الحسن محمد ماديك
New member
من بيان القرآن
تفسير سورة القدر
الحسن محمد ماديك
الوعد في الدنيا
إن قوله قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين هود 32 ليعني أن نوحا قد وعد قومه بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن قومه لفرط تكذيبهم قد تعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين الأعراف 70 وقوله قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين الأحقاف 22 ليعني أن هودا قد وعد عادا بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن عادا لفرط تكذيبهم قد تعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين الأعراف 77 وقوله فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب هود 65 ليعني أن صالحا قد وعد ثمود بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن ثمود لفرط تكذيبهم قد عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وتعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم غافر 28 ليعني أن موسى قد وعد آل فرعون بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن رجلا مؤمنا من آل فرعون قد حذّر قومه أن يصيبهم العذاب الذي وعدهم به موسى .
وإن قوله كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبّع كل كذّب الرسل فحقّ وعيد ق 12 ـ 14 ليعني أن القرون الأولى قد كذبوا الرسل فحق عليهم أول الوعيد الذي جاءهم به الرسل وهو إهلاكهم في الدنيا إن لم يؤمنوا .
وإن قوله وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين الأنبياء 7 ـ 9 ليعني أن رب العالمين قد صدق وعده رسله فأنجاهم ومن معهم وأهلك المسرفين أي عذّبهم عذابا استأصلهم في الدنيا كما هو مدلول أهلك الرباعية بخلاف هلك الثلاثية التي تعني الموت كما في قوله ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك غافر 34 أي مات .
وإن الله قد وعد رسوله وخاتم النبيين بمثل ما وعد به الرسل قبله كما يأتي بيانه ، وقد صدقهم الله وعده ، أفلا يصدق رسوله خاتم النبيين كذلك وعده بإهلاك المجرمين المكذبين بعذاب من عنده كالذي أهلك به الأولين ، وتساءل المجرمون الذين عاصروا نزول القرآن لفرط تكذيبهم متى يقع الوعد بإهلاكهم وتعجلوه كما في المثاني:
• قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون النمل 69 ـ 72
• ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم به تستعجلون يونس 48 ـ 51
• ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإليّ المصير الحج 47 ـ 49
ويعني أن العذاب الموعود في هـذه الأمة سيتأخر إلى أن يحين أجلها ، وقد سمّى يوما واحدا وهو ألف سنة ستنقضي قبل العذاب الموعود في الدنيا ، وسكت عن اليوم الثاني فلن يتم وإلا لسمّى يومين كما سمّى يوما واحدا والله أعلم .
وإن المثاني :
• قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون الفلاح 93 ـ 95
• أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نريك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون الزخرف 40 ـ 42
• فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون غافر 77
• وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب الرعد 40
• وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم يونس 46
• قل إن أدري أقريب ما توعدون أو يجعل له ربي أمدا الجن 25
• فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون الأنبياء 109
• وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فاطر 4ـ 5
وشبهها ليعني أن المكذبين في هـذه الأمة موعودون بانتقام في الدنيا لن يدركه النبي في حياته ، وكما في قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الأنفال 33 ، ويعني وصف وعده بأنه حق أنه سيتأخر كثيرا حتى يوسوس الشيطان ، وكذلك دلالة أمره بالصبر قبله في حرف غافر .
وإن المثاني :
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون خاتمة الأحقاف
• كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 200 ـ 207
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 23 ـ 24
ليعني أن الفاسقين والمجرمين ومن كان في الضلالة ومن يعص الله ورسوله سيرون ما يوعدون من العذاب الذي يهلكهم ولا يؤخرون حين يسألون التأخير كما هي دلالة قوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وكما هو صريح قوله فيقولوا هل نحن منظرون بل يهلكون إذ كانوا يستعجلون العذاب الذي سيصيبهم منه مثل ما أصاب الأولين وسيعلمون أنهم شر مكانا وأضعف جندا وأقل عددا من جند الله من الملائكة التي ستتنزل عليهم بالعذاب كما يأتي تقريره وبيانه وتفصيله قريبا .
وإن المثاني في قوله :
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون خاتمة الذاريات
وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار الأنعام 133 ـ 135
فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون المعارج 40 ـ 42
فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون الزخرف 83
والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إن ما توعدون لصادق
والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا إن ما توعدون لواقع
لتعني أن الله وعد المكذبين في هـذه الأمة بعذاب في الدنيا سيأتيهم ولا يعجزون بل يهلكون به وسيلاقيهم إذ هو وعد صادق واقع بهم كما يأتي قريبا تحقيقه .
ثم نتبعهم الآخرين
وإن من الموعود في القرآن قوله :
ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين المرسلات 16 ـ 18
• وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين الزخرف 6 ـ 8
• وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب خاتمة سبإ
• فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين الزخرف 55 ـ 56
• فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في لك لعبرة لمن يخشى النازعات 25 ـ 26
ويعني أن الأولين وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ومنهم فرعون وجنوده قد أهلكوا من قبل ، ولم تعذب أمة بعد فرعون وجنوده بمثل ما عذب به الأولون ، ويعني الوعد به في القرآن أنه من الغيب المنتظر كما هي دلالة قوله ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين بالقطع والرفع ، وهو من المثاني مع قوله ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى القصص 43 ولم تهلك أمة بعد نزول التوراة التي أهلكت قبلها القرون الأولى .
ويعني أول الزخرف أن مثل الأولين وهم القرون الأولى قد مضى وانقضى وأن الغيب المنتظر الموعود هو مثل الآخرين وإهلاك القرون الأخرى .
ويعني حرف سبأ أن الآخرين سيحال بينهم وبين ما يشتهون من الأمن ومتاع الحياة الدنيا كما فعل بأشياعهم من قبل وهم القرون الأولى.
ويعني ثاني الزخرف أن فرعون وجنوده قد أغرقوا في البحر وأنهم سلف لخلف منتظر هم الآخرون الذين سيغرقون كذلك .
ويعني حرف النازعات أن الإغراق الذي أهلك به فرعون هو النكال في المرة الأولى أي العذاب الذي عذب به قوم نوح ، وهو النكال المنتظر الذي سيعذب به في المرة الآخرة خلفه من الآخرين ، ولن ينجو من نكال الآخرة إلا من اعتبر وخشي ربه .
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم
إن قوله :
• وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا الكهف 59
• وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة الأنبياء 11
• وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم إبراهيم 45
• فقطع دابر القوم الذين ظلموا الأنعام 45
• ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا يونس 13
• كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين الأنفال 54
وشبهه ليعني أن الله وصف أهل القرى إجمالا من قبل بالظلم وأهلكهم ، وكذلك وصفهم تفصيلا بالظلم كما في قوله ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون العنكبوت 14 ويعني أن الله وصف قوم نوح بالظلم وأهلكهم بالطوفان ، وقوله وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود هود 67 يعني أن الله وصف ثمود بالظلم وأهلكهم ، وقوله وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 94 يعني أن الله وصف مدين بالظلم وأهلكهم ، وقوله إنا مهلكوا أهل هـذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين العنكبوت 31 يعني وصف قوم لوط بالظلم قبل إهلاكهم ، وقوله وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم الحجر 78 يعني أن الله وصف أصحاب الأيكة بالظلم وأهلكهم ، وقوله فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين القصص 40 يعني أن الله وصف فرعون وجنوده بالظلم وأهلكهم ، وأما عاد فيشملها الوصف بالظلم الموصوف به كل من كانوا قبل فرعون في حرف الأنفال وغيره .
وإن المثاني كما في قوله :
قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين الفلاح 94
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالين الأنبياء 46
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون الأنعام 47
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم الأنعام 93
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون خاتمة الذاريات
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا رنا أخرنا إلى أجل قريب إبراهيم 44
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون الطور 44 ـ 47
قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين الزمر 50 ـ 51
وهـذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الأحقاف 12 ـ13
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون خاتمة الشعراء
لتعني أن سيكون في هـذه الأمة ظالمون مثل الظالمين من قوم نوح والأحزاب من بعدهم وسيهلك الظالمون في هـذه الأمة كما أهلك أولئك ، والظالمون في هـذه الأمة هم الموعودون في الدنيا أن تمسهم نفحة من عذاب ربنا في حرف الأنبياء وأن يأتيهم عذاب الله بغتة أو جهرة في أول الأنعام وأن تعذبهم الملائكة في الدنيا بعذاب الهون يوم تتوفاهم وهم في غمرات الموت في ثاني الأنعام .
والذين ظلموا في هـذه الأمة هم الموعودون بذنوب من العذاب كالذي أهلك به من قبلهم من المكذبين كما في خاتمة الذاريات وأن يأتيهم العذاب في الدنيا كما في حرف إبراهيم وأن يصعقوا في الدنيا فلا يغني عنهم كيدهم شيئا وأن يعذبوا بعذاب من قبله كما في حرف الطور وأن يصيبهم سيئات ما كسبوا أي يعذبون به كما في حرف الزمر وهم الذين أنذروا في القرآن بالعذاب كما حرف الأحقاف وهم الموعودون بسوء المنقلب في الدنيا كما في خاتمة الشعراء .
الحاقة ما الحاقة
إن قوله :
• كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ص 12 ـ 14
• كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد ق 12 ـ 14
• كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار غافر5 ـ 6
• ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين النحل 36
وشبهه ليعني أن المكذبين من قبل هم الذين حقت عليهم الضلالة وحق عليهم الوعيد والعقاب الذي جاءهم به الرسل أي عذبوا في الدنيا وسيحقّ عليهم كذلك العذاب المقيم في يوم القيامة .
وإن حرف ص لمن المثاني إذ سيقع مثله في هـذه الأمة لقوله جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب سورة ص 11 وهو من الوعد المنتظر في الدنيا إذ لا أحزاب في يوم القيامة ، ولقوله وما ينظر هـؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب اصبر على ما يقولون ص 15 ـ 17 ، والصيحة الواحدة ما لها من فواق من الوعد في الدنيا كذلك ، ويعني الأمر بالصبر في القرآن انتظار موعود بعيد . وإن قوله كذبت قبلهم في كل من حرف ص وحرف ق وحرف غافر وحيث وكيف وقعت في القرآن لتعني أنه من المثاني والمعنى وإن يكذبوك فسيهلكون كما أهلك الذين كذبوا من قبلهم . وإن حرف غافر لمن المثاني لقوله ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد غافر 3 ويعني أن الله سيمهلهم حتى يتقلبوا في البلاد كناية عن التمكين في الأرض قبل أن تحق عليهم كلمة ربنا أي وعده بالعذاب الموعود في كل من الدنيا والآخرة .
وإن حرف النحل لمن المثاني لقوله قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ويعني ليعتبروا ولا يكذبوا كما كذب الذين من قبلهم وحقت عليهم الضلالة فأهلكوا في الدنيا بعذاب من عند الله ، ولقوله إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين النحل 37 أي أن الله لا يهديهم بل سيهلكهم في الدنيا ويعذبهم في الآخرة وما لهم من ناصرين .
وإن المثاني في قوله :
• وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا الإسراء 16 ـ 17
• كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون يونس 33
• إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 97 ـ 102
• الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذ رابية إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية الحاقة 1ـ 12
ويعني حرف الإسراء أن من القول في القرآن أن سيحق على المترفين الذين سيفسقون في القرى أي يستوجبون العذاب قبل أن يدمرها الله بمن فيها تدميرا .
وإن ما تضمن القرآن من الوعد بالعذاب في الدنيا هو كلمة ربنا التي ستقع على الذين سيفسقون ولا يؤمنون حتى يعذبوا في يوم مثل أيام الذين خلوا من قبل وهي أيام الله التي أهلك فيها الذين لم يؤمنوا بآيات ربهم الخارقة للتخويف والقضاء .
ويعني حرف الحاقة أن الحاقة هي كلمة العذاب أي الوعد به الذي سيحق أي يقع على المكذبين في هـذه الأمة في الدنيا كما حقت على ثمود وعاد وعلى فرعون ومن قبله وعلى قوم لوط المؤتفكات فأهلكوا ، وإن من الموعود في القرآن أن ينجي الله المؤمنين ـ إذا حق العذاب المنتظر وطغا الماء ـ كما نجى نوحا ومن معه في الفلك فهلا تذكروا من قصص القرآن ووعيت أذن واعية .
فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون
إن قوله :
• وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين الذاريات 43 ـ 45
• فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فصلت 13
ليعني أن الصاعقة قد عذب بها الأولون فأهلكت بها ثمود ، وحرف الذاريات من المثاني لقوله وفي ثمود ردا على قوله وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم الذاريات 37 والمعنى وفي ثمود وعتوهم والصاعقة التي أخذتهم آية ـ وهي التي تقع دليلا على التكرار ـ للذين يخافون العذاب الأليم في الدنيا والآخرة كالموعود فيهما .
وحرف فصلت كذلك من المثاني إذ لم ينذر الله ونبيه إلا بما سيكون .
وإن المثاني :
• ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13
• فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون الطور 45 ـ 46
ليعني أن الصاعقة سيعذب بها بعض المتأخرين في هـذه الأمة فيرسلها الله ويصيب بها الذين يجادلون في الله كما أصاب بها أهل الكتاب من قبل وأصاب بها ثمود .
ويعني حرف الطور أن المكذبين في هـذه الأمة سيلاقون يومهم الذي فيه يصعقون ولا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون بل يصعقون ويهلكون ، ودلالة أمر النبي بالصبر تعني أن ذلك سيكون متأخرا ودلالة أمره بالتسبيح بحمد ربه تعني أن ذلك الوعد سيتم بحمد الله وأنه سبحانه لن يخلف وعده .
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون
إن قوله :
• فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم الأعراف 135 ـ 136
• فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين الزخرف 55 ـ 56
• وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين الحجر 78 ـ 79
• قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين الزخرف 24 ـ25
• ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين الروم 47
لتعني أن رب العالمين قد انتقم من الأولين أن كذبوا بآياته الخارقة وكانوا عنها غافلين وكانوا مجرمين وظالمين .
وإن المثاني :
• ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون السجدة 22
• فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هـذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون الدخان 10 ـ 16
• وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام إبراهيم 44 ـ 47
لتعني أن وعد الله بالانتقام من المجرمين والذين ظلموا في هـذه الأمة لمما يرتقب وليعذبهم في الدنيا ، وإنما سيقع الوعد على الذين سيكذبون الرسل الموعودين الذين سيذكرون الناس بآيات ربهم الخارقة .
وسيأتي بيان حرف الدخان وإبراهيم مفصلا تفصيلا هنا وفي كلية الرسالة .
حتى يروا العذاب الأليم
وإن قوله :
• ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم يونس 88
• فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون خاتمة غافر
• فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هـذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم الأحقاف 24 ـ 25
لتعني أن المكذبين من قبل قد رأوا بأعينهم بأس ربهم أي العذاب الذي أرسل عليهم ليهلكهم قبل أن يهلكوا به ، ولم يؤمن فرعون وملؤه حتى رأوا العذاب الأليم لما أدركهم الغرق ، ورأت عاد الريح العقيم قبل أن تهلك بها ، وآمنوا كلهم لما رأوا العذاب ولم ينفعهم إيمانهم وإنما أهلكوا إلا قوم يونس .
وإن المثاني في قوله :
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 200 ـ207
• إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم يونس 97
• وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا الفرقان 42
• وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم الطور 44
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون خاتمة الأحقاف
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 24
• ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون الصافات 171 ـ 179
ليعني أن المجرمين الذين لا يؤمنون بآيات ربهم سوف يرون العذاب الموعود في الدنيا وسيقولون سحاب مركوم كما قالتها من قبلهم عاد لما رأوا العذاب وسيعلمون رأي العين أنهم شر مكانا وأضعف جندا وناصرا وأقل عددا وأضل سبيلا ، وإذا نزل العذاب بساحتهم فسيبصرونه بالعين المجردة بعد أن كانوا يستعجلونه لفرط تكذيبهم ، وإن ذلك لمما ينتظر لقوله وأبصرهم وقوله وأبصر يأمره بانتظار الموعود .
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت
إن قوله :
• ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب خاتمة سبإ
• ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم الأنعام 93
• ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم الأنفال 50
ليعني أن النبي لن يدرك هـذا الموعود في القرآن وإنما سيقع بعده في أمته ، ولو رآه في الدنيا أي أخر عنه الموت حتى يدركه لسرّ به ، وكما بيّنت في كلية النبوة .
وإن قوله :
• ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ...
• ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب الفجر 6 ـ 13
• ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار إبراهيم 28
ليعني الحوادث الماضية التي سبقت النبي الأمي وعرضت عليه فرآها عرضا بعينيه يقظة كما بينت في النبوة وكما هي دلالة قوله كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية الحاقة 4 ـ7 ويعني أنه قد عرض عليه القوم وهم صرعى يوم صرعوا بالصاعقة وصرعوا بالريح العقيم ، ولهـذا العرض الذي نبئ به النبي الأمي دلالة كبرى تعني أنه سيقع مثله في أمته كما بينت في النبوة ، وسيغزو جيش الكعبة فيفعل بهم ربنا كما فعل بأصحاب الفيل ولو عقل المتأخرون القرآن لكانوا كأنما أدركوا النبي وعاصروه .
وسيصب ربنا سوط عذاب على خلف عاد الأولى وهم عاد الأخرى الذين سيبنون بكل ريع آية يعبثون ويبطشون جبارين لا يرحمون وعلى خلف ثمود وهم الذين سيتخذون من الصخر والجبال بيوتا وعلى خلف فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد وهم الحكام الذين سيتخذون أركانا لنظمهم يطلقون أيديهم في شعوبهم فيطغون ويكثرون الفساد ثم يجدون ربهم بالمرصاد أي يعذبهم في الدنيا كما سيأتي قريبا بيانه والله المستعان .
وسوف يعلمون حين يرون العذاب
إن قوله :
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه هود 39
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه هود 93
• سيعلمون غدا من الكذاب الأشر القمر 26
ليعني أن كلا من نوح وشعيب قد وعد قومه أنهم سيعلمون رأي العين أيا من الفريقين سيأتيه عذاب يخزيه في الدنيا ويحل عليه في الآخرة عذاب مقيم ، ويعني حرف القمر أن الله قد أوحى إلى صالح أن ثمود سيعلمون رأي العين من الكذاب الأشر ، وقد علمت ثمود لما عقروا الناقة أنهم هم الكذاب الأشر وأن صالحا مرسل من ربه .
وإن المثاني كما في قوله :
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 39
• وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا الفرقان 42
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـان مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 24
• لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون الأنعام 67
لتعني العلم بالمشاهدة رأي العين ، وحرف الزمر يعني أن من القول في القرآن ـ الذي لن يقع في حياة النبي وإنما بعده في أمته ـ أن يعلم المكذبون من أمته بعده رأي العين العذاب في الدنيا يأتيهم فيخزيهم قبل العذاب المقيم في الآخرة ، ولقد وعد الله في حرف الزمر هـذه الأمة بمثل ما وعد به نوح وشعيب قومهما ، وقد تحقق في قومهما وعد رسوليهما ، وإني لأنتظر وعد الله في هـذه الأمة إيمانا به وبقوله فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إبراهيم 47 .
وإن حرف الفرقان وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا لمن المثاني مع حرف القمر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ويعني حرف الفرقان أن المكذبين في هـذه الأمة سيعلمون حين يرون العذاب بأعينهم أنهم كانوا أضل سبيلا إذ لم يهتدوا إلى الإيمان بموعودات القرآن لينجوا من العذاب الموعود ، وحرف مريم وحرف الجن صريحان في أن المكذبين من هذه الأمة سيرون بأعينهم الملائكة تتنزل بالعذاب فيعلمون رأي العين أنهم شر مكانا وأضعف جندا وناصرا وأقل عددا ، ويعني حرف الأنعام أن ما نبأ الله به خاتم النبيين في القرآن سيكون معلوما رأي العين في الدنيا ومنه العذاب في الدنيا .
فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا
إن قوله :
• كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الزمر 25 ـ 26
• فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون فصلت 16
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم هود 38 ـ 39
• فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين هود 66 ـ 68
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 93 ـ 95
• فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين يونس 98
ويعني حرف الزمر أن الخزي في الحياة الدنيا هو العذاب الذي أهلكت به الأمم المكذبة من قبل ، وهو في حرف فصلت الريح الصرصر التي أهلكت عادا ، وهو في أول هود الطوفان الذي أغرق به قوم نوح ، وهو في ثاني هود الصيحة التي أخذت ثمود فأهلكتها ، وهو في ثالث هود الصيحة التي أخذت مدين فأهلكتها ، وهو في حرف يونس العذاب الذي كشف عن قوم يونس لما آمنوا فمتعوا إلى حين .
وإن المثاني :
• ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى خاتمة طـه
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 40
• فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين التوبة 2
لتعني أن العذاب الذي أهلك الله به الأولين فأخزاهم سيخزي به الله كذلك الكافرين في هـذه الأمة .
والقرينة في حرف طـه أن الإهلاك بالعذاب هو الذل والخزي الذي سينتظره الفريقان بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول قل كل متربص فتربصوا .
والقرينة في حرف الزمر أن العذاب المخزي سيأتي المكذبين بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول .
والقرينة في حرف التوبة أن الله سيخزي الكافرين وعدا منه في القرآن أي يعذبهم في الدنيا كما هي دلالة أمرهم بالعلم الذي يعني وعدا سيعلمونه رأي العين في الدنيا كما بينت في كليات من التفسير .
وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة
إن قوله ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة هود 58 ـ 60 ليعني أن عادا لعنوا بالعذاب الغليظ وهو الريح العقيم أبعدوا بها عن رحمة الله التي نجّى بها هودا والذين آمنوا معه ، ويعني قوله وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة أن عذابا غليظا بالريح العقيم كذلك سيبعد الله به قوما آخرين عن رحمته ، ولم تهلك أمة بعد عاد بالريح العقيم إلى يومنا هـذا .
إن ثمود ومدين قد أبعدا عن رحمة الله بالصيحة كما في قوله ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 95 ويعني أنهما أبعدا بنفس العذاب ، وقد كان بينهما قرون كثيرة ، وكانت ثمود بعد عاد من غير فصل بينهما كما في قوله واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد الأعراف 74 من قول صالح ، ولم يأت في القرآن أن ثمود قد أبعدت كما أبعدت عاد لاختلاف العذاب الذي عذبت به كل منهما .
إن اللعنة التي أتبعها عاد هي من نبوة خاتم النبيين في القرآن وهي منتظرة ستحل بعاد الأخرى ، وهم الذين سيوافقون عادا الأولى في أوصافهم كما في قوله أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين الشعراء 128 ـ 130 وسيقولون مثل قولهم كما في قوله وقالوا من أشد منا قوة فصلت 15 ، وستهلك عاد الأخرى بالريح العقيم .
وإن قوله وأتبعوا في هـذه لعنة هود 99 لمن المثاني مع قوله وأتبعناهم في هـذه الدنيا لعنة القصص 42 يعني فرعون وجنوده لعنوا إذ أبعدوا بالإغراق عن رحمة الله التي نجّى بها موسى ومن معه ، وإن اللعنة التي أتبعها قوم فرعون لمن نبوة خاتم النبيين في القرآن وهي منتظرة إذ لم تقع بعد منذ نزل القرآن ، وسيغرق الله خلف فرعون لتقع عليهم اللعنة التي أتبعها فرعون وجنوده .
وإن المثاني في قوله إن الله لعن الكافرين الأحزاب 64 وقوله فلعنة الله على الكافرين البقرة 89 لتعني أنهم سيعذبون في الدنيا بعذاب يبعدهم عن رحمة الله كالذي عذب به الكافرون من الأمم من قبل .
وإن المثاني في قوله :
• ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم الفتح 6
• فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم القتال 22 ـ 23
• والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار الرعد 25
لتعني أن المنافقين والمشركين سيعذبون بعذاب يبعدهم عن رحمة الله .
وقد بينت لعن إبليس في كلية الآيات .
وإن قوله :
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل المائدة 59 ـ 60
ليعني أن من القول في القرآن الذي سيقع متأخرا عن حياة النبي أن تقع لعنة الله على اليهود والنصارى أي يعذبون في الدنيا بعذاب يبعدهم عن رحمة الله كما يأتي بيانه وتفصيله في كلية خلافة على منهاج النبوة
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب
إن قوله :
• قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم النحل 26 ـ 27
• كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا الزمر 25 ـ 26
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم هود 39
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب هود 93
ليعني أن المكذبين من قبل قد أتاهم العذاب في الدنيا فأهلكوا به ، وكذلك وعد الله بمثله في هـذه الأمة كما في المثاني معه :
• وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل إبراهيم 44
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 39 ـ 40
• قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون الزمر 54 ـ 55
• قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون الأنعام 47
• قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم به تستعجلون يونس 50 ـ 51
• وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا الكهف 55
• ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون هود 8
• كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 201 ـ 208
• ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الحج 55
وتعني أن العذاب في الدنيا كالذي أهلك به المكذبون من قبل سيأتي المكذبين من هـذه الأمة كذلك .
ويعني حرف إبراهيم أن الله كلف خاتم النبيين أن ينذر الناس عذابا سيأتيهم في الدنيا ، وأن الله علام الغيوب أخبر عن الذين ظلموا أنهم سيتمنون تأخير العذاب عنهم ليتأتى لهم الإيمان ، وسبحان الله أن يكلف نبيه بإنذار عذاب في الدنيا لن يكون .
وتقدم أول الرمز ، ويعني ثانيه أن الله وعد بعذاب سيأتي الذين أسرفوا على أنفسهم ثم لا ينصرون ووعدهم بعذاب سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ، وإنما هو في الدنيا موطن التكليف حيث كلفوا قبله أن ينيبوا إلى ربهم ويسلموا له وأن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم .
ويعني حرف الأنعام ويونس أن المكذبين موعودون بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول بعذاب سيأتيهم بغتة أي بياتا وبعذاب سيأتيهم جهرة أي نهارا فيهلك الظالمين ولا ينفع المجرمين إيمانهم به حين يرون العذاب بل يهلكون به .
ويعني حرف الكهف أن المكذبين لن يؤمنوا حتى يأتيهم العذاب قبلا أي أنواعا متقابلة منه ، فتعذب طائفة بالإغراق ، وطائفة بالريح العقيم ، وطائفة بالصاعقة ، وطائفة بالصيحة والرجفة والخسف والحاصب .
ويعني حرف هود أن العذاب إنما أخر عن هـذه الأمة إلى أجل معدود معلوم فيأتي العذاب ولا يصرف عن المكذبين بل يهلكهم .
ويعني حرف الشعراء أن المجرمين من هـذه الأمة لن يؤمنوا بالقرآن حتى يروا العذاب الأليم الموعود الذي متعوا قبله سنين فإذا رأوه آمنوا وسألوا الإنظار أي تأخير الإهلاك .
ويعني حرف الشعراء أن العذاب الأليم سيأتي المجرمين بغتة وهم لا يشعرون فيسألون التأخير بعد أن كانوا يستعجون بالعذاب وقد وعد الله أن يأتيهم ما كانوا يوعدون في القرآن ومنه العذاب الموعود ثم لا يغني عنهم ما متعوا به سنين قبله بل يهلكون .
ويعني حرف الحج أن الذين كفروا لن يزالوا في شك وتردد حتى تأتيهم الساعة بغتة وهو الموعود المتأخر ، تقدم ذكره في سياق خطاب المؤمنين لإيمانهم بالغيب ، وحتى يأتيهم عذاب يوم عقيم هو الموعود في الدنيا .
إن العذاب العقيم هو الذي لا حياة بعده بل سيهلك المكذبين به وكذلك الريح العقيم كما في قوله وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم الذاريات41 ـ 42 أي أنها بعد سبع ليال وثمانية أيام أهلكت ما أتت عليه حتى جعلته كأنما فني وتآكل في الأرض منذ مئات السنين حتى أصبح بعد سبع ليال وثمانية أيام كالرميم وهي العظام التي يفتتها اللمس وهي أبعد ما تكون عن الحياة .
لهم عذاب في الحياة الدنيا
إن المثاني في قوله :
• وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير التوبة 74
• فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون التوبة 55
• ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون التوبة 85
لتعني أن المنافقين سيعذبهم الله في الحياة الدنيا كما هو صريح القرآن ولن يتأتى تأويله بالعذاب في القبر إذ هو قبل أن تزهق أنفسهم وهم كافرون .
وإن من المثاني قوله :
• بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق الرعد 33 ـ 34
• ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم عمران 54 ـ 58
• وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين عمران 141
ويعني حرف الرعد أن الله وعد الذين كفروا ومكروا وصدوا عن السبيل في هذه الأمة عذابا أليما في الدنيا وما لهم من يقيهم العذاب الأليم في الدنيا ولا من يقيهم العذاب الأشق في الآخرة .
وأما حرف عمران فهو من نبوة عيسى المنتظرة التي لم تقع بعد ونبّأ الله بها كذلك خاتم النبيين في القرآن وجعله من الذكر الحكيم وهو الذي سيتذكر متأخرا عن نزول القرآن كما هي دلالة وصف الذكر بالحكمة ، ويعني أن مما نبأ الله به عيسى قبل رفعه إليه أن الله وعده وعدين سيتم نفاذهما بعد نزول عيسى إلى الأرض في آخر هـذه الأمة قبيل الساعة ، أما الوعد الأول فقوله وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة أي أنه سينصر المؤمنين نصرا من عنده دونما جهد منهم ثم لن يغلبهم الكفار إلى يوم القيامة ، وأما الوعد الثاني فقوله فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا وهو العذاب الموعود في الدنيا .
ويعني حرف عمران أن الله وعد بمحق الكافرين أي إتلافهم وتدميرهم بعد أن يمحص الذين آمنوا أي يبتليهم ليميز الله الخبيث من الطيب وسيأتي بيانه في كلية القتال في سبيل الله .
ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده
إن قوله :
• وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم غافر 28
• ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد هود 89
• قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب هود 81
• هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون النحل 34 ـ 35
• قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين الزمر 50 ـ51
ليعني أن الذي أصاب المكذبين من قبل هو العذاب الذي أهلكوا به .
ويعني حرف غافر أن رجلا مؤمنا من آل فرعون حذر قومه أن يصيبهم بعض ما يعدهم به موسى من العذاب إن لم يتبعوا الهدى .
ويعني حرف هود أن شعيبا حذر قومه أن يصيبهم مثل العذاب الذي أهلك الله به قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح ، أو قوم لوط ، وقد أصابهم مثل العذاب الذي أهلكت به ثمود . ويعني حرف النحل أن الذين أهلكوا من قبل قد أصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا في الدنيا كما سيأتي قريبا وقد وعد الله المكذبين من هـذه الأمة بمثل ذلك كما هي دلالة قوله هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم ويعني حرف الزمر أن الأولين قد أصابهم سيئات ما كسبوا أي عذبوا فأهلكوا في الدنيا ، وكذلك الذين ظلموا من هـذه الأمة وعدهم الله أن يصيبهم سيئات ما كسبوا أي سيهلكهم وما هم بمعجزين أي لن يفلتوا من العذاب .
وإن المثاني كما في قوله :
قال عذابي أصيب به من أشاء الأعراف 156
سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون الأنعام 124
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون التوبة 52
أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون الأعراف 100
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13
لتعني أن الله وعد في القرآن أن يصيب بعذاب من عنده المنافقين والذين أجرموا وأن يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله .
إن حرف الأعراف من نبوة موسى يوم اختار سبعين رجلا ليعتذروا عن عبادة قومهم العجل وأخذتهم الرجفة فنبئ موسى يومئذ بقوله قال عذابي أصيب به من أشاء ونبّأ الله به كذلك خاتم النبيين في القرآن وهو منتظر إذ لم تهلك أمة بعذاب كالذي أهلك به الأولون بعد نزول التوراة التي أوتيها موسى وهو وعد لم يقع بعد نفاذه وذكر به القرآن لأجل ذلك .
ويعني حرف الأنعام أن الذين سيجرمون في آخر هـذه الأمة ويعرضون عن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ، أولئك الموصوفون بالذين أجرموا سيصيبهم صغار عند الله وعذاب شديد في الدنيا كما في الآخرة وهو وعد في القرآن لم يقع بعد نفاذه وسيأتي بيانه ضمن بيان القرآن .
ويعني حرف التوبة أن من القول في القرآن ومما أمر النبي والمؤمنون بتربصه أن يصيب الله المنافقين بعذاب من عنده وهو وعد متأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب وأن يصيب المنافقين عذاب بأيدي المؤمنين وهو الوعد المتقدم كما بينت في كلية النصر في القتال في سبيل الله .
ويعني حرف الأعراف أن الذين سيرثون الأرض من بعد أهلها أي سيسكنون في مساكن الذين ظلموا أنفسهم أي سيتخذون من ديار عاد وثمود وقوم لوط مساكن سيهديهم البحث العلمي المجرد إلى أن الله قادر على أن يصيبهم بذنوبهم أي يعذبهم في الدنيا كما عذب أهل تلك الديار من قبل كما سيأتي قريبا بيانه في هذه الكلية .
ويعني حرف الرعد أن من الوعد في القرآن أن الله سيعذب بالصواعق قوما يجادلون في الله .
وإن المثاني :
إن عذاب ربك كان محذورا وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا الإسراء 57 ـ 58
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين الأنبياء 46
لتعني أن عذاب ربنا المحذور هو قبل يوم القيامة وهو عذاب سيأتي على كل قرية ليهلك أهلها ومتى كانت القرى في يوم القيامة ، والوعد مسطور في الكتاب أي في التوراة ، وها قد سطر في القرآن ، وسيقول الظالون إذا مستهم نفحة من عذاب ربنا يا ويلنا إنا كنا ظالمين .
إن قوله :
إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الأعراف 59 الأحقاف 21 الشعراء 135
قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم الشعراء 155ـ 156
قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم الشعراء 185 ـ 189
ليعني أن كلا من نوح وهود وصالح وشعيب قد خاف على قومه عذاب يوم عظيم ، ويقع الوصف بعذاب يوم عظيم على العذاب في الآخرة وعلى العذاب في الدنيا الذي أهلك الله به المجرمين المكذبين من قبل ، ولقد كان الطوفان الذي أغرق قوم نوح هو عذاب يوم عظيم الذي أغرقوا به كما في حرف الأعراف ، وكان العذاب الذي أهلك عادا هو عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في حرف الأحقاف وأول الشعراء ، وكانت الصاعقة التي أصابت ثمود هي عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في ثاني الشعراء ، وكان عذاب يوم الظلة هو عذاب يوم عظيم الذي أهلك أصحاب الأيكة كما في ثالث الشعراء ، ولن يتأتى تأويل عذاب يوم عظيم في ثالث الشعراء بالعذاب في اليوم الآخر لأن الله وصف به عذاب يوم الظلة الذي أخذ أصحاب الأيكة .
وإن المثاني :
قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم الزمر 13 الأنعام 15
قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم يونس 15
لتعني أن عذاب يوم عظيم هو من القول الذي لن يقع في حياة النبي وإنما في أمته بعده كما هي دلالة القول ، وإن الخوف من عذاب يوم عظيم لمما كلف به النبي كما هي دلالة أمره بالخوف منه ، فكان من سنة النبي وليخف كذلك منه كل مؤمن ، ومن لم يخف مثله فقد رغب عن سنته ومن رغب عنها فليس منه . وليقعن في أمة النبي بعده يوم كالذي أهلك به المكذبون من قبل كما هي دلالة قوله كتابا متشابها مثاني الزمر 23 ودلالة قوله ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم الأعراف 52 وأهلكت عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم نوح وقد خاف عليهم رسلهم عذاب يوم عظيم وكذلك سيهلك المكذبون في هـذه الأمة ، وهل يخاف النبيون والرسل وهم أعلم الناس ما لن يكون أبدا معاذ الله إنهم لا يخافون الأوهام .
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون
إن قوله :
• فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا المزمل 16
• وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون العنكبوت 38 ـ 40
• وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية الحاقة 9 ـ 10
• ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون الأعراف 96
ويعني أن الأخذ الوبيل في حرف المزمل الذي أخذ به آل فرعون هو الإغراق ، ويعني حرف العنكبوت أن أخذ عاد بذنبها هو الحاصب الذي أرسل عليها ، وأن أخذ ثمود بذنبها هو الصيحة التي أخذتهم أي عذبوا بها ، وأن أخذ قارون بذنبه هو خسف الأرض به ، وأن أخذ فرعون وقارون بذنبهما هو الإغراق ، ويعني حرف الحاقة أن المكذبين من قبل وهم فرعون ومن قبله من الأمم المكذبة قد أخذهم رب العالمين أخذة رابية أي أهلكوا بأقل مما أخذهم من العذاب ، ويعني حرف الأعراف أن أهل القرى الذين كذبوا رسلهم بالآيات قبل نزول القرآن قد عذبوا في الدنيا كما فصلته سورة الأعراف وهو أخذهم بما كانوا يكسبون .
وإن المثاني في قوله :
• أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف النحل 45 ـ47
• ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون يـس 49
• بل قلوبهم في غمرة من هـذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون الفلاح 63 ـ 65
• ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب سبأ 51
لمن الموعود المنتظر بعد نزول القرآن في هـذه الأمة ، وسيأخذ العذاب الذين مكروا السيئات والمترفين وستأتي صيحة واحدة على المكذبين فتهلكهم ، وستتنزل الملائكة كما سيأتي بيانه قريبا إلى الأرض فتأخذهم من مكان قريب ، ولن يتأتى تأويله بالعذاب الموعود في اليوم الآخر وإنما هو العذاب الذي سيأخذ المكذبين من هـذه الأمة فيهلكهم كما أخذ من قبلهم فأهلكهم ، ومتى كان في اليوم الآخر رجوع إلى الأهل ووصية إليهم قبل الهلاك كما في حرف يـس .
إن قوله ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون لمن المثاني مع قوله ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13 فتخاصمهم في حرف يـس هو مجادلتهم في الله في حرف الرعد ، والصواعق الموعودة في حرف الرعد هي الصيحة الموعودة في حرف يـس .
يتواصل
الحسن محمد ماديك
تفسير سورة القدر
الحسن محمد ماديك
الوعد في الدنيا
إن قوله قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين هود 32 ليعني أن نوحا قد وعد قومه بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن قومه لفرط تكذيبهم قد تعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين الأعراف 70 وقوله قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين الأحقاف 22 ليعني أن هودا قد وعد عادا بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن عادا لفرط تكذيبهم قد تعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين الأعراف 77 وقوله فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب هود 65 ليعني أن صالحا قد وعد ثمود بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن ثمود لفرط تكذيبهم قد عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وتعجلوا ما وعدهم به من العذاب .
وإن قوله وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم غافر 28 ليعني أن موسى قد وعد آل فرعون بالعذاب في الدنيا إن لم يؤمنوا ، وأن رجلا مؤمنا من آل فرعون قد حذّر قومه أن يصيبهم العذاب الذي وعدهم به موسى .
وإن قوله كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبّع كل كذّب الرسل فحقّ وعيد ق 12 ـ 14 ليعني أن القرون الأولى قد كذبوا الرسل فحق عليهم أول الوعيد الذي جاءهم به الرسل وهو إهلاكهم في الدنيا إن لم يؤمنوا .
وإن قوله وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين الأنبياء 7 ـ 9 ليعني أن رب العالمين قد صدق وعده رسله فأنجاهم ومن معهم وأهلك المسرفين أي عذّبهم عذابا استأصلهم في الدنيا كما هو مدلول أهلك الرباعية بخلاف هلك الثلاثية التي تعني الموت كما في قوله ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك غافر 34 أي مات .
وإن الله قد وعد رسوله وخاتم النبيين بمثل ما وعد به الرسل قبله كما يأتي بيانه ، وقد صدقهم الله وعده ، أفلا يصدق رسوله خاتم النبيين كذلك وعده بإهلاك المجرمين المكذبين بعذاب من عنده كالذي أهلك به الأولين ، وتساءل المجرمون الذين عاصروا نزول القرآن لفرط تكذيبهم متى يقع الوعد بإهلاكهم وتعجلوه كما في المثاني:
• قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون النمل 69 ـ 72
• ويقولون متى هـذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم به تستعجلون يونس 48 ـ 51
• ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإليّ المصير الحج 47 ـ 49
ويعني أن العذاب الموعود في هـذه الأمة سيتأخر إلى أن يحين أجلها ، وقد سمّى يوما واحدا وهو ألف سنة ستنقضي قبل العذاب الموعود في الدنيا ، وسكت عن اليوم الثاني فلن يتم وإلا لسمّى يومين كما سمّى يوما واحدا والله أعلم .
وإن المثاني :
• قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون الفلاح 93 ـ 95
• أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نريك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون الزخرف 40 ـ 42
• فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون غافر 77
• وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب الرعد 40
• وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم يونس 46
• قل إن أدري أقريب ما توعدون أو يجعل له ربي أمدا الجن 25
• فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون الأنبياء 109
• وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فاطر 4ـ 5
وشبهها ليعني أن المكذبين في هـذه الأمة موعودون بانتقام في الدنيا لن يدركه النبي في حياته ، وكما في قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الأنفال 33 ، ويعني وصف وعده بأنه حق أنه سيتأخر كثيرا حتى يوسوس الشيطان ، وكذلك دلالة أمره بالصبر قبله في حرف غافر .
وإن المثاني :
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون خاتمة الأحقاف
• كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 200 ـ 207
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 23 ـ 24
ليعني أن الفاسقين والمجرمين ومن كان في الضلالة ومن يعص الله ورسوله سيرون ما يوعدون من العذاب الذي يهلكهم ولا يؤخرون حين يسألون التأخير كما هي دلالة قوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وكما هو صريح قوله فيقولوا هل نحن منظرون بل يهلكون إذ كانوا يستعجلون العذاب الذي سيصيبهم منه مثل ما أصاب الأولين وسيعلمون أنهم شر مكانا وأضعف جندا وأقل عددا من جند الله من الملائكة التي ستتنزل عليهم بالعذاب كما يأتي تقريره وبيانه وتفصيله قريبا .
وإن المثاني في قوله :
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون خاتمة الذاريات
وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار الأنعام 133 ـ 135
فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون المعارج 40 ـ 42
فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون الزخرف 83
والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إن ما توعدون لصادق
والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا إن ما توعدون لواقع
لتعني أن الله وعد المكذبين في هـذه الأمة بعذاب في الدنيا سيأتيهم ولا يعجزون بل يهلكون به وسيلاقيهم إذ هو وعد صادق واقع بهم كما يأتي قريبا تحقيقه .
ثم نتبعهم الآخرين
وإن من الموعود في القرآن قوله :
ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين المرسلات 16 ـ 18
• وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين الزخرف 6 ـ 8
• وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب خاتمة سبإ
• فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين الزخرف 55 ـ 56
• فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في لك لعبرة لمن يخشى النازعات 25 ـ 26
ويعني أن الأولين وهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ومنهم فرعون وجنوده قد أهلكوا من قبل ، ولم تعذب أمة بعد فرعون وجنوده بمثل ما عذب به الأولون ، ويعني الوعد به في القرآن أنه من الغيب المنتظر كما هي دلالة قوله ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين بالقطع والرفع ، وهو من المثاني مع قوله ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى القصص 43 ولم تهلك أمة بعد نزول التوراة التي أهلكت قبلها القرون الأولى .
ويعني أول الزخرف أن مثل الأولين وهم القرون الأولى قد مضى وانقضى وأن الغيب المنتظر الموعود هو مثل الآخرين وإهلاك القرون الأخرى .
ويعني حرف سبأ أن الآخرين سيحال بينهم وبين ما يشتهون من الأمن ومتاع الحياة الدنيا كما فعل بأشياعهم من قبل وهم القرون الأولى.
ويعني ثاني الزخرف أن فرعون وجنوده قد أغرقوا في البحر وأنهم سلف لخلف منتظر هم الآخرون الذين سيغرقون كذلك .
ويعني حرف النازعات أن الإغراق الذي أهلك به فرعون هو النكال في المرة الأولى أي العذاب الذي عذب به قوم نوح ، وهو النكال المنتظر الذي سيعذب به في المرة الآخرة خلفه من الآخرين ، ولن ينجو من نكال الآخرة إلا من اعتبر وخشي ربه .
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم
إن قوله :
• وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا الكهف 59
• وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة الأنبياء 11
• وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم إبراهيم 45
• فقطع دابر القوم الذين ظلموا الأنعام 45
• ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا يونس 13
• كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين الأنفال 54
وشبهه ليعني أن الله وصف أهل القرى إجمالا من قبل بالظلم وأهلكهم ، وكذلك وصفهم تفصيلا بالظلم كما في قوله ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون العنكبوت 14 ويعني أن الله وصف قوم نوح بالظلم وأهلكهم بالطوفان ، وقوله وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود هود 67 يعني أن الله وصف ثمود بالظلم وأهلكهم ، وقوله وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 94 يعني أن الله وصف مدين بالظلم وأهلكهم ، وقوله إنا مهلكوا أهل هـذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين العنكبوت 31 يعني وصف قوم لوط بالظلم قبل إهلاكهم ، وقوله وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم الحجر 78 يعني أن الله وصف أصحاب الأيكة بالظلم وأهلكهم ، وقوله فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين القصص 40 يعني أن الله وصف فرعون وجنوده بالظلم وأهلكهم ، وأما عاد فيشملها الوصف بالظلم الموصوف به كل من كانوا قبل فرعون في حرف الأنفال وغيره .
وإن المثاني كما في قوله :
قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين الفلاح 94
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالين الأنبياء 46
قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون الأنعام 47
ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم الأنعام 93
فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون خاتمة الذاريات
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا رنا أخرنا إلى أجل قريب إبراهيم 44
وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون الطور 44 ـ 47
قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين الزمر 50 ـ 51
وهـذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الأحقاف 12 ـ13
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون خاتمة الشعراء
لتعني أن سيكون في هـذه الأمة ظالمون مثل الظالمين من قوم نوح والأحزاب من بعدهم وسيهلك الظالمون في هـذه الأمة كما أهلك أولئك ، والظالمون في هـذه الأمة هم الموعودون في الدنيا أن تمسهم نفحة من عذاب ربنا في حرف الأنبياء وأن يأتيهم عذاب الله بغتة أو جهرة في أول الأنعام وأن تعذبهم الملائكة في الدنيا بعذاب الهون يوم تتوفاهم وهم في غمرات الموت في ثاني الأنعام .
والذين ظلموا في هـذه الأمة هم الموعودون بذنوب من العذاب كالذي أهلك به من قبلهم من المكذبين كما في خاتمة الذاريات وأن يأتيهم العذاب في الدنيا كما في حرف إبراهيم وأن يصعقوا في الدنيا فلا يغني عنهم كيدهم شيئا وأن يعذبوا بعذاب من قبله كما في حرف الطور وأن يصيبهم سيئات ما كسبوا أي يعذبون به كما في حرف الزمر وهم الذين أنذروا في القرآن بالعذاب كما حرف الأحقاف وهم الموعودون بسوء المنقلب في الدنيا كما في خاتمة الشعراء .
الحاقة ما الحاقة
إن قوله :
• كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ص 12 ـ 14
• كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد ق 12 ـ 14
• كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار غافر5 ـ 6
• ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين النحل 36
وشبهه ليعني أن المكذبين من قبل هم الذين حقت عليهم الضلالة وحق عليهم الوعيد والعقاب الذي جاءهم به الرسل أي عذبوا في الدنيا وسيحقّ عليهم كذلك العذاب المقيم في يوم القيامة .
وإن حرف ص لمن المثاني إذ سيقع مثله في هـذه الأمة لقوله جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب سورة ص 11 وهو من الوعد المنتظر في الدنيا إذ لا أحزاب في يوم القيامة ، ولقوله وما ينظر هـؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب اصبر على ما يقولون ص 15 ـ 17 ، والصيحة الواحدة ما لها من فواق من الوعد في الدنيا كذلك ، ويعني الأمر بالصبر في القرآن انتظار موعود بعيد . وإن قوله كذبت قبلهم في كل من حرف ص وحرف ق وحرف غافر وحيث وكيف وقعت في القرآن لتعني أنه من المثاني والمعنى وإن يكذبوك فسيهلكون كما أهلك الذين كذبوا من قبلهم . وإن حرف غافر لمن المثاني لقوله ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد غافر 3 ويعني أن الله سيمهلهم حتى يتقلبوا في البلاد كناية عن التمكين في الأرض قبل أن تحق عليهم كلمة ربنا أي وعده بالعذاب الموعود في كل من الدنيا والآخرة .
وإن حرف النحل لمن المثاني لقوله قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ويعني ليعتبروا ولا يكذبوا كما كذب الذين من قبلهم وحقت عليهم الضلالة فأهلكوا في الدنيا بعذاب من عند الله ، ولقوله إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين النحل 37 أي أن الله لا يهديهم بل سيهلكهم في الدنيا ويعذبهم في الآخرة وما لهم من ناصرين .
وإن المثاني في قوله :
• وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا الإسراء 16 ـ 17
• كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون يونس 33
• إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين يونس 97 ـ 102
• الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذ رابية إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية الحاقة 1ـ 12
ويعني حرف الإسراء أن من القول في القرآن أن سيحق على المترفين الذين سيفسقون في القرى أي يستوجبون العذاب قبل أن يدمرها الله بمن فيها تدميرا .
وإن ما تضمن القرآن من الوعد بالعذاب في الدنيا هو كلمة ربنا التي ستقع على الذين سيفسقون ولا يؤمنون حتى يعذبوا في يوم مثل أيام الذين خلوا من قبل وهي أيام الله التي أهلك فيها الذين لم يؤمنوا بآيات ربهم الخارقة للتخويف والقضاء .
ويعني حرف الحاقة أن الحاقة هي كلمة العذاب أي الوعد به الذي سيحق أي يقع على المكذبين في هـذه الأمة في الدنيا كما حقت على ثمود وعاد وعلى فرعون ومن قبله وعلى قوم لوط المؤتفكات فأهلكوا ، وإن من الموعود في القرآن أن ينجي الله المؤمنين ـ إذا حق العذاب المنتظر وطغا الماء ـ كما نجى نوحا ومن معه في الفلك فهلا تذكروا من قصص القرآن ووعيت أذن واعية .
فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون
إن قوله :
• وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين الذاريات 43 ـ 45
• فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فصلت 13
ليعني أن الصاعقة قد عذب بها الأولون فأهلكت بها ثمود ، وحرف الذاريات من المثاني لقوله وفي ثمود ردا على قوله وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم الذاريات 37 والمعنى وفي ثمود وعتوهم والصاعقة التي أخذتهم آية ـ وهي التي تقع دليلا على التكرار ـ للذين يخافون العذاب الأليم في الدنيا والآخرة كالموعود فيهما .
وحرف فصلت كذلك من المثاني إذ لم ينذر الله ونبيه إلا بما سيكون .
وإن المثاني :
• ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13
• فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون الطور 45 ـ 46
ليعني أن الصاعقة سيعذب بها بعض المتأخرين في هـذه الأمة فيرسلها الله ويصيب بها الذين يجادلون في الله كما أصاب بها أهل الكتاب من قبل وأصاب بها ثمود .
ويعني حرف الطور أن المكذبين في هـذه الأمة سيلاقون يومهم الذي فيه يصعقون ولا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون بل يصعقون ويهلكون ، ودلالة أمر النبي بالصبر تعني أن ذلك سيكون متأخرا ودلالة أمره بالتسبيح بحمد ربه تعني أن ذلك الوعد سيتم بحمد الله وأنه سبحانه لن يخلف وعده .
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون
إن قوله :
• فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم الأعراف 135 ـ 136
• فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين الزخرف 55 ـ 56
• وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين الحجر 78 ـ 79
• قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين الزخرف 24 ـ25
• ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين الروم 47
لتعني أن رب العالمين قد انتقم من الأولين أن كذبوا بآياته الخارقة وكانوا عنها غافلين وكانوا مجرمين وظالمين .
وإن المثاني :
• ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون السجدة 22
• فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هـذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون الدخان 10 ـ 16
• وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام إبراهيم 44 ـ 47
لتعني أن وعد الله بالانتقام من المجرمين والذين ظلموا في هـذه الأمة لمما يرتقب وليعذبهم في الدنيا ، وإنما سيقع الوعد على الذين سيكذبون الرسل الموعودين الذين سيذكرون الناس بآيات ربهم الخارقة .
وسيأتي بيان حرف الدخان وإبراهيم مفصلا تفصيلا هنا وفي كلية الرسالة .
حتى يروا العذاب الأليم
وإن قوله :
• ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم يونس 88
• فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون خاتمة غافر
• فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هـذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم الأحقاف 24 ـ 25
لتعني أن المكذبين من قبل قد رأوا بأعينهم بأس ربهم أي العذاب الذي أرسل عليهم ليهلكهم قبل أن يهلكوا به ، ولم يؤمن فرعون وملؤه حتى رأوا العذاب الأليم لما أدركهم الغرق ، ورأت عاد الريح العقيم قبل أن تهلك بها ، وآمنوا كلهم لما رأوا العذاب ولم ينفعهم إيمانهم وإنما أهلكوا إلا قوم يونس .
وإن المثاني في قوله :
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 200 ـ207
• إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم يونس 97
• وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا الفرقان 42
• وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم الطور 44
• فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون خاتمة الأحقاف
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 24
• ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون الصافات 171 ـ 179
ليعني أن المجرمين الذين لا يؤمنون بآيات ربهم سوف يرون العذاب الموعود في الدنيا وسيقولون سحاب مركوم كما قالتها من قبلهم عاد لما رأوا العذاب وسيعلمون رأي العين أنهم شر مكانا وأضعف جندا وناصرا وأقل عددا وأضل سبيلا ، وإذا نزل العذاب بساحتهم فسيبصرونه بالعين المجردة بعد أن كانوا يستعجلونه لفرط تكذيبهم ، وإن ذلك لمما ينتظر لقوله وأبصرهم وقوله وأبصر يأمره بانتظار الموعود .
ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت
إن قوله :
• ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب خاتمة سبإ
• ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم الأنعام 93
• ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم الأنفال 50
ليعني أن النبي لن يدرك هـذا الموعود في القرآن وإنما سيقع بعده في أمته ، ولو رآه في الدنيا أي أخر عنه الموت حتى يدركه لسرّ به ، وكما بيّنت في كلية النبوة .
وإن قوله :
• ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ...
• ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب الفجر 6 ـ 13
• ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار إبراهيم 28
ليعني الحوادث الماضية التي سبقت النبي الأمي وعرضت عليه فرآها عرضا بعينيه يقظة كما بينت في النبوة وكما هي دلالة قوله كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية الحاقة 4 ـ7 ويعني أنه قد عرض عليه القوم وهم صرعى يوم صرعوا بالصاعقة وصرعوا بالريح العقيم ، ولهـذا العرض الذي نبئ به النبي الأمي دلالة كبرى تعني أنه سيقع مثله في أمته كما بينت في النبوة ، وسيغزو جيش الكعبة فيفعل بهم ربنا كما فعل بأصحاب الفيل ولو عقل المتأخرون القرآن لكانوا كأنما أدركوا النبي وعاصروه .
وسيصب ربنا سوط عذاب على خلف عاد الأولى وهم عاد الأخرى الذين سيبنون بكل ريع آية يعبثون ويبطشون جبارين لا يرحمون وعلى خلف ثمود وهم الذين سيتخذون من الصخر والجبال بيوتا وعلى خلف فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد وهم الحكام الذين سيتخذون أركانا لنظمهم يطلقون أيديهم في شعوبهم فيطغون ويكثرون الفساد ثم يجدون ربهم بالمرصاد أي يعذبهم في الدنيا كما سيأتي قريبا بيانه والله المستعان .
وسوف يعلمون حين يرون العذاب
إن قوله :
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه هود 39
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه هود 93
• سيعلمون غدا من الكذاب الأشر القمر 26
ليعني أن كلا من نوح وشعيب قد وعد قومه أنهم سيعلمون رأي العين أيا من الفريقين سيأتيه عذاب يخزيه في الدنيا ويحل عليه في الآخرة عذاب مقيم ، ويعني حرف القمر أن الله قد أوحى إلى صالح أن ثمود سيعلمون رأي العين من الكذاب الأشر ، وقد علمت ثمود لما عقروا الناقة أنهم هم الكذاب الأشر وأن صالحا مرسل من ربه .
وإن المثاني كما في قوله :
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 39
• وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا الفرقان 42
• وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمـان مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا مريم 74 ـ 75
• حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا الجن 24
• لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون الأنعام 67
لتعني العلم بالمشاهدة رأي العين ، وحرف الزمر يعني أن من القول في القرآن ـ الذي لن يقع في حياة النبي وإنما بعده في أمته ـ أن يعلم المكذبون من أمته بعده رأي العين العذاب في الدنيا يأتيهم فيخزيهم قبل العذاب المقيم في الآخرة ، ولقد وعد الله في حرف الزمر هـذه الأمة بمثل ما وعد به نوح وشعيب قومهما ، وقد تحقق في قومهما وعد رسوليهما ، وإني لأنتظر وعد الله في هـذه الأمة إيمانا به وبقوله فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إبراهيم 47 .
وإن حرف الفرقان وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا لمن المثاني مع حرف القمر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ويعني حرف الفرقان أن المكذبين في هـذه الأمة سيعلمون حين يرون العذاب بأعينهم أنهم كانوا أضل سبيلا إذ لم يهتدوا إلى الإيمان بموعودات القرآن لينجوا من العذاب الموعود ، وحرف مريم وحرف الجن صريحان في أن المكذبين من هذه الأمة سيرون بأعينهم الملائكة تتنزل بالعذاب فيعلمون رأي العين أنهم شر مكانا وأضعف جندا وناصرا وأقل عددا ، ويعني حرف الأنعام أن ما نبأ الله به خاتم النبيين في القرآن سيكون معلوما رأي العين في الدنيا ومنه العذاب في الدنيا .
فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا
إن قوله :
• كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الزمر 25 ـ 26
• فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون فصلت 16
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم هود 38 ـ 39
• فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين هود 66 ـ 68
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 93 ـ 95
• فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين يونس 98
ويعني حرف الزمر أن الخزي في الحياة الدنيا هو العذاب الذي أهلكت به الأمم المكذبة من قبل ، وهو في حرف فصلت الريح الصرصر التي أهلكت عادا ، وهو في أول هود الطوفان الذي أغرق به قوم نوح ، وهو في ثاني هود الصيحة التي أخذت ثمود فأهلكتها ، وهو في ثالث هود الصيحة التي أخذت مدين فأهلكتها ، وهو في حرف يونس العذاب الذي كشف عن قوم يونس لما آمنوا فمتعوا إلى حين .
وإن المثاني :
• ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى خاتمة طـه
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 40
• فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين التوبة 2
لتعني أن العذاب الذي أهلك الله به الأولين فأخزاهم سيخزي به الله كذلك الكافرين في هـذه الأمة .
والقرينة في حرف طـه أن الإهلاك بالعذاب هو الذل والخزي الذي سينتظره الفريقان بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول قل كل متربص فتربصوا .
والقرينة في حرف الزمر أن العذاب المخزي سيأتي المكذبين بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول .
والقرينة في حرف التوبة أن الله سيخزي الكافرين وعدا منه في القرآن أي يعذبهم في الدنيا كما هي دلالة أمرهم بالعلم الذي يعني وعدا سيعلمونه رأي العين في الدنيا كما بينت في كليات من التفسير .
وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة
إن قوله ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة هود 58 ـ 60 ليعني أن عادا لعنوا بالعذاب الغليظ وهو الريح العقيم أبعدوا بها عن رحمة الله التي نجّى بها هودا والذين آمنوا معه ، ويعني قوله وأتبعوا في هـذه الدنيا لعنة أن عذابا غليظا بالريح العقيم كذلك سيبعد الله به قوما آخرين عن رحمته ، ولم تهلك أمة بعد عاد بالريح العقيم إلى يومنا هـذا .
إن ثمود ومدين قد أبعدا عن رحمة الله بالصيحة كما في قوله ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود 95 ويعني أنهما أبعدا بنفس العذاب ، وقد كان بينهما قرون كثيرة ، وكانت ثمود بعد عاد من غير فصل بينهما كما في قوله واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد الأعراف 74 من قول صالح ، ولم يأت في القرآن أن ثمود قد أبعدت كما أبعدت عاد لاختلاف العذاب الذي عذبت به كل منهما .
إن اللعنة التي أتبعها عاد هي من نبوة خاتم النبيين في القرآن وهي منتظرة ستحل بعاد الأخرى ، وهم الذين سيوافقون عادا الأولى في أوصافهم كما في قوله أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين الشعراء 128 ـ 130 وسيقولون مثل قولهم كما في قوله وقالوا من أشد منا قوة فصلت 15 ، وستهلك عاد الأخرى بالريح العقيم .
وإن قوله وأتبعوا في هـذه لعنة هود 99 لمن المثاني مع قوله وأتبعناهم في هـذه الدنيا لعنة القصص 42 يعني فرعون وجنوده لعنوا إذ أبعدوا بالإغراق عن رحمة الله التي نجّى بها موسى ومن معه ، وإن اللعنة التي أتبعها قوم فرعون لمن نبوة خاتم النبيين في القرآن وهي منتظرة إذ لم تقع بعد منذ نزل القرآن ، وسيغرق الله خلف فرعون لتقع عليهم اللعنة التي أتبعها فرعون وجنوده .
وإن المثاني في قوله إن الله لعن الكافرين الأحزاب 64 وقوله فلعنة الله على الكافرين البقرة 89 لتعني أنهم سيعذبون في الدنيا بعذاب يبعدهم عن رحمة الله كالذي عذب به الكافرون من الأمم من قبل .
وإن المثاني في قوله :
• ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم الفتح 6
• فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم القتال 22 ـ 23
• والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار الرعد 25
لتعني أن المنافقين والمشركين سيعذبون بعذاب يبعدهم عن رحمة الله .
وقد بينت لعن إبليس في كلية الآيات .
وإن قوله :
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل المائدة 59 ـ 60
ليعني أن من القول في القرآن الذي سيقع متأخرا عن حياة النبي أن تقع لعنة الله على اليهود والنصارى أي يعذبون في الدنيا بعذاب يبعدهم عن رحمة الله كما يأتي بيانه وتفصيله في كلية خلافة على منهاج النبوة
وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب
إن قوله :
• قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم النحل 26 ـ 27
• كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا الزمر 25 ـ 26
• قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم هود 39
• ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب هود 93
ليعني أن المكذبين من قبل قد أتاهم العذاب في الدنيا فأهلكوا به ، وكذلك وعد الله بمثله في هـذه الأمة كما في المثاني معه :
• وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل إبراهيم 44
• قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم الزمر 39 ـ 40
• قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون الزمر 54 ـ 55
• قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون الأنعام 47
• قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به ءالآن وقد كنتم به تستعجلون يونس 50 ـ 51
• وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا الكهف 55
• ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون هود 8
• كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون الشعراء 201 ـ 208
• ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الحج 55
وتعني أن العذاب في الدنيا كالذي أهلك به المكذبون من قبل سيأتي المكذبين من هـذه الأمة كذلك .
ويعني حرف إبراهيم أن الله كلف خاتم النبيين أن ينذر الناس عذابا سيأتيهم في الدنيا ، وأن الله علام الغيوب أخبر عن الذين ظلموا أنهم سيتمنون تأخير العذاب عنهم ليتأتى لهم الإيمان ، وسبحان الله أن يكلف نبيه بإنذار عذاب في الدنيا لن يكون .
وتقدم أول الرمز ، ويعني ثانيه أن الله وعد بعذاب سيأتي الذين أسرفوا على أنفسهم ثم لا ينصرون ووعدهم بعذاب سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ، وإنما هو في الدنيا موطن التكليف حيث كلفوا قبله أن ينيبوا إلى ربهم ويسلموا له وأن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم .
ويعني حرف الأنعام ويونس أن المكذبين موعودون بعد نزول القرآن كما هي دلالة القول بعذاب سيأتيهم بغتة أي بياتا وبعذاب سيأتيهم جهرة أي نهارا فيهلك الظالمين ولا ينفع المجرمين إيمانهم به حين يرون العذاب بل يهلكون به .
ويعني حرف الكهف أن المكذبين لن يؤمنوا حتى يأتيهم العذاب قبلا أي أنواعا متقابلة منه ، فتعذب طائفة بالإغراق ، وطائفة بالريح العقيم ، وطائفة بالصاعقة ، وطائفة بالصيحة والرجفة والخسف والحاصب .
ويعني حرف هود أن العذاب إنما أخر عن هـذه الأمة إلى أجل معدود معلوم فيأتي العذاب ولا يصرف عن المكذبين بل يهلكهم .
ويعني حرف الشعراء أن المجرمين من هـذه الأمة لن يؤمنوا بالقرآن حتى يروا العذاب الأليم الموعود الذي متعوا قبله سنين فإذا رأوه آمنوا وسألوا الإنظار أي تأخير الإهلاك .
ويعني حرف الشعراء أن العذاب الأليم سيأتي المجرمين بغتة وهم لا يشعرون فيسألون التأخير بعد أن كانوا يستعجون بالعذاب وقد وعد الله أن يأتيهم ما كانوا يوعدون في القرآن ومنه العذاب الموعود ثم لا يغني عنهم ما متعوا به سنين قبله بل يهلكون .
ويعني حرف الحج أن الذين كفروا لن يزالوا في شك وتردد حتى تأتيهم الساعة بغتة وهو الموعود المتأخر ، تقدم ذكره في سياق خطاب المؤمنين لإيمانهم بالغيب ، وحتى يأتيهم عذاب يوم عقيم هو الموعود في الدنيا .
إن العذاب العقيم هو الذي لا حياة بعده بل سيهلك المكذبين به وكذلك الريح العقيم كما في قوله وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم الذاريات41 ـ 42 أي أنها بعد سبع ليال وثمانية أيام أهلكت ما أتت عليه حتى جعلته كأنما فني وتآكل في الأرض منذ مئات السنين حتى أصبح بعد سبع ليال وثمانية أيام كالرميم وهي العظام التي يفتتها اللمس وهي أبعد ما تكون عن الحياة .
لهم عذاب في الحياة الدنيا
إن المثاني في قوله :
• وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير التوبة 74
• فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون التوبة 55
• ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون التوبة 85
لتعني أن المنافقين سيعذبهم الله في الحياة الدنيا كما هو صريح القرآن ولن يتأتى تأويله بالعذاب في القبر إذ هو قبل أن تزهق أنفسهم وهم كافرون .
وإن من المثاني قوله :
• بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق الرعد 33 ـ 34
• ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم عمران 54 ـ 58
• وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين عمران 141
ويعني حرف الرعد أن الله وعد الذين كفروا ومكروا وصدوا عن السبيل في هذه الأمة عذابا أليما في الدنيا وما لهم من يقيهم العذاب الأليم في الدنيا ولا من يقيهم العذاب الأشق في الآخرة .
وأما حرف عمران فهو من نبوة عيسى المنتظرة التي لم تقع بعد ونبّأ الله بها كذلك خاتم النبيين في القرآن وجعله من الذكر الحكيم وهو الذي سيتذكر متأخرا عن نزول القرآن كما هي دلالة وصف الذكر بالحكمة ، ويعني أن مما نبأ الله به عيسى قبل رفعه إليه أن الله وعده وعدين سيتم نفاذهما بعد نزول عيسى إلى الأرض في آخر هـذه الأمة قبيل الساعة ، أما الوعد الأول فقوله وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة أي أنه سينصر المؤمنين نصرا من عنده دونما جهد منهم ثم لن يغلبهم الكفار إلى يوم القيامة ، وأما الوعد الثاني فقوله فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا وهو العذاب الموعود في الدنيا .
ويعني حرف عمران أن الله وعد بمحق الكافرين أي إتلافهم وتدميرهم بعد أن يمحص الذين آمنوا أي يبتليهم ليميز الله الخبيث من الطيب وسيأتي بيانه في كلية القتال في سبيل الله .
ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده
إن قوله :
• وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم غافر 28
• ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد هود 89
• قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب هود 81
• هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون النحل 34 ـ 35
• قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هـؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين الزمر 50 ـ51
ليعني أن الذي أصاب المكذبين من قبل هو العذاب الذي أهلكوا به .
ويعني حرف غافر أن رجلا مؤمنا من آل فرعون حذر قومه أن يصيبهم بعض ما يعدهم به موسى من العذاب إن لم يتبعوا الهدى .
ويعني حرف هود أن شعيبا حذر قومه أن يصيبهم مثل العذاب الذي أهلك الله به قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح ، أو قوم لوط ، وقد أصابهم مثل العذاب الذي أهلكت به ثمود . ويعني حرف النحل أن الذين أهلكوا من قبل قد أصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون أي أهلكوا في الدنيا كما سيأتي قريبا وقد وعد الله المكذبين من هـذه الأمة بمثل ذلك كما هي دلالة قوله هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم ويعني حرف الزمر أن الأولين قد أصابهم سيئات ما كسبوا أي عذبوا فأهلكوا في الدنيا ، وكذلك الذين ظلموا من هـذه الأمة وعدهم الله أن يصيبهم سيئات ما كسبوا أي سيهلكهم وما هم بمعجزين أي لن يفلتوا من العذاب .
وإن المثاني كما في قوله :
قال عذابي أصيب به من أشاء الأعراف 156
سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون الأنعام 124
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون التوبة 52
أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون الأعراف 100
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13
لتعني أن الله وعد في القرآن أن يصيب بعذاب من عنده المنافقين والذين أجرموا وأن يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله .
إن حرف الأعراف من نبوة موسى يوم اختار سبعين رجلا ليعتذروا عن عبادة قومهم العجل وأخذتهم الرجفة فنبئ موسى يومئذ بقوله قال عذابي أصيب به من أشاء ونبّأ الله به كذلك خاتم النبيين في القرآن وهو منتظر إذ لم تهلك أمة بعذاب كالذي أهلك به الأولون بعد نزول التوراة التي أوتيها موسى وهو وعد لم يقع بعد نفاذه وذكر به القرآن لأجل ذلك .
ويعني حرف الأنعام أن الذين سيجرمون في آخر هـذه الأمة ويعرضون عن الآيات الخارقة للتخويف والقضاء ، أولئك الموصوفون بالذين أجرموا سيصيبهم صغار عند الله وعذاب شديد في الدنيا كما في الآخرة وهو وعد في القرآن لم يقع بعد نفاذه وسيأتي بيانه ضمن بيان القرآن .
ويعني حرف التوبة أن من القول في القرآن ومما أمر النبي والمؤمنون بتربصه أن يصيب الله المنافقين بعذاب من عنده وهو وعد متأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب وأن يصيب المنافقين عذاب بأيدي المؤمنين وهو الوعد المتقدم كما بينت في كلية النصر في القتال في سبيل الله .
ويعني حرف الأعراف أن الذين سيرثون الأرض من بعد أهلها أي سيسكنون في مساكن الذين ظلموا أنفسهم أي سيتخذون من ديار عاد وثمود وقوم لوط مساكن سيهديهم البحث العلمي المجرد إلى أن الله قادر على أن يصيبهم بذنوبهم أي يعذبهم في الدنيا كما عذب أهل تلك الديار من قبل كما سيأتي قريبا بيانه في هذه الكلية .
ويعني حرف الرعد أن من الوعد في القرآن أن الله سيعذب بالصواعق قوما يجادلون في الله .
وإن المثاني :
إن عذاب ربك كان محذورا وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا الإسراء 57 ـ 58
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين الأنبياء 46
لتعني أن عذاب ربنا المحذور هو قبل يوم القيامة وهو عذاب سيأتي على كل قرية ليهلك أهلها ومتى كانت القرى في يوم القيامة ، والوعد مسطور في الكتاب أي في التوراة ، وها قد سطر في القرآن ، وسيقول الظالون إذا مستهم نفحة من عذاب ربنا يا ويلنا إنا كنا ظالمين .
إن قوله :
إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الأعراف 59 الأحقاف 21 الشعراء 135
قال هـذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم الشعراء 155ـ 156
قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم الشعراء 185 ـ 189
ليعني أن كلا من نوح وهود وصالح وشعيب قد خاف على قومه عذاب يوم عظيم ، ويقع الوصف بعذاب يوم عظيم على العذاب في الآخرة وعلى العذاب في الدنيا الذي أهلك الله به المجرمين المكذبين من قبل ، ولقد كان الطوفان الذي أغرق قوم نوح هو عذاب يوم عظيم الذي أغرقوا به كما في حرف الأعراف ، وكان العذاب الذي أهلك عادا هو عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في حرف الأحقاف وأول الشعراء ، وكانت الصاعقة التي أصابت ثمود هي عذاب يوم عظيم الذي أهلكهم كما في ثاني الشعراء ، وكان عذاب يوم الظلة هو عذاب يوم عظيم الذي أهلك أصحاب الأيكة كما في ثالث الشعراء ، ولن يتأتى تأويل عذاب يوم عظيم في ثالث الشعراء بالعذاب في اليوم الآخر لأن الله وصف به عذاب يوم الظلة الذي أخذ أصحاب الأيكة .
وإن المثاني :
قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم الزمر 13 الأنعام 15
قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم يونس 15
لتعني أن عذاب يوم عظيم هو من القول الذي لن يقع في حياة النبي وإنما في أمته بعده كما هي دلالة القول ، وإن الخوف من عذاب يوم عظيم لمما كلف به النبي كما هي دلالة أمره بالخوف منه ، فكان من سنة النبي وليخف كذلك منه كل مؤمن ، ومن لم يخف مثله فقد رغب عن سنته ومن رغب عنها فليس منه . وليقعن في أمة النبي بعده يوم كالذي أهلك به المكذبون من قبل كما هي دلالة قوله كتابا متشابها مثاني الزمر 23 ودلالة قوله ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم الأعراف 52 وأهلكت عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم نوح وقد خاف عليهم رسلهم عذاب يوم عظيم وكذلك سيهلك المكذبون في هـذه الأمة ، وهل يخاف النبيون والرسل وهم أعلم الناس ما لن يكون أبدا معاذ الله إنهم لا يخافون الأوهام .
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون
إن قوله :
• فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا المزمل 16
• وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون العنكبوت 38 ـ 40
• وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية الحاقة 9 ـ 10
• ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون الأعراف 96
ويعني أن الأخذ الوبيل في حرف المزمل الذي أخذ به آل فرعون هو الإغراق ، ويعني حرف العنكبوت أن أخذ عاد بذنبها هو الحاصب الذي أرسل عليها ، وأن أخذ ثمود بذنبها هو الصيحة التي أخذتهم أي عذبوا بها ، وأن أخذ قارون بذنبه هو خسف الأرض به ، وأن أخذ فرعون وقارون بذنبهما هو الإغراق ، ويعني حرف الحاقة أن المكذبين من قبل وهم فرعون ومن قبله من الأمم المكذبة قد أخذهم رب العالمين أخذة رابية أي أهلكوا بأقل مما أخذهم من العذاب ، ويعني حرف الأعراف أن أهل القرى الذين كذبوا رسلهم بالآيات قبل نزول القرآن قد عذبوا في الدنيا كما فصلته سورة الأعراف وهو أخذهم بما كانوا يكسبون .
وإن المثاني في قوله :
• أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف النحل 45 ـ47
• ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون يـس 49
• بل قلوبهم في غمرة من هـذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون الفلاح 63 ـ 65
• ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب سبأ 51
لمن الموعود المنتظر بعد نزول القرآن في هـذه الأمة ، وسيأخذ العذاب الذين مكروا السيئات والمترفين وستأتي صيحة واحدة على المكذبين فتهلكهم ، وستتنزل الملائكة كما سيأتي بيانه قريبا إلى الأرض فتأخذهم من مكان قريب ، ولن يتأتى تأويله بالعذاب الموعود في اليوم الآخر وإنما هو العذاب الذي سيأخذ المكذبين من هـذه الأمة فيهلكهم كما أخذ من قبلهم فأهلكهم ، ومتى كان في اليوم الآخر رجوع إلى الأهل ووصية إليهم قبل الهلاك كما في حرف يـس .
إن قوله ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون لمن المثاني مع قوله ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال الرعد 13 فتخاصمهم في حرف يـس هو مجادلتهم في الله في حرف الرعد ، والصواعق الموعودة في حرف الرعد هي الصيحة الموعودة في حرف يـس .
يتواصل
الحسن محمد ماديك