من آيات الصيام

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع مهاجر
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

مهاجر

New member
إنضم
28/02/2006
المشاركات
31
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
كل عام وأنتم بخير أيها الكرام .
هذه بعض الوقفات مع آيات الصيام .

فمن قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
يا أيها : نداء للبعيد استحضارا لذهن السامع ، إن كان غافلا كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ) ، أو غير غافل ، وإنما أريد بذلك شحذ ذهنه ، كنداء المؤمنين في مثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
الَّذِينَ آَمَنُوا : تعليق لما هو آت بوصف الإيمان المستفاد من جملة الصلة ، فيكون الإيمان علة الحكم الآتي ، على طريقة من يقول : تعليق الحكم بوصف مشتق ، مؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، والحكم إما :
أمر ، فيكون وصف الإيمان مناسبا له ، إذ الإيمان مظنة التكليف بالفعل
أو : نهي ، فيبدو ، للوهلة الأولى ، أن الأنسب أن يخاطب به الكافر المعرض ، أو حتى المؤمن حال غفلته ، فلا يحسن النداء بوصف الإيمان ، وهو مظنة المدح ، والسياق : سياق زجر لكافر أو تنبيه لغافل مؤمن ، ولكن ذلك معارض بنحو قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ، فالتقدم بين يدي الله ورسوله وصف مذموم ، والخطاب للمؤمنين بالصفة التي مُدِحوا بها ، والجواب : أن ذلك منزل منزلة التحذير من الوقوع فيما يسلبهم وصف المدح ، على طريقة : الوقاية خير من العلاج ، فاجتناب الذنب ابتداء أليق بحال المؤمن اليقظ ، بخلاف الكافر أو المؤمن الغافل فإن حاله أدعى إلى الوقوع في المحظور ، فيكون المعنى : يا أيها الذين آمنوا إياكم والغفلة التي تؤدي بكم إلى التقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتهلكوا كما هلك من قدم رأيه أو ذوقه على شريعة رب العالمين .
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ : حُذِفَ الفاعل للعلم به ، والكتابة مظنة الوجوب ، كالفرض ، إذ فيها معنى الإلزام .
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : تشبيه لا يلزم منه التطابق التام من كل وجه ، ومنه استنبط بعض أهل العلم أن الصوم في أول أمره كان كصوم أهل الكتابين من قبلنا ، فكان الرجل إذا نام إلى العشاء حرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى غروب شمس اليوم التالي ، كما في حديث قيس بن صرمة ، رضي الله عنه ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ .................) .
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ : تعليل ، أي : لتتقوا الله ، عز وجل ، بإقامة شعيرة الصوم تعبدا ، فليس المراد تعذيب الأبدان ، ولكن المراد تهذيب الأرواح وتربية النفوس على الصبر في سبيل الله .

*****

أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ : تهوين لمشقة الصيام وتنبيه إلى سرعة انقضاء أيامه لئلا يتفلت ولما يعمل الإنسان فيه ما يشفع له عند ربه جل وعلا .
وفي الكلام إيجاز بالحذف ، إذ حذف عامل النصب في "أياما" المقدر بنحو : صوموا أياما ، لدلالة السياق عليه ، كما أشار إلى ذلك الألوسي ، رحمه الله ، وفي قوله : "أياما معدودات" : إزالة لإبهام الصيام في الآية الأولى ، وكأنك ترى المخاطب لما تُلِيَ عليه الأمر بالصيام ، تبادر إلى ذهنه السؤال عن مدة الصوم بنحو : وكم يوما نصوم ؟ ، فجاء البيان : صوموا أياما معدودات ، ولكنه بيان جزئي لا يشفي الغليل ، إذ ما زال الإبهام واقعا في عدد تلك الأيام ومكانها من أيام العام ، أفي شعبان أم في رمضان ؟ أفي الصيف أم في الشتاء ......... إلخ من الاحتمالات العقلية ، فجاء البيان الشافي الوافي في صدر الآية الثالثة : "شهر رمضان" ، كما سيأتي إن شاء الله ، وإلى هذا التدرج في البيان أشار الألوسي ، رحمه الله ، في تفسيره .
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : أي : فله أن يفطر ويكون صيامه عدة من أيام أخر ، ففي الكلام إيجاز بالحذف ، دل عليه السياق اقتضاء ، ودلالة الاقتضاء أصل يفزع إليه في مثل هذه المضائق ، وفيه رد على الظاهرية ، رحمهم الله ، الذين أوجبوا الفطر على كل مريض أو مسافر عملا بظاهر الآية دون التفات إلى دلالة الاقتضاء على عادتهم في اعتبار الظاهر المنطوق دون ما سواه من دلالة إشارة أو اقتضاء أو مفهوم .
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ : تقديم ما حقه التأخير . وفيه من التكليف بــ : "على" التي تفيد وجوب الشيء على المخاطب ما يشعر بأنه ، وإن كان جائزا ، إلا أنه خلاف الأولى .
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ : بيان للفدية بعد إجمالها ، وهو من أجلى أقسام البيان ، إذ جاء عقب الإجمال مباشرة ، فالبدل أو عطف البيان : "طعام مسكين" مبين لإجمال الفدية .
فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَه : شرط جيء به لاستنهاض همة المكلف فلا يرضى إلا بما هو خير .
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ : التعبير بأن ومدخولها يفيد من استحضار معنى الصوم طيلة يومه ما لا يفيده التعبير بالمصدر المؤول : "وصيامكم خير لكم" ، فالتجدد المستلزم لتمام المراقبة في : "وأن تصوموا" لا يتحقق في الإتيان بالاسم ، وكأنك ترى الصائم في اليوم القائظ ، وقد تطلعت نفسه إلى الماء البارد فاستحضر معنى الصيام المتجدد في : "وأن تصوموا" فكفها عن خاطر السوء وردها إلى جادة الصواب .
تماما كما قيل في قوله تعالى : (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فاستحضار معنى الصبر المتجدد في : "وأن تصبروا" يكف النفس عن نكاح الإماء وإن كان مباحا فهو رخصة ، فلا تتطلع النفس إلى شهوة حرام ، تتجدد بتجدد أسبابها ، إذ يجدد لها من معاني الصبر ما يكف بأسها ، لاسيما في الأعصار المتأخرة التي عدمت فيها الرخصة والعزيمة !!!! ، فلم يبق إلا الصبر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وفي الصوم من معاني الصبر ما فيه ، ولذلك كان دواء ناجعا لمن هذا حاله .
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : إلهاب لمشاعر المخاطب على طريقة : (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .
والالتفات من غيبة : "فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ" إلى خطاب : " إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" : يزيد الإلهاب والتهييج على الفعل شدة ، فصار الحض على الصوم حاصلا بثلاث جمل :
الأولى : "فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ" . فتعليق الخيرية على الصيام ، ولو كان تطوعا ، مشعر برجحان فعله على تركه كما تقدم .
والثانية : "وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكم" : على التفصيل السابق في تجدد المعنى في الفعل : "تصوموا" .
والثالثة : "إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" : فهو شرط ثان باعث على الفعل ، وجوابه محذوف دل عليه السياق اقتضاء ، فيكون فيه ، إيجاز بالحذف ، فتقدير الكلام : إن كنتم تعلمون اخترتموه ، (أي : الصوم) ، أو سارعتم إليه وقيل : معناه إن كنتم من أهلِ العلمِ والتدبُّر علمتم أن الصومَ خيرٌ من ذلك ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، وكل ذلك بمنزلة التوطئة إلى إيجاب الصوم لزوما في الآية التالية ، فإن ذلك الحث المؤكد بالتكرار على الصوم مع مشروعية الفدية مؤذن بنسخ الرخصة ، وإلزام المكلفين بالعزيمة .

*****

شَهْرُ رَمَضَانَ : بيان نهائي مزيل لإجمال زمن الصوم قدرا ومكانا ، فالصوم الواجب قدره : شهر ، ومكانه : رمضان ، وفي الكلام إيجاز بالحذف إما على قراءة :
"شهرُ" : فيكون تقدير الكلام : هو شهر رمضان ، أو : ذلك شهر رمضان ، فيكون في الإضمار أو الإشارة نوع توكيد ، فما سبق من الإجمال بيانه هو شهر رمضان .
أو على قراءة : "شهرَ" : بتقدير عامل محذوف كــ : صوموا شهرَ رمضان ، أو يكون النصب على الاختصاص بتقدير : أعني شهرَ رمضان ، أو أخص شهرَ رمضان بما سبق من إيجاب الصوم ، ففيه ، أيضا ، من العناية بشأنه والتوكيد على وجوب صومه ما فيه .
الذي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ : توضيح للشهر بأشرف أوصافه ففيه نزلت أشرف الكتب الإلهية .
وجاء بالفعل : "أنزل" : مبنيا لما لم يسم فاعله ، للعلم به ، فالمنزل على قلب الرسول البشري بواسطة الرسول الملكي هو الرب العلي جل شأنه وتقدس وصفه .
وأنزل من "الإنزال" : الذي يفيد النزول جملة واحدة ، وهو ما وقع بالفعل ليلة القدر ، إذ أنزل فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، بخلاف "نزل" بالتشديد ، فهو من "التنزيل" ، فيفيد التكرار ، على طريقة : الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى ، وهو ما وقع بالفعل طيلة بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ كان القرآن ينزل نجوما مفرقة : ابتداء بلا سبب ، أو على سبب كما قرر أهل العلم .

هُدًى لِلنَّاسِ : بيان لعلة الإنزال ففيه من المسائل الخبرية والأحكام العملية ما يهدي الناس إلى خيري المعاش والمعاد .
وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ : فليست مسائله خبرية بلا براهين عقلية ، كما ادعى من ادعى من أرباب الفلسفة والكلام ، وإنما احتوى : الأخبار والأحكام بأدلتها النقلية والعقلية ، ففيه من طرق الجدال العقلي الصحيح ما يلزم المخالف الحجة ، ويورث الناظر فيه طمأنينة القلب وقوة العقل .
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ : نسخ لما سبق من رخصة ، بعد تمام التوطئة لذلك في الآيات السابقة ، و "أل" في "الشهر" عهدية تشير إلى المعهود الذكري المتقدم : "شهر رمضان" .
وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : دلالة اقتضاء سبق بيانها ، فتقدير الكلام : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فأفطر فصيامه َعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ : إرادة شرعية ، وإن لم يرده كونا في حق بعض المكلفين ممن شددوا فشدد الله عليهم ، وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها ، مرفوعا : (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) .
والرهبانية مظنة السآمة والملل ، وفي التنزيل : (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) ، إذ كل ما خرج عن حد المألوف مظنة الانقطاع .
وعند أبي داود ، رحمه الله ، في "سننه" ، وأبي يعلى الموصلي ، رحمه الله ، في "مسنده" ، واللفظ له ، من حديث أنس ، رضي الله عنه ، مرفوعا : "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات : (رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)" .

والتعبير بالمضارع : دليل التجدد ، ففيه من إظهار الله ، عز وجل ، العناية بإصلاح شئون عباده ما فيه .
وفي المقابلة بين : "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ" و : "وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" ، أو : طباق السلب في : "يريد" و "لا يريد" ، وطباق الإيجاب في : "اليسر" و "العسر" ، في كل ذلك من بيان نعمة الله ، عز وجل ، على عباده بالتخفيف ما فيه ، إذ بضدها تتميز الأشياء .
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : تعداد لبعض حِكَمِ الصوم ففيه إتمام للعبادة يعقبه تكبير وتحميد ، لعل العبد يؤدي بعض شكر نعم الرب ، جل وعلا ، عليه ، فلن يبلغ تمام ذلك ، وإن واصل الليل بالنهار شكرا وذكرا .

والله أعلى وأعلم .
 
عودة
أعلى