محمد محمود إبراهيم عطية
Member
روى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) ومسلم عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " [1] ؛ وعند أحمد والترمذي عَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ ، وَإِنْ قَامَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ " أَيْ : فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ؛ ولفظ الترمذي : " الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ " [2] .
في الحديثين أن من قام من مجلسه لعذر ، ثم عاد إليه فهو أحق به ، سواء ترك فيه متاعًا أو لا ؛ وقد اختلف العلماء : هل هو من باب الأدب ، أم أنه واجب له لا يزاحمه فيه أحد ؟ وأَجَابَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَب أَنَّ الْمَوْضِع فِي الْأَصْل لَيْسَ مِلْكه قَبْل الْجُلُوس ، وَلَا بَعْد الْمُفَارَقَة ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْأحَقِّيَّةِ فِي حَالَة الْجُلُوس : الْأَوْلَوِيَّة ، فَيَكُون مَنْ قَامَ تَارِكًا لَهُ قَدْ سَقَطَ حَقّه جُمْلَة ، وَمَنْ قَامَ لِيَرْجِع يَكُون أَوْلَى ؛ وَقَدْ سُئِلَ مَالِك عَنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ : مَا سَمِعْت بِهِ ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ إِذَا كَانَتْ أَوْبَته قَرِيبَة ، وَإِنْ بَعُدَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ ؛ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَحَاسِن الْأَخْلَاق . وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي ( الْمُفْهِم ) : هَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِوُجُوبِ اِخْتِصَاص الْجَالِس بِمَوْضِعِهِ إِلَى أَنْ يَقُوم مِنْهُ ؛ وَمَا اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَب لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ لَا قَبْل وَلَا بَعْد ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّا نُسَلِّم أَنَّهُ غَيْر مِلْك لَهُ ، لَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغ غَرَضُه ، فَصَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَته ، فَلَا يُزَاحِمهُ غَيْره عَلَيْهِ [3] ؛ وظاهر الحديث يدل على أحقيته ، وما ذهب إليه الإمام مالك حسن ، ومراعاة الأدب والأخلاق أمر مطلوب .
-----------------------------------------------
[1] أحمد : 2 / 262 ، والبخاري في الأدب ( 1138 ) ، ومسلم ( 2179 ) .
[2] أحمد : 3 / 422 ، والترمذي ( 2751 ) وصححه .
[3] نقلا عن ( فتح الباري ) : 11 / 63 .
في الحديثين أن من قام من مجلسه لعذر ، ثم عاد إليه فهو أحق به ، سواء ترك فيه متاعًا أو لا ؛ وقد اختلف العلماء : هل هو من باب الأدب ، أم أنه واجب له لا يزاحمه فيه أحد ؟ وأَجَابَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَب أَنَّ الْمَوْضِع فِي الْأَصْل لَيْسَ مِلْكه قَبْل الْجُلُوس ، وَلَا بَعْد الْمُفَارَقَة ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْأحَقِّيَّةِ فِي حَالَة الْجُلُوس : الْأَوْلَوِيَّة ، فَيَكُون مَنْ قَامَ تَارِكًا لَهُ قَدْ سَقَطَ حَقّه جُمْلَة ، وَمَنْ قَامَ لِيَرْجِع يَكُون أَوْلَى ؛ وَقَدْ سُئِلَ مَالِك عَنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ : مَا سَمِعْت بِهِ ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ إِذَا كَانَتْ أَوْبَته قَرِيبَة ، وَإِنْ بَعُدَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ ؛ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَحَاسِن الْأَخْلَاق . وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي ( الْمُفْهِم ) : هَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِوُجُوبِ اِخْتِصَاص الْجَالِس بِمَوْضِعِهِ إِلَى أَنْ يَقُوم مِنْهُ ؛ وَمَا اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَب لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ لَا قَبْل وَلَا بَعْد ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّا نُسَلِّم أَنَّهُ غَيْر مِلْك لَهُ ، لَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغ غَرَضُه ، فَصَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَته ، فَلَا يُزَاحِمهُ غَيْره عَلَيْهِ [3] ؛ وظاهر الحديث يدل على أحقيته ، وما ذهب إليه الإمام مالك حسن ، ومراعاة الأدب والأخلاق أمر مطلوب .
-----------------------------------------------
[1] أحمد : 2 / 262 ، والبخاري في الأدب ( 1138 ) ، ومسلم ( 2179 ) .
[2] أحمد : 3 / 422 ، والترمذي ( 2751 ) وصححه .
[3] نقلا عن ( فتح الباري ) : 11 / 63 .