من أنوار قراءة سورة الأعلى في أولى الركعتين قبل الوتر

محمد نصيف

New member
إنضم
13/06/2009
المشاركات
536
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدية المنورة
تسن قراءة سورة الأعلى كما هو معلوم في الركعة الأولى من الركعتين قبل الوتر( الشفع)، والمعاني التي تلمح من هذه القراءة كثيرة سأكتفي منها هنا بما ألمحه من اسم السورة(الأعلى) المأخود من اسم الله الوارد في أول آياتها ( سبح اسم ربك الأعلى):
1/ ذكر ابن شيخ الحزاميين –رحمه الله – في رسالته (مدخل أهل الفقه واللسان إلى ميدان المحبة والعرفان) في أصول هذا الشأن – محبة الله ومعرفته- أن الأصل الأول هو : (صحة الاعتقاد في جميع ما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله – صلى الله عليه وسلم- ) ثم قال تحت هذا الأصل: " واعلم أن الإيمان بمسألة العلو والفوقية – من غير إحاطة ولا كيفية ولا حصر ولا تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه – كما ورد ذلك في الكتاب العزيز وفي السنة الصحيحة =هو أصل هذا الشأن وأساسه.
فمن رسخ في هذه المسألة صار لقلبه قبلة إلى مولاه وفاطره في توجهه وصلاته وعبادته وسائر مساعيه الظاهرة والباطنة، وصار ذلك لقلبه معلقاً، يجول قلبه في الأشياء ثم يعود إلى معلقه، كالفرس يجول ثم يعود إلى آخيته"؛ فالإيمان بعلو الله – الذي هو من لوازم الإيمان باسمه (الأعلى) مهم جداً في السير إلى الله –سبحانه وتعالى- ، فمن المناسب ختم صلاة الليل التي تعد من أعظم ما يسير العبد به إلى ربه بتذكر هذا الاسم كي يصححَ السائر الوجهة ، ويتذكرَ القِبلة، خاصة إن طرأ عليه ما يفسد نيته ، أو يحول قبلتَه.
2/ وهو داخل فيما سبق لكنه أخص منه، وهو أن من أعظم ما يقوي الإخلاص تذكر علو الله –سبحانه- قال تعالى ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) فتخصيص الوصف بالأعلى فيما يظهر لي –والله أعلم – تنبيه على ما يحصل به إخلاص العمل لله ، ولا شك أن من استحضر أنه سبحانه (الأعلى ) اضمحل من قلبه كل ما سواه مما يمكن أن يتوجه إليه، أو ينوي بعمله رؤيته له ونحو ذلك.
3/ قد يشغل القلب في الصلاة بأمور مختلفة تشتت ذهنه وتفرق قلبه ؛ فيأتي هذا الاسم (الأعلى ) شفاء لما في الصدور ، وتذكيرا بما ينبغي أن تنشغل به القلوب:
كُلُّ ناعٍ فَسَيُنعى
كُلُّ باكٍ فَسَيُبكى
كُلُّ مَذخورٍ سَيَفنى
كُلُّ مَذكورٍ سَيُنسى
لَيسَ غير اللَهِ يَبقى
مَن عَلا فَاللَهُ أَعلى
والله أعلى وأعلم ، وصلى الله على سيد ولد آدم ، وعلى آله وصحبه وسلم.​
 
بسم1
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
السلام عليكم حياك الله دكتور محمد وصلى الله وسلم وبارك على اشرف من سكن المدينة المنورة ...فان هذه السورة وبكونها تسن قراءتها في الركعة الأولى من الركعتين قبل الوتر( الشفع) وذكرت ان لها معاني كثيرة فاحببت ان اشارك ببعض جماليات تلك المعاني في السورة الجليلة هذه واحاول ان ابيّن ماهو ممكن ان يكون سببا لسنّة قرائتها في ذلك الوقت
في تسعة عشر اية يطوف قارئ السورة في افكار عظيمة فيبدأ بتعظيم الرب وياتي باسم من اسمائه الحسنى وهو الاعلى فيطير وجدان القاريء الى الافاق مقدساً ربه
معّظّماً ((وهو الذكر الشريف الذي امرنا الرسول عليه الصلاة والسلام ان نجعلها في سجودنا )) ومن تلك الافاق ينظر الى ماخلقه الله فسواه وقدر فهداه فخرجت مخلوقاته في صورة الكمال دالة على كمال من خلق فتتناسب مع التسبيح الذي من معانيه نسبة الكمال المطلق الى الله...وهو في وجدانه يتملى الكون ويطوف في استعراض ماخلق الله وسوّاه كيف سوّاه فيتملّى عالم الطير كيف نوّع الله في الوان ريشها ومناقيرها وارجلها واماكن عيشها وكيف زرع فيها الساعات الدقيقة التي ما ان دقت سبتت او هاجرت هجراتها وكيف تعلمت هندسة الطيران في اختلاف مهاراتها
وبهذا الوجدان الحيّ ينتقل الى المرعى وهو كل نبات ..فيتعلم من الكون ان الكون يخاطب البشر...انه يقول انظر الى المرعى فانه يخاطبك:انظر اليّ وقد اخرجني ربك مخضرّاً فانظر كيف يجعلني غثاءاً احوى فتذكّر ايها الانسان نهايتك مهما اخضررت مثلي ...لهذا السورة بعدها تذكّرنا بالاخرة
وبعد هذا الغثاء الاحوى...يعود الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فيبشره ويبشرنا::كيف؟؟
اما بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو انه لاتشغل بالك ما سنقرئك من كتاب الله نحن نتكفل بأن لاتنساه كمانشاء فالله العليم بكل شيء والثانية::اننا سنيسر كل شيء فتصبح مصدرا لليسرى والتيسير فلا صعوبة ..واذا وعدك الله فهو كافٍ عبده
فما بشرانا نحن؟؟ اما نحن فنفهم ان الله يرعانا كمااهتم بنبيه وانه سيرعى دينه وسيرعى امة نبيه ...بهذه المشاعر يشعر قارئ السورة بالانشراح والراحة وهو يركن الى حفظ الله وانه سييسّر وانه لا عسر مع يُسرين
ولقد يسّر حتى في قوله فذكر ان نفعت الذكرى ...اي ان احسست ان التذكير لن يفيد فلست ماموراً بالتذكير..انه اليُسرى
ثم تمضي السورة لتذكر فريقين تذكر عاقبتهما وتعود لتتكلم عن العقيدة فتعطينا صورة العمق والذهاب في مناكب الازمان لنعرف ان هذه العقيدة قد رعاها الله الذي قدر فهدى منذ صحف ابراهيم وموسى فهناك الموحّدون وهناك الاشقياء دوماً وان دين ربك الاعلى لم ينمحي برعاية الله من الارض فكان دائما هناك من يذكّرنا بدين الله
ويتلو المسلم هذه السورة في الليل ليحس بان الله يرعى ويحفظ هذا الدين وامّة هذا الدين وقرآن هذه الامة فيرتاح بمعية ربه الاعلى الكامل في صفاته والمنزّه من كل سوء فيسبحّه مطمئناً والطمأنينة الايمانية هذه تنسجم مع اجواء الليل وقبل النهار الجديد
والله اعلم واحكم

 
أظن من الأسرار في تكرار هذه السورة المعنى المهم في قوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى)
ولذلك تسن قرائتها مع الغاشية يوم الجمعة، ولو قرأت الغاشية لوجدت نفس المعنى: (فذكر إنما أنت مذكر)

وكذلك بيان جزاء من استجاب للذكرى في سورة الأعلى، وجزاء من لم يستجب في سورة الغاشية وأيضا في سورة الأعلى.

نفع الله بنا وبكم وألهمنا الحق.

Sent from my GT-I9300 using ملتقى أهل التفسير mobile app
 
عودة
أعلى