من أسرار الإعجاز في القرآن- فتق السموات والأرض بعد رتقهما

إنضم
14/02/2004
المشاركات
72
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
حلب
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار الإعجاز في القرآن [/align]

قال الله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }[ الأنبياء:30 ]

تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقتين، من حقائق هذا الكون، تدلان على إلاهيته، ووحدانيته سبحانه، وأنه لا مبدع، ولا خالق سواه :
الأولى تتعلق بوحدة الكون.
والثانية تتعلق بسر الحياة في هذا الكون الفسيح.
والكلام موجه لليهود؛ لأنهم المعنيون بها00 فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه0 ولهذا أنكر الله تعالى عليهم كفرهم بآياته، في أول الآية بقوله:{ أولم ير الذين كفروا }، ثم وبخهم على ذلك، في آخرها بقوله:{ أفلا يؤمنون }0 فجاء آخر الآية مطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفيهم ذلك دليلاً على الإيمان!!
أما الحقيقة الأولى فيشير إليها الشقُّ الأول من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما }0 أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما، ملتحمتين، أو ملتصقتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما0 أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
وقوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا } تقريرٌ لهم، يراد به الإنكار0 أما على قراءة من قرأَ:( ألم يرَ )، بغير واو، فيكون تقريرًا، يراد به التنبيه، والتذكير0
قال الزمخشري:” فإن قلت: متى رأوْهما رَتقًا، حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه واردٌ في القرآن، الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المَرئيِّ المشاهَد والثاني أن تلاصق الأرض والسماء، وتباينهما كلاهما جائزٌ في العقل0 فلا بدَّ للتباين دون التلاصق من مخصِّص؛ وهو القديم سبحانه “0
ومع ذلك فقد كفر بهذه الظاهرة الكونية الملاحدة والمشركون، ثم جاء العلم الحديث مؤيِّدًا لما أخبر الله تعالى به، حين أثبت بالأدلة العلمية القاطعة، أن الكون كله كان شيئاً واحداً متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سدائم0 وعالمنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات0 والسدائم جمع سديم، يراد به السحب، ويطلق فلكيًّا على مجموعة هائلة من النجوم0
ومما يؤيد هذا القول: أن العلماء استدلوا على أن الشمس تتألف من سبعة وستين عنصراً من عناصر الأرض0 وعناصر الأرض تبلغ اثنين وتسعين عنصراً، وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس، إذا ما ذللت الصعوبات، التي تقوم في هذا الشأن0 ومن هذه العناصر: الهيدروجين، والهليوم والكربون، والآزوت، والأوكسجين، والفسفور، والحديد00 الخ00 وقد استدل العلماء على كل ذلك بالتحليل الطيفي؛ وهو الذي يستدل به الكيمّاويون اليوم في معاملهم، على ما تحتويه المواد الأرضية من عناصر، يكشفون على نوعها وعن مقدارها0 فالعناصر، التي في الشمس هي عينها في الأرض0 والشمس نجم، يتمثل فيه سائر النجوم0 والنجوم هي الكون00 وهذا يعني: أن العناصر، التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة00 هذا من جهة0
ومن جهة أخرى فإن النيازك هي الأشياء الملموسة الوحيدة، التي حصل عليها العلم من الفضاء الخارجي0 فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعاً في الأرض هي العناصر الشائعة في النيازك الحجرية0
وأما الحقيقة الثانية- وهي سرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي }0 أي: أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ، وكوَّناه بقدرتنا00 وإنما قال تعالى:{ وجعلنا }، ولم يقل:{ خلقنا }؛ لأن( جعل ) لفظ عام في الأفعال0 ولمَّا كان قوله تعالى:{ كل شيء حي } مرادًا به عموم المخلوقات، ناسب التعبير عنه بفعل يدلُّ على العموم0
وقال تعالى- هنا:{ من الماء }، وقال في النور:{ والله خلق كل دابة من ماء } [ النور:45 ]، فعرف الماء في الأول، ونكَّره في الثاني00 أما تعريفه في الأول فلأن المعنى: أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس، الذي هو الماء0 فذكِر الماءُ- هنا- معرَّفًا بأل الجنسية؛ ليشمل أجناس المخلوقات المختلفة الأنواع0 وأما تنكيره في الثاني فلأن المعنى: أن الله سبحانه خلق كل دابة من نوع مخصوص من الماء؛ وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات، بحسب اختلاف نطفها: فمنها هوامٌ، ومنها ناسٌ، ومنها بهائمٌ
وتحرير الفرق بين القولين: أن الغرض من الأول إظهار الآية بأن أشياء متفقة في جنس الحياة، قد تكونت بالقدرة من جنس الماء المختلف الأنواع0 وأن الغرض من الثاني إظهار الآية بأن شيئًا واحدًا، قد تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة0
بقي أن تعلم أن قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي } من أبلغ ما جاء في القرآن الكريم، في تقرير هذه الحقيقة، التي أدرك العلماء أخيرًا سرّها00 فمعظم العمليات الكيماوية اللازمة للحياة والنمو، تحتاج إلى الماء؛ وهو العنصر الأساسي لاستمرار الحياة لجميع الكائنات والنباتات0 والماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، وله درجة ذوبان مرتفعة، ويبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن، وله حرارة تصعيد بالغة الارتفاع ، وهو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت، ويصونها من التقلبات العنيفة00 ولولا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الأرض للحياة إلى حد كبير0
وللماء خواص أخرى، تدل على أن مبدع الكون، قد صمَّمه بما يحقق صالح مخلوقاته0 فالماء هو المادة الوحيدة، التي تقل كثافتها، ويزيد حجمها عندما تتجمد00 ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة لحياة الأحياء المائية؛ إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد، وهو بطبيعة الحال الطبقة العليا، التي تتفاعل مع برودة الجو0 وبهذا الشكل فإن الجليد يطفو على سطح المياه، بدلاً من أن يغوص إلى قاع المحيطات والبحيرات والأنهار0 ويكوِّن الثلج طبقة عازلة، تحفظ الماء الذي تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد0 والماء يمتص كميات كبيرة من الأوكسجين، عندما تكون درجة حرارته منخفضة، وعندما يتجمّد الماء، تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة، تساعد على صِيانة حياة الأحياء التي تعيش في البحار من أسماك، وغيرها00 فما أعجبَ حكمة القرآن الكريم، الذي يبين بكلمات قليلة سرَّ الحياة على هذه الأرض!
محمد إسماعيل عتوك
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الكريم الفاضل "محمد إسماعيل عتوك" زاده الله من علمه ونفعه ونفعنا به

رغم أني قرأت مثل موضوعك سابقا ولكن نزولا عند رغبتك فقد قرأتُ ما دونته أناملك الكريمة
وليتك يا أخي حذفت بعض الاستدلالات الإنشائية وبعض الكلام البعيد عن مسألتنا لتكتمل فائدته
ولذا سأقف هنا مع أهم ما دونته أناملك الكريمة من كلمات تختص بموضوعنا الذي على هذا الرابط
http://tafsir.org/vb/showthread.php?s=&postid=6075

========

أولا :
قلت بارك الله فيك عن آية سورة الأنبياء ما نصه :
( ... والكلام موجه لليهود ؛ لأنهم المعنيون بها00 فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه ... )
وجوابي على كلامك كالتالي :
أخي الفاضل بما أنك بنيتَ جل كلامك على هذا الأصل
فليتك تلقي نظرة ولو عابرة على سورة الأنبياء من أولها إلى آخرها
ثم أخبرنا هل أصل خطابها كان متوجها للمشركين أم لليهود
وبعد جوابك سنكون إن شاء الله قطعنا شوطا كبيرا

========

ثانيا :
ما نقلته لنا من كلام الزمخشري رحمه الله فإنه يستحق وقفة فقد قال :
( ... فإن قلت: متى رأوْهما رَتقًا، حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه واردٌ في القرآن، الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المَرئيِّ المشاهَد ... )

وجوابي على كلامه كالتالي :
1- كلامه يدل فعلا أن الأمر غيبي "وهذا محل نزاعنا " فلا يستدل بغيب على غيب ... فليتك تتأمل ذلك بارك الله فيك .
ثانيا : لو صح كلامه رحمه الله لانسحب على كل الأدلة العقلية التي تثبت أمورا غيبية كالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل ....
فأصبح ذكر أدلتها العقلية دون كبير فائدة ، فبما أنها واردة في القرآن وقائمة مقام المرئي المشاهد فما الفائدة من ذكر أدلتها العقلية المحسوسة ؟!

=========

ثالثا :
قلت بارك الله فيك ما نصه :
( ... أن تلاصق الأرض والسماء، وتباينهما كلاهما جائزٌ في العقل ... )
وجوابي على كلامك كالتالي :
أخي الكريم نحن لا نتكلم عن التباين أو التلاصق من جهة جوازه عقلا
ولكن نتكلم عن " ثبوت " ذلك الأصل لنستدل به على أمر غيبي آخر فنحج الكافر
فالبعث جائز عقلا ولكن استدل الله على ثبوته بأدلة عقلية
وكل الأمور الغيبية كذلك
فهناك فرق بين الجائز وبين الثابت أمام الناس
فالأصل الذي يراه الكافر الآن هو تباين السماء عن الأرض
بينما التلاصق هو الذي يحتاج إلى إثبات ثم نجعله مقدمة عقلية لما نود إثباته
وبما أن التلاصق شيء غير ثابت _ وإن كان يجوز عقلا _ فلا يمكن أن نستدل بشيء غير ثابت لنثبت شيئا غيبيا

=========

هذا ما عندي
والله أعلم وأحكم وأخبر وأجل
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً- أنا لم أكتب هذا المقال يا أخي جوابًا عن مسألتك التي تعنيك؛ بل كتبته لأتحدث فيه عن حقيقتين من حقائق هذا الكون، تدلان على إلاهية الله تعالى، ووحدانيته، وهما موضوع الآية الكريمة المذكورة00 فكان ينبغي عليك أن تبحث فيه عما يخص مسألتك فقط0
ثانيًا- كنت أود لو أنك ذكرت الاستدلالات الإنشائية التي تمنيت عليَّ حذفها0 ثم تبين لي ما الاستدلالات غير الإنشائية، التي تراها مناسبة، وأظن أنك تقدر على ذلك، لأنك تقول أنك قرأت كثيرًا مثل هذا المقال0 ولكنني أتساءل: ألم تجد في كل ما قرأت جوابًا شافيًا عن سؤالك؟
ثالثًا- إذا كان اليهود هم المعنيون بذلك؛ لأن الآية الكريمة نزلت فيهم، فهذا لا يعني أنهم هم المقصودون وحدهم؛ لأن الكلام في الآية الكريمة موجه إلى الذين كفروا في كل زمان وفي كل مكان، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها0 فالذين كفروا لفظ عام يدل على العموم والشمول0 وهذا هو الأصل الذي بنيت عليه كلامي0
رابعًا- إن ما نقلته في ردك: ثالثًا، ونسبته إليَّ ، هو من كلام الزمخشري، وهو الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما0 وإني لأعجب من قولك: لا يستدل بغيب على غيب، ردًا على أن ما ورد في القرآن الكريم الذي هو معجز في نفسه، يقوم مقام المرئي المشاهد0 هل هذا كل ما فهمته من هذا القول؟ سامحك الله!
ولست أدري أي ضير في قول الزمخشري: إن تلاصق الأرض والسماء، وتباينهما كلاهما جائز عقلاً0 أليس هذا من الأدلة العقلية؟ هل سمعت بعلم يرفض شيئًا، يجوزه العقل الصحيح؟ هل كل ما جاء به القرآن الكريم من معجزات كان مثبتًا علميًا؟
خامسًا- إن ما ذكرته لك من آيات قرآنية في ردي على مقالك( إشكال حول جمع السموات ) الموجود على الرابط الذي ذكرته كاف لأن يجعلك تتأمل فيها كثيرًا قبل أن ترد عليَّ بجوابك هذا0 تريث يا أخي، ولا تتعجل0 لا تأخذ بعض الكلام وتترك بعضه الآخر لتبني عليه حجة تؤيد بها رأيك0 فالأمر لا يحتاج منا إلى كل هذا الجدل الذي لا ينفع، ولا يغني من الحق شيئًا00 ولا يسعني في الختام إلا أن أدعو الله تعالى لي ولك بالعفو والعافية!

أخوكم
محمد إسماعيل عتوك
 
أخي الكريم سأسلم عليك مرة أخرى فلعلك ترد علي السلام هذه المرة ويكون نقاشك أهدأ قليلا
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا : يا أخي الكريم يا أخي الفاضل يا أخي الحبيب أنتَ الذي أحلتنا على موضوعك وذكرت لنا ارتباطه بمسألتنا ، ثم الآن تقول أن موضوعك هذا ليس له علاقة بمسألتنا !

ثانيا :قد فعلتُ ما طلبته مني من تدوين النقاط الغير إنشائية وعلقت عليها بعلمي القاصر
بل إن شئتَ فخذ هذه الجملة التي وردت في ردك الأخير والتي تدل على الكلام الإنشائي فتأمل قولك :
( .. إذا كان اليهود هم المعنيون بذلك؛ لأن الآية الكريمة نزلت فيهم، فهذا لا يعني أنهم هم المقصودون وحدهم ..)
فأنت تستدل بموضع السؤال ومكان النزاع ثم تطلب منا أن نبني عليه وكأن الأمر متفق عليه دون إثبات دلائلي لتلك النقطة !
فهل "الأصل" في الآية _ بله عن السورة _ أن خطابها متوجه لليهود أم للمشركين ؟
أفدنا بارك الله فيك


ثالثا : يا أخي الفاضل في المسألة ثلاث أقوال :
1- أن الرتق والفتق بين السموات والأرض
2- أن الرتق والفتق هو ماء السماء ونبات الأرض
3-أن الرتق والفتق يشمل المعنيين

وأنا لم أتحيز إلى أي الأقوال يا أخي بل كل قول رأيت فيه مانعا من الأخذ به فأتيت هنا لأناقش إخواني فيها
فكيف يا أخي _ عفا الله عنك _ تتهمني بأني أنتصر لأحد الآراء وأني آخذ بعض الكلام وأترك بعضه ؟!!

رابعا : ليتك يا أخي في نقطتك الرابعة لم تتهمني اتهاما مبطنا في فهمي
أما عن قول الزمخشري رحمه الله فقد أجبتك عليه
وسأكرر لك الإجابة على نقطة الفرق بين الجائز والاثبات
فأنا لا أمنع جواز الشيء عقلا ولكني أتكلم عن "إثباته" وضربت لك مثالا بالبعث فعلى الرغم من جوازه عقلا فهو يحتاج إلى إثبات وهذا ما فعله القرآن مع الكفار كثيرا
فليتك تأملت قبل أن ترد علي _ بارك الله فيك _

ختاما :
ما يختص ببعض كلماتك فإني سأتجاوز الرد عليها حفاظا على اخوتنا والاستفادة منك مستقبلا ونصيحتي لك يا أخي أن لا تكون حاد النقاش هكذا حتى يمكن أن يتبادل الجميع معك الفائدة

أما هذا الموضوع فبما أنك ذكرتَ أن نقاشنا قاد للجدل فأنا أستغفر الله وأعتذر إليك عن إكمال الحوار
ولعل الله أن يرزقك خيرا مني خلقا وعلما يستطيع إكمال الحوار معك

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على من اتبع الهدى

أما بعد00 فهذا تعقيب أود أن أضيفه على مقالي المذكور أعلاه0
أولاً- قوله تعالى:{ ألم تر، ألم ير } استفهام يراد به التقرير، والتنبيه، أو التذكير0 والمراد بالتقرير حمل المخاطب، أو السامع على الإقرار بأمر رآه، أو علم به، والتسليم به0 وأكثر ما يراد به المعنى الثاني00 فمن الأول قوله تعالى:{ ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل }[ الفرقان:45 ]0 ومن الثاني قوله تعالى:{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }[ البقرة:273 ]0
وتدخل الواو، والفاء بين( الهمزة، ولم )؛ لتدل الأولى إضافة إلى ما ذكرناه معنى الإنكار، وتضيف الثانية إليه معنى التوبيخ00 فمن الأول قوله تعالى في الآية السابقة:{ أولم ير الذين كفروا }[ الأنبياء:30 ]0 ومن الثاني قوله تعالى:{ أفلم يروا إلى ما بين أبديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب }[ سبأ:9 ]0
ومثل ( أفلم ) في ذلك ( أفلا )0 ولهذا قلنا في المقال السابق: أنكر الله تعالى على الذين كفروا كفرهم بآياته، في أول الآية بقوله:{ أولم ير الذين كفروا }، ثم وبخهم عليه، في آخرها بقوله:{ أفلا يؤمنون }0
ثانيًا- قوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناها } موجه لكل كافر مشرك بالله، ما دام على كفره وشركه، إلى يوم القيامة، ويدخل في عمومه اليهود؛ لأنهم هم الذين كاتوا يعلمون هذه الحقيقة الكونية، وينكرونها، ومعهم النصارى00 وهذا ليس كلامًا إنشائيًا نقوله0 وإلى نحوه ذهب الفخر الرازي في قوله:( اليهود، والنصارى كانوا عالمين بذلك؛ فإنه جاء في التوراة: إن الله تعالى خلق جوهرة، ثم نظر إليها بعين الهيبة، فصارت ماء، ثم خلق السموات، والأرض منها، وفتق بينها00 وكان بين عبدة الأوثان، وبين اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم، فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون قول اليهود في ذلك )0
هذا المعنى الذي ذكرناه في تفسير الآية الكريمة هو أحد خمسة أقوال ذكرها علماء التفسير في تأويلها، وهو المعنى الذي قدمه الفخر الرازي على كل تلك الأقوال كلها، وهو المعنى الذي أثبته العلم الحديث0 فكل علماء الإعجاز العلمي، مسلمين، وغير مسلمين اتفقوا على إثبات هذه الحقيقة العلمية، التي أخبر الله تعالى عنها في هذه الآية الكريمة منذ آلاف السنين0 ثم بعد هذا كله نضيع أوقاتنا في جدل عقيم، لا يجدي، ولا ينفع؛ لنثبت للآية معنى آخر غير هذا المعنى، الذي أيده العلم الحديث، وأقرَّه علماء الإعجاز العلمي0 وأقصد المعنى الذي قال به أكثر علماء التفسير قديمًا؛ وهو قولهم: كانت السماء رتقًا، ففتقها الله تعالى بالمطر، وكانت الأرض رتقًا، ففتقها الله تعالى بالنبات0 وحجتهم : أن لهذه الآية نظائر في القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى:{ والسماء ذات الرجع* والأرض ذات الصدع } [ الطارق:11- 12 ]0 ولهذا قال الله تعالى بعد ذلك:{ وجعلنا من الماء كل شيء }0 أي: من الماء المنزل من السماء بعد فتقها00 ولما اعترضهم مجيء لفظ( السموات ) بالجمع، تأولوه بالمفرد؛ لأنهم يعلمون أن المطر لا ينزل من السموات كلها؛ وإنما ينزل من سماء واحدة0 ولهذا قالوا: إن الله تعالى قال:( السموات )؛ وهو يريد: السماء0
فإذا كان مراد الله تعالى من الآية هذا الذي زعموه، فلم قال: السموات، ولم يقل: السماء، فينتظم بذلك الكلام: السماء والأرض كانت رتقًا؟ ثم ما الفائدة من مجيء لفظ السموات بالجمع، إذا كان المراد به المفرد؟ لا جواب عندهم غير قولهم: قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع؛ لأن كل قطعة منها سماء؛ كما يقال: ثوب أخلاق، وبرمة أعشار00 فتأمل!
وأكتفي بهذا القدر00 فمن طلب المزيد من الإخوة القراء، فليرجع إلى المقال، الذي تحدثت فيه عن سر الإعجاز البياني قي مجيء لفظ السموات بالجمع تارة، ويالمفرد تارة أخرى، خلافًا للفظ الأرض0 وأسأل الله تعالى أن يلهمنا صواب القول، ويجنبنا زلة اللسان0 والحمد لله رب العالمين0
محمد إسماعيل عتوك
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أظن أن النقاش في مثل هذه المسألة ليس من باب الجدل العقيم الذي لا يجدي ولا ينفع ؛ هذا أولاً

وثانياً : أنا إلى الآن لم يترجح لدي قول من الأقوال المذكورة في تفسير الآية ، يلزم من ترجيحي له إسقاط الأقول الأخرى ، وخاصة إذا كان لها شواهد تدل عليها .

ثالثاً : تعليقاً على قول الأستاذ محمد إسماعيل وفقه الله :( لا جواب عندهم غير قولهم: قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع؛ لأن كل قطعة منها سماء؛ كما يقال: ثوب أخلاق، وبرمة أعشار فتأمل! )
أقول : ليس هذا هو الجواب الوحيد عن هذا الإشكال ؛ فقد قال شيخ المفسرين الطبري رحمه الله بعد ذكره للأقوال المأثورة في تفسير الآية :
( قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لـم ير الذي كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا من الـمطر والنبـات، ففتقنا السماء بـالغيث والأرض بـالنبـات.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي ذلك لدلالة قوله: { وجَعَلْنا مِنَ الـماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ } علـى ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لـم يعقب ذلك بوصف الـماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبـابه.

فإن قال قائل: فإن كان ذلك كذلك، فكيف قـيـل: أو لـم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا، والغيث إنـما ينزل من السماء الدنـيا؟ قـيـل: إن ذلك مختلف فـيه، قد قال قوم: إنـما ينزل من السماء السابعة، وقال آخرون: من السماء الرابعة، ولو كان ذلك أيضا كما ذكرت من أنه ينزل من السماء الدنـيا، لـم يكن فـي قوله: { أنّ السَّمَوَاتِ والأرْضَ } دلـيـل علـى خلاف ما قلنا، لأنه لا يـمتنع أن يقال «السموات» والـمراد منها واحدة فتـجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال: ثوب أخلاق، وقميص أسمال.) انتهى .
وفي تفسير روح المعاني للألوسي : ( والجمع باعتبارالآفاق ، أو من باب ثوب أخلاق، وقيل هو على ظاهره ولكل من السموات مدخل في المطر. )


وأخيراً : مسألة رد الأقوال المأثورة عن السلف بما يسمى : دلالة العلم الحديث مسألة فيها خطورة ، وهي مزلة قدم إذا لم تضبط بضوابط علمية .

وللحديث عن القضية الأخيرة تتمة إن شاء الله
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً- يقول أخي أبو مجاهد العبيدي في الفقرة( ثالثاً ) من تعليقه:
( تعليقاً على قول الأستاذ محمد إسماعيل وفقه الله :( لا جواب عندهم غير قولهم: قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع؛ لأن كل قطعة منها سماء؛ كما يقال: ثوب أخلاق، وبرمة أعشار فتأمل )
أقول : ليس هذا هو الجواب الوحيد عن هذا الإشكال ؛ فقد قال شيخ المفسرين الطبري رحمه الله بعد ذكره للأقوال المأثورة في تفسير الآية:
قال أبو جعفر:( وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لـم ير الذي كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا من الـمطر والنبـات، ففتقنا السماء بـالغيث والأرض بـالنبـات.
وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي ذلك لدلالة قوله: { وجَعَلْنا مِنَ الـماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ } علـى ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لـم يعقب ذلك بوصف الـماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبـابه.
فإن قال قائل: فإن كان ذلك كذلك، فكيف قـيـل: أو لـم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا، والغيث إنـما ينزل من السماء الدنـيا؟ قـيـل: إن ذلك مختلف فـيه، قد قال قوم: إنـما ينزل من السماء السابعة، وقال آخرون: من السماء الرابعة، ولو كان ذلك أيضا كما ذكرت من أنه ينزل من السماء الدنـيا، لـم يكن فـي قوله: { أنّ السَّمَوَاتِ والأرْضَ } دلـيـل علـى خلاف ما قلنا، لأنه لا يـمتنع أن يقال «السموات» والـمراد منها واحدة فتـجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال: ثوب أخلاق، وقميص أسمال.) انتهى .
هذا ما قاله أخي أبو مجاهد0
وقولي كما هو مثبت في مقالي السابق تعليقًا على هذه المسألة الآتي:( وحجتهم : أن لهذه الآية نظائر في القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى:{ والسماء ذات الرجع* والأرض ذات الصدع } [ الطارق:11- 12 ]0 ولهذا قال الله تعالى بعد ذلك: { وجعلنا من الماء كل شيء }0 أي: من الماء المنزل من السماء بعد فتقها )0
ثم قلت:
( ولما اعترضهم مجيء لفظ( السموات ) بالجمع، تأولوه بالمفرد؛ لأنهم يعلمون أن المطر لا ينزل من السموات كلها؛ وإنما ينزل من سماء واحدة0 ولهذا قالوا: إن الله تعالى قال:( السموات )؛ وهو يريد: السماء )0
فهل ما قاله أبو مجاهد مطابق لما قلته أنا00 وإذا لم بكن كذلك- كما هو واضح- فلم نأخذ بعض الكلام، ونترك بعضه الآخر؟
ثانيًا- عندما يقول الطبري شيخ المفسرين: ( وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال:00 فألا يعني هذا أن الطبري أسقط الأقوال الأخرى لأئمة الصحابة في تفسير هذه الآية، ولا حجة له في ذلك غير الذي ذكره من أدلة؟ وهل هذه الأدلة- إن صحت- كافية لإثبات قول، وإسقاط الأقوال الأخرى؟ أم الأدلة العلمية القطعية هي التي تحكم، فتثبت، وتنفي؟
الله تعالى يقول:{ ألم تر أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما }، وهم يقولون في تأويله:( ألم تر أن السماء والأرض كانتا رتقين، ففتقناهما }0
لقد قلت في مقالي السابق:( إذا كان المراد بالسموات: السماء، فلم لم يقل سبحانه وتعالى: ألم تر أن السماء والأرض، كما قال في غيرها من الآيات؟ وأقول هنا:( إذا كان المراد بقوله تعالى:( رتقًا ): رتقين- كما قالوا- فلم لم يقل سبحانه:( ألم تر أن السموات والأرض كانت رتقين ففتقناهما )؟ ثم ما الحكمة من أن الله تعالى قال شيئًا، وأراد شيئًا آخر، كما قالوا؟
الله تعالى عندما يقول شيئًا فهو جل جلاله يعني ما يقول، وما على الذين يعرفون جوهر الكلام، ويدركون أسرار البيان إلا يتدبروا قول الله تعالى، ويتأولوه التأويل الصحيح00 الله تعالى عندما بأتي بلفظ السموات بالجمع؛ فإنما يريد التعبير عن حقيقة هذه السموات، وماهيتها، وعندما يأتي بلفظ السماء مفردًا؛ فإنما يريد التعبير عن صفة هذه السماء0 أما الأرض، فإذا ذكرت مع لفظ السموات، كان المراد منها الجمع، وإذا ذكرت مع لفظ السماء، كان المراد منها المفرد0 وهذا ما بينته في مقالي( سر مجيء لفظ السموات، بالجمع، وبالمفرد، خلافًا للفظ الأرض )0

الله تعالى يقول:( ألم تر أن السموات والأرض )0 فجمع بين السموات والأرض بواو العطف الجامعة، ثم قال:( كانتا رتقًا )، فدل بذلك على أنهما كانتا شيئين ملتصقين ببعضهما0 ثم قال سبحانه:( ففتقناهما }، فجاء بلفظ الفتق الذي يدل على الفصل بين شيئين كانا ملتصقين00 فهل كانت السماء ملتصقة بالمطر، ففتقهما الله تعالى؟ وهل كانت الأرض ملتصقة بالنبات، ففتقهما الله تعالى؟
لقد جاء العلم الحديث وأثبت بأدلة قاطعة، لا رجعة فيها- كما يقول الأستاذ الكبير زغلول النجار- ما أراده الله تعالى من هذه الآية الكريمة، وهو المعنى الذي رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما- وقاله الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير، رضي الله تعالى عنهم0
وقد قلت لأخي أبي مجاهد العبيدي في رسالة خاصة أجبت بها عن رسالته:( أما عن موضوع الآية يا أخي فقد اختلف في تفسيرها المفسرون، ونقلوا عن الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- فيها أقوالاً متضاربة، ثم جاء العلم الحديث، وقال كلمته فيها، وفي غيرها من الآيات الكونية، فحسم بذلك الخلاف منتصرًا للمعنى الذي ذكرته0 فما حسمه العلم، لا ينبغي العودة إليه، ولا يحق لأحد أن يخالف قولاً قال به بعض السلف، وأيد ه العلم، فضلاً عن اللغة العربية0
فالقول الذي ذكرته أنا في الآية ليس هو قولي، ولم أبتدعه من بنات أفكاري، إنه مرويٌّ أيضًا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وعن الحسن، وقتادة، وسعيد بن جبير00 وهذا مذكور في معظم كتب التفاسير0 وهذا القول- كما ذكر الفخر الرازي- يوجب أن خلق الأرض مقدَّم على خلق السماء، وهذا ما قاله ابن عباس أيضًا، وأثبته العلم الحديث أيضًا0
فإذا كنت قد أخذت بهذا القول، فلا يعني هذا أنني أخالف السلف؛ وإنما يعني أنني آخذ ما صح، وثبت من أقوالهم، واللغة تؤيدني، والعلم يؤيدني )0
ثم بعد هذا كله يرد علي أخي أبو مجاهد برده السابق، ثم يقول:( وأخيراً : مسألة رد الأقوال المأثورة عن السلف بما يسمى: دلالة العلم الحديث مسألة فيها خطورة ، وهي مزلة قدم إذا لم تضبط بضوابط علمية )0
ألا ترى يا أخي أبا مجاهد بعد هذا كله أن كثرة ما يقال، ويعاد في هذه الآية، وغيرها من الآيات الكونية، التي حسم العلم فيها الخلاف بأدلة علمية صحيحة، لا رجعة فيها- كما قال أستاذنا زغلول النجار- هو من الجدل العقيم، خلافًا لقولك في مقدمة تعليقك السابق:( أظن أن النقاش في مثل هذه المسألة ليس من باب الجدل العقيم الذي لا يجدي ولا ينفع )؟؟؟!!!0
ثم إذا كنت بعد كل هذا الذي قيل في الآية الكريمة- كما تقول في تعليقك السابق:( أنا إلى الآن لم يترجح لدي قول من الأقوال المذكورة في تفسير الآية ، يلزم من ترجيحي له إسقاط الأقوال الأخرى ، وخاصة إذا كان لها شواهد تدل عليها )- فإنني أقول لك يا أخي هذا رأيك، وشأنك00 أما أنا فليس عندي ما أضيفه على ما قلت، وليست عندي الرغبة في تكرار، وإعادة ما قلت أكثر من ذلك00 وأسأل الله تعالى لي ولك ولجميع المؤمنين العفو والعافية، في الدين والدنيا والآخرة، والعصمة والسداد0 والله حسبي عليه توكلت، وإليه أنيب، والحمد لله رب العالمين0

محمد إسماعيل عتوك
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إشارة إلى ما تقدم من أقوالي التي ذكرتها في هذه المسألة الخلافية أقول:
قال الله جل جلاله:
{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد* ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب* فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب* ومن الليل فسبحه وأدبار السجود }-[ق:37- 40] صدق الله العظيم
 
شكر الله للأستاذ الكريم محمد إسماعيل مقالته . وشكر الله لبقية الإخوة التعقيب والمشاركة ، وقد استفدنا كثيراً معشر التلاميذ من هذا الحوار العلمي الوقور ، وأرجو أن تؤخذ الآراء وتناقش بعيداً عما قد يفسد على القارئ متعته العقلية وهو يتابع مثل هذه الحوارات ، فإن في مثل هذه الحوارات من الفوائد فوق العلم الذي تحرره ، وتناقشه ، أن القارئ يرى كيف يفكر الناس ، وكيف تورد الأدلة وكيف يرد عليها ، مع الأدب الجم ، والوقار التام ولله الحمد ، وفي هذا تدريب عملي للطلاب على مثل ذلك. ولا تزال مسائل العلم يدور حولها الأخذ والرد ، لاختلاف مشارب الناس ، وتنوع معارفهم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
أرى أن الموضوع كله خلاف ما نظن ونكتب.... والله أعلم..

فلو تجردنا... فلنا بحق أن نقول: إن "الفتق" لا يتفق مع ما نتحدث عنه من "الانفجار"!!!

واسألوا إن شئتم أهل اللغة جميعا!!

الفتق شيء, والفجر شيء....

إن الأمر أعظم من هذا بكثير.... ولتعلمن نبأه بعد حين....

فالسؤال الاوجب, لم "الفتق"!!!!
والارض بجنب السموات لا شيء قياسا....

لم يفتقها الحكيم لا اله الا هو؟؟؟
ثم يقبضها ويطوي السموات؟؟؟؟

أشهد الا إله الا الله..................................................
 
قرأت كلاماً جيداً للأستاذ محمد الصادق محمد عرجون في كتابه القيّم القرآن العظيم – هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين .
فقد ذكر أن الأستاذ المراغي رحمه الله قرر في تفسير قول الله تعالى : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } (لقمان:10) أن الكتاب الكريم – القرآن – قرر أن الأرض كانت جزءا من السماوات وانفصلت عنها . قال المراغي : ( وهذا الذي قرره الكتاب الكريم هو الذي دل عليه العلم ...) اهـ
قال محمد الصادق تعليقاً على قول المراغي : ( أما أن العلماء قالوا ذلك فلا حرج علينا أن ننظر فيما قالوا ...
وأما أن الكتاب الكريم قرر – هكذا بصيغة الجزم والإيمان – فهذا ما كان ينبغي للأستاذ أن يتحرز من التصريح الجازم به ؛ لأنه يناقض مبدأه في عدم تأويل القرآن ليرجع إلى بعض النظريات العلمية .
ثم قد يتساءل قارئ هذا الكلام : أين قرر القرآن أن الأرض كانت جزءا من السماوات وانفصلت عنها ؟ والمفروض أن المعنى " قرر" أنه نص على ذلك نصاً لا يحتمل التأويل ؟
وفي القرآن آية واحدة هي التي يتشبث بها أصحاب هذه النظرية الانفصالية ، تلك هي قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } (الانبياء:30) . وهذه الآية قرأها المؤمنون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفهمها من فهمها قبل أن تظهر هذه النظرية الانفصالية . ومن لم يفهمها لم يسكت على جهله ، ولكنه سأل أهل الذكر . وفسرها الحبر ابن عباس في رواية صحيحة النقل عنه . روى أبو تعيم عن ابن عمر أن رجلاً أتاه يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما. قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله، ثم تعال فأخبرني بما قال لك، قال: فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس: نعم كانت السماوات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلاً فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علماً، صدق هكذا كانت، قال ابن عمر: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن علمت أنه قد أوتى في القرآن علماً.
فما الذي يدعو إلى عدم صحة هذا التفسير ؟ وما الذي يدعو إلى استبعاد احتمال الآية له ، إن لم يكن هو المعنى القريب للآية ؟!
فلو أن الشيخ رحمه الله قرر أن أسلوب الآية صالح لفهم ما يقرره العلم الصحيح ، مع صلاحيته لفهم ما قرره أئمتنا في معنى الآية لكان ذلك أنسب بمقامه العلمي بين أئمة المسلمين ، ولكان أنسب برأيه الذي قرره صراحة في تجنيب القرآن التأويل الذي يعرضه للهزات التي استحدثها العلم .
فالقرآن لم يقرر أبدا النظية الانفصالية بين الشمس والقمر ، ولكنه وهو في أفقه الأعلى من براعة البيان المعجز تحدث عن السماوات والأرض في صدد بيان جلال القدرة الإلهية حديثاً صبه في إطار لا يناقض علماً ثبت أو يثبت ثبوتاً لا يخالجه ريب ، ولا تتوارد عليه الشبه والشكوك . على أن المتتبع لحديث القرآن عن السماوات والأرض يراه يذكر الأرض في مقابلة السماوات بصورة تدل بفحواها – إن لم يكن بظاهرها – على استقلال الأرض في خلقها كوكباً تعيش عليه الحياة الخاصة به بمن عليه وما عليه وما فيه من الموجودات ، بل إن القرآن ينفسح لأكثر من هذه في دلالة ظاهرة على استقلال خلق الأرض عن السماوات ، فهو يقول في سورة فصلت : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } (فصلت:9- 12)
فهذه الآيات الكريمة ظاهرة الدلالة على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات ، وجعلت فيها الجبال الرواسي لحفظها أن تميد فتختل الحياة فوقها ....ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى السموات ذكراً مستقلاً بحرف يفيد عند أهل اللغة الوجود المتراخي لتقريب مراتب الخلق لعقول الخلق التي لا تدرك إلا ما عرفت وما ألفت وما يصح قياسه على المعروف لها المألوف .....
فنظرية انفصال الأرض عن الشمس لم يقررها القرآن الحكيم ؛ فلا تصلح تفسيراً لآياته على أنه المعنى الذي يتحتم في فهم تعبير البيان القرآني .
ولو أن الناظرين في هداية القرآن أمعنوا النظر في مقاصد هذه الهداية لوجدوا أن تفسير رتق السماوات والأرض وفتقهما بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وتلقاه الأئمة بالرضا والقبول أقرب إلى تحقيق تلك المقاصد ؛ لأنه المعنى الذي يفهمه كل من يتجه إليه بنظر الحس والعقل من عامة الناس وخاصتهم .
وتفسير رتق السماوات والأرض بنظرية الانفصال الشمسي التي قال بها العلم المستحدث بعيد عن مقاصد الهداية القرآنية ، لا يفهمه من أسلوب البيان القرآني إلا من قصده متأولاً ، ولا يفهمه علمياً إلا أخص الخاصة من العلماء الكونيين ، والقرآن لم ينزل بهدايته لهؤلاء العلمانيين [ هكذا في الكتاب الذي نقلت منه ] وحدهم ، وإنما نزل لهداية كافة البشرية على مستويات عقولهم وثقافاتهم .) انتهى مختصراً ص246-250
 
بسم الله الرحمن الرحيم

تعقيبًا على ما ذكره الأخ الفاضل أبو مجاهد العبيدي أقول وبالله المستعان:

1- إذا كان أبو نعيم قد روى عن ابن عمر عن رجل عن ابن عباس- رضي الله عنهما- الرواية السابقة في تفسير قوله تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ }(الانبياء:30)- كما ذكر الأستاذ محمد الصادق محمد عرجون في رده على الأستاذ المراغي- فإن ابن عباس- رضي الله عنهما- قد قال في رواية عكرمة، والحسن البصري، وقتادة، وسعيد بن جبير:( كانتا شيئًا واحدًا ملتزقين، ففصل الله تعالى بينهما، ورفع السماء إلى حيث هي، وأقر الأرض ). وهذا مذكور في معظم كتب التفسير، وقد أشرت إليه في تعقيبي على مقالي السابق.
2- أليس عكرمة، والحسن البصري، وقتادة، وسعيد ابن جبير، الذين يروون هذه الرواية عن ابن عباس- رضي الله عنهما- من المؤمنين، الذين قرؤوا الآية الكريمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهموا منها هذا الذي فهموه؟ أم أنهم ليسوا من المؤمنين؟ أم أن ابن عباس هذا الذي يروون عنه هو غير ابن عباس، الذي رويت عنه الرواية الأولى؟ أم أن الرجل الذي أرسله ابن عمر إلى ابن عباس، وأخبره بما أخبره أصدق رواية من هؤلاء؟
3- إن ما قاله الأستاذ محمد عرجون متسائلاً:( فما الذي يدعو إلى عدم صحة هذا التفسير؟ وما الذي يدعو إلى استبعاد احتمال الآية له، إن لم يكن هو المعنى القريب للآية ؟! )، ألا يمكن أن يقال مثله في الرواية الثانية؟
4- يقول الأستاذ محمد عرجون:( وتفسير رتق السماوات والأرض بنظرية الانفصال الشمسي التي قال بها العلم المستحدث بعيد عن مقاصد الهداية القرآنية، لا يفهمه من أسلوب البيان القرآني إلا من قصده متأولاً، ولا يفهمه علمياً إلا أخص الخاصة من العلماء الكونيين، والقرآن لم ينزل بهدايته لهؤلاء العلمانيين[هكذا في الكتاب الذي نقلت منه] وحدهم، وإنما نزل لهداية كافة البشرية على مستويات عقولهم وثقافاتهم ).
أقول: هل قول الأستاذ محمد عرجون هذا ينطبق على عكرمة، والحسن البصري، وقتادة، وسعيد ابن جبير، الذين رووا عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهم جميعًا- أن السموات والأرض ( كانتا شيئًا واحدًا ملتزقين، ففصل الله تعالى بينهما، ورفع السماء إلى حيث هي، وأقر الأرض ) ؟ وهل يعَّد هؤلاء في نظره الأستاذ عرجون من العلماء الكونيين، أو من العلمانيين الذين قالوا بنظرية الانفصال الشمسي؟
5- ثم هل خلُقُ السموات والأرض- على ما فسر به الأستاذ عرجون آيات فصلت، التي استدل بها على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات- قد تم في ستة أيام، أم تمَّ في ثمانية أيام؟
ليت الأخ أبو مجاهد- وفقه الله- يجيبني عن هذه التساؤلات مشكورًا.
 
الأستاذ الكبير محمد إسماعيل عتوك : حياك الله

الأستاذ الكبير محمد إسماعيل عتوك : حياك الله

بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

أولاً - أرحب بك شيخنا محمد إسماعيل ، وقد أسعدني مرورك وتعليقك . [ وقد كان من أهداف كتابتي للتعليق السابق الحرص على دعوتك للمشاركة مرة أخرى بعد طول غياب ] فمرحباً بك مجدداً .

ثانياً - نقلي لما كتبه الشيخ محمد الصادق محمد عرجون لا يعني بالضرورة موافقتي له .

ثالثاً - لما ذكرتَ - وفقك الله - الروايات الأخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما دفعني ذلك للبحث عن أي الروايات أصح وأثبت عنه ، فرجعت إلى التفسير الصحيح الذي جمعه الدكتور حكمت بن بشير ياسين فوجدته قد اقتصر على ذكر روايتين في تفسير الرتق والفتق ، وهما :

1- ما أخرجه الطبري عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس، قوله: أوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ السَمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا يقول: ملتصقتين. وحسن إسنادها .
2- ما أخرجه الطبري كذلك عن قتادة: أنَّ السَّمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا فَفَتَقْناهُما قال: كان الحسن وقَتادة يقولان: كانتا جميعا، ففصل الله بينهما بهذا الهواء.
وحسن إسناده أيضاً .

وأما أثر ابن عمر وابن عباس السابق الذي اعتمده محمد الصادق عرجون فلم أجد من صححه ، وقد ذكره ابن كثير وعزاه إلى ابن أبي حاتم . وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عنه رضي الله عنه في قوله: {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـٰهُمَا} قال: فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات. كما في الدر المنثور .

رابعاً - على فرض ثبوت القولين عنه فإن المسلك الأول من مسالك النظر فيهما هو محاولة الجمع بين قوليه ، وهو ما أميل إليه ، ويكون تفسير الآية بناء على الجمع بين القولين كالتالي : ( ألم يروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً أي كان الجميع متصلاً بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه، فجعل السماوات سبعاً، والأرض سبعاً، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض ) وهذا ما ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية .

خامساً : إذا كان لا بد من المفاضلة بين القولين ؛ فالأمر كما قال الشنقيطي رحمه الله بعد ذكره للأقوال الخمسة في تفسير الآية : ( فإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه الآية، فاعلم أن القول الثالث منها وهو كونهما كانتا رتقاً بمعنى أن السماء لا ينزل منها مطر، والأرض لا تنبت شيئاً ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات ـ قد دلت عليه قرائن من كتاب الله تعالى.
الأولى ـ أن قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ} يدل على أنهم رأوا ذلك. لأن الأظهر في رأى أنها بصرية، والذي يرونه بأبصارهم هو أن السماء تكون لا ينزل منها مطر، والأرض ميتة هامدة لا نبات فيها. فيشاهدون بأبصارهم إنزال الله المطر، وإنباته به أنواع النبات.
القرينة الثانية ـ أنه أتبع ذلك بقوله: { مِنَ}. والظاهر اتصال هذا الكلام بما قبله. أي وجعلنا من الماء الذي أنزلناه بفتقنا السماء، وأنبتنا به أنواع النبات بفتقنا الأرض كل شيء حي.
القرينة الثالثة ـ أن هذا المعنى جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ وَٱلاّرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ} لأن المراد بالرَّجْع نزول المطر منها تارة بعد أخرى، والمراد بالصَّدْع: انشقاق الأرض عن النبات. وكقوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ} { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلاٌّرْضَ شَقّاً}. واختار هذا القول ابن جرير وابن عطية وغيرهما للقرائن التي ذكرنا. ويؤيد ذلك كثرة ورود الاستدلال بإنزال المطر، وإنبات النبات في القرآن العظيم على كمال قدرة الله تعالى، وعظم منته على خلقه، وقدرته على البعث. والذين قالوا: إن المراد بالرتق والفتق أنهما كانتا متلاصقتين ففتقهما الله وفصل بعضهما عن بعض قالوا في قوله {أَوَ لَمْ يَرَ} أنها من رأي العلمية لا البصرية، وقالوا: وجه تقريرهم بذلك أنه جاء في القرآن، وما جاء في القرآن فهو أمر قطعي لا سبيل للشك فيه. والعلم عند الله تعالى.
وأقرب الأقوال في ذلك ـ هو ما ذكرنا دلالة القرآئن القرآنية عليه، وقد قال فيه الفخر الرازي في تفسيره: ورجَّحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: { مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ} وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، ولا يكون كذلك إلاَّ إذا كان المراد ما ذكرنا.
فإن قيل: هذا الوجه مرجوح. لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة وهي سماء الدنيا.
قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع لأن كل قطعة منها سماء. كما يقال ثوب أخلاق، وبرمة أعشار ا هـ منه.)

سادساً - أخي الفاضل الأستاذ محمد إسماعيل - لم يتبين لي وجه سؤالك الأخير : ( ثم هل خلُقُ السموات والأرض- على ما فسر به الأستاذ عرجون آيات فصلت، التي استدل بها على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات- قد تم في ستة أيام، أم تمَّ في ثمانية أيام؟ ) ، فأرجو أن تبين لي وقصدك منه ؟

سابعاً وأخيراً : أرجو أن يتسع صدرك لمناقشتي ، ولا إخالك إلا محباً للمناقشة والحوار ....
 
بسم الله الرحمن الرحيم عليه أتوكل، وبه أستعين.. أما بعد.
أولاً- شكر الله لك- يا شيخ أبي مجاهد- ترحيبك بالأستاذ الكبير محمد إسماعيل عتوك، وجزاك عنه كل خير، مع أنه لا يرى نفسه- كما تراه أنت- إلا كبيرًا في السن.. وكنت أود أن تكون دعوتك له إلى المشاركة بغير هذه الطريقة، ومع ذلك فأنا أحترم ما تختاره من طرق وأساليب في دعوة الآخرين، ولا أجد في ذلك غضاضة.
ثانيًا- لقد نقلتَ يا أخي في الفقرة الخامسة عن الشنقيطي قوله:( وأقرب الأقوال في ذلك ـ هو ما ذكرنا دلالة القرآئن القرآنية عليه، وقد قال فيه الفخر الرازي في تفسيره: ورجَّحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: { مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ } وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، ولا يكون كذلك إلاَّ إذا كان المراد ما ذكرنا.
فإن قيل: هذا الوجه مرجوح. لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة وهي سماء الدنيا. قلنا: إنما أطلق عليه لفظ الجمع لأن كل قطعة منها سماء. كما يقال ثوب أخلاق، وبرمة أعشار ا هـ منه. ).
أقول تعقيبًا على ذلك: لو أنك رجعت إلى ما قاله الفخر الرازي في هذه المسألة الخلافية- تحت عنوان: المسألة الخامسة- لرأيته يصنف هذا القول الذي تؤيده الشواهد في رأي جمهور المفسرين في المرتبة الثالثة، ويصنف القول الآخر في المرتبة الأولى.. يقول الفخر الرازي بعد أن انتهى من ذكر الأقوال الخمسة في تأويل الآية الكريمة ما نصُّه:
( فإن قيل: فأيُّ الأقاويل أليق بالظاهر؟ قلنا: الظاهر يقتضي أن السماء على ما هي عليه، والأرض على ما هي عليه كانتا رتقًا. ولا يجوز كونهما كذلك إلا وهما موجودان.. والرتق ضد الفتق؛ فإذا كان الفتق هو المفارقة، فالرتق يجب أن يكون هو الملازمة.
وبهذا الطريق صار الوجه الأول أولى الوجوه.. ويتلوه الوجه الثاني؛ وهو أن كل واحد منهما كان رتقًا، ففتقهما بأن جعل كل واحد منهما سبعًا.. ويتلوه الوجه الثالث؛ وهو أنهما كانا صلبين من غير فطور وفروج، ففتقهما؛ لينزل المطر من السماء، ويظهر النبات على الأرض ).
فأين هذا الذي قاله الفخر الرازي من قوله الذي ذكره الإمام الشنقيطي عنه، مؤيدًا به رأيه.. ثم كيف يكون هذا القول هو أقرب الأقوال إلى الصواب، وهو لم يثبت، ولم تجد من صححه، كما تقول أنت؟
وأما قولك:( لم يتبين لي وجه سؤالك الأخير.. فأرجو أن تبين لي قصدك منه؟) فالحق معك فيما تقول.. ولكنني كنت أرمي من ورائه إلى أن ما قاله الأستاذ عرجون في تفسير آيات فصلت، واتخذ منه دليلاً على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات، لا يمكن التسليم به.. فقد قال:( فهذه الآيات الكريمة ظاهرة الدلالة على أن الأرض خلقت خلقاً مستقلاً عن السماوات، وجعلت فيها الجبال الرواسي لحفظها أن تميد فتختل الحياة فوقها ... ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى السموات ذكراً مستقلاً بحرف يفيد عند أهل اللغة الوجود المتراخي لتقريب مراتب الخلق لعقول الخلق التي لا تدرك إلا ما عرفت وما ألفت وما يصح قياسه على المعروف لها المألوف.. ).
هذا ما قاله الأستاذ عرجون.. وجاء في هامش الجلالين تعليقًا على ما قيل في تفسر هذه الآيات من قيل مفسريْه:‏
( قوله تعالي‏:(‏ في يومين‏),‏ ثم قوله بعد ذلك‏:(‏ في أربعة أيام‏,‏ ثم قوله‏:(‏ فقضاهن سبع سماوات في يومين‏),‏ هذا تفصيل لمثل قوله تعالي في سورة ق‏(‏ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب‏)‏ أي‏:‏ تعب وإعياء‏,‏ فتم خلق الأرض وتقدير أقواتها في مقدار أربعة أيام‏,‏ وتم خلق السماوات في مقدار يومين‏,‏ كل ذلك بلا ترتيب زمني‏,‏ لأن‏(‏ ثم‏)‏ في مثل قوله تعالي‏:(‏ ثم استوي إلي السماء وهي دخان‏)‏ لا تفيد في حق الله تعالي ترتيبا زمنيا‏,‏ لأنه تعالي لا يجري عليه زمان‏,‏ فكان خلق السماوات والأرض وما بينهما في مقدار ستة أيام من غير تحديد ولا تعيين علي الصحيح‏....‏ ).
وذكر الدكتور زغلول النجار في مقال له تحدث فيه عن تفسير هذه الآيات الآتي:
( أيام الخلق الست في منظور العلوم الكونية..
يري أهل العلوم المكتسبة مراحل خلق الكون الست حسب الترتيب التالي، والله‏(‏ تعالي‏)‏ أعلم بخلقه‏:‏
(1)‏ مرحلة الرتق‏:‏ وهي مرحلة الجرم الأولي الذي بدأ منه خلق السماوات والأرض.
(2)‏ مرحلة الفتق‏:‏ وهي مرحلة انفجار الجرم الأولي وتحوله الي سحابة من الدخان.
(3)‏ مرحلة تخلق العناصر في السماء الدخانية عبر تكون نويات غازي الإيدروجين والهليوم، وبعض نويات الليثيوم‏.‏
(4)‏ تخلق كل من الأرض وباقي أجرام السماء بانفصال دوامات من السحابة الدخانية الأولي وتكثفها علي
ذاتها بفعل الجاذبية‏,‏ وانزال الحديد عليها‏.‏
(5)‏ مرحلة دحو الارض، وتكوين أغلفتها الغازية والمائية والصخرية‏,‏ وتصدع الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وبدء تحرك الواحة‏,‏ وتكون كل من القارات وقيعان المحيطات‏,‏ والجبال‏,‏ وبدء دورات كل من الماء‏,‏ والصخور‏,‏ وتبادل القارات والمحيطات‏,‏ وشق الأودية والفجاج والسبل‏,‏ والتعرية‏,‏ وتسوية سطح الارض‏,‏ وتكون التربة‏,‏ وخزن المياه تحت السطحية‏.‏
(6)‏ مرحلة خلق الحياة من أبسط صورها الي خلق الانسان، ويقدر عمر الكون بما يتراوح بين‏10‏ و‏15‏ بليون سنة بينما يقدر عمر أقدم صخور الأرض بنحو‏4.6‏ بليون سنة وهو نفس العمر الذي تم التوصل اليه بتحليل صخور وتراب سطح القمر والعديد من النيازك التي سقطت علي الأرض والفارق الكبير بين العمرين المقدرين لكل من الأرض والسماء‏(‏ وقد خلقا في لحظة واحدة‏)‏ سببه أن صخور الأرض تدخل في دورات عديدة‏,‏ وأن العمر المقدر لها هو عمر لحظة تيبس قشرتها‏,‏ وليس عمر تكون ذرات عناصرها‏,‏ وعمر تيبس قشرة الأرض لا يشمل أيا من مراحل الأرض الابتدائية‏,‏ ولا مراحل تخلق العناصر التي كونت أرضنا الابتدائية وما تلا ذلك من أحداث‏.‏
وتشير الآيات القرانية‏(29)‏ من سورة البقرة‏,‏ و‏(9‏ ــ‏12)‏ من سورة فصلت الي سبق خلق الأرض لعملية تسوية السماء الدخانية الأولية الي سبع سماوات‏,‏ ويبدو أن المقصود هنا بالسبق هو خلق عناصر الأرض‏,‏ والذي تلاه تجميع تلك العناصر علي هيئة الارض الابتدائية والتي تم رجمها بوابل من النيازك الحديدية‏,‏ وتمايزها الي سبع أرضين‏,‏ ثم دحوها وتكوين أغلفتها الغازية والمائية والصخرية وتشكيلها الي صورتها الحالية وذلك لان خلق السماوات والارض عمليتان متلازمتان ولا يمكن لاحداهما أن تنفصل عن الأخرى )‏.‏
وقال سيد قطب رحمه الله في تفسير الآية التي نحن بصددها:( وقد يشير القرآن أحيانا إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا:( أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ). ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن، وإن كنا لا نعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض ، أو فتق السماوات عن الأرض ، ونتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن ؛ ولكننا لا نجري بالنص القرآني وراء أية نظرية فلكية , ولا نطلب تصديقا للقرآن في نظريات البشر، وهو حقيقة مستيقنة !
وقصارى ما يقال: إن النظرية الفلكية القائمة اليوم لا تعارض المفهوم الإجمالي لهذا النص القرآني السابق عليها بأجيال ! )... والله تعالى أعلم بمراده.
 
عودة
أعلى