من الذات ومن الآخر ؟

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
مَنْ ( الذات ) ومَنْ ( الآخر ) ؟
من المصطلحات الشائعة في أوساط المتحاورين : ( الذات والآخر ) ، ويعنون بالذات أنفسهم ومن يوافقهم ، وبالآخر من ليس منهم ؛ وجريًا مع هذا الاصطلاح ، فالذات يعني عندنا ( المسلم ) والآخر ( غير المسلم ) ؛ وغير المسلم هو الكافر ، سواء أكان مرتدًا أو من أهل الكتاب ، أو من غيرهم من الكفار والمشركين .
إننا نعيش عصرًا اختلطت فيه الثقافات ، فأفرزت اختلافًا في المفاهيم ، بل واضطرابًا في موازين الحكم عند البعض ، وما لم تتميز الذات بأصولها ومرجعيتها وظاهرها وباطنها ، فإنها ستذوب في غيرها حتمًا .. وهذا الذي يريده أعداء الإسلام والمسلمين ؛ وإذا لم تدرك الأمة ذلك قبل فوات الأوان فسيندم الجميع ، ولات حين مندم .
إننا نذوق مرارة هذه الثقافات التي غزت المسلمين وأصبحت تشكل عند البعض ثقافة الحياة ، فتغيرت سلوكيات حياتهم تبعًا لما أشربوه من هذه الثقافات ، وأصبح الخلاف بين المسلمين في عصرنا هذا ليس خلافًا في مسألة فقهية ، أو في بعض مسائل العقيدة التي تنازع فيها أسلافهم ، ولكن اتسعت رقعة هذا الخلاف اتساعًا شديدًا فشملت كثيرًا من أبجديات الدين عقيدة وسلوكًا ، وتشريعًا وحكمًا ؛ حتى بات من هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يناصبوننا العداء ، ويدعوننا إلى التنازل عن مسلمات وثوابت في ديننا لنوافق العصر ولا نستغضب الغير !!! .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
 
وهاهنا سؤال مهم جدًا قد يقف عنده الكثير من الناس ، ويبحثون عن إجابة واضحة عنه ، وقد يجدون إجابات متعددة حسب قربهم أو بعدهم من الفهم الصحيح للإسلام ، فإن الأمر أصبح مشوشًا حتى عند بعض من يُلقبون بالمفكرين ..
هذا السؤال هو : مَنْ الذات ومَنْ الآخر ؟
وإجابة واضحة صحيحة عن هذا السؤال ستكون موضحة للسبيل الذي ينهج في الحوار للوصول إلى نتيجة مرضية ؛ إذ لكل من الذات والآخر حوار يخصه .
إن الإجابة الواضحة الصريحة عن هذا السؤال : مَن الذات ومَن الآخر ؟ من أهم النقاط التي لابد أن تأخذ حقها من الحديث ، كما لابد من تفصيل البيان فيها : من الذات ؟ وهل كل من ينتسب إلى الإسلام يكون من الذات ، وإن كان منه ما ينقض إسلامه ؟
مَنْ مِن هؤلاء المريض الذي يرجى برؤه ، ومن منهم المريض الذي لا يرجى برؤه ؟
أو بمعنى آخر : من المغرر به فإذا ذُكِّرَ أبصر وعاد ؟ ومن الذي اعتقد غير الإسلام منهجًا لحياته ومع ذلك لا يزال يتبجح بأنه من الذات ؟
مَن مِن هؤلاء يُحاوَر على أنه من الذات ؟ ومن يحاور على أنه من الآخر ؟
إنها أسئلة في غاية الأهمية ؛ وهي تحتاج إلى إجابة واضحة لا لبس فيها ولا تدليس ولا مواربة ، إجابة تضع النقاط على الحروف ، بحيث يمكن لمن يقف عليها أن يحكم على هذه الطوائف : من منهم من الذات ومن من الآخر ؟؟
لهذا كان بيان ذلك من أهم ما يجب أن يضبط عند الحديث عن الحوار مع الذات .
والإجابة السريعة التي يمكن أن يجاب بها : ( الذات ) هو المسلم ، وما عداه فهو الآخر .. والوقوف عند هذه الإجابة فقط ليس دقيقًا ، فقد أصبحنا في عصر لابد فيه من توضيح مَنْ المسلم الذي هو ( الذات ) .
فقد رأينا ممن ينتسب إلى الإسلام وهو لا يرضى به حَكَمًا ، ويأبى أن يذعن لحكم الله وحكم رسوله ، بل ويعتقد ويدين بأن الحكم بغير ما أنزل الله أفضل من شريعة الله تعالى وأنفع للبشر !! كالعلمانيين والشيوعيين واللبراليين والديمقراطيين والاشتراكيين والقوميين وغيرهم .
ومن هؤلاء من يستهزئ بأحكام الشريعة ، ومنهم من لا يؤدي فريضة من فرائض الله تعالى كالصلاة والصيام والزكاة والحج ..الخ ، بل بعضهم بلغت به الوقاحة والبجاحة إلى إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة – أمرًا ونهيًا - ثم هو يدعي أنه مسلم !!
ولا يخفى على أحد لمن ولاء هؤلاء ؟ فهم يوالون أعداء الإسلام ويستنصرون بهم على المسلمين .
فهل أتباع هذه المناهج الذين عادوا الإسلام واتهموه ونصبوا الحراب لأهله - وإن كانوا ممن يتسمون بأسماء المسلمين - هم من الذات فيتحاور معهم على أنه تحاور مع الذات ؟ أم أنهم أصبحوا من ( الغير ) .. من ( الآخر ) ويتحاور معهم على أنهم من الآخر ؟
وللإنصاف نقول : إن بعضًا من هؤلاء مغرر به ، فهو لا يزال ينتمي إلى الإسلام لكنه مفتون ببعض المبادئ التي يدعو إليها بعض هذه المذاهب كالعدل والمساواة وحقوق الإنسان ؛ والتي هي في الأصل في منهج الإسلام على أعلى مثال ، لكنها مفقودة في مجتمع المسلمين لغياب حكم الإسلام ؛ وهؤلاء لا يخرجون من الذات ، لكن وجب نصحهم وبيان وجه الحق لهم لإزالة هذه الشبهة عنهم .
وفريق آخر يتبعون الشهوات ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ويدعون لذلك جهارًا ، ليلا ونهارًا ، ويبغونها عوجًا .. وقد فتحت لهم وسائل الإعلام أبوابها على مصارعها ، فتراهم يدعون - من غير حياء - إلى تبرج النساء ، والاختلاط الحر ، وشيوع الجنس ، قد استباحوا ذلك واستحلوه ؛ ترى ذلك في كتاباتهم وتصريحاتهم ، قد أسفروا عن وجوههم ، ويمكن أن يطلق عليهم ( الواجهة الثقافية الإعلامية للعلمانية ) .
وهؤلاء منهم الجهلة الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه ، ولا يدرون أن مستحل ذلك ليس بمسلم ، فإن ذُكِّروا فمنهم من يرجع ويتوب عن ذلك ؛ ومنهم من هو من أصحاب المذاهب التي تدعو إلى هذه الإباحية ، قد اتخذ ذلك منهج حياته ويأبى أن يرجع عنه ؛ وهؤلاء - بلا شك - ليسوا من الذات .
وآخرون يلقبون أنفسهم بالحداثيين ويستبيحون لأنفسهم نقد كل شيء حتى الثوابت العقائدية ، وهو مذهب باطل نقل إلينا عن الغرب الكافر عبر تلامذتهم المفتونين بهم ممن ينتسبون إلى الإسلام .
ومصيبة المصائب أن هناك طائفة ممن ينتسبون للإسلام اعتنقوا أفكارا ومبادئ تخالف أصول دينهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ، ثم لما ظهر ضلال فكرهم وانهزموا واقعيًّا تحول بعضهم لمحاولة التلفيق بين ما اعتنقوه وبين الإسلام ؛ ومن هنا تكمن الخطورة ؛ يقول الأستاذ جمال سلطان في كتابه ( أزمة الحوار الديني ) : أصبح الداخل الإسلامي خليطًا بفعل توافد جماعات من المفكرين والباحثين ممن يحملون تراثًا شخصيًا علمانيًا أو قوميًا أو شيوعيًا إلى الساحة الإسلامية ، واتجاههم إلى البحث ومخاطبة الجماهير تحت شعارات الإسلام .. وهذه النماذج الفكرية التي دلفت إلى ( الداخل ) الإسلامي قد نجحت في إحداث بعض التأثير في توجهات وهموم بعض المفكرين والدعاة الإسلاميين .... وهذه النماذج لم تدخل عن إيمان راسخ أو إسلام صادق وإنما دخلوا على أساس أن الأرضية التي يمكن أن يكون لهم وجود على أساسها تحولت كلية نحو الإسلام ... وهم يبحثون عن كيفية إزاحة علماء الأمة ودعاتها ورموزها لكي يتبوءوا هم ريادة العمل الإسلامي لأنهم هم الممثلون ( للعقلانية ) و ( للاستنارة ) الدينية !!! وهذا التيار يلقى ترحيبًا ودعمًا من أجهزة ذات سلطان نافذ ؛ ومن تأمل المساحات الإعلامية المتاحة لهم يعلم ذلك ( [1] ) .
لقد أصبح الهم الداخلي همًّا متشعبا ، فماذا عن هؤلاء أيضًا ؟
كما أن هناك من الطوائف والفرق التي لا يزال لها وجود فعلي ممن ينتسبون إلى الإسلام ولكنهم خالفوا بعض أصول أهل السنة والجماعة ... هل هم من الذات ؟
وهناك طوائف ممن ينتسبون إلى التصوف ؛ وهم أصناف شتى : بين زاهد عارف ، ومبتدع مصر ، وغال مقيت .
بل إن هناك فرقًا أخرى مارقة كالدروز والبهائية والقاديانية وغير ذلك ممن هم يقينًا ليسوا من المسلمين ويتسمون بأسماء المسلمين ولهم معتقدات كفرية وعبادات خاصة ؛ وهؤلاء ليس لهم من الإسلام نصيب ؛ وليسوا من الذات يقينًا .


[1] - انظر أزمة الحوار الديني من ص 8 : ص 18 .
 
هكذا الهم الداخلي أصبح متشعبًا ؛ وكما يقول د عمر عبيد حسنة : وقد يكون من أخطر إشكاليات الصراع الحضاري ، التي يعاني منها عالم المسلمين اليوم - إضافة إلى وجود العلمانيين والحداثيين المرتهنين لحضارة الآخر بسبب تشكيلهم الثقافي وتاريخهم التعليمي ونظامهم المعرفي ، الذين يشكلون طلائع متقدمة للحضارة الغربية في الداخل الإسلامي ، ويفعلون فعلهم في الإفساد والتخريب لصالح الغرب - هو في أنظمة الاستبداد وما يلازمه من القمع السياسي والظلم الاجتماعي التي وجدت لصالح الغرب ، بحيث أصبحت عوامل الطرد للطاقات المتميزة والخبرات والسواعد ، والأموال ، متوفرة في معظم بلاد العالم الإسلامي ، إلا من رحم الله ، وبذلك يدمر المسلمون طاقاتهم ، ويكسرون أسلحتهم ، ويكرسون تخلفهم بأنفسهم ، أو بمعنى آخر : يخربون بيوتهم بأيديهم ، في الوقت الذي نرى فيه عوامل الجذب والإغراء بالهجرة متوفرة في مجتمعات الحضارة الغربية ؛ ونستطيع أن نقول : إن خيرة الطاقات الإسلامية اليوم في العلوم التطبيقية والإنسانية على سواء مسخرة لخدمة الحضارة والتقدم والتحكم والسيطرة الغربية ( [1] ) .
هذه أهم الطوائف التي تنتسب أو تُنسب إلى الإسلام ، وقد أشرنا إلى أن بعضها ليسوا من الإسلام في شيء ، ولكن ماذا عن بقيتهم : هل هم من الذات أم هم من الآخر ؟
إنه من الواجب أن نبين الحكم عليهم بدليله دون مواربة ، فالإجابة الصريحة هي المطلوبة في هذا المقام ، فقد تميز أتباع كل منهج من المناهج الباطلة ، وهم يرفضون أن ينتسب إليهم من ليس منهم ، بل ويطردون من مجتمعهم من يخالفهم وينبذونه وربما اغتالوه ؛ فإن كان ذلك كذلك فلا جرم أن أهل الحق أولى بالتميز .
إن الوحدة التي تنشأ عن ضم الطوائف المختلفة في الأصول في دائرة واحدة ، وإعطائها مسمى واحد على اختلاف عقائدها ، هي وحدة غير شرعية ، وإن الصف الذي ينشأ عنها ليس مرصوصًا متينًا ، وإنما هي وحدة هشة معرضة للضياع والتشتت مع أول ريح يمكن أن تقابلها ، ولنقرأ التاريخ ونقف على دروسه وعبره ، كيف دخل التتار والصليبيون بلاد المسلمين ؟ وكيف تولى كفارٌ حكم بلاد المسلمين بعد خروج المستعمرين الغربيين منها ؛ بل كيف سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية ؟ إن هذا لم يحدث إلا بخيانات عظمى لمن وثق بهم واعتبروا من الذات !!
ولنتأمل في قول الله U : ] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [ وحبل الله قيل : هو الإسلام ، وقيل : القرآن ؛ وكلاهما متلازم ، ثم قال تعالى : ] وَلاَ تَفَرَّقُوا [ ، يقول الشاطبي - رحمه الله : تبين أن التأليف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد ، وأما إذا تعلقت كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلابد من التفرق ، وهو معنى قول الله تعالى : ] وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [ ( [2] ) .

[1] - انظر تقديمه لكتاب الأمة ( الإسلام وصراع الحضارات ) للدكتور أحمد القديدي ص 34 ، 35 .

[2] - الاعتصام للشاطبي : 2 / 192 .
 
لقد قسم القرآن الناس إلى ثلاثة أقسام : مؤمنون ، وكافرون ، ومنافقون ؛ قال ابن كثير في تفسيره بعد أن انتهى من بيان المثل الناري والمثل المائي من سورة البقرة : إذا تقرر هذا صار الناس أقساما : مؤمنون خلص : وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول سورة البقرة . وكافرون خلص : وهم الموصوفون بالآيتين بعدها . ومنافقون وهم قسمان : خلص : وهم المضروب لهم المثل الناري ؛ ومنافقون مترددون ، تارة يظهر لهم لمع من الإيمان ، وتارة يخبو ، وهم أصحاب المثل المائي ( [1] ) .
والناس جميعا لابد أن يندرج كل واحد منهم تحت قسم من هذه الأقسام الثلاثة ؛ من هنا وجب أن يكون لهؤلاء الطوائف الذين ذكرنا حكم واضح : هل هم من الذات أم هم من الآخر ؟
فأقول مستعينًا بالله وحده : لكي يكون الأمر واضحًا لابد من تعريف المسلم الذي يحق أن نقول إنه من ( الذات ) ؛ ومن لم ينطبق عليه هذا التعريف فهو من الآخر ؛ لكن يبقى له من الحق علينا أن يحاور لإقامة الحجة عليه ، فإن عاد إلى الإسلام كان من الذات ، وإلا فهو من الآخر .. شاء أم أبى .
والأصل الذي اتفقت كلمة أهل العلم عليه أن النطق بالشهادتين يكفي لاعتبار الناطق بهما مسلمًا من حيث الظاهر ، بحيث يجري عليه أحكام الإسلام في الدنيا ، وأنه لا يكفي للنجاة من الخلود في النار حتى يقترن بالتصديق القلبي ، فمن نطق بالشهادتين عومل بمقتضى أحكام الإسلام في الحياة الدنيا ، وإن كان منافقًا في حقيقة أمره ؛ لأننا مأمورون بإجراء الأحكام على الظاهر ، وأما السرائر فهي لمن يعلمها سبحانه وتعالى .
ولا خلاف بين أهل العلم في أن النطق بالشهادتين والتصديق بهما لا يكونان كافيين في دخول الإسلام إذا كانا قد اقترنا بما ينقضهما أو ينقض إحداهما ، فلا يحكم بإسلامٍ لإنسان جاء يقول : أقر بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ولكني لا أقر بوجوب الزكاة أو الحج ، أو بحرمة الزنا أو الربا ، أو غير ذلك من أحكام الإسلام التي أخبر بها القرآن أو الرسول محمد e ؛ أو قال : ولكني أعتقد أنها كانت خاصة بقوم أو بجيل معين . وكذلك من قرن إقراره بالشهادتين بتفسير خاص يؤول إلى إنكار توحيد الله تعالى في بعض صفاته وأسمائه ، أو أقر بهما وهو ينكر بعض القرآن ولو آية أو كلمة أو حرفًا ؛ فلا تنفعه الشهادتان وقد جاء معهما بما يكذب به القرآن أو الرسول e .
ومثل هؤلاء يُعلَّمون أنهم لا ينجون من عذاب الله في الآخرة حتى يصح إسلامهم ، ولا يصح إلا بجزم الاعتقاد الخالي من الشكوك ونطق الشهادتين ، مع عدم إنكار شيء مما هو معلوم ضرورة من دين الإسلام .
قال الإمام النووي - رحمه الله : اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار ، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك ، ونطق بالشهادتين ا.هـ ([2] ) . فقوله : ( اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ) تضمن ما فصلناه قبله .
وعلى ذلك فكل من شهد شهادة الحق واستيقن بها قلبه ولم يأت بناقض لها ، فهو مسلم فيكون من ( الذات ) وإن كان له بعض معاصٍ ، فواجب على من يعلم ذلك منه أن ينصحه ويأخذ بيده إلى الله تعالى .
وقد ذكر العلماء في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض ، ومن وجد فيه شيء منها فإنه يستتاب فإن تاب وإلا حلَّ دمه وماله ، ويكون بها خارجًا عن الإسلام ، وأهم هذه النواقض والتي لها صلة بموضوعنا :
للحديث صلة .

[1] - انظر تفسير ابن كثير : 1 / 49 ( مكتبة العبيكان ) .

http://vb.tafsir.net/tafsir33815/#_ftnref2[ 2 ] – شرح مسلم : 1 / 149.
 
أهم هذه النواقض التي لها صلة بموضوعنا
1 الشرك في عبادة الله : وهو صرف شيء من العبادات - والتي لا تجوز إلا لله تعالى لغير الله ، قال الله تعالى : ] إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيمًا [ ( النساء : 48 ) ، وقال تعالى : ] إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [ ( المائدة : 72 ) ، ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم ؛ فالدعاء والنذر والاستغاثة من العبادات التي لا تجوز إلا لله تعالى .

2 جحود معلومٍ من الدين بالضرورة : كأن يجحد أحد أركان الإسلام أو الإيمان ، أو جزءا من ذلك : فمن جحد نبوة نبي من الأنبياء أو كتابا من الكتب المنزلة مثلا ، فهو كافر مرتد ، ودليل ذلك قوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِينًا [ ( النساء : 150 ، 151 ) ، وقول النبي e : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " رواه مسلم ( [1] ) ، وكذلك من جحد آية من كتاب الله تعالى أو كلمة أو حرفًا ، أو جحد متواترًا من السنة مجمعًا عليه ، كأن يجحد أن الصلوات المكتوبات خمس ، أو يجحد كيفية الصلاة أو كيفية أداء المناسك أو أنصبة الزكاة ، أو غير ذلك مما علَّمنا النبي e وأجمعت الأمة عليه ، فمن جحد شيئا من ذلك كفر بإجماع .
قال الطحاوي : ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه .ا.هـ ( [2] ) . والجحود ضد الإقرار ، وقيل : الجحود : الإنكار مع العلم . فأما إن ارتكب المعصية وهو يعلم أنه مذنب ، ولم يجحدها أو يستحلها فليس بكافر إنما هو فاسق ، وتلزمه التوبة .

3 المعاندة لله ولرسوله : قال ابن تيمية : فأما إن اعتقد أن الله لم يحرمه ، أو أنه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وأبى أن يذعن لله وينقاد ، فهو إما جاحد أو معاند .. إلى أن قال : وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول e حرم ما حرم الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرِّم ، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه ؛ ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حرمة الآمر وقدرته ، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ؛ وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ هذا مع أنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون ، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ، ويقول : أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه ، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه . وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ، بل عقوبته أشد .ا.هـ ( [3] ) .
قال الله تعالى : ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ ( النساء : 65 ) .

4 من اعتقد أن هدي غير النبي أكمل من هديه e ، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ؛ فهو كافر لقوله تعالى : ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ ( النساء : 65 ) .
ويدخل في ذلك من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو مساوية لها ؛ أو أن شريعة الإسلام لا يصلح تطبيقها في هذا العصر ، أو أن الإسلام كان سببًا في تخلف المسلمين ، أو أن رجم الزاني وقطع يد السارق وغيرها من الحدود لا يناسب العصر .

5 استحلال الذنب : وهو إنكار حرمته بقلبه ؛ أما لو فعل الذنب مع اعتقاد حرمته فهو وإن كان آثما بحسب ذنبه ، لكنه لا يكفر بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وبيان ذلك أن من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق ؛ فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال : اعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهو يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ، ولخلل في الإيمان بالرسالة . ا.هـ .
قال الطحاوي في ( عقيدته ) : ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله . ا.هـ . قال ابن أبي العز في ( شرح الطحاوية ) : اعلم رحمك الله وإيانا أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه ، وكثر فيه الافتراق ، وتشتت فيه الأهواء والآراء ، وتعارضت فيه دلائلهم ؛ فالناس فيه على طرفين ووسط : فطائفة تقول لا نكفر من أهل القبلة أحدًا ؛ فتنفي التكفير نفيًا عامًّا ، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع ؛ وفيهم من يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم ، وهم يتظاهرون بالشهادتين . وأيضًا فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة ، ونحو ذلك ؛ فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل . ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب ، بل يقال : لا نكفرهم بكل ذنب . وفرق بين النفي العام ونفي العموم ، والواجب إنما هو نفي العموم ، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب ؛ ولهذا والله أعلم قيده الشيخ رحمه الله بقوله : ما لم يستحله .ا.هـ ( [4] ) .

6- الاستهزاء بالله أو بآياته أو برسوله : قال الله تعالى : ] وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ ( التوبة : 65 ، 66 ) . قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن : لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا ، وهو - كيفما كان - كفر ، فإن الهزل بالكفر كفر ، لا خلاف فيه بين الأمة .ا.هـ ( [5] ) . قال الرازي في تفسيره : قوله تعالى : ] قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [ يدل على أحكام : الحكم الأول : أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله ؛ وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان : تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال . انتهى المراد منه .

7 من لم يكفر المشركين المعلوم كفرهم وشركهم ، أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم ، أو اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد e ، فهو كافر ، لقوله تعالى : ] وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ ( آل عمران : 85 ) .

8 من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول e ولو عمل به ؛ لقوله تعالى : ] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [ ( محمد : 9 ) .

9 مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، لقوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ ( المائدة : 51 ) .
فهذه أخطر النواقض وأكثرها وقوعًا ، والمستقرئ لأدلتها المتأمل فيها يجد أنها لا تصدر إلا عن المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ؛ وقد أردنا بذكر هذه النواقض هنا أن نُذكِّر المغرر به والجاهل من هذه الطوائف التي ذكرنا ، ليكون على بينة من أمره .

http://vb.tafsir.net/tafsir33815/#_ftnref11 – مسلم ( 153 ) عن أبي هريرة .

http://vb.tafsir.net/tafsir33815/#_ftnref22- انظر شرح العقيدة الطحاوية ص331 ( الكتب الإسلامي ) .

[3] - انظر الصارم المسلول ص 521 ، 522 .

[4] - انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 316 ، 317 ( المكتب الإسلامي ) .

[5] - أحكام القرآن : 2 / 543 .
 
وعلى ذلك فـ ( الذات ) : كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله واستيقن بها قلبه ، ولم يأت بناقض لها ؛ وضابط ذلك أنه يدعى إلى كتاب الله U وسنة رسوله e : فإن قبل ذلك فهو من الذات ، وإن لم يقبل فهو من الآخر ؛ قال الله تعالى : ] وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ . وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [ ( النور : 47 : 52 ) . وقال U : ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ ( النساء : 65 ) .
هذا والعلم عند الله تعالى ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه .
 
عودة
أعلى