من أدق وأرق ما قيل في تفسير بر الوالدين وصلة الرحم

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال في التحرير والتنوير في سورة الإسراء:
وَمَقْصِدُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ يَنْحَلُّ إِلَى مَقْصِدَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَفْسَانِيٌّ وَهُوَ تَرْبِيَةُ نُفُوسِ الْأُمَّةِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْجَمِيلِ لِصَانِعِهِ، وَهُوَ الشُّكْرُ، تَخَلُّقًا بِأَخْلَاقِ الْبَارِي تَعَالَى فِي اسْمِهِ الشَّكُورِ، فَكَمَا أَمَرَ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ أَمَرَ بِشُكْرِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِيجَادِ الصُّورِيِّ وَنِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَفِي الْأَمْرِ بِشُكْرِ الْفَضَائِلِ تَنْوِيهٌ بِهَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمُنَافَسَةِ فِي إِسْدَائِهَا.
وَالْمَقْصِدُ الثَّانِي عُمْرَانِيٌّ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَوَاصِرُ الْعَائِلَةِ قَوِيَّةَ الْعُرَى مَشْدُودَةَ الْوُثُوقِ فَأَمَرَ بِمَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْوُثُوقَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ، وَهُوَ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ لِيُرَبِّيَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ التَّحَابِّ وَالتَّوَادِّ مَا يَقُومُ مَقَامَ عَاطِفَةِ الْأُمُومَةِ الْغَرِيزِيَّةِ فِي الْأُمِّ، ثُمَّ عَاطِفَةِ الْأُبُوَّةِ الْمُنْبَعِثَةِ عَنْ إِحْسَاسٍ بَعْضُهُ غَرِيزِيٌّ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُ عَقْلِيٌّ قَوِيٌّ حَتَّى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ لَيُسَاوِي بِمَجْمُوعِهِ أَثَرَ عَاطِفَةِ الْأُمِّ الْغَرِيزِيَّةِ أَوْ يَفُوقُهَا فِي حَالَةِ كِبَرِ الِابْنِ. ثُمَّ وَزَّعَ الْإِسْلَامُ مَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ بَقِيَّةِ مَرَاتِبِ الْقَرَابَةِ عَلَى حَسَبِ الدُّنُوِّ فِي الْقُرْبِ النِّسْبِيِّ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ عَزَّزَ اللَّهُ قَابِلِيَّةَ الِانْسِيَاقِ إِلَى تِلْكَ الشِّرْعَةِ فِي النُّفُوسِ.
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ أَخَذَتْ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَقَالَتْ:
هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. فَقَالَ اللَّهُ: أَمَّا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» .
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّحِمَ مِنِ اسْمِهِ الرَّحِيمِ»
. وَفِي هَذَا التَّكْوِينِ لِأَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ صَلَاحٌ عَظِيمٌ لِلْأُمَّةِ تَظْهَرُ آثَارُهُ فِي مُوَاسَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَفِي اتِّحَادِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا [الحجرات: 13] .
وَزَادَهُ الْإِسْلَامُ تَوْثِيقًا بِمَا فِي تَضَاعِيفِ الشَّرِيعَةِ مِنْ تَأْكِيدِ شَدِّ أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ أَكْثَرَ مِمَّا حَاوَلَهُ كُلُّ دِينٍ سَلَفَ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ «مَقَاصِدِ الشَّرِيعَة الإسلامية» .
 
عودة
أعلى