لا داعي للحيرة ، فالخطب يسير . . بإذن الله تعالى
لا داعي للحيرة ، فالخطب يسير . . بإذن الله تعالى
بمعنى آخر : أجد أنه من المنطقي فقدان كتب و مكتبات بأكملها
لكن فقدان علم أو فرع علمي كامل إن كان عند الصحابة أصلا قسطا كبيراً منه !!!!!!!!!!!!!!
أظن ذلك محير جدا على الأقل لى و غير منطقي أيضاً
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم . .
اسمحوا لي بمداخلة ، أسال الله تعالى أن يكون بها النفع والفائدة . . فيها جواب مجمل – قدر الإمكان – على تساؤل وحيرة الأخ " الباحث عن الحق " ، وفيها كذلك ،
إحالة إلى بحث مفصّل فيه الجواب الشافي والكافي بإذن الله تعالى وهو الهادي إلى سواء السبيل . أما الجواب :
أولاً :
1- شاء الله الحكيم العليم أن ينزّل القرآن على قلب رسوله الكريم مفرّقاً على مكث، وهو " الترتيل " . فالتنزيل المفرق للقرآن ، كان له تنسيق وتنظيم مقصود ؛ هو الترتيل . كما في الآية الكريمة التالية :
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) } الفرقان
أي ؛ وآتيناك أيها الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم القرآن كذلك ، أي مفرقا على مكث ، لنجعل قلبك ومن معك ، ثابتاً على الحق دائماً - بدلالة الفعل المضارع في ( لِنُثَبِّتَ ) على الاستمرارية - فكلّما نُـزّل عليك شيء منه ازددت طمأنينة وثباتاً ، وخصوصا عند ورود أسباب القلق وتعرّض الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم – ومن معه – لمواقف تُزلزل . كما في قوله تعالى :
{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } النحل 102
( لِيُثَبِّتَ . . مفعولاً لأجله ) أي ، تثبيتاً وهداية وبشارة للمسلمين ، أي المنقادين لحكمه تعالى . .
( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) أي ، وكان الأمر في تنزيل القرآن مفرقاً ، أن رتّلناه ترتيلاً . . فجاء " الترتيل " هيئة للتنزيل المفرق ، فهو ليس أي تفريق بل هو المُرتّـل . . [ وتنكير ( تَرْتِيلاً ) للتفخيم ، أي كذلك نزّلناه ورتّـلناه ترتيلاً بديعاً لا يُـقادر قدره ]
( أنظر تفسير أبو السعود ) .
و الترتيل ، كما يُفهم من معاجم اللغة ، الأصل فيه : التبيـين ، بمعنى التميـيز وعدم الإختلاط ، ويقتضي ذلك التنسيق والتنظيم وحسن التنضيد والتأليف . . ويكون ذلك في المتفرق من الأشياء ، أو في المكون من أجزاء متفرقة . . ومنه الفم المرتل ، ومنه ترتيل القراءة ، وترتيل الكلام . .
فـ ترتيل نزول القرآن ، حقيقته : تنسيق وتنظيم التنزيل المفرّق لآياته وسوره بشكل حسن ، لتحقيق الغاية المرادة منه . . وهكذا فإن " الترتيل " هو : الكيفية التي أرادها الله جلّ وعلا لتـنزيل رسالته مفرقة على قلب رسوله الكريم بقصد تحقيق الغاية منها . .
فالمعنى: أي وآتيناك القرآن مفرقاً وبترسُّـل وتمكُّث ، بعضه اثر بعض وعلى هيئة مقصودة ، لتحقيق ذلك الأمر: ( لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) أي لتستمر في البلاغ والبيان والإستقامة حتى تحقيق الغاية. وتثبيت الفؤاد يكون بإيـراد الحجة تلو الحجة أنه على الحق المبين . . وفي نفس الوقت بيان فساد دعاوى الكافرين وكشف تلبيسهم ، كلما قاموا بها ، وهذا ما يضمنه الترتيل في تنزيل آيات وسور القرآن الكريم ؛ فقال تعالى بعدها :
( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )
( الفعل في { يَأْتُونَكَ } ، فعل مضارع ) أي ؛ وكذلك كلّما يأتيك - أيها الرّسول – المشركون بشبهة أو تلبيس في إبطال أمرك ، جئناك – في الآيات المرتلة التنزيل - بالجواب الحق الدافع له وبأحسن بيان ، [ فهم محجوجون في كل أوان ، مدفوع قولهم بكل وجه وعلى كل حال ]
( انظر فتح القدير للشوكاني ) ، وعلى مدى سير الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تحقيق الغاية من الرسالة . . كما في قوله تعالى :
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء 18
فالآيات السابقة تصف واقع الحال الذي كان عليه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مع الكافرين – بأشكالهم المختلفة - من حيث إبلاغهم الحق ومن حيث موقفهم منه ، من بداية تبليغه أول ما نُـزّل من الرسالة حتى تحقيق الغاية من الرسالة ، وذلك :
بدلالة { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } أي القرآن كلّه ،
ودلالة الفعل المضارع في { يَأْتُونَكَ } بما يفيده من الإستمرار ،
ودلالة المفرد النكرة { بِمَثَلٍ } بما يفيده من العموم ،
ودلالة أسلوب النفي { َلَا } والإستثناء { إِلَّا } بما يفيده من الحصر والديمومة .
أي ، كلما قام الذين كفروا – مشركين وأهل كتاب وغيرهم - بهذا الأمر : ( يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ) أي ، أي مثل ، كموقف لهم من الحق الذي بلغهم ، جئناك دائماً – في آيات القرآن المنزلة ترتيلاً - بالجواب الحق الدافع له ( المعالجات ) وبأحسن بـيان : ( جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) لإزالة تلبيسهم بين الحق والباطل ، وإقامة الحجة عليهم مـرّة أخرى . .
وهكذا استمر التنـزيل المرتّـل للآيات حتى تمام تلقي القرآن كاملاً ، وتحقُـق الغاية من إنزاله في الواقع الإنساني : ( وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) أي القرآن كلّه . .
فجاء خطاب الله تعالى – في الآية السابقة - لرسوله الكريم مبيّـناً له ومطمئناً له بمعيّته وتأييده الدائم المستمر له بالحق وبالحجة البالغة ، بترتيل آيات الله تبارك وتعالى ؛ القرآن الحكيم . . في كل مرة – دون استثناء – يثـير ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) شبهات حول الحق الذي بلغهم ، ويلبسوه بالباطل ليصدوا عن سبيل الله .
و في الرواية عن عائشة رضي الله عنها في بيان سنة الله عزّ وجلّ وحكمته من الترتيل في تنزيل آيات القرآن وسوره ، حيث كان أول ما نُـزّل من القرآن الكريم ، الإيمان بالله واليوم الآخر، ثمّ نُـزّل التشريع والأحكام لاحقاً . . حيث قالت فيما رواه البخاري :
( أول ما أُنزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام ، نزل الحلال والحرام ، ولو نزل من أول الأمر : لاتزنوا ، لقالوا لا ندع الزنا أبداً ، ولو نزل من أول الأمر : لا تشربوا الخمر، لقالوا : لا نترك الخمر أبداً . أُنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأنا جارية ألعب ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) وهي من سورة القمر ، وما نزلت البقرة والنساء إلا وأنا عنده في المدينة ) .
وكذلك في قوله تعالى :
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } الإسراء 82
أي ، نـنزّل من القرآن – في كل مرة - ما هو في تقويم دين المؤمنين واستصلاح نفوسهم ، كالدواء الشافي للمرضى . . فكل بعض منه متصف بالشفاء لكن لا في كل حين ، بل عند تنزيله موافقاً لأحوالهم الداعية إلى نزوله . .
( وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ) أي لا يزيد القرآن الكافرين المكذبين به ، الواضعين الأشياء في غير مواضعها - مع كونه في نفسه شفاء من الأسقام - إلا هلاكا بكفرهم وتكذيبهم . . من حيث أنهم كلما جددوا الكفر والتكذيب بالآيات النازلة تدريجيا ازدادوا بذلك هلاكا ، بسبب عدم انتفاعهم بما فيه من الشفاء والهدى والنور . وإسناد الزيادة المذكورة إلى القرآن مع أنهم هم المزدادون في ذلك بسوء صنيعهم ، باعتبار كونه سببا لذلك . وفيه تعجيب من أمره حيث يكون مداراً للشفاء والهلاك .
( انظر تفسير أبو السعود ) .
2- وبناءً على ما سبق ، فإن المُراد من الترتيل في تنزيل الآيات ليس إنزال الرسالة مجرد الإنزال ، بل هو تلقي القرآن ( الدّين أو العبادة ) بمنهج محدد ، من حيث العلم والعمل به ومن حيث الحركة به ، خطوة بعد خطوة ( عَلَى مُكْثٍ ) لجعله حقيقة في الواقع الإنساني حتى إكمال الدّين لله تبارك وتعالى ، فالترتيل في تـنـزيل الآيات إنما هو " ترتيل من أجل التلقي " :
{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } الإسراء 106
وبـتلقي القرآن " مُرتّلاً " كان بيان الطريق و خطوات السير ، وكان التثبيت على الطريق ، وكان إزالة العقبات عن الطريق . . لتحقيق المُراد ( الغاية ) من الرسالة :
{ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحديد 9
ومن ثم فإن " ترتيل نزول آيات الرسالة " كان بياناً لكيفية تحقيق الغاية من الرسالة ، تماماً كما كان نصّ آيات الرسالة بياناً لتلك الكيفية :
{ .. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } النحل 89
( وَنَزَّلْنَا . . الْكِتَابَ ) ، أي وآتيناك القرآن مفرقاً على مكث ، يعني مرتلاً ، ( تِبْيَاناً ) ( مفعولاً لأجله وبشكل صيغة مبالغة ) أي من أجل البيان الذي لا لبس فيه لكل شيء ؛ أي لكل شيء متعلّق بتحقيق الغاية من إنزاله – إكمال العبودية لله تبارك وتعالى – فما أُنزل القرآن إلا لبيان كيف يُعبَد الله وحده ، ولتحقيق ذلك في الواقع . . كما في قوله تعالى :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ . . } الحديد 25
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }
التوبة 33
فيتأتّى ذلك البيان الواضح ( التبـيان ) المتعلّق بتحقيق الغاية من إنزال القرآن ، من أمرين :
- من نص آياته ؛ ( الْكِتَابَ ) ، يعني مدلولاتها ومعانيها . فكلام الله تعالى هو الهدى والنور والفرقان . .
- من " ترتيل " الآيات ؛ ( وَنَزَّلْنَا ) ، أي تلقيها على مكث وترسًـل على هيئة مقصودة . .
فتنزيل القرآن مرتلاً على قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، كان من أجل البيان الواضح غاية الوضوح ( التبـيان ) ، لكل ما يتعلّق بتحقيق الغاية منه ؛ إكمال العبودية لله تبارك وتعالى .
( وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) ( مفعولاً لأجله ) معطوفاً على كون أن ترتيل القرآن جاء تبياناً لكل شيء ، ومبنياً عليه . . أي ، فإنه أيضاً هداية ورحمة وبشارة لمن أسلم وانقاد لله متبعاً قرآنه .
فكان " الترتيل " بياناً لكيفية تحقيق الغاية من الرسالة ، تماماً ، كما كان نصّ آيات الرسالة بياناً لتلك الكيفية ، فتحقيق الغاية من الرسالة ما كان إلا بتلقي الآيات المُبـيّنات مرتلة . .
لذلك لم يُنْزل الله جل وعلا القرآن على قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جملة واحدة ، فذلك لا يحقق الغاية من إنزاله ، في تقدير الله تبارك وتعالى وحسب سننه :
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) } الفرقان
ثانياً :
إن أهمية العلم بالترتيب التفصيلي لنزول آيات وسور القرآن الكريم ، أكثر ما تكون لزوماً وضرورة ، في الفهم لكيفية تلقي الرسالة والسير بها من أجل جعلها حقيقة في الواقع الإنساني ، وليس فقط العلم بالناسخ والمنسوخ ، والذي هو قليل جداً ، فلا يشمل إلا القليل القليل من الأحكام ، وهي معروفة عند العلماء . . رغم أن من العلماء مَن توسّع فيه كثيراً . . والصحيح غير ذلك ، وفي هذا السياق ، ننصح بمراجعة موقف الإمام الطبري من النسخ وقد بيّنه في تفسيره . .
ومهما يكن من أمر ، فإن أهمية العلم بالترتيب التفصيلي لنزول آيات وسور القرآن الكريم ، أكثر ما تكون لزوماً وضرورة ، في الفهم لكيفية تحقيق الغاية من الرسالة الخاتمة في الواقع الإنساني ممثلة في أمة مسلمة لله عزّ وجلّ . . ذلك أن الأمّة المسلمة الخاتمة أُنشأت بالقرآن بوصفه رسالة الله الخاتمة ، على يد رسول الله الخاتم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لتستمر الأمّة من بعده في أداء مهمته – تحقيق الغاية من الرسالة - وتخْـلُفه فيها ، ألا وهي: عبادة الله تعالى وحمل رسالته رحمة للعالمين ، " لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " . فما وُجدت هذه الأمّة إلا لتحافظ على تحقيق الغاية من الرسالة ، تطبيقاً على نفسها ، وحملاً للرسالة رحمة للعالمين :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) } الحج
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ . . }
آل عمران 110
وتلك النشأة الأولى للأمّة الخاتمة وتحقيق الغاية من الرسالة ، حدثا على مكث ، وعلى بصيرة ، وكانت البداية مع بداية تلقي الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم آيات القرآن الحكيم ، واستمرا باستمرار التلقي ، من نزول ( اقرأ باسم ربك . . ) حتى نزول ( اليوم أكملت لكم دينكم . . ) . . أولاً بأول وخطوة بخطوة . . فكلما نُـزّلت مجموعة آيات أو سورة من القرآن المجيد ، تلقاها المسلمون بحب وشغف ، وطبقوها في واقعهم عن رضا وتسليم . . وبهذا كانت تُضاف لبنة أخرى إلى بناء الأمّة ، سيراً نحو الوصول إلى الحالة المرادة للأمّة أن تكون عليها . . ومع قرب إتمام تنزيل آيات الرسالة الخاتمة وتلقيها ، كان إكمال عبودية الأمّة المسلمة وانقيادها لله عزّ وجلّ ، ونزلت البشارة بذلك في حجة الوداع :
{ .. الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً .. } المائدة 3
( أنظر تعقيب الإمام الطبري في تفسيره على هذا الجزء من الآية الكريمة )
و بذلك، فقد وصلت الأمة إلى اكتمال النشأة والتكوين ، وإلى حالة من توفر القدرة والإرادة ، جعلتها على أتم الإستعداد للقيام بالمهمة التي أُنشأت من أجلها ، والتي جعلها الله تعالى لها :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .. } البقرة 143
ثالثاً :
هذا ، وعند النظر في " ترتيل التلقي الأول " زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم ، نجد ما يلي:
1- أنه حصل عملياً على شكل ترتيب تفصيلي معين ، وهو ما كان بحسب تتابع وموالاة مواقف الناس – المؤمنين والكافرين - مما بلغهم من الرسالة ، كما أشرنا ، سواء في سياق ترقي الذين آمنوا في عبوديتهم لله وحتى الإكمال ، أو في سياق تطور مواقف الذين كفروا ، بأنواعهم المختلفة .
بمعنى ، أن " ترتيل التلقي الأول " كان هو الشكل العملي لـ " التلقي المرتل للآيات " ، أي تلقيها مفرقة على مكث وحسب الضوابط الشرعية والسننيّة الثابتة ، في زمن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أثناء سيره لتحقيق الغاية من الرسالة .
2- أنه بحسب " ترتيل التلقي الأول " للآيات كانت تُـنزل المعالجات ، خطاباً وأعمالاً ، وبحسبه كان " ترتيب أعمال السير " ، من قيام الرسول الكريم بـ " الإنذار " ابتداءاً ، ( قم فأنذر ) وحتى تحقيق الغاية . .
3- أن كلاً من " ترتيل التلقي الأول " و " ترتيب أعمال السير " كانا من فعل الله جلّ وعلا وحسب أمره القدريّ ( السّنن ) في الوجود ، فهما من شأن الله عزّ وجلّ وحده فلا يستطيعهما أحد من خلقه ، فتتابُع حصول الأحداث وموالاة بعضها لبعض أثناء سير الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والمؤمنون معه ، كان بحسب سنن الله تعالى سواء في ترقي المسلمين في إكمالهم الدين لله سبحانه تعالى ، أو في ما يتخذه المجتمع ( القرية ) من مواقف وردود أفعال من دعوتهم إلى عبادة الله وحده ، وقد بلغتهم بـيّنة واضحة :
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } الإسراء 82
{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } الفرقان 33
وكما ثبت عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في وصف تنزيل آيات القرآن على قلب رسول الله ، كمعالجات للواقع الإنساني ، قوله :
( ونزّله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم ) .
( رواه الطبراني والبزار ) .
وفي رواية أخرى ، قوله :
( فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً ) .
( أخرجه ابن أبي حاتم ) .
وأيضاً :
( نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه ) .
( موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ) .
وعليه ، فإن " ترتيل التلقي الأول " لا يمكن أن يكون من أمر الله الشرعيّ ، أي ليس من التكليف الشرعي ، لا في حق الرسول ولا في حق المسلمين . . فهو مشروط بتتابع ومولاة حدوث ردود الأفعال والمواقف من الحق . . وحدوثها لا يكون إلا بحسب أمر الله القدريّ وسننه في الوجود ، وهذا من شأن الله عزّ وجلّ وحده ولا يستطيعه أحد من خلقه . .
وعلى هذا الأساس نشاهد الحقائق التالية :
1 – أنه لا يوجد نص من الوحي – قرآناً وسنةً – قد كلّف الله تعالى به الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بتلقي آيات القرآن الكريم حسب ترتيب معيّن والسير بها بحسب ذلك الترتيب . . فهذا أمر لا يستطيعه الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل هو مستحيل في حقه ، فلا يُكلّف به ، وذلك :
• أنّ الله تعالى لم يُنـزّل آيات القرآن جملة واحدة على قلب الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، حتى يُكلِّـفه بترتيبها ترتيباً معيناً ، ابتداءاً ، ومن ثم بأخْذها وتلقيها بحسب ذلك الترتيب .
• وأنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يعلم الغيب حتى يعلم كيف سيكون ترتيب حدوث الوقائع والأحداث بالتفصيل ، ومن ثم كيف سيكون الترتيل المفصّل لتلقي آيات القرآن الكريم لمعالجة تلك الأحداث :
{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } الأعراف 188
فالرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يعلم الغيب ، بل يُخبِر بالغيب بما أطلعه الله تعالى .
• وأنّ الله عزّ وجلّ لم يكن ليُطْلع الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أو مَن هو دونه ، على الغيب بهذا الشكل المفصّل ، فذلك ليس من سنة الله تعالى في هذا الأمر :
{ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } آل عمران 179
{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الأحقاف 9
فلم يحصل أن كَـلّف ( تعبّد ) الله سبحانه وتعالى الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بترتيب آيات القرآن الكريم – ابتداءً قبل السير - حسب ترتيب ( ترتيل ) معيّن ، حتى يُكلّـِفه ( يتعبّده ) بتلقي الآيات وأخْذها والسير بها بحسب ذلك الترتيب .
2 - أنه لم ترد لاحقاً - أثناء السير أو بعد انتهائه - نصوص من الوحي فيها تكليف بحفظ " ترتيل التلقي الأول " كما حصل من البداية حتى تحقـيق الغاية ، لا إجمالاً ولا تفصيلاً . . فلم يثبت عن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه بالنسبة لـهذا الترتيب أنه أمَر بحفظه ونقله ، أو نهى عن عدم معرفته ، فهو ليس من الأمور التي طلب الشّرع العلم بها أو نهى عن الجهل بها . . [ فالروايات التي جاءت في هذا المجال – ترتيب نزول آيات القرآن – لم ترد إلا عن الصحابة الذين شاهدوا مكان الوحي وعرفوا زمانه ، أو التابعين الذين سمعوا وصف ذلك وتفصيله من الصحابة . أما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يرد عنه شيء من هذا القبيل ، لأنه عليه السلام ، كما يقول القاضي أبو بكر الباقلّاني في " الإنتصار" : { لم يؤمر به ، ولم يجعل الله علْم ذلك من فرائض الأمّة } ] انتهى .
( مباحث في علوم القرآن لـ د . صبحي الصالح )
3 – أن " ترتيل التلقي الأول " ، لم يُحفظ بتمامه وتفصيله كما حصل مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أثناء السير من البداية حتى تحقُق الغاية . . وعدم حفظه ، دليل قطعي على أنه ليس مما تعبدنا الله جلّ وعلا به وإلاّ حُفظ مع الوحي . . فلا يمكن فقدان شيء مما تعبّدنا الله جلّ وعلا بـه من الدّين ، فهو محفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى ، حيث تكفّل الله بنفسه جلّ وعلا حفْظ القرآن الكريم – آياته وسوره - بوصفه ذكْـراً وتذكرة :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر 9
والقرآن لا يكون ذكراً وفيه العبرة والتذكرة إلا ببيانه ، مما يقتضي حفظ ذلك البيان كما حُفظ القرآن نفسه ، سواء فيما يتعلق بالفكر أو بالعمل ؛ مثل أعمال الصلاة وأعمال الحج وترتيبهما . . كما قال المعلّم الفراهي الهندي : ( إنما قال " الذكر" عوض القرآن ، ليدل على أن الحفظ متعلق بالمعنى واللفظ معا. فإن تغيّر المعنى لم يكن ذكرا بل كان قرآنا يتلونه كما يتلو اليهود والفرق المبتدعة منا، وليسوا منا ) .
( مقدمة كتاب مفردات القرآن الكريم )
فعـدم حفظ " ترتيل التلقي الأول " لآيات الرسالة ، دليل قطعي على أنه ليس من الأمور التي تعبدنا الله جلّ وعلا بها ، وإلاّ حُفظ مع الوحي . .
4 - أن ما فُـقد من " ترتيل التلقي الأول " ، فهو من أحد حالين :
- إما أنه لم تصلنا عنه أخبار ، فيكون قد فُـقـد واندَرَس ، ولم يعد بالإمكان العلم به بالتفصيل الذي حصل مع الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم . .
- وإما أنه وصلتنا عنه أخبار ، ولكن لم تثبت نسبتها للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أي لم يثبت كونها من الوحي . .
وفي كلا الحالين ، لا يُمكن أن نُكـلّف بهما .
5- وأخيراً ، فقد حفظ الله جلّ وعلا آيات القرآن الكريم - بوصفه الرسالة الخاتمة - على ترتيل آخر غير " ترتيل التلقي الأول " ، ألا وهو التسوير ، وذلك بجعل مجموعة محددة من الآيات في سورة معينة . . وعددها 114 سورة .
رابعاً :
1- أصبح من الحق البيّن أن ترتيب تلقي الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الآيات حسب ترتيب معيّن ( ترتيل التلقي الأول ) ، لم يكُـن تكليفاً شرعياً من الله تعالى ، أي ليس من العبادة ، كما تعبّدنا ربُّـنا – سبحانه - بترتيب أعمال الصلاة وأعمال الحج ، مثلاً . . فهو ليس من أمر الله الشرعي ، بل هو محصلة ونتيجة للسير في الواقع الإنساني آنذاك حسب سنن الله تعالى فيه ( أمره القدريّ ) ، وحسب اختيارات الناس للسير على أيٍّ من تلك السنن ؛ سنن الهداية أم سنن الضلال وقد بلغهم الحق بيًّـناً واضحاً ( الأمر الشرعي ) . . حتى تحققت الغاية من الرسالة ، كما أشرنا سابقاً . . فكان " ترتيل التلقي الأول " استجابة لما كان يَستجد من أحداث ومواقف ، حسب سنن الله تعالى في تفاعل " فكرة الرسالة " و " خطاب النذارة " في المجتمع آنذاك وموقفه منهما ، بقصد معالجته حتى تحقيق الغاية من الرسالة فيه :
{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } الفرقان 33
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } الإسراء 82
( فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً ) .
( أخرجه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس )
2 - ومن ثم ، فإن ما حصل مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في زمانه وواقعه الإنساني أثناء سيره لتحقيق الغاية من الرسالة ، بشكله وترتيبه المفصّل ، لا يلزم أن يحصل مع المسلمين دائماً ، في كل زمان مكان . . فالأمر منوط ، ابتداءً ، بمشيئة الله سبحانه وتعالى ممثلة بسننه التي تضبط سير الوجود كله ومنه المجتمع الإنساني ، ومن ثم باختيارات القوم المُعيّنـين لمواقفهم من الحق وقد بلغهم بيّـناً واضحاً . . فهناك السنن التي قدّرها الله العزيز العليم لضبط خواص الخلق في وجودهم وسيرهم ليحقق كل مخلوق مراد الله منه ، وهناك اختيارات الناس لأيٍ من تلك السنن للسير بحسبها في سيرهم ومواقفهم . . فالسنن ثابتة لا تتغير فهي متعلقة بتقدير الله تعالى لخلقه وتنظيمهم بنظام دقيق . . أما ما يحصل فعلاً وواقعاً في حياة الناس ، فهو نتيجة اختياراتهم لمواقفهم من الحق وحركتهم في الحياة . . وهو خاص ومتغير حسب الواقع الإنساني المعين في زمانه ومكانه :
{ .. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .. } الرعد 11
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41
فالترتيب التفصيلي للأحداث كما حصل في ذلك الواقع الإنساني المعين – زمن الرسول - مرتبط بمواقف الناس في حينه من الرسالة والرسول . . لكنه ، وبوصفه الإنساني ، فإن له سنناً ثابتة تحكمه ، وبغض النظر عن الزمان والمكان .
3- فحقيقة " ترتيل التلقي الأول " أنه تطبيق عملي لكيفية تنزيل الرسالة على الواقع الإنساني - بوصفه إنسانياً - بقصد معالجته لتحقيق الغاية منها فيه . وبتعبير آخر هو تعليم لنا في كيفية تنزيل المعالجات الشرعية على المناط المعيّن بعد " تحقيق المناط " . . لذلك كانت القاعدة الأصولية الراجحة في فهم مراد الله تعالى في الرسالة الخاتمة هي : { العبرة بعموم اللفظ ( النصّ ) لا بخصوص السبب } ، فالعبرة ليست بمعالجة الحالة الإنسانية التي بسببها نزلت المعالجات ( أسباب النزول ) ، فهي بمثابة أمثلة ونماذج .. بل العبرة بالمعالجات الشرعية ( العبادة ) بوصفها معالجات للإنسان كإنسان حتى قيام الساعة .
إذاً فالأصل في النظرة إلى " ترتيل التلقي الأول " ، وإلى الترتيب التفصيلي لتتابع الأحداث في ذلك الواقع الإنساني المعين ، أن تكون نظرة سننيّة لأخذ العبرة وفهم الحكمة ، لأنه بوصفه الإنساني له سنن ثابتة تحكمه وبغض النظر عن الزمان والمكان . .
وعلى أساس السنن التي تحكم الواقع الإنساني ، تحققت العبرة للرسول وللمؤمنين ، بقصص الأنبياء والرسل السابقين الوارد ذكرها في القرآن الكريم . .
وعلى الأساس نفسه تتحقق العبرة دائماً ، في زماننا وفي كل زمان ومكان ، بقصص الأنبياء والمرسلين السابقين ، وبسيرة خاتمهم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم :
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يوسف 111
فـ " ترتيل التلقي الأول " للآيات ، وتتابع سير الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم العملي بحسبه في واقعه ، يعتبر من باب تعليمنا " الحكمة " في التعامل مع الواقع الإنساني – بغض النظر عن زمانه ومكانه – بقصد معالجته بالرسالة حتى تحقيق الغاية ، وذلك من خلال التطبيق العملي والواقعي على حالة إنسانية معينة أو واقع إنساني معين ، وهو الواقع الذي شاء الله تعالى أن يبعث فيه خاتم أنبيائه ورسله محمداً صلّى الله عليه وآله وسلّم برسالته الخاتمة رحمة للعالمين :
{ .. اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ .. } الأنعام 124
خامساً :
لكن . . ماذا نفعل نحن الآن ؟ وكيف يكون الإقتداء في الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بتلقي الرسالة من أجل تحقيق الغاية منها في واقعنا الآن ؟
وأين نجد بيان كيفية التلقي ، وما هي ضوابطها ؟
وما علاقة " ترتيل التلقي الأول " لنزول الرسالة ، مع " الترتيل النهائي " لآيات الرسالة الخاتمة ، وقد جعلها الله تعالى جملة واحدة ، موزعة على 114 سورة ؟ . .
وما هي دلالة " الترتيل النهائي " ، أي التسوير ، وما علاقته بمنهج التلقي للرسالة الخاتمة لأجل تحقيق الغاية منها في زمننا الحالي ؟ . .
كل هذه الأسئلة ، وغيرها ستجدون الجواب الشافي والكافي والمفصّل عنها . . بإذن الله تعالى في البحث التالي :
(
منهاج النبوة في تحقيق الغاية من الرسالة الخاتمة )
وهو موجود على الروابط التالية :
منهاج النبوة : Free Download & Streaming : Internet Archive
http://www.tafsir.net/mlffat/files/2510.rar
منهاج النبوة في تحقيق الغاية من الرسالة الخاتمة.rar - 4shared.com - online file sharing and storage - download
هذا ، ما يسّره الله تعالى . .
فإن أصبت فبتوفيق الله تعالى وحده . . وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان . .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين