منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير

إنضم
29/04/2003
المشاركات
29
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم

فإن للتفسير ومعرفة المراد من كلام العلي الكبير عدة طرق ، ويأتي تفسير القرآن بالسنة النبوية في الدرجة الثانية منها بعد تفسير القرآن بالقرآن .
ولأهمية هذه المرحلة أقف معك ايها القارىء الكريم مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير .
وقبل ذكر ذلك أشير باختصار إلى مسألة مهمة وسؤال يكثر وروده وهو ( ما مقدار مافسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن ) وفي المسألة قولان لأهل العلم :
القول الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر جميع آي القرآن ـ جمله ومعانيه ـ مستدلين بقوله تعالى ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) وجه الدلالة أن الآية أوضحت أن من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم البيان ، والبيان يشمل البيان اللفظي(بتلاوة القرآن ) والبيان التفسيري والإيضاحي لمعاني القرآن .
ولأن الله أمر بتدبر القرآن ولا يمكن فهمه وتدبره إلا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم .
ولأن الصحابة استشرحوا كتاب الله على النبي صلى الله عليه وسلم ولا بد أنه بين لهم تفسيره .
القول الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر جميع آي القرآن ، وذلك لأن من الآيات ما استأثر الله بعلمه ومنها ما لا يعذر أحد بجهله ومنها ما تعرفه العرب بمقتضى لغتهم . وإنما اقتصر تفسير النبي صلى الله عليه وسلم على نوعين من أنواع التفسير هما بيان المجمل وإيضاح المشكل .
وهذا القول قاله الأكثرون وهو الذي يتفق مع الأدلة والواقع ، إذ لو فسر النبي جميع آي القرآن آية بآية لنقل إلينا ، وأيضا لم يكن لابن عباس مزية بدعوة النبي صلى اله عليه وسلم بان يعلمه التأويل ، وغير ذلك من الأدلة . ليس المجال هنا لبسطها .
وأعود لما ابتدأته فأقول من مهج النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن :
1) تفسير القرآن بالقرآن فعندما نزل قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) وأشكل ذلك على الصحابة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى ( إن الشرك لظلم عظيم ) .
3) أن يذكر التفسير ثم يذكر الآية المفسَّرة . كقوله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يسير الراكب تحتها مائة عام اقرأوا إن شئتم ( وظل ممدود ) وكقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أحب الله عبدا نادى يا جبريل إني أحببت فلانا فأحبه قال فينادي ...فذلك قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
3) أن يذكر الآية المفسَّرة ثم يذكر تفسيرها ومثاله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) فقال ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي .
4) ومن المثال السابق نستفيد تكرار التفسير ليفهم عنه .
5) بيان القصص الواردة في القرآن كما في قصة موسى والخضر فلا يمكن فهم القصة بدون ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .


( يتبع بمشيئة الله )
 
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن منهجه صلى الله عليه وسلم في التفسير :
6) التشويق والترغيب في التفسير فقد أخرج أحمد والبخاري والدارمي وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فدعاني النبي فلم أجبه فقال ألم يقل الله ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) ( الأنفال الآية 24 ) ثم قال لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت يارسول الله إنك قلت لأعلمنك سورة في القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته
وأخرج أبو عبيد وأحمد والدارمي والترمذي وصححه النسائي وابن خزيمة وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو ذر الهروي في فضائل القرآن والبيهقي في سننه عن أبي هريرة إن رسول الله وخرج على أبي بن كعب فقال ياأبي - وهو يصلي - فالتفت أبي فلم يجبه
فصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله فقال السلام عليك يارسول الله فقال رسول الله مامنعك أن تجبني إذ دعوتك فقال يارسول الله إني كنت في الصلاة قال أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ( الأنفال الآية 24 ) قال بلى
ولا أعود إن شاء قال أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله كيف تقرأ في الصلاة فقرأ بأم الكتاب فقال رسول الله والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها السبع من المثاني
أو قال السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ( الدر المنثور ج:1 ص:13 )

7) التفسير بطريق السؤال كما في تفسيره صلى الله على وسلم للغيبة حيث قال : ( أتدرون ما الغيبة ..)
ففي صحيح مسلم ( رقم 2589)عن أبي هريرة أن رسول الله قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته
وكما في تفسيره لقوله تعالى (والسشمس تجري لمستقر لها ) فقد أخرج البخاري في صحيحه (رقم 4524) عن أبي ذر رضي الله عنه قال كنت مع النبي في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم

8) استخدامه في تفسيره صلى الله عليه وسلم الوسائل التعليمية والأمثلة كثيرة منها ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) فقد أخرج البخاري ( في صحيحه رقم 6054 و 6055 ) عن عبد الله رضي الله عنه قال خط النبي خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وأن أخطأه هذا نهشه هذا
وعن أنس قال خط النبي خطوطا فقال هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب .

ومنها ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى ( ويلههم الأمل )
فقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال خط رسول الله خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال كنا جلوسا عند النبي فخط خطا هكذا أمامه فقال هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال هذا سبيل الشيطان
ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الآية (الدر المنثور ج:3 ص:385 )

9) استخدامه عليه الصلاةوالسلام للتشبيهات البلاغية والتي تقرب معنى الآية لذهن القارىء .
ومن ذلك بيانه صلى الله عليه وسلم لـ( سدرة المنتهى ) فقد أخرج البخاري في صحيحه (رقم 3674) من حديث مالك بن صعصعة قصة المعراج وفيه ( ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى ) .
10) تفسير ما يشكل على الصحابة فهمه ومن ذلك ما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدار قطني في الأفراد وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه قال إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم لقمان الآية 13 إنما هو الشرك ( الدر المنثور ج:3 ص:308 ).
11) أن يذكر في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيرا للآية
ومثاله قوله تعالى ( وجيء يومئذ بجهنم ) "قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه 2842 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله هو بن مسعود قال قال رسول الله يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها وهكذا رواه الترمذي 2573 عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به ورواه أيضا 2573 عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة وهو أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه وكذا رواه بن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله "
(تفسير ابن كثير ج:4 ص:511)
12) عدم الإطناب في تفسير الآيات والخروج إلى ما لافائدة منه بل كان تفسيره مقتصرا كما سبق بيانه على إيضاحه للمشكل وبيانه للمجمل .
 
سؤال : هل يسلم ما ذكره الشيخ ناصر الصائغ بقوله : [color=990000]فإن للتفسير ومعرفة المراد من كلام العلي الكبير عدة طرق ، ويأتي تفسير القرآن بالسنة النبوية في الدرجة الثانية منها بعد تفسير القرآن بالقرآن [/color].؟

الذي يظهر لي أن لا يتصور التفضيل بين تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسيره بالسنة ، وهما في درجة واحدة .

وللألباني رحمه الله كلام جيد حول هذه المسألة ، قال :
( ولذلك كان من أصول التفسير وقواعد علم التفسير، أنه يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة، وأكرر مؤكدا: يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة، ولا أقول كما قد تقرءون في بعض الكتب يجب تفسير القرآن بالقرآن أولاً ثم بالسنة ثانياً.
هذا خطأ شائع مع الأسف الشديد لأن السنة كما عرفتم تبين القرآن تفصل مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه إلى غير ذلك من البيانات التي لا مجال للمسلم أن يستغني عن شئ منها إطلاقأ، ولذلك فلا يجوز تفسير القرآن بالقرآن فقط وإنما يجب تفسير القرآن بالقرآن والسنة معاً. فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث السابق: ( ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ).
لذلك يجب على كل مفسر يريد أن يفسر آية من القرآن، وبخاصة إذا كانت هذه الآية تتعلق بالعقيدة، أو بالأحكام، أو بالأخلاق والسلوك ، فلا بد له من أن يجمع بين القرآن والسنة.
لماذا؟ لأنه قد تكون أية في القرآن بحاجة إلى بيان من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وإتماماً لهذا الموضوع لابد من التذكير بحديث معروف عند طلاب العلم ، وبخاصة الذين درس عليهم علم أصول الفقه، حيث يذكر هناك في مناسبة التحدث عن القياس وعن الإجتهاد- يذكر هناك- حديث مروي في بعض " السنن " عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أرسله إلى اليمن ( بم تحكم؟ قال بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال : فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو. قال – في الحديث-: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فيجب أن نعلم أن هذا الحديث لا يصح من حيث إسناده عند علماء الحديث تنصيصا وتفريعا، وأعني بالتنصيص: أن كثيرا من علماء الحديث قد نصوا على ضعف إسناد هذا الحديث، كالإمام البخاري إمام المحدثين وغيره، وقد جاوز عددهم العشرة من أئمة الحديث قديما وحديثا، من أقدمهم الإمام البخاري فيما أذكر، ومن آخرهم الإمام ابن حجر العسقلاني، وما بينهما أئمة آخرون، كنت ذكرت أقوالهم في كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السئ في الأمة " فمن أراد البسط والتفصيل رجع إليه ، الشاهد أن هذا الحديث لا يصح بتنصيص الأئمة على ذلك، وأيضا كما تدل على ذلك قواعدهم، حيث أن هذا الحديث مداره على رجل معروف بالجهالة، أي: ليس معروفا بالرواية، فضلا عن أن يكون معروفا بالصدق، فضلا عن أن يكون معروفا بالحفظ، كل ذلك مجهول عنه، فكان مجهول العين، كما نص على جهالته الإمام النقاد الحافظ الذهبي الدمشقي في كتابه العظيم المعروف " بميزان الاعتدال في نقد الرجال "
فهذا الحديث إذا عرفتم أنه ضعيف عند علماء الحديث تنصيصاً وتفريعاً كما ذكرنا، فيجب بهذه المناسبة أن نذكر لكم أنه منكر أيضاً من حيث متنه، وذلك يفهم من بياني السابق، لكن الأمر أوضح في هذا الحديث بطلاناً مما سبق بيانه، من وجوب الرجوع إلى السنة مع القرآن الكريم معاً.
ذلك لأنه صنف السنة بعد القرآن، وبعد السنة الرأي، فنزل منزلة السنة إلى القرآن، ومنزلة الرأي إلى السنة.
فمتى يرجع الباحث أو الفقيه إلى الرأي؟
إذا لم يجد السنة.
ومتى يرجع إلى السنة؟
إذا لم يجد القرآن.
هذا لا يستقيم إسلامياُ أبداً، ولا أحد من أئمة الحديث والفقه يجري على هذا التصنيف الذي تضمنه هذا الحديث. "بم تحكم؟ قال: بكتاب الله فان لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله.
وينبغي أن نقرب نكارة متن هذا الحديث ببعض الأمثلة ولو كان مثالاً واحداً حتى لا نطيل.) إلخ كلامه

ينظر هنا : كيف يجب أن نفسر القرآن
 
عودة
أعلى