أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 596
- مستوى التفاعل
- 25
- النقاط
- 28
الحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه...أما بعد:
فلقد ذاع اليوم بين فقهاء العلم أن كل علم بمفاهيمه رهين: فالمفهوم الدقيق دليل على علم وثيق، والمفهوم العائم يشي بعلم غائم...وما الفرق بين "علم السياسة" و"علم الفزياء" إلا بمقدار ما تجد من تباين بين مفاهيم "الشعب " و"الدولة" و"الديموقراطية" من جهة، وبين مفاهيم "الكتلة" و"الطاقة" و"السرعة" من الجهة الأخرى...فلا جرم أن ينضبط المفهوم الفزيائي ويُتفق عليه بين أهله، فيما يتهلهل المفهوم السياسي حتى إن المستعمل الواحد إذا ذكره مرتين، فبمعنيين اثنين، فأنى تستقيم السياسة علما !
وعلى هذه القاعدة تتفاضل العلوم ،وعلى هذه القاعدة عينها سنحدثك عن شموخ القرآن:
لقد صنع القرآن العظيم جهازا كاملا من المفاهيم...وصاغ للدلالة عليها اصطلاحا في نهاية البلاغة، تشهد معها الإعجاز جليا في عالم التصور وفي عالم العبارة معا...
وقد اخترنا من بين مفاهيم القرآن مصطلح "أهل الكتاب" نموذجا للاشتغال عليه لاختبار ما ادعيناه من دلائل الإعجاز في هذا المضمار...
لقد بدا لنا أن هذا المصطلح يرمي إلى عدة مقاصد مجتمعة في وقت واحد..
وعلينا قبل فحصها مقصدا مقصدا أن نستبين -أولا -سر التعبير ب"الأهل" بدلا من "الأصحاب":
1-
لا تتزاحم الكلمتان في كل المواضع لاسيما في حالة إفراد "صاحب" اعتبارا لمعنى الجمع في" الأهل"، فلا يقال" أهل الحوت" في موضع" صاحب الحوت"...
كما لا تتزاحم في مواضع الدلالة على خصوص الصلة والقرابة فالفرق جلي بين أصحاب الرجل وأهله...
بيد أن الكلمتين في حالات من عموم النسبة تصحان معا، فيقال "أهل النار" و"أصحاب النار"، و"أهل المدينة "و"أصحاب المدينة"، و "أهل التقوى" و"أصحاب التقوى"، وغيرها كثير من ضمنها هذا المصطلح: "أهل الكتاب"....إذ يصح التوارد في الإضافة فيقال أيضا "أصحاب الكتاب".
لكن القرآن العظيم اطرد فيه الأول فقط، فتعين البحث عن سر الاطراد في "الأهل" وسر العدول عن" الصحب"...
أ-
الصحبة تعني الملازمة وليس كذلك"الأهل" ...
إن علاقة "الأهلية" قائمة في الحضور والغياب،في الرضى والغضب، في المودة والكراهة...
إن أهل الرجل أهله بقطع النظر عن الأحوال.. لكن الصحبة تنتهي بالانفصال كما قال موسى لصاحبه:
{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف : 76]
ولهذه النكتة جاء ذكر الداخلين الجنة والنار باسم "أصحاب الجنة" و"أصحاب النار" إشارة إلى عدم الانفكاك عن الدارين .فلو قال "أهل النار" لربما افترض الذهن إمكان الخروج ،لأن الانفكاك لا يلغي صفة "الأهلية" ..
ويستأنس بهذا المعنى ذكر الخلود مقترنا مع ذكر الصحبة - أحصينا خمسة عشر موضعا في التنزيل-
ولم يذكر "أهل النار" إلا في موضع واحد في سورة ص:
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص : 64]
وواضح أن الأمر يتعلق هنا بالشأن الداخلي للمجتمع الجهنمي فالخصومة والتنافر في أصحاب النار في مقابل المودة والأخوة عند أهل الجنة:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47]
إن الأهل عادة فضاء للأمن والتراحم ،وهنا انقلبوا إلى فضاء من التباغض والتشاحن ،وفي ذلك عقاب معنوي إضافي ينضم إلى صنوف العذاب الأخرى –أعاذنا الله من كل ذلك!-
ومن ثم كانت إضافة "أهل" في هذا الموضع أبلغ من إضافة "أصحاب".
وبناء على هذا يتضح أنه لا يمكن أن يقال عن اليهود والنصارى "أصحاب الكتاب" لأنهم لم يلازموا كتابهم و لم يحملوه بل ضيعوه وحرفوه .
ب-
هناك فرق دقيق بين إضافة الأهل وإضافة الأصحاب...
فالتبئير الدلالي في إضافة الأهل يقع على المضاف إليه ،و في إضافة الأصحاب يقع على المضاف-نعني بالتبئير ما قد يعادل النبر إلا أن التبئير ينتمي إلى عالم الدلالة فيما يكون النبر من عوارض الصوت-
إذا قلنا "أصحاب القلعة" يكون التشريف في حيز المضاف ..فأصحاب القلعة هم السادة والمالكون والقلعة مجرد شيء مملوك مهيمن عليه..وما قد تكتسيه من قيمة فمستمدة من أصحابها..
وإذا قلنا "أهل مكة" يكون التشريف في حيز المضاف إليه ،فمكة هي بؤرة الشرف والمجد، وأهلها يستمدون منها...ولا يصح في المقام أن يقال "أصحاب مكة" إلا أن يكون المراد المتمكنين فيها والمتحكمين في شؤونها..
وبناء على هذا الفرق يكون في "أهل الكتاب" دلالة على التشرف بالانتماء إليه..وسنفصل المعنى لاحقا عند الحديث عن مقصد الامتنان.
فلقد ذاع اليوم بين فقهاء العلم أن كل علم بمفاهيمه رهين: فالمفهوم الدقيق دليل على علم وثيق، والمفهوم العائم يشي بعلم غائم...وما الفرق بين "علم السياسة" و"علم الفزياء" إلا بمقدار ما تجد من تباين بين مفاهيم "الشعب " و"الدولة" و"الديموقراطية" من جهة، وبين مفاهيم "الكتلة" و"الطاقة" و"السرعة" من الجهة الأخرى...فلا جرم أن ينضبط المفهوم الفزيائي ويُتفق عليه بين أهله، فيما يتهلهل المفهوم السياسي حتى إن المستعمل الواحد إذا ذكره مرتين، فبمعنيين اثنين، فأنى تستقيم السياسة علما !
وعلى هذه القاعدة تتفاضل العلوم ،وعلى هذه القاعدة عينها سنحدثك عن شموخ القرآن:
لقد صنع القرآن العظيم جهازا كاملا من المفاهيم...وصاغ للدلالة عليها اصطلاحا في نهاية البلاغة، تشهد معها الإعجاز جليا في عالم التصور وفي عالم العبارة معا...
وقد اخترنا من بين مفاهيم القرآن مصطلح "أهل الكتاب" نموذجا للاشتغال عليه لاختبار ما ادعيناه من دلائل الإعجاز في هذا المضمار...
لقد بدا لنا أن هذا المصطلح يرمي إلى عدة مقاصد مجتمعة في وقت واحد..
وعلينا قبل فحصها مقصدا مقصدا أن نستبين -أولا -سر التعبير ب"الأهل" بدلا من "الأصحاب":
1-
لا تتزاحم الكلمتان في كل المواضع لاسيما في حالة إفراد "صاحب" اعتبارا لمعنى الجمع في" الأهل"، فلا يقال" أهل الحوت" في موضع" صاحب الحوت"...
كما لا تتزاحم في مواضع الدلالة على خصوص الصلة والقرابة فالفرق جلي بين أصحاب الرجل وأهله...
بيد أن الكلمتين في حالات من عموم النسبة تصحان معا، فيقال "أهل النار" و"أصحاب النار"، و"أهل المدينة "و"أصحاب المدينة"، و "أهل التقوى" و"أصحاب التقوى"، وغيرها كثير من ضمنها هذا المصطلح: "أهل الكتاب"....إذ يصح التوارد في الإضافة فيقال أيضا "أصحاب الكتاب".
لكن القرآن العظيم اطرد فيه الأول فقط، فتعين البحث عن سر الاطراد في "الأهل" وسر العدول عن" الصحب"...
أ-
الصحبة تعني الملازمة وليس كذلك"الأهل" ...
إن علاقة "الأهلية" قائمة في الحضور والغياب،في الرضى والغضب، في المودة والكراهة...
إن أهل الرجل أهله بقطع النظر عن الأحوال.. لكن الصحبة تنتهي بالانفصال كما قال موسى لصاحبه:
{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف : 76]
ولهذه النكتة جاء ذكر الداخلين الجنة والنار باسم "أصحاب الجنة" و"أصحاب النار" إشارة إلى عدم الانفكاك عن الدارين .فلو قال "أهل النار" لربما افترض الذهن إمكان الخروج ،لأن الانفكاك لا يلغي صفة "الأهلية" ..
ويستأنس بهذا المعنى ذكر الخلود مقترنا مع ذكر الصحبة - أحصينا خمسة عشر موضعا في التنزيل-
ولم يذكر "أهل النار" إلا في موضع واحد في سورة ص:
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص : 64]
وواضح أن الأمر يتعلق هنا بالشأن الداخلي للمجتمع الجهنمي فالخصومة والتنافر في أصحاب النار في مقابل المودة والأخوة عند أهل الجنة:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47]
إن الأهل عادة فضاء للأمن والتراحم ،وهنا انقلبوا إلى فضاء من التباغض والتشاحن ،وفي ذلك عقاب معنوي إضافي ينضم إلى صنوف العذاب الأخرى –أعاذنا الله من كل ذلك!-
ومن ثم كانت إضافة "أهل" في هذا الموضع أبلغ من إضافة "أصحاب".
وبناء على هذا يتضح أنه لا يمكن أن يقال عن اليهود والنصارى "أصحاب الكتاب" لأنهم لم يلازموا كتابهم و لم يحملوه بل ضيعوه وحرفوه .
ب-
هناك فرق دقيق بين إضافة الأهل وإضافة الأصحاب...
فالتبئير الدلالي في إضافة الأهل يقع على المضاف إليه ،و في إضافة الأصحاب يقع على المضاف-نعني بالتبئير ما قد يعادل النبر إلا أن التبئير ينتمي إلى عالم الدلالة فيما يكون النبر من عوارض الصوت-
إذا قلنا "أصحاب القلعة" يكون التشريف في حيز المضاف ..فأصحاب القلعة هم السادة والمالكون والقلعة مجرد شيء مملوك مهيمن عليه..وما قد تكتسيه من قيمة فمستمدة من أصحابها..
وإذا قلنا "أهل مكة" يكون التشريف في حيز المضاف إليه ،فمكة هي بؤرة الشرف والمجد، وأهلها يستمدون منها...ولا يصح في المقام أن يقال "أصحاب مكة" إلا أن يكون المراد المتمكنين فيها والمتحكمين في شؤونها..
وبناء على هذا الفرق يكون في "أهل الكتاب" دلالة على التشرف بالانتماء إليه..وسنفصل المعنى لاحقا عند الحديث عن مقصد الامتنان.