لغة العرامين
New member
موضوع رقم 22
في اية ((وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدونِ))يُلاحظُ في الاية الكريمة أن المولى-جلَّ في علاه- قد حذف حرف الياء من الفعل(ليعبدونِ) والتقدير (ليعبدوني )في حين أثبتها في قوله تعالى ((فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ))النمل(41) ومن مثل قوله تعالى:(( لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) الاحزابويمكن فهم ذلك من خلال إعراب (ليعبدونِ):فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ،,وأصلها (يعبدونني)وقد جاء الحذف (حذف الياء)في قمة البلاغة والتي هي ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به يعود على الله تعالى(المعبود) ،ولو أثبت الياء لما جاءت الاية الكريمة مطابقة للواقع إذ المشاهد المحسوس أن اكثر الناس لا يعبدون الله تعالى بل يعبدون غيره من الأسماء والمسميات ،قال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:(( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) يوسف 40 ومن مثل قوله تعالى ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف . ومن مثل قوله تعالى:(( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)يس ونفهم ذلك من اتباع الأنبياء كانوا قلة قال تعالى في شان قوم موسى عليه السلام فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس .وقال تعالى في شان قوم نوح عليه السلام:(( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40).وقال تعالى في عموم البشر وموقفهم من الرسل:((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)يس .وقال تعالى على لسان الجن((وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) الجن ، ونحو :(( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن.وهكذا فالكثرة من الجن والبشر لا تعبد الله تعالى ولا تشكر، قال تعالى: ((وقليل من عبادي الشكور))13 سبأ .بل إن المؤمنين يكونون يوم القيامة كشعرة بيضاء في جسد ثور أسود بالنسبة للكفار عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال كنا مع النبي في قبة فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر )) صحيح البخاريولذلك فقد حذف الياء من (ليعبدونِ) التي تعود على الله تعالى على اعتبار ان اكثر الناس سيعبدون غيره سبحانه ،فالواو: واو الجماعة التي تعود على الجن والإنس هي الفاعل أي من يقوم بفعل العبادة ،ومع أن الكريمة جاءت بأسلوب الحصر(بالنفي والإثبات )-وهو من أقوى أساليب الإثبات في لسان العرب- ب(ما وإلا ) التي بينت الغاية من خلق الجن والإنس وهي (العبادة) إلا أن حذف الياء من (ليعبدونِ) قد صرفها إلى غيرها من المعاني ليؤكد أن العبادة لا تكون بالإكراه بل بالإختيار فالإنسان والجان هو الذي يختار ما يعبد في هذه الحياة الدنيا ، إما الله تعالى وإما غيره بعد ان يصله بيان وبلاغ واضح من الله تعالى على لسان الرسل والأنبياء قال تعالى :(( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا))165 النساء ، وقال تعالى :(( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) البقرة ،وقال تعالى:(( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29 ) الكهف (وهذا لا يتعارض مع مشيئته سبحانه فقد اقتضت وجود الكفر والإيمان في الأرض فلا يقع في ملكه إلا ما اراد فلا يؤمن احد أو يكفر جبرا عن الله تعالى فلا يُطاع إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه ،ولذلك جاء في دعاء للنبي عليه السلام مستغفرا ربه ((اللهم ان حسناتى من عطائك وسيئاتى من قضائك فجد بما انعمت على ما قضيت وامح ذلك بذلك جللت ان تطاع الا باذنك او تعصى الا بعلمك اللهم ما عصيتك حين عصيتك استخفافاً بحقك ولا استهانه بعذابك لكن لسابقه سبق بها علمك فالتوبه اليك والمغفره لديك لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين.وهكذا اقتضت حكمته سبحانه ان يؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر بعد البلاغ المبين وهو نفسه الابتلاء أي الاختبار فيسعد به من يسعد ويشقى من شقي قال تعالى :(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الملك ،وقال تعالى :(( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)القلم . وقال تعالى :(( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)الانبياء. وبعد البيان والبلاغ المبين والابتلاء للعباد من ربهم يظهر الاختلاف بينهم بين مؤمن وكافر ومنافق وهو حاصل بين الخلق لا محالة قال تعالى:(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) هود. وهكذا فالابتلاء حاصل والاختلاف قائم وذلك (( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(42) الأنفالفمن تتبع هذه الايات الثلاث (الذاريات 56) و(الملك2) و(119) هو يجدها متناسقة ومتجانسة في المعاني من حيث الخلق وما يصحبه من ابتلاء واختلاف ليؤدي في النهاية الى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين، أو إلى نار تلظى أُعدت للكافرين. وكل ذلك لا يخرج عن مشيئته سبحانه وتعالى حكم عدل لا يظلم احدا بل ((كل امرىء بما كسب رهين)) 21 (الطور)جعلنا الله وإياكم من اصحاب الجنة الفائزين برحمته سبحانه يوم القيامة الشاعر :داود العرامين
في اية ((وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدونِ))يُلاحظُ في الاية الكريمة أن المولى-جلَّ في علاه- قد حذف حرف الياء من الفعل(ليعبدونِ) والتقدير (ليعبدوني )في حين أثبتها في قوله تعالى ((فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ))النمل(41) ومن مثل قوله تعالى:(( لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) الاحزابويمكن فهم ذلك من خلال إعراب (ليعبدونِ):فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ،,وأصلها (يعبدونني)وقد جاء الحذف (حذف الياء)في قمة البلاغة والتي هي ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به يعود على الله تعالى(المعبود) ،ولو أثبت الياء لما جاءت الاية الكريمة مطابقة للواقع إذ المشاهد المحسوس أن اكثر الناس لا يعبدون الله تعالى بل يعبدون غيره من الأسماء والمسميات ،قال تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:(( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) يوسف 40 ومن مثل قوله تعالى ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف . ومن مثل قوله تعالى:(( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)يس ونفهم ذلك من اتباع الأنبياء كانوا قلة قال تعالى في شان قوم موسى عليه السلام فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس .وقال تعالى في شان قوم نوح عليه السلام:(( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40).وقال تعالى في عموم البشر وموقفهم من الرسل:((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)يس .وقال تعالى على لسان الجن((وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) الجن ، ونحو :(( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) الجن.وهكذا فالكثرة من الجن والبشر لا تعبد الله تعالى ولا تشكر، قال تعالى: ((وقليل من عبادي الشكور))13 سبأ .بل إن المؤمنين يكونون يوم القيامة كشعرة بيضاء في جسد ثور أسود بالنسبة للكفار عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال كنا مع النبي في قبة فقال أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة قلنا نعم قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر )) صحيح البخاريولذلك فقد حذف الياء من (ليعبدونِ) التي تعود على الله تعالى على اعتبار ان اكثر الناس سيعبدون غيره سبحانه ،فالواو: واو الجماعة التي تعود على الجن والإنس هي الفاعل أي من يقوم بفعل العبادة ،ومع أن الكريمة جاءت بأسلوب الحصر(بالنفي والإثبات )-وهو من أقوى أساليب الإثبات في لسان العرب- ب(ما وإلا ) التي بينت الغاية من خلق الجن والإنس وهي (العبادة) إلا أن حذف الياء من (ليعبدونِ) قد صرفها إلى غيرها من المعاني ليؤكد أن العبادة لا تكون بالإكراه بل بالإختيار فالإنسان والجان هو الذي يختار ما يعبد في هذه الحياة الدنيا ، إما الله تعالى وإما غيره بعد ان يصله بيان وبلاغ واضح من الله تعالى على لسان الرسل والأنبياء قال تعالى :(( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا))165 النساء ، وقال تعالى :(( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) البقرة ،وقال تعالى:(( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29 ) الكهف (وهذا لا يتعارض مع مشيئته سبحانه فقد اقتضت وجود الكفر والإيمان في الأرض فلا يقع في ملكه إلا ما اراد فلا يؤمن احد أو يكفر جبرا عن الله تعالى فلا يُطاع إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه ،ولذلك جاء في دعاء للنبي عليه السلام مستغفرا ربه ((اللهم ان حسناتى من عطائك وسيئاتى من قضائك فجد بما انعمت على ما قضيت وامح ذلك بذلك جللت ان تطاع الا باذنك او تعصى الا بعلمك اللهم ما عصيتك حين عصيتك استخفافاً بحقك ولا استهانه بعذابك لكن لسابقه سبق بها علمك فالتوبه اليك والمغفره لديك لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين.وهكذا اقتضت حكمته سبحانه ان يؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر بعد البلاغ المبين وهو نفسه الابتلاء أي الاختبار فيسعد به من يسعد ويشقى من شقي قال تعالى :(( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)الملك ،وقال تعالى :(( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)القلم . وقال تعالى :(( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)الانبياء. وبعد البيان والبلاغ المبين والابتلاء للعباد من ربهم يظهر الاختلاف بينهم بين مؤمن وكافر ومنافق وهو حاصل بين الخلق لا محالة قال تعالى:(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) هود. وهكذا فالابتلاء حاصل والاختلاف قائم وذلك (( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(42) الأنفالفمن تتبع هذه الايات الثلاث (الذاريات 56) و(الملك2) و(119) هو يجدها متناسقة ومتجانسة في المعاني من حيث الخلق وما يصحبه من ابتلاء واختلاف ليؤدي في النهاية الى جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين، أو إلى نار تلظى أُعدت للكافرين. وكل ذلك لا يخرج عن مشيئته سبحانه وتعالى حكم عدل لا يظلم احدا بل ((كل امرىء بما كسب رهين)) 21 (الطور)جعلنا الله وإياكم من اصحاب الجنة الفائزين برحمته سبحانه يوم القيامة الشاعر :داود العرامين