محمد إسماعيـل
New member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
[align=center][color=009933]من أسرار الإعجاز البياني في القرآن
سر دخول اللام على جواب لو الشرطية[/color][/align]
قال الله تعالى:(أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون* لو نشاء لجعلناه حطامًا فظلتم تفكهون) [الواقعة:63- 65]
وقال:( أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون)[الواقعة:68- 70]
تضمنَّت هذه الآيات الكريمة امتنانًا عظيمًا من الله تعالى على عباده بالزرع الذي يحرثون، والماء الذي يشربون0 وهي دليلٌ على عظمة الله تعالى، وكمال قدرته، ومطلق مشيئته، وشدة حاجة الخلق إليه سبحانه0
وقوله تعالى:{ أفرأيتم ما تحرثون - أفرأيتم الماء الذي تشربون } استفهام يراد به التقرير، والتوبيخ، دلَّ عليه وجود الفاء عقِب الهمزة0 ومعناه: خبروني عمَّا تحرثون من أرضكم، فتضعون فيه البذر:{ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون }، وعن الماء، الذي تشربون:{ أأنتم أنزلتموه من المزن، أم نحن المنزلون }0
والجواب الذي لا يملكون غيره في الموضعين هو قولهم: أنت- ياربنا- منبتُ الزرع من الحب، ومنزِّل الماء من السحاب، ونحن لا قدرة لنا على ذلك0 فيقال لهم: إذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، فكيف تكفرون بالله العلي القدير، وأنتم تأكلون رزقه، وتشربون ماءه، ثم تعبدون غيره؟ ولمَ لا تلزمون أنفسكم الإقرار بتوحيده سبحانه، وطاعته، والتصديق بالبعث شكرًا له تعالى على نعمه، التي لا تعدن ولا تحصى عليكم؟
ونقرأ قوله تعالى:( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) ، فنجد فيه لمحة من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: أأنتم تحرثونه أم نحن الحارثون؟ أو يقال: أفرأيتم ما تزرعون؟ بدلاً من: أفرأيتم ما تحرثون؟ فيتطابق الكلامان0 ولكن كلا القولين يُخِلُّ بمعنى الكلام، ونظمه00 وبيانُ ذلك أن بين الحرث، والزرع فرقًا؛ وهو أن الحرث يكون أوائل الزرع، ومقدماته، من إثارة الأرض، وطرح البذر فيها، وقد يتبع ذلك سقيُه، وتعهده بالرعاية0 أما الزرع فهو ما يترتب على الحرث، من خروج النبات، وإنمائه، واستغلاظه، واستوائه على سوقه، وانعقاد الحب في سنبله0 فقوله تعالى:{ أفرأيتم ما تحرثون } يعني: أن ما تبتدئون به من الأعمال، أانتم تُبلغونها المقصود، أم الله تعالى؟ ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبل، ليس بفعل الناس؛ وإنما هو بفعل الله العلي القدير0 وفي ذلك إشارة منه سبحانه إلى البعث والنشور!
وفي قوله تعالى:{ لو نشاء لجعلناه حطامًا }،{ لو نشاء جعلناه أجاجًا } لمحة أخرى من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: لو شئنا، بدلاً من: لو نشاء؛ لأن(لو)، لا تدخل- عند النحاة والمفسرين- إلا على الفعل الماضي؛ فإن دخلت على فعل مستقبل، وجب تأويله بالماضي0 ولهذا تأولوا ( لو نشاء ) في هاتين الآيتين، وفي غيرهما على معنى: ولو شئنا00 وعلى قولهم يكون الفعل( نشاء ) مستقبلاً في اللفظ، ماضيًا في المعنى0
ولعل الصواب في ذلك أن يقال: إن( لو ) من الأدوات الشرطية، التي تربط بين جملتين؛ بحيث تجعل بين مضمونيهما تلازمًا، لم يكن مفهومًا قبل دخولها0 وهذا ما يُعبَّر عنه بالتعليق الشرطي؛ وهو نوعان: خبريٌّ، ووعديٌّ0
أما الخبريُّ فهو الذي يكون مُضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا0 فهذا يقتضي المُضِيُّ لفظًا، ومعنى، ولا يصِحُّ فيه الاستقبال بحال0 ومن الأول قوله تعالى:{ فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؟ قالوا: لو هدانا الله لهديناكم }[إبراهيم:11]0 ومن الثاني قوله تعالى:{ لو شئنا لآتينا كل نفس هداها } [السجدة:13]00 فهذا تعليق بـ( لو ) زمنه الماضي؛ لأنه خبريٌّ0
أما الوعديُّ فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أيِّ معنى آخرَ0 وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المُضِيُّ بحال من الأحوال؛ كما في قوله تعالى:{ لو نشاء }، في الآيتين السابقتين0
وفي قوله تعالى في الزرع:{ لجعلناه حطامًا }، ثم في قوله تعالى في الماء:{ جعلناه أجاجًا } إعجاز آخر من إعجاز القرآن؛ وهو إدخال اللام في الأول، ونزعها منه في الثاني؛ فأفاد دخولها في الأول تأخير وقوع العقوبة- وهي جعل الزرع حطامًا- لعقوبة أشدَّ منها؛ كما في قوله تعالى:{ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس }[يونس:24]0
وكثيرًا ما تدخل هذه اللام على جواب( لو )، فتدل على المماطلة في جعله واقعًا؛ كما يشير إليه قوله تعالى في صفة الكافرين:{ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين }-[ الأنفال:31]0 والزركشيُّ يسمي هذه اللام:( مسبوقة )0 وينبغي أن تسمَّى:( لام التسويف )؛ لأنها تفيد ما يفيده كلٌّ من(السين، وسوف)، من دلالة على التسويف تارة، والمماطلة تارة أخرى في إيقاع الفعل0
أما نزعها من الثاني فيفيد التعجيل بوقوع العقوبة فورًا- وهي جعل الماء أجاجًا- أي: جعله كذلك لوقته دون تأخير0 وكلا الفعلين مرتبط بمشيئة الله تعالى00 يدلك على ذلك أن قوله تعالى:{ لو نشاء جعلناه أجاجًا } قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جعل الماء المشروب المنزل من المزن أجاجًا لوقته- أي: شديد الملوحة، والمرارة، والحرارة- لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع، بخلاف جعل الزرع حطامًا- أي: يابسًا متكسرًا- فإنه كثيرًا ما وقع كونه حطامًا، بعد أن كان أخضرَ يانعًا0 وهذا ما عبَّر عنه تعالى بقوله:{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يجعله حطامًا إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب }[ الزمر:21 ]00 فلو قيل: جعلناه حطامًا؛ كما قيل: جعلناه أجاجًا، تُوُهِّم منه الإخبار0
ومما يدل على ذلك أيضًا أن دخول اللام على جواب ( لو )، لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ ولهذا كان جعل الماء المنزل من المزن أجاجًا لوقته، قبل أن يصل إلى الأرض، ويستقر في أعماقها أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطامًا، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء0 ولهذا عقَّب سبحانه على الأول بقوله:{ فظلتم تفكهون }، وعقَّب على الثاني بقوله:{ فلولا تشكرون }0 فتأمل هذه الأسرار البديعة، التي لا تجدها إلا في البيان الأعلى!!
الجمعة، 26 آذار، 2004 – حلب- سورية - محمد إسماعيل عتوك
م- ع
[align=center][color=009933]من أسرار الإعجاز البياني في القرآن
سر دخول اللام على جواب لو الشرطية[/color][/align]
قال الله تعالى:(أفرأيتم ما تحرثون* أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون* لو نشاء لجعلناه حطامًا فظلتم تفكهون) [الواقعة:63- 65]
وقال:( أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون* لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون)[الواقعة:68- 70]
تضمنَّت هذه الآيات الكريمة امتنانًا عظيمًا من الله تعالى على عباده بالزرع الذي يحرثون، والماء الذي يشربون0 وهي دليلٌ على عظمة الله تعالى، وكمال قدرته، ومطلق مشيئته، وشدة حاجة الخلق إليه سبحانه0
وقوله تعالى:{ أفرأيتم ما تحرثون - أفرأيتم الماء الذي تشربون } استفهام يراد به التقرير، والتوبيخ، دلَّ عليه وجود الفاء عقِب الهمزة0 ومعناه: خبروني عمَّا تحرثون من أرضكم، فتضعون فيه البذر:{ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون }، وعن الماء، الذي تشربون:{ أأنتم أنزلتموه من المزن، أم نحن المنزلون }0
والجواب الذي لا يملكون غيره في الموضعين هو قولهم: أنت- ياربنا- منبتُ الزرع من الحب، ومنزِّل الماء من السحاب، ونحن لا قدرة لنا على ذلك0 فيقال لهم: إذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، فكيف تكفرون بالله العلي القدير، وأنتم تأكلون رزقه، وتشربون ماءه، ثم تعبدون غيره؟ ولمَ لا تلزمون أنفسكم الإقرار بتوحيده سبحانه، وطاعته، والتصديق بالبعث شكرًا له تعالى على نعمه، التي لا تعدن ولا تحصى عليكم؟
ونقرأ قوله تعالى:( أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) ، فنجد فيه لمحة من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: أأنتم تحرثونه أم نحن الحارثون؟ أو يقال: أفرأيتم ما تزرعون؟ بدلاً من: أفرأيتم ما تحرثون؟ فيتطابق الكلامان0 ولكن كلا القولين يُخِلُّ بمعنى الكلام، ونظمه00 وبيانُ ذلك أن بين الحرث، والزرع فرقًا؛ وهو أن الحرث يكون أوائل الزرع، ومقدماته، من إثارة الأرض، وطرح البذر فيها، وقد يتبع ذلك سقيُه، وتعهده بالرعاية0 أما الزرع فهو ما يترتب على الحرث، من خروج النبات، وإنمائه، واستغلاظه، واستوائه على سوقه، وانعقاد الحب في سنبله0 فقوله تعالى:{ أفرأيتم ما تحرثون } يعني: أن ما تبتدئون به من الأعمال، أانتم تُبلغونها المقصود، أم الله تعالى؟ ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبل، ليس بفعل الناس؛ وإنما هو بفعل الله العلي القدير0 وفي ذلك إشارة منه سبحانه إلى البعث والنشور!
وفي قوله تعالى:{ لو نشاء لجعلناه حطامًا }،{ لو نشاء جعلناه أجاجًا } لمحة أخرى من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: لو شئنا، بدلاً من: لو نشاء؛ لأن(لو)، لا تدخل- عند النحاة والمفسرين- إلا على الفعل الماضي؛ فإن دخلت على فعل مستقبل، وجب تأويله بالماضي0 ولهذا تأولوا ( لو نشاء ) في هاتين الآيتين، وفي غيرهما على معنى: ولو شئنا00 وعلى قولهم يكون الفعل( نشاء ) مستقبلاً في اللفظ، ماضيًا في المعنى0
ولعل الصواب في ذلك أن يقال: إن( لو ) من الأدوات الشرطية، التي تربط بين جملتين؛ بحيث تجعل بين مضمونيهما تلازمًا، لم يكن مفهومًا قبل دخولها0 وهذا ما يُعبَّر عنه بالتعليق الشرطي؛ وهو نوعان: خبريٌّ، ووعديٌّ0
أما الخبريُّ فهو الذي يكون مُضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا0 فهذا يقتضي المُضِيُّ لفظًا، ومعنى، ولا يصِحُّ فيه الاستقبال بحال0 ومن الأول قوله تعالى:{ فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؟ قالوا: لو هدانا الله لهديناكم }[إبراهيم:11]0 ومن الثاني قوله تعالى:{ لو شئنا لآتينا كل نفس هداها } [السجدة:13]00 فهذا تعليق بـ( لو ) زمنه الماضي؛ لأنه خبريٌّ0
أما الوعديُّ فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أيِّ معنى آخرَ0 وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المُضِيُّ بحال من الأحوال؛ كما في قوله تعالى:{ لو نشاء }، في الآيتين السابقتين0
وفي قوله تعالى في الزرع:{ لجعلناه حطامًا }، ثم في قوله تعالى في الماء:{ جعلناه أجاجًا } إعجاز آخر من إعجاز القرآن؛ وهو إدخال اللام في الأول، ونزعها منه في الثاني؛ فأفاد دخولها في الأول تأخير وقوع العقوبة- وهي جعل الزرع حطامًا- لعقوبة أشدَّ منها؛ كما في قوله تعالى:{ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس }[يونس:24]0
وكثيرًا ما تدخل هذه اللام على جواب( لو )، فتدل على المماطلة في جعله واقعًا؛ كما يشير إليه قوله تعالى في صفة الكافرين:{ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين }-[ الأنفال:31]0 والزركشيُّ يسمي هذه اللام:( مسبوقة )0 وينبغي أن تسمَّى:( لام التسويف )؛ لأنها تفيد ما يفيده كلٌّ من(السين، وسوف)، من دلالة على التسويف تارة، والمماطلة تارة أخرى في إيقاع الفعل0
أما نزعها من الثاني فيفيد التعجيل بوقوع العقوبة فورًا- وهي جعل الماء أجاجًا- أي: جعله كذلك لوقته دون تأخير0 وكلا الفعلين مرتبط بمشيئة الله تعالى00 يدلك على ذلك أن قوله تعالى:{ لو نشاء جعلناه أجاجًا } قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جعل الماء المشروب المنزل من المزن أجاجًا لوقته- أي: شديد الملوحة، والمرارة، والحرارة- لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع، بخلاف جعل الزرع حطامًا- أي: يابسًا متكسرًا- فإنه كثيرًا ما وقع كونه حطامًا، بعد أن كان أخضرَ يانعًا0 وهذا ما عبَّر عنه تعالى بقوله:{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يجعله حطامًا إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب }[ الزمر:21 ]00 فلو قيل: جعلناه حطامًا؛ كما قيل: جعلناه أجاجًا، تُوُهِّم منه الإخبار0
ومما يدل على ذلك أيضًا أن دخول اللام على جواب ( لو )، لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ ولهذا كان جعل الماء المنزل من المزن أجاجًا لوقته، قبل أن يصل إلى الأرض، ويستقر في أعماقها أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطامًا، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء0 ولهذا عقَّب سبحانه على الأول بقوله:{ فظلتم تفكهون }، وعقَّب على الثاني بقوله:{ فلولا تشكرون }0 فتأمل هذه الأسرار البديعة، التي لا تجدها إلا في البيان الأعلى!!
الجمعة، 26 آذار، 2004 – حلب- سورية - محمد إسماعيل عتوك
م- ع