منى محمد أحمد
New member
- إنضم
- 04/05/2010
- المشاركات
- 21
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
مقدمة لسورة الحشر
اسم السورة:-
" اشتهرت تسمية هذه السورة ( سورة الحشر ) , وقد جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: " قلت لابن عباس سورة الحشر قال: قل سورة النضير" [1] أي سورة بني النضير فابن جبير سماها باسمها المشهور، وابن عباس يسميها سورة النضير. ولعله لم يبلغه تسمية النبي إياها بسورة الحشر ؛ لأن ظاهر كلامه أنه يرى تسميتها سورة النضير لقوله لابن جبير: قل سورة النضير . وتأول ابن حجر كلام ابن عباس على أنه كره تسميتها بالحشر لئلا يُظن أنّ المراد بالحشر يوم القيامة ، وهذا تأول بعيد. وأحسن من هذا أنّ ابن عباس أراد أنّ لها اسمين ، وأن الأمر في قوله: قُل إنما هو للتخيير.
سبب التسمية:-
وجه تسميتها ( الحشر ) لأنه ذُكر فيها لفظ الحشر في الآية الثانية من السورة في قوله تعالى:
" هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ" ولكونه ذُكر فيها حشر بني النضير من ديارهم أي من قريتهم المسماة الزهرة قريباً من المدينة . فخرج بعضهم إلى بلاد الشام ، والبعض الآخر خرجوا إلى خيبر ، ومنهم من خرج إلى الحِيرة .وأما وجه تسميتها ( سورة بني النضير ) فلأن قصة بني النضير ذُكرت فيها." [2]
وسورة الحشر مدنية بالاتفاق. وكان نزولها عقب إخراج بني النضير من بلادهم سنة أربع من الهجرة. وعدد آياتها أربع وعشرون باتفاق العادّين. وهي الثامنة والتسعون في عداد نزول السور عند جابر بن زيد. وقد نزلت بعد سورة البيّنة وقبل سورة النصر. وهي التاسعة والخمسون في ترتيب المصحف بعد سورة المجادلة وقبل سورة الممتحنة.
تناسب السورة مع ما قبلها (سورة المجادلة( :-
آخر سورة المجادلة نزل فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر، وأول الحشر نزل في غزوة بني النضير وهي عقبها، وذلك نوع من المناسبة والربط وفي آخر المجادلة: " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" وفي أول الحشر: " فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ " كما أنّه في آخر المجادلة ذُكر من حاد اللَه ورسوله ، وفي أول الحشر ذُكر من شاق اللَه ورسوله." [3]
تناسب السورة مع ما بعدها (سورة الممتحنة( :-
"سورة الحشر كانت في المعاهدين من أهل الكتاب ، وعُقبت بسورة الممتحنة لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين؛ لأنها نزلت في صلح الحديبية . ولما ذُكر في سورة الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ثم موالاة الذين من أهل الكتاب ، افتتحت سورة الممتحنة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء؛ لئلا يشابهوا المنافقين وتكرر ذلك إلى أن ختمت به السورة فكانت في غاية الاتصال ولذلك ُفصل بسورة الممتحنة بين سورتي الحشر والصف مع تآخيهما في الافتتاح ب {سبح}"[4]
سبب النزول :-
" قال المفسرون: نزلت هذه السورة في بني النضير؛ وذلك أن النبي لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ، وقبل رسول الله ذلك منهم فلما غزا رسول الله بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية . فلما غزا أحداً وهزم المسلمون نقضوا العهد ، وأظهروا العداوة لرسول الله والمؤمنين فحاصرهم رسول الله ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة. " [5]
تقسيمات السورة :-
" تتكون آيات سورة الحشر من : مقدمة ، و مجموعتين.فالمقدمة : عبارة عن آية واحدة فقط ، وهي: الآية الأولى من السورة ." سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)" و فيها : الإخبار بأنّ جميع ما في السموات و الأرض : يسبح لله ، و يحمده ، و يقدسه ، و يصلي له و يوحده .و من هذا الإخبار ندرك أنّ مضمون السورة ، له صلة بتنزيه الله ، و خضوع الأشياء كلها له ، و أنه سبحانه متصف بالعزة و الحكمة .
و المجموعة الأولى: عبارة عن (20) آية . من الآية (2) حتى نهاية الآية (21) و فيها: 1) بيان سنة من سنن الله تعالى ، و هي أنّ من شاق الله و رسوله فإنه يستحق العقاب الشديد ، و أنّ من عقوبات الله الشديدة : أن يسلط على قوم فيجليهم من ديارهم . 2) ذكر بعض أحكام الفيء ، وهو كل ما أخذ من أموال الكفار من غير قتال ، ولا جهد في تحصيله. 3) تفصيل لخصائص المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان ، وتوضيح بصفاتهم العليا. "[6]
"4) تعريف بطبيعة المنافقين ، وتبعيتهم للكافرين . 5) مطالبة المؤمنين بالتقوى ، والعمل لليوم الأخر. والخشية من الله، وتحذيرهم من المخالفة، والتشبه بالفاسقين. 6) التأكيد على عدم استواء أهل النار وأهل الجنة، فأهل النار خاسرون ، وأهل الجنة فائزون. 7) التذكير بعظمة القرآن.ويلاحظ أنّ كل ذلك مما يعرفنا بالله سبحانه وتعالى من خلال أفعالة عز وجل.
والمجموعة الثانية: عبارة عن(3) آيات من الآية(22)حتى نهاية الآية(24) وهى خاتمة آيات السورة وفيها: تعريف على الله سبحانه وتعالى من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلى." [7]
موضوعات السورة :-
"1) تنزيه الله لنفسه عن كل نقص .2) ذكر غلبة الله ورسوله لأعدائه .3) تقسيم الفيء الذي أُخذ من بني النضير مع ذكر المصارف التي يوضع فيها .4) أخلاق المنافقين المضلين، و أخلاق أهل الكتاب ( اليهود) الضالين مع ضرب المثل لهم .5) ذكر نصائح للمؤمنين .6) إعظام شأن القرآن وإجلال قدره .7) وصف الله سبحانه نفسه بأوصاف الجلال والكمال. "[8]
ارتباط أول السورة بآخرها :-
بداية السورة: اُستفتحت سورة الحشر كسائر السور المسبحات بـ (سَبَّحَ لِلَّهِ) إذاً تبدأ بالتسبيح ولكن بصيغة الماضي (سَبَّحَ)؛ ولعل اختيار الماضي هنا لأن السورة تتكلم عن أمر مضى وانقضى وحدث، وهو نصر الله تعالى للمؤمنين، وهزيمة بني النضير اليهود المحاربين، فهي تتكلم عن نعمة وقعت وانتهت؛ ولهذا بدأت بالتسبيح فقال سبحانه : "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" وكأنّ هذا فيه إشارة إلى جند الله كما في قوله تعالى: " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" سورة المدثر آية 31 فمن جند الله تعالى ( مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) ومن ذلك الملائكة ، و النواميس الكونية فهي من جند الله تعالى، وهي تُسبحه. ( وَمَا فِي الْأَرْضِ) أيضاً يُسبحون الله. وقد تكرر الاسم الموصول( مَا فِي ) وذلك عناية وحفاوة بالأرض وما فيها ومن فيها. ثم قال تعالى: " وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فالعزّة واضحة هنا بالانتصار والغلبة والتمكين للمؤمنين. وهذا معنى القوة التي تمكن منها المؤمنون شيئاً فشيئاً، بعد أن كانوا يُعذّبون ويُقتلون بمكة، هم الآن يملكون أقوى قوة في جزيرة العرب ، وأما الحكيم ففيه إشارة إلى حكمته سبحانه فيما يصنع وتدبير الأمور والتدرج والتوقيت توقيت الأشياء فهذا من الحكمة.
ولعل من الجميل هنا أيضاً في قوله : " الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الإشارة إلى أهمية وجود القوة، وأهمية وجود العقل والفهم والحكمة في استخدامها ؛ فالمؤمنون هنا أمام معركة عسكرية ومعركة حاسمة ومع ذلك سوف تلاحظ أنهم ما استخدموا السلاح إلا قليلاً، وإنما استخدموا الصبر والذكاء وحسن التدبير، واستخدموا معنى آخر أخلاقياً عظيماً؛ وهو معنى الصدق والوضوح وتجنّب الغش أو الغدر ، فتحقق لهم في نهاية الأمر الانتصار. ومن هنا قال : " وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فإذا كانت هناك العزّة ، كانت معها القوة والحكمة. وكأنّ هذا تعليم للمؤمنين؛ لأنّ الله بأسمائه الحسنى يُعلمنا التخلّق بالأخلاق الفاضلة ، يُعلمنا أن نكون أعزاء أقوياء ، ويُعلمنا أن نكون حكماء ، وأنّ القوة من غير حكمة ترتد على صاحبها ، وأنّ الحكمة أيضاً من غير قوة قد تكون ذلاً وهواناً.
نهاية السورة:
أعاد التسبيح لله عزوجل التسبيح في ختام السورة فقال سبحانه: " يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وأعاد لقب ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الذي بدأ به أول السورة إشارة إلى ربط هذه الأسماء بمجريات الواقع ، ومجريات الأحوال ، وأنّ أسماء الله الحسنى ليست فقط أسماء تُقال، أو تُتلى، أو تُقرأ في الصباح والمساء في الأوراد، وإن كان هذا كله مطلوباً ومشروعاً ، ولكنّ أسماء الله الحسنى ُتشاهد فيما يحدث في الكون فإنّ العاقل اللبيب الفهم الفطن يلاحظ آثار هذه الأسماء الحسنى في الحياة؛ يلاحظها في نفسه، فيما يجري له من الأحوال والأمور، ويلاحظها في الآخرين إذا كان عنده يقظة في قلبه، ولم يكن ممن نسي الله فأنساه الله تعالى نفسه ، فإذا ذكر الله تعالى فإنّ الله تعالى يعطيه البصيرة والعلم حتى يلاحظ آثار هذه الأسماء الحسنى في الأحداث الصغيرة والكبيرة، السياسية والعسكرية، الاقتصادية الاجتماعية، العلمية المعرفية . فيكون لله تعالى في نفسه وقلبه حضور ويكون عنده إيمان ويقظة وهذه من الأشياء التي ينتفع بها الإنسان بقراءة القرآن الكريم .
نوره السلمان
معهد معلمات القرآن بغرب الرياض
دبلوم عالي
ختام السورة:-
ختم الله السورة بأسمائه الحسنى بما يناسب ما اشتملت عليه السورة؛ فقسمت إلى ثلاثة أقسام:
1_ قسم يناسب أحوال المشركين وأحلافهم اليهود المتآلبين على النبي والمسلمين ، ويناسب أنصارهم من المنافقين المخادعين. وهذا القسم تنضوي تحته صفة ( لا إله إلا هو) وهي صفة التوحيد ، والأصل في بقية الصفات الإلهية ؛ فإنّ الشرك أصل الضلالات والمشركون يغررون اليهود والمنافقين ، بين يهود ومشركين تظاهروا بالإسلام .
( عالم الغيب ) فإنّ الشرك الأصل فيه إنكار الغيب وبالتالي البعث والجزاء والاسترسال في أعمال الغي وأعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة. ( الملك ، العزيز، الجبار ، المتكبر) تناسب ما أنزله الله تعالى ببني النضير من الرعب والخزي والبطش.
2_ متعلق بما اجتباه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير وتلك صفات:(السلام ،المؤمن) لقوله: " فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ " (1) أي: لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتال وكذلك ( الرحمن ، الرحيم ) لمناسبتها لإعطاء حظ في الفيء للضعفاء.
3_ متعلق بما يشترك فيه الفريقان المذكوران في هذه السورة فيأخذ كل فريق حقه. وهي صفات:
( القدوس ، المهيمن ، الخالق ، البارئ ، المصور )
المرجع :-
التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور / ص 126
حميدة إبراهيم
دبلوم عالي
[1] الراوي: سعيد بن جبير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4883 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
موقع الدرر السنية _ الموسوعة الحديثية
[2] محمد الطاهر ابن عاشور من كتاب التحرير والتنوير ج 28 ص62_ 63 ( بتصرف )
[3]جلال الدين السيوطي من كتاب أسرار ترتيب سور القران ( من موقع المكتبة الإسلامية )
[4] المرجع السابق
[5]الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري من كتاب أسباب النزول ( بتصرف ) ( من موقع المكتبة الإسلامية )
[6] موقع هدي الإسلام ( قسم القران الكريم المفاتيح الدعوية لسور القران الكريم ) ( بتصرف )
[7] موقع هدي الإسلام ( قسم القران الكريم المفاتيح الدعوية لسور القران الكريم ) ( بتصرف )
[8] المرجع السابق
اسم السورة:-
" اشتهرت تسمية هذه السورة ( سورة الحشر ) , وقد جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: " قلت لابن عباس سورة الحشر قال: قل سورة النضير" [1] أي سورة بني النضير فابن جبير سماها باسمها المشهور، وابن عباس يسميها سورة النضير. ولعله لم يبلغه تسمية النبي إياها بسورة الحشر ؛ لأن ظاهر كلامه أنه يرى تسميتها سورة النضير لقوله لابن جبير: قل سورة النضير . وتأول ابن حجر كلام ابن عباس على أنه كره تسميتها بالحشر لئلا يُظن أنّ المراد بالحشر يوم القيامة ، وهذا تأول بعيد. وأحسن من هذا أنّ ابن عباس أراد أنّ لها اسمين ، وأن الأمر في قوله: قُل إنما هو للتخيير.
سبب التسمية:-
وجه تسميتها ( الحشر ) لأنه ذُكر فيها لفظ الحشر في الآية الثانية من السورة في قوله تعالى:
" هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ" ولكونه ذُكر فيها حشر بني النضير من ديارهم أي من قريتهم المسماة الزهرة قريباً من المدينة . فخرج بعضهم إلى بلاد الشام ، والبعض الآخر خرجوا إلى خيبر ، ومنهم من خرج إلى الحِيرة .وأما وجه تسميتها ( سورة بني النضير ) فلأن قصة بني النضير ذُكرت فيها." [2]
وسورة الحشر مدنية بالاتفاق. وكان نزولها عقب إخراج بني النضير من بلادهم سنة أربع من الهجرة. وعدد آياتها أربع وعشرون باتفاق العادّين. وهي الثامنة والتسعون في عداد نزول السور عند جابر بن زيد. وقد نزلت بعد سورة البيّنة وقبل سورة النصر. وهي التاسعة والخمسون في ترتيب المصحف بعد سورة المجادلة وقبل سورة الممتحنة.
تناسب السورة مع ما قبلها (سورة المجادلة( :-
آخر سورة المجادلة نزل فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر، وأول الحشر نزل في غزوة بني النضير وهي عقبها، وذلك نوع من المناسبة والربط وفي آخر المجادلة: " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" وفي أول الحشر: " فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ " كما أنّه في آخر المجادلة ذُكر من حاد اللَه ورسوله ، وفي أول الحشر ذُكر من شاق اللَه ورسوله." [3]
تناسب السورة مع ما بعدها (سورة الممتحنة( :-
"سورة الحشر كانت في المعاهدين من أهل الكتاب ، وعُقبت بسورة الممتحنة لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين؛ لأنها نزلت في صلح الحديبية . ولما ذُكر في سورة الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ثم موالاة الذين من أهل الكتاب ، افتتحت سورة الممتحنة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء؛ لئلا يشابهوا المنافقين وتكرر ذلك إلى أن ختمت به السورة فكانت في غاية الاتصال ولذلك ُفصل بسورة الممتحنة بين سورتي الحشر والصف مع تآخيهما في الافتتاح ب {سبح}"[4]
سبب النزول :-
" قال المفسرون: نزلت هذه السورة في بني النضير؛ وذلك أن النبي لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ، وقبل رسول الله ذلك منهم فلما غزا رسول الله بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية . فلما غزا أحداً وهزم المسلمون نقضوا العهد ، وأظهروا العداوة لرسول الله والمؤمنين فحاصرهم رسول الله ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة. " [5]
تقسيمات السورة :-
" تتكون آيات سورة الحشر من : مقدمة ، و مجموعتين.فالمقدمة : عبارة عن آية واحدة فقط ، وهي: الآية الأولى من السورة ." سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)" و فيها : الإخبار بأنّ جميع ما في السموات و الأرض : يسبح لله ، و يحمده ، و يقدسه ، و يصلي له و يوحده .و من هذا الإخبار ندرك أنّ مضمون السورة ، له صلة بتنزيه الله ، و خضوع الأشياء كلها له ، و أنه سبحانه متصف بالعزة و الحكمة .
و المجموعة الأولى: عبارة عن (20) آية . من الآية (2) حتى نهاية الآية (21) و فيها: 1) بيان سنة من سنن الله تعالى ، و هي أنّ من شاق الله و رسوله فإنه يستحق العقاب الشديد ، و أنّ من عقوبات الله الشديدة : أن يسلط على قوم فيجليهم من ديارهم . 2) ذكر بعض أحكام الفيء ، وهو كل ما أخذ من أموال الكفار من غير قتال ، ولا جهد في تحصيله. 3) تفصيل لخصائص المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان ، وتوضيح بصفاتهم العليا. "[6]
"4) تعريف بطبيعة المنافقين ، وتبعيتهم للكافرين . 5) مطالبة المؤمنين بالتقوى ، والعمل لليوم الأخر. والخشية من الله، وتحذيرهم من المخالفة، والتشبه بالفاسقين. 6) التأكيد على عدم استواء أهل النار وأهل الجنة، فأهل النار خاسرون ، وأهل الجنة فائزون. 7) التذكير بعظمة القرآن.ويلاحظ أنّ كل ذلك مما يعرفنا بالله سبحانه وتعالى من خلال أفعالة عز وجل.
والمجموعة الثانية: عبارة عن(3) آيات من الآية(22)حتى نهاية الآية(24) وهى خاتمة آيات السورة وفيها: تعريف على الله سبحانه وتعالى من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلى." [7]
موضوعات السورة :-
"1) تنزيه الله لنفسه عن كل نقص .2) ذكر غلبة الله ورسوله لأعدائه .3) تقسيم الفيء الذي أُخذ من بني النضير مع ذكر المصارف التي يوضع فيها .4) أخلاق المنافقين المضلين، و أخلاق أهل الكتاب ( اليهود) الضالين مع ضرب المثل لهم .5) ذكر نصائح للمؤمنين .6) إعظام شأن القرآن وإجلال قدره .7) وصف الله سبحانه نفسه بأوصاف الجلال والكمال. "[8]
ارتباط أول السورة بآخرها :-
بداية السورة: اُستفتحت سورة الحشر كسائر السور المسبحات بـ (سَبَّحَ لِلَّهِ) إذاً تبدأ بالتسبيح ولكن بصيغة الماضي (سَبَّحَ)؛ ولعل اختيار الماضي هنا لأن السورة تتكلم عن أمر مضى وانقضى وحدث، وهو نصر الله تعالى للمؤمنين، وهزيمة بني النضير اليهود المحاربين، فهي تتكلم عن نعمة وقعت وانتهت؛ ولهذا بدأت بالتسبيح فقال سبحانه : "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" وكأنّ هذا فيه إشارة إلى جند الله كما في قوله تعالى: " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" سورة المدثر آية 31 فمن جند الله تعالى ( مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) ومن ذلك الملائكة ، و النواميس الكونية فهي من جند الله تعالى، وهي تُسبحه. ( وَمَا فِي الْأَرْضِ) أيضاً يُسبحون الله. وقد تكرر الاسم الموصول( مَا فِي ) وذلك عناية وحفاوة بالأرض وما فيها ومن فيها. ثم قال تعالى: " وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فالعزّة واضحة هنا بالانتصار والغلبة والتمكين للمؤمنين. وهذا معنى القوة التي تمكن منها المؤمنون شيئاً فشيئاً، بعد أن كانوا يُعذّبون ويُقتلون بمكة، هم الآن يملكون أقوى قوة في جزيرة العرب ، وأما الحكيم ففيه إشارة إلى حكمته سبحانه فيما يصنع وتدبير الأمور والتدرج والتوقيت توقيت الأشياء فهذا من الحكمة.
ولعل من الجميل هنا أيضاً في قوله : " الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الإشارة إلى أهمية وجود القوة، وأهمية وجود العقل والفهم والحكمة في استخدامها ؛ فالمؤمنون هنا أمام معركة عسكرية ومعركة حاسمة ومع ذلك سوف تلاحظ أنهم ما استخدموا السلاح إلا قليلاً، وإنما استخدموا الصبر والذكاء وحسن التدبير، واستخدموا معنى آخر أخلاقياً عظيماً؛ وهو معنى الصدق والوضوح وتجنّب الغش أو الغدر ، فتحقق لهم في نهاية الأمر الانتصار. ومن هنا قال : " وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فإذا كانت هناك العزّة ، كانت معها القوة والحكمة. وكأنّ هذا تعليم للمؤمنين؛ لأنّ الله بأسمائه الحسنى يُعلمنا التخلّق بالأخلاق الفاضلة ، يُعلمنا أن نكون أعزاء أقوياء ، ويُعلمنا أن نكون حكماء ، وأنّ القوة من غير حكمة ترتد على صاحبها ، وأنّ الحكمة أيضاً من غير قوة قد تكون ذلاً وهواناً.
نهاية السورة:
أعاد التسبيح لله عزوجل التسبيح في ختام السورة فقال سبحانه: " يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وأعاد لقب ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الذي بدأ به أول السورة إشارة إلى ربط هذه الأسماء بمجريات الواقع ، ومجريات الأحوال ، وأنّ أسماء الله الحسنى ليست فقط أسماء تُقال، أو تُتلى، أو تُقرأ في الصباح والمساء في الأوراد، وإن كان هذا كله مطلوباً ومشروعاً ، ولكنّ أسماء الله الحسنى ُتشاهد فيما يحدث في الكون فإنّ العاقل اللبيب الفهم الفطن يلاحظ آثار هذه الأسماء الحسنى في الحياة؛ يلاحظها في نفسه، فيما يجري له من الأحوال والأمور، ويلاحظها في الآخرين إذا كان عنده يقظة في قلبه، ولم يكن ممن نسي الله فأنساه الله تعالى نفسه ، فإذا ذكر الله تعالى فإنّ الله تعالى يعطيه البصيرة والعلم حتى يلاحظ آثار هذه الأسماء الحسنى في الأحداث الصغيرة والكبيرة، السياسية والعسكرية، الاقتصادية الاجتماعية، العلمية المعرفية . فيكون لله تعالى في نفسه وقلبه حضور ويكون عنده إيمان ويقظة وهذه من الأشياء التي ينتفع بها الإنسان بقراءة القرآن الكريم .
نوره السلمان
معهد معلمات القرآن بغرب الرياض
دبلوم عالي
ختام السورة:-
ختم الله السورة بأسمائه الحسنى بما يناسب ما اشتملت عليه السورة؛ فقسمت إلى ثلاثة أقسام:
1_ قسم يناسب أحوال المشركين وأحلافهم اليهود المتآلبين على النبي والمسلمين ، ويناسب أنصارهم من المنافقين المخادعين. وهذا القسم تنضوي تحته صفة ( لا إله إلا هو) وهي صفة التوحيد ، والأصل في بقية الصفات الإلهية ؛ فإنّ الشرك أصل الضلالات والمشركون يغررون اليهود والمنافقين ، بين يهود ومشركين تظاهروا بالإسلام .
( عالم الغيب ) فإنّ الشرك الأصل فيه إنكار الغيب وبالتالي البعث والجزاء والاسترسال في أعمال الغي وأعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة. ( الملك ، العزيز، الجبار ، المتكبر) تناسب ما أنزله الله تعالى ببني النضير من الرعب والخزي والبطش.
2_ متعلق بما اجتباه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير وتلك صفات:(السلام ،المؤمن) لقوله: " فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ " (1) أي: لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتال وكذلك ( الرحمن ، الرحيم ) لمناسبتها لإعطاء حظ في الفيء للضعفاء.
3_ متعلق بما يشترك فيه الفريقان المذكوران في هذه السورة فيأخذ كل فريق حقه. وهي صفات:
( القدوس ، المهيمن ، الخالق ، البارئ ، المصور )
المرجع :-
التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور / ص 126
حميدة إبراهيم
دبلوم عالي
[1] الراوي: سعيد بن جبير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4883 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
موقع الدرر السنية _ الموسوعة الحديثية
[2] محمد الطاهر ابن عاشور من كتاب التحرير والتنوير ج 28 ص62_ 63 ( بتصرف )
[3]جلال الدين السيوطي من كتاب أسرار ترتيب سور القران ( من موقع المكتبة الإسلامية )
[4] المرجع السابق
[5]الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري من كتاب أسباب النزول ( بتصرف ) ( من موقع المكتبة الإسلامية )
[6] موقع هدي الإسلام ( قسم القران الكريم المفاتيح الدعوية لسور القران الكريم ) ( بتصرف )
[7] موقع هدي الإسلام ( قسم القران الكريم المفاتيح الدعوية لسور القران الكريم ) ( بتصرف )
[8] المرجع السابق