بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم وبعد : فانه من المعلوم أن الله انزل كتابه العظيم هداية للناس ، وليرشدهم إلى صلاحهم في المعاد والمعاش، لينالوا بذلك رضا الله سبحانه في الدارين . وقد حوى هذا الكتاب علم الأولين والآخرين ، وجاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشرية في كل عصر ودهر ، ويتجلَى لك هذا بوضوح إذا استعرضت المقاصد النبيلة التي رمى إليها القران الكريم ومن خلال دراسة الآيات القرآنية وما فيها من أمور بلاغيه ولغويه ، ومعرفه ما في الآيات من مواطن الفن والجمال، وأسرار التعبير . ولهذا جاءت الآيات تحث المسلمين عموما على قراءه القران والإقبال على دراسته وتدبره والرجوع إليه في كل الأمور ليتحقق لهم بذلك العلم النافع الذي يحفظهم من مزالق الشهوات والشبهات، وليصل هم هذا القران إلى هداية خلق الإيمان في القلب ،والتي هي منحه وهبة إلهيه لعباده المتقين، يقول تعالى " الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه (2) هدى للمتقين (3)". ولأجل ذلك تباين الناس من حيث الرجوع الى القران الكريم كل بحسب قصده ونيته ،فالبعض يقرا القران باعتباره كأي كتاب من الكتب ألعامه، والبعض يقرا القران ويحفظه من اجل التكسب وطلب الجاه والمنزلة ، وهذا اقبال مذموم ، والبعض يقرا القران تعبداَ وطاعة لله وهذا إقبال محمود ، ولكن المهم هو الإقبال الموصوف بكمال المدح والثناء ذلك هو الذي يقرا القران ويقبل عليه باعتباره المنهج الآلي والقاعدة الكلية التي يصل بها الي العبودية الخالصة لله سبحانه ، ولأعمار الأرض بمنهج القران في الإصلاح ، ولهذا الطراز من الناس كتب هذه البحث المتواضع، والذي يتضمن الأسس العلمية لدراسة كتاب الله ،وذلك من خلال تهيئه وإعداد الكوادر في فهم وتفسير القرآن على ضوء منهج السلف في تفسير كتاب الله . وأسال الله ان يوفقنا إلى الالتزام بكتابه علا وعملا ، وان يرزقنا القصد في القول والعمل ، وان يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ولا يجعل لأحد فيه شيئا .يتبع ..
الشروط التي يجب ان تراعى عند دراسة التفسير :- 1_ إن من أعظم القربات والعبادات التي يتقرب بها العبد الله سبحانه وتعالى بعد الفرائض هي قراءه القران الكريم ، ودراسته وتدبر معانيه ،والتغلل في مقاصده ومراميه ، ولهذا ولكون هذه الدراسة عباده لله سبحانه وتعالى فلا بد من توفر شروطها وهي :- أ_ صدق الهمة والإرادة ، وذلك لان كبر الهمة يجلب للعبد بإذن الله خيرا غير مجهود ، ويرقي به إلى درجات الكمال ، فلا يرى واقفا الا على أبواب الفضائل . ب_ إخلاص النية وتجريد القصد لله سبحانه ، ذلك لأنه إذا فقد الإخلاص انتقل عمله من أفضل الطاعات إلي أحط المخالفات ، ولا شي يمحق العلم ويحطمه ويذهب بركته مثل الرياء – رياء الشرك- مثل أن يقول مسمّعاَ قرأت وحفظت. ج_ متابعه الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله وأموره وخاصه فيما يتعلق بهديه في قراءه القران وذلك من خلال قراءه (زاد المعاد) أو ( التبيان) للعلامة ابن القيم الفصل الذي يتعلق بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلاوته لكتاب الله عز وجل . 2_ الإقبال على هذه الدراسة بقلب خاشع وآذان واعية ، والعمل بالقران وتطبيقه في الواقع، فان ذلك معين على الحفظ والتدبر والفهم الصحيح وهو فضل الله يؤتيه من يشاء . 3_الدعوة بالقران والدعوة إليه ، وذلك من خلال تعليم الناس القران والاستشهاد به في كل مناسبة او حادثه، وتفهيم الناس لمقاصده العظيمة، وغاياته الحميدة،وتوجيهاته النبيلة التي تضمنها آيات وسور ، وتحذيرهم من خطر الابتعاد عن قراءته وتدبره ، وما ينتج ذلك من اثأر سيئة على الفرد وآلامه . 4_ان ينوي الدراس في دراسته فضلا عن ابتغاء وجه الله تعالى والإخلاص له ، رفع الجهل عن نفسه ، ورفع الجهل عن غيره ، وصيانة للشريعة الغراء، والذب عنها وذلك من خلال النظر في آيات الله باعتبارها الحجة البالغة على الخلق أجمعين . 5_أن يتصف الدارس بالصبر والمجاهدة من خلال حبس النفس على ملازمه التقوى في السر والعلانية، والمنشط والمكره هذا من جهة ، ومن جهة أخرى حبسها على مواصله البحث والدراسة، وهذا يحتاج إلى قدر كبير من اليقظة الدائمة، واستغلال الفرص، وترك كل ما يشغل وما لا ينفع عن مواصله البحث العلمي، والمطالعة الجادة.. 6_الاستقامة على ملازمه التقوى سبب مهم لهذه الدراسة كما قلنا مع الأخذ بنظر الاعتبار جانب الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه في جلب هذه المنفعة الدينية ، ودفع العوائق التي تحول تحصيل هذه الدراسة، وهذا كله متوقف على صدق الاعتماد على الله ظاهرا وباطنا بأسباب التحصيل العلمي وطلب العلم من أفواه العلماء يتبع ..
7_التأسيس في هذه الدراسة على ثلاثة علوم رئيسيه ألا وهي :- أ_ التأسيس على دراسة العقيدة الصحيحة وفقا لمنهج السلف وفهمهم، فيقرا مثلا في التوحيد (ثلاثة الأصول ) ، القواعد الأربع ، ثم كف الشبهات ثم كتاب التوحيد وجميعها لشيخ الإسلام محمد عبد الوهاب ، وفي توحيد الأسماء والصفات (العقيدة الواسيطة) وشرحها ، ثم التدمرية فالحموية لشيخ الإسلام ابن تميمة رحمه الله ثم الطحاوية وشرحها ، والتركيز على ماكتبه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهم الله في هذا الباب ، وما كتبه أئمة الدعوة لاسيما المحررات في الاعتقاد.(هذا التسلسل من اقتراح الشيخ بكر أبو زيد ). ب_ التأسيس على دراسة علوم ألسنه النبوية (الرواية والدراية) لأنها وثيقة الصلة بكتاب الله ، بل هي الوحي الثاني بعد القران ، وهي ألمظهره لمبهمة، والمقيدة لمطلقه ، والمبينة لمجمله . ج_التأسيس على دراسة العلوم اللغوية كالنحو وعلوم ألبلاغه ( علم البيان والبديع والمعاني ) ،والصرف، وذلك مثل قراءه الّاجرومية وشرحها ،وملحة الإعراب للحريري، ثم قطر الندى لابن هشام، وألفية ابن مالك مع شرحها لابن عقيل ، وفي لسان العرب العناية بإسفارها من المعلقات السبع، والقراءة في القاموس للفيروز آبادي ، وغير ذلك .يتبع انواع دراسة التفسير الاجمالية والتفصيلية ..
أنواع الدراسة (دراسة القران الكريم) -دراسة القران الكريم وتفسيره في الغالب تكون على نوعين : النوع الأول : الدراسة الإجمالية :- ومقصود هذه الدراسة معرفه اغلب معاني القران وآياته ، أي المعاني ألعامه للآيات وأسباب النزول ، والاستنباطات المهمة ، والفوائد والإشارات التي تفهم من الآيات ، وهذه الدراسة تستحصل بإذن الله من خلال ما يأتي :- 1_ قراءه سريعة لبعض التفاسير المختصرة مثل : (زبده التفسير ) و ( تفسير وبيان لمفردات القران)، مع الاهتمام بأسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ من علوم القران ومعرفه المكي والمدني منه . 2_قراءه مركزه لأحد التفاسير المعتمدة مثل تفسير ابن كثير رحمه الله، وهو الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير الدمشقي، وهو التفسير الذي التزم الروايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين خاصة وتعقبها بالنقد والاختيار . 3_ثم قراءه تفسير ابن تيميه وابن القيم ( رحمهما الله) تعالى مع التركيز على ( مقدمه في التفسير) لابني تيمية لأنها تمثل المنهج العلمي الصحيح القائم على أصول أهل ألسنه والجماعة في تفسير القران وتدبره ،وتناول قضاياه. النوع الثاني : الدراسة التفصيلية:- ومقصود هذه الدراسة معرفه المعاني التفصيلية والاستنباطات الدقيقة ، والنكت البلاغية ، والأحكام الفقهية ، والوقوف على ما يتعلق لفهم القران على الوجه التفضيلي آية آية ، ثم الربط بين آيات القران من جهة صلتها بألسنه، وربطها بواقع الحال للحصول على الثمرة المقصودة من دراسته القران من جهة أخرى . وربما تتسع هذه الدراسة إلى الحد الذي تتحول فيه بعض معاني الآيات إلى موضوع معين يدرس من كل جوانبه ، مثل موضوع الصدق في القران والتوكل أو لصبر وغير ذلك، وذلك من خلال الوقوف على الآيات ألقرانيه المتعلقة بهذا الموضوع او ذاك ، وهذا من شانه أن يفتح على الدارس بإذن الله آفاق واسعة في فهم القران والوقوف على أسرار وحكم القران ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولشيخ الإسلام الحظ الوافر من ذلك، فقد كتب رسائل عده في تفسير بعض الآيات ألقرانيه، واستنبط منها معاني عظيمه تدل على عمق الفهم وسعه الاطلاع، ومعرفه بالقران وأسراره.
وهذه الدراسة التفصيلية المشار إليها تستند على أساسين : الأساس الأول : وجود دراسة أجماليه للقران ، أي إن هذه الدراسة متوقفة على مدى نجاح النوع الأول للدراسة التي اشرنا إليها في بداية البحث . الأساس الثاني:التوسع في علوم الشريعة المتنوعة ، لاسيما العقيدة والحديث وعلومه ، والفقه واللغة وغيرها ، ولا يخفى على القارئ الكريم ما لهذه العلوم من صله وثيقة بالقران ومعرفه تفسيره ، وهذه العلوم منها ما يتعلق بالبحث في معاني الألفاظ من جهة اللغة مثل علم اللغة والنحو والتصريف وغيره ، ومنها ما يتعلق بمعرفه تحقيق ألفاظ القران وهو علم القراءات ، ومنها ما يتعلق باستنباط الأحكام وهو علم أصول الفقه إلى غير ذلك . ولا شك ان هذه العلوم تحقق للدارس الفائدة المرجوة وذلك بمعرفه معاني القران ، وتنقل الدارس بإذن الله إلى أجواء إيمانيه رحبة لا يعرفها الا من ذاق طعمها ، أجواء عاشها الرعيل الأول من ألصحابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهمهم العميق ، وعلمهم الدقيق ، واتصالهم الوثيق ، فاندفعوا إلى تحقيق هذه المعاني العظيمة وترجمتها إلى الحياة العملية ، فأصبحوا بذلك منارات يقتدى بهم في كل في الأحوال كلها . ولا بد من التنبيه في هذه المناسب إن هذه العلوم إنما تطلب من أفواه العلماء المعتبرين ، وذلك لان الدراسة بين أيدي العلماء توصل إلى العلم المطلوب من اقرب طريق واخصره كما نيه على ذلك ائمه العلم رحمهم الله ،يقول الشيخ الفاضل بكر أبو زيد في ذلك : (ذلك لان الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي من الأستاذ ، والمثافنه للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال، لا من الصحف وبطون الكتب ، والأول من باب اخذ النسيب عن النسيب وهو المعلم ، أما الثاني عن الكتاب فهو جماد فاني له اتصال النسب ،وقد قيل ( من دخل في العلم وحده خرج وحده)أي من دخل في طلب العلم بلا شيخ خرج بلا علم ، إذ العلم صنعه وكل صنعه تحتاج إلى صانع فلا بد إذا لتعلمها من معلمها الحادث ، وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمه عن أهل العلم ، والدليل المادي انك ترى ألاف التراجم على اختلاف الأزمان،و عبر الاعصار، وتنوع المعارف مشحونة بتسميه الشيوخ والتلاميذ ومستقل من ذلك ومستكثر ).
شروط الدراسة فيها : أما الشروط الواجبة توفرها في الدراسة فهي :- 1_الرغبة وصدقه العزيمة وقوه ألهمه في طلب العلم ، والتفرغ لهذا المجال إن أمكن وإلا فالموازنة . 2_الإمكانية العلمية وان يكون له أساس علمي قوي ، بمعنى أخر أن يكون عابرا للدراسة العامة (علوم الشريعة) . 3_ أن تتوفر فيه الشروط الدقيقة لطالب العلم . فحاصل الأمر : إن هذه الدراسة هي لخاصة أهل العلم ، والمقصود فيها تهيئه كادر متخصص في علوم القران والتفسير ، وان يهيئ للبحث والتدريس في هذا الجانب ، وان يكون هذا الكادر نموذجاً للقدوة الحسنه في العلم والعمل والدعوة ، ولعل هذا البحث المتواضع يحقق ولو شيئا يسيراً من ذلك بإذن الله وهو ولي التوفيق . مراحل الدراسة : تكون دراسة القران للمتخصصين وفقا للمراحل التالية :- المرحلة الأولى: 1: وتكون الدراسة فيها منصبه على المواضيع التالية :- اولا : الدراسات اللغوية وتشمل ما يلي :- أ_النحو والصرف أي دراسة ما يتعلق بمعاني الألفاظ من جهة اللغة ، مع الاهتمام بموضوع معاني القران أي (فقه اللغة). ب_ألبلاغه من خلال الاهتمام بالكتب التالية:- -كتاب أسرار ألبلاغه لعبد القاهر الجرجاني رحمه الله . -مفتاح العلوم ، قسم ألبلاغه فقط للسكاكي . -الفوائد المشوق إلى علوم القران – المنسوب لابن القيم رحمه الله- وعلومها فهي مهمة في بابها، ومن انفعها كتاب : (ابن القيم وحسه البلاغي)، وعلوم اللغة في الحقيقة ترجع إلى اثنتي عشر علما عند الأقدمين وهي : النحو والعروض والاشتقاق والخط والإنشاء والمحاضرات، أو ما يسمى بعلم الآداب والمناظرة . أهميه هذه العلوم اللغوية في فهم القران:- ولا شك إن العلوم اللغوية بأنواعها كعلم النحو وعلم الأساليب (المعاني والبيان) إنما يكون بممارسه الكلام البليغ ومزاولته حتى تكون للدارس ملكه على تأليف الكلام وإنشاءه ،فيعبر عن المعاني العديدة بالفاظ وجيزة بينة واضحة فيكون ذلك عونا للدارس على فهم القران وتعقله ، وقد كان سلفنا الصالح يتكلمون بما يوافق القواعد قبل أن توضع ،وكانت معاني تلك العلوم مركوزة في فطرتهم لا يحتاجون في فهمها إلى عناء كبير ولهذا جازو قصب السبق في فهم القران .