محمد إسماعيـل
New member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار الإعجاز في القرآن [/align]
قال الله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }[ الأنبياء:30 ]
تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقتين، من حقائق هذا الكون، تدلان على إلاهيته، ووحدانيته سبحانه، وأنه لا مبدع، ولا خالق سواه :
الأولى تتعلق بوحدة الكون.
والثانية تتعلق بسر الحياة في هذا الكون الفسيح.
والكلام موجه لليهود؛ لأنهم المعنيون بها00 فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه0 ولهذا أنكر الله تعالى عليهم كفرهم بآياته، في أول الآية بقوله:{ أولم ير الذين كفروا }، ثم وبخهم على ذلك، في آخرها بقوله:{ أفلا يؤمنون }0 فجاء آخر الآية مطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفيهم ذلك دليلاً على الإيمان!!
أما الحقيقة الأولى فيشير إليها الشقُّ الأول من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما }0 أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما، ملتحمتين، أو ملتصقتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما0 أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
وقوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا } تقريرٌ لهم، يراد به الإنكار0 أما على قراءة من قرأَ:( ألم يرَ )، بغير واو، فيكون تقريرًا، يراد به التنبيه، والتذكير0
قال الزمخشري:” فإن قلت: متى رأوْهما رَتقًا، حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه واردٌ في القرآن، الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المَرئيِّ المشاهَد والثاني أن تلاصق الأرض والسماء، وتباينهما كلاهما جائزٌ في العقل0 فلا بدَّ للتباين دون التلاصق من مخصِّص؛ وهو القديم سبحانه “0
ومع ذلك فقد كفر بهذه الظاهرة الكونية الملاحدة والمشركون، ثم جاء العلم الحديث مؤيِّدًا لما أخبر الله تعالى به، حين أثبت بالأدلة العلمية القاطعة، أن الكون كله كان شيئاً واحداً متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سدائم0 وعالمنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات0 والسدائم جمع سديم، يراد به السحب، ويطلق فلكيًّا على مجموعة هائلة من النجوم0
ومما يؤيد هذا القول: أن العلماء استدلوا على أن الشمس تتألف من سبعة وستين عنصراً من عناصر الأرض0 وعناصر الأرض تبلغ اثنين وتسعين عنصراً، وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس، إذا ما ذللت الصعوبات، التي تقوم في هذا الشأن0 ومن هذه العناصر: الهيدروجين، والهليوم والكربون، والآزوت، والأوكسجين، والفسفور، والحديد00 الخ00 وقد استدل العلماء على كل ذلك بالتحليل الطيفي؛ وهو الذي يستدل به الكيمّاويون اليوم في معاملهم، على ما تحتويه المواد الأرضية من عناصر، يكشفون على نوعها وعن مقدارها0 فالعناصر، التي في الشمس هي عينها في الأرض0 والشمس نجم، يتمثل فيه سائر النجوم0 والنجوم هي الكون00 وهذا يعني: أن العناصر، التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة00 هذا من جهة0
ومن جهة أخرى فإن النيازك هي الأشياء الملموسة الوحيدة، التي حصل عليها العلم من الفضاء الخارجي0 فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعاً في الأرض هي العناصر الشائعة في النيازك الحجرية0
وأما الحقيقة الثانية- وهي سرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي }0 أي: أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ، وكوَّناه بقدرتنا00 وإنما قال تعالى:{ وجعلنا }، ولم يقل:{ خلقنا }؛ لأن( جعل ) لفظ عام في الأفعال0 ولمَّا كان قوله تعالى:{ كل شيء حي } مرادًا به عموم المخلوقات، ناسب التعبير عنه بفعل يدلُّ على العموم0
وقال تعالى- هنا:{ من الماء }، وقال في النور:{ والله خلق كل دابة من ماء } [ النور:45 ]، فعرف الماء في الأول، ونكَّره في الثاني00 أما تعريفه في الأول فلأن المعنى: أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس، الذي هو الماء0 فذكِر الماءُ- هنا- معرَّفًا بأل الجنسية؛ ليشمل أجناس المخلوقات المختلفة الأنواع0 وأما تنكيره في الثاني فلأن المعنى: أن الله سبحانه خلق كل دابة من نوع مخصوص من الماء؛ وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات، بحسب اختلاف نطفها: فمنها هوامٌ، ومنها ناسٌ، ومنها بهائمٌ
وتحرير الفرق بين القولين: أن الغرض من الأول إظهار الآية بأن أشياء متفقة في جنس الحياة، قد تكونت بالقدرة من جنس الماء المختلف الأنواع0 وأن الغرض من الثاني إظهار الآية بأن شيئًا واحدًا، قد تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة0
بقي أن تعلم أن قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي } من أبلغ ما جاء في القرآن الكريم، في تقرير هذه الحقيقة، التي أدرك العلماء أخيرًا سرّها00 فمعظم العمليات الكيماوية اللازمة للحياة والنمو، تحتاج إلى الماء؛ وهو العنصر الأساسي لاستمرار الحياة لجميع الكائنات والنباتات0 والماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، وله درجة ذوبان مرتفعة، ويبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن، وله حرارة تصعيد بالغة الارتفاع ، وهو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت، ويصونها من التقلبات العنيفة00 ولولا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الأرض للحياة إلى حد كبير0
وللماء خواص أخرى، تدل على أن مبدع الكون، قد صمَّمه بما يحقق صالح مخلوقاته0 فالماء هو المادة الوحيدة، التي تقل كثافتها، ويزيد حجمها عندما تتجمد00 ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة لحياة الأحياء المائية؛ إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد، وهو بطبيعة الحال الطبقة العليا، التي تتفاعل مع برودة الجو0 وبهذا الشكل فإن الجليد يطفو على سطح المياه، بدلاً من أن يغوص إلى قاع المحيطات والبحيرات والأنهار0 ويكوِّن الثلج طبقة عازلة، تحفظ الماء الذي تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد0 والماء يمتص كميات كبيرة من الأوكسجين، عندما تكون درجة حرارته منخفضة، وعندما يتجمّد الماء، تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة، تساعد على صِيانة حياة الأحياء التي تعيش في البحار من أسماك، وغيرها00 فما أعجبَ حكمة القرآن الكريم، الذي يبين بكلمات قليلة سرَّ الحياة على هذه الأرض!
محمد إسماعيل عتوك
من أسرار الإعجاز في القرآن [/align]
قال الله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }[ الأنبياء:30 ]
تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقتين، من حقائق هذا الكون، تدلان على إلاهيته، ووحدانيته سبحانه، وأنه لا مبدع، ولا خالق سواه :
الأولى تتعلق بوحدة الكون.
والثانية تتعلق بسر الحياة في هذا الكون الفسيح.
والكلام موجه لليهود؛ لأنهم المعنيون بها00 فهم الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه0 ولهذا أنكر الله تعالى عليهم كفرهم بآياته، في أول الآية بقوله:{ أولم ير الذين كفروا }، ثم وبخهم على ذلك، في آخرها بقوله:{ أفلا يؤمنون }0 فجاء آخر الآية مطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفيهم ذلك دليلاً على الإيمان!!
أما الحقيقة الأولى فيشير إليها الشقُّ الأول من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما }0 أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما، ملتحمتين، أو ملتصقتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما0 أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
وقوله تعالى:{ أولم ير الذين كفروا } تقريرٌ لهم، يراد به الإنكار0 أما على قراءة من قرأَ:( ألم يرَ )، بغير واو، فيكون تقريرًا، يراد به التنبيه، والتذكير0
قال الزمخشري:” فإن قلت: متى رأوْهما رَتقًا، حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه واردٌ في القرآن، الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المَرئيِّ المشاهَد والثاني أن تلاصق الأرض والسماء، وتباينهما كلاهما جائزٌ في العقل0 فلا بدَّ للتباين دون التلاصق من مخصِّص؛ وهو القديم سبحانه “0
ومع ذلك فقد كفر بهذه الظاهرة الكونية الملاحدة والمشركون، ثم جاء العلم الحديث مؤيِّدًا لما أخبر الله تعالى به، حين أثبت بالأدلة العلمية القاطعة، أن الكون كله كان شيئاً واحداً متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سدائم0 وعالمنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات0 والسدائم جمع سديم، يراد به السحب، ويطلق فلكيًّا على مجموعة هائلة من النجوم0
ومما يؤيد هذا القول: أن العلماء استدلوا على أن الشمس تتألف من سبعة وستين عنصراً من عناصر الأرض0 وعناصر الأرض تبلغ اثنين وتسعين عنصراً، وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس، إذا ما ذللت الصعوبات، التي تقوم في هذا الشأن0 ومن هذه العناصر: الهيدروجين، والهليوم والكربون، والآزوت، والأوكسجين، والفسفور، والحديد00 الخ00 وقد استدل العلماء على كل ذلك بالتحليل الطيفي؛ وهو الذي يستدل به الكيمّاويون اليوم في معاملهم، على ما تحتويه المواد الأرضية من عناصر، يكشفون على نوعها وعن مقدارها0 فالعناصر، التي في الشمس هي عينها في الأرض0 والشمس نجم، يتمثل فيه سائر النجوم0 والنجوم هي الكون00 وهذا يعني: أن العناصر، التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة00 هذا من جهة0
ومن جهة أخرى فإن النيازك هي الأشياء الملموسة الوحيدة، التي حصل عليها العلم من الفضاء الخارجي0 فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعاً في الأرض هي العناصر الشائعة في النيازك الحجرية0
وأما الحقيقة الثانية- وهي سرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي }0 أي: أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ، وكوَّناه بقدرتنا00 وإنما قال تعالى:{ وجعلنا }، ولم يقل:{ خلقنا }؛ لأن( جعل ) لفظ عام في الأفعال0 ولمَّا كان قوله تعالى:{ كل شيء حي } مرادًا به عموم المخلوقات، ناسب التعبير عنه بفعل يدلُّ على العموم0
وقال تعالى- هنا:{ من الماء }، وقال في النور:{ والله خلق كل دابة من ماء } [ النور:45 ]، فعرف الماء في الأول، ونكَّره في الثاني00 أما تعريفه في الأول فلأن المعنى: أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس، الذي هو الماء0 فذكِر الماءُ- هنا- معرَّفًا بأل الجنسية؛ ليشمل أجناس المخلوقات المختلفة الأنواع0 وأما تنكيره في الثاني فلأن المعنى: أن الله سبحانه خلق كل دابة من نوع مخصوص من الماء؛ وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات، بحسب اختلاف نطفها: فمنها هوامٌ، ومنها ناسٌ، ومنها بهائمٌ
وتحرير الفرق بين القولين: أن الغرض من الأول إظهار الآية بأن أشياء متفقة في جنس الحياة، قد تكونت بالقدرة من جنس الماء المختلف الأنواع0 وأن الغرض من الثاني إظهار الآية بأن شيئًا واحدًا، قد تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة0
بقي أن تعلم أن قوله تعالى:{ وجعلنا من الماء كل شيء حي } من أبلغ ما جاء في القرآن الكريم، في تقرير هذه الحقيقة، التي أدرك العلماء أخيرًا سرّها00 فمعظم العمليات الكيماوية اللازمة للحياة والنمو، تحتاج إلى الماء؛ وهو العنصر الأساسي لاستمرار الحياة لجميع الكائنات والنباتات0 والماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، وله درجة ذوبان مرتفعة، ويبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن، وله حرارة تصعيد بالغة الارتفاع ، وهو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت، ويصونها من التقلبات العنيفة00 ولولا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الأرض للحياة إلى حد كبير0
وللماء خواص أخرى، تدل على أن مبدع الكون، قد صمَّمه بما يحقق صالح مخلوقاته0 فالماء هو المادة الوحيدة، التي تقل كثافتها، ويزيد حجمها عندما تتجمد00 ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة لحياة الأحياء المائية؛ إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد، وهو بطبيعة الحال الطبقة العليا، التي تتفاعل مع برودة الجو0 وبهذا الشكل فإن الجليد يطفو على سطح المياه، بدلاً من أن يغوص إلى قاع المحيطات والبحيرات والأنهار0 ويكوِّن الثلج طبقة عازلة، تحفظ الماء الذي تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد0 والماء يمتص كميات كبيرة من الأوكسجين، عندما تكون درجة حرارته منخفضة، وعندما يتجمّد الماء، تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة، تساعد على صِيانة حياة الأحياء التي تعيش في البحار من أسماك، وغيرها00 فما أعجبَ حكمة القرآن الكريم، الذي يبين بكلمات قليلة سرَّ الحياة على هذه الأرض!
محمد إسماعيل عتوك