرين" بعضا من مقدمته ولقد اعتكفت عليه منذ بداية 2001 وهو في آخر مراحله علما بأنه لم يتناول المسائل الفقهية المعروفة بل مسائل أخرى أكثر إلحاحا وأكبر وجوبا تضمنها الكتاب المنزل ومنها أني استطعت بفضل الله ومنّه استنباط النص الكامل لكل من التوراة والإنجيل وما نبئ به كل نبي من قبل عبر التاريخ ، كل ذلك استنبطته من القرآن الكريم المهيمن على الكتب قبله ، المتضمن تفصيل كل شيء ، هذا وغيره من الموعودات التي نبأ الله بها رسوله وخاتم النبيين ولم تقع بعد وهي آتية قريبا إن شاء الله ، تفرغت لتتبعها ودراستها من القرآن وانشغل المفسرون والفقهاء والأصوليون في الحكام الفقهية ومسائل اللغة من الكتاب ، أتمنى إيصاله إلى خواص الأمة ليروا فيه رأيهم وأنا أول المذعنين إلى الحق إذا أثبتوا مخالفتي إياه إذ لست أدعي موافقة الحق وإنما أبحث عنه كما بينت في البحث العلمي الآتي بعض منه .
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين
إن رجال الدين الذين فرضوا على الناس تقليدهم في فقههم وفهمهم وحجروا على الرأي والفكر والعقل فأغلقوا دون الاجتهاد بابا ، لم يسعهم وخالفوا ما ارتضاه الله من المخالفين وأذن لنبيه بقبوله منهم وهو أن يأتوا بالدليل .
وسيعقل من تدبر القرآن أنه ناقش فريقين من المخالفين أحدهما كافر مشرك بالله ، خوطب في الكتاب المنزل من عند الله باستعمال السمع والبصر والفكر والعقل لإدراك الأدلة العقلية والحسية المادية ليهتدي إلى أن الله هو رب كل شيء وخالقه ومدبر أمره وليعبده المكلفون ويخافه من يفقهون ويعقلون ، وخطاب هـذا الفريق كما في قوله :
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون الطور 35 ـ 36
قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر البقرة 258
واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا الفرقان 3
وثاني الفريقين من المخالفين يقر بالله ربه الخالق خوطب في الكتاب المنزل من عند الله بأن الدليل أي الحجة والبرهان والسلطان المبين أي البين له أو عليه إنما هو بما تضمنه الكتاب المنزل من عند الله وكذلك دلالة قوله :
أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه فاطر 40
أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون الزخرف 21
أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين الصافات 153 ـ 157
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون القلم 34 ـ 39
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين البقرة 111
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين عمران 93 ـ 94
ويعني أن الكتاب المنزل من عند الله كالتوراة أو الإنجيل أو القرآن كل منه بينة وحجة لمن استمسك به في سلوك أو قول أو تصور ، إذ الكتاب المنزل من عند الله هو العهد منه كما في قوله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون البقرة 80 ويعني أن لم يتخذوا عند الله عهدا أن لن تمسهم النار إلا أياما معدودة بل هو مما قالوه بغير علم إذ لم يتضمنه الكتاب المنزل من عند الله إليهم وهو التوراة ، وكما في قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا مريم 77 ـ 79 ويعني أن الذي زعم أن سيؤتى لو بعث في الآخرة مالا وولدا كما في الدنيا إنما يفتري الكذب إذ لم يطلع الغيب كالنبيين والرسل ولم يتخذ عند الله عهدا أي لم يتضمن الكتاب المنزل من عند الله تصديق زعمه .
ويعني حرف فاطر أن من خالف في سلوكه أو قوله أو تصوره ما أمر الله به في الكتاب المنزل من عنده فلا يدع موافقة الحق إذ لم يكن على بينة من ربه بالكتاب المنزل من عنده .
ويعني حرف الزخرف أن المقلدين الذين يحتجون بالقدر ليفلتوا من الحساب والعقاب لا علم لهم بل يتبعون الظن ويكذبون إذ لم ينزل عليهم كتاب من الله يتضمن تصديق احتجاجهم بالقدر يستمسكون به ليكون لهم حجة عند الله يوم القيامة .
ويعني حرف الصافات أن الذين يزعمون أن الله قد اصطفى البنات على البنين مخطئون في حكمهم إذ ليس لديهم كتاب منزل من عند الله فيه سلطان مبين أي حجة واضحة على صدق زعمهم .
ويعني حرف القلم أن الذين يزعمون أن الله لن يدخل المتقين جنات النعيم ، بل سيدخلهم النار كالمجرمين قد أخطأوا في حكمهم إذ ليس لديهم كتاب منزل من عند الله قد درسوا فيه أن لهم ما يتخيرون من الأماني .
ويعني حرف البقرة أن اليهود الذين زعموا أن لن يدخل الجنة إلا من كان منهم ، وأن النصارى الذين زعموا أن لن يدخل الجنة إلا من كان منهم إنما يتمنون ، وهم كاذبون إذ لم تتضمن التوراة المنزلة من عند الله تصديق أمانيهم .
وويعني حرف عمران أن الذين يزعمون من بني إسرائيل أن لم يكن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة إنما هم مخطئون في زعمهم وكاذبون إذ لم تتضمن التوراة المنزلة من عند الله تصديق زعمهم .
ألا إن هـذا هو الإنصاف من رب العالمين ضاق به رجال الدين ذرعا .
وإن قوله :
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين الطور 33 ـ 34
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هود 13
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين يونس 38
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين البقرة 23 ـ 24
ليعني أن الذين يزعمون أن محمدا قد تقول القرآن وافتراه من دون الله مأمورون في القرآن أن يأتوا بحديث مثله أو عشر سور مثله أو سورة مثله أو من مثله ثم ليدعوا من استطاعوا من دون الله أي شهداءهم الذين يشهدون أن ما جاءوا به هو مثل القرآن أو مثل عشر سور منه أو سورة منه ، وأخبر الله عنهم أنهم لن يستجيبوا ولن يستطيعوا ولن يفعلوا بل سيعجزون عن الإتيان بمثله كما في قوله قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا الإسراء 88 .
وحسب التراث الإسلامي ـ قصورا منه ـ أن العجز الذي سيصيب الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو ظاهر بعضهم بعضا وأعانه هو عجزهم عن الإتيان بمثل أسلوبه ونظمه وفصاحته وبلاغته ... وكذلك لن يستطيع الإنس والجن ، غير أن عجزهم عن الإتيان بمثله يعني أن لن يستطيعوا أن يأتوا بكتاب من عند الله يصدق دعواهم أن القرآن الذي جاء به محمد هو مفترى من دون الله .
إن كتابا منزلا من عند الله هو وحده الذي يقع عليه الوصف بأنه مثل القرآن ، وسورة منزلة من عند الله هي التي يقع عليها الوصف بأنها مثله ، وكذلك عشر سور مثله وحديث مثله ، وللذين يعترضون أن يتأملوا قوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها البقرة 106 وإنما يعني بمثل الآية التي يقع نسخها إنزال آية أخرى من عند الله تحل محل الأولى ، وهـكذا فلن يصح نسخ الكتاب المنزل بالحديث النبوي ، ويأتي بيان قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا البقرة 137 وقوله قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم الأحقاف 10 في كلية الكتاب ، أما غير المنزل من عند الله فلن يصح وصفه بأنه مثل المنزل من عند الله .
إن الله أذن لليهود الذين يزعمون خلاف ما تضمن القرآن أن يأتوا بالتوراة إن كانوا صادقين وليتلوا منها تصديق زعمهم الذي خالفه القرآن ليكون لهم حجة كما في قوله :
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين عمران 93
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين البقرة 111
ويعني أن التوراة دليل كاف إذ هي مثل القرآن كل منهما كتاب منزل من عند الله .
إن الله قد أرسل كل رسول بآيات خارقة معجزة من جنس ما بلغه الناس المرسل إليهم من العلم والأسباب ، ولتكون الآيات الخارقة مع الرسل بها هي الحق الذي يقذف به رب العالمين على الباطل فيدمغه فيزهق من حينه كما في قوله بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق الأنبياء 18 وكذلك قذف بالحق مع موسى على الباطل مع السحرة فدمغه فزهق من حينه ، ويعني أن لو كان القرآن باطلا أي مفترى من دون الله لنزل الله كتابا من نوعه يدمغه فيزهق وهو دلالة إعجاز القرآن كما في قوله :
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين القصص 48 ـ 49
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا الأحقاف 8
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هود 13
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين يونس 38
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين البقرة 23
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين الطور 33 ـ 34
ويعني حرف القصص أن الحق الذي جاء به محمد من عند ربه وهو القرآن لم يؤمن به بعض المكذبين بسبب أن لم يؤت محمد مثل ما أوتي موسى من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء التي أرسل بها إلى فرعون وملئه ، فزعموا أن موسى ومحمدا افتريا التوراة والقرآن فخوطبوا في القرآن أن يأتوا بكتاب من عند الله يثبت صدقهم إن كانوا صادقين ، وليتبعن محمد كل كتاب منزل من عند الله .
ويعني حرف الأحقاف أن الذين يزعمون أن القرآن مفترى من دون الله لن يملكوا من الله شيئا يصدقهم في دعواهم أي لا يستطيعون أن يأتوا من عند الله بشيء ومنه بعض سورة من مثل القرآن ولا أن يأتوا بآية خارقة من عند الله تثبت صدقهم .
وإن دلالة أمر المكذبين بدعوة من استطاعوا من دون الله وشهدائهم الذين يشهدون لهم أن كتابا مثل القرآن أو مثل بعضه هو من عند الله يصدقهم في زعمهم أن القرآن مفترى من دون الله ليعني أن المفتري على الله كتابا أو آيات بينات مفضوح في الدنيا معذب فيها كما هي دلالة قوله قل إن افتريته فعلي إجرامي هود 34 ومن المثاني معه في قوله وإن يك كاذبا فعليه كذبه غافر 28 وقوله ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين الحاقة 44 ـ 47 أي أن المفتري على الله سيفتضح ويعذب في الدنيا بإجرام الافتراء على الله وحرف غافر من قول رجل مؤمن من آل فرعون يعني أن موسى إن يك كاذبا على الله فلن يحتاجوا إلى قتله بل سيؤاخذه الله في الدنيا بكذبه .
قلت : ولقد ضمنت تفسيري " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن " فقها جديدا فقهته وعقلته من الكتاب المنزل على رسول الله وخاتم النبيين وجهله التراث الإسلامي من قبل وفاته ، وبينت من أصول التفسير وكلياته الآتي بيانهما ليعلم المخالفون وجمعهم أن الدليل والبرهان لي أو عليّ ، ولهم أو عليهم إنما هو الكتاب المنزل من عند الله لا التراث الإسلامي أي فقه من سبق من القراء والفقهاء والمفسرين والمحدثين الذين أزعم قصورهم عن فهم الكتاب المنزل على النبي الأمي وعن فهم الأحاديث النبوية .
ولقد استنبطت من أصول التفسير وكلياته ومن تفصيل الكتاب المنزل وتعجلت التعريف به ليفقه الذين يريدون أن يتدبروا القرآن كيف عقلت من "تفصيل الكتاب ومن بيان القرآن"
علم التفسير عبر التاريخ الإسلامي في الميزان
إن قوله :
أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا الأنعام 114
ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم الأعراف 52
ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاتمة يوسف
ليعني أن الكتاب المنزل على خاتم النبيين الأمي قد فصله رب العالمين على علم تفصيلا خارقا لا يقدر على مثله غيره وهيهات أن نحيط علما بتفصيله أو أن نحصيه كما في قوله علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن المزمل 20 أي لن تحصي الأمة كلها الكتاب المنزل على النبي الأمي من العلم والمعاني والدلالات ولو كانت تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه بعد ناشئة الليل أي بعد ما أنشأوا من يقظة بعد نوم لأجل صلاة الليل ليكونوا أقرب إلى تدبر القرآن وفقهه ودراية الكتاب والإيمان .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من لفظ الكتاب ولفظ القرآن في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من اسم الله واسم رب العالمين في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من الأسماء الحسنى في المصحف معنى ووعدا حسنا غير مكذوب سيقع نفاذه بعد نزول القرآن في الدنيا أو في الآخرة ولو أبدل أحدها بالآخر لانخرم السياق ولاختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من النبوة والرسالة أو النبي والرسول في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أنه قد حوى مما نبأ الله به آدم فمن بعده من النبيين من ذرية آدم وما نبأ الله به نوحا فمن بعده من النبيين إلى خاتم النبيين محمد الأمي .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أنه قد حوى كثيرا من نصوص التوراة والإنجيل وأن تدبره يهدي إلى نسخة من كل من التوراة والإنجيل بلسان عربي مبين مستخرجة من القرآن غير محرفة كما يأتي تفصيله وتحقيقه على أرض الواقع .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن كلما كان في السياق موعودان في الكتاب المنزل تقدم الموعود المتأخر منهما في سياق مخاطبة المؤمنين بالغيب كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن كلما كان في السياق موعودان في الكتاب المنزل تقدم الموعود الأول منهما على الأصل في سياق مخاطبة الذين ينكرون الغيب كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن ترتيب السور كما في المصحف طبقا للعرضتين الأخيرتين تماما كترتيب الآي والكلمات هو من التفصيل المنزل ، ولن يتمكن قارئ أو مستمع متدبر من دراية الكتاب قبل التقيد به واعتباره كما يأتي تحقيقه .
مدلول الكتاب والقرآن
إن الكتاب والقرآن في كلامنا لفظان مترادفان لدلالة كل منهما على ما بين دفتي المصحف ، وهو الكتاب أي المكتوب ، وهو القرآن أي المقروء ، ولإثبات قصور هـذا الإطلاق في كلامنا فإن من تفصيل الكتاب أن قد وردت للفظ الكتاب في المصحف عشرة معان بل أكثر سأذكر منها في هـذا المقام تسعا :
أولاها : بمعنى المكتوب كما في قوله :
• ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله البقرة 235
• والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم النور 33
• وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب عمران 78
• اذهب بكتابي هـذا النمل 28
ولا يقع شيء منها على الكتاب المنزل من عند الله على الرسل والنبيين ، لكن على المتربصة بنفسها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن من أولات الأحمال أن تكتب يوم ابتدأت العدة ليبلغ الكتاب أجله المعلوم وهو انقضاء العدة ، ولكأن العدة دين عليها ووجبت كتابة الدين كما في قوله ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله البقرة 282 ، وللمكاتب أن يجعل لنفسه أجلا معلوما يفتدي به من الرق وليكتب ذلك الأجل يوم ابتدئ العقد ، والذين يلوون ألسنتهم بما كتبوه من عند أنفسهم إنما هو من عند أنفسهم لا من عند الله كما في قوله لتحسبون من الكتاب وما هو من الكتاب عمران 78 أي ليس هو من الكتاب المنزل من عند الله ، والكتاب الذي حمله الهدهد إلى ملكة سبإ هو رسالة سليمان المعلومة .
وثانيها : بمعنى الفريضة على المكلفين كما في قوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا النساء 103 أي فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة ، وقوله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم النساء 24 يعني أن تحريم المذكورات فريضة من الله عليكم ، وكذلك دلالة قوله كتب عليكم الصيام البقرة 183 وقوله كتب عليكم القصاص البقرة 178 وشبهه أي فرض عليكم .
وثالثها : اللوح المحفوظ كما في قوله :
• ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير الحديد 22
• قال فما بال القرون الأولى قال علما عند ربي في كتاب طـه 51 ـ 52
• فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الأعراف 37
ورابعها : الصحف التي سيؤتاها يوم يقوم الحساب صاحب اليمين بيمينه وصاحب الشمال بشماله وأشقى منه وراء ظهره كما في قوله :
• فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا الانشقاق 7ـ8
• وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه الحاقة 25
• وأما من أوتي كتابه وراء ظهره الانشقاق 10
ويعني الأعمال الفردية التي لم يشترك معه غيره فيها .
وخامسها : بمعنى الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح والصور الرقمية المستنسخة من الأعمال بعد الموت ، أما أرواح الأبرار بعد موتهم فيصعد بها إلى عليين بعد أن تفتح لهم أبواب السماء فيجدون أمامهم أعمالهم الصالحة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي لا يفرقون بينها وبين ما عملوه في الدنيا أي هي صور مستنسخة من الأصل رقمية كما في قوله كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون التطفيف 18 ـ21 ، وكذلك يشهد أي يحضر المقربون في عليين أرواح الأبرار بعد موتهم حين صعودها إلى عليين ويسألونهم عمن تركوا خلفهم من الأهل والأصحاب كما في الأحاديث النبوية التي بيّن بها النبي الأمي حرف التطفيف .
وأما أرواح الفجار بعد موتهم فيهبط بها إلى أسفل في سجين في أعماق الأرض فيجدون أمامهم أعمالهم السيئة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي هي صور رقمية مستنسخة من الأعمال في الدنيا كما في قوله كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم التطفيف 7 ـ9
وسادسها : كتاب كل أمة يوم القيامة كما في قوله :
• وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هـذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا منا نستنسخ ما كنتم تعملون الجاثية 28 ـ 29
• ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون الزمر 69
• ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهـذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا الكهف 49
ويعني الأعمال الجماعية التي اشترك فيها اثنان فأكثر كتسعة رهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون يوم تحالفوا وتقاسموا أن يغتالوا صالحا رسول الله .
وتعني دلالة لفظ الكتاب الخامسة والسادسة وقوعها على ما ينظر إليه ويعرف ولو كان صورا معروضة وكما وصفته آنفا أنه الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح وصور الأعمال بعد الموت ، وإنما احترزت في هذا الوصف من دلالة لفظ الكتاب على الحروف المكتوبة المقروءة وظرفها المكاني الذي يجمعها ويشملها وهي الصحف .
وسابعها : الكتاب الذي أوتيه جميع النبيين والرسل قبل التوراة كما في قوله :
• كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه البقرة 213
• وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة عمران 82
• لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان الحديد 25
• ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم البقرة 129
• ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا الفرقان 35
• وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل المائدة 110
• ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل عمران 48
ولا يخفى أن كثيرا من النبيين والرسل كانوا قبل التوراة التي أوتيها موسى ومنهم إبراهيم وإسماعيل ، ولا يخفى أن حرف الفرقان يعني أن كتابا قد أوتيه موسى قبل رسالته إلى فرعون فهو كالذي أوتيه كل نبي ورسول قبل النبي الأمي ، ولا يعني حرف الفرقان التوراة التي أوتيها موسى بعد إغراق فرعون وجنوده ، ولا يخفى أن عيسى قد علمه ربه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل مما يعني المغايرة وأن لكل من الأربعة مدلول خاص به وإلا لزم القول بأن للتوراة والإنجيل مدلول واحد وهو ظاهر الفساد .
وثامنها وقوع لفظ الكتاب على التوراة أو الإنجيل أو هما معا كما في قوله :
• وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب الإسراء 4
• فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك يونس 94
• أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين الأنعام 156
وكذلك حيث اقترن لفظ الكتاب بموسى سوى حرف الفرقان وحيث وصف أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب .
ولن يصح إبدال لفظ الكتاب في الأحرف المذكورة وشبهها بلفظ القرآن لأن للقرآن دلالة أخرى لا يصح إيرادها في غيرها كما يأتي تحقيقه .
وتاسعها الكتاب المنزل على خاتم النبيين كما في قوله :
• نزل عليك الكتاب بالحق عمران 2
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله النساء 105
• وهـذا كتاب أنزلناه مبارك الأنعام 92 ـ 155
• لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون الأنبياء 15
• إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق الزمر 41
إن الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل قبل التوراة لا اختلاف بينه وبين الكتاب الذي تضمنه كل من التوراة والإنجيل والقرآن ، لأن التوراة قد حوت الكتاب وزادت عليه نبوة موسى ، وحوى الإنجيل الكتاب وزاد عليه نبوة عيسى ، وحوى القرآن الكتاب وزاد عليه نبوة خاتم النبيين ونبوة النبيين قبله كما في قوله وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه المائدة 48 .
وإنما علم الرسل والنبيون قبل التوراة الكتاب غيبا فكانوا يعلّمون أممهم منه بقدر استعدادهم للتلقي ثم أنزل الله الكتاب مع موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وتعبد الناس بدراسته ودرايته كما يأتي بيانه في تفصيل الكتاب وبيان القرآن .
إن الكتاب هو ما تضمن المصحف من الإيمان بالله رب العالمين ، وما تضمن عن العالمين كخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما ، وتدبير أمر الخلق كله ، وما حوى من النعم في الدنيا ومن وصف مخلوقاته وكذا المؤمنون والكفار والمشركون والمنافقون ، وما حوى من التشريع أي الخطاب الفردي والجماعي ، ومن التكليف لسائر العالمين ، وما تضمن عن الحياة والموت والقدر كله والبعث والحساب والجزاء بالجنة أو النار .
وأما القرآن فهو ما حوى المصحف من القصص والذكر والقول والنبوة والأمثال ومن الحوادث التي وعد الله أن تقع بعد خاتم النبيين قبل النفخ في الصور .
وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن قوله :
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس النساء 105
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين الزمر 2
• ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء النساء 127
• وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم البقرة 231
قد تضمن لفظ الكتاب لاشتماله على الحكم بين الناس وعلى الأمر بالعبادة وعلى الأحكام الشرعية التي شرع الله للناس ، ولو أبدل لفظ الكتاب بلفظ القرآن في الآيات المتلوة المذكورة لانخرم المعنى كما سيأتي .
إن عاقلا أو مغفلا لن يقول إنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم سيعدمه ويعيد خلقه كما خلقه أول مرة ، وكان حريا بالناس أن يفهموا الكتاب لوضوحه وهل في الله فاطر السماوات والأرض شك ؟ ومتى احتاج الأمر بالصلاة والزكاة وسائر التكاليف إلى تدبر ، وإنما هي تكاليف من رب العالمين فمن شاء زكى نفسه بها ومن شاء دساها بالإعراض عنها .
وكان من تفصيل الكتاب أن قوله :
• وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله امكثوا إني آنست نارا النمل 6 ـ 7
• نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا القرآن يوسف 3
• وأوحي إلي هـذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ الأنعام 19
• ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر القمر 17 ـ 22 ـ 321 ـ 40
• فذكر بالقرآن من يخاف وعيد خاتمة سورة ق
• ولقد ضربنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل الروم 58 الزمر 27
• هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ خاتمة البروج
وشبهه قد تضمن لفظ القرآن لاشتماله على القصص والوعد في الدنيا والذكر والأمثال ولو أبدل لفظ القرآن فيه بلفظ الكتاب لانخرم المعنى .
ولقد أدرك كفار قريش هـذا التفصيل وقالوا كما في قوله وقال الذين كفروا لن نؤمن بهـذا القرآن ولا بالذي بين يديه سبأ 31 أي لن يؤمنوا بالقرآن ذي الموعودات في الدنيا ولا بالكتاب ذي التكاليف التي على رأسها ترك الأوثان وعبادة الله وحده ، وذي الموعودات بالآخرة .
النسخ
إن كلا من الكتاب والقرآن كلام الله وليس من قول البشر كما هي دلالة قوله ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين الشعراء 198 ـ 199 ويعني أن لو كان الرسول بالقرآن أعجميا لا يتكلم اللسان العربي لقرأ القرآن على الناس كما نزل على قلبه أي كما أقرئ تماما كما أضحى معلوما لكل الناس سماع الكلام من الأشرطة والأسطوانات التي لا تملك له تحريفا ولا تغييرا ، وهكذا أقرئ النبي الأمي القرآن كما في قوله سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله الأعلى 6 ـ 7 وليس الاستثناء من الله حشوا ولا زيادة لا تعني شيئا سبحان الله وتعالى وإنما هو وعد سيتم نفاذه أي سينسى منه النبي الأمي ما شاء الله وهو ما لم تتضمنه العرضتان الأخيرتان .
ولم يقع في القرآن نسخ سبحان الله وتعالى أن يخلف الميعاد وإنما القرآن ذكر وقصص وموعودات نبئ بها النبي الأمي ستقع قبل النفخ في الصور .
ولم يقع نسخ في موعودات الكتاب التي ستقع في الآخرة ولا في أسماء الله ومشيئته وتدبيره الأمر في السماوات والأرض .
إن قوله :
• ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها البقرة 106
• وإذا بدلنا آية مكان آية النحل 101
ليعني وقوع النسخ في التشريع خاصة من الكتاب المنزل ، وقد وعد الله أن يأتي بآية خير من الآية المنسوخة أي ينزلها ، وكان في كل آية مبدلة إصر أو تحريم وفي الآية البدل تخفيف وتيسير أو تحليل ، ألم تر أن قوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون الأنعام 146 يعني أن نبيا بعد موسى نزل عليه ذلك التحريم ، وأن قوله ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم عمران 50 يعني أن عيسى قد نزل عليه تحليل بعض ما حرم على بني إسرائيل كالذي تضمنه حرف الأنعام ، فالأول المنسوخ فيه إصر وتحريم والثاني البدل فيه تخفيف وتحليل ، وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في نسخ شرب الخمر بقوله يـأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون المائدة 90 ـ 91 وذلك بعد الكراهة كما في قوله ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون النحل 67 ويعني أن من يعقل سيدرك أن الموصوف بالسكر ليس رزقا حسنا وإنما هو رزق قبيح وكذلك بعد قوله يـأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون النساء 43 ويعني أن السكر مذهب للعلم والوعي والإدراك .
وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في تكليف الواحد من المؤمنين وهو في ساحة المعركة أن يصبر ولا يولي الدبر ولو قاتله العشرة من الكفار بقوله يـأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الأنفال 65 ولا يخفى ما فيه من المشقة على البعض وقد نسخ بقوله الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين الأنفال 66 .
وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في نسخ التكليف بفرض الإقامة الجبرية في المنزل على الزانية مدى الحياة كما في قوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا النساء 15 وقد نسخ بقوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة النور 2 ولا يخفى أن في الأول المنسوخ إصر ومشقة وفي الثاني البدل تخفيف وتيسير هو على الأمة خير من التكليف الأول الثقيل .
بيان قوله كتابا متشابها مثاني
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني الزمر 23 ليعني أن كل دلالة أو معنى في الكتاب قد أنزل مرة ومرة حتى تشابه وتكرر كما في قوله وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة الزمر 45 ومن المثاني معه قوله إلـهكم إلـه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة النحل 22 ويعني أن قلوب المشركين تشمئز من الإيمان بالله وحده أي تنكره .
وكما في قوله قال لن تراني الأعراف 143 ومن المثاني معه قوله لا تدركه الأبصار الأنعام 103 ويعني أن موسى لم ير ربه وكذلك لم يره أحد ولن يراه في الدنيا إذ لا تدركه الأبصار أما في الآخرة فيراه المكرمون من الناس كما في قوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة القيامة 22 ـ 23 ومن المثاني معه قوله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون المطففين 15 ويعني المعتدي الأثيم أما غيرهم فغير محجوبين عن ربهم بل يرونه .
وكما في قوله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم المجادلة 7 ومن المثاني معه قوله ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا النساء 107 ـ 108 وقوله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 78 ويعني أن الله على كل شيء ومنه النجوى شهيد لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه علام الغيوب .
وكما في قوله فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الأعراف 37 ومن المثاني معه قوله فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص هود 109 وقوله فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون الأعراف 135 ويعني أن المكذبين لن يعجل لهم العذاب قبل أن يستوفوا نصيبهم من المتاع والرزق والحياة كما كتب لهم في اللوح المحفوظ فلا ينقصون منه شيئا .
وكما في قوله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه الأنفال 24 ومن المثاني معه قوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد سورة ق 16 ويعني أن القلب هو محل الإرادة ويرسلها عبر حبل الوريد ، والله أقرب إلى الإنسان منهما أي يحول بينه وبين التوبة إذا جاء الموت فهلا بادروا بها قبل الأجل .
وكما في قوله لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش الأعراف 41 ومن المثاني معه قوله لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل الزمر 16 وقوله يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم العنكبوت 55 .
وكما في قوله وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير الشورى 30 ومن المثاني معه قوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم ويعني أن المؤمنين قد أصابوا من المعاصي مثلي ما أصابهم من القتل والقرح في غزوة أحد وكما سيأتي بيانه في الأسماء الحسنى .
وكما في قوله الرجال قوامون على النساء النساء 34 ومن المثاني معه قوله وألفيا سيدها لدى الباب يوسف 25 ويعني أن الزوج هو القائم على شؤون امرأته المسؤول عنها أي هو سيدها .
وكما في قوله قال فرعون وما رب العالمين الشعراء 23 ومن المثاني معه قوله وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان الفرقان 60 ويعني أن العبد إذا نسي ربه سيقع منه حتما نسيان نفسه وهكذا يطغى ويتجاوز حده وينكر خالقه .
وكما في قوله يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا خاتمة النبإ ومن المثاني معه قوله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا النساء 42 ويعني أن الكافر في يوم القيامة حين تعرض عليه أعماله يتمنى أن يكون ترابا أي تسوى به الأرض ولا يحاسب عليها .
وكما في قوله هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ومن المثاني معه قوله وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما طـه 111 ويعني أن وجوها ستنصب وهو عنتها لله الحي القيوم يوم يقوم الناس لرب العالمين في يوم القيامة فتعاني وجوه من التعب والمشقة والخشوع ما لا ينفعها بل ستخيب بما حملت من الظلم وستصلى بعده نارا حامية .
وكما في قوله هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ومن المثاني معه قوله أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا مريم 67 وقوله وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا مريم 9 .
وكما في قوله ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الأعراف 11 ومن المثاني معه قوله كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحييناكم ثم يميتكم ثم يحييكم البقرة 28 ويعني أن جميع بني آدم قد خلقوا وصوروا قبل أمر الملائكة بالسجود لآدم وماتوا جميعا فكان كل منهم ميتا إلى أن يحيى في بطن أمه .
وكما في قوله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الأنفال 65 ومن المثاني معه قوله لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون الحشر 13 ويعني أن جمع وكثرة الكفار والمنافقين والمشركين أضعفها رهبتهم من الذين آمنوا فكان الرجل من المؤمنين بمثليه أو أكثر في القتال في سبيل الله ، ويعني وصفهم بأنهم قوم لا يفقهون في الحرفين أنهم لا يفقهون أن الله أحق أن يرهب منه وأن يخاف من عذابه وعقابه .
وكما في قوله كذلك كدنا ليوسف يوسف 76 ومن المثاني معه قوله لا يستطيعون حيلة النساء 98 ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية .
وكما في قوله أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير خاتمة العاديات ومن المثاني معه قوله وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور غافر 18 ـ 19 وقوله ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 75 ـ 78 ويعني أن الظالمين في يوم القيامة سيعلمون رأي العين أن الله كان يعلم ما تخفي صدورهم في الدنيا إذ حصل ما فيها من الكبر والغل والحسد وسوء القصد وحوسبوا عليه ، ويعني حرف التوبة أن المنافقين كانوا قد أسروا في قلوبهم أن لا يصدقوا وأن لا يكونوا من الصالحين خلاف ما قالوه بألسنتهم وهو النفاق في قلوبهم الذي سيبعثون عليه ويحصل من قلوبهم فيحاسبون عليه .
وكما في قوله لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه القيامة 16 ـ 17 ومن المثاني معه قوله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه طـه 114 .
وكما في قوله وقل رب زدني علما طـه 114 ومن المثاني معه قوله واذكر ربك إذا نسيت الكهف 24 يعني ادع ربك أن يزيدك علما كما هو مفصل في حرف طـه .
وكما في قوله قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذن لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا الإسراء 100 ومن المثاني معه قوله أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا النساء 53 ويعني أن الإنسان القتور لو كان يملك خزائن رحمة رحمة ربنا لأمسكها عن الناس ولم يؤتهم منها نقيرا وإذن لما أوتي النبيون والرسل منها ما آتاهم ربهم من خزائن رحمته .
وكما في قوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد هود 73 ومن المثاني معه قوله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه النساء 54 ـ 55 ويعني أن ما آتى الله آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والملك العظيم لم يختص به آل إسرائيل وحدهم بل شاركهم فيه آل إسماعيل فرحمة الله وبركاته على أهل البيت كلهم والكتاب والحكمة والملك العظيم أوتيه آل إبرهيم كلهم فلماذا حسد اليهود الذين عاصروا نزول القرآن بني إسماعيل أن بعث منهم النبي الأمي وسيأتي من بيانه .
يتواصل
الحسن ولد ماديك
باحث أكاديمي في علوم القرآن
متخصص منذ 1981 في الحركات الباطنية عبر التاريخ
متخصص منذ 1981 في الجماعات الإسلامية
متخصص منذ 1989 في القراءات العشر الكبرى
متفرغ منذ 2001 لتفسير القرآن تحت الطبع
انواكشوط ـ موريتانيا
الجوال : 002226728040
المكتب : 002225210953
E.MAIL : [email protected]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وبعد فهذه نبذ مختصرة من تفسيري للقرآن قيد الإنشاء تحت عنوان من تفصيل الكتاب وبيان القرآن تجدون في "حوار مع المفسرين" بعضا من مقدمته ولقد اعتكفت عليه منذ بداية 2001 وهو في آخر مراحله علما بأنه لم يتناول المسائل الفقهية المعروفة بل مسائل أخرى أكثر إلحاحا وأكبر وجوبا تضمنها الكتاب المنزل ومنها أني استطعت بفضل الله ومنّه استنباط النص الكامل لكل من التوراة والإنجيل وما نبئ به كل نبي من قبل عبر التاريخ ، كل ذلك استنبطته من القرآن الكريم المهيمن على الكتب قبله ، المتضمن تفصيل كل شيء ، هذا وغيره من الموعودات التي نبأ الله بها رسوله وخاتم النبيين ولم تقع بعد وهي آتية قريبا إن شاء الله ، تفرغت لتتبعها ودراستها من القرآن وانشغل المفسرون والفقهاء والأصوليون في الحكام الفقهية ومسائل اللغة من الكتاب ، أتمنى إيصاله إلى خواص الأمة ليروا فيه رأيهم وأنا أول المذعنين إلى الحق إذا أثبتوا مخالفتي إياه إذ لست أدعي موافقة الحق وإنما أبحث عنه كما بينت في البحث العلمي الآتي بعض منه .
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين
إن رجال الدين الذين فرضوا على الناس تقليدهم في فقههم وفهمهم وحجروا على الرأي والفكر والعقل فأغلقوا دون الاجتهاد بابا ، لم يسعهم وخالفوا ما ارتضاه الله من المخالفين وأذن لنبيه بقبوله منهم وهو أن يأتوا بالدليل .
وسيعقل من تدبر القرآن أنه ناقش فريقين من المخالفين أحدهما كافر مشرك بالله ، خوطب في الكتاب المنزل من عند الله باستعمال السمع والبصر والفكر والعقل لإدراك الأدلة العقلية والحسية المادية ليهتدي إلى أن الله هو رب كل شيء وخالقه ومدبر أمره وليعبده المكلفون ويخافه من يفقهون ويعقلون ، وخطاب هـذا الفريق كما في قوله :
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون الطور 35 ـ 36
قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر البقرة 258
واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا الفرقان 3
وثاني الفريقين من المخالفين يقر بالله ربه الخالق خوطب في الكتاب المنزل من عند الله بأن الدليل أي الحجة والبرهان والسلطان المبين أي البين له أو عليه إنما هو بما تضمنه الكتاب المنزل من عند الله وكذلك دلالة قوله :
أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه فاطر 40
أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون الزخرف 21
أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين الصافات 153 ـ 157
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون القلم 34 ـ 39
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين البقرة 111
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين عمران 93 ـ 94
ويعني أن الكتاب المنزل من عند الله كالتوراة أو الإنجيل أو القرآن كل منه بينة وحجة لمن استمسك به في سلوك أو قول أو تصور ، إذ الكتاب المنزل من عند الله هو العهد منه كما في قوله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون البقرة 80 ويعني أن لم يتخذوا عند الله عهدا أن لن تمسهم النار إلا أياما معدودة بل هو مما قالوه بغير علم إذ لم يتضمنه الكتاب المنزل من عند الله إليهم وهو التوراة ، وكما في قوله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمان عهدا كلا مريم 77 ـ 79 ويعني أن الذي زعم أن سيؤتى لو بعث في الآخرة مالا وولدا كما في الدنيا إنما يفتري الكذب إذ لم يطلع الغيب كالنبيين والرسل ولم يتخذ عند الله عهدا أي لم يتضمن الكتاب المنزل من عند الله تصديق زعمه .
ويعني حرف فاطر أن من خالف في سلوكه أو قوله أو تصوره ما أمر الله به في الكتاب المنزل من عنده فلا يدع موافقة الحق إذ لم يكن على بينة من ربه بالكتاب المنزل من عنده .
ويعني حرف الزخرف أن المقلدين الذين يحتجون بالقدر ليفلتوا من الحساب والعقاب لا علم لهم بل يتبعون الظن ويكذبون إذ لم ينزل عليهم كتاب من الله يتضمن تصديق احتجاجهم بالقدر يستمسكون به ليكون لهم حجة عند الله يوم القيامة .
ويعني حرف الصافات أن الذين يزعمون أن الله قد اصطفى البنات على البنين مخطئون في حكمهم إذ ليس لديهم كتاب منزل من عند الله فيه سلطان مبين أي حجة واضحة على صدق زعمهم .
ويعني حرف القلم أن الذين يزعمون أن الله لن يدخل المتقين جنات النعيم ، بل سيدخلهم النار كالمجرمين قد أخطأوا في حكمهم إذ ليس لديهم كتاب منزل من عند الله قد درسوا فيه أن لهم ما يتخيرون من الأماني .
ويعني حرف البقرة أن اليهود الذين زعموا أن لن يدخل الجنة إلا من كان منهم ، وأن النصارى الذين زعموا أن لن يدخل الجنة إلا من كان منهم إنما يتمنون ، وهم كاذبون إذ لم تتضمن التوراة المنزلة من عند الله تصديق أمانيهم .
وويعني حرف عمران أن الذين يزعمون من بني إسرائيل أن لم يكن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة إنما هم مخطئون في زعمهم وكاذبون إذ لم تتضمن التوراة المنزلة من عند الله تصديق زعمهم .
ألا إن هـذا هو الإنصاف من رب العالمين ضاق به رجال الدين ذرعا .
وإن قوله :
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين الطور 33 ـ 34
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هود 13
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين يونس 38
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين البقرة 23 ـ 24
ليعني أن الذين يزعمون أن محمدا قد تقول القرآن وافتراه من دون الله مأمورون في القرآن أن يأتوا بحديث مثله أو عشر سور مثله أو سورة مثله أو من مثله ثم ليدعوا من استطاعوا من دون الله أي شهداءهم الذين يشهدون أن ما جاءوا به هو مثل القرآن أو مثل عشر سور منه أو سورة منه ، وأخبر الله عنهم أنهم لن يستجيبوا ولن يستطيعوا ولن يفعلوا بل سيعجزون عن الإتيان بمثله كما في قوله قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا الإسراء 88 .
وحسب التراث الإسلامي ـ قصورا منه ـ أن العجز الذي سيصيب الإنس والجن عن الإتيان بمثل القرآن ولو ظاهر بعضهم بعضا وأعانه هو عجزهم عن الإتيان بمثل أسلوبه ونظمه وفصاحته وبلاغته ... وكذلك لن يستطيع الإنس والجن ، غير أن عجزهم عن الإتيان بمثله يعني أن لن يستطيعوا أن يأتوا بكتاب من عند الله يصدق دعواهم أن القرآن الذي جاء به محمد هو مفترى من دون الله .
إن كتابا منزلا من عند الله هو وحده الذي يقع عليه الوصف بأنه مثل القرآن ، وسورة منزلة من عند الله هي التي يقع عليها الوصف بأنها مثله ، وكذلك عشر سور مثله وحديث مثله ، وللذين يعترضون أن يتأملوا قوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها البقرة 106 وإنما يعني بمثل الآية التي يقع نسخها إنزال آية أخرى من عند الله تحل محل الأولى ، وهـكذا فلن يصح نسخ الكتاب المنزل بالحديث النبوي ، ويأتي بيان قوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا البقرة 137 وقوله قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم الأحقاف 10 في كلية الكتاب ، أما غير المنزل من عند الله فلن يصح وصفه بأنه مثل المنزل من عند الله .
إن الله أذن لليهود الذين يزعمون خلاف ما تضمن القرآن أن يأتوا بالتوراة إن كانوا صادقين وليتلوا منها تصديق زعمهم الذي خالفه القرآن ليكون لهم حجة كما في قوله :
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين عمران 93
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين البقرة 111
ويعني أن التوراة دليل كاف إذ هي مثل القرآن كل منهما كتاب منزل من عند الله .
إن الله قد أرسل كل رسول بآيات خارقة معجزة من جنس ما بلغه الناس المرسل إليهم من العلم والأسباب ، ولتكون الآيات الخارقة مع الرسل بها هي الحق الذي يقذف به رب العالمين على الباطل فيدمغه فيزهق من حينه كما في قوله بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق الأنبياء 18 وكذلك قذف بالحق مع موسى على الباطل مع السحرة فدمغه فزهق من حينه ، ويعني أن لو كان القرآن باطلا أي مفترى من دون الله لنزل الله كتابا من نوعه يدمغه فيزهق وهو دلالة إعجاز القرآن كما في قوله :
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين القصص 48 ـ 49
أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا الأحقاف 8
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هود 13
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين يونس 38
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين البقرة 23
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين الطور 33 ـ 34
ويعني حرف القصص أن الحق الذي جاء به محمد من عند ربه وهو القرآن لم يؤمن به بعض المكذبين بسبب أن لم يؤت محمد مثل ما أوتي موسى من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء التي أرسل بها إلى فرعون وملئه ، فزعموا أن موسى ومحمدا افتريا التوراة والقرآن فخوطبوا في القرآن أن يأتوا بكتاب من عند الله يثبت صدقهم إن كانوا صادقين ، وليتبعن محمد كل كتاب منزل من عند الله .
ويعني حرف الأحقاف أن الذين يزعمون أن القرآن مفترى من دون الله لن يملكوا من الله شيئا يصدقهم في دعواهم أي لا يستطيعون أن يأتوا من عند الله بشيء ومنه بعض سورة من مثل القرآن ولا أن يأتوا بآية خارقة من عند الله تثبت صدقهم .
وإن دلالة أمر المكذبين بدعوة من استطاعوا من دون الله وشهدائهم الذين يشهدون لهم أن كتابا مثل القرآن أو مثل بعضه هو من عند الله يصدقهم في زعمهم أن القرآن مفترى من دون الله ليعني أن المفتري على الله كتابا أو آيات بينات مفضوح في الدنيا معذب فيها كما هي دلالة قوله قل إن افتريته فعلي إجرامي هود 34 ومن المثاني معه في قوله وإن يك كاذبا فعليه كذبه غافر 28 وقوله ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين الحاقة 44 ـ 47 أي أن المفتري على الله سيفتضح ويعذب في الدنيا بإجرام الافتراء على الله وحرف غافر من قول رجل مؤمن من آل فرعون يعني أن موسى إن يك كاذبا على الله فلن يحتاجوا إلى قتله بل سيؤاخذه الله في الدنيا بكذبه .
قلت : ولقد ضمنت تفسيري " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن " فقها جديدا فقهته وعقلته من الكتاب المنزل على رسول الله وخاتم النبيين وجهله التراث الإسلامي من قبل وفاته ، وبينت من أصول التفسير وكلياته الآتي بيانهما ليعلم المخالفون وجمعهم أن الدليل والبرهان لي أو عليّ ، ولهم أو عليهم إنما هو الكتاب المنزل من عند الله لا التراث الإسلامي أي فقه من سبق من القراء والفقهاء والمفسرين والمحدثين الذين أزعم قصورهم عن فهم الكتاب المنزل على النبي الأمي وعن فهم الأحاديث النبوية .
ولقد استنبطت من أصول التفسير وكلياته ومن تفصيل الكتاب المنزل وتعجلت التعريف به ليفقه الذين يريدون أن يتدبروا القرآن كيف عقلت من "تفصيل الكتاب ومن بيان القرآن"
علم التفسير عبر التاريخ الإسلامي في الميزان
إن قوله :
أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا الأنعام 114
ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم الأعراف 52
ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون خاتمة يوسف
ليعني أن الكتاب المنزل على خاتم النبيين الأمي قد فصله رب العالمين على علم تفصيلا خارقا لا يقدر على مثله غيره وهيهات أن نحيط علما بتفصيله أو أن نحصيه كما في قوله علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن المزمل 20 أي لن تحصي الأمة كلها الكتاب المنزل على النبي الأمي من العلم والمعاني والدلالات ولو كانت تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه بعد ناشئة الليل أي بعد ما أنشأوا من يقظة بعد نوم لأجل صلاة الليل ليكونوا أقرب إلى تدبر القرآن وفقهه ودراية الكتاب والإيمان .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من لفظ الكتاب ولفظ القرآن في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من اسم الله واسم رب العالمين في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من الأسماء الحسنى في المصحف معنى ووعدا حسنا غير مكذوب سيقع نفاذه بعد نزول القرآن في الدنيا أو في الآخرة ولو أبدل أحدها بالآخر لانخرم السياق ولاختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن لكل من النبوة والرسالة أو النبي والرسول في المصحف دلالة ومعنى قائم لا يقوم به الآخر لو أبدل به إذ سينخرم السياق ويختلف المعنى اختلافا ينتفي معه الوصف بتفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أنه قد حوى مما نبأ الله به آدم فمن بعده من النبيين من ذرية آدم وما نبأ الله به نوحا فمن بعده من النبيين إلى خاتم النبيين محمد الأمي .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أنه قد حوى كثيرا من نصوص التوراة والإنجيل وأن تدبره يهدي إلى نسخة من كل من التوراة والإنجيل بلسان عربي مبين مستخرجة من القرآن غير محرفة كما يأتي تفصيله وتحقيقه على أرض الواقع .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن كلما كان في السياق موعودان في الكتاب المنزل تقدم الموعود المتأخر منهما في سياق مخاطبة المؤمنين بالغيب كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن كلما كان في السياق موعودان في الكتاب المنزل تقدم الموعود الأول منهما على الأصل في سياق مخاطبة الذين ينكرون الغيب كما يأتي تحقيقه .
وإن من تفصيل الكتاب المنزل على النبي الأمي أن ترتيب السور كما في المصحف طبقا للعرضتين الأخيرتين تماما كترتيب الآي والكلمات هو من التفصيل المنزل ، ولن يتمكن قارئ أو مستمع متدبر من دراية الكتاب قبل التقيد به واعتباره كما يأتي تحقيقه .
مدلول الكتاب والقرآن
إن الكتاب والقرآن في كلامنا لفظان مترادفان لدلالة كل منهما على ما بين دفتي المصحف ، وهو الكتاب أي المكتوب ، وهو القرآن أي المقروء ، ولإثبات قصور هـذا الإطلاق في كلامنا فإن من تفصيل الكتاب أن قد وردت للفظ الكتاب في المصحف عشرة معان بل أكثر سأذكر منها في هـذا المقام تسعا :
أولاها : بمعنى المكتوب كما في قوله :
• ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله البقرة 235
• والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم النور 33
• وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب عمران 78
• اذهب بكتابي هـذا النمل 28
ولا يقع شيء منها على الكتاب المنزل من عند الله على الرسل والنبيين ، لكن على المتربصة بنفسها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن من أولات الأحمال أن تكتب يوم ابتدأت العدة ليبلغ الكتاب أجله المعلوم وهو انقضاء العدة ، ولكأن العدة دين عليها ووجبت كتابة الدين كما في قوله ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله البقرة 282 ، وللمكاتب أن يجعل لنفسه أجلا معلوما يفتدي به من الرق وليكتب ذلك الأجل يوم ابتدئ العقد ، والذين يلوون ألسنتهم بما كتبوه من عند أنفسهم إنما هو من عند أنفسهم لا من عند الله كما في قوله لتحسبون من الكتاب وما هو من الكتاب عمران 78 أي ليس هو من الكتاب المنزل من عند الله ، والكتاب الذي حمله الهدهد إلى ملكة سبإ هو رسالة سليمان المعلومة .
وثانيها : بمعنى الفريضة على المكلفين كما في قوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا النساء 103 أي فريضة فرضت عليهم في أوقات معلومة ، وقوله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم النساء 24 يعني أن تحريم المذكورات فريضة من الله عليكم ، وكذلك دلالة قوله كتب عليكم الصيام البقرة 183 وقوله كتب عليكم القصاص البقرة 178 وشبهه أي فرض عليكم .
وثالثها : اللوح المحفوظ كما في قوله :
• ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير الحديد 22
• قال فما بال القرون الأولى قال علما عند ربي في كتاب طـه 51 ـ 52
• فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الأعراف 37
ورابعها : الصحف التي سيؤتاها يوم يقوم الحساب صاحب اليمين بيمينه وصاحب الشمال بشماله وأشقى منه وراء ظهره كما في قوله :
• فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا الانشقاق 7ـ8
• وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه الحاقة 25
• وأما من أوتي كتابه وراء ظهره الانشقاق 10
ويعني الأعمال الفردية التي لم يشترك معه غيره فيها .
وخامسها : بمعنى الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح والصور الرقمية المستنسخة من الأعمال بعد الموت ، أما أرواح الأبرار بعد موتهم فيصعد بها إلى عليين بعد أن تفتح لهم أبواب السماء فيجدون أمامهم أعمالهم الصالحة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي لا يفرقون بينها وبين ما عملوه في الدنيا أي هي صور مستنسخة من الأصل رقمية كما في قوله كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون التطفيف 18 ـ21 ، وكذلك يشهد أي يحضر المقربون في عليين أرواح الأبرار بعد موتهم حين صعودها إلى عليين ويسألونهم عمن تركوا خلفهم من الأهل والأصحاب كما في الأحاديث النبوية التي بيّن بها النبي الأمي حرف التطفيف .
وأما أرواح الفجار بعد موتهم فيهبط بها إلى أسفل في سجين في أعماق الأرض فيجدون أمامهم أعمالهم السيئة مستنسخة تعرض عليهم كأنما هي كتاب مرقوم أي هي صور رقمية مستنسخة من الأعمال في الدنيا كما في قوله كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم التطفيف 7 ـ9
وسادسها : كتاب كل أمة يوم القيامة كما في قوله :
• وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هـذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا منا نستنسخ ما كنتم تعملون الجاثية 28 ـ 29
• ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون الزمر 69
• ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهـذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا الكهف 49
ويعني الأعمال الجماعية التي اشترك فيها اثنان فأكثر كتسعة رهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون يوم تحالفوا وتقاسموا أن يغتالوا صالحا رسول الله .
وتعني دلالة لفظ الكتاب الخامسة والسادسة وقوعها على ما ينظر إليه ويعرف ولو كان صورا معروضة وكما وصفته آنفا أنه الظرف المكاني الذي تنتقل إليه الأرواح وصور الأعمال بعد الموت ، وإنما احترزت في هذا الوصف من دلالة لفظ الكتاب على الحروف المكتوبة المقروءة وظرفها المكاني الذي يجمعها ويشملها وهي الصحف .
وسابعها : الكتاب الذي أوتيه جميع النبيين والرسل قبل التوراة كما في قوله :
• كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه البقرة 213
• وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة عمران 82
• لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان الحديد 25
• ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم البقرة 129
• ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا الفرقان 35
• وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل المائدة 110
• ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل عمران 48
ولا يخفى أن كثيرا من النبيين والرسل كانوا قبل التوراة التي أوتيها موسى ومنهم إبراهيم وإسماعيل ، ولا يخفى أن حرف الفرقان يعني أن كتابا قد أوتيه موسى قبل رسالته إلى فرعون فهو كالذي أوتيه كل نبي ورسول قبل النبي الأمي ، ولا يعني حرف الفرقان التوراة التي أوتيها موسى بعد إغراق فرعون وجنوده ، ولا يخفى أن عيسى قد علمه ربه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل مما يعني المغايرة وأن لكل من الأربعة مدلول خاص به وإلا لزم القول بأن للتوراة والإنجيل مدلول واحد وهو ظاهر الفساد .
وثامنها وقوع لفظ الكتاب على التوراة أو الإنجيل أو هما معا كما في قوله :
• وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب الإسراء 4
• فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك يونس 94
• أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين الأنعام 156
وكذلك حيث اقترن لفظ الكتاب بموسى سوى حرف الفرقان وحيث وصف أهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب .
ولن يصح إبدال لفظ الكتاب في الأحرف المذكورة وشبهها بلفظ القرآن لأن للقرآن دلالة أخرى لا يصح إيرادها في غيرها كما يأتي تحقيقه .
وتاسعها الكتاب المنزل على خاتم النبيين كما في قوله :
• نزل عليك الكتاب بالحق عمران 2
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله النساء 105
• وهـذا كتاب أنزلناه مبارك الأنعام 92 ـ 155
• لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون الأنبياء 15
• إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق الزمر 41
إن الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل قبل التوراة لا اختلاف بينه وبين الكتاب الذي تضمنه كل من التوراة والإنجيل والقرآن ، لأن التوراة قد حوت الكتاب وزادت عليه نبوة موسى ، وحوى الإنجيل الكتاب وزاد عليه نبوة عيسى ، وحوى القرآن الكتاب وزاد عليه نبوة خاتم النبيين ونبوة النبيين قبله كما في قوله وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه المائدة 48 .
وإنما علم الرسل والنبيون قبل التوراة الكتاب غيبا فكانوا يعلّمون أممهم منه بقدر استعدادهم للتلقي ثم أنزل الله الكتاب مع موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وتعبد الناس بدراسته ودرايته كما يأتي بيانه في تفصيل الكتاب وبيان القرآن .
إن الكتاب هو ما تضمن المصحف من الإيمان بالله رب العالمين ، وما تضمن عن العالمين كخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما ، وتدبير أمر الخلق كله ، وما حوى من النعم في الدنيا ومن وصف مخلوقاته وكذا المؤمنون والكفار والمشركون والمنافقون ، وما حوى من التشريع أي الخطاب الفردي والجماعي ، ومن التكليف لسائر العالمين ، وما تضمن عن الحياة والموت والقدر كله والبعث والحساب والجزاء بالجنة أو النار .
وأما القرآن فهو ما حوى المصحف من القصص والذكر والقول والنبوة والأمثال ومن الحوادث التي وعد الله أن تقع بعد خاتم النبيين قبل النفخ في الصور .
وهكذا كان من تفصيل الكتاب أن قوله :
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس النساء 105
• إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين الزمر 2
• ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء النساء 127
• وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم البقرة 231
قد تضمن لفظ الكتاب لاشتماله على الحكم بين الناس وعلى الأمر بالعبادة وعلى الأحكام الشرعية التي شرع الله للناس ، ولو أبدل لفظ الكتاب بلفظ القرآن في الآيات المتلوة المذكورة لانخرم المعنى كما سيأتي .
إن عاقلا أو مغفلا لن يقول إنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم سيعدمه ويعيد خلقه كما خلقه أول مرة ، وكان حريا بالناس أن يفهموا الكتاب لوضوحه وهل في الله فاطر السماوات والأرض شك ؟ ومتى احتاج الأمر بالصلاة والزكاة وسائر التكاليف إلى تدبر ، وإنما هي تكاليف من رب العالمين فمن شاء زكى نفسه بها ومن شاء دساها بالإعراض عنها .
وكان من تفصيل الكتاب أن قوله :
• وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله امكثوا إني آنست نارا النمل 6 ـ 7
• نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا القرآن يوسف 3
• وأوحي إلي هـذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ الأنعام 19
• ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر القمر 17 ـ 22 ـ 321 ـ 40
• فذكر بالقرآن من يخاف وعيد خاتمة سورة ق
• ولقد ضربنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل الروم 58 الزمر 27
• هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ خاتمة البروج
وشبهه قد تضمن لفظ القرآن لاشتماله على القصص والوعد في الدنيا والذكر والأمثال ولو أبدل لفظ القرآن فيه بلفظ الكتاب لانخرم المعنى .
ولقد أدرك كفار قريش هـذا التفصيل وقالوا كما في قوله وقال الذين كفروا لن نؤمن بهـذا القرآن ولا بالذي بين يديه سبأ 31 أي لن يؤمنوا بالقرآن ذي الموعودات في الدنيا ولا بالكتاب ذي التكاليف التي على رأسها ترك الأوثان وعبادة الله وحده ، وذي الموعودات بالآخرة .
النسخ
إن كلا من الكتاب والقرآن كلام الله وليس من قول البشر كما هي دلالة قوله ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين الشعراء 198 ـ 199 ويعني أن لو كان الرسول بالقرآن أعجميا لا يتكلم اللسان العربي لقرأ القرآن على الناس كما نزل على قلبه أي كما أقرئ تماما كما أضحى معلوما لكل الناس سماع الكلام من الأشرطة والأسطوانات التي لا تملك له تحريفا ولا تغييرا ، وهكذا أقرئ النبي الأمي القرآن كما في قوله سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله الأعلى 6 ـ 7 وليس الاستثناء من الله حشوا ولا زيادة لا تعني شيئا سبحان الله وتعالى وإنما هو وعد سيتم نفاذه أي سينسى منه النبي الأمي ما شاء الله وهو ما لم تتضمنه العرضتان الأخيرتان .
ولم يقع في القرآن نسخ سبحان الله وتعالى أن يخلف الميعاد وإنما القرآن ذكر وقصص وموعودات نبئ بها النبي الأمي ستقع قبل النفخ في الصور .
ولم يقع نسخ في موعودات الكتاب التي ستقع في الآخرة ولا في أسماء الله ومشيئته وتدبيره الأمر في السماوات والأرض .
إن قوله :
• ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها البقرة 106
• وإذا بدلنا آية مكان آية النحل 101
ليعني وقوع النسخ في التشريع خاصة من الكتاب المنزل ، وقد وعد الله أن يأتي بآية خير من الآية المنسوخة أي ينزلها ، وكان في كل آية مبدلة إصر أو تحريم وفي الآية البدل تخفيف وتيسير أو تحليل ، ألم تر أن قوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون الأنعام 146 يعني أن نبيا بعد موسى نزل عليه ذلك التحريم ، وأن قوله ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم عمران 50 يعني أن عيسى قد نزل عليه تحليل بعض ما حرم على بني إسرائيل كالذي تضمنه حرف الأنعام ، فالأول المنسوخ فيه إصر وتحريم والثاني البدل فيه تخفيف وتحليل ، وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في نسخ شرب الخمر بقوله يـأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون المائدة 90 ـ 91 وذلك بعد الكراهة كما في قوله ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون النحل 67 ويعني أن من يعقل سيدرك أن الموصوف بالسكر ليس رزقا حسنا وإنما هو رزق قبيح وكذلك بعد قوله يـأيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون النساء 43 ويعني أن السكر مذهب للعلم والوعي والإدراك .
وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في تكليف الواحد من المؤمنين وهو في ساحة المعركة أن يصبر ولا يولي الدبر ولو قاتله العشرة من الكفار بقوله يـأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الأنفال 65 ولا يخفى ما فيه من المشقة على البعض وقد نسخ بقوله الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين الأنفال 66 .
وكذلك تضمن التشريع المنزل على النبي الأمي مثل ذلك كما في نسخ التكليف بفرض الإقامة الجبرية في المنزل على الزانية مدى الحياة كما في قوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا النساء 15 وقد نسخ بقوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة النور 2 ولا يخفى أن في الأول المنسوخ إصر ومشقة وفي الثاني البدل تخفيف وتيسير هو على الأمة خير من التكليف الأول الثقيل .
بيان قوله كتابا متشابها مثاني
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني الزمر 23 ليعني أن كل دلالة أو معنى في الكتاب قد أنزل مرة ومرة حتى تشابه وتكرر كما في قوله وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة الزمر 45 ومن المثاني معه قوله إلـهكم إلـه واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة النحل 22 ويعني أن قلوب المشركين تشمئز من الإيمان بالله وحده أي تنكره .
وكما في قوله قال لن تراني الأعراف 143 ومن المثاني معه قوله لا تدركه الأبصار الأنعام 103 ويعني أن موسى لم ير ربه وكذلك لم يره أحد ولن يراه في الدنيا إذ لا تدركه الأبصار أما في الآخرة فيراه المكرمون من الناس كما في قوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة القيامة 22 ـ 23 ومن المثاني معه قوله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون المطففين 15 ويعني المعتدي الأثيم أما غيرهم فغير محجوبين عن ربهم بل يرونه .
وكما في قوله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم المجادلة 7 ومن المثاني معه قوله ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا النساء 107 ـ 108 وقوله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 78 ويعني أن الله على كل شيء ومنه النجوى شهيد لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه علام الغيوب .
وكما في قوله فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الأعراف 37 ومن المثاني معه قوله فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص هود 109 وقوله فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون الأعراف 135 ويعني أن المكذبين لن يعجل لهم العذاب قبل أن يستوفوا نصيبهم من المتاع والرزق والحياة كما كتب لهم في اللوح المحفوظ فلا ينقصون منه شيئا .
وكما في قوله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه الأنفال 24 ومن المثاني معه قوله ونحن أقرب إليه من حبل الوريد سورة ق 16 ويعني أن القلب هو محل الإرادة ويرسلها عبر حبل الوريد ، والله أقرب إلى الإنسان منهما أي يحول بينه وبين التوبة إذا جاء الموت فهلا بادروا بها قبل الأجل .
وكما في قوله لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش الأعراف 41 ومن المثاني معه قوله لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل الزمر 16 وقوله يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم العنكبوت 55 .
وكما في قوله وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير الشورى 30 ومن المثاني معه قوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هـذا قل هو من عند أنفسكم ويعني أن المؤمنين قد أصابوا من المعاصي مثلي ما أصابهم من القتل والقرح في غزوة أحد وكما سيأتي بيانه في الأسماء الحسنى .
وكما في قوله الرجال قوامون على النساء النساء 34 ومن المثاني معه قوله وألفيا سيدها لدى الباب يوسف 25 ويعني أن الزوج هو القائم على شؤون امرأته المسؤول عنها أي هو سيدها .
وكما في قوله قال فرعون وما رب العالمين الشعراء 23 ومن المثاني معه قوله وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان الفرقان 60 ويعني أن العبد إذا نسي ربه سيقع منه حتما نسيان نفسه وهكذا يطغى ويتجاوز حده وينكر خالقه .
وكما في قوله يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا خاتمة النبإ ومن المثاني معه قوله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا النساء 42 ويعني أن الكافر في يوم القيامة حين تعرض عليه أعماله يتمنى أن يكون ترابا أي تسوى به الأرض ولا يحاسب عليها .
وكما في قوله هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ومن المثاني معه قوله وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما طـه 111 ويعني أن وجوها ستنصب وهو عنتها لله الحي القيوم يوم يقوم الناس لرب العالمين في يوم القيامة فتعاني وجوه من التعب والمشقة والخشوع ما لا ينفعها بل ستخيب بما حملت من الظلم وستصلى بعده نارا حامية .
وكما في قوله هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ومن المثاني معه قوله أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا مريم 67 وقوله وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا مريم 9 .
وكما في قوله ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم الأعراف 11 ومن المثاني معه قوله كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحييناكم ثم يميتكم ثم يحييكم البقرة 28 ويعني أن جميع بني آدم قد خلقوا وصوروا قبل أمر الملائكة بالسجود لآدم وماتوا جميعا فكان كل منهم ميتا إلى أن يحيى في بطن أمه .
وكما في قوله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الأنفال 65 ومن المثاني معه قوله لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون الحشر 13 ويعني أن جمع وكثرة الكفار والمنافقين والمشركين أضعفها رهبتهم من الذين آمنوا فكان الرجل من المؤمنين بمثليه أو أكثر في القتال في سبيل الله ، ويعني وصفهم بأنهم قوم لا يفقهون في الحرفين أنهم لا يفقهون أن الله أحق أن يرهب منه وأن يخاف من عذابه وعقابه .
وكما في قوله كذلك كدنا ليوسف يوسف 76 ومن المثاني معه قوله لا يستطيعون حيلة النساء 98 ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية .
وكما في قوله أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير خاتمة العاديات ومن المثاني معه قوله وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور غافر 18 ـ 19 وقوله ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة 75 ـ 78 ويعني أن الظالمين في يوم القيامة سيعلمون رأي العين أن الله كان يعلم ما تخفي صدورهم في الدنيا إذ حصل ما فيها من الكبر والغل والحسد وسوء القصد وحوسبوا عليه ، ويعني حرف التوبة أن المنافقين كانوا قد أسروا في قلوبهم أن لا يصدقوا وأن لا يكونوا من الصالحين خلاف ما قالوه بألسنتهم وهو النفاق في قلوبهم الذي سيبعثون عليه ويحصل من قلوبهم فيحاسبون عليه .
وكما في قوله لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه القيامة 16 ـ 17 ومن المثاني معه قوله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه طـه 114 .
وكما في قوله وقل رب زدني علما طـه 114 ومن المثاني معه قوله واذكر ربك إذا نسيت الكهف 24 يعني ادع ربك أن يزيدك علما كما هو مفصل في حرف طـه .
وكما في قوله قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذن لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا الإسراء 100 ومن المثاني معه قوله أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا النساء 53 ويعني أن الإنسان القتور لو كان يملك خزائن رحمة رحمة ربنا لأمسكها عن الناس ولم يؤتهم منها نقيرا وإذن لما أوتي النبيون والرسل منها ما آتاهم ربهم من خزائن رحمته .
وكما في قوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد هود 73 ومن المثاني معه قوله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه النساء 54 ـ 55 ويعني أن ما آتى الله آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والملك العظيم لم يختص به آل إسرائيل وحدهم بل شاركهم فيه آل إسماعيل فرحمة الله وبركاته على أهل البيت كلهم والكتاب والحكمة والملك العظيم أوتيه آل إبرهيم كلهم فلماذا حسد اليهود الذين عاصروا نزول القرآن بني إسماعيل أن بعث منهم النبي الأمي وسيأتي من بيانه .
يتواصل
الحسن ولد ماديك
باحث أكاديمي في علوم القرآن
متخصص منذ 1981 في الحركات الباطنية عبر التاريخ
متخصص منذ 1981 في الجماعات الإسلامية
متخصص منذ 1989 في القراءات العشر الكبرى
متفرغ منذ 2001 لتفسير القرآن تحت الطبع
انواكشوط ـ موريتانيا
الجوال : 002226728040
المكتب : 002225210953
E.MAIL : [email protected]