أحمد العمراني
New member
من أخلاق الاسلام الرفيعة
الاستغفار للغير
الاستغفار للغير
الحمد لله رب العالمين ، القائل في محكم التنزيل : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ". محمد/ 19.
آية من آيات الذكر الحكيم، ترشد المسلم لخلق كريم، بعد العلم بالله والرجوع إليه بالاستغفار للنفس، إلى الاستغفار للآخر من أفراد هذه الأمة من المومنات والمومنين .
فالانسان المسلم شاء أم أبى، يحيى حياته ساعة فساعة، تارة يكون إيمانه في زيادة، وتارة يتراجع إلى النقصان، لذلك شرع سبحانه لعباده الاستغفار، كما منح على هذا الفعل منحا لا تعد ولا تحصى؛ يكفي استحضار قوله تعالى: " وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ". نوح/11 لبيان عظيم نفعه وأثره.
وفعل الاستغفار يقوم به المسلم الأواب تجاه نفسه في أغلب الأحيان، وهذا مطلوب من كل إنسان، لكن حديثي ينحصر في علاقة المسلم بأخيه المسلم، ومدى حب الخير له عند حاجته إليه، أو عند التعرض لأفعال تغضب وتكرهها النفس ؛ إنه الاستغفار للآخر .
خصلة دعا إليها القرآن وحث عليها سيد ولد عدنان، وتمثلها السلف الصالح في سلوكهم ودعوا إليها في كل الأحوال .
فقد حدثنا القرآن الكريم عن أنبياء الرحمان كيف تمثلوا الاستغفار للغير فقال سبحانه كما جاء على لسان نبي الله نوح عليه السلام:" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمومنين والمومنات ". نوح/28.
*وجاء على لسان خليل الرحمان ابراهيم عليه السلام كما ذكر القرآن الكريم:" ربنا اغفر لي ولوالدي وللمومنين يوم يقوم الحساب ". ابراهيم41/
*كما جاء على لسان إخوة يوسف مع أبيهم في قوله تعالى:" ....قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم "يوسف98-96.
ولعل قدوتنا هو خير من تمثل هذا الفعل القويم، ودعا له وحث عليه، فقال:" ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم ...". "[1]
كما استغفر حبيب الله للمسلمين، وكان يستغفر لكل من طلب منه ذلك، ليجعله من أخلاق أمته وديدنهم، وكيف لا وهو يقول:" لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " [2] .
ومن الأمثلة على ذلك:
-ما رواه أبو موسى رضي الله عنه قال: لما فرغ النبي (صلى الله عليه وسلم) من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى، فقال ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت، فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء، قال: يا ابن أخي أقرئ النبي (صلى الله عليه وسلم) السلام وقل له استغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر. ورأيت بياض إبطيه ثم قال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس. فقلت: ولي فاستغفر فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما ."[3]
*وعن حذيفة قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فصليت معه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم تبعته وهو يريد يدخل بعض حجره فقام وأنا خلفه كأنه يكلم أحدا قال ثم قال: من هذا؟، قلت: حذيفة، قال: أتدري من كان معي؟. قلت: لا، قال: فإن جبريل جاء يبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، قال فقال حذيفة : فاستغفر لي ولأمي، قال: غفر الله لك يا حذيفة ولأمك ". [4]
ولم تكتف شريعة الرحمان بطلب الاستغفار من الانسان للحصول على مغفرة الديان، بل أعطته إمكانية الحصول على هذه المنحة، بطلبها ممن يلتمس فيهم الخير والصلاح، ومن الأمثلة المبينة لذلك ما يلي :
*روى عمر بن الخطاب أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لصحابته الكرام: " إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم ".[5]
-كما أخرج الطبراني عن أبي ذر قال: مر فتى على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: نعم الفتى، فتبعه أبو ذر فقال: يا فتى استغفر لي. فقال: أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: استغفر لي، قال: ألا تخبرني قال: إنك مررت على عمر فقال نعم الفتى، وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يقول إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".[6]
كما أخبر (صلى الله عليه وسلم) أن فعل الاستغفار مبثوت في كون رب العالمين، حيث إن كل خلائق الله تستغفر للمومنين، وخص من ذلك صاحب العلم، حيث روى أنس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:" صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر" [7]. وفي رواية أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إنه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر " [8]
-بل ومنهم ملائكة رب العالمين، حيث روى علي بن أبي طالب عن النبي (صلى الله عليه وسلم):" ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ، ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي" [9].
-وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن المخارق عن أبيه مخارق بن سليم أن عبد الله كان يقول:" إذا حدثتكم بحديث أتيتكم بتصديق ذلك من كتاب الله ، إن العبد المسلم إذا قال: الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله، قبض عليهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن، فلا يمر على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن تعالى، ثم قرأ عبد الله : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ".[10]
*كما جعل سبحانه استغفار المؤمنين للمؤمن من الأفعال المحققة للشفاعة، حيث روى ابن عباس عن النبي الأمين أنه قال:" ما من أربعين من مؤمن يستغفرون لمؤمن إلا شفعهم الله فيه ".[11]
*وبين أن أثر هذا الفعل كما يناله الأحياء ينتقل أثره إلى الأموات ، حيث حث (صلى الله عليه وسلم) على الاستغفار للأموات بعد دفنهم، فقال صلى الله عليه وسلم كما روى عنه عثمان رضي الله عنه :" استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " [12].
-وفي رواية أبي هريرة قال: نعى لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال استغفروا لأخيكم ".[13]
-لقد تربى السلف الصالح على هذا الخلق وصار ديدنهم مع بعضهم، يستغفرون للمخطئ كما يستغفرون للمصلح، أو لمن أسدى إليهم معروفا .
-ومن الأمثلة على استغفارهم لمن أسدى إليهم معروفا: ما روي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له، فمكثت حينا أسمع ذلك منه ثم قلت في نفسي: والله إن ذا لعجز إني أسمعه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه ولا أسأله عن ذلك لم هو. فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، فقلت له: يا أبتاه أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هو ؟ قال أي بني كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة..".[14]
-كما يروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يجري على أحد المسلمين صدقة، فلما حصل لعائشة ما حصل من أهل الافك وأنزل الله تعالى في براءتها:" إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم " . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على أحدهم، مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة. فأنزل الله تعالى:" ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم " النور/22.. فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه " [15].
-وعن ابن عمر: أن أبا بكر الصديق نال من عمر شيئا ثم قال: استغفر لي يا أخي فغضب عمر فقال له ذلك مرارا فغضب عمر فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وانتهوا إليه وجلسوا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل " فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، وما من خلق الله بعدك أحد أحب إلي منه، فقال أبو بكر: وأنا والذي بعثك بالحق ما من أحد بعدك أحب إلي منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" لا تؤذوني في صاحبي فإن الله عز وجل بعثني بالهدى ودين الحق فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ، ولولا أن الله عز وجل سماه صاحبا لاتخذته خليلا ولكن أخوة الله، ألا فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة ". [16]
-وأخرج الحاكم في مستدركه عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : "[.....] أعطاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرضا وأعطى أبا بكر أرضا فاختلفنا في عذق نخلة قال: وجاءت الدنيا فقال أبو بكر: هذه في حدي، فقلت: لا بل هي في حدي، قال: فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها، قال: فقال لي : يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى نكون قصاصا، قال فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا قال : والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فقلت: لا و الله ما أنا بقائل لك إلا خيرا قال: فرفض أبو بكر الأرض وأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جعلت أتلوه فقال: أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك، قال فقلت: أتدرون من هذا؟. هذا أبو بكر، هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة قال: فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان، قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا ربيعة مالك والصديق؟ قال: فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي: قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أجل فلا تقل له مثل ما قال لك، ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر، قال: فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي ".[17]
-وأخرج الحاكم عن عمران ابن أبي الجعد عن الأشتر قال: ابتدأنا خالد بن الوليد من غير أن أسأله قال: ما أتى علي يوم قط كان أعظم علي من شأن عمار لما كان يوم بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أناس من أصحابه وأمرني عليهم وكان في القوم عمار فأصبنا قوما فيهم أهل بيت من المسلمين فكلمني فيهم عمار وناس من المسلمين قالوا: خل سبيلهم قلت: لا والله لا أفعل حتى يراهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيرى فيهم رأيه، فغضب علي عمار، فلما قدمت استأذنت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو يستخبرني وأنا أحدثه، فاستأذن عمار فأذن له فدخل عمار فقال : يا رسول الله ألم تر خالدا فعل كذا وفعل كذا ؟. فقلت : يا رسول الله، أما والله لولا مجلسك ما سبني ابن سمية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا عمار أخرج، فخرج عمار وهو يبكي ويقول: ما نصرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على خالد. فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ألا أجبت الرجل قلت : ما منعني إن أجبته إلا محقرة له، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إنه من يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن يحقر عمارا يحقره الله، فخرجت من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم أزل أطلب إلى عمار حتى استغفر لي ".[18]
*وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن فتى من أبناء المهاجرين أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله استغفر لي فتشاغل عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فردد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرات، فلما رأى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يستغفر له، قال الفتى بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث مرات: اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي فإن رسولك لم يستغفر لي، فلما انصرف الفتى نزل جبريل عليه السلام إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: يا رسول الله هلا استغفرت للفتى فإن الله قد غفر له فالحقه حتى تعلمه أن الله قد غفر له، وقل له يستغفر لك فأحضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أثره حتى لحقه فلما لحقه قال: يا فتى إن الله عز وجل قد غفر لك فاستغفر لي ، فقال الفتى: اللهم إني أستغفرك لرسولك اللهم إني أستغفرك لرسولك ونبيك كما غفرت لي إنك واسع المغفرة وأنت أرحم الراحمين ".. [19]
وفي نص جميل من آثار سلفنا الصالح يتبين لنا الخلق الرفيع، المتمثل في الاستغفار للغير بعد وقوعهم في أعراض المستغفرين لهم، حيث يروي لنا عصام بن المصطلق قال: دخلت المدينة فرأيت الحسن بن علي عليهما السلام فأعجبني سمته وحسن روائه فأثار مني الحسد ما يجنه صدري لأبيه من البغض فقلت : أنت ابن أبي طالب ! قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه ، فنظر إلي نظرة عاطف رؤوف ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فقرأ إلى قوله : " فإذا هم مبصرون " ثم قال لي : خفض عليك أستغفر الله لي ولك إنك لو استعنتنا أعناك ، ولو استرفدتنا أرفدناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، فتوسم في الندم على ما فرط مني فقال : " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " يوسف/92 . أمن أهل الشام أنت ؟ قلت نعم ، فقال : شنشنة أعرفها من أخزم ". حياك الله وبياك وعافاك وآداك، انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك تجدنا عند أفضل ظنك إن شاء الله ، قال عصام: فضاقت علي الأرض بما رحبت ووددت أنها ساخت بي، ثم تسللت منه لواذا وما على وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه " [20]
وكما علمتنا شريعة الرحمان كيف نستغفر للغير، أرشدتنا ونبهتنا الى أناس لا يستغفر لهم، لأن خلق الاستغفار للآخر لا يصل إلا لمن رضي عنه ربه، ولكنه مع ذلك محصور بين المسلمين، لا يلج بابه المنافقون والمشركون، حيث قال سبحانه في بيان منعه على المنافقين:" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم، استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين " . التوبة: 79-80 .
قال ابن كثير: " يخبر تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار وأنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ". [21]
-أما منعه على المشركين فقال سبحانه:" ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم " التوبة /113.
وأخرج البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره : أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ، فلم يزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فأنزل الله تعالى فيه " ما كان للنبي ..." الآية".[22]
هذا هو الاستغفار للغير، وهكذا تعامل معه السلف الصالح، وعلى هذا الخلق الحسن تربوا وربوا غيرهم .
لكن يا ترى كيف هي سيرتنا مع بعضنا، أنرد الحسنة بمثلها أم بضدها؟.
كيف نتعامل مع من يسيء إلينا ؟ أنرد السيئة بمثلها، أم بالزيادة عليها، أم بالاستغفار لصاحبها ؟.
لا بأس على أية حال، لعلنا نسينا أو لم نكن نعرف، وقد حصل لنا التذكر فحي على العمل، وعلى تغيير السلوك من فعل قبيح الى فعل حسن، ولنتخلق بأخلاق حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي علمنا حب الخير لأنفسنا ولغيرنا .
د/أحمد العمراني
جامعة شعيب الدكالي- الجديدة- المغرب
جامعة شعيب الدكالي- الجديدة- المغرب
[1] -الأدب المفرد//138..بسند صحيح.
[2] -صحيح البخاري ج/1/14/13 وصحيح مسلم كتاب الايمان رقم:45
[3] -أخرجه البخاري رقم:2728.ومسلم رقم:2498
[4] -مسند أحمد بن حنبل 5/392/23378. تعليق شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح.
[5] -الجامع الصغير وزيادته 1/383/3827 .
[6] -مسند الشاميين :2/382/1543.
[7] -صحيح الجامع:3753
[8] -صحيح ابن ماجة 146/195-135.
[9] -الجامع الصغير وزيادته 1/1066/10655.
[10] -المعجم الكبير 9/233/9144.
[11] -الجامع الصغير وزيادته :1/617/
[12] -الجامع الصغير وزيادته : 1/95/947
[13] -صحيح مسلم 2/656/63-951
[14] -صحيح سنن ابن ماجة 1/178/886.وصحيح ابي داود/980.
[15] -صحيح البخاري :2 /942/2518
[16] -المعجم الكبير 12/372/13383
[17] -هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه تعليق الذهبي قي التلخيص : لم يحتج مسلم بمبارك، وأخرجه الطبراني في الكبير :5 /58/4577. المستدرك 2/188/2718 وذكره الألباني مختصرا في الصحيحة :8/152/3145.بلفظ: يا ربيعة ما لك وللصديق ؟ قلت : يا رسول الله كان كذا كان كذا قال لي كلمة كرهها فقال لي : قل كما قلت حتى يكون قصاصا [ فأبيت ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل فلا ترد عليه ولكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر".
[18] -المستدرك 3/441/5675
[19] -المستدرك للحاكم وصححه : 4/284/7655تعليق الذهبي قي التلخيص : غريب.
[20] -الجامع لأحكام القرآن القرطبي :7/306
[21] -تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/493
[22] -صحيح البخاري 1/457/1294