منهج د. محمد عبد الله دراز في التأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق في القرآن

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
138
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

محمد عبدالله دراز المتوفى منتصف عام 1377هـ رحمه الله ، العالم المسلم الكبير قامةٌ علميةٌ قلَّ من عرف قيمته من طلبة العلم المعاصرين ، وأراه لا يزال في حاجة ماسة إلى إلقاء المزيد من الأضواء على بحوثه ومؤلفاته الفريدة المتميزة . ومن أجود كتبه وأثمنها كتابه القيم (دستور الأخلاق في القرآن الكريم) ومنذ زمن وأنا أزمع الكتابة عن كتابه هذا وأعرض أبرز ما اشتمل عليه من فوائد ، ولم يتيسر بعدُ فعلُ ذلك ، ومثله كتبه (النبأ العظيم) و (مدخل إلى القرآن) وغيرها .
وقد قرأتُ عدداً من البحوث حول هذا الكتاب ، ومنها هذه المقالة التي نشرتُ في مجلة (إسلامية المعرفة) التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في العدد رقم 53 من المجلة بقلم رئيس التحرير ، وأرجو أن ينتفع به القارئ في معرفة ما شاتمل عليه ذلك الكتاب القيم الذي كان جزءاً من رسالة دكتوراه الدولة من جامعة السوربون الفرنسية عام 1367هـ .


[align=center]منهج محمد عبد الله دراز في التأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق [/align]

مفهوم التأصيل:
التأصيلُ مصطلحٌ يدلُّ على مفهوم، لكنّ المفهومَ غير محدد تماماً؛ إذْ قد ينصرفُ إلى دلالات متعددة، وقد تكون متناقضةً. ولذلك يجدرُ بالباحث أن يُعرِّف بالمصطلحات التي يختارُ استعمالَها في بحثه بدلالةِ أهداف البحث وإجراءاته، ضمن ما أصبح يعرف في مقدمات البحوث بالتعريف الإجرائي لمصطلحات البحث.
ويبدو أنّ اختيارَ المصطلح يخضعُ لعدد من الاعتبارات، بعضُها فكريٌ بحتٌ، لكنَّ بعضَها لا يخلو من ايحاءاتٍ سياسية. وربما ينطبق ذلك على مصطلح التأصيل. ومع ذلك، فإننا إذا تجاوزنا الدلالات المحددة التي اختارتها بعض المؤسسات لبرامجها ومشاريعها الفكرية، عند استعمالها لمصطلح التأصيل أو المصطلحات القريبة منه، فإننا نجد دلالاتٍ عامةً تكاد تكون مقبولة بشكل عام.
فالتأصيل هو البناء على الأصل، والانطلاق منه، والارتباط به. والأصل هو القاعدة التي يتم البناء عليها، فمثلاً عند قولنا: "الأصل في الأشياء الإباحة"، يمثل هذا قاعدةً شرعية في بيان الأحكام، ويتم تطبيق القاعدة على الحالات والأمثلة والقضايا، حتى يتم الحكم عليها والخروج برأي فيها. فالتأصيل في هذا المجال، هو النظر في الأمور والقضايا المراد الحكم عليها، بردّها إلى القاعدة التي يلزم تطبيقُها، فلا تردُّ إلى قاعدةٍ غيرِها، ولا يُنْظَرُ إليها نظرةً مستقلة، وكأنَّها شيءٌ لا أصل له.
والأصل هو ما ليس بفرع، وتربط الفروع بالأصول حتى يتمَّ تكوينُ الرُّؤْيَةِ الكليّة التي يصعب تكوينُها من النظر إلى فرعٍ واحدٍ، أو عددٍ من الفروع المتفرقة والمفصولة عن أصلها.
وتأصيل الشيء أو الفكرة يكونُ بِرَدِّها إلى أصلها، أو إيجاد أصل لها ضمن النظام المعرفي المعتمد في موضوع البحث، فتأصيل الفكرة هو بحث استرجاعي Retrospective يحاول ربط الفكرة بتاريخها وماضيها، أو هو بحث تحليلي يحاول ربط الفكرة الفرعية بأصلها الكليّ، أو المثال بقاعدته.
وتتضمنُ عمليةُ التأصيلِ توليدَ الأفكارِ الجديدة من أصولها وقواعدها، عن طريق الاستدلال الاستنباطي Deductive inference. فالفكر المؤصَل هو الفكر الذي يتم التوصل إليه من استلهام الأصول أولاً، والاشتقاق من هذه الأصول ثانياً، وكل فكر لا يتصف بذلك فكر غير مؤصَّل.
وارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالأصالة، بمعنى الجِدَّةِ والإبداعِ؛ فالفكرةُ الأصيلة فكرةٌ جديدةٌ غيرُ مسبوقة. والبحثُ الأصيل هو البحث الجديد الذي يُعرَضُ للمَرَّةِ الأولى. ومع ذلك فقد ارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالماضي، فالأصيل هو ما له أصلٌ في الماضي، ومن ثم أصبحت الأصالةُ تقابلُ المعاصرة. وحين نشعر بالحاجة إلى تأكيد هذا العمق التاريخي في الانتماء والهوية، دون التقليل من أهمية الاستجابة لمتطلبات العصر ومستجدات الحداثة، نجمع المعاصرة إلى الأصالة في شعار إيجابي مشترك.
أما مصطلح التأصيل الإسلامي، فهو واحد من عدد من المصطلحات التي ترتبط ببعضها فيما يكوّن حقلاً دلالياً واحداً، فالتأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق أو القيم، وإسلامية علم الأخلاق، وأسلمة علم الأخلاق، والتوجيه الإسلامي لعلم الأخلاق، وعلم الأخلاق في المنظور الإسلامي، كلها مصطلحات تنتمي إلى الحقل نفسه، ولكن اختيار أي منها قد لا يكون بالضرورة قراراً معرفياً منهجياً، بقدر ما يكون رغبة في استبعاد الدلالات والظلال، التي ربما توحي بها المصطلحات الأخرى.
ونكتفي في هذا المقام ببيان ما قد تشير إليه هذه المصطلحات، من خلال الإحالة إلى طبيعة البرامج التي حاولت ثلاث مؤسسات تطويرها، وعلاقة كل منها بالمصطلح الذي قررت اختياره؛ فالمعهد العالمي للفكر الإسلامي اختار مصطلح "إسلامية المعرفة"، وجامعة محمد بن سعود الإسلامية في الرياض اختارت مصطلح "التأصيل الإسلامي للعلوم"، وجامعة الأزهر في القاهرة استعملت مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم".
لقد انصرف مفهوم التأصيل الإسلامي لموضوع معين في كثير من: الأدبيات، والممارسات، وبعض المشروعات، إلى معانٍ ودلالات يمكن أن نميز منها:
- إضافة ما يُظن أنّه أصل إسلامي للمعرفة المعاصرة في ذلك الموضوع، وذلك بربط هذا الموضوع بما قد يتوافر من نصوص القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو شيء من تراث المسلمين الماضي. ومثال ذلك تأليف كتاب في علم النفس، فيه نقل وترجمة لما في أي كتاب في علم النفس، يعرض نظريات المدارس النفسية مثل: التحليل النفسي، أو السلوكية، أو الإنسانية...، ثم يضاف إلى الكتاب فصل يحتوى على بعض الآيات والأحاديث، التي يظن المؤلف أنها تتعلق بعلم النفس المعاصر، وربما يحتوي الفصل على مقتطفات من كلام أبي حامد الغزالي، أو ابن سينا، أو غيرهما عن النفس، ثم يُعطى للكتاب عنوان: علم النفس الإسلامي!
- ومنها محاولة إنشاء معرفة جديدة في الموضوع، انطلاقاً من الأصول الإسلامية في القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبويّة، أو التراث الإسلامي، "فما ترك السابق للاحق شيئاً" يبحثه، مع الزعم بإقامة قطيعة معرفية مع أية مصادر أخرى. وبخاصة المصادر الغربية الحديثة. ومثال ذلك تأليف كتاب عن النظام السياسي في الإسلام، يعيد المؤلف فيه صياغة محتوى كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وأمثاله من الكتب، دون أن يتحدث عن تراكم الممارسات والتجارب المتنوعة في أنظمة الحكم، وعلاقتها بالمبادئ السياسية الإسلامية.
- وثمة معنى ثالثٌ، يرى قيام التأصيل على ثلاثة متطلبات أساسية لا يغني أحدها الآخرين. المتطلب الأول: هو التَّمكُّن من المرجعية الإسلامية، والمواد الإسلامية ذات العلاقة بالموضوع المراد تأصيله، سواءً أكانت نصوصاً من القرآن الكريم، أم السُّنَّة النبوية، أو نصوصاً مختارة من تراث العلماء المسلمين، والمتطلب الثاني: هو التَّمكُّن من الأدبيات ذات العلاقة بالموضوع في الفكر الإنساني المعاصر، والمتطلب الثالث: هو القدرة على الجمع بين نتائج الفهم والاستيعاب لحصيلة كل من المتطلبين السابقين، ومن ثم القيام بقفزة إبداعية تُنتج معرفةً تتّصف بالإسلامية أو التأصيل الإسلامي.
إن تقدير الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات التي تدعو إلى التأصيل، واحترام خيارات هذه المؤسسات، لا تمعنا من الإشارة إلى أن ثمة تطرفاً في بعض أدبيات التأصيل، التي تقول بأن المعرفة الإسلامية الأصيلة لن تكون إلاّ نتيجة مباشرة من النظر في النصوص، ومعرفة دلالاتها كما وردت في تراث المسلمين السابقين، مع قطيعة معرفية بالواقع البشري المعاصر، ومعطياته المعرفية. ونرى أن إمكانية هذا اللون من التأصيل، ليست إلاً وَهْمَاً كبيراً! لكن من العدل أن نشير أيضاً إلى تطرفٍ في الاتجاه الآخر، وهو القول بأن جهود التأصيل ليست أكثر من تعبير عن سياسة الهروب من الواقع، وأن تحليل الفكر الأصولي يكشف عن استحالة التأصيل، ومن ثمَّ فلا سبيل أمام الشعوب المسلمة لتحقيق تقدمها، إلا بالتماهي والاندماج في تيارات الحداثة وما بعد الحداثة، كما حدثت وتحدث في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وهذا القول الثاني هو أيضاً وَهْمٌ، وهو وَهْمٌ أكبر من الأول!
والبحث عن الوصف الحق بين هذين اللونين من التطرف في فهم موضوع التأصيل، قد لا ينفع فيه القياس الكمي لتحديد النقطة الوسط، الذي هو الفضيلة بين رذيلتين، بل الأكثر نفعاً في سبيل تحديد دلالة التأصيل الذي نراه، هو الانطلاق من مرجعية يسهل الاتفاق عليها، والجمع بين ما يمكن أن يكون حقاً وخيراً وفضيلة في أي طرف، واستبعاد عناصر الفساد والشَّر منه، وبناء معادلة معرفية موزونة تبقى مفتوحة لإعادة التوازن إليها،كلما ازددنا علماً يستوجب التعديل والتصحيح.
المعادلة المعرفية في التأصيل الإسلامي:
إنَّ أيَّ معرفةٍ بشرية يُمْكِنُ للمسلم أن يتبنَّاها سوف تأتي من مصدريْن، هما: الوحي والكون، وعن طريق استخدام أداتَيْن، هما: العقل والحِسّ. والوحي هو القرآن الكريم، وهو المصدر المنشئ، والسُّنَّة الصحيحة هي البيان النَّبوي الملزم. أما الكون فيمكن أن نميز فيه ثلاثة عناصر: الكون المادي (أشياء الطبيعة وأحداثها وظواهرها)، والكون الاجتماعي (المجتمع البشري بشعوبه وقبائله وما تتمايز به من دول وأديان ولغات وقيم، وما أنجزته من علوم وتقنيات وثقافات وحضارات)، والكون النفسي (الشخصية الإنسانية بما تنطوي عليه: جسم وعقل وروح، وما تمتلكه من معارف ومهارات وانفعالات...)
وأداتا المعرفة هما: الحِسّ مِن: سمع، وبصر، وغيرهما، والعقل بدلالاته المتنوعة مِن: ملكات الإدراك، والفهم في الدماغ، والقلب، واللب، والفؤاد.
ومن ثَمَّ فإنّ معرفة المسلم حول موضوع معين، تأتي عن طريق الجمع بين القراءتين (أو القراءة في المصدرين: الوحي والكون)، ونتيجة للجمع بين وظيفة كل من الأداتين (الحس والعقل). ويتعاون مصدرا المعرفة، كما تتعاون أداتا المعرفة، في تزويد المسلم بالمعرفة. لكن معرفة المسلم سوف تبقى على أية حال معرفةً بشريةً، تنسب إلى الإنسان، وهو يتصف بها. وهي أمر مختلف عن عِلْم الله سبحانه، وعِلْم الملائكة، وعِلْم الكائنات الأخرى. فعلمُ الله مطلقٌ، وعلمُ الإنسانِ نسبيٌ يزيد وينقص، ويصح ويخطئ. وعندما يُعطِي اللهُ الإنسانَ شيئاً من علمِهِ، "يُعَلِّمُكُم مَا لَمْ تَكونُوا تَعْلَمُون،" فإنّ ما يكتسبه الإنسانُ من هذا العلمِ يصبحُ جزءاً من العلم البشري، ويبقى محدوداً بدلالاته ومعانية بحدود الإدراك البشري.
ويكون التأصيل الإسلامي على هذا الأساس، لموضوع من الموضوعات المعاصرة، هو البحث عما يمكن أن يتعلق بهذا الموضوع في القرآن الكريم المصدرِ المنشئ، وفي السُّنَّة النَّبوية المصدرِ المبين، والاطلاع على ما أنشأه علماء المسلمين من علم ومعرفة حول الموضوع، والاطلاع على المراجع المناسبة للمعرفة المعاصرة حول الموضوع. وسوف تكون هذه المصادر مدخلات تتحاور في عقل المسلم، فقد توجه نصوصُ القرآن والسُّنَّة نظرَ المسلم إلى التأمل في الموضوع لفهم بعض جوانبه، وقد تفيد المعرفةُ المعاصرة عقلَ المسلم المعاصر، في تأمّل دلالات هذه النصوص، واكتشاف بعض المعاني التي لم تَرِد في كتابات العلماء المسلمين من قبلُ،"فكم ترك السابق للاحق." وربما تصحِّحُ بعضَ ما كانوا قد وصلوا إليه؛ إذْ ليس كلُّ ما ورد في كتابات السابقين من البشر صحيحاً. وسوف يتمكن الباحث المسلم من رفض بعض معطيات المعرفة المعاصرة، والحكم على بطلانها؛ لأنها تتناقض مع القيم العليا والمقاصد العامة التي جاء من أجلها الإسلام، في حدود الفهم البشري لها في عصر معين أو جيل معين. وقد يقود هذا التناقض إلى مزيدٍ من البحث، لا يلبثُ أن يكشفَ عن جوانب التناقض الداخلي في بنية المعرفة نفسِها. وربما يتمكن الباحث المسلم من قبول بعض هذه المعطيات؛ لأنها نتيجة من نتائج الاستجابة المُلِحة لدعوة القرآن الكريم للإنسان، للسير، والنظر، والبحث، والتَّدَبُّر. وقد تكون بعض معطيات المعرفة بحاجة إلى شيء من التحديد أو التكييف أو التعديل. وكل هذه الاحتمالات ممكنة؛ إذ تحدث كل يوم، وهي ظاهرة طبيعية في تقدم العلم ونمو المعرفة، وفي كل يوم يكتشف الإنسان من المعرفة ما ينقض شيئاً مما كان لديه من الحقائق القارَّة لعقود أو قرون.
هذه المنهجية في التأصيل التي تعتمد الوحي مصدراً هادياً، سوف توجّه الإنسان المسلم إلى اختيار أولويات البحث بحكمة ورشد، وإلى ممارسة أخلاقيات البحث ضمن القيم العليا، والمقاصد العامة للدين، وإلى توظيف نتائج البحث في بناء الأمة، وتطور المجتمع، وترشيد الحضارة الإنسانية. وعندها يمكن لحركة العلم والتقانة، أن تسلم من التجاوزات التي رافقت حركة التقدم في التاريخ البشري، والتي جعلت من القرن العشرين -وهو قرن التقدم العلمي المذهل- أكثر قرون الزمن الإنساني دماراً، ودماءً، ومعاناةً بشرية.
هذه المنهجية في التأصيل إذن، هي نظر وبحث في كتاب الوحي، وفي كتاب الكون، وفي تراث السابقين واللاحقين من مسلمين وغير مسلمين، وحين تتدرج هذه المعارف التي يكتسبها الإنسان من هذه المصادر في تكاملها وتقاطع دلالاتها، فإنها تتحاور في قلب المسلم وعقله، وتترقَّى به، ويترقَّى بها، في مستويات الاستيعاب، ثم التجاوز، للوصول إلى الأصيل الجديد.
مفهوم التأصيل عند "دراز":
حين نختار مصطلح التأصيل الإسلامي، في الحديث عن كتاب محمد عبد الله دراز "دستور الأخلاق في القرآن" وليس مصطلحاً آخر، فذلك لأن المؤلف كان يبحث عن جوانب "الأصالة" في طريقة عرض القرآن الكريم للتعليم الأخلاقي، وقد تحدث عن ثلاثة جوانب من هذه الأصالة، تُنْبئُنا عن دلالة مصطلح الأصالة لدى "دراز". الجانب الأول من هذه الأصالة: أن القرآن قد تميز عن الكتب والرسالات السابقة "بذلك الامتداد الرحب الذي ضم فيه جوهر القانون الأخلاقي كله، وهو الذي ظل متفرقاً في تعاليم القديسين والحكماء، من المؤسسين والمصلحين، الذين تباعد بعضهم عن بعض، زماناً ومكاناً، وربما لم يترك بعضهم أثراً من بعده يحفظ تعاليمه."
والجانب الثاني من أصالة القرآن الكريم فيما يتعلق بالتعليم الأخلاقي، ماثل في: "طريقته التي سلكها لتقديم تلك الدروس المختلفة عن الماضين وتقريبها، بحيث يصوغ تنوعها في وحدة لا تقبل الانفصام، ويسوقها على اختلافها في إطار من الاتفاق التام، وذلك لأنه نزع عن الشرائع السابقة كل ما كان في ظاهر الأمر إفراطاً أو تفريطاً، وبعد أن حقق وضع التعادل في ميزانها... دفعها في اتجاه واحد، ثم نفخ فيها من روح واحدة، بحيث صار حقاً أن ينسب إليه بخاصة مجموع هذه الأخلاق."
أما الجانب الثالث فكتب عنه: "وأعجب من ذلك وأعظم أصالة جانبه الخلاق، فليس يكفي -في الواقع لكي نصف أخلاق القرآن-أن نقول: إنها حفظت تراث الأسلاف ودعمته، وإنها وفقت بين الآراء المختلفة التي فرقت أخلاقهم، بل ينبغي أن نضيف: أن الأخلاق القرآنية قد رفعت ذلكم البناء المقدس، وجمّلته، حين ضمت إليه فصولاً كاملة الجدة، رائعة التقدم، ختمت إلى الأبد العمل الأخلاقي."
فالأصالة عند دراز إذن تبدأ بالجمع والاستيعاب، ثم تعبر إلى التصحيح والتصويب، وتصل إلى الإبداع والجدة ونهاية خط التقدم. ويبدو أن هذا الفهم عند "دراز" قد تطور نتيجة الدراسة التي انتهت إلى هذا الكتاب، ولم تكن واضحة لديه عند البدء بالدراسة. ولعل عرضاً لموضوع الكتاب ومنهجه يوضح ذلك.
"دستور الأخلاق في القرآن" هو "دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن الكريم." وهو في الأصل أطروحة دكتوراه من جامعة السوربون، قدمها الشيخ دراز بالفرنسية، وناقشها في الخامس عشر من ديسمبر عام 1947م، ونشرها الأزهر بلغتها الأصلية عام 1950م، ثم ترجمها وحققها الدكتور عبد الصبور شاهين، ونشرت طبعتها الأولى بالعربية عام 1973م.
ومع أن المؤلف قد التحق بجامعة السوربون بعد حصوله على الإجازة من الأزهر، فإنه في دراسته في فرنسا فضّل أن يبدأ الدراسة من بدايتها، فدرس العلوم الفلسفية والاجتماعية والنفسية في مستوى "الليسانس"، ثم واصل دراسته حتى الدكتوراه، ولذلك فإن أطروحته ليست دراسة في القرآن فحسب، وإنما هي دراسة مقارنة مع النظريات الغربية ذات العلاقة بالموضوعات التي يأتي عليها، وهي مقارنة تكشف عن عمق استيعابه، وتمكنه في العلوم الغربية وعلوم القرآن على حد سواء.
والهدف العام من دارسة دراز، هو الكشف عن الطابع العام للأخلاق النظرية والعملية في القرآن الكريم. وقد رأى المؤلف أن ينهج في دراسة الجانب الأخلاقي في القرآن الكريم منهجاً مختلفاً عن مناهج العلماء السابقين في التراث الإسلامي، فقد لاحظ أن التعاليم الأخلاقية في هذا التراث على نوعين: تمثل النوع الأول في النصائح العلمية، التي تهتم بالقيمة العليا للفضيلة، مثل رسالة ابن حزم "مداواة النفوس." أما النوع الثاني فتمثل في جهود بعض العلماء في وصف طبيعة النفس وملكاتها، وتحديد مراتب الفضيلة، بطريقة تتبع في الغالب نموذج أفلاطون أو نموذج أرسطو، مثل كتاب ابن مسكوية "تهذيب الأخلاق." كما لاحظ أن بعض العلماء من جمع بين المنهجين، كما في كتاب "الذريعة" للأصفهاني، وكتاب "إحياء علوم الدين للغزالي."
وبدلاً عن هذين الطريقين في تناول الموضوع، لجأ دراز إلى دراسة الأخلاق وفق المفاهيم السائدة لدى العلماء المتخصصين المحدثين، مع إعمال المرجعية القرآنية المباشرة. وموضوع الدراسة في السياقات المعاصرة، وفي سياق دارسة "دراز"، هو موضوع فلسفي، والفلسفة أفكار مترابطة نابعة من العقل، يتم بناؤها وفق منهج متسلسل، والهدف هو بناء نسق من المبادئ العامة التي تفسر ظاهرة من الظواهر النفسية، أو الاجتماعية، أو الطبيعية. ولا يستطيع الباحث أن يجد في القرآن الكريم نسقاً فلسفياً مدرسياً من هذا النوع؛ إذ إن للقرآن الكريم منهجه الفريد في تقديم الهداية وتيسيرها، بالاعتماد على الفطرة البشرية واستعداداتها، وإثارة الدافع النفسي الداخلي في بناء التطور الاعتقادي، والإيمان بالحقيقة الأخلاقية التي تفرض نفسها على الإنسان، بعيداً عن الأهواء والرغبات.

وقد جاء كتاب دراز في قسمين:
تناول القسم الأول النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن الكريم، وعالجها في خمسة فصول: الإلزام، والمسؤولية، والجزاء، والنية، والدوافع، والجهد البشري.

أما القسم الثاني فقد تناول فيه الأخلاق العملية وعالجها في خمسة فصول على أساس تصنيف فئات الأخلاق: إلى الأخلاق الفردية، والأخلاق الأسرية، والأخلاق الاجتماعية، وأخلاق الدولة، والأخلاق الدينية.
لقد كان أساس البحث في الكتاب هو النظرية الأخلاقية، وحدد المؤلف عناصر خمسة هي: موضوعات الفصول الخمسة من القسم الأول المشار إليها، بوصفها "الأجزاء التكوينية ...والعُمُد الرئيسية لكل نظرية أخلاقية." وقد تبين للباحث أن الأخلاق القرآنية شملت جميع وجوه النشاط الإنساني. وقد فرّق المؤلف بين جانبِ الامتداد في شمول الأخلاق للنشاط الإنساني، فيما يظهر من سلوكه الخارجي في الميدان الحيوي والاجتماعي، وهو المجال الأوسع والأرحب، وجانبِ العمق في شمول هذه الأخلاق لحياة الإنسان الباطنية؛ إذ يبتغي حب الله، ويستوحي أمره ورضاه في كل موقف.
في المنهج القرآني يتحرك الضمير البشري في تعامله مع قضايا الإلزام الأخلاقي بدوافع المسؤولية التي تجمع بين المثال والواقع، وبين متطلبات الوجود المادي للإنسان ووجوده الروحي، وبين طموحاته الفردية ومصالح مجتمعه. والإنسان في النهاية يقوم بالفعل ويمارس السلوك؛ طلباً لصور من الجزاء الذي يتحقق بعضها مباشرة، عندما يرى أثر السلوك الخيّر ونتيجته، سمواً في المشاعر، ورضاً في الضمير، ويطمع أن يتحقق بعضها الآخر ثواباً وأجراً عند الله. وفي كل الأحوال، فإن الحاكم على طبيعة الجزاء على الفعل الأخلاقي، هو الباعث الداخلي على الفعل، وهو "النية الصالحة."
وهكذا تقوم القيم الخلقية على قاعدة من خصائص الفطرة البشرية، والباعث النفسي الداخلي؛ فالخالق سبحانه ألهم النفس فجورها وتقواها، حتى تتمكن من التمييز بين الخير والشر، والجميل والقبيح، والنافع والضار. والخالق سبحانه مكّن الإنسان من حرية اختيار السلوك على أساس تلك المعرفة التمييزية. وتنبعث في نفس الإنسان مشاعر متفاوتة نتيجة ذلك السلوك، ألا ترى أن النفس ترتاح وتأنس لسلوك الخير، وتضطرب وتأسى وتتكدر لسلوك الشر!
لكننا نعرف جيداً أن سلوك الإنسان لا يخضع في جميع الأحوال لقانون الأخلاق الفطري؛ إذ تتلوث الفطرة وتضعف النوازع الداخلية، نتيجة المؤثرات في البيئة الاجتماعية والتربوية، فتؤدي الأهواء إلى سوء تقدير المصالح، وتندفع إلى سلوك يتناقض مع متطلبات الفطرة السليمة الخيرة، وما تتطلبه من التزام بالقيم الخلقية السليمة.
وقد نهج المؤلف في معالجته للموضوع منهجاً يلائم السياق العلمي الذي جاء بحثه فيه، فهو يقدم بحثاً إلى جامعة السوربون في باريس، ويوجه خطابه إلى مجموعة من الأساتذة الفرنسيين، ومنهم كبار المستشرقين في تلك الفترة الزمنية مثل: ماسنيون، ولوسن، وفالون، وفوكونيه. ولذلك تجده ينطلق في بحثه من الإطار النظري الشائع في الدراسات الغربية المعاصرة، ويناقش آراء العلماء الغربيين ونظرياتهم، محللاً المنطق الذي تستند إليه هذه النظريات، وما يصاحبها من جوانب الصواب والحكمة، أو جوانب القصور والخلل. ثم يقدم رؤيته للنظرية الأخلاقية الإسلامية، لافتاً الانتباه إلى ما تتصف به من حكمة وكمال. وهو منهج في تأصيل قضايا البحث تأصيلاً إسلامياً، ربما لا نجده عند الباحثين المسلمين الذين يجرون بحوثهم في سياقات أخرى، ويستهدفون في خطابهم جمهوراً مختلفاً. ونتوقع أن ينهج منهجَ دراز الباحثون المسلمون الذين يجدون أنفسهم في السياق نفسه، حين يجرون بحوثهم في الجامعات الغربية.
ولعل ذلك أن يكون موضوعاً بحثياً مستقلاً، يدرس عينة من الباحثين الذين درسوا في الجامعات الغربية، وتناولوا قضايا اجتماعية أو نفسية أو فلسفية أو تربوية، ويكون الهدف من البحث الكشف عن المناهج التي استخدمها الباحثون في معالجة هذه القضايا، ومناهج التأصيل التي ربما نهجوها.
في مطلع الكتاب يؤكد المؤلف أن ثمة غرضاً محدداً من تأليف كتابه، وأن الكتاب سوف يأتي بجديد، يضيف إلى المكتبة الأوروبية والمكتبة الإسلامية على حد سواء؛ "فإذا لم يأت عملنا هذا بشئ جديد في عالم الشرق أو الغرب، فلن يكون سوى مضيعة وزحمة وإثقال."
سوف يأتي الكتاب بجديد في المكتبة الأوروبية؛ لأن المؤلفات الغربية في علم الأخلاق تشهد "فراغاً هائلاً وعميقاً، نشأ عن صمتهم المطلق عن علم الأخلاق القرآني..." وهذا لا يعنى بالضرورة عدم وعي المؤلف بوجود كتابات أوروبية عن الأخلاق في الإسلام، فهو ينوه ببعض الكتابات الأوروبية التي عالجت مسائل تتعلق بالإسلام، وبما تضمنته من محاولات محدودة لترجمة بعض الآيات القرآنية ذات العلاقة بالعبادة أو بالسلوك، لكن هذه الكتابات اعترتها عيوب كثيرة في الترجمة أو في النتائج، ولذلك فإن المؤلف يريد أن يتناول الموضوع ويعالجه "من أجل تصحيح هذه الأخطاء، وملء هذه الفجوة في المكتبة الأوروبية، وحتى نُرِيَ علماء الغرب الوجه الحقيقي للأخلاق القرآنية، وذلكم في الواقع هو هدفنا الأساسي من عملنا هذا."
على أن المؤلف لا يستبعد حاجة المكتبة الإسلامية لمثل هذا العمل أيضاً، حين يشير إلى أن هذه المكتبة لم تعرف في موضوع الأخلاق إلا مادة من النصائح العملية، أو وصفاً لطبيعة النفس وملكاتها، حسب النموذج الأفلاطوني أو الأرسطي، وبذلك تبقى المكتبة الإسلامية بحاجة إلى دراسة النص القرآني بصورته الكاملة للوصول إلى النظرية الأخلاقية في القرآن.
وفي الحالتين، لا يصل المؤلف إلى هذه النتيجة، حول حاجة كل من المكتبتين: الأوروبية والإسلامية إلى عمل كامل في النظرية الأخلاقية القرآنية، إلا بعد أن يذكّر بالكتابات المتوافرة، ويوثق ما يراه من أهم مراجعها، مما يشهد للمؤلف بالاطلاع والتمكن من التراثين: الإسلامي والأوروبي -في مسألة الأخلاق- على حد سواء.
وقد تضمن وصف المؤلف لمنهجه في العمل، اعترافه بأن تصوره للمنهج في البداية كان يقتصر على "عرض القانون الأخلاقي المستمد من القرآن وربما من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المبيِّن الأول، الثقة." لكنه عدّل في هذا المنهج بناء على اقتراح أستاذه "لويس ماسنيون"، الذي رغب في أن تتضمن الدراسة تناولَ بعض نظريات المدارس الإسلامية المشهورة. ثم جاء اقتراح ثانٍ من أستاذ آخر هو "رينيه لوسن" بأن يجري مقارنة للنظرية الأخلاقية المستمدة من القرآن ببعض النظريات الغربية، وقد رأى المؤلف أن ما طلباه كان "مقترحات موفقة"، وأن عمله بهذه المواصفات أصبح "أرحب مدى وأعظم توفيقاً،" وأن هذا المنهج يمثل تقارباً بين الثقافات، يأمل أن "يعقبه فهم أرحب مجالاً، ونزوع إلى الإنسانية أكثر امتداداً، حيث تتجمع القلوب، من هنا وهناك، وتتشابك الأيدي لخير بنى الإنسان."
لقد كان موضوع البحث عند "دراز"، هو ما سمّاه "منظومة الأخلاق في القرآن الكريم." ومع أن الموضوع معروف ومطروق، وهو موضوع قرآني بامتياز، وقد كتب فيه كثير من علماء المسلمين من: الفقهاء، والمتصوفة، والفلاسفة، والمتكلمين...فإن مصطلحات مثل "منظومة الأخلاق"، أو "النظام الأخلاقي"، أو "قانون الأخلاق"، أو "دستور الأخلاق"، أو "النظرية الأخلاقية"، هي مصطلحات جديدة. فلا بد من تعرّف أصول هذه المصطلحات وتطورها في الفكر المعاصر، مع ملاحظة أن مرجعية الفكر المعاصر مرجعية غربية إلى حد كبير. وبذلك أصبح منهج المؤلف في البحث منهجاً مقارناً، فهو يبحث عن "دستور الأخلاق في القرآن الكريم" بمرجعية قرآنية صرفة، وهو يبحث في تراث علماء الأمة الإسلامية، لعل أحداً منهم قد كشف عن هذا الدستور من قبل، وهو ينظر في أدبيات الأخلاق عند الغربيين السابقين والمعاصرين، ويجتهد في تحديد موقعها من "دستور الأخلاق في القرآن الكر يم."
على أن من أهم ما يعنينا في نتائج البحث، هو الكشف عن منهج القرآن الكريم في تأصيل موضوع القيم والأخلاق. وهل ثمة منهج أفضل من منهج القرآن هادياً إلى المنهج الذي نبحث عنه، أو نسعى إلى تطويره، ليسعفنا في إحسان التعامل مع الفكر المعاصر، وقضايانا المعاصرة؟!
لقد أشرنا في بدء الحديث عن كتاب دراز إلى الجوانب الثلاثة لما سمّاه دراز "أصالة" القرآن في الحديث عن الأخلاق، ولعلنا نختم الحديث بتحديد ما نراه عناصر أساسية في منهج رسالة القرآن في بناء المنظومة الأخلاقية، وذلك على الوجه الآتي:
1. استرجاع التراث الأخلاقي للرسالات الإلهية السابقة، والإشادة بها، وربطها ضمن حلقة متصلة من العناية الإلهية بأجيال البشرية.
2. تصحيح ما علق بهذا التراث من أخطاء بسبب طول الأمد، والنسيان، والانحرافات، والتحريفات، حتى تبدو منظومة تتصف بالانسجام والتماسك.
3. توضيح جوانب التنوع في حدود التشريعات الأخلاقية، على اختلاف الزمان، والمكان، والأقوام، وطبيعة الاختلالات التي كان تسود السلوك البشري.
4. إعادة بناء المنظومة الأخلاقية في صورة جديدة، تجمع بين الثبات والاستقرار لمتطلبات الحياة الأخلاقية من جهة، والمرونة التي تسع مستويات الجهد البشري ودرجاته المتصاعدة من جهة أخرى.
5. مخاطبة الكينونة البشرية بالتشريعات الأخلاقية، بطريقة تربطها بالفطرة السليمة والعقل الرشيد. فالتكاليف الأخلاقية كلها من المعروف بالفطرة، ومن المقبول بالعقل.
قليلة هي البحوث المنهجية المتميزة، التي يمكن أن تضيء الطريق أمام الباحثين وتوفر لهم نماذج من الإبداع، وتجعل أمر الإبداع ممكناً. وقليلة هي البحوث التي سلكت منهجاً في التأصيل الإسلامي، الذي يستند إلى مرجعية قرآنية. ونحن نرى أن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" للشيخ محمد عبد دراز واحدٌ من هذا القليل، ونلاحظ كذلك أن هذا الكتاب لم ينل حظاً من العناية به، يتناسب مع مستوى أهميته. ولعل في هذا التذكير بعض الوفاء للكتاب وللمؤلف، بعد مرور نصف قرن على وفاته.
 
جزي الله شيخنا الدكتور عبد الرحمن خير الجزاء وقد ذكرني قوله
(د. محمد عبدالله دراز (ت1378هـ ) العالم المسلم الكبير قامةٌ علميةٌ قلَّ من عرف قيمته من طلبة العلم المعاصرين ، وأراه لا يزال في حاجة ماسة إلى إلقاء المزيد من الأضواء على بحوثه ومؤلفاته الفريدة المتميزة "بقول العلامة يوسف القرضاوي (ينطبق عليه ما يكتبه الاولون عن علمائهم ومؤلفيهم فهو العالم العلامة الحبر البحر الفهامة ...أحاط بعلوم الدين من التفسير والحديث والتوحيد والأصول والفقه وبعلوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة وبالأدب وتاريخه وبالعلوم الإنسانية العصرية ...جمع بين الأصالة والمعاصرة فإن شئت نسبته إلي جامع الازهر فهو ابنه البار وإن شئت نسبته إلي جامعة السربون فهو من خريجيها الذين تعتز بهم وتفخر بانتمائهم إليها )
وقال عن كتابه النبأالعظيم "لم ينسجه على منوال أحد ،كما لم ينسج أحد علي منواله "
فرحمه الله رحمة واسعه
 
جزاكم الله خيرا يا أبا عبد الله.

وما زلت أطالع بتدبر كتاب (الميزان بين السنة والبدعة) للدكتور دراز رحمه الله.
وهو فعلا كاتب متميز، وقد وجدته مصداقا لما ذكره د. محمد رجب البيومي في مقاله المدرج في الكتاب، حيث وصفه بالباحث المنهجي المتفرد. وقال عنه:

"كان طرازا خاصا من المفكرين، حيث لم يكتب غير الجديد الطريف الذي لم يسمع به القارئ من قبل، مهما تنوعت ثقافته واتسع إدراكه..."

"لقد عهدنا أناسا من الكتاب يكثرون المؤلفات تباعا، ولكنهم يجمعون ويلخصون، فقارئهم الدارس يردّ كل جملة إلى موضعها، ويعرف خلاصة ما يقرأ قبل أن يلِمّ به، وما أكثر هؤلاء فيمن تتردد أسماؤهم في كل مناسبة..."

"إنه يؤثر البحث الهادئ دون عحلة، ويضع الخطة المحكمة دون تسرع، ولا يهمه طال الأمد او قصر..."

"... العبرة لدى الدارسين تعظم بجودة التأليف لا بكثرته، وبطرافته لا بتقليديته.."
 
جزاك الله خير ياشيخ عبدالرحمن جميل ان نسلط الضوء من وقت لاخر على عالم إسلامي لم يأخذ حقه من الشهرة وعرف بالعلم الغزير والمنهج القويم

فنحن بحاجة في ظل هذا الانفجار المعرفي وامتلاء المكتبات بالكتب ان نعرف لمن نقرأ او على الاقل من هو الاولى بالقراءة فمن المؤسف ان ترى عالما نحريرا لا يلتفت لكتبه إلا خاصة الخاصة من طلبة العلم بينما تجد أن كتابا عاديين يقبل على كتبهم بشكل كبير جدا بل ربما أحيانا تأسف ان تأخذ بعض الكتب والمؤلفين حجما أكبر من حجمهم الطبيعي
 
جزاك الله تعالى أستاذنا الدكتور عبد الرحمن خير الجزاء لهذا الموضوع وهذه الدراسة السابرة البصيرة بمنهج هذا العلم من أعلم علمائنا الأفذاذ.....الشيخ الدكتور محمد بن عبدالله دراز رحمه الله تعالى وأعلى مقام ونزله
ذلك العالم المدقق والمحقق.... شخصية فريدة من شخصيات القرن الرابع عشر الهجري...ما قرأت لعالم عبارة محكمة كما هي عباراته..
ولقد وعى قلبي ما سمعته أذناي من شيخنا الدكتور عدنان محمد زرزورعندما كان يدرسنا في جامعة دمشق سنة 1400 للهجرة علم الأخلاق وهو مبحث للدكتور دراز موجود ضمن كتاب دراسات إسلامية يقول عنه: ماكتب دراز في موضوع وكتب فيه غيره وأجاد مثل ماأجاد رحمة الله عليه...
ولقد كان أساتذته في السوربون يقولون لطلبة الدراسات العليا من القادمين الموفدين من بلاد الشرق الإسلامي..."إما أن تنتج مثلما أنتج دراز وإلا فعد من حيث أتيت... كل الناس جاء ليتعلم منا فتعلم إلا محمد عبدالله دراز جاء فعلمنا" ...فرحمة الله تعالى عليه كان مثالا للعالم المسلم في فطنته وقوة حجته ومحاله ...
أقول: وكتابه دستور الأخلاق في القرآن..الذي ترجمه له بعض إخوانه الدكتور عبد الصبور شاهين وراجعها الدكتورالبدوي زوج ابنته..... يعتبر بحق تحفة و دلالة من بينات إعجاز القرآن في منجهه ... في منظومة علوم الأخلاق وتمايز النظم القرآني ومراميه في التربية وعلم الأخلاق ودلالة على قصور المذاهب التربوية والمدارس الأخلاقية الوضعية الأخرى وغيرها...ولقد كان الشيخ رحمة الله تعالى عليه كما قال شيخنا الدكتور عدنان "آية في العربية كسيبويه ولقد أصبح كذلك في الفرنسية حتى غدا ينقد أدباءها في كبريات الصحف الفرنسية فرحمة الله تعالى عليه.. ولاننسى أنه كان يكتب رسالته هذه في أقبية باريس إبان اجتياح هتلر وجنوده شوارع باريس ومدن فرنسا...
فجزاك الله خيرا شيخنا الدكتور عبد الرحمن لهذه الدراسة والتحفة الفريدة التي أبانت هذا المنهج لهذا العلم
 
رغبةً في التعريف بهذا العالم الجليل فقد سجلتُ حلقتين إذاعيتين لبرنامج (الدراسات القرآنية) بإذاعة القرآن الكريم في التعريف بالدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله ، تحدثتُ فيهما بإيجاز شديد عن سيرته ، وثلاثة من كتبه المتعلقة بالدراسات القرآنية وهي :
- النبأ العظيم .
- مدخل إلى القرآن الكريم .
- دستور الأخلاق في القرآن الكريم.
وكنتُ أحب التفصيل قليلاً في قيمة الأخير منها ، وإبراز منهجه فيه ، والجديد الذي جاء به . إلا أن الوقت أدركنا فلم نتمكن من ذلك ، ولعله يكون في حلقة أخرى لو تيسر الأمر بإذن الله .
وقد صدرت عن دار القلم بالكويت بقية مقالات ومؤلفات الدكتور محمد عبدالله دراز ولعلي أعرضها بإذن الله في هذا الموضوع لاحقاً ، فهي كلها جديرة بالاطلاع والدراسة للإفادة منها وما فيها من العلم .
رحم الله الدكتور محمد عبدالله دراز ولقَّاه نضرةً وسروراً .
 
رغبةً في التعريف بهذا العالم الجليل فقد سجلتُ حلقتين إذاعيتين لبرنامج (الدراسات القرآنية) بإذاعة القرآن الكريم في التعريف بالدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله ، تحدثتُ فيهما بإيجاز شديد عن سيرته ، وثلاثة من كتبه المتعلقة بالدراسات القرآنية وهي :
- النبأ العظيم .
- مدخل إلى القرآن الكريم .
- دستور الأخلاق في القرآن الكريم.
وكنتُ أحب التفصيل قليلاً في قيمة الأخير منها ، وإبراز منهجه فيه ، والجديد الذي جاء به . إلا أن الوقت أدركنا فلم نتمكن من ذلك ، ولعله يكون في حلقة أخرى لو تيسر الأمر بإذن الله .

فتحت إذاعة القرآن الكريم وأنا أسير بسيارتي اليوم الأحد 12 / 12 / 1430 الساعة 11.30 مساءا فإذا بالدكتورعبد الرحمن الشهري وفقه الله , وإذا هو يتحدث في الحلقة الأولى الماتعة المفيدة عن الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله , وأدعوكم للاستماع لإعادة هذا البرنامج إن كان سيعاد , وحبذا لو عرفنا وقت الإعادة من الدكتور عبد الرحمن أو من المتابعين لهذا البرنامج النافع , وآمل من الدكتور عبد الرحمن حفظه الله أن يسعى لنشر هذه الحلقات الإذاعية المفيدة هنا في هذا الملتقى في أقرب وقت .
شكر الله سعيكم يا أبا عبد الله وجزاكم خير الجزاء على جهودك المباركة في الدراسات القرآنية , والتعريف بهؤلاء الأفذاذ ممن لم يأخذوا حقهم في الإعلام المعاصر .
 
فتحت إذاعة القرآن الكريم وأنا أسير بسيارتي اليوم الأحد 12 / 12 / 1430 الساعة 11.30 مساءا فإذا بالدكتورعبد الرحمن الشهري وفقه الله ,

سبحان الله !
وهذا ماحدث لي
حيث اني فتحت الإذاعة دون سابق علم ، غير أني لم استطع إكمال الحلقة
عل احد الفضلاء يكون سجلها
 
نتمنى أن نراها بصيغة mp3على هدا الموقع المبارك

ونتمنى من الشيخ الشهري إدا كان هناك روابط لمجلات الكترونية علمية في علوم القرآن أن يفيدنا بها أو تكون في مكان مثبت في الموقع
وجزاكم الله خيرا
 
رغبةً في التعريف بهذا العالم الجليل فقد سجلتُ حلقتين إذاعيتين لبرنامج (الدراسات القرآنية) بإذاعة القرآن الكريم في التعريف بالدكتور محمد عبدالله دراز رحمه الله .
بعد استماعي للحلقة الأولى كنت حريصا على سماع الحلقة الثانية , إلا أنني للأسف فتحت المذياع على إذاعة القرآن الكريم الساعة 11.20 مساءا يوم الأحد 19 / 11/ 1430هـ فإذا بالدكتور عبد الرحمن الشهري في ختام الحلقة وهو يقول : ولا تكفي قراءة كتب د / محمد عبد الله دراز مرة واحدة بل لا بد من إعادة قراءتها مرة ثانية , وإن أوتر فهو أفضل .
ولا أدري هل هذا الوقت في يوم الأحد هو إعادة البرنامج , أم هو الوقت الأساسي له ؟
وعلى أي حال فآمل من شيخنا د / عبد الرحمن أن يضع لنا تسجيلا للحلقتين هنا حتى تعم الفائدة , وحبذا كذلك لو تم التنسيق بين الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه ( تبيان ) وإذاعة القرآن الكريم لتنزيل جميع حلقات برنامج : ( ندوة الدراسات القرآنية ) على موقعهم الالكتروني , وتحديد وقت بثه وإعادته , ليحرص على سماعه المتخصصون .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه , ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح .
 
حياكم الله يا أبا أسامة ونفع بكم ، فأنت أخ مبارك حيثما كنت .
رحم الله الدكتور محمد عبدالله دراز فأنا أحبه في الله وأحب مؤلفاته وأجد لذة وراحة وأنا أقرأ في كتبه، وقد كلمني د.يوسف العقيل يطلب حلقات عاجلة لانتهاء ما عنده فقلتُ له غداً بإذن الله سوف أسجل لك ثلاث حلقات عن د. محمد عبدالله دراز ، وكنت حينها منقطعاً لقراءة كتبه منذ أيام . ثم في مكالمة هاتفية مع د. مساعد أخبرته بأن د.يوسف العقيل سيزورني غداً لتسجيل حلقات ، فعرضت عليه أن يأتي ويسجل هو حلقتين واقترحت عليه الحديث عن تفسير ابن جزي الكلبي ومنهجه في التفسير فجاء وفقه الله ، وسجلتُ حلقتين عن دراز وهو حلقتين عن الكلبي رحمه الله .

أرجو أن أتمكن من الحصول على نسخة من الحلقتين وإن كان ذلك صعباً جداً ، فنحن نحاول منذ زمن طويل الحصول على الحلقات ولا مجيب مع إنني أعرف المخرج والمذيع والمهندس وكلهم يعدونني ولكن يقولون إذا دخلنا مبنى الإذاعة شغلنا ، وتسجيلها يستغرق وقت ، ثم يقولون : غداً نحضرها لك (وغداً لم يأت بعدُ) .
لكن لعل موقع البث الإسلامي يقوم بتسجيلها فيما أتوقع باسم يوسف العقيل فتأكد منه .
 

التاصيل ليس فضلا من الحديث بل هو صلب ديننا واخذنا للقرءان بقوة او هو الذي يحدد ان نكون او لانكون ، والتاصيل هو التجديد الدائم لحيوية اللسان الذي نتلقى به اللسان الذي تحدث به كتاب الله ، وهو اللسان الذي يسر الله به عربية القرءان ، وليس من عمل نقوم به تجاه القرءان غير التاصيل فكل عمل غير التاصيل يعد فضلا بل لغوا من القول ، وعند العودة للاصيل سوف ينتفي الزعم بتفسير التفسير (كتاب الله ) وسيظهر القرءان جليا ومفسرا كما هي حقيقته ، او بالاحرى يظهر القرءان انه هو التفسير وان غيره هو التهويم والتدليس ، وبكلمة اخرى يتحقق ذلك حين العودة الى العربية ونبذ الاعجمية ، والقرءان ليس من هو ينبغي ان يفسر وانما اعجميتنا وتناولنا الاعجمي للقران هو من ينبغي له التفسير ، فالتاصيل هو العودة الى الاصل والمفسر وهو تفسير الاعجمية التي لاينبغي الاقبال بها على العربي ؛ كتاب الله ،
والتجديد هو العودة الى الجديد ونبذ الهزيل والتجديد ضد التهزيل ، والجد ضد الهزل ،
من حيث المبدأ او المنطلق فالموضوع قيّم كونه نداء نحو التاصيل ، فهل كان صاحب ذلك النداء موفقا فنجد لديه التاصيل ام سوف يخيب ظننا ؟ ، فما احوجنا الى التجديد وما احوجنا الى التاصيل ، فلانكاد نجد اصيلا في الغالب من الادبيات التي تتناول القرءان ولكن نجد التقهقر والتهويم والتبديل في ابسط وجل المفاهيم ناهيك عن كبيرها ،
ونكاد لانجد تاصيلا من احد ، بل لانرى سوى التهويمات واجترار ماقد مضى واضفي على الاصيل فحجب اصالته ومن ثم طمسه باضفاء الذي ليس منه ، بل نرى الاصرار على الفروع والزعم بانها اصل والتي تتخذ منحى موغلا في الخلط والانحراف ، وحيثما تحدثنا عن التاصيل واعادة القراءة والبحث لم نجد سوى الاعراض والتجاهل والصدود المريب ، بل واشد الربية ، فكأن لسان حالهم يقول ذرونا نكن مع الخوالف ، او نقعد مع القاعدين ونقعِّد بغير ما يأذن به الله ، فلا نرى غير كثيبا مهيلا من الاوهام او سرابا يحسبه الضمئان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه ،
وحيثما اشرنا الى مواطن الخلل والضعف نجد تسترا عليها واصرارا مريبا ، فكأنما الامر هو خوفا على عورة ان تنكشف ، وماهي بعورة ، وما للقرءان او للاسلام عورة ، وانما عورة المنهج الاعوج الضال المضل الذي يفتأ مستمسكا بما وجدنا عليه اباءنا ،
فاذا كان اللسان هو الة تعبير القرءان ، وهو في نفس الوقت والنتيجة الة الفهم للذي يتلقى القرءان وعلومه وايحاءاته ، كان لزاما واشد خطرا تاصيل مفاهيم صيغه تاصيلا ذاتيا ودقيقا ومن ذات القرءان ليكون من ذات اللسان وتجاوزا واستبعادا لشَرك الوقوع في الغلط والتحريف ، بل يتجاوز اللزوم الى تجنب الوقوع في الاشد نكرا والذي يستوجب غضب الرب وهو تحريف الكلم عن مواضعه ونسيان حظا مما ذكروا به ،
لكننا لانجد سوى استعلاء وتهربا للكبار من الصغار ومن " الاوحد " صدودا عن " كل احد " ،
فبزعمهم ان النبي الرسول محمد وظفه الله لبيان القرءان ، ولكنهم تراهم يانفون من هذه الوظيفة لانفسهم وتراهم يشتغلون بالتقعيد والتقييد والاحتكار لفهم ما انزل الله ، فليس الله كلّف رسوله ببيان القرءان ، ولاهم بينوا وفسروا اعجميتهم ولاهم تركوا القرءان وعربيته التي لاتحتاج الى بيانهم وتفسيرهم وتقعيدهم ، ولاهم اعانوا خلق الله على فك اعجميتهم كي يقرأوا عربية القرءان ،
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة140​
{​
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79
فعود الى الموضوع وملَخص وعرض الدراسة فلي عليها تعقيبين اثنين :
الآخَر ؛ هو من حيث التوفيق بذلك التاصيل ، فسنرى انه جانبه التوفيق منذ الخطوة الاولى من حيث انه اطلق على عمله مصطلح غير مؤصل وهو " الاخلاق " وترك الاصيل وهو " الخُلق "
والآخِر؛ هو تاصيل " الخُلق " او تاصيل ماهية الخلق في ذات القرءان ،
فالخُلُق هو ليس الخَلِق وهو ليس الخليق ، والاخلاق جمع للخليق او للخَلِق ، ولكن الخُلق ليس مجموع لاحد وانما هو كيان قائم بذات واحدة ،
والخُلُق هو ؛ " الدين القيم " وهو الصراط المستقيم كما اشار الله ؛​
{​
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161

فالقول ؛​
{​
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4
اية من كتاب الله المجيد يشير بها سبحانه الى القران العظيم وهو المدح والتنبيه الى عظيم الامر الديني الذي عليه الرسول وتوجيها وارشادا الى الحق دونما ان يكون الموضوع متعلقا برسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيا او مدحا له او اطرائا كما يذهب المتشابهون الذين يتخذون ايات الله هزوا ،

فهو ليس وصفا لذات رسول الله وانما هو وصفا للقرءان الذي عليه رسول الله اي هو اشارة الى ماجاء به الرسول وليس اشارة الى الرسول ذاته ، وهذا الذي قلبه الذين يحرفون الكلم عن مواضعه حين ابدلوا اشارته في تفسيرهم الى وصف رسول الله وليس الى وصف ذات القرءان ، فبدلوا اشارته من كونه يشار به الى كتاب الله الى ان يشار به الى وصف ذات رسول الله ،
ودليلنا الى ذلك هوكثير من الايات التي تتحدث في نفس الموضوع مثالها قول الله :​
{​
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79
{​
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43
{​
أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ }الزمر22
فيتبين جليا تماهي جميع الاشارات الى مشار واحد على الرغم من تعدد الوصف :
خلق عظيم ، صراط مستقيم ، الحق المبين ، نور من ربه ،،،، جميعا هي وصف الى مشار اليه واحد هو كتاب الله وليس تعدد المشار اليه ، وليس من بينها ان الوصف ؛ الخلق العظيم يتجه صوب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ،
ويعضد ذلك قول الله :​
{​
إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ }الشعراء137
قالاولين هم انبياء الله السابقين وخلق الاولين هي كتبهم المنزلة والتي كفروا بها سابقا ويكفرون بعديلها كتاب الله القرءان ،
فهاهم الذين كفروا عرفوا القرءان بانه مثيل ومن جنس خلق الاولين الذي سبق لهم معرفته وهي كتب الله المنزلة ، وهي عين اساطير الاولين :​
{​
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الفرقان5
{​
وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }النحل24
فالمفهوم الاعجمي للخُلُق عندهم انه = الاخلاق ، وهي كلاهما عندهم سلوكيات ومثل محددة يتصف بها من يتمثلها ، بينما المفهوم العربي للخُلق ، والذي نستشفه من ذات القرءان العربي ، هو صفةٌ وصفَ الله بها كتابه ، فوصْفْ الخُلق جاء لذات القرءان ولجميع ماجاء في القرءان وليس لبعضه ،
والخُلق واحدا وليس مجموعا ، ولكن الباحث وكاتب الموضوع الذي يعلق عليه ترك الخُلق وجعل مكانها الاخلاق التي هي مجموع خَلِق ، فتوهمها مجموعة من الصفات والقيم ودون اخرى ، وبهذا فاننا نرى انه لم يوفق للتاصيل منذ الخطوة الاولى في المسير نحو التاصيل ، بل انه اسس بنيانه على الشيوع والهوائم من المفاهيم وكذا الصيغ والكلمات ، ولو كان موفقا للحقيقة لاطلق عليها مسمى الخُلق بدل اعجمي ؛ " الاخلاق " ، واذا كان لديه الاصيل والخير من كتاب الله فلماذا استبدله بالذي هو ادنى مما يهيم ويشيع على غير هدى ؟
 
عندي رسالة مطبوعة حول رسالة دستور الأخلاق في القرآن. آتيكم ببياناتها القدومة التالية إن شاء الله.
 
لو اردنا ان نبرز مفهوم الخلق في القرءان الكريم وبعيدا عن خلط الافهام المختلفة والتنظير واللغو ،
فان مثال ذلك ؛ لو اراد شخص ان يرسم توجيها او خطة لاخر يدله على الطريق ، فان تلك الخطة والارشاد والتوجيه سنطلق عليها مثلا ؛ " التوجيه " ، او " الخطة " ، او " الارشاد " ، او اي صيغة تدل على عملية التوجيه ،
واما السلوك الذي يتخذه القاصد والمستعين بذلك التوجيه فهو من الممكن تسميته ب " الرشاد " ، او " التوجه " ، او " القصد " ،
وهكذا فان " الخُلُق " هو القيم المسطورة التي يوجه الله بها عباده الى قصد الحق وهي الخطة المسطورة في القرءان الكريم ، وهي ليست السلوك والتوجه والرشاد المتمثل في ذلك السلوك - وهذا له مسمى غير الخُلُق - وهنا مكمن الخلط ، فدائما يشار الى الخُلُق بالرشاد عند المتحدثين ، وانما الخلق هو الارشاد الى الرشاد وليس ذات الرشاد ،
وينتج عن ذلك ان القرءان هو ذاته الخلق وليس سلوك الرسول هو الخلق ، وانما سلوك الرسول هو الرشاد بذلك الخلق ، وبهذا يتبين ان اية الخلق في سورة القلم هي اشارة الى القرءان الكريم وليست اشارة الى الرسول الكريم ،


ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4
}سورة القلم

 
عودة
أعلى