من بيان القرآن "كلية الآيات" ج 1

إنضم
27/12/2007
المشاركات
373
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
من بيان القرآن
كلية
الآيات الخارقة للتخويف والقضاء

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد نشرت من قبل من مقدمة التفسير "من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ونشرت بعده نماذج من "بيان القرآن" منها "تفسير سورة القدر" ومنها هذه الكلية "كلية الآيات الخارقة" ، وأرجو من السادة أهل العلم أن ينفروا خفافا وثقالا لمناقشتها قصد إظهار مواطن الخطإ والتقصير والتناقض فيها أي مواطن مخالفتها صريح القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة لا مواطن مخالفتها ما ألفوه من التراث الذي أزعم مخالفته القرآن والحديث النبوي الصحيح ، وإني إذا لمن الشاكرين للسادة القراء والمفسرين والمحدثين ولأول المذعنين المنقادين إلى الحق علنا وعلى سواء كما نشرت بحوثي على الملإ خشية إثم كتمان العلم والبيّنات في القرآن .
فإن أعرض السادة خواص الأمة عن إبطال الباطل في بحوثي السابقة فليعلموا أن كل بحث مما سأنشر هو أكبر من أخيه السابق وأثقل وأخطر حتى يعلموا أن من الوعد في القرآن والنبوة التي جاء بها رسول الله وخاتم النبيين الأمي  موعودات ستصبح شهادة في الحياة الدنيا قبيل الساعة تشيب لهولها الولدان وتخشع لها الجبال الرواسي وتجعل الطير يسبّح بحمد ربه وليتذكّر أولوا الألباب الذين يهتدون بالقرآن إلى الرشد وإلى التي أقوم والذين يعلمون أن محمدا  مرسل من ربه بالقرآن وأن ما أنزل إليه من ربه الحق أولئك هم أولوا الأباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، أما غير أولي الألباب فليحذروا أن يصبحوا يوما من أيام الدنيا من الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فيجزون اللعنة وسوء الدار ، وكما سأبين في هذه الكلية وفي الكلية اللاحق نشرها بعدها كلية الكتاب المنزل ليفقه الناس من تفصيله ما هجروه وانشغلوا عنه وتفرّغت لتتبعه من القرآن الكريم .
ولا أدّعي معاذ الله أنني قد أصبت في شيء مما نشرت أو فهمت أو استنبطت ولكن استأنست بالقرآن والمثاني فيه وبالحديث النبوي الثابت الصحيح فخفّ في نظري وموازيني ما خالفه من التراث .


دلالة لفظ الآية في الكتاب

إن من تفصيل الكتاب أن لفظ الآية يقع على المتلوة والنعمة والدليل على التكرار والقرينة للتصديق وعلى الخارقة المعجزة .
ومما يقع على المتلوة قوله  ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم  عمران 58
ومما يقع على النعمة قوله  يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون  الأعراف 26 .
ومما يقع على الدليل على التكرار قوله  إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون 
الروم 23 بعد ذكر المنام بالليل والنهار وطلب رزق الله .
ومما يقع على القرينة على التصديق قوله  ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين  يوسف 35 ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته ، وقوله  إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون  البقرة 164 ويعني بالآيات القرائن الدالة على أن الله رب العالمين ومدبر الأمر .
وإن الآية الخارقة المعجزة تقع على التي للكرامة والطمأنينة وعلى التي للتخويف والقضاء .
فأما التي للكرامة والطمأنينة فكما في قوله  قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا  مريم 10 وقوله  ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين  آل عمران 49
وأما التي للتخويف والقضاء فكما في قوله  هـذه ناقة الله لكم آية  الأعراف 73 ، وقوله  قد جئناك بآية من ربك  طـه 47 ، وقوله  وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه  طـه 133 ، وهـذه الآيات للتخويف لا يكون بعدها إلا القضاء بين الفريقين بنجاة المؤمنين وإهلاك المجرمين وهم المكذبون بها .
وتقع آيات الكتاب والقرآن على الفواتح في أوائل السور المعلومة ن وقد خصصت لدراستها كلية الكتاب
وإن الآية التي تقع على المتلوة ، وعلى آيات الكتاب ، وعلى النعمة ، وبعض التي تقع على القرينة للتصديق هي آيات الله كما هو تفصيل الكتاب المنزل .
وإن الآية التي تقع على الخارقة المعجزة هي آيات رب العالمين كما هو تفصيل الكتاب المنزل .


الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة

إن قوله :
  سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب  البقرة 211
  ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين  عمران 49
  وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون  عمران 50
  قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا  عمران 41
  قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا  مريم 10
ليعني أن الآيات التي كانت مع رسل بني إسرائيل كانت نعما أنعم الله بها عليهم إذ كان جميع رسلهم أنبياء ، أكرم بها الذين رأوا موسى يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، والذين عاصروا قتيل بني إسرائيل وإحياءه لما ضرب ببعض أجزاء البقرة التي ذبحت بأمر الله ، وكذلك كانت الآيات التي مع عيسى ، والتي أوتيها زكريا دليلا على حمل امرأته بيحيى ، وكذلك الآيات التي كانت مع النبيين جميعا كما بينت في النبوة .

الآيات الخارقة للتخويف والقضاء

إن قوله :
  قالوا إنما أنت من المسحّرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب  الشعراء 153 ـ 158
  قد جاءتكم بينة من ربكم هـذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم  الأعراف 73
  وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله  هود 59
  كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين  الأنفال 54
ليعني أن ثمود سألوا صالحا آية من ربه فكانت الناقة هي الآية الخارقة للتخويف والقضاء وأهلكوا لما عقروها ، وكذلك أهلكت عاد لما جحدوا بآيات ربهم التي أرسل بها هودا وأهلك آل فرعون ومن قبلهم من الأمم لما كذبوا بآيات ربهم التي جاءهم الرسل بها ، وإنما هي الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذ لم تكن الآيات المتلوة قد نزلت من عند الله حين أهلك آل فرعون ومن قبله وإنما أنزلت آيات الله المتلوة أول ما نزلت في التوراة التي أوتيها موسى بعد إغراق فرعون وجنوده .
نعم لقد كذّب آل فرعون ومن قبلهم بآيات الله التي تقع على النعم لكن الله لم يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلا بعد أن كذبوا بآيات ربهم الخارقة مع الرسل بها .
وكانت نجاة المؤمنين بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء مع الرسل بها وإهلاك المكذبين بها من الذين عاصروها هي القضاء بين الفريقين .
وإن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من رب العالمين هي التي أرسل بها الأولون كما في قوله :
  ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه  هود 96
  ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب  غافر 24 ـ 25
  ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون  الزخرف 46 ـ47
  ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين  الأعراف 103
  ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين  يونس 75
  ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين  الفلاح 45 ـ46
  قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين  الشعراء 15 ـ 16
  اذهب أنت وأخوك بآياتي  طـه 42
  ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بآيات الله  إبراهيم 5
  قد جئناك بآية من ربك  طـه 47
  ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات  الإسراء 101
  قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين  103 ـ 104
  وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا  الأعراف 126
  إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر  القمر 27
  وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها  الإسراء 59
  بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون  الأنبياء 5
ليعنى أن رب العالمين قد أرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآيات خارقة للتخويف والقضاء وأهلك المجرمين وهم المكذبون بها ، وأرسله بسلطان مبين أي حجة بينة خاطب بها فرعون ، ويعني حرف القمر أن رب العالمين قد أرسل الناقة آية خارقة للتخويف والقضاء مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الإسراء أن الناقة كانت آية مبصرة مع الرسول بها صالح ، ويعني حرف الأنبياء أن الأولين أي الرسل بالآيات من قبل قد أرسلوا بآية خارقة للتخويف والقضاء ، وحرص مشركوا قريش لجهلهم أن يأتيهم بها النبي الأمي  .

الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي هدى من رب العالمين

إن قوله :
  وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى  فصلت 17
  قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى  طـه 47
  وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده  القصص 37
  ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب  غافر 53
ليعني أن الناقة والعصا واليد البيضاء وسائر الآيات التي أرسل الرسل بها كانت هدى يهتدي بها من رآها وحضرها إلى أن أحدا من العالمين لا يقدر على مثلها فإن آمن واتبع من جاء بها فقد اهتدى وأبصر الهدى وإن أعرض عنها فهو في ضلال مبين لا يختلف فيه كما استحبت ثمود العمى فلم يبصروا الناقة الآية المبصرة وهي مبصرة لأنها تجعل من آمن بها على بصيرة من ربه كما في قوله  قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر  الإسراء 102 يعني الآيات التسع التي أرسل بها موسى إلى فرعون وملئه للتخويف والقضاء .
إن تأخر نزول التوراة إلى ما بعد هلاك فرعون ليعني أن الهدى قبلها مع موسى وهارون كما في قوله  قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى  من قول موسى وهارون هو الآيات الخارقة معهما للتخويف والقضاء إذ جعلا الهدى بدلا من الآية الخارقة المعجزة من ربه ، وقولهما  والسلام على من اتبع الهدى  هو من لين القول الذي أمرا به ليفهم فرعون أنه باتباعهما إنما يتبع الهدى من ربه ، حرصا منهما على أن لا يمنعه من اتباع الهدى الكبر والاستعلاء على من يعتبرهما من رعيته .

المكذبون قبل نزول القرآن سألوا رسلهم بالآيات آيات خارقة

ولقد تضمن القرآن أن المكذبين من قبل قد سألوا رسلهم آيات خارقة كما في قوله :
  قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم  الشعراء 153 ـ 156
  فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون  فصلت 13 ـ14
  ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهـذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هـذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين  الزخرف 51 ـ 53
 ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلـه غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هـذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهـذا في آبائنا الأولين  الفلاح 23 ـ 24
ويعني حرف الشعراء أن ثمود وصفوا رسولهم صالحا بأنه من المسحرين وسألوه آية خارقة فأرسل الله معه الناقة آية لهم .
ويعني حرف فصلت أن عادا وثمود لم يؤمنوا بما أرسل به هود وصالح من الآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما هي دلالة قولهم  فإنا بما أرسلتم به كافرون  وطلبوا تنزل الملائكة معه لفرط تكذيبهم بما وعدوا به من العذاب .
ويعني حرف الزخرف أن فرعون لم يؤمن بالآيات الخارقة التي أرسل بها موسى وسأله آيات من نوع آخر كما في قوله  فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين  وإنما سأل فرعون تنزل الملائكة مع موسى لفرط تكذيبه بما يعدهم به موسى من العذاب إن لم يؤمنوا وكذلك دلالة سؤال قوم نوح تنزل الملائكة في حرف الفلاح .

والمكذبون الذين عاصروا نزول القرآن سألوا النبي الأمي  آيات خارقة

وكذلك تضمن القرآن سؤال المعاندين أن يأتيهم رسول الله وخاتم النبيين محمد  بآية خارقة معجزة ليصدقوه كما في المثاني :
  ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه  الرعد 7 الرعد 27
  وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية  البقرة 118
  وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها  الأنعام 109
  فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى القصص 48
  بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون  الأنبياء 5
  وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها  الأعراف 203
  وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه  طه 133
  وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه  الأنعام 37
  وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه  العنكبوت 50
  وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين  الحجر 6 ـ 7
  وقالوا لولا أنزل عليه ملك  الأنعام 8
  فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك  هود 12
  وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها  الفرقان 7 ـ 8
  وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية  الأنعام 35
  ولقد صرفنا للناس في هـذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه  الإسراء 89 ـ 93
  وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا  الفرقان 21
  يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء  النساء 153

وقد أجاب القرآن هذا الطلب حيث وقع بأربعة أجوبة :

أحدها : أمرهم بقراءة القرآن والاستماع له وبالاكتفاء بآيته الخارقة كما في قوله  وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون  الأعراف 204 في جواب قوله  وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها  الأعراف 203 .
وكما في قوله  الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به  البقرة 121 ـ والمعنى فليقتدوا بهم أي ليتلوه حق تلاوته ليفقهوا منه أن الآيات الخارقة التي سألوها هي من الغيب والوعد في القرآن المنزل من عند الله ـ في جواب قوله  وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية  البقرة 118 .
وكما في قوله  أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم  العنكبوت 51 في جواب قوله  وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه  العنكبوت 50 .
ثانيها : أن الآيات الخارقة من ربنا هي من الغيب المنتظر أي لن يدركه الذين عاصروا خاتم النبيين  كما في قوله  فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين  يونس 20 في جواب قوله  ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه  يونس 20 .
وكما في قوله  قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب  الأنعام 50 وقوله  وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو  الأنعام 59 في جواب قوله  وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه  الأنعام 37 .
وكما في قوله  إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال  الرعد 7 ـ 9 في جواب قوله  ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه  الرعد 7 ويعني أن الآية الخارقة التي سألوها هي من الغيب يوم نزل القرآن .
ثالثها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت فسيقع في الذين جاءتهم القضاء بين الفريقين وهو نجاة الذين يؤمنون بها وإهلاك المكذبين بها كما في المثاني :
  وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا  الإسراء 59
  وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون  الأنعام 8
  وقالوا يا أيها الذي نزّل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزّل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين  الحجر 6 ـ 7
  وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون  غافر 78
ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يوم ينزلها الله فلن يقع تأخير القضاء بين الفريقين إلى يوم القيامة وإنما سيقضى بينهم في الدنيا بإهلاك المجرمين وهو خسارة المبطلين وبنجاة المؤمنين وكما بينته في كلية النصر في ليلة القدر .

ورابعها : أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وعد من الله في آخر الأمة

لقد وعد الله في القرآن هذه الأمة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء كما في قوله :
  وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين  الأنعام 4 يـس 46
  قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون  الأنعام 109
  يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون  الأنعام 158
  إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم  يونس 96 ـ 97
  ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون  خاتمة الروم
وتعني هذه المثاني أن الآيات الخارقة المعجزة للتخويف والقضاء ستأتي يوما وعدا من الله .
والقرينة في أول الأنعام أن آيات ربنا إذا أتت الناس وأعرضوا عنها فقد كذبوا يومها بالحق لما جاءهم وإنما الخطاب لهذه الأمة ووعد لما يأت بعد لقوله  فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون  الأنعام 5 ، أما القرون الأولى فقد جاءهم ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا قبل نزول القرآن بل قبل نزول التوراة .
والقرينة في حرف يـس أن الآيات الخارقة من آيات ربنا التي سيعرض عنها المجرمون هي من الموعود كما في قوله  ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين  يس 48 وهي التي ستأتي بعدها على المعرضين عنها صيحة واحدة  تأخذهم وهم يخصّمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون  يس 49 وإنما التوصية والأهل والاختصام والاختلاف في الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من أعراض الدنيا لا الآخرة ، أي أن الوعدين منتظران في الدنيا لما يأتيا بعد .
وتأتي القرينة في ثاني الأنعام في حرف القول .
وثالث الأنعام من القول ويعني أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو مما ينتظره النبي  ومن هم على سنته وأن المكذبين كذلك سيأتيهم ـ يوم يأتي بعض آيات ربنا فيكذبون ـ العذاب فينزل عليهم فيؤمنون فلا ينفعهم الإيمان بل يهلكون كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر ، ومن توهّم أن أمر الله رسوله النبي الأميّ  بقوله  قل انتظروا إنا منتظرون  لا يعني شيئا ولا يعني أن آيات ربنا الخارقة ستأتي الأمة بعد نزول القرآن ، هذا المتوهّم لم يفقه دلالة أن محمدا  مرسل من ربه بالقرآن .
والقرينة في حرف يونس أن الذين حقّت عليهم كلمة ربنا وهي وعده أن يملأ منهم جهنم ـ كما بينت في مقدمة التفسير ـ لن يؤمنوا بربهم ولو جاءتهم كل آية خارقة معجزة للتخويف والقضاء ، ويعني أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ستأتي المكذبين فلا يؤمنون بها حتى يروا العذاب الأليم في الدنيا وحينئذ فلن ينفعهم الإيمان كما بينت في تفسير سورة القدر .
والقرينة في حرف يونس أن سيكون من الناس بعد نزول القرآن من ستحقّ عليهم كلمة ربنا وهي وعده بالعذاب كما بينت مفصلا في مقدمة التفسير في فصل الكلمات وأنهم لن يؤمنوا برسالة النبي الأمي  أي بالقرآن ولو جاءتهم كل آية خارقة للتخويف والقضاء بل سيكفرون بها كذلك حتى يروا بأعينهم العذاب في الدنيا فساعتها سيؤمنون ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد أي لن ينفعهم الإيمان يومئذ بل سعذّبون بالعذاب ويهلكون به .
والقرينة في حرف الروم أن الله عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما لم يكن بعد كيف سيكون يوم يكون علم أن الآية الخارقة التي سألها الكفار محمدا  لو جاءهم بها محمد  لقالوا في وصفه هو والذين معه  إن أنتم إلا مبطلون  أي لن يؤمنوا بها بل سيستهزئون بها وبالذين آمنوا بها وكذلك سيقول الذين لا يعلمون ممن سيدركون يوم تأتي الآية الخارقة في خطاب المؤمنين بها يومئذ ، فمجيء الآية الخارقة هذه الأمة وعد كما في قوله  فاصبر إن وعد الله حق  ومنه أن سيطبع الله على قلوب قوم لا يعلمون بل يكفرون بالآيات الخارقة الموعودة .
وكذلك وعد الله هذه الأمة أن ترى الآيات الخارقة كما في المثاني :
  اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر  القمر 1
  وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها  الأنعام 25 الأعراف 146
  هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب  غافر 13
  ويريكم آياته فأيّ آيات الله تنكرون  غافر 81
  وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون  خاتمة النمل
  سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق  فصلت 53
  خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون  الأنبياء 37
  وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا  الجاثية 9
  فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون  البقرة 73
وتعني هذه الآيات المتلوّة أن الأمة بعد نزول القرآن سترى الآيات الخارقة المعجزة كل يراها بعينيه يقظة وجهرة ، وكذلك حيث وقعت في القرآن تعدية الرؤية إلى الآيات فإنما المرئي هو الآيات الخارقة لسنن الكون ونظام الحياة فيه .
وإنما هي الرؤية بالعين المجردة كما في المثاني :
  وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى  البقرة 260
  لنريك من آياتنا الكبرى  طه 23
  وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها  الزخرف 48
  ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى  طه 56
  لنريه من آياتنا  الإسراء 1
  لقد رأى من آيات ربه الكبرى  النجم 18
وقد رأى فرعون وقومه تسع آيات بينات بأعينهم ورآها موسى بعينيه ورأى أكبر منها ورأى محمد  في الإسراء والعروج به إلى الملإ الأعلى وإلى سدرة المنتهى من آيات ربه الكبرى ، فحرفا الإسراء والنجم حجة على أن الإسراء والعروج به إلى ما فوق السماء السابعة كان بجسمه كله وليس بروحه فقط لأنه رأى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى بالعين المجردة كما تحقق .
والذين سيدركون الآيات الخارقة في هذه الأمة إذا رأوها فقد علموها كما حققت في مقدمة التفسير في دلالة لفظ العلم كما هي دلالة قوله  وإذا علم من آياتنا شيئا  والقرينة فيه أن الموصوف بالأفاك الأثيم سيعلم من آيات ربنا أي سيراها بعينيه وإذا جاءت فهي الموصوفة بقوله  هذا هدى  أي سيهتدي به من هدى الله أما غيرهم فهم الموصوفون في قوله  والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم  .
ومن المثاني مع حرف الجاثية  وإذا علم من آياتنا شيئا  قوله  قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا  الإسراء 102 من قول موسى في وصف فرعون بعد أن رأى الآيات الخارقة فعلمها ولا علم قبل تمكن البصر من المعلوم ولا كرامة في هذا العلم إذ هو بالعين المجردة ولم ينتفع به صاحبه كما في قوله  وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون  الجاثية 23 فهذا الذي أضله الله على علم هو ضلاله عن الآيات الخارقة لم يهتد بها ولم ينتفع ببصره ولا بسمعه ولا بقلبه إذ لم يفقه أن الآيات نذير وسيهلك أي يعذّب مكذبوها في الدنيا كما في الآخرة .
والقرينة في حرف القمر أن الساعة إذا اقتربت أكثر وانشق القمر وهو مما ينتظر كذلك ـ كما سيأتي بيانه ـ سينزّل ربنا آيات خارقة معجزة يراها جميع الناس في آخر أجل الأمة وأجل الكون كله ولن يؤمن المجرمون بل سيقولون  سحر مستمر  اعترافا منهم أن الآيات المنتظرة هي كالموصوف في القرآن من قبل وذلك قولهم  سحر مستمر  من الدهشة تعجبا أي حسبوا الآيات الخارقة المعجزة قد انقطعت من قبل فإذا بسحرها كما يزعمون مستمر وكما في المثاني في قوله  في يوم نحس مستمر  القمر 19 أي لم ينقطع عنهم العذاب بالريح الصرصر العقيم بانقطاع اليوم الأول وإنما تتابع واستمر سبع ليال وثمانية أيام .
إن قوله  وكذبوا واتبعوا أهواءهم  القمر 3 ليعني وصف الذين سيدركون تلك الآيات ثم يكذبون بها أنها من عند رب العالمين ولا يتبعون القرآن الذي وعد بها وإنما يتبعون أهواءهم وقوله  وكل أمر مستقر  القمر 3 هو وعد من الله في القرآن يعني كل أمر من العذاب أهلك به الأولون سيستقرّ على الآخرين من هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر ، بيان سورة القدر .
والقرينة في حرف الأنعام  وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها  أن من المنافقين من يستمعون إلى النبي  يتلو القرآن ولا يفقهون منه أن الله وعد بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول القرآن وأن المنافقين إن يروا تلك الآيات كلها لن يؤمنوا بها .
والقرينة في حرف الأعراف  وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها  أنه من نبوة موسى التي لم تقع بعد وجاء بيانها في القرآن للتذكير بها ليتأمّلها ولينتظرها كل مؤمن بنبوة موسى ، فهي مما نبّأ الله به موسى لمّا آتاه التوراة مكتوبة في الألواح وفيها موعظة وتفصيل لكل شيء سيكون بعده نبّأه به ومنه هذا البلاغ والإعلان كما في قوله  فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا  الأعراف 145 ـ 146 ومن مقتضى هذا البلاغ والإعلان الخطير الكبير أن ربنا لم ينزل الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة إلى البشرية إلى يومنا هذا بل كانت جميع الآيات الخارقة مع موسى بعد هلاك فرعون ومع جميع النبيين والرسل بعده من بني إسرائيل ومع النبي الأمي  هي آيات خارقة للكرامة والطمأنينة ، ويوم يرى الناس الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بعد نزول التوراة فذلكم هو سبيل الرشد الذي سيتبيّنه الناس بنزول عيسى ابن مريم وبسائر الآيات الخارقة كما يأتي قريبا تحقيقه وسيصرف ربنا عن الإيمان بها الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والذين سيتخذون من سبيل الغي وهو سبيل السامريّ الدجال المنتظر سبيلا وكما سيأتي مزيد من بيانه في آخر هذه الكلية .
ويعني أول غافر أن الله وعد في القرآن أن يري الناس آياته الخارقة المعجزة كما هي دلالة تعدية الرؤية إلى الآيات ووعد الله كذلك أن ينزل على الناس من السماء رزقا وبينته في فصل المنظرين في آخر هذه الكلية ، والوعدان سيقعان في الدنيا ليتذكرهما بالقرآن من ينيب ويعرض عنهما غيرهم .
وثاني غافر  ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون  من المثاني مع حرف النمل  وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها  أي لا تنكرونها بل تعلمون وتوقنون أنها من عند الله وليست مفتراة وإنما يكذب بها أكثر الناس وهم يعلمون أنهم يشاقون الله ومن يهدي من أضل الله ومن ينقذ من حقّ عليه كلمة العذاب ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم .
والقرينة كذلك في ثاني غافر أن قوله  وخسر هنالك المبطلون  بالإشارة ب  هنالك  إلى البعيد من الغيب يوم نزل القرآن .
ويأتي حرف النمل في حرف القول .
والقرينة في حرف فصلت  سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق  أنه من المثاني مع قوله  قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون  يونس 101 ويعني أن الله سيري هذه الأمة آيات خارقة معجزة للتخويف والقضاء في آخر أجل الأمة ولن تستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل التي في الآفاق من السماوات ولا بمثل التي في أنفسهم من الأرض ليتبيّن لهم أنه الحق ويعني قوله  أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد  أن ذلك الموعود سيقع ليشاهده العالمون جميعا إذ ما شهد الله به لن يبقى سرا وإنما سيشهده ويحضره العالمون والله أكبر شهادة .
والقرينة في حرف الأنبياء  سأوريكم آياتي فلا تستعجلون  أنه مما ينتظر لقوله  خلق الإنسان من عجل  ولقوله  فلا تستعجلون  وإنما يستعجل المنتظر الذي لم يقع بعد ولقوله  ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين  الأنبياء 38 وإنما الوعد هو قوله  سأوريكم آياتي  والله لا يخلف الميعاد .
ومضى آنفا بيان حرف الجاثية وسيأتي قريبا بيان حرف البقرة في هذه الكلية ضمن بيان قوله  أو كلّم به الموتى  .

من القول

إن قوله :
  وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون  خاتمة النمل
  ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين  يونس 20
  ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب  الرعد 27
  ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين  العنكبوت 50
  وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزّل آية ولكنّ أكثرهم لا يعلمون  الأنعام 37
  وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون  الأنعام 109
  هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون  الأنعام 158
  قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم  عمران 73
وحرف النمل من القول الذي لم يقع بعد وسيتم بحمد الله وعزته وقهره بعد قراءة النبي  وتلاوته القرآن كما في قوله  وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن  النمل 91 ـ 92 وسيتمّ بعدها أن يري الله آياته الخارقة للتخويف والقضاء للناس فيعرفونها ، ومن المثاني مع حرف النمل  وقل الحمد الله سيريكم آياته فتعرفونها  قوله  يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده  الإسراء 52 أي فسيتم بعثكم من القبور وحشركم وتستجيبون للداعي إلى الحشر بحمد الله وعزته وقهره فلا يتخلف منكم أحد فهذا التمام هو مقتضى الحمد وكذلك بعد تمام قراءة النبي  وتلاوته القرآن ، وسيتم وعده بإنزال الآيات الخارقة للتخويف والقضاء يراها الناس فيعرفونها ولا ينكرونها .
ويعني حرف يونس أن من القول في القرآن الذي لن يقع إلا متأخرا بعد النبي  أن سينزل رب العالمين آية خارقة للتخويف والقضاء ، وهو من الغيب يوم نزل القرآن ويعني تكليف النبي  بانتظاره أنه سيصبح في الدنيا شهادة يوم يشاء الله وأن انتظار تلك الآيات الخارقة للتخويف والقضاء من سنة النبي  كما بيّنت في من أصول الفقه ولينتظره معه كل مسلم لم يرغب عن سنة نبيه ، ويعني أمر المكذبين بالانتظار أنهم سيهلكون في الدنيا بعد الآيات الخارقة للتخويف والقضاء إن لم يهتدوا بها .
ومن القرينة كذلك قوله  وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون  يونس 21 ويعني أن الآيات من رب العالمين ستصبح شهادة وينزلها الله ويكذب بها المكذبون وتصيبهم ضراء ويتعهّدون بالإيمان إن كشفت عنهم الضراء فتكشف عنهم فتصيب الناس رحمة من بعد ضراء مسّتهم كما كشف الضر بالطوفان والجرد والقمل والضفادع والدم عن فرعون وملئه بدعوة فنكثوا ، وسيمكر الناس في آيات ربهم الموعودة وبالمؤمنين بها ، والله أسرع مكرا ، ودلالة قوله  إن رسلنا يكتبون ما تمكرون  أنهم سيعذبون في الدنيا إذ كان من تفصيل الكتاب اقتران كتابة الأعمال بالعذاب كما بينت في من أصول التفسير في بيان الغفور الرحيم من الأسماء الحسنى .
ويعني حرف الرعد أن رب العالمين سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء بعد النبي الأمي  كما هي دلالة القول وأن الله سيضل عنها من يشاء ويهدي بها من أناب .
ويعني حرف العنكبوت أن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء هي عند الله قد قدرت من قبل وسينزلها الله ـ بعد النبي  كما هي دلالة القول ـ إذا شاء الله وليس كما يشاء النبي  أو كما يشاء المكذبون .
ويعني أول الأنعام أن من القول أن الله سينزل آية خارقة للتخويف والقضاء وهي وعد من الله كما هي دلالة ذكر قدرة الله على تنزيل الآية الخارقة كما بينت في اسم الله القادر القدير المقتدر من الأسماء الحسنى في مقدمة التفسير .
وإن من تفصيل الكتاب أن قوله  وقالوا  وشبهه بصيغة الماضي هو للحكاية عن الذي قد مضى من ذلك يوم نزل القرآن ، وأن قوله  ويقولون  وقوله  ويقول الذين كفروا  وشبهه بصيغة المستقبل لبيان الحال ويعني أن ذلك قد قيل يوم نزل القرآن وأنه سيقال مثله بعد نزول القرآن يوم يأتي يقع الذكر بموعودات القرآن .
وحرف ثاني الأنعام من القول الذي لم يقع بعد ولو وقع لأخرج ربنا للناس دابة من الأرض تكلمهم ، فقوله  قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون  من القول في القرآن الذي لن يقع في حياة النبي  بل بعده في أمته ولذلك قيل له  قل  للدلالة عليه ولا يخفى أن المخاطبين في قوله  وما يشعركم  هم الذين عاصروا خاتم النبيين  وتنزّل القرآن عليه والذين سألوه الآيات الخارقة ، ولا تخفى قوة قراءة الغيب في قوله  لا يؤمنون  للعشرة باستثناء ابن عامر الشامي وحمزة على نسق الغيب المتفق عليه في قوله  ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله  الأنعام 111 لأن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر أجل الأمة كالموصوف في قوله  ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكنّ أكثرهم يجهلون وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  الأنعام 111 ـ 112 ويعني أن هذا الموعود سيقع في آخر أمة النبي  على أعدائه المترفين الذين سيعرفون الوحي في ما بينهم كما عرفته البشرية اليوم في عالم الاتصالات وثورته العملاقة وإنما لم يقع اتصال الإنس بالجن والجن بالإنس وهو من المنتظر كما في قوله  وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا  الأنعام 112 ومن المثاني معه  وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم  الأنعام 121 وهو من المنتظر .
إن الذين ستجيئهم الآيات الخارقة في آخر هذه الأمة كانوا غيبا مغيبين عن عالم الشهادة والخطاب يوم نزل القرآن فليسوا هم المخاطبين بقوله  وما يشعركم  .
ويعني ثالث الأنعام أن يوم يأتي بعض آيات ربنا هو من قول القرآن الذي لن يقع في حياة النبي  وهو وعد من الله أمر نبيه  بانتظاره فكان من سنته ، ويعني قوله  إنا منتظرون  أن المؤمنين تبع لنبيهم ينتظرون بانتظاره وكذلك قوله  قل آمنا بالله  أي آمن بإيمان النبي  كل مؤمن .
ويعني حرف عمران أن الهدى الذي سيهدي الله به سيقع بعد حياة النبي  كما هي دلالة القول وأنه آية خارقة لا يقدر عليها أحد من العالمين لنفسه ولا لغيره وهي أن يؤتي رب العالمين أحدا من الناس مثل ما آتى بني إسرائيل من قبل من الآيات الخارقة للكرامة والطمأنينة ومن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء وأن يؤتيه كذلك مثل ما آتى جميع الناس من العلم والقوة والأسباب حتى يتعلّم منه علماء الفلك والفيزيا والطب وسائر المتخصصين في العلوم التجريبة كما سيأتي تحقيقه وبيانه في بين قوله  قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم .

من الذكر

وكذلك وعد الله هذه الأمة أن يتم تذكيرها بالآيات الخارقة المعجزة التي جاء ذكرها في القرآن ليعرفوها إذا رأوها بالقرآن كما في المثاني :
  إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم  السجدة 15
  ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه فأعرض عنها  الكهف 57
  ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها  السجدة 22
  وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون  الصافات 13 ـ 14
  والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صما وعميانا  الفرقان 73
  هو الذي يريكم آياته وينزّل لكم من السماء رزقا وما يتذكّر إلا من ينيب  غافر 13
  ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكم قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين  الأنعام 42 ـ 45
ويعني أول السجدة أن آيات ربنا الخارقة للتخويف والقضاء إذا جاءت إنما يؤمن بها الذين إذا ذكّروا بها ـ أي رأوها من جديد ـ خرّوا سجّدا كما ألقي السحرة سجّدا يوم جاءتهم وغلبت سحرهم وكذلك ستكون الآيات الخارقة مذكّرة بالتي جاء بها موسى من قبل ولن تستطيع معارضتها البشرية جميعا بما أوتيت من تقدم علمي وتقني ، ويعني قوله  وسبّحوا بحمد ربهم  أنهم علموا لما رأوها وتذكّروها أن الوعد بها يوم نزل القرآن قد تمّ نفاذه وأنه كان وعدا خارقا لا يقدر عليه غير رب العالمين ولم يعجزه وإنما تمّ بحمده وعزتّه وقهره ولو كان السياق وسبّحوا بحمد الله لتغيّر المعنى ولكان مدلوله أن الذي رأوه من الآيات هو معصية ومنكر وزور سارعوا إلى البراءة منه بتسبيح الله وتقديسه كما سيأتي بيانه في بيان مدلول التسبيح من أصول التفسير .
وإذا وقع التذكير الذي هو ضد النسيان بالآيات الخارقة من ربنا فدلالة حرف الكهف  فأعرض عنها  لوصف الذي سيعرض عنها ارتجالا دونما تأمل ، وثاني السجدة  ثم أعرض عنها  لوصف الذي سيعرض عنها بعد تأمل وتفكير وتقدير غير موفق ، وتأنيث الضمير في الحرفين  عنها  لبيان أنها الخارقة المعجزة وهي الموصوفة بقوله  آيات ربه  ولو كان التذكير في قوله  ومن أظلم ممن ذكّر  هو بالسجود أو بقراءة القرآن لكان السياق أعرض عنه بالتذكير الذي هو ضد التأنيث إذ كل من السجود والتذكير بالتلاوة الذي هو ضد النسيان يقتضي التذكير الذي هو ضد التأنيث في قوله  أعرض عنها  .
ويعني حرف الصافات أن التذكير بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء من قبل إذا وقع لن يتذكره الساخرون ولن يؤمنوا بالآيات الخارقة في آخر أجل الأمة .
ويعني حرف الفرقان امتداح الذين يذعنون للآيات الخارقة بعد تأمل ودراية أنها كانت من وعد الله في القرآن فذلكم هو الإيمان الذي ينفع صاحبه لا التقليد الموصوف صاحبه بالصمم والعمى .
ويعني أول غافر أن آيات ربنا الخارقة إذا رآها الناس وتنزّل عليهم من السماء الرزق كما كان يتنزّل على بني إسرائيل المنّ والسلوى فإنما سيتذكّر من ينيب الذي يؤمن بوعد الله في القرآن وسيأتي من البيان في آخر هذه الكلية في بيان قوله  قال الله إني منزلها عليكم  المائدة 115 بعد بيان المنظرين .
ويعني حرف الأنعام أن الأمم التي أهلكت من قبل إنما أهلكت لما تمّ تذكيرهم بالآيات وأنهم نسوا ما ذكّروا به من الآيات الخارقة وفتح ربنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا من النعم والتمكين وأعرضوا عما أنذروا به أخذهم ربنا بغتة فإذا هم مبلسون ويعني قوله  فقطع دابر القوم الذين ظلموا  الأمم المهلكة قبل نزول القرآن ، ويعني قوله  والحمد لله رب العالمين  أن إهلاكهم تمّ ونفذ فيهم ما وعدهم به النبيون من قبل .
وإنما جاء هذا البيان بعد قول المشركين  لولا نزّل عليه آية من ربه  الأنعام 37 وقد وعد الله أن يقع مثل ما حلّ بالأمم المكذبة من قبل في هذه الأمة كما بيّنت في كلية النصر في ليلة القدر .
إن المثاني :
  قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون  الأنعام 109
  وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله  الأنعام 124
  وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا  الجاثية 9
  وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون  الصافات 13 ـ 14
  إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون  السجدة 15
  والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا  الفرقان 73
لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر ووعد لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد  وإنما سيتم بعده لدلالة " إذا " الشرطية المتبوعة بالماضي على المستقبل الموعود المنتظر .

بيان قوله  إني جاعل في الأرض خليفة 
يتواصل
الحسن محمد ماديك
 

وأرجو من السادة أهل العلم أن ينفروا خفافا وثقالا لمناقشتها قصد إظهار مواطن الخطإ والتقصير والتناقض فيها أي مواطن مخالفتها صريح القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة لا مواطن مخالفتها ما ألفوه من التراث الذي أزعم مخالفته القرآن والحديث النبوي الصحيح
إن صغر الخط وطول البحث وتضمنه عدة مسائل وطول الفصل بين المقدمات الكثيرة والنتيجة التي تريد الوصول إليها ثم اللجوء في صياغة النتيجة إلى الرمزية، والاحتياج إلى استفسارات كثيرة لاستجلاء مقصد الباحث
كل ذلك يحول دون تلبية ما طالبت به واستنفرت إليه.

ولو اقتصر الموضوع على مسألة واحدة أو فكرة واحدة بعرض ميسر غير مطول لكان ذلك أدعى لمناقشتها

لذلك سأقتصر على إبداء بعض الملاحظات تاركاً المجال لغيري من الباحثين وطلاب العلم لإبداء ما لديهم

قولك:
لا مواطن مخالفتها ما ألفوه من التراث الذي أزعم مخالفته القرآن والحديث النبوي الصحيح

هذا القول يثير سؤالاً مهما وهو ما مفهوم التراث عندك؟

وكذلك ما موقفك من تفاسير الصحابة والتابعين وأئمة اللغة؟

وإني إذا لمن الشاكرين للسادة القراء والمفسرين والمحدثين ولأول المذعنين المنقادين إلى الحق علنا وعلى سواء كما نشرت بحوثي على الملإ خشية إثم كتمان العلم والبيّنات في القرآن .
الظن بطالب الحق أن يذعن إليه وهذا هو الواجب في حقه ، وليس في الإذعان إلى الحق منقصة بل هو والله الشرف العظيم إذ الحق أحق أن يتبع، ومن استكبر عن الحق فلن يضر الله شيئاً، وإنما يضر نفسه ويسعى في ذلها وهوانها.
ومن اتبع الحق أعزه الله ورفع شأنه.

وسبق لك أن أطلقت هذه الدعوى في موضوع سابق وأوردت عليك إيراداً اخترته على علم فلم تجب
ولا أدري علام يدل هذا؟


إن من تفصيل الكتاب أن لفظ الآية يقع على المتلوة والنعمة والدليل على التكرار والقرينة للتصديق وعلى الخارقة المعجزة .
لاحظت أنك انتهجت الفهم المباشر وبنيت عليه تقسيمات كثيرة لا يتضح منها رجوعك لتفاسير السلف وأئمة اللغة
وهذا ما يعزز أهمية السؤال السابق، وأنت قد بنيت على فهمك أموراً عظيمة.

وأنا ألخص لك ما ذكره علماء اللغة في معنى الآية
فالآية في اللغة تطلق على العلامة وعلى الرسالة وعلى الجماعة
والإطلاق الأول: هو أم الباب، وأكثر استعمالات هذا اللفظ، حتى إن بعض العلماء يرجع جميع استعمالات هذا اللفظ إلى هذا المعنى.
قال الله تعالى: (قال رب اجعل لي آية) أي علامة في قول الجميع لا أعلم في ذلك خلافاً.
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)
وقال الشاعر:
كل أنثى وإن بدا لك منها آية الحب حبها خيتعور

وقول الحارث بن ضمام المري:
بآية أني قد فجعت بفارس إذا عرد الأقوام أقدم معلما

ومن الإطلاق الثاني:
قول كعب بن زهير:
ألا أبلغا هذا المعرض آية أيقظان قال القول إذ قال أو حلم

وهذا استعمال مشهور في لغة العرب.

ومن الإطلاق الثالث: قولهم: خرج القوم بآيتهم أي: بجماعتهم
قال برج بن مسهر:
خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي المطي المطافلا
ومن علماء اللغة من يرجعه إلى المعنى الأول.
كما قال ابن القيم في بدائع الفوائد: (الآية العلامة، ومنه خرج القوم بآيهم أي بجماعتهم التي يتميزون بها عن غيرهم).
ومنهم من يجعله أصلاً ويرجع إليه أن الآية في كتاب الله سميت آية لتضمنها عدة حروف، والأول أرجح.

والتحقيق أن العلامة تعبير عبروا به عن معنى الشاهد والدليل والبينة على ما هي له.
والعلامة وإن كان فيها معنى الظهور والبيان والدلالة على الشيء حيث جعلت عليه ومنه سمي الجبل علماً، لدلالته على الموضع دلالة بينة إلا إن لفظ الآية أبلغ في البيان والدلالة من لفظ (العلامة) ولذلك استعمل في القرآن الكريم.
ففيها زيادة على معنى الدلالة معنى الوضوح والجلاء والبيان، (وإياة الشمس) ضوؤها، وقولك في التفسير والتبيين: (أي) هو من هذا الأصل الذي هو التبيين والوضوح والجلاء.
وهذا مما يدل على براعة التعبير القرآني، وأسرار اختيار بعض الألفاظ على بعض.

لذلك انتقدت قولك:
ومما يقع على القرينة على التصديق قوله: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) ويعني بالآيات القرائن الدالة على براءته

لأن القرينة أضعف حالاً من الدليل، فهي لا تفيد اليقين بالبراءة وإنما تفيد غلبة الظن مع احتمال عدم البراءة، وهذا خلاف المعنى المراد من الآية، فهم قد رأوا الآيات أي العلامات والدلائل البينة على براءته التي لا يشوبها شك ولا ارتياب في براءة يوسف عليه السلام، لكنه بدا لهم أن يسجنوه لتحقيق مصلحة لهم في ذلك.
فجملة (من بعد ما رأوا الآيات) اعتراضية لبيان براءة يوسف عليه السلام مما قذف به، وبيان أن ذلك قد تبين لهم، وأن الحكم عليه بالسجن لا لشبهة أو ريبة في أمره، وإنما هو جور وظلم ليوسف عليه السلام، أرادوا به تخفيف التهمة عن امرأة العزيز لدى الناس.

وعوداً على معنى الآية
قال الخليل بن أحمد: (الآية: العَلامةُ، والآية: من آيات الله، والجميع: الآي)
قوله: (والآية: من آيات الله) يشمل الآيات الكونية والشرعية
فالآيات الكونية الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض وما أنعم به من سائر النعم كلها آيات على أنها من عند الله جل وعلا
وهي علامات بينات لا ينكرها إلا مكابر معاند.
والآيات الشرعية هي آيات القرآن المتلوة، سميت بذلك لأنها دالة على أنها من عند الله عز وجل.


وأما الخارقة المعجزة فتعبير محدث عن آيات الأنبياء، واسمها في القرآن آيات لأنها علامات ودلائل بينة على صدق رسالاتهم.

ومما يقع على الدليل على التكرار قوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}

هذا القسم بهذا التعبير غريب، والآية التي استدللت بها لا تفيد المعنى الذي أردته
فقوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
التكرار مستفاد من تكرار ورود الليل والنهار وتكرار المنام والابتغاء من فضل الله، إذ هي نعم متكررة لا أن لفظ (الآيات) يدل على التكرار.



وأنت قد ذكرت عددا من المسائل هي محل نظر، والبحث طويل والتعقيب عليه سيطول أكثر، ولكنني سأختصر وأنطلق مباشرة إلى آخر فقرة من البحث لاتصالها بالنتيجة التي أردتَ الوصول إليها، وهي قولك:

إن المثاني :
{ قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
{وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله}
 وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا 
وإذا ذكّروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون
إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون
 والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا
لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر ووعد لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد وإنما سيتم بعده لدلالة " إذا " الشرطية المتبوعة بالماضي على المستقبل الموعود المنتظر

يبدو أن هذا زبدة ما أردت الوصول إليه
مع أنه يوحي برمزية لأمر لا أدري ما تعني به

وهذه النتيجة عجيبة في تركيبها وألفاظها وموغلة في الرمزية وهذا خلاف البيان والتفصيل الذي جاء به القرآن الكريم.

فإن أردت أن المستقبل الموعود المنتظر لم يأت بعد في الآيات التي سقتها وجمعتها وعزلتها عن سياقاتها فهو باطل قطعاً وهو قول سوء
فقوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون}
قد تحقق يقينا، وأول من تحقق فيهم هذا الشرط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ثم التابعون لهم بإحسان
وصيغة (إذا) تفيد فيما تفيد التكرار، والاسم الموصول يفيد العموم
فالشرط تحقق، ولا يزال يتحقق حتى يأتي أمر الله.

على أن قولك: (لم يأت مع تنزّل القرآن على قلب خاتم النبيين محمد)
فيه شيء من الاحتراز الحذر الذي قد لا يفهمه المتلقي العادي
وهذا الاحتراز لا ينسجم مع قولك قبله: (لتعني أن جميع ذلك غيب منتظر)
وقولك بعده: (وإنما سيتم بعده) لأن السين تدل على الاستقبال

ولذا سأوجه لك سؤالاً صريحاً: هل تم هذا أم لم يتم بعد؟

ولو تأملت الآيات التي سقتها لتبين أن غالبها في بيان صفات إما للمؤمنين أو للكافرين
فمن صفات الكافرين المستهزءين: أنهم إذا علموا من آيات الله شيئا اتخذوها هزوا
وأنهم إذا ذكّروا لا يذكرون، وإذا رأوا آية يستسخرون
وهذا لا يعني أن ذلك لم يقع بعد وأنه غيب منتظر

ومن صفات المؤمنين:
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خرّوا سجّدا وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون }
{والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمّا وعميانا}

وأولى من تكون هذه صفتهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان
فهم سلف الأمة، وهم خير قرونها، ومن كان على مثل ما هم عليه نجا، ومن اتبع غير سبيلهم ضل ضلالاً بعيداً.

وأما قوله تعالى: { قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
فلا أدري لم عزلته عن أول الآية وجعلته دليلاً على أمر منتظر موعود وهي في صيغتها جواب وردٌّ على الكفار المعاندين المجادلين بالباطل
والآية بتمامها هي قوله تعالى:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) }

وهؤلاء الذين أقسموا هم المخاصمون من قريش كما في تفاسير السلف، وكما يدل عليه قوله: (وأقسموا) وهو فعل ماضٍ، ولو كان ذلك لم يقع لقال: سيقسمون.
ثم قوله : (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ)
المعني بقوله: (لا يؤمنون) هم أنفسهم الذين أقسموا
وكل ذلك قد وقع، رأوا الآيات فلم يؤمنوا بها.
 
تعقيب

تعقيب

الأخ عبد العزيز الداخل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فلقد قرأت ما كتبت ردا عليّ ومن قبل ولكن لم أشأ الردّ عليه لأنه لم يتضمن في ميزاني إلا إعلان براءتك ومخالفتك ما كتبت ، وهذا بدهي عندي إذ لا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى .
أخي الفاضل
إنني أحترم المخالفين رأيي أكثر مما يحترمون أنفسهم إذ لم أطالبهم يوما بالتخلي عن مدرستهم ومنهجهم ليروا رأيي وينهجوا نهجي في البحث العلمي المجرد وإنما طلبت منهم نقض بحوثي ومنهجي بأدلة أقوى وأوضح مما احتججت به من القرآن والحديث النبوي الصحيح لا غير .
ولم تنصفني أنت ولا غيرك من الباحثين المقلدين الذين نشرت لهم بحوثي وطلبت منهم تصويبها ولم لا تثبتوا بالدليل من القرآن والسنة أن تفرقتي بين مدلول لفظ القرآن ولفظ الكتاب هي باطلة وتثبتون لي وللناس كذلك أن الجديد الذي فسّرت به الأسماء الحسنى هو باطل مردود شرعا وتثبتون لي القصور في بيان مدلول النبوة وهكذا في كل جزئية من مئات الجزئيات التي نشرت على الملإ وإذا لأصدعنّ بالرجوع إلى الحق وأنك مثلا من قد هداني إلى ما ضللت علنه من العلم والبيّنات والحق .
أخي الداخل
إنني أجل أصحاب التراث الإسلامي أعني أولئك الأئمة الثقات العدول من القراء والمفسرين والمحدثين والفقهاء رضي الله عنهم وغفر لهم أجمعين ولكن لم أخلط بين ما نقلوه لنا عذبا وسلسلا من القرآن والحديث النبوي وبين فهمهم هم الذي خالفوا فيه ما نقلوه لنا من الوحي وهذا سرّ الخلاف وكما في الحديث الصحيح "بلّغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع " وأن "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" . ولا يعني الحديث النبوي تكليف المبلغ بصيغة اسم المفعول أن لا يفهم ولا يعي من العلم إلا ما فهمه المبلغ بصيغة اسم الفاعل .فاعلم مواقع الخلاف بيننا وأنصفني كما نصفتك ونصفت مدرستك إذ لم أطلب يوما من الناس تقليدي واتباع منهجي في البحث العلمي المجرد إذ لم أعلم أني على صواب فكيف أدعو إلى موافقتي وأن يرى الناس رأيي ومذهبي في تدبر القرآن ودراسته ، أعوذ باله أن أكون من الجاهاين
بل غاية ما طلبت منك ومن الناس اتباع مواطن القصور والتقصير في بحوثي وإهدائها إليّ لأرجع عنها ولكن لا يخطئونني بما خالفته من التراث عن وعي ودراية وقصد بل بأدلة أقوى من الوحي .
الحسن محمد ماديك
 
أخي الحسن محمد ماديك؛
سلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد؛
راسلتكم مباشرة عسى نصح الخفاء يفيد أكثر من نصح العلانية، ولربما لم تتوصلوا بالرسالة مما دعاني لأنشرها للعموم عسى أن تعمم الفائدة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل النصح له ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وأشكره شكر من ذاق حلاوة البيان الشافي القريب عهد بربه, وأستلهمه الصواب والرشاد وكفى بالله عليا كبيرا يري آياته للناس وفق وعده {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة : 19] وينزل من السماء رزقا وحصر التذكر في المنيبين. وأصلي وأسلم على نبي الهدى محمد بن عبد الله وعلى آله صلاة وسلاما نبلغ بها أقصى الغايات ونخرق بها الأسوار المتسورة على الفهم السديد والرأي الرشيد. والله عليم حكيم يدخل من يشاء في رحمته.
أما بعد؛
تصفحت مقدمة كتابكم " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ولا أخفي فقد لمسه لقلب قبل أن يلمسه العقل والحمد لله الذي هداكم لهذا البيان ويسر لكم ركوب سبيل على غير ما اعتاده المفسرون، وألهمكم الحكمة في تبليغ ما جئتم به من غير استهانة بمن سلف، ولا نكير على من خالف النهج أو عنه تخلف. فليس في الفكر الإسلامي إقصاء؛ إذ الإقصاء شهادة ميراث للمُقصَى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص : 5]
ولئن بدت ملاحظات مهمة؛ فما هي إلا إشارات جاءت تمشي على استحياء من الله العليم الخير الذي يكرم عباده ويدخلهم دائرة المكرَمين فضلا منه وتكرما، فضلا عن تأليف بين قلوب جمعها النصح لله وكفى به عزيزا حكيما؛ وذلك ليتيسر لكم الشروع في تطوير ما أنتم بصدده من تحرير أفكار باتت مغلقة، وتنوير سبيل صد التقليد ولوجه، وسد منافذه تعظيم الأواخر للأوائل، وهو وإن كان مسلكا وسبيلا محكما حمل في طياته ما لا يحتمل، وترك أقوال السلف في منأى من النقد وأدخلها سرادق التعظيم بدعوى كونها أقوال خير القرون، وبلغ المبالغون في تقديسها مبلغا رفعوها به إلى ذروة التشريع وأضحت لهم حجة ودليلا من أدلة الأصول، وما نظرنا إلى قول الحبيب المصطفى " كل بني آدم خطاء " هكذا بصيغة المبالغة.
وحري بي أن أقسم مداخلتي قسمين :
1ـ قسم يتعلق بالشكل دون التعبير؛
2ـ قسم يتعلق بالمضمون والتفسير.
القسم الأول:
بادئ ذي بدء أشير إلى المنهجية المتبعة في بحثكم وقد اعتمدتم المنهجية العلمية لاستكناه المجهول وكشف المعلوم، والمنهجية في حد ذاتها وسيلة لترتيب وتبويب الأفكار؛ لكن أنى تغني عن عطاء ربك؟ من هنا جاء الانحراف الجوهري عن النهج القويم؛ إذ حينما نواجه النور المبين ونور بصيرتنا مسدل ستاره، فأنى للأنوار بفهمها الثر المتدفق أن تنجلي ويخرج شطئها ليغيض الكفار، ويزيد الذين اهتدوا هدى، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله.
علمنا القرآن الكريم من خلال أول آية نزلت المنهجية التي لا ينبغي أن نحيد عنها وهي { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1] ؛ فمن زاوية اقرأ باسم ربك نقرأ آيات القرآن ومنها أيضا نطالع آيات الكون {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم : 50].
ومعلوم من الحديث القدسي " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهديكم" بأنه لا هادي لمن أضله الله، والأصل أننا في الضلال غارقون إلا من أخذ الله بيده وقاده إلى بابه ليكرمه بما جادت به يداه الكريمتان التي تنفق بالليل والنهار كيف يشاء، وأنها أكرمت الأوائل ولا زالت سحاء تمد من يستمد، ففضل الله لا يحجر وليس عليه بواب، يمنع العطاء. والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.
ومعلوم أيضا بأن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بيد الناس، والعلاقة بين الناس والله علاقة عبيد في ذلة وصغار وانكسار قلب بباب رب عظيم وكبير متعاال.
نرى العبيد تسجد لحكام العرب قهرا، ويمد الحكام اليد ذليلة لحكام الغرب في ذلة وصغار، فما بالنا لا نمد يد الضراعة لله في ذل وانكسار ليسد ثلمة جوعتنا ويمدنا بما يغنينا به عن عبيد مثلنا، ومن تواضع لله رفعه؟
والقرآن الكريم نور، وروح وريحان، فمن لم يلمس نوره، ولا أخذته قشعريرة جلده من أثر لمس روحه ولا ذاق طعم ريحه، ما تأهل للكلام والبيان عن رب العالمين؛ إذ هو مقطوع الصلة القلبية بالله، ولا ذاق مناجاة القرآن له ولا إرشاده إياه، فهل يا ترى وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4] إنها إشارة تقول بلسان حالها السير على الطريق بغير إشارات مرجعية ضلال واسم العلي الحكيم الذي أسبغ على كلام الله إشارة إلى تكليمه لخلقه وفق وعده سبحانه وتعالى الذي لا يخلف الميعاد {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51], وقد يقرأ قارئ هذه الكلمات وتخدش في سويداء قلبه من جراء ما ضرب المتكلمون من سياج حول تكليم الله لخلقه، نعم لا يطعن طاعن في كونه سبحانه وتعالى متكلما، لكن أن يكلم الله بشرا كائنا من كان، دون الأنبياء تلك هي الغرابة عند معظم الخلف والسلف. فهل بان الأمر واتضح، وأستسمح عن هذه الإشارات والتي راعت شأن المخاطب، ومن رغب في التفصيل والتطويل فمرحى وكفى بالله عليما حكيما.
ما كان لمن يقرأ قوله سبحانه وتعالى : {فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ }[البقرة : 64] وقوله تعالى : {وََلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء : 83] وقوله تعالى :{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور : 21] بأن ينأى بنفسه عن باب مولاه في ذلة وصغار وانكسار قلب عسى الله السميع العليم أن يجعلنا ممن تزكت نفوسهم، وعكفت على باب ربها تستمد الخير وتمد به العباد. والحمد لله الذي فتح لنا باب رحمته لولوجه وقد يسر لنا أسماءه الحسنى للاستعانة بها : الله تواب حكيم و الله رؤوف رحيم : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور : 10] وقوله تعالى : {ووَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[النور : 20].
عودنا فقهاؤنا بالاعتداد بالآراء النيرة واستخلاص دلالاتها باعتماد ضوابط أصول الفقه وقواعدها الفقهية واللغوية، وهو جهد مشكور شكر الله لهم سعيهم، لكن ألا ترى مما سبق أن لا غنى لنا عن ضابط ربانية القلب وإرهاف الحس للفهم عن الله إن رمنا فعلا اقتحام سواء السبيل؟
عزفت كل طائفة في هذا الزمان على وترها الحساس وظنت أنها هي الطائفة الناجية، فمن يتسمون بالسلف يحاربون البدع، والصوفية عزفوا عن الدنيا طلبا لوجه الله، والحركات الإسلامية تزينت بزي السياسة وطلبت تحكيم شرع الله، وخرج رجال التبليغ على الناس دعاة إلى الله، همهم الوحيد تبليغ كلمة الله كيفما استطاع المرء.
وما استطاع مستطيع منهم خرق أسواره الحزبية ليتطلع على فكر الآخر والتفتح عليه وبهذا انفصمت العرى وانحلت العقد وخارت الهمم، وتشبث كل منهم بمفاهيم سطحية للنصوص الشرعية، وكل منهم على جانب من الحق. ولا بد لنا من تكامل يجمع الجميع في سبيل الله الذي لا تنفصم عراه؛ بحيث ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وقد اتخذت الأنظمة الحاكمة بأمرها وأمر مستعبديها يدا عند هذه الطائفة أو تلك تستعين بها على طائفة أخرى وفق مبدأ أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
ضاق نظام الطالبان ذرعا بإخوانه من الرباني وشاه مسعود ومن حالفهم، او خالفهم، وخاض معهم حربا لا هوادة فيها، طيلة سنين ظنا منهم أنهم يحاربون من تعاقدوا مع الاستعمار لإجهاض ثمرة نصر الله للأفغانيين في حربهم التحريرية ضد استعمار النظام السوفييتي، وما ذروا أن حربهم كانت مخالفة شرعية أتت بالاستعمار.الأمريكي عقابا من الله للذين يخالفون سننه الكونية منها والقرآنية: فسنن الله لا تحابي أحدا، ولن تجد لها تبديلا ولا تغييرا، ولا تحويلا.
فما جعل الله للكافرين على المؤمنين من سبيل، إلا إذا كان بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسبي بعضا وفق وعده في الحديث القدسي : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن لا يُهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعطَ ذلك وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا . " .
فهل تأتى للإخوة وضع اليد على أصل الجرح ليفقهوا سنن الله في كونه وقرآنه لكون سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وليجددوا العزم مع الله في توبة صادقة ويئوبوا إلى رشدهم لعل الله يجعل بعد ذلك أمرا .
وهذا ما يؤهلنا للحديث عن سنن الله القرآنية منها والكونية، أو بعبارة أخرى كيف ننظر من زاوية إقرأ باسم ربك؟ وهي النقطة الثانية التي أسعى لبيانها في الجانب الشكلي، وقبل ذلك لا بد من إثارة أثر النقطة الأولى في كشف ما التبس فيه الفهم في المضمون والتفسير وهذه خلاصة لما تقدم بيانه :
1. ما أردت بيانه مما سبق هو التأكيد على قوله تعالى {َقلَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ} [الأحقاف : 23] و[الملك : 26]؛
2. بأن لا سبيل لبلوغ وإدراك ما عند الله إلا بالاستمداد من فضل خزائن رب عزيز وهاب؛
3. اعتمدتم المنهجية العلمية وسبيل التفسير الموضوعي فقد تنكشف به أمور استطاعت أن تبقى في الظل لقرون متطاولة، كما قد تلتبس عليكم بعض مفاهيم المتشابه من القرآن؛ أو تتبنون ما حنط من المفاهيم القرآنية، كما سيأتي في النقطة اللاحقة؛
4. رغم قراءتكم النقدية بعين فاحصة، استمتم في القول بوجود النسخ في آيات التشريع القرآنية !!! وهو ما يبين أنكم لا تسلطون الأضواء لكل ما يمر تحت شاشة البصر...؛
5. لا جدوى من مناقشة مفسرين اختلفت بيننا وبينهم مسافات الزمان والمكان وتغيرت الظروف والملابسات، وصدق ابن معط في قوله : " والحي يغلب ألف ميت " وإنما المرء يبرز ما أفاض الله عليه من فيضه وفضله، دون أن ينسب ذلك إلى جهده وعلمه كما فعل قارون.
القسم الثاني : التفسير والمضمون
!ـ قضية نسخ القرآن:
تتطلب دراسة الآيات القرآنية دراسة تمحيصية ليستيقن المؤمن جزما يقينا بأن في القرآن آية كونية واحدة نسخت لا غير وهي ما تشير إليه دلالة قوله تعالى : { الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران : 183] فبعدما قتلوا الأنبياء صار الأمر عبثا وتعالى الله عن اللعب والعبثية في كونه وقانونه؛ إذ لا وجود لها إلا في دواوين البشر وقوانينهم التائهة عن سبيل الله.
والنسخ سواء كان بمعنى المحو والإزالة، أو بمعنى النسخ والنقل. كما ينبغي التفريق بين ما جاء به القرآن نقلا عن الكتب السابقة من توراة وإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داوود (عليهم جميعا السلام ) هو ما جاء ضمن آيات النسخ من " مثلها " لقد أنسيت صحف إبراهيم، وزبور داود، هذا إن جاء معنى قوله تعالى " ننسها " بمعنى النسيان وقد يكون بمعنى النسيء وهو التأخير والقرآن بجملته جاء مؤخرا عن الكتب السابقة وما جاء به من مستجدات الأحكام كانت طبعا خيرا من سابقتها.
وإذا تيسر الأمر وهان الخطب، فلم التقول على كتاب الله؛ إذ ليس هناك دليل قاطع بكون آية الفلانية نسخت نسخا يرفع به حكمها وتبقى مع ذلك مسطورة في المصحف؟ ولا العكس فليست هناك آية قيل أنها كانت من القرآن ثم حذفت بالنسخ، بل بمجرد اعتقاد هذا الأمر أو ذاك يطعن المرء في حفظ الله لكتابه من التحريف وهو بالتالي أضحي طعنا في صدق القرآن. وهكذا تكشف القراءة باسم ربك الزيغ والانحراف، والخروج عن سواء السبيل. ولا يعتبر مع هذا قول قائل وإن علت رتبته مكانة بين الأصحاب رضي الله عنهم، فقد ثبت عنهم كما في مصحف ابن مسعود اعتبار سورتي المعوذتين مجرد أدعية سنية...
وما اختلاف المتقدمين والمتأخرين في القول بالنسخ إلا اختلاف اصطلاحي فهناك من يرى تخصيص آية بكونه نسخا جزئيا لها وهناك من ينظر إلى تعميم ما خصص بكونه نسخا أيضا وما أجمع المتأخرون إلا على بعض الآيات بكونها منسوخة وهي لا تعد إلا أقل من أصابع اليد الواحدة ومع ذلك فاتهم بأن ما أطلقوا عليه القول بالنسخ ما هو إلا مجرد تدرج في الأحكام، وإذا ما علمنا بأن التدرج في الأحكام سنة إلهية لا تنفك عن باقي السنن، أدركنا كيف تتشابه دلالات الآيات عند الناس وما يعقلها ويحكم ضبط دلالاتها إلا الراسخون في العلم المتصلون ببحبوحة الغيب يقتنصون جواهر بحرها ليخرجوها للناس لآلئ نيرة لا يمتلك من رآها إلا الإذعان للحق بعد ما تبين له؛ وليعرب لسانه بكونها فهما جديدا قريب عهد بربه من جراء السكينة التي استحوذت على نفسه وجوارحه وغمرت قلبه طمأنينة.
2. قضية الأسماء الله الحسنى
من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، وقضية الأسماء الله الحسنى هي قضية صارخة في كتاب الله ومن وقف مع تعظيم الحرمات الربانية وبخاصة صفة الحكمة لديه سبحانه وتعالى وضع يده على حكمة الحكيم في كل شيء، فضلا عن استمطار فضله وفيضه سبحانه وتعالى وهو الكريم الذي لا يخيب من رجاه.
وهذا ما يجعل كتاباتنا في الظرف الراهن محل أخذ ورد، لكونها خرجت على الناس بمفاهيم مغايرة لما عهده الناس طوال قرون متطاولة.
3. عدم الفهم عن الله قوانين أفعاله:
كما جاء في قولكم تعليقا على قوله  كذلك كدنا ليوسف  يوسف 76 ومن المثاني معه قوله  لا يستطيعون حيلة  النساء 98 ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية .
ومعلوم من أفعال الله بأنها تأتي جزاء وفاقا ومن جنس عمل العبد إلا فيما لا يليق به سبحانه وتعالى من خيانة وغيرها. والمكر يقابله مكرا من الله، بل الله أشد مكرا. والمكر الأول ظلم والثاني من الله عدل ، والاستهزاء يقابله استهزاء من الله فكيف نرغب المؤمنين ولوج دروب المكر والكيد دون مراعاة ما يترتب عنها من جزاء رباني.
وتقييدكم للحيلة بالغاية الشرعية، فيه نظر، فجل ما جاءتنا من مصائب عرجت بنا بعيدا عن النصوص القرآنية بفهم متفتح مستنير بنور الله ما دخل علينا إلا من جانب المصالح المرسلة والتي تسربت لنا عبر ما يسمونه الدراسة المقاصدية. والمتتبع لأسس بنائها لتستوقفه ضوابطها وبخاصة ما اشترطه الإمام الشاطبي رحمه الله في كون الأمر الابتدائي التصريحي - دون ما لا يتم الواجب إلا به – هو وحده الدال على الضروريات. وطبعا هذا ما لا تسلمه له الدلالة اللغوية. ثم حينما نمسك بالعصا السحرية للدراسة المقاصدية لم نستطيع الإحاطة بكل ما يجري في الكون لإدخاله حوزة الشرع...
والدراسة المقاصدية بما أوتيت من سعة واطلاع ما جاءت إلا بعد أن تساءل الفقهاء كيف تحكم النصوص المعدودة والمحدودة أفعال المخلوقين والتي لا عد لها ولا حصر؟ وجاءتنا المصلحة المرسلة بطوام لا زالت تحكم مجتمعاتنا وتقيد أيادي وفكر منتقدي الأنظمة الحاكمة...
فمن لم يدرك سنن الله في أفعاله ولم يطالع ما جاءت من عهود ربانية في قرآنه بقراءة واعية في كونه بعين ناقدة ورؤية ثاقبة، أوشك أن يتقول على الله في جل ما يكتب، فضلا عن تيهه بحثا عن ضوابط لأفعال العباد، وما درى المسكين بأن عهود الله لم تترك الأمر سدى وأنها هي الضوابط لكل العلوم والمعارف مهما تنوعت، كما هي أسس العلوم السياسية والتي عجز البشر عن إدراك ضوابطها فأرجعوها ضمن جملة الفنون فقالوا : " السياسة فن الممكن ".



4ـ قضية الدراسة المصطلحية
إن الدراسات المصطلحية لتأتينا بالعجائب، ذلك لكون القرآن الكريم لا زالت أرضيته بكرا لم تحرث، فعجائبه لا تنتهي. والمتمعن في كلام الله كلما أطال النظر فيه إلا وأمده بمدد الغيب، وفضل الله لا يحجر، ويداه مبسوطتان تنفق كيف يشاء.
فمثلا مصطلح " أمة " يدل على جماعة من الناس {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[النحل : 120]
كما يدل على الواحد بدليل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120]
كما قد يدل على الفترة من الزمن بدليل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [يونس : 47]

5ـ اصطفاء السبع المثاني:
كيف تم الوصول إلى السبع المثاني؟ وما السبيل على ذلك؛ لم يتطرق البحث لهذه التساؤلات؟
وجدية الأمر تتطلب البيان والاستدلال.
6ـ نوعية الخطاب:
فالمتتبع لبعض العبارات الشاردة توحي على انه ينبغي الاستجابة لدعوة الشافعي رحمه الله لبعض تلامذته بقوله : " يا فلان أكس ألفاظك "
وبهذا وجب التنبيه، وفقكم الله وهداكم إلى صالح الأعمال، وفتح عليكم أبواب فضل الفهم عنه سبحانه وتعالى/ وهو على كل شيء قدير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويتبع الجزء الثاني من النصيحة ـ إن شاء الله ـ

XXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXX

وهذه إشارات إلى أخينا عبد العزيز الداخل حفظه الله،
أخي الكريم،
ما أظن أنك استجبت لقوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان : 73]،وهو ما يعني وجوب التثبت والتحقق من الأمورقبل التسليم بها، فإذا جاءت الأية في سياق المدح مما يعني الوجوب، وإذا كان هذا في حق كلام الله فكيف بكلام غيره، وكثيرا من الأمورالعلمية من أقوال الصحب الكرام أدخلت سرادق التقديس وهي في أمس الحاجة للتحرير العلمي، ولا أحد فوق نقد الناقدين، وكثيرا ما رجع الصحب الكرام في حياتهم عن رأيهم حين يرشدهم مرشد للحق والصواب.
وما جعل الله عز وجل قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لما مضى على درب العقل المسدد بالوحي وليس هذا لغيره من الصحب والتابعين.
وإذا كان كل بني آدم خطاء ـ هكذا بصيغة المبالغة ـ فالقرآن يصرح بأكبر من ذلك {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } [النحل : 61] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } [فاطر : 45] ومعلوم أن كل بني آدم دابة تدب على هذه البسيطة، بما فيهم من الأنبياء، ومن هنا يفتضح زور نسبة الأنبياء للعصمة وهي فرية شيعية سحت على الأنبياء ثم أسقطت على أئمة آل البيت.
فنبينا الكريم يصرح له ربه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }[الفتح : 2] ويعاند المفسرون هذه الحجج الدامغة لينزهوا الرسل عن المعاصي وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[النور : 21]
نعم لله عبادا محفوظون من أمر الله وفق وعده سبحانه وتعالى{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد : 11]
ألا ما أحوجنا لقراءة التراث قراءة نلقدة تحق الحق وتبطل الباطل.
وعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تجلت بحفظه من الناس وفق وعده سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة : 67]،
ثم في حفظ تبليغه مصداقا لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج : 52] وجزم بذلك في قوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [44 ]لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [ 45] ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [ 46]الحاقة,
وبين هذا وذاك نحترم اجتهاد السلف الصالح فقد اجتهدوا بما أوتوا من وسائل لزمانهم ومكانهم، ولا غرو فالفتوى تتغير زمانا ومكانا وشخصا ونية وحالا. وسيكون من العبث اجترار اجتهادهم وسحبه على غر زمانهم ليضحي تقولا عليهم بعلم.
والقرآن الكريم كم من آيات بينات لم تتضح مدلولاتها في زمانهم، ثم لو أنك أخي الكريم قرأت أي تفسير كان لاستوقفتك عدة تعابير وتفاسير تناقض كلام الله تناقضا بينا والأمثلة كثيرة جدا ومن باب الإشارة إقرا ما جاء في قوله تعالى {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج : 15]
هل استطعت إزاحة اللثام عن الموضوع؟ فإن بقيت باقية فالمرجوا تعقيبا علميا يكشف البس ويذهب بالغباش والله الهادي إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
أخي الحسن محمد ماديك؛
سلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد؛
راسلتكم مباشرة عسى نصح الخفاء يفيد أكثر من نصح العلانية، ولربما لم تتوصلوا بالرسالة مما دعاني لأنشرها للعموم عسى أن تعمم الفائدة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل النصح له ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وأشكره شكر من ذاق حلاوة البيان الشافي القريب عهد بربه, وأستلهمه الصواب والرشاد وكفى بالله عليا كبيرا يري آياته للناس وفق وعده {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة : 19] وينزل من السماء رزقا وحصر التذكر في المنيبين. وأصلي وأسلم على نبي الهدى محمد بن عبد الله وعلى آله صلاة وسلاما نبلغ بها أقصى الغايات ونخرق بها الأسوار المتسورة على الفهم السديد والرأي الرشيد. والله عليم حكيم يدخل من يشاء في رحمته.
أما بعد؛
تصفحت مقدمة كتابكم " من تفصيل الكتاب وبيان القرآن" ولا أخفي فقد لمسه لقلب قبل أن يلمسه العقل والحمد لله الذي هداكم لهذا البيان ويسر لكم ركوب سبيل على غير ما اعتاده المفسرون، وألهمكم الحكمة في تبليغ ما جئتم به من غير استهانة بمن سلف، ولا نكير على من خالف النهج أو عنه تخلف. فليس في الفكر الإسلامي إقصاء؛ إذ الإقصاء شهادة ميراث للمُقصَى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص : 5]
ولئن بدت ملاحظات مهمة؛ فما هي إلا إشارات جاءت تمشي على استحياء من الله العليم الخير الذي يكرم عباده ويدخلهم دائرة المكرَمين فضلا منه وتكرما، فضلا عن تأليف بين قلوب جمعها النصح لله وكفى به عزيزا حكيما؛ وذلك ليتيسر لكم الشروع في تطوير ما أنتم بصدده من تحرير أفكار باتت مغلقة، وتنوير سبيل صد التقليد ولوجه، وسد منافذه تعظيم الأواخر للأوائل، وهو وإن كان مسلكا وسبيلا محكما حمل في طياته ما لا يحتمل، وترك أقوال السلف في منأى من النقد وأدخلها سرادق التعظيم بدعوى كونها أقوال خير القرون، وبلغ المبالغون في تقديسها مبلغا رفعوها به إلى ذروة التشريع وأضحت لهم حجة ودليلا من أدلة الأصول، وما نظرنا إلى قول الحبيب المصطفى " كل بني آدم خطاء " هكذا بصيغة المبالغة.
وحري بي أن أقسم مداخلتي قسمين :
1ـ قسم يتعلق بالشكل دون التعبير؛
2ـ قسم يتعلق بالمضمون والتفسير.
القسم الأول:
بادئ ذي بدء أشير إلى المنهجية المتبعة في بحثكم وقد اعتمدتم المنهجية العلمية لاستكناه المجهول وكشف المعلوم، والمنهجية في حد ذاتها وسيلة لترتيب وتبويب الأفكار؛ لكن أنى تغني عن عطاء ربك؟ من هنا جاء الانحراف الجوهري عن النهج القويم؛ إذ حينما نواجه النور المبين ونور بصيرتنا مسدل ستاره، فأنى للأنوار بفهمها الثر المتدفق أن تنجلي ويخرج شطئها ليغيض الكفار، ويزيد الذين اهتدوا هدى، وتقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله.
علمنا القرآن الكريم من خلال أول آية نزلت المنهجية التي لا ينبغي أن نحيد عنها وهي { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1] ؛ فمن زاوية اقرأ باسم ربك نقرأ آيات القرآن ومنها أيضا نطالع آيات الكون {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم : 50].
ومعلوم من الحديث القدسي " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهديكم" بأنه لا هادي لمن أضله الله، والأصل أننا في الضلال غارقون إلا من أخذ الله بيده وقاده إلى بابه ليكرمه بما جادت به يداه الكريمتان التي تنفق بالليل والنهار كيف يشاء، وأنها أكرمت الأوائل ولا زالت سحاء تمد من يستمد، ففضل الله لا يحجر وليس عليه بواب، يمنع العطاء. والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.
ومعلوم أيضا بأن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بيد الناس، والعلاقة بين الناس والله علاقة عبيد في ذلة وصغار وانكسار قلب بباب رب عظيم وكبير متعاال.
نرى العبيد تسجد لحكام العرب قهرا، ويمد الحكام اليد ذليلة لحكام الغرب في ذلة وصغار، فما بالنا لا نمد يد الضراعة لله في ذل وانكسار ليسد ثلمة جوعتنا ويمدنا بما يغنينا به عن عبيد مثلنا، ومن تواضع لله رفعه؟
والقرآن الكريم نور، وروح وريحان، فمن لم يلمس نوره، ولا أخذته قشعريرة جلده من أثر لمس روحه ولا ذاق طعم ريحه، ما تأهل للكلام والبيان عن رب العالمين؛ إذ هو مقطوع الصلة القلبية بالله، ولا ذاق مناجاة القرآن له ولا إرشاده إياه، فهل يا ترى وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4] إنها إشارة تقول بلسان حالها السير على الطريق بغير إشارات مرجعية ضلال واسم العلي الحكيم الذي أسبغ على كلام الله إشارة إلى تكليمه لخلقه وفق وعده سبحانه وتعالى الذي لا يخلف الميعاد {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51], وقد يقرأ قارئ هذه الكلمات وتخدش في سويداء قلبه من جراء ما ضرب المتكلمون من سياج حول تكليم الله لخلقه، نعم لا يطعن طاعن في كونه سبحانه وتعالى متكلما، لكن أن يكلم الله بشرا كائنا من كان، دون الأنبياء تلك هي الغرابة عند معظم الخلف والسلف. فهل بان الأمر واتضح، وأستسمح عن هذه الإشارات والتي راعت شأن المخاطب، ومن رغب في التفصيل والتطويل فمرحى وكفى بالله عليما حكيما.
ما كان لمن يقرأ قوله سبحانه وتعالى : {فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ }[البقرة : 64] وقوله تعالى : {وََلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء : 83] وقوله تعالى :{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور : 21] بأن ينأى بنفسه عن باب مولاه في ذلة وصغار وانكسار قلب عسى الله السميع العليم أن يجعلنا ممن تزكت نفوسهم، وعكفت على باب ربها تستمد الخير وتمد به العباد. والحمد لله الذي فتح لنا باب رحمته لولوجه وقد يسر لنا أسماءه الحسنى للاستعانة بها : الله تواب حكيم و الله رؤوف رحيم : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور : 10] وقوله تعالى : {ووَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[النور : 20].
عودنا فقهاؤنا بالاعتداد بالآراء النيرة واستخلاص دلالاتها باعتماد ضوابط أصول الفقه وقواعدها الفقهية واللغوية، وهو جهد مشكور شكر الله لهم سعيهم، لكن ألا ترى مما سبق أن لا غنى لنا عن ضابط ربانية القلب وإرهاف الحس للفهم عن الله إن رمنا فعلا اقتحام سواء السبيل؟
عزفت كل طائفة في هذا الزمان على وترها الحساس وظنت أنها هي الطائفة الناجية، فمن يتسمون بالسلف يحاربون البدع، والصوفية عزفوا عن الدنيا طلبا لوجه الله، والحركات الإسلامية تزينت بزي السياسة وطلبت تحكيم شرع الله، وخرج رجال التبليغ على الناس دعاة إلى الله، همهم الوحيد تبليغ كلمة الله كيفما استطاع المرء.
وما استطاع مستطيع منهم خرق أسواره الحزبية ليتطلع على فكر الآخر والتفتح عليه وبهذا انفصمت العرى وانحلت العقد وخارت الهمم، وتشبث كل منهم بمفاهيم سطحية للنصوص الشرعية، وكل منهم على جانب من الحق. ولا بد لنا من تكامل يجمع الجميع في سبيل الله الذي لا تنفصم عراه؛ بحيث ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وقد اتخذت الأنظمة الحاكمة بأمرها وأمر مستعبديها يدا عند هذه الطائفة أو تلك تستعين بها على طائفة أخرى وفق مبدأ أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
ضاق نظام الطالبان ذرعا بإخوانه من الرباني وشاه مسعود ومن حالفهم، او خالفهم، وخاض معهم حربا لا هوادة فيها، طيلة سنين ظنا منهم أنهم يحاربون من تعاقدوا مع الاستعمار لإجهاض ثمرة نصر الله للأفغانيين في حربهم التحريرية ضد استعمار النظام السوفييتي، وما ذروا أن حربهم كانت مخالفة شرعية أتت بالاستعمار.الأمريكي عقابا من الله للذين يخالفون سننه الكونية منها والقرآنية: فسنن الله لا تحابي أحدا، ولن تجد لها تبديلا ولا تغييرا، ولا تحويلا.
فما جعل الله للكافرين على المؤمنين من سبيل، إلا إذا كان بعضهم يهلك بعضا وبعضهم يسبي بعضا وفق وعده في الحديث القدسي : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن لا يُهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك، وسأله لا يجعل بأسهم بينهم فلم يُعطَ ذلك وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا . " .
فهل تأتى للإخوة وضع اليد على أصل الجرح ليفقهوا سنن الله في كونه وقرآنه لكون سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وليجددوا العزم مع الله في توبة صادقة ويئوبوا إلى رشدهم لعل الله يجعل بعد ذلك أمرا .
وهذا ما يؤهلنا للحديث عن سنن الله القرآنية منها والكونية، أو بعبارة أخرى كيف ننظر من زاوية إقرأ باسم ربك؟ وهي النقطة الثانية التي أسعى لبيانها في الجانب الشكلي، وقبل ذلك لا بد من إثارة أثر النقطة الأولى في كشف ما التبس فيه الفهم في المضمون والتفسير وهذه خلاصة لما تقدم بيانه :
1. ما أردت بيانه مما سبق هو التأكيد على قوله تعالى {َقلَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ} [الأحقاف : 23] و[الملك : 26]؛
2. بأن لا سبيل لبلوغ وإدراك ما عند الله إلا بالاستمداد من فضل خزائن رب عزيز وهاب؛
3. اعتمدتم المنهجية العلمية وسبيل التفسير الموضوعي فقد تنكشف به أمور استطاعت أن تبقى في الظل لقرون متطاولة، كما قد تلتبس عليكم بعض مفاهيم المتشابه من القرآن؛ أو تتبنون ما حنط من المفاهيم القرآنية، كما سيأتي في النقطة اللاحقة؛
4. رغم قراءتكم النقدية بعين فاحصة، استمتم في القول بوجود النسخ في آيات التشريع القرآنية !!! وهو ما يبين أنكم لا تسلطون الأضواء لكل ما يمر تحت شاشة البصر...؛
5. لا جدوى من مناقشة مفسرين اختلفت بيننا وبينهم مسافات الزمان والمكان وتغيرت الظروف والملابسات، وصدق ابن معط في قوله : " والحي يغلب ألف ميت " وإنما المرء يبرز ما أفاض الله عليه من فيضه وفضله، دون أن ينسب ذلك إلى جهده وعلمه كما فعل قارون.
القسم الثاني : التفسير والمضمون
!ـ قضية نسخ القرآن:
تتطلب دراسة الآيات القرآنية دراسة تمحيصية ليستيقن المؤمن جزما يقينا بأن في القرآن آية كونية واحدة نسخت لا غير وهي ما تشير إليه دلالة قوله تعالى : { الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران : 183] فبعدما قتلوا الأنبياء صار الأمر عبثا وتعالى الله عن اللعب والعبثية في كونه وقانونه؛ إذ لا وجود لها إلا في دواوين البشر وقوانينهم التائهة عن سبيل الله.
والنسخ سواء كان بمعنى المحو والإزالة، أو بمعنى النسخ والنقل. كما ينبغي التفريق بين ما جاء به القرآن نقلا عن الكتب السابقة من توراة وإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داوود (عليهم جميعا السلام ) هو ما جاء ضمن آيات النسخ من " مثلها " لقد أنسيت صحف إبراهيم، وزبور داود، هذا إن جاء معنى قوله تعالى " ننسها " بمعنى النسيان وقد يكون بمعنى النسيء وهو التأخير والقرآن بجملته جاء مؤخرا عن الكتب السابقة وما جاء به من مستجدات الأحكام كانت طبعا خيرا من سابقتها.
وإذا تيسر الأمر وهان الخطب، فلم التقول على كتاب الله؛ إذ ليس هناك دليل قاطع بكون آية الفلانية نسخت نسخا يرفع به حكمها وتبقى مع ذلك مسطورة في المصحف؟ ولا العكس فليست هناك آية قيل أنها كانت من القرآن ثم حذفت بالنسخ، بل بمجرد اعتقاد هذا الأمر أو ذاك يطعن المرء في حفظ الله لكتابه من التحريف وهو بالتالي أضحي طعنا في صدق القرآن. وهكذا تكشف القراءة باسم ربك الزيغ والانحراف، والخروج عن سواء السبيل. ولا يعتبر مع هذا قول قائل وإن علت رتبته مكانة بين الأصحاب رضي الله عنهم، فقد ثبت عنهم كما في مصحف ابن مسعود اعتبار سورتي المعوذتين مجرد أدعية سنية...
وما اختلاف المتقدمين والمتأخرين في القول بالنسخ إلا اختلاف اصطلاحي فهناك من يرى تخصيص آية بكونه نسخا جزئيا لها وهناك من ينظر إلى تعميم ما خصص بكونه نسخا أيضا وما أجمع المتأخرون إلا على بعض الآيات بكونها منسوخة وهي لا تعد إلا أقل من أصابع اليد الواحدة ومع ذلك فاتهم بأن ما أطلقوا عليه القول بالنسخ ما هو إلا مجرد تدرج في الأحكام، وإذا ما علمنا بأن التدرج في الأحكام سنة إلهية لا تنفك عن باقي السنن، أدركنا كيف تتشابه دلالات الآيات عند الناس وما يعقلها ويحكم ضبط دلالاتها إلا الراسخون في العلم المتصلون ببحبوحة الغيب يقتنصون جواهر بحرها ليخرجوها للناس لآلئ نيرة لا يمتلك من رآها إلا الإذعان للحق بعد ما تبين له؛ وليعرب لسانه بكونها فهما جديدا قريب عهد بربه من جراء السكينة التي استحوذت على نفسه وجوارحه وغمرت قلبه طمأنينة.
2. قضية الأسماء الله الحسنى
من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، وقضية الأسماء الله الحسنى هي قضية صارخة في كتاب الله ومن وقف مع تعظيم الحرمات الربانية وبخاصة صفة الحكمة لديه سبحانه وتعالى وضع يده على حكمة الحكيم في كل شيء، فضلا عن استمطار فضله وفيضه سبحانه وتعالى وهو الكريم الذي لا يخيب من رجاه.
وهذا ما يجعل كتاباتنا في الظرف الراهن محل أخذ ورد، لكونها خرجت على الناس بمفاهيم مغايرة لما عهده الناس طوال قرون متطاولة.
3. عدم الفهم عن الله قوانين أفعاله:
كما جاء في قولكم تعليقا على قوله  كذلك كدنا ليوسف  يوسف 76 ومن المثاني معه قوله  لا يستطيعون حيلة  النساء 98 ويعني صحة الحديث النبوي أن الله يلوم على العجز ومنه ترك الحيلة الموصلة إلى الغاية الشرعية .
ومعلوم من أفعال الله بأنها تأتي جزاء وفاقا ومن جنس عمل العبد إلا فيما لا يليق به سبحانه وتعالى من خيانة وغيرها. والمكر يقابله مكرا من الله، بل الله أشد مكرا. والمكر الأول ظلم والثاني من الله عدل ، والاستهزاء يقابله استهزاء من الله فكيف نرغب المؤمنين ولوج دروب المكر والكيد دون مراعاة ما يترتب عنها من جزاء رباني.
وتقييدكم للحيلة بالغاية الشرعية، فيه نظر، فجل ما جاءتنا من مصائب عرجت بنا بعيدا عن النصوص القرآنية بفهم متفتح مستنير بنور الله ما دخل علينا إلا من جانب المصالح المرسلة والتي تسربت لنا عبر ما يسمونه الدراسة المقاصدية. والمتتبع لأسس بنائها لتستوقفه ضوابطها وبخاصة ما اشترطه الإمام الشاطبي رحمه الله في كون الأمر الابتدائي التصريحي - دون ما لا يتم الواجب إلا به – هو وحده الدال على الضروريات. وطبعا هذا ما لا تسلمه له الدلالة اللغوية. ثم حينما نمسك بالعصا السحرية للدراسة المقاصدية لم نستطيع الإحاطة بكل ما يجري في الكون لإدخاله حوزة الشرع...
والدراسة المقاصدية بما أوتيت من سعة واطلاع ما جاءت إلا بعد أن تساءل الفقهاء كيف تحكم النصوص المعدودة والمحدودة أفعال المخلوقين والتي لا عد لها ولا حصر؟ وجاءتنا المصلحة المرسلة بطوام لا زالت تحكم مجتمعاتنا وتقيد أيادي وفكر منتقدي الأنظمة الحاكمة...
فمن لم يدرك سنن الله في أفعاله ولم يطالع ما جاءت من عهود ربانية في قرآنه بقراءة واعية في كونه بعين ناقدة ورؤية ثاقبة، أوشك أن يتقول على الله في جل ما يكتب، فضلا عن تيهه بحثا عن ضوابط لأفعال العباد، وما درى المسكين بأن عهود الله لم تترك الأمر سدى وأنها هي الضوابط لكل العلوم والمعارف مهما تنوعت، كما هي أسس العلوم السياسية والتي عجز البشر عن إدراك ضوابطها فأرجعوها ضمن جملة الفنون فقالوا : " السياسة فن الممكن ".



4ـ قضية الدراسة المصطلحية
إن الدراسات المصطلحية لتأتينا بالعجائب، ذلك لكون القرآن الكريم لا زالت أرضيته بكرا لم تحرث، فعجائبه لا تنتهي. والمتمعن في كلام الله كلما أطال النظر فيه إلا وأمده بمدد الغيب، وفضل الله لا يحجر، ويداه مبسوطتان تنفق كيف يشاء.
فمثلا مصطلح " أمة " يدل على جماعة من الناس {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[النحل : 120]
كما يدل على الواحد بدليل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120]
كما قد يدل على الفترة من الزمن بدليل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [يونس : 47]

5ـ اصطفاء السبع المثاني:
كيف تم الوصول إلى السبع المثاني؟ وما السبيل على ذلك؛ لم يتطرق البحث لهذه التساؤلات؟
وجدية الأمر تتطلب البيان والاستدلال.
6ـ نوعية الخطاب:
فالمتتبع لبعض العبارات الشاردة توحي على انه ينبغي الاستجابة لدعوة الشافعي رحمه الله لبعض تلامذته بقوله : " يا فلان أكس ألفاظك "
وبهذا وجب التنبيه، وفقكم الله وهداكم إلى صالح الأعمال، وفتح عليكم أبواب فضل الفهم عنه سبحانه وتعالى/ وهو على كل شيء قدير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ويتبع الجزء الثاني من النصيحة ـ إن شاء الله ـ

XXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXXX

وهذه إشارات إلى أخينا عبد العزيز الداخل حفظه الله،
أخي الكريم،
ما أظن أنك استجبت لقوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان : 73]،وهو ما يعني وجوب التثبت والتحقق من الأمورقبل التسليم بها، فإذا جاءت الأية في سياق المدح مما يعني الوجوب، وإذا كان هذا في حق كلام الله فكيف بكلام غيره، وكثيرا من الأمورالعلمية من أقوال الصحب الكرام أدخلت سرادق التقديس وهي في أمس الحاجة للتحرير العلمي، ولا أحد فوق نقد الناقدين، وكثيرا ما رجع الصحب الكرام في حياتهم عن رأيهم حين يرشدهم مرشد للحق والصواب.
وما جعل الله عز وجل قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لما مضى على درب العقل المسدد بالوحي وليس هذا لغيره من الصحب والتابعين.
وإذا كان كل بني آدم خطاء ـ هكذا بصيغة المبالغة ـ فالقرآن يصرح بأكبر من ذلك {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } [النحل : 61] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } [فاطر : 45] ومعلوم أن كل بني آدم دابة تدب على هذه البسيطة، بما فيهم من الأنبياء، ومن هنا يفتضح زور نسبة الأنبياء للعصمة وهي فرية شيعية سحت على الأنبياء ثم أسقطت على أئمة آل البيت.
فنبينا الكريم يصرح له ربه {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }[الفتح : 2] ويعاند المفسرون هذه الحجج الدامغة لينزهوا الرسل عن المعاصي وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[النور : 21]
نعم لله عبادا محفوظون من أمر الله وفق وعده سبحانه وتعالى{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد : 11]
ألا ما أحوجنا لقراءة التراث قراءة نلقدة تحق الحق وتبطل الباطل.
وعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تجلت بحفظه من الناس وفق وعده سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة : 67]،
ثم في حفظ تبليغه مصداقا لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج : 52] وجزم بذلك في قوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [44 ]لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [ 45] ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [ 46]الحاقة,
وبين هذا وذاك نحترم اجتهاد السلف الصالح فقد اجتهدوا بما أوتوا من وسائل لزمانهم ومكانهم، ولا غرو فالفتوى تتغير زمانا ومكانا وشخصا ونية وحالا. وسيكون من العبث اجترار اجتهادهم وسحبه على غر زمانهم ليضحي تقولا عليهم بعلم.
والقرآن الكريم كم من آيات بينات لم تتضح مدلولاتها في زمانهم، ثم لو أنك أخي الكريم قرأت أي تفسير كان لاستوقفتك عدة تعابير وتفاسير تناقض كلام الله تناقضا بينا والأمثلة كثيرة جدا ومن باب الإشارة إقرا ما جاء في قوله تعالى {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج : 15]
هل استطعت إزاحة اللثام عن الموضوع؟ فإن بقيت باقية فالمرجوا تعقيبا علميا يكشف البس ويذهب بالغباش والله الهادي إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الأخ محمد جابري
السلام عليكم ورحمة الله
أعتذر أن لم أتلق رسائلكم ـ علم الله ـ لأن بريدي الإلكتروني على الجميل قد أغلق أو اخترق ولم أستطع فتحه منذ حوالي شهرين وأصبح لدي بريد آخر هو مسجل لدى ملتقى أهل التفسير وهو :
[email protected]
وعنواني على skype هو :
elhacenmadick
وإني لمستشرف لبقية ملاحظاتك أو للجزء اللاحق منها ولعلي أستفيد منها ولعلي أقرأها تفصيلا وإني لعلى استعداد لقبول الحق أنى ظهر لي
طالب العلم والباحث عنه
الحسن محمد ماديك
 
عودة
أعلى