د علي الأزهري
New member
من ترجيحات الفيروزآبادي واختياراته في التفسير وعلوم القرآن:
تظهر شخصية العلامة الفيروزآبادي في كتابه تيسير فائحة الأناب في أكثر من موطن، ومن هذه المواطن ما يظهر من خلال الترجيحات في التفسير وعلوم القرآن، وقد تنوعت ترجيحاته واختياراته ما بين التفسير وعلوم القرآن واللغة وغيرها، ومن هذه المواطن:
أولاً: ما ذكره عند نزول سورة الفاتحة، وأنها نزلت بمكة فقال:
« وهي مكية، وبه قال على بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس في الأشهر عنه.
وعن أبي هريرة وجماعة منهم مجاهد أنها مدنية، وهي رواية عن ابن عباس.
وقيل: نزلت بمكة من حين فرضت الصلاة، وبالمدينة أخرى حين حولت القبلة، مبالغة في تشريفها وتعظيمها، وتفضيلاً لها على سائر السور».
ثم ساق الأدلة على نزولها بمكة، ورجح القول بأنها مكية.
ويتحصل مما ذكره هنا ثلاثة أقوال:
1 – القول الأول أنها مكية.
2 – القول الثاني أنها مدنية.
3 – القول الثالث أنها نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة.
ويلاحظ أنه رجح أنها نزلت بمكة واستدل لذلك بأدلة ثلاثة:
الدليل الأول: أن الله تعالى فرض الصلاة على النبي ^ بمكة، ومن المحال أن يصلى النبي ^ بمكة عدة أعوام بغير فاتحة الكتاب، وهذا ما ذكره العلامة الواحدي([2]).
الدليل الثاني: أنه قد ورد في السنة ما يؤكد نزولها بمكة، من بعض طرق حديث خديجة، وحديث أبي ميسرة من « أنها أول ما أنزل » ([3]).
الدليل الثالث: أنه ورد ذكرها والامتنان بها في قوله تعالى :﴿ ولقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾[الحجر:87] في سورة الحجر وهي سورة مكية.
والحق مع العلامة الفيروزآبادي فيما ذهب إليه لقوة أدلته، وأدلة الفريق الذي اختار جانبه.
ثانياً: ومن ترجيحاته أيضاً ما اختاره عند بيانه للمنعم عليهم في قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة:7] حيث قال: «والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء في قوله: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (*) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفي بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾[النساء:69-70].
وقال الضحاك: قرأ ابن عباس ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ فقال: بطاعتك وعبادتك من ملائكتك والصديقين والشهداء والصالحين، وذلك نظير ما قال ربنا: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ.. ﴾الآية.
وقال الطبري: عن الربيع: هم النبيون، وقال ابن جريج عن ابن عباس: هم المؤمنون، وقال وكيع: هم المسلمون، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم النبي صلى الله عليه وسلم
ومن معه([4])، وتفسير ابن عباس أعم وأشمل»([5]).
فقد رجح هنا أن المراد بالمنعم عليهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وقد بنى ترجيحه هنا على أمور منها:
أ – موافقته لما جاء في القرآن الكريم، حيث جاء المراد هنا مفسراً في موضع آخر في سورة النساء، والقول الذى يؤيده القرآن مقدم على ما سواه([6]).
ب – أن هذا القول أعم وأشمل من الأقوال الأخرى الواردة في تفسير الآية، حيث اقتصرت الأقوال الأخرى على التفسير بالمثال، أما هذا التفسير فقد جمعها كلها، والقول بالعموم أولى في تفسير الآية.
ج – نسبة هذا القول إلى حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضى الله عنهما، وذلك ما ذهب إليه وأيده جمهور المفسرين، وبهذا يظهر أن الحق مع العلامة الفيروزآبادي والفريق الذى اختار جانبه.
ثالثاً: ومن ترجيحاته واختياراته تفسيره لـ « المغضوب عليهم » باليهود، و « الضالين » بالنصارى حيث يقول: « إن كلاً من اليهود والنصارى ضال ومغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، وبهذا وردت أحاديث وآثار، منها حديث عدى بن حاتم عند الإمام أحمد والترمذي وغيرهما أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن قول الله عز وجل
: ﴿ غير المغضوب عليهم ﴾ قال: هم اليهود، قلت: ﴿ ولا الضالين ﴾ قال: النصارى هم الضالون، وروينا من حديث ابن عباس وابن مسعود كلاهما عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
﴿ غير المغضوب عليهم ﴾ هم اليهود، و( الضالين ) هم النصارى.
وكذلك قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد.
قال ابن أبي حاتم: «[SUP][SUP][7][/SUP][/SUP][SUP]) [/SUP]( ولا أعلم من المفسرين في هذا خلافاً » .
فقد رجح هنا أن «المغضوب عليهم» هم اليهود؛ وأن « الضالين» هم النصارى، وقد بنى ترجيحه هنا على أمور منها:
أ - أن السنة قد فسرت« المغضوب عليهم » باليهود و « الضالين » بالنصارى، ومعلوم أنه إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه([9]).
قال العلامة القرطبي بعد أن ذكر التفسير الوارد في السنة والأقوال الأخرى:« وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم
أولى وأعلى وأحسن»([10]).
ب – أن هذا القول هو اختيار عدد كبير من الصحابة والتابعين، منهم: عدى بن حاتم وابن مسعود وابن عباس، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد.
ج – أن هذا القول عليه جمهور المفسرين سلفاً وخلفاً، وقد حكى بعض المفسرين الإجماع على ذلك، كابن أبي حاتم والسمرقندي، والماوردي، والشوكاني، وغيرهم([11]).
وقد ذكر هنا قول ابن أبي حاتم: « ولا أعلم من المفسرين في هذا خلافاً ».
وقد قدم القرطبي هذا القول على ما عداه، وبين أنه قول جمهور المفسرين، وأن القرآن والسنة يشهدان له، وذكر الأقوال الأخرى بصيغة التمريض فقال: « اختلف في﴿ المغضوب عليهم﴾ و﴿ الضالين ﴾ من هم؟، فالجمهور: أن « المغضوب عليهم » اليهود، و « الضالين » النصارى، وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم
في حديث عدي بن حاتم وقصة إسلامه، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده([12])، والترمذي في جامعه([13])، وشهد لهذا التفسير أيضا قوله سبحانه في اليهود: ﴿ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ﴾[البقرة:61، وآل عمران:112]، وقال:﴿ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ ﴾[الفتح:6]، وقال في النصارى: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾[المائدة:77]» ([SUP][SUP][14][/SUP][/SUP]).
وبهذا يتبين لنا أن الحق مع العلامة الفيروزآبادي ومن اختار جانبه من المفسرين فيما ذهب إليه من أن المراد بـ« المغضوب عليهم» اليهود؛ و « الضالين » هم النصارى.
[2]) أسباب النزول للواحدي تح: الحميدان ص20.
([3]) أخرجه ابن أبي شيبة في المغازي، باب ما جاء في مبعث النبي7/329، وابن إسحاق في السيرة ص132، والبيهقي في دلائل النبوة2/158، باللفظ الذى سيأتي بعد، قال العلامة السيوطي في الإتقان في معرض حديثه عن أول ما نزل: «القول الثالث: سورة الفاتحة، قال في الكشاف4/775: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت "اقرأ " وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب، قال ابن حجر: والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول(فتح البارى8/714)، وحجته ما أخرجه البيهقي في الدلائل2/165، والواحدي في التفسير الوسيط1/57، من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لخديجة: « إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا »، فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فو الله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم ، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت: اذهب مع محمد إلى ورقة. فانطلقا فقصا عليه فقال: «إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد! فأنطلق هاربا في الأفق »، فقال: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه: يا محمد قل: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين﴾ حتى بلغ: ﴿ ولا الضالين﴾»، الحديث. هذا مرسل رجاله ثقات، وقال البيهقي: هذا منقطع، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه« اقرأ باسم ربك »و«يا أيها المدثر»الإتقان1/94، وقال ابن كثير في البداية والنهاية4/24: « هو مرسل، وفيه غرابة، وهو كون الفاتحة أول ما نزل»، وقال السيوطي في نواهد الأبكار1/49:« لم يثبت في ذلك حديث ولا أثر، وإنما هو شيء قاله بعض العلماء اجتهادًا، والوارد أنها نزلت بمكة أول بدء الوحي، كذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف، وأبو نعيم، والبيهقي كلاهما في " دلائل النبوة " من مرسل أبي ميسرة».
([4]) الطبري في تفسيره،1/178، زاد المسير1/21، الفخر الرازى1/245، تفسير ابن جزى1/66، تفسير ابن كثير1/140، تفسير المراغى1/36.
([5]) يراجع تفسير الطبرى1/178، تفسير ابن كثير1/140.
([6]) مختصر قواعد الترجيح عند المفسرين صـ121.
([7]) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم1/31.
([9]) مختصر قواعد الترجيح عند المفسرين صـ74.
([10]) تفسير القرطبي1/150.
([11]) يراجع تفسير القرآن من الجامع لابن وهب1/54، تفسير الطبرى1/185، تفسير ابن أبي حاتم1/31، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين1/119، غرائب التفسير1/105، تفسير العز بن عبد السلام1/92، الدر المنثور1/42.
([12]) مسند أبي داود الطيالسي 2 /371.
([13]) أخرجه الترمذي، في أبواب التفسير، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب، هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب5/54.
([14]) تفسير القرطبي1/149،150، ويراجع فتح القدير للشوكانى1/29،30.
تظهر شخصية العلامة الفيروزآبادي في كتابه تيسير فائحة الأناب في أكثر من موطن، ومن هذه المواطن ما يظهر من خلال الترجيحات في التفسير وعلوم القرآن، وقد تنوعت ترجيحاته واختياراته ما بين التفسير وعلوم القرآن واللغة وغيرها، ومن هذه المواطن:
أولاً: ما ذكره عند نزول سورة الفاتحة، وأنها نزلت بمكة فقال:
« وهي مكية، وبه قال على بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس في الأشهر عنه.
وعن أبي هريرة وجماعة منهم مجاهد أنها مدنية، وهي رواية عن ابن عباس.
وقيل: نزلت بمكة من حين فرضت الصلاة، وبالمدينة أخرى حين حولت القبلة، مبالغة في تشريفها وتعظيمها، وتفضيلاً لها على سائر السور».
ثم ساق الأدلة على نزولها بمكة، ورجح القول بأنها مكية.
ويتحصل مما ذكره هنا ثلاثة أقوال:
1 – القول الأول أنها مكية.
2 – القول الثاني أنها مدنية.
3 – القول الثالث أنها نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة.
ويلاحظ أنه رجح أنها نزلت بمكة واستدل لذلك بأدلة ثلاثة:
الدليل الأول: أن الله تعالى فرض الصلاة على النبي ^ بمكة، ومن المحال أن يصلى النبي ^ بمكة عدة أعوام بغير فاتحة الكتاب، وهذا ما ذكره العلامة الواحدي([2]).
الدليل الثاني: أنه قد ورد في السنة ما يؤكد نزولها بمكة، من بعض طرق حديث خديجة، وحديث أبي ميسرة من « أنها أول ما أنزل » ([3]).
الدليل الثالث: أنه ورد ذكرها والامتنان بها في قوله تعالى :﴿ ولقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾[الحجر:87] في سورة الحجر وهي سورة مكية.
والحق مع العلامة الفيروزآبادي فيما ذهب إليه لقوة أدلته، وأدلة الفريق الذي اختار جانبه.
ثانياً: ومن ترجيحاته أيضاً ما اختاره عند بيانه للمنعم عليهم في قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة:7] حيث قال: «والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء في قوله: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (*) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفي بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾[النساء:69-70].
وقال الضحاك: قرأ ابن عباس ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ فقال: بطاعتك وعبادتك من ملائكتك والصديقين والشهداء والصالحين، وذلك نظير ما قال ربنا: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ.. ﴾الآية.
وقال الطبري: عن الربيع: هم النبيون، وقال ابن جريج عن ابن عباس: هم المؤمنون، وقال وكيع: هم المسلمون، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم النبي صلى الله عليه وسلم
فقد رجح هنا أن المراد بالمنعم عليهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وقد بنى ترجيحه هنا على أمور منها:
أ – موافقته لما جاء في القرآن الكريم، حيث جاء المراد هنا مفسراً في موضع آخر في سورة النساء، والقول الذى يؤيده القرآن مقدم على ما سواه([6]).
ب – أن هذا القول أعم وأشمل من الأقوال الأخرى الواردة في تفسير الآية، حيث اقتصرت الأقوال الأخرى على التفسير بالمثال، أما هذا التفسير فقد جمعها كلها، والقول بالعموم أولى في تفسير الآية.
ج – نسبة هذا القول إلى حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضى الله عنهما، وذلك ما ذهب إليه وأيده جمهور المفسرين، وبهذا يظهر أن الحق مع العلامة الفيروزآبادي والفريق الذى اختار جانبه.
ثالثاً: ومن ترجيحاته واختياراته تفسيره لـ « المغضوب عليهم » باليهود، و « الضالين » بالنصارى حيث يقول: « إن كلاً من اليهود والنصارى ضال ومغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، وبهذا وردت أحاديث وآثار، منها حديث عدى بن حاتم عند الإمام أحمد والترمذي وغيرهما أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكذلك قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد.
قال ابن أبي حاتم: «[SUP][SUP][7][/SUP][/SUP][SUP]) [/SUP]( ولا أعلم من المفسرين في هذا خلافاً » .
فقد رجح هنا أن «المغضوب عليهم» هم اليهود؛ وأن « الضالين» هم النصارى، وقد بنى ترجيحه هنا على أمور منها:
أ - أن السنة قد فسرت« المغضوب عليهم » باليهود و « الضالين » بالنصارى، ومعلوم أنه إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له على ما خالفه([9]).
قال العلامة القرطبي بعد أن ذكر التفسير الوارد في السنة والأقوال الأخرى:« وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم
ب – أن هذا القول هو اختيار عدد كبير من الصحابة والتابعين، منهم: عدى بن حاتم وابن مسعود وابن عباس، والربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد.
ج – أن هذا القول عليه جمهور المفسرين سلفاً وخلفاً، وقد حكى بعض المفسرين الإجماع على ذلك، كابن أبي حاتم والسمرقندي، والماوردي، والشوكاني، وغيرهم([11]).
وقد ذكر هنا قول ابن أبي حاتم: « ولا أعلم من المفسرين في هذا خلافاً ».
وقد قدم القرطبي هذا القول على ما عداه، وبين أنه قول جمهور المفسرين، وأن القرآن والسنة يشهدان له، وذكر الأقوال الأخرى بصيغة التمريض فقال: « اختلف في﴿ المغضوب عليهم﴾ و﴿ الضالين ﴾ من هم؟، فالجمهور: أن « المغضوب عليهم » اليهود، و « الضالين » النصارى، وجاء ذلك مفسرا عن النبي صلى الله عليه وسلم
وبهذا يتبين لنا أن الحق مع العلامة الفيروزآبادي ومن اختار جانبه من المفسرين فيما ذهب إليه من أن المراد بـ« المغضوب عليهم» اليهود؛ و « الضالين » هم النصارى.
[2]) أسباب النزول للواحدي تح: الحميدان ص20.
([3]) أخرجه ابن أبي شيبة في المغازي، باب ما جاء في مبعث النبي7/329، وابن إسحاق في السيرة ص132، والبيهقي في دلائل النبوة2/158، باللفظ الذى سيأتي بعد، قال العلامة السيوطي في الإتقان في معرض حديثه عن أول ما نزل: «القول الثالث: سورة الفاتحة، قال في الكشاف4/775: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت "اقرأ " وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب، قال ابن حجر: والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول(فتح البارى8/714)، وحجته ما أخرجه البيهقي في الدلائل2/165، والواحدي في التفسير الوسيط1/57، من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
([4]) الطبري في تفسيره،1/178، زاد المسير1/21، الفخر الرازى1/245، تفسير ابن جزى1/66، تفسير ابن كثير1/140، تفسير المراغى1/36.
([5]) يراجع تفسير الطبرى1/178، تفسير ابن كثير1/140.
([6]) مختصر قواعد الترجيح عند المفسرين صـ121.
([7]) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم1/31.
([9]) مختصر قواعد الترجيح عند المفسرين صـ74.
([10]) تفسير القرطبي1/150.
([11]) يراجع تفسير القرآن من الجامع لابن وهب1/54، تفسير الطبرى1/185، تفسير ابن أبي حاتم1/31، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين1/119، غرائب التفسير1/105، تفسير العز بن عبد السلام1/92، الدر المنثور1/42.
([12]) مسند أبي داود الطيالسي 2 /371.
([13]) أخرجه الترمذي، في أبواب التفسير، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب، هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب5/54.
([14]) تفسير القرطبي1/149،150، ويراجع فتح القدير للشوكانى1/29،30.