الحسن محمد ماديك
New member
من بيان القرآن
كلية
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد نشرت من قبل من مقدمة التفسير "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ونشرت بعده نماذج من "بيان القرآن" منها "تفسير سورة القدر" ومنها هذه الكلية "كلية الآيات الخارقة" ، وأرجو من السادة أهل العلم أن ينفروا خفافا وثقالا لمناقشتها قصد إظهار مواطن الخطإ والتقصير والتناقض فيها أي مواطن مخالفتها صريح القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة لا مواطن مخالفتها ما ألفوه من التراث الذي أزعم مخالفته القرآن والحديث النبوي الصحيح ، وإني إذا لمن الشاكرين للسادة القراء والمفسرين والمحدثين ولأول المذعنين المنقادين إلى الحق علنا وعلى سواء كما نشرت بحوثي على الملإ خشية إثم كتمان العلم والبيّنات في القرآن .
فإن أعرض السادة خواص الأمة عن إبطال الباطل في بحوثي السابقة فليعلموا أن كل بحث مما سأنشر هو أكبر من أخيه السابق وأثقل وأخطر حتى يعلموا أن من الوعد في القرآن والنبوة التي جاء بها رسول الله وخاتم النبيين الأمي موعودات ستصبح شهادة في الحياة الدنيا قبيل الساعة تشيب لهولها الولدان وتخشع لها الجبال الرواسي وتجعل الطير يسبّح بحمد ربه وليتذكّر أولوا الألباب الذين يهتدون بالقرآن إلى الرشد وإلى التي أقوم والذين يعلمون أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن وأن ما أنزل إليه من ربه الحق أولئك هم أولوا الأباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، أما غير أولي الألباب فليحذروا أن يصبحوا يوما من أيام الدنيا من الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فيجزون اللعنة وسوء الدار ، وكما سأبين في هذه الكلية وفي الكلية اللاحق نشرها بعدها كلية الكتاب المنزل ليفقه الناس من تفصيله ما هجروه وانشغلوا عنه وتفرّغت لتتبعه من القرآن الكريم .
ولا أدّعي معاذ الله أنني قد أصبت في شيء مما نشرت أو فهمت أو استنبطت ولكن استأنست بالقرآن والمثاني فيه وبالحديث النبوي الثابت الصحيح فخفّ في نظري وموازيني ما خالفه من التراث .
دلالة لفظ الآية في الكتاب
إن من تفصيل الكتاب أن لفظ الآية يقع على المتلوة والنعمة والدليل على التكرار والقرينة للتصديق وعلى الخارقة المعجزة .
ومما يقع على المتلوة قوله ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم عمران 58
ومما يقع على النعمة قوله يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون الأعراف 26 .
ومما يقع على الدليل على التكرار قوله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
الروم 23 بعد ذكر المنام بالليل والنهار وطلب رزق الله .
ومما يقع على القرينة على التصديق قوله ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين يوسف 35 ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته ، وقوله إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون البقرة 164 ويعني بالآيات القرائن الدالة على أن الله رب العالمين ومدبر الأمر .
وإن الآية الخارقة المعجزة تقع على التي للكرامة والطمأنينة وعلى التي للتخويف والقضاء .
فأما التي للكرامة والطمأنينة فكما في قوله قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا مريم 10 وقوله ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين آل عمران 49
وأما التي للتخويف والقضاء فكما في قوله هـذه ناقة الله لكم آية الأعراف 73 ، وقوله قد جئناك بآية من ربك طـه 47 ، وقوله وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه طـه 133 ، وهـذه الآيات للتخويف لا يكون بعدها إلا القضاء بين الفريقين بنجاة المؤمنين وإهلاك المجرمين وهم المكذبون بها .
وتقع آيات الكتاب والقرآن على الفواتح في أوائل السور المعلومة ن وقد خصصت لدراستها كلية الكتاب
وإن الآية التي تقع على المتلوة ، وعلى آيات الكتاب ، وعلى النعمة ، وبعض التي تقع على القرينة للتصديق هي آيات الله كما هو تفصيل الكتاب المنزل .
وإن الآية التي تقع على الخارقة المعجزة هي آيات رب العالمين كما هو تفصيل الكتاب المنزل .
الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة
إن قوله :
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب البقرة 211
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين عمران 49
وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون عمران 50
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا عمران 41
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا مريم 10
ليعني أن الآيات التي كانت مع رسل بني إسرائيل كانت نعما أنعم الله بها عليهم إذ كان جميع رسلهم أنبياء ، أكرم بها الذين رأوا موسى يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، والذين عاصروا قتيل بني إسرائيل وإحياءه لما ضرب ببعض أجزاء البقرة التي ذبحت بأمر الله ، وكذلك كانت الآيات التي مع عيسى ، والتي أوتيها زكريا دليلا على حمل امرأته بيحيى ، وكذلك الآيات التي كانت مع النبيين جميعا كما بينت في النبوة .
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء
إن قوله :
قالوا إنما أنت من المسحّرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب الشعراء 153 ـ 158
قد جاءتكم بينة من ربكم هـذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم الأعراف 73
وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله هود 59
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين الأنفال 54
ليعني أن ثمود سألوا صالحا آية من ربه فكانت الناقة هي الآية الخارقة للتخويف والقضاء وأهلكوا لما عقروها ، وكذلك أهلكت عاد لما جحدوا بآيات ربهم التي أرسل بها هودا وأهلك آل فرعون ومن قبلهم من الأمم لما كذبوا بآيات ربهم التي جاءهم الرسل بها ، وإنما هي الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذ لم تكن الآيات المتلوة قد نزلت من عند الله حين أهلك آل فرعون ومن قبله وإنما أنزلت آيات الله المتلوة أول ما نزلت في التوراة التي أوتيها موسى بعد إغراق فرعون وجنوده .
نعم لقد كذّب آل فرعون ومن قبلهم بآيات الله التي تقع على النعم لكن الله لم يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلا بعد أن كذبوا بآيات ربهم الخارقة مع الرسل بها .
وكانت نجاة المؤمنين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها وإهلاك المكذبين بها من الذين عاصروها هي القضاء بين الفريقين .
وإن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من رب العالمين هي التي أرسل بها الأولون كما في قوله :
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه هود 96
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب غافر 24 ـ 25
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون الزخرف 46 ـ47
ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين الأعراف 103
ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين يونس 75
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين الفلاح 45 ـ46
قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين الشعراء 15 ـ 16
اذهب أنت وأخوك بآياتي طـه 42
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بآيات الله إبراهيم 5
قد جئناك بآية من ربك طـه 47
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات الإسراء 101
قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 103 ـ 104
وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا الأعراف 126
إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر القمر 27
وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها الإسراء 59
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون الأنبياء 5
ليعنى أن رب العالمين قد أرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآيات خارقة للتخويف والقضاء وأهلك المجرمين وهم المكذبون بها ، وأرسله بسلطان مبين أي حجة بينة خاطب بها فرعون ، ويعني حرف القمر أن رب العالمين قد أرسل الناقة آية خارقة للتخويف والقضاء مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الإسراء أن الناقة كانت آية مبصرة مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الأنبياء أن الأولين أي الرسل بالآيات من قبل قد أرسلوا بآية خارقة للتخويف والقضاء ، وحرص مشركوا قريش لجهلهم أن يأتيهم بها النبي الأمي .
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي هدى من رب العالمين
إن قوله :
وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فصلت 17
قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى طـه 47
وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده القصص 37
ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب غافر 53
ليعني أن الناقة والعصا واليد البيضاء وسائر الآيات التي أرسل الرسل بها كانت هدى يهتدي بها من رآها وحضرها إلى أن أحدا من العالمين لا يقدر على مثلها فإن آمن واتبع من جاء بها فقد اهتدى وأبصر الهدى وإن أعرض عنها فهو في ضلال مبين لا يختلف فيه كما استحبت ثمود العمى فلم يبصروا الناقة الآية المبصرة وهي مبصرة لأنها تجعل من آمن بها على بصيرة من ربه كما في قوله قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر الإسراء 102 يعني الآيات التسع التي أرسل بها موسى إلى فرعون وملئه للتخويف والقضاء .
إن تأخر نزول التوراة إلى ما بعد هلاك فرعون ليعني أن الهدى قبلها مع موسى وهارون كما في قوله قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى من قول موسى وهارون هو الآيات الخارقة معهما للتخويف والقضاء إذ جعلا الهدى بدلا من الآية الخارقة المعجزة من ربه ، وقولهما والسلام على من اتبع الهدى هو من لين القول الذي أمرا به ليفهم فرعون أنه باتباعهما إنما يتبع الهدى من ربه ، حرصا منهما على أن لا يمنعه من اتباع الهدى الكبر والاستعلاء على من يعتبرهما من رعيته .
المكذبون قبل نزول القرآن سألوا رسلهم بالآيات آيات خارقة
ولقد تضمن القرآن أن المكذبين من قبل قد سألوا رسلهم آيات خارقة كما في قوله :
قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم الشعراء 153 ـ 156
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون فصلت 13 ـ14
ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهـذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هـذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين الزخرف 51 ـ 53
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلـه غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هـذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهـذا في آبائنا الأولين الفلاح 23 ـ 24
ويعني حرف الشعراء أن ثمود وصفوا رسولهم صالحا بأنه من المسحرين وسألوه آية خارقة فأرسل الله معه الناقة آية لهم .
ويعني حرف فصلت أن عادا وثمود لم يؤمنوا بما أرسل به هود وصالح من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما هي دلالة قولهم فإنا بما أرسلتم به كافرون وطلبوا تنزل الملائكة معه لفرط تكذيبهم بما وعدوا به من العذاب .
ويعني حرف الزخرف أن فرعون لم يؤمن بالآيات الخارقة التي أرسل بها موسى وسأله آيات من نوع آخر كما في قوله فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين وإنما سأل فرعون تنزل الملائكة مع موسى لفرط تكذيبه بما يعدهم به موسى من العذاب إن لم يؤمنوا وكذلك دلالة سؤال قوم نوح تنزل الملائكة في حرف الفلاح .
والمكذبون الذين عاصروا نزول القرآن سألوا النبي الأمي آيات خارقة
وكذلك تضمن القرآن سؤال المعاندين أن يأتيهم رسول الله وخاتم النبيين محمد بآية خارقة معجزة ليصدقوه كما في المثاني :
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه الرعد 7 الرعد 27
وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية البقرة 118
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها الأنعام 109
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى القصص 48
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون الأنبياء 5
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها الأعراف 203
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه طه 133
وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37
وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه العنكبوت 50
وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين الحجر 6 ـ 7
وقالوا لولا أنزل عليه ملك الأنعام 8
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك هود 12
وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها الفرقان 7 ـ 8
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية الأنعام 35
ولقد صرفنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه الإسراء 89 ـ 93
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا الفرقان 21
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء النساء 153
وقد أجاب القرآن هذا الطلب حيث وقع بأربعة أجوبة :
أحدها : أمرهم بقراءة القرآن والاستماع له وبالاكتفاء بآيته الخارقة كما في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون الأعراف 204 في جواب قوله وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها الأعراف 203 .
وكما في قوله الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به البقرة 121 ـ والمعنى فليقتدوا بهم أي ليتلوه حق تلاوته ليفقهوا منه أن الآيات الخارقة التي سألوها هي من الغيب والوعد في القرآن المنزل من عند الله ـ في جواب قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية البقرة 118 .
وكما في قوله أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم العنكبوت 51 في جواب قوله وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه العنكبوت 50 .
ثانيها : أن الآيات الخارقة من ربنا هي من الغيب المنتظر أي لن يدركه الذين عاصروا خاتم النبيين كما في قوله فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 20 في جواب قوله ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه يونس 20 .
وكما في قوله قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب الأنعام 50 وقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو الأنعام 59 في جواب قوله وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37 .
وكما في قوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال الرعد 7 ـ 9 في جواب قوله ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه الرعد 7 ويعني أن الآية الخارقة التي سألوها هي من الغيب يوم نزل القرآن .
ثالثها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت فسيقع في الذين جاءتهم القضاء بين الفريقين وهو نجاة الذين يؤمنون بها وإهلاك المكذبين بها كما في المثاني :
وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا الإسراء 59
وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون الأنعام 8
وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزّل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين الحجر 6 ـ 7
وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون غافر 78
ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يوم ينزلها الله فلن يقع تأخير القضاء بين الفريقين إلى يوم القيامة وإنما سيقضى بينهم في الدنيا بإهلاك المجرمين وهو خسارة المبطلين وبنجاة المؤمنين وكما بينته في كلية النصر في ليلة القدر .
ورابعها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وعد من الله في آخر الأمة
لقد وعد الله في القرآن هذه الأمة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما في قوله :
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين الأنعام 4 يـس 46
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون الأنعام 158
إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم يونس 96 ـ 97
ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون خاتمة الروم
وتعني هذه المثاني أن الآيات الخارقة المعجزة للتخويف والقضاء ستأتي يوما وعدا من الله .
والقرينة في أول الأنعام أن آيات ربنا إذا أتت الناس وأعرضوا عنها فقد كذبوا يومها بالحق لما جاءهم وإنما الخطاب لهذه الأمة ووعد لما يأت بعد لقوله فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون الأنعام 5 ، أما القرون الأولى فقد جاءهم ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا قبل نزول القرآن بل قبل نزول التوراة .
والقرينة في حرف يـس أن الآيات الخارقة من آيات ربنا التي سيعرض عنها المجرمون هي من الموعود كما في قوله ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يس 48 وهي التي ستأتي بعدها على المعرضين عنها صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون يس 49 وإنما التوصية والأهل والاختصام والاختلاف في الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من أعراض الدنيا لا الآخرة ، أي أن الوعدين منتظران في الدنيا لما يأتيا بعد .
وتأتي القرينة في ثاني الأنعام في حرف القول .
وثالث الأنعام من القول ويعني أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو مما ينتظره النبي ومن هم على سنته وأن المكذبين كذلك سيأتيهم ـ يوم يأتي بعض آيات ربنا فيكذبون ـ العذاب فينزل عليهم فيؤمنون فلا ينفعهم الإيمان بل يهلكون كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر ، ومن توهّم أن أمر الله رسوله النبي الأميّ بقوله قل انتظروا إنا منتظرون لا يعني شيئا ولا يعني أن آيات ربنا الخارقة ستأتي الأمة بعد نزول القرآن ، هذا المتوهّم لم يفقه دلالة أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن .
والقرينة في حرف يونس أن الذين حقّت عليهم كلمة ربنا وهي وعده أن يملأ منهم جهنم ـ كما بينت في مقدمة التفسير ـ لن يؤمنوا بربهم ولو جاءتهم كل آية خارقة معجزة للتخويف والقضاء ، ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ستأتي المكذبين فلا يؤمنون بها حتى يروا العذاب الأليم في الدنيا وحينئذ فلن ينفعهم الإيمان كما بينت في تفسير سورة القدر .
والقرينة في حرف يونس أن سيكون من الناس بعد نزول القرآن من ستحقّ عليهم كلمة ربنا وهي وعده بالعذاب كما بينت مفصلا في مقدمة التفسير في فصل الكلمات وأنهم لن يؤمنوا برسالة النبي الأمي أي بالقرآن ولو جاءتهم كل آية خارقة للتخويف والقضاء بل سيكفرون بها كذلك حتى يروا بأعينهم العذاب في الدنيا فساعتها سيؤمنون ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد أي لن ينفعهم الإيمان يومئذ بل سعذّبون بالعذاب ويهلكون به .
والقرينة في حرف الروم أن الله عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما لم يكن بعد كيف سيكون يوم يكون علم أن الآية الخارقة التي سألها الكفار محمدا لو جاءهم بها محمد لقالوا في وصفه هو والذين معه إن أنتم إلا مبطلون أي لن يؤمنوا بها بل سيستهزئون بها وبالذين آمنوا بها وكذلك سيقول الذين لا يعلمون ممن سيدركون يوم تأتي الآية الخارقة في خطاب المؤمنين بها يومئذ ، فمجيء الآية الخارقة هذه الأمة وعد كما في قوله فاصبر إن وعد الله حق ومنه أن سيطبع الله على قلوب قوم لا يعلمون بل يكفرون بالآيات الخارقة الموعودة .
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني :
اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر القمر 1
وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها الأنعام 25 الأعراف 146
هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب غافر 13
ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون غافر 81
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون خاتمة النمل
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق فصلت 53
خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون الأنبياء 37
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا الجاثية 9
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون البقرة 73
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة ، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه .
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني :
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى البقرة 260
لنريك من آياتنا الكبرى طه 23
وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها الزخرف 48
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى طه 56
لنريه من آياتنا الإسراء 1
لقد رأى من آيات ربه الكبرى النجم 18
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى ، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق .
والذين سيدركون الآيات الخارقة في هذه الأمة إذا رأوها فقد علموها كما حققت في مقدمة التفسير في دلالة لفظ العلم كما هي دلالة قوله وإذا علم من آياتنا شيئا والقرينة فيه أن الموصوف بالأفاك الأثيم سيعلم من آيات ربنا أي سيراها بعينيه وإذا جاءت فهي الموصوفة بقوله هذا هدى أي سيهتدي به من هدى الله أما غيرهم فهم الموصوفون في قوله والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم .
ومن المثاني مع حرف الجاثية وإذا علم من آياتنا شيئا قوله قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا الإسراء 102 من قول موسى في وصف فرعون بعد أن رأى الآيات الخارقة فعلمها ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم ولا كرامة في هذا العلم إذ هو بالعين المجردة ولم ينتفع به صاحبه كما في قوله وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون الجاثية 23 فهذا الذي أضله الله على علم هو ضلاله عن الآيات الخارقة لم يهتد بها ولم ينتفع ببصره ولا بسمعه ولا بقلبه إذ لم يفقه أن الآيات نذير وسيهلك أي يعذّب مكذبوها في الدنيا كما في الآخرة .
والقرينة في حرف القمر أن الساعة إذا اقتربت أكثر وانشق القمر وهو مما ينتظر كذلك ـ كما سيأتي بيانه ـ سينزّل ربنا آيات خارقة معجزة يراها جميع الناس في آخر أجل الأمة وأجل الكون كله ولن يؤمن المجرمون بل سيقولون سحر مستمر اعترافا منهم أن الآيات المنتظرة هي كالموصوف في القرآن من قبل وذلك قولهم سحر مستمر من الدهشة تعجبا أي حسبوا الآيات الخارقة المعجزة قد انقطعت من قبل فإذا بسحرها كما يزعمون مستمر وكما في المثاني في قوله في يوم نحس مستمر القمر 19 أي لم ينقطع عنهم العذاب بالريح الصرصر العقيم بانقطاع اليوم الأول وإنما تتابع واستمر سبع ليال وثمانية أيام .
إن قوله وكذبوا واتبعوا أهواءهم القمر 3 ليعني وصف الذين سيدركون تلك الآيات ثم يكذبون بها أنها من عند رب العالمين ولا يتبعون القرآن الذي وعد بها وإنما يتبعون أهواءهم وقوله وكل أمر مستقر القمر 3 هو وعد من الله في القرآن يعني كل أمر من العذاب أهلك به الأولون سيستقرّ على الآخرين من هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر ، بيان سورة القدر .
والقرينة في حرف الأنعام وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أن من المنافقين من يستمعون إلى النبي يتلو القرآن ولا يفقهون منه أن الله وعد بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول القرآن وأن المنافقين إن يروا تلك الآيات كلها لن يؤمنوا بها .
والقرينة في حرف الأعراف وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أنه من نبوة موسى التي لم تقع بعد وجاء بيانها في القرآن للتذكير بها ليتأمّلها ولينتظرها كل مؤمن بنبوة موسى ، فهي مما نبّأ الله به موسى لمّا آتاه التوراة مكتوبة في الألواح وفيها موعظة وتفصيل لكل شيء سيكون بعده نبّأه به ومنه هذا البلاغ والإعلان كما في قوله فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا الأعراف 145 ـ 146 ومن مقتضى هذا البلاغ والإعلان الخطير الكبير أن ربنا لم ينزل الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة إلى البشرية إلى يومنا هذا بل كانت جميع الآيات الخارقة مع موسى بعد هلاك فرعون ومع جميع النبيين والرسل بعده من بني إسرائيل ومع النبي الأمي هي آيات خارقة للكرامة والطمأنينة ، ويوم يرى الناس الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة فذلكم هو سبيل الرشد الذي سيتبيّنه الناس بنزول عيسى ابن مريم وبسائر الآيات الخارقة كما يأتي قريبا تحقيقه وسيصرف ربنا عن الإيمان بها الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والذين سيتخذون من سبيل الغي وهو سبيل السامريّ الدجال المنتظر سبيلا وكما سيأتي مزيد من بيانه في آخر هذه الكلية .
ويعني أول غافر أن الله وعد في القرآن أن يري الناس آياته الخارقة المعجزة كما هي دلالة تعدية الرؤية إلى الآيات ووعد الله كذلك أن ينزل على الناس من السماء رزقا وبينته في فصل المنظرين في آخر هذه الكلية ، والوعدان سيقعان في الدنيا ليتذكرهما بالقرآن من ينيب ويعرض عنهما غيرهم .
وثاني غافر ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون من المثاني مع حرف النمل وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها أي لا تنكرونها بل تعلمون وتوقنون أنها من عند الله وليست مفتراة وإنما يكذب بها أكثر الناس وهم يعلمون أنهم يشاقون الله ومن يهدي من أضل الله ومن ينقذ من حقّ عليه كلمة العذاب ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .
والقرينة كذلك في ثاني غافر أن قوله وخسر هنالك المبطلون بالإشارة ب هنالك إلى البعيد من الغيب يوم نزل القرآن .
ويأتي حرف النمل في حرف القول .
والقرينة في حرف فصلت سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق أنه من المثاني مع قوله قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون يونس 101 ويعني أن الله سيري هذه الأمة آيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء في آخر أجل الأمة ولن تستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل التي في الآفاق من السماوات ولا بمثل التي في أنفسهم من الأرض ليتبيّن لهم أنه الحق ويعني قوله أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أن ذلك الموعود سيقع ليشاهده العالمون جميعا إذ ما شهد الله به لن يبقى سرا وإنما سيشهده ويحضره العالمون والله أكبر شهادة .
والقرينة في حرف الأنبياء سأوريكم آياتي فلا تستعجلون أنه مما ينتظر لقوله خلق الإنسان من عجل ولقوله فلا تستعجلون وإنما يستعجل المنتظر الذي لم يقع بعد ولقوله ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين الأنبياء 38 وإنما الوعد هو قوله سأوريكم آياتي والله لا يخلف الميعاد .
ومضى آنفا بيان حرف الجاثية وسيأتي قريبا بيان حرف البقرة في هذه الكلية ضمن بيان قوله أو كلّم به الموتى .
من القول
إن قوله :
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون خاتمة النمل
ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 20
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الرعد 27
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين العنكبوت 50
وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون الأنعام 37
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون الأنعام 158
قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم عمران 73
وحرف النمل من القول الذي لم يقع بعد وسيتم بحمد الله وعزته وقهره بعد قراءة النبي وتلاوته القرآن كما في قوله وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن النمل 91 ـ 92 وسيتمّ بعدها أن يري الله آياته الخارقة للتخويف والقضاء للناس فيعرفونها ، ومن المثاني مع حرف النمل وقل الحمد الله سيريكم آياته فتعرفونها قوله يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الإسراء 52 أي فسيتم بعثكم من القبور وحشركم وتستجيبون للداعي إلى الحشر بحمد الله وعزته وقهره فلا يتخلف منكم أحد فهذا التمام هو مقتضى الحمد وكذلك بعد تمام قراءة النبي وتلاوته القرآن ، وسيتم وعده بإنزال الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يراها الناس فيعرفونها ولا ينكرونها .
ويعني حرف يونس أن من القول في القرآن الذي لن يقع إلا متأخرا بعد النبي أن سينزل رب العالمين آية خارقة للتخويف والقضاء ، وهو من الغيب يوم نزل القرآن ويعني تكليف النبي بانتظاره أنه سيصبح في الدنيا شهادة يوم يشاء الله وأن انتظار تلك الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من سنة النبي كما بيّنت في من أصول الفقه ولينتظره معه كل مسلم لم يرغب عن سنة نبيه ، ويعني أمر المكذبين بالانتظار أنهم سيهلكون في الدنيا بعد الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إن لم يهتدوا بها .
ومن القرينة كذلك قوله وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون يونس 21 ويعني أن الآيات من رب العالمين ستصبح شهادة وينزلها الله ويكذب بها المكذبون وتصيبهم ضراء ويتعهّدون بالإيمان إن كشفت عنهم الضراء فتكشف عنهم فتصيب الناس رحمة من بعد ضراء مسّتهم كما كشف الضر بالطوفان والجرد والقمل والضفادع والدم عن فرعون وملئه بدعوة فنكثوا ، وسيمكر الناس في آيات ربهم الموعودة وبالمؤمنين بها ، والله أسرع مكرا ، ودلالة قوله إن رسلنا يكتبون ما تمكرون أنهم سيعذبون في الدنيا إذ كان من تفصيل الكتاب اقتران كتابة الأعمال بالعذاب كما بينت في من أصول التفسير في بيان الغفور الرحيم من الأسماء الحسنى .
ويعني حرف الرعد أن رب العالمين سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء بعد النبي الأمي كما هي دلالة القول وأن الله سيضل عنها من يشاء ويهدي بها من أناب .
ويعني حرف العنكبوت أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي عند الله قد قدرت من قبل وسينزلها الله ـ بعد النبي كما هي دلالة القول ـ إذا شاء الله وليس كما يشاء النبي أو كما يشاء المكذبون .
ويعني أول الأنعام أن من القول أن الله سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء وهي وعد من الله كما هي دلالة ذكر قدرة الله على تنزيل الآية الخارقة كما بينت في اسم الله القادر القدير المقتدر من الأسماء الحسنى في مقدمة التفسير .
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله وقالوا وشبهه بصيغة الماضي هو للحكاية عن الذي قد مضى من ذلك يوم نزل القرآن ، وأن قوله ويقولون وقوله ويقول الذين كفروا وشبهه بصيغة المستقبل لبيان الحال ويعني أن ذلك قد قيل يوم نزل القرآن وأنه سيقال مثله بعد نزول القرآن يوم يأتي يقع الذكر بموعودات القرآن .
وحرف ثاني الأنعام من القول الذي لم يقع بعد ولو وقع لأخرج ربنا للناس دابة من الأرض تكلمهم ، فقوله قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون من القول في القرآن الذي لن يقع في حياة النبي بل بعده في أمته ولذلك قيل له قل للدلالة عليه ولا يخفى أن المخاطبين في قوله وما يشعركم هم الذين عاصروا خاتم النبيين وتنزّل القرآن عليه والذين سألوه الآيات الخارقة ، ولا تخفى قوة قراءة الغيب في قوله لا يؤمنون للعشرة باستثناء ابن عامر الشامي وحمزة على نسق الغيب المتفق عليه في قوله ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله الأنعام 111 لأن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر أجل الأمة كالموصوف في قوله ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم يجهلون وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام 111 ـ 112 ويعني أن هذا الموعود سيقع في آخر أمة النبي على أعدائه المترفين الذين سيعرفون الوحي في ما بينهم كما عرفته البشرية اليوم في عالم الاتصالات وثورته العملاقة وإنما لم يقع اتصال الإنس بالجن والجن بالإنس وهو من المنتظر كما في قوله وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام 112 ومن المثاني معه وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم الأنعام 121 وهو من المنتظر .
إن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر هذه الأمة كانوا غيبا مغيبين عن عالم الشهادة والخطاب يوم نزل القرآن فليسوا هم المخاطبين بقوله وما يشعركم .
ويعني ثالث الأنعام أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو من قول القرآن الذي لن يقع في حياة النبي وهو وعد من الله أمر نبيه بانتظاره فكان من سنته ، ويعني قوله إنا منتظرون أن المؤمنين تبع لنبيهم ينتظرون بانتظاره وكذلك قوله قل آمنا بالله أي آمن بإيمان النبي كل مؤمن .
ويعني حرف عمران أن الهدى الذي سيهدي الله به سيقع بعد حياة النبي كما هي دلالة القول وأنه آية خارقة لا يقدر عليها أحد من العالمين لنفسه ولا لغيره وهي أن يؤتي رب العالمين أحدا من الناس مثل ما آتى بني إسرائيل من قبل من الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة ومن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وأن يؤتيه كذلك مثل ما آتى جميع الناس من العلم والقوة والأسباب حتى يتعلّم منه علماء الفلك والفيزيا والطب وسائر المتخصصين في العلوم التجريبة كما سيأتي تحقيقه وبيانه في بين قوله قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم .
من الذكر
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن يتم تذكيرها بالآيات الخارقة المعجزة التي جاء ذكرها في القرآن ليعرفوها إذا رأوها بالقرآن كما في المثاني :
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم السجدة 15
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها الكهف 57
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها السجدة 22
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون الصافات 13 ـ 14
والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا الفرقان 73
هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب غافر 13
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكم قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين الأنعام 42 ـ 45
ويعني أول السجدة أن آيات ربنا الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت إنما يؤمن بها الذين إذا ذكّروا بها ـ أي رأوها من جديد ـ خرّوا سجّدا كما ألقي السحرة سجّدا يوم جاءتهم وغلبت سحرهم وكذلك ستكون الآيات الخارقة مذكّرة بالتي جاء بها موسى من قبل ولن تستطيع معارضتها البشرية جميعا بما أوتيت من تقدم علمي وتقني ، ويعني قوله وسبّحوا بحمد ربهم أنهم علموا لما رأوها وتذكّروها أن الوعد بها يوم نزل القرآن قد تمّ نفاذه وأنه كان وعدا خارقا لا يقدر عليه غير رب العالمين ولم يعجزه وإنما تمّ بحمده وعزتّه وقهره ولو كان السياق وسبّحوا بحمد الله لتغيّر المعنى ولكان مدلوله أن الذي رأوه من الآيات هو معصية ومنكر وزور سارعوا إلى البراءة منه بتسبيح الله وتقديسه كما سيأتي بيانه في بيان مدلول التسبيح من أصول التفسير .
وإذا وقع التذكير الذي هو ضد النسيان بالآيات الخارقة من ربنا فدلالة حرف الكهف فأعرض عنها لوصف الذي سيعرض عنها ارتجالا دونما تأمل ، وثاني السجدة ثم أعرض عنها لوصف الذي سيعرض عنها بعد تأمل وتفكير وتقدير غير موفق ، وتأنيث الضمير في الحرفين عنها لبيان أنها الخارقة المعجزة وهي الموصوفة بقوله آيات ربه ولو كان التذكير في قوله ومن أظلم ممن ذكّر هو بالسجود أو بقراءة القرآن لكان السياق أعرض عنه بالتذكير الذي هو ضد التأنيث إذ كل من السجود والتذكير بالتلاوة الذي هو ضد النسيان يقتضي التذكير الذي هو ضد التأنيث في قوله أعرض عنها .
ويعني حرف الصافات أن التذكير بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء من قبل إذا وقع لن يتذكره الساخرون ولن يؤمنوا بالآيات الخارقة في آخر أجل الأمة .
ويعني حرف الفرقان امتداح الذين يذعنون للآيات الخارقة بعد تأمل ودراية أنها كانت من وعد الله في القرآن فذلكم هو الإيمان الذي ينفع صاحبه لا التقليد الموصوف صاحبه بالصمم والعمى .
ويعني أول غافر أن آيات ربنا الخارقة إذا رآها الناس وتنزّل عليهم من السماء الرزق كما كان يتنزّل على بني إسرائيل المنّ والسلوى فإنما سيتذكّر من ينيب الذي يؤمن بوعد الله في القرآن وسيأتي من البيان في آخر هذه الكلية في بيان قوله قال الله إني منزلها عليكم المائدة 115 بعد بيان المنظرين .
ويعني حرف الأنعام أن الأمم التي أهلكت من قبل إنما أهلكت لما تمّ تذكيرهم بالآيات وأنهم نسوا ما ذكّروا به من الآيات الخارقة وفتح ربنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا من النعم والتمكين وأعرضوا عما أنذروا به أخذهم ربنا بغتة فإذا هم مبلسون ويعني قوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا الأمم المهلكة قبل نزول القرآن ، ويعني قوله والحمد لله رب العالمين أن إهلاكهم تمّ ونفذ فيهم ما وعدهم به النبيون من قبل .
وإنما جاء هذا البيان بعد قول المشركين لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37 وقد وعد الله أن يقع مثل ما حلّ بالأمم المكذبة من قبل في هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر .
إن المثاني :
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الأنعام 124
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا الجاثية 9
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون الصافات 13 ـ 14
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون السجدة 15
والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا الفرقان 73
لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر ووعد لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد وإنما سيتم بعده لدلالة " إذا " الشرطية المتبوعة بالماضي على المستقبل الموعود المنتظر .
بيان قوله إني جاعل في الأرض خليفة
يتواصل
الحسن محمد ماديك
كلية
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد نشرت من قبل من مقدمة التفسير "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ونشرت بعده نماذج من "بيان القرآن" منها "تفسير سورة القدر" ومنها هذه الكلية "كلية الآيات الخارقة" ، وأرجو من السادة أهل العلم أن ينفروا خفافا وثقالا لمناقشتها قصد إظهار مواطن الخطإ والتقصير والتناقض فيها أي مواطن مخالفتها صريح القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة لا مواطن مخالفتها ما ألفوه من التراث الذي أزعم مخالفته القرآن والحديث النبوي الصحيح ، وإني إذا لمن الشاكرين للسادة القراء والمفسرين والمحدثين ولأول المذعنين المنقادين إلى الحق علنا وعلى سواء كما نشرت بحوثي على الملإ خشية إثم كتمان العلم والبيّنات في القرآن .
فإن أعرض السادة خواص الأمة عن إبطال الباطل في بحوثي السابقة فليعلموا أن كل بحث مما سأنشر هو أكبر من أخيه السابق وأثقل وأخطر حتى يعلموا أن من الوعد في القرآن والنبوة التي جاء بها رسول الله وخاتم النبيين الأمي موعودات ستصبح شهادة في الحياة الدنيا قبيل الساعة تشيب لهولها الولدان وتخشع لها الجبال الرواسي وتجعل الطير يسبّح بحمد ربه وليتذكّر أولوا الألباب الذين يهتدون بالقرآن إلى الرشد وإلى التي أقوم والذين يعلمون أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن وأن ما أنزل إليه من ربه الحق أولئك هم أولوا الأباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، أما غير أولي الألباب فليحذروا أن يصبحوا يوما من أيام الدنيا من الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فيجزون اللعنة وسوء الدار ، وكما سأبين في هذه الكلية وفي الكلية اللاحق نشرها بعدها كلية الكتاب المنزل ليفقه الناس من تفصيله ما هجروه وانشغلوا عنه وتفرّغت لتتبعه من القرآن الكريم .
ولا أدّعي معاذ الله أنني قد أصبت في شيء مما نشرت أو فهمت أو استنبطت ولكن استأنست بالقرآن والمثاني فيه وبالحديث النبوي الثابت الصحيح فخفّ في نظري وموازيني ما خالفه من التراث .
دلالة لفظ الآية في الكتاب
إن من تفصيل الكتاب أن لفظ الآية يقع على المتلوة والنعمة والدليل على التكرار والقرينة للتصديق وعلى الخارقة المعجزة .
ومما يقع على المتلوة قوله ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم عمران 58
ومما يقع على النعمة قوله يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون الأعراف 26 .
ومما يقع على الدليل على التكرار قوله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون
الروم 23 بعد ذكر المنام بالليل والنهار وطلب رزق الله .
ومما يقع على القرينة على التصديق قوله ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين يوسف 35 ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته ، وقوله إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون البقرة 164 ويعني بالآيات القرائن الدالة على أن الله رب العالمين ومدبر الأمر .
وإن الآية الخارقة المعجزة تقع على التي للكرامة والطمأنينة وعلى التي للتخويف والقضاء .
فأما التي للكرامة والطمأنينة فكما في قوله قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا مريم 10 وقوله ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين آل عمران 49
وأما التي للتخويف والقضاء فكما في قوله هـذه ناقة الله لكم آية الأعراف 73 ، وقوله قد جئناك بآية من ربك طـه 47 ، وقوله وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه طـه 133 ، وهـذه الآيات للتخويف لا يكون بعدها إلا القضاء بين الفريقين بنجاة المؤمنين وإهلاك المجرمين وهم المكذبون بها .
وتقع آيات الكتاب والقرآن على الفواتح في أوائل السور المعلومة ن وقد خصصت لدراستها كلية الكتاب
وإن الآية التي تقع على المتلوة ، وعلى آيات الكتاب ، وعلى النعمة ، وبعض التي تقع على القرينة للتصديق هي آيات الله كما هو تفصيل الكتاب المنزل .
وإن الآية التي تقع على الخارقة المعجزة هي آيات رب العالمين كما هو تفصيل الكتاب المنزل .
الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة
إن قوله :
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب البقرة 211
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين عمران 49
وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون عمران 50
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا عمران 41
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا مريم 10
ليعني أن الآيات التي كانت مع رسل بني إسرائيل كانت نعما أنعم الله بها عليهم إذ كان جميع رسلهم أنبياء ، أكرم بها الذين رأوا موسى يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، والذين عاصروا قتيل بني إسرائيل وإحياءه لما ضرب ببعض أجزاء البقرة التي ذبحت بأمر الله ، وكذلك كانت الآيات التي مع عيسى ، والتي أوتيها زكريا دليلا على حمل امرأته بيحيى ، وكذلك الآيات التي كانت مع النبيين جميعا كما بينت في النبوة .
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء
إن قوله :
قالوا إنما أنت من المسحّرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب الشعراء 153 ـ 158
قد جاءتكم بينة من ربكم هـذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم الأعراف 73
وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله هود 59
كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين الأنفال 54
ليعني أن ثمود سألوا صالحا آية من ربه فكانت الناقة هي الآية الخارقة للتخويف والقضاء وأهلكوا لما عقروها ، وكذلك أهلكت عاد لما جحدوا بآيات ربهم التي أرسل بها هودا وأهلك آل فرعون ومن قبلهم من الأمم لما كذبوا بآيات ربهم التي جاءهم الرسل بها ، وإنما هي الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذ لم تكن الآيات المتلوة قد نزلت من عند الله حين أهلك آل فرعون ومن قبله وإنما أنزلت آيات الله المتلوة أول ما نزلت في التوراة التي أوتيها موسى بعد إغراق فرعون وجنوده .
نعم لقد كذّب آل فرعون ومن قبلهم بآيات الله التي تقع على النعم لكن الله لم يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلا بعد أن كذبوا بآيات ربهم الخارقة مع الرسل بها .
وكانت نجاة المؤمنين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها وإهلاك المكذبين بها من الذين عاصروها هي القضاء بين الفريقين .
وإن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من رب العالمين هي التي أرسل بها الأولون كما في قوله :
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه هود 96
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب غافر 24 ـ 25
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون الزخرف 46 ـ47
ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين الأعراف 103
ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين يونس 75
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين الفلاح 45 ـ46
قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين الشعراء 15 ـ 16
اذهب أنت وأخوك بآياتي طـه 42
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بآيات الله إبراهيم 5
قد جئناك بآية من ربك طـه 47
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات الإسراء 101
قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 103 ـ 104
وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا الأعراف 126
إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر القمر 27
وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها الإسراء 59
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون الأنبياء 5
ليعنى أن رب العالمين قد أرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآيات خارقة للتخويف والقضاء وأهلك المجرمين وهم المكذبون بها ، وأرسله بسلطان مبين أي حجة بينة خاطب بها فرعون ، ويعني حرف القمر أن رب العالمين قد أرسل الناقة آية خارقة للتخويف والقضاء مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الإسراء أن الناقة كانت آية مبصرة مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الأنبياء أن الأولين أي الرسل بالآيات من قبل قد أرسلوا بآية خارقة للتخويف والقضاء ، وحرص مشركوا قريش لجهلهم أن يأتيهم بها النبي الأمي .
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي هدى من رب العالمين
إن قوله :
وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فصلت 17
قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى طـه 47
وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده القصص 37
ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب غافر 53
ليعني أن الناقة والعصا واليد البيضاء وسائر الآيات التي أرسل الرسل بها كانت هدى يهتدي بها من رآها وحضرها إلى أن أحدا من العالمين لا يقدر على مثلها فإن آمن واتبع من جاء بها فقد اهتدى وأبصر الهدى وإن أعرض عنها فهو في ضلال مبين لا يختلف فيه كما استحبت ثمود العمى فلم يبصروا الناقة الآية المبصرة وهي مبصرة لأنها تجعل من آمن بها على بصيرة من ربه كما في قوله قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر الإسراء 102 يعني الآيات التسع التي أرسل بها موسى إلى فرعون وملئه للتخويف والقضاء .
إن تأخر نزول التوراة إلى ما بعد هلاك فرعون ليعني أن الهدى قبلها مع موسى وهارون كما في قوله قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى من قول موسى وهارون هو الآيات الخارقة معهما للتخويف والقضاء إذ جعلا الهدى بدلا من الآية الخارقة المعجزة من ربه ، وقولهما والسلام على من اتبع الهدى هو من لين القول الذي أمرا به ليفهم فرعون أنه باتباعهما إنما يتبع الهدى من ربه ، حرصا منهما على أن لا يمنعه من اتباع الهدى الكبر والاستعلاء على من يعتبرهما من رعيته .
المكذبون قبل نزول القرآن سألوا رسلهم بالآيات آيات خارقة
ولقد تضمن القرآن أن المكذبين من قبل قد سألوا رسلهم آيات خارقة كما في قوله :
قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم الشعراء 153 ـ 156
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون فصلت 13 ـ14
ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهـذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هـذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين الزخرف 51 ـ 53
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلـه غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هـذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهـذا في آبائنا الأولين الفلاح 23 ـ 24
ويعني حرف الشعراء أن ثمود وصفوا رسولهم صالحا بأنه من المسحرين وسألوه آية خارقة فأرسل الله معه الناقة آية لهم .
ويعني حرف فصلت أن عادا وثمود لم يؤمنوا بما أرسل به هود وصالح من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما هي دلالة قولهم فإنا بما أرسلتم به كافرون وطلبوا تنزل الملائكة معه لفرط تكذيبهم بما وعدوا به من العذاب .
ويعني حرف الزخرف أن فرعون لم يؤمن بالآيات الخارقة التي أرسل بها موسى وسأله آيات من نوع آخر كما في قوله فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين وإنما سأل فرعون تنزل الملائكة مع موسى لفرط تكذيبه بما يعدهم به موسى من العذاب إن لم يؤمنوا وكذلك دلالة سؤال قوم نوح تنزل الملائكة في حرف الفلاح .
والمكذبون الذين عاصروا نزول القرآن سألوا النبي الأمي آيات خارقة
وكذلك تضمن القرآن سؤال المعاندين أن يأتيهم رسول الله وخاتم النبيين محمد بآية خارقة معجزة ليصدقوه كما في المثاني :
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه الرعد 7 الرعد 27
وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية البقرة 118
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها الأنعام 109
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى القصص 48
بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون الأنبياء 5
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها الأعراف 203
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه طه 133
وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37
وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه العنكبوت 50
وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين الحجر 6 ـ 7
وقالوا لولا أنزل عليه ملك الأنعام 8
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك هود 12
وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها الفرقان 7 ـ 8
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية الأنعام 35
ولقد صرفنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه الإسراء 89 ـ 93
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا الفرقان 21
يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء النساء 153
وقد أجاب القرآن هذا الطلب حيث وقع بأربعة أجوبة :
أحدها : أمرهم بقراءة القرآن والاستماع له وبالاكتفاء بآيته الخارقة كما في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون الأعراف 204 في جواب قوله وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها الأعراف 203 .
وكما في قوله الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به البقرة 121 ـ والمعنى فليقتدوا بهم أي ليتلوه حق تلاوته ليفقهوا منه أن الآيات الخارقة التي سألوها هي من الغيب والوعد في القرآن المنزل من عند الله ـ في جواب قوله وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية البقرة 118 .
وكما في قوله أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم العنكبوت 51 في جواب قوله وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه العنكبوت 50 .
ثانيها : أن الآيات الخارقة من ربنا هي من الغيب المنتظر أي لن يدركه الذين عاصروا خاتم النبيين كما في قوله فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 20 في جواب قوله ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه يونس 20 .
وكما في قوله قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب الأنعام 50 وقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو الأنعام 59 في جواب قوله وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37 .
وكما في قوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال الرعد 7 ـ 9 في جواب قوله ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه الرعد 7 ويعني أن الآية الخارقة التي سألوها هي من الغيب يوم نزل القرآن .
ثالثها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت فسيقع في الذين جاءتهم القضاء بين الفريقين وهو نجاة الذين يؤمنون بها وإهلاك المكذبين بها كما في المثاني :
وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا الإسراء 59
وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون الأنعام 8
وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزّل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين الحجر 6 ـ 7
وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون غافر 78
ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يوم ينزلها الله فلن يقع تأخير القضاء بين الفريقين إلى يوم القيامة وإنما سيقضى بينهم في الدنيا بإهلاك المجرمين وهو خسارة المبطلين وبنجاة المؤمنين وكما بينته في كلية النصر في ليلة القدر .
ورابعها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وعد من الله في آخر الأمة
لقد وعد الله في القرآن هذه الأمة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما في قوله :
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين الأنعام 4 يـس 46
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون الأنعام 158
إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم يونس 96 ـ 97
ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون خاتمة الروم
وتعني هذه المثاني أن الآيات الخارقة المعجزة للتخويف والقضاء ستأتي يوما وعدا من الله .
والقرينة في أول الأنعام أن آيات ربنا إذا أتت الناس وأعرضوا عنها فقد كذبوا يومها بالحق لما جاءهم وإنما الخطاب لهذه الأمة ووعد لما يأت بعد لقوله فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون الأنعام 5 ، أما القرون الأولى فقد جاءهم ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا قبل نزول القرآن بل قبل نزول التوراة .
والقرينة في حرف يـس أن الآيات الخارقة من آيات ربنا التي سيعرض عنها المجرمون هي من الموعود كما في قوله ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يس 48 وهي التي ستأتي بعدها على المعرضين عنها صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون يس 49 وإنما التوصية والأهل والاختصام والاختلاف في الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من أعراض الدنيا لا الآخرة ، أي أن الوعدين منتظران في الدنيا لما يأتيا بعد .
وتأتي القرينة في ثاني الأنعام في حرف القول .
وثالث الأنعام من القول ويعني أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو مما ينتظره النبي ومن هم على سنته وأن المكذبين كذلك سيأتيهم ـ يوم يأتي بعض آيات ربنا فيكذبون ـ العذاب فينزل عليهم فيؤمنون فلا ينفعهم الإيمان بل يهلكون كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر ، ومن توهّم أن أمر الله رسوله النبي الأميّ بقوله قل انتظروا إنا منتظرون لا يعني شيئا ولا يعني أن آيات ربنا الخارقة ستأتي الأمة بعد نزول القرآن ، هذا المتوهّم لم يفقه دلالة أن محمدا مرسل من ربه بالقرآن .
والقرينة في حرف يونس أن الذين حقّت عليهم كلمة ربنا وهي وعده أن يملأ منهم جهنم ـ كما بينت في مقدمة التفسير ـ لن يؤمنوا بربهم ولو جاءتهم كل آية خارقة معجزة للتخويف والقضاء ، ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ستأتي المكذبين فلا يؤمنون بها حتى يروا العذاب الأليم في الدنيا وحينئذ فلن ينفعهم الإيمان كما بينت في تفسير سورة القدر .
والقرينة في حرف يونس أن سيكون من الناس بعد نزول القرآن من ستحقّ عليهم كلمة ربنا وهي وعده بالعذاب كما بينت مفصلا في مقدمة التفسير في فصل الكلمات وأنهم لن يؤمنوا برسالة النبي الأمي أي بالقرآن ولو جاءتهم كل آية خارقة للتخويف والقضاء بل سيكفرون بها كذلك حتى يروا بأعينهم العذاب في الدنيا فساعتها سيؤمنون ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد أي لن ينفعهم الإيمان يومئذ بل سعذّبون بالعذاب ويهلكون به .
والقرينة في حرف الروم أن الله عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما لم يكن بعد كيف سيكون يوم يكون علم أن الآية الخارقة التي سألها الكفار محمدا لو جاءهم بها محمد لقالوا في وصفه هو والذين معه إن أنتم إلا مبطلون أي لن يؤمنوا بها بل سيستهزئون بها وبالذين آمنوا بها وكذلك سيقول الذين لا يعلمون ممن سيدركون يوم تأتي الآية الخارقة في خطاب المؤمنين بها يومئذ ، فمجيء الآية الخارقة هذه الأمة وعد كما في قوله فاصبر إن وعد الله حق ومنه أن سيطبع الله على قلوب قوم لا يعلمون بل يكفرون بالآيات الخارقة الموعودة .
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني :
اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر القمر 1
وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها الأنعام 25 الأعراف 146
هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب غافر 13
ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون غافر 81
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون خاتمة النمل
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق فصلت 53
خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون الأنبياء 37
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا الجاثية 9
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون البقرة 73
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة ، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه .
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني :
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى البقرة 260
لنريك من آياتنا الكبرى طه 23
وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها الزخرف 48
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى طه 56
لنريه من آياتنا الإسراء 1
لقد رأى من آيات ربه الكبرى النجم 18
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى ، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق .
والذين سيدركون الآيات الخارقة في هذه الأمة إذا رأوها فقد علموها كما حققت في مقدمة التفسير في دلالة لفظ العلم كما هي دلالة قوله وإذا علم من آياتنا شيئا والقرينة فيه أن الموصوف بالأفاك الأثيم سيعلم من آيات ربنا أي سيراها بعينيه وإذا جاءت فهي الموصوفة بقوله هذا هدى أي سيهتدي به من هدى الله أما غيرهم فهم الموصوفون في قوله والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم .
ومن المثاني مع حرف الجاثية وإذا علم من آياتنا شيئا قوله قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا الإسراء 102 من قول موسى في وصف فرعون بعد أن رأى الآيات الخارقة فعلمها ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم ولا كرامة في هذا العلم إذ هو بالعين المجردة ولم ينتفع به صاحبه كما في قوله وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون الجاثية 23 فهذا الذي أضله الله على علم هو ضلاله عن الآيات الخارقة لم يهتد بها ولم ينتفع ببصره ولا بسمعه ولا بقلبه إذ لم يفقه أن الآيات نذير وسيهلك أي يعذّب مكذبوها في الدنيا كما في الآخرة .
والقرينة في حرف القمر أن الساعة إذا اقتربت أكثر وانشق القمر وهو مما ينتظر كذلك ـ كما سيأتي بيانه ـ سينزّل ربنا آيات خارقة معجزة يراها جميع الناس في آخر أجل الأمة وأجل الكون كله ولن يؤمن المجرمون بل سيقولون سحر مستمر اعترافا منهم أن الآيات المنتظرة هي كالموصوف في القرآن من قبل وذلك قولهم سحر مستمر من الدهشة تعجبا أي حسبوا الآيات الخارقة المعجزة قد انقطعت من قبل فإذا بسحرها كما يزعمون مستمر وكما في المثاني في قوله في يوم نحس مستمر القمر 19 أي لم ينقطع عنهم العذاب بالريح الصرصر العقيم بانقطاع اليوم الأول وإنما تتابع واستمر سبع ليال وثمانية أيام .
إن قوله وكذبوا واتبعوا أهواءهم القمر 3 ليعني وصف الذين سيدركون تلك الآيات ثم يكذبون بها أنها من عند رب العالمين ولا يتبعون القرآن الذي وعد بها وإنما يتبعون أهواءهم وقوله وكل أمر مستقر القمر 3 هو وعد من الله في القرآن يعني كل أمر من العذاب أهلك به الأولون سيستقرّ على الآخرين من هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر ، بيان سورة القدر .
والقرينة في حرف الأنعام وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أن من المنافقين من يستمعون إلى النبي يتلو القرآن ولا يفقهون منه أن الله وعد بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول القرآن وأن المنافقين إن يروا تلك الآيات كلها لن يؤمنوا بها .
والقرينة في حرف الأعراف وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها أنه من نبوة موسى التي لم تقع بعد وجاء بيانها في القرآن للتذكير بها ليتأمّلها ولينتظرها كل مؤمن بنبوة موسى ، فهي مما نبّأ الله به موسى لمّا آتاه التوراة مكتوبة في الألواح وفيها موعظة وتفصيل لكل شيء سيكون بعده نبّأه به ومنه هذا البلاغ والإعلان كما في قوله فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا الأعراف 145 ـ 146 ومن مقتضى هذا البلاغ والإعلان الخطير الكبير أن ربنا لم ينزل الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة إلى البشرية إلى يومنا هذا بل كانت جميع الآيات الخارقة مع موسى بعد هلاك فرعون ومع جميع النبيين والرسل بعده من بني إسرائيل ومع النبي الأمي هي آيات خارقة للكرامة والطمأنينة ، ويوم يرى الناس الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة فذلكم هو سبيل الرشد الذي سيتبيّنه الناس بنزول عيسى ابن مريم وبسائر الآيات الخارقة كما يأتي قريبا تحقيقه وسيصرف ربنا عن الإيمان بها الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والذين سيتخذون من سبيل الغي وهو سبيل السامريّ الدجال المنتظر سبيلا وكما سيأتي مزيد من بيانه في آخر هذه الكلية .
ويعني أول غافر أن الله وعد في القرآن أن يري الناس آياته الخارقة المعجزة كما هي دلالة تعدية الرؤية إلى الآيات ووعد الله كذلك أن ينزل على الناس من السماء رزقا وبينته في فصل المنظرين في آخر هذه الكلية ، والوعدان سيقعان في الدنيا ليتذكرهما بالقرآن من ينيب ويعرض عنهما غيرهم .
وثاني غافر ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون من المثاني مع حرف النمل وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها أي لا تنكرونها بل تعلمون وتوقنون أنها من عند الله وليست مفتراة وإنما يكذب بها أكثر الناس وهم يعلمون أنهم يشاقون الله ومن يهدي من أضل الله ومن ينقذ من حقّ عليه كلمة العذاب ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .
والقرينة كذلك في ثاني غافر أن قوله وخسر هنالك المبطلون بالإشارة ب هنالك إلى البعيد من الغيب يوم نزل القرآن .
ويأتي حرف النمل في حرف القول .
والقرينة في حرف فصلت سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق أنه من المثاني مع قوله قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون يونس 101 ويعني أن الله سيري هذه الأمة آيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء في آخر أجل الأمة ولن تستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل التي في الآفاق من السماوات ولا بمثل التي في أنفسهم من الأرض ليتبيّن لهم أنه الحق ويعني قوله أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أن ذلك الموعود سيقع ليشاهده العالمون جميعا إذ ما شهد الله به لن يبقى سرا وإنما سيشهده ويحضره العالمون والله أكبر شهادة .
والقرينة في حرف الأنبياء سأوريكم آياتي فلا تستعجلون أنه مما ينتظر لقوله خلق الإنسان من عجل ولقوله فلا تستعجلون وإنما يستعجل المنتظر الذي لم يقع بعد ولقوله ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين الأنبياء 38 وإنما الوعد هو قوله سأوريكم آياتي والله لا يخلف الميعاد .
ومضى آنفا بيان حرف الجاثية وسيأتي قريبا بيان حرف البقرة في هذه الكلية ضمن بيان قوله أو كلّم به الموتى .
من القول
إن قوله :
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون خاتمة النمل
ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 20
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الرعد 27
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين العنكبوت 50
وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون الأنعام 37
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون الأنعام 158
قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم عمران 73
وحرف النمل من القول الذي لم يقع بعد وسيتم بحمد الله وعزته وقهره بعد قراءة النبي وتلاوته القرآن كما في قوله وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن النمل 91 ـ 92 وسيتمّ بعدها أن يري الله آياته الخارقة للتخويف والقضاء للناس فيعرفونها ، ومن المثاني مع حرف النمل وقل الحمد الله سيريكم آياته فتعرفونها قوله يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الإسراء 52 أي فسيتم بعثكم من القبور وحشركم وتستجيبون للداعي إلى الحشر بحمد الله وعزته وقهره فلا يتخلف منكم أحد فهذا التمام هو مقتضى الحمد وكذلك بعد تمام قراءة النبي وتلاوته القرآن ، وسيتم وعده بإنزال الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يراها الناس فيعرفونها ولا ينكرونها .
ويعني حرف يونس أن من القول في القرآن الذي لن يقع إلا متأخرا بعد النبي أن سينزل رب العالمين آية خارقة للتخويف والقضاء ، وهو من الغيب يوم نزل القرآن ويعني تكليف النبي بانتظاره أنه سيصبح في الدنيا شهادة يوم يشاء الله وأن انتظار تلك الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من سنة النبي كما بيّنت في من أصول الفقه ولينتظره معه كل مسلم لم يرغب عن سنة نبيه ، ويعني أمر المكذبين بالانتظار أنهم سيهلكون في الدنيا بعد الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إن لم يهتدوا بها .
ومن القرينة كذلك قوله وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون يونس 21 ويعني أن الآيات من رب العالمين ستصبح شهادة وينزلها الله ويكذب بها المكذبون وتصيبهم ضراء ويتعهّدون بالإيمان إن كشفت عنهم الضراء فتكشف عنهم فتصيب الناس رحمة من بعد ضراء مسّتهم كما كشف الضر بالطوفان والجرد والقمل والضفادع والدم عن فرعون وملئه بدعوة فنكثوا ، وسيمكر الناس في آيات ربهم الموعودة وبالمؤمنين بها ، والله أسرع مكرا ، ودلالة قوله إن رسلنا يكتبون ما تمكرون أنهم سيعذبون في الدنيا إذ كان من تفصيل الكتاب اقتران كتابة الأعمال بالعذاب كما بينت في من أصول التفسير في بيان الغفور الرحيم من الأسماء الحسنى .
ويعني حرف الرعد أن رب العالمين سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء بعد النبي الأمي كما هي دلالة القول وأن الله سيضل عنها من يشاء ويهدي بها من أناب .
ويعني حرف العنكبوت أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي عند الله قد قدرت من قبل وسينزلها الله ـ بعد النبي كما هي دلالة القول ـ إذا شاء الله وليس كما يشاء النبي أو كما يشاء المكذبون .
ويعني أول الأنعام أن من القول أن الله سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء وهي وعد من الله كما هي دلالة ذكر قدرة الله على تنزيل الآية الخارقة كما بينت في اسم الله القادر القدير المقتدر من الأسماء الحسنى في مقدمة التفسير .
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله وقالوا وشبهه بصيغة الماضي هو للحكاية عن الذي قد مضى من ذلك يوم نزل القرآن ، وأن قوله ويقولون وقوله ويقول الذين كفروا وشبهه بصيغة المستقبل لبيان الحال ويعني أن ذلك قد قيل يوم نزل القرآن وأنه سيقال مثله بعد نزول القرآن يوم يأتي يقع الذكر بموعودات القرآن .
وحرف ثاني الأنعام من القول الذي لم يقع بعد ولو وقع لأخرج ربنا للناس دابة من الأرض تكلمهم ، فقوله قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون من القول في القرآن الذي لن يقع في حياة النبي بل بعده في أمته ولذلك قيل له قل للدلالة عليه ولا يخفى أن المخاطبين في قوله وما يشعركم هم الذين عاصروا خاتم النبيين وتنزّل القرآن عليه والذين سألوه الآيات الخارقة ، ولا تخفى قوة قراءة الغيب في قوله لا يؤمنون للعشرة باستثناء ابن عامر الشامي وحمزة على نسق الغيب المتفق عليه في قوله ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله الأنعام 111 لأن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر أجل الأمة كالموصوف في قوله ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم يجهلون وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام 111 ـ 112 ويعني أن هذا الموعود سيقع في آخر أمة النبي على أعدائه المترفين الذين سيعرفون الوحي في ما بينهم كما عرفته البشرية اليوم في عالم الاتصالات وثورته العملاقة وإنما لم يقع اتصال الإنس بالجن والجن بالإنس وهو من المنتظر كما في قوله وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام 112 ومن المثاني معه وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم الأنعام 121 وهو من المنتظر .
إن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر هذه الأمة كانوا غيبا مغيبين عن عالم الشهادة والخطاب يوم نزل القرآن فليسوا هم المخاطبين بقوله وما يشعركم .
ويعني ثالث الأنعام أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو من قول القرآن الذي لن يقع في حياة النبي وهو وعد من الله أمر نبيه بانتظاره فكان من سنته ، ويعني قوله إنا منتظرون أن المؤمنين تبع لنبيهم ينتظرون بانتظاره وكذلك قوله قل آمنا بالله أي آمن بإيمان النبي كل مؤمن .
ويعني حرف عمران أن الهدى الذي سيهدي الله به سيقع بعد حياة النبي كما هي دلالة القول وأنه آية خارقة لا يقدر عليها أحد من العالمين لنفسه ولا لغيره وهي أن يؤتي رب العالمين أحدا من الناس مثل ما آتى بني إسرائيل من قبل من الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة ومن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وأن يؤتيه كذلك مثل ما آتى جميع الناس من العلم والقوة والأسباب حتى يتعلّم منه علماء الفلك والفيزيا والطب وسائر المتخصصين في العلوم التجريبة كما سيأتي تحقيقه وبيانه في بين قوله قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم .
من الذكر
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن يتم تذكيرها بالآيات الخارقة المعجزة التي جاء ذكرها في القرآن ليعرفوها إذا رأوها بالقرآن كما في المثاني :
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم السجدة 15
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها الكهف 57
ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها السجدة 22
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون الصافات 13 ـ 14
والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا الفرقان 73
هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب غافر 13
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكم قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين الأنعام 42 ـ 45
ويعني أول السجدة أن آيات ربنا الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت إنما يؤمن بها الذين إذا ذكّروا بها ـ أي رأوها من جديد ـ خرّوا سجّدا كما ألقي السحرة سجّدا يوم جاءتهم وغلبت سحرهم وكذلك ستكون الآيات الخارقة مذكّرة بالتي جاء بها موسى من قبل ولن تستطيع معارضتها البشرية جميعا بما أوتيت من تقدم علمي وتقني ، ويعني قوله وسبّحوا بحمد ربهم أنهم علموا لما رأوها وتذكّروها أن الوعد بها يوم نزل القرآن قد تمّ نفاذه وأنه كان وعدا خارقا لا يقدر عليه غير رب العالمين ولم يعجزه وإنما تمّ بحمده وعزتّه وقهره ولو كان السياق وسبّحوا بحمد الله لتغيّر المعنى ولكان مدلوله أن الذي رأوه من الآيات هو معصية ومنكر وزور سارعوا إلى البراءة منه بتسبيح الله وتقديسه كما سيأتي بيانه في بيان مدلول التسبيح من أصول التفسير .
وإذا وقع التذكير الذي هو ضد النسيان بالآيات الخارقة من ربنا فدلالة حرف الكهف فأعرض عنها لوصف الذي سيعرض عنها ارتجالا دونما تأمل ، وثاني السجدة ثم أعرض عنها لوصف الذي سيعرض عنها بعد تأمل وتفكير وتقدير غير موفق ، وتأنيث الضمير في الحرفين عنها لبيان أنها الخارقة المعجزة وهي الموصوفة بقوله آيات ربه ولو كان التذكير في قوله ومن أظلم ممن ذكّر هو بالسجود أو بقراءة القرآن لكان السياق أعرض عنه بالتذكير الذي هو ضد التأنيث إذ كل من السجود والتذكير بالتلاوة الذي هو ضد النسيان يقتضي التذكير الذي هو ضد التأنيث في قوله أعرض عنها .
ويعني حرف الصافات أن التذكير بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء من قبل إذا وقع لن يتذكره الساخرون ولن يؤمنوا بالآيات الخارقة في آخر أجل الأمة .
ويعني حرف الفرقان امتداح الذين يذعنون للآيات الخارقة بعد تأمل ودراية أنها كانت من وعد الله في القرآن فذلكم هو الإيمان الذي ينفع صاحبه لا التقليد الموصوف صاحبه بالصمم والعمى .
ويعني أول غافر أن آيات ربنا الخارقة إذا رآها الناس وتنزّل عليهم من السماء الرزق كما كان يتنزّل على بني إسرائيل المنّ والسلوى فإنما سيتذكّر من ينيب الذي يؤمن بوعد الله في القرآن وسيأتي من البيان في آخر هذه الكلية في بيان قوله قال الله إني منزلها عليكم المائدة 115 بعد بيان المنظرين .
ويعني حرف الأنعام أن الأمم التي أهلكت من قبل إنما أهلكت لما تمّ تذكيرهم بالآيات وأنهم نسوا ما ذكّروا به من الآيات الخارقة وفتح ربنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا من النعم والتمكين وأعرضوا عما أنذروا به أخذهم ربنا بغتة فإذا هم مبلسون ويعني قوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا الأمم المهلكة قبل نزول القرآن ، ويعني قوله والحمد لله رب العالمين أن إهلاكهم تمّ ونفذ فيهم ما وعدهم به النبيون من قبل .
وإنما جاء هذا البيان بعد قول المشركين لولا نزّل عليه آية من ربه الأنعام 37 وقد وعد الله أن يقع مثل ما حلّ بالأمم المكذبة من قبل في هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر .
إن المثاني :
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون الأنعام 109
وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الأنعام 124
وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا الجاثية 9
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون الصافات 13 ـ 14
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون السجدة 15
والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا الفرقان 73
لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر ووعد لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد وإنما سيتم بعده لدلالة " إذا " الشرطية المتبوعة بالماضي على المستقبل الموعود المنتظر .
بيان قوله إني جاعل في الأرض خليفة
يتواصل
الحسن محمد ماديك