من آداب الأكل - غمس الذُّبَابِ يَقَعُ فِي الطَّعَامِ

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً ، وَفِي الْآخَرِ دَاءً " [1] ؛ وفي رواية أبي داود والترمذي : " وَإِنَّهُ يَتَّقِى بِالْجَنَاحِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ " ؛ ومعنى : " فَلْيَغْمِسْهُ " : فليغطه وليدخله فيه ، " دَاء " : سبب المرض ، " شِفَاء " : سبب الشفاء من ذلك الداء الذي في أحد الجناحين .
وروى أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ ، فَأَتَانَا بِزُبْدٍ وَكُتْلَةٍ ، فَأُسْقِطَ ذُبَابٌ فِي الطَّعَامِ ، فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِأُصْبُعِهِ فِيهِ ؛ فَقُلْتُ : يَا خَالُ ، مَا تَصْنَعُ ؟! فَقَالَ : إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : " إِنَّ أَحَدَ جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ ، وَالْآخَرَ شِفَاءٌ ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ ؛ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ " [2] . وقوله صلى الله عليه وسلم : " فَامْقُلُوهُ : اغمسوه كله ، كما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه .
قال ابن القيم - رحمه الله : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : مَعْنَى " اُمْقُلُوهُ " : اغْمِسُوهُ لِيَخْرُجَ الشّفَاءُ مِنْهُ كَمَا خَرَجَ الدّاءُ ؛ يُقَالُ لِلرّجُلَيْنِ : هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَّا فِي الْمَاءِ .
وَاعْلَمْ أَنّ فِي الذّبَابِ عِنْدَهُمْ قُوّةً سَمِّيَّةً ، يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السّلَاحِ ، فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيهِ اتّقَاهُ بِسِلَاحِهِ ؛ فَأَمَرَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقَابِلَ تِلْكَ السّمّيّةَ بِمَا أَوْدَعَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي جَنَاحِهِ الْآخَرِ مِنْ الشّفَاءِ ، فَيُغْمَسُ كُلّهُ فِي الْمَاءِ وَالطّعَامِ ، فَيُقَابِلُ الْمَادَّةَ السُّمِّيَّةَ الْمَادَّةُ النّافِعَةُ ، فَيَزُولُ ضَرَرُهَا ؛ وَهَذَا طِبّ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ كِبَارُ الْأَطِبّاءِ وَأَئِمّتُهُمْ ، بَلْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ مِشْكَاةِ النّبُوّةِ ، وَمَعَ هَذَا فَالطَّبِيبُ الْعَالِمُ الْعَارِفُ الْمُوَفّقُ يَخْضَعُ لِهَذَا الْعِلَاجِ ، وَيُقِرّ لِمَنْ جَاءَ بِهِ بِأَنّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَأَنّهُ مُؤَيّدٌ بِوَحْيٍ إلَهِيِّ خَارِجٍ عَنْ الْقُوَى الْبَشَرِيّةِ ؛ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَطِبّاءِ أَنّ لَسْعَ الزّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِكَ مَوْضِعُهُ بِالذّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيّنًا وَسَكَّنَهُ ، وَمَا ذَاكَ إلّا لِلْمَادَّةِ الّتِي فِيهِ مِنْ الشّفَاءِ ، وَإِذَا دُلِكَ بِهِ الْوَرَمُ الّذِي يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمّى ( شَعْرَةً ) - بَعْدَ قَطْعِ رُءُوسِ الذّبَابِ - أَبْرَأَهُ [3] .
قال مقيده – عفا الله عنه : وقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة ما جاء به الحديث الشريف ؛ ففي مجلة ( التجارب الطبية الانجليزية ) عدد 1037 سنة 1927 ما ترجمته : لقد أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض ، وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم ، واختفى أثرها ، وتكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم ، تسمى ( بكتريوناج ) ؛ ولو عملت خلاصة من الذباب في محلول ملحي لاحتوت على ( البكتريوناج ) ، التي يمكنها إبادة أربعة أنواع من الجراثيم المولدة للأمراض ، ولاحتوت تلك الخلاصة - أيضًا - على مادة خلاف البكتريوناج نافعة للمناعة ضد أربعة أنواع أخرى للجراثيم [4] .
----------------------------------------
[1] البخاري ( 5445 ) .
[2] أحمد : 3 / 67 ، وروى ابن ماجة المرفوع منه ( 3504 ) ، وكذلك أبو يعلى ( 986 ) ، وعنه ابن حبان ( 1247 ) .
[3] انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 102 .
[4] نقلا عن ( مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها ) لعبد الله القصيمي - اهتم بطبعه المجلس العلمي السلفي ، تحت إشراف دار الدعوة السلفية ، شيش محل رود - لاهور- باكستان - رجب 1406هـ - مارس 1986 م .
 
عودة
أعلى