من أروع ما كتب الطاهر بن عاشور رحمه الله

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال تعالى في سورة الشعراء :{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)}
قال في التحرير والتنوير : وَقَوْلُهُ: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ حَثٌّ لِأَهْلِ الْمَدَائِنِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا حَذِرِينَ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ إِذْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَجَمِيعٌ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي سِيَاسَةِ الْمَمْلَكَةِ، أَيْ إِنَّا كلّنا حذرون، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَذَرَ مِنْ شِيمَتِهِ وَعَادَتِهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، أَيْ إِنَّا مِنْ عَادَتِنَا التَّيَقُّظُ لِلْحَوَادِثِ وَالْحَذَرُ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهَا من سيّىء الْعَوَاقِبِ.
وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ السِّيَاسَةِ وَهُوَ سَدُّ ذَرَائِعِ الْفَسَادِ وَلَوْ كَانَ احْتِمَالُ إِفْضَائِهَا إِلَى الْفَسَادِ ضَعِيفًا، فَالذَّرَائِعُ الْمُلْغَاةُ فِي التَّشْرِيعِ فِي حُقُوقِ الْخُصُوصِ غَيْرُ مُلْغَاةٍ فِي سِيَاسَةِ الْعُمُومِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ: إِنَّ نَظَرَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي مَصَالِحِ الْأُمَّةِ أَوْسَعُ مِنْ نَظَرِ الْقُضَاةِ، فَالْحَذَرُ أَوْسَعُ مِنْ حِفْظِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ ضَارٍّ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ، وَالتَّرَصُّدُ لِمَنْعِ وُقُوعِهِ، وَالْمَحْمُودُ مِنْهُ هُوَ الْخَوْفُ مِنَ الضَّارِّ عِنْدَ احْتِمَالِ حُدُوثِهِ دُونَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَالْحَذَرُ مِنْهُ ضَرْبٌ مِنَ الْهَوَسِ.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحق أنني استغربت من عنوان مشاركة الأخ بشير عبدالعال:"من أروع ما كتب الطاهر بن عاشور رحمه الله"، مع أن تفسير هذا الإمام مليئ بما هو أفضل وأجود من مما نقله الأخ بشير، فالكلام المنقول قد يفهم منه الرشاد والحكمة في سياسة الطاغية فرعون عليه لعنة الله، وأنه كان حكيما رشيدا يهتم لشؤون رعيته وأن ما يؤذيهم يؤذيه وما يضرهم يضره، والحق أن هذا اللعين كان أنانيا يسوس قومه لمصلحته لا لمصلحتهم، فكانت مصلحته أن يظل الكل خاضعا لرياسته منقادا لحكمه، ولو كان في هذا هلكة الخاضع وخسرانه، ولا أوضح على هذا أن هذا المجرم علم الحق واستيقنه لكن رغم ذلك قاد أمته إلى النار عياذا بالله، كما قال تعالى:"فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين" وقال تعالى:" يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود"، ومن أقوى الأدلة على علمه بالحق قول موسى عليه السلام محتجا عليه:" لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا موسى مثبورا"، قال تعالى:"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا"...فكيف يدعى الرشاد في سياسة من علم الحق واستيقنه، وبدلا من أن يتبعه لتقتدي به أمته، خالفه واتبع هواه فكان قدوة في الشر، وهل هناك أعظم من الشر الذي قاد أمته إليه:"النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب".
 
وأنا أعجب من فهم أخَويَّ الكريمين - فالمعنى الذي يقصده وفهمته - هو أن فرعون قد استنفر كل من معه حذرا واحتياطا مع أنه وصفهم بالقلة القليلة - فما ضاعت الممالك والأمور من الصالحين إلا من الغفلة وعدم إعطاء الأمور حقها . هذا المفهوم والمنطوق في الآية - ولستُ أمدحُ فرعونَ أيها الفضلاء!
 
عودة
أعلى