إبراهيم الجوريشي
New member
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)
--------------------------------------------------------------------------------
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي
(دراسة تفسيرية تحليلية)
للباحث: كامل محمود الشرباتي
تم في قسم القرآن والسنة بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية/الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا مناقشة رسالة الدكتوراة المقدمة من الباحث كامل محمود الشرباتي وهي بعنوان : ( منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي(دراسة تفسيرية تحليلية) ).وقد تألفت لجنة المناقشة من : الدكتور محمد بهاء الدين حسين – مشرفا ، والأستاذ الدكتورسعاد يلدريم - مناقشا والدكتور ليث سعود جاسم – رئيسا ومناقشا، والدكتور سوهرين محمد صولحين – مناقشا. وبعد المناقشة منح الباحث درجة الدكتوراة بتقدير امتياز في التفسير وعلوم القرآن الكريم.
ويعزو الباحث سبب اختياره لهذا الموضوع إلى حاجة الواقع الإسلامي المعاصر إلى دراسة متخصصة تتعلق بجوانب التعامل المالي من وجهة نظر قرآنية، تسعى لتوضيح القيم الإسلامية الراقية المتعلقة بهذا المجال ، وإلى حاجة مكتبة التفسير القرآني خصوصاً إلى دراسة موضوعية تحليلية تستقرئ آيات القرآن الكريم، وتبرز الأخلاق التي أكد عليها القرآن الكريم في موضوع التعامل المالي، والمنهج والأسلوب الذي اتبعه في تأصيل هذه الأخلاق وترسيخها في التعامل بين الناس.
ملخص الرسالة:
قام الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي والتحليلي للدراسة ومن ثم قام بتقسيم الدراسة إلى بابين بالإضافة إلى الفصل التمهيدي والخاتمة والتوصيات وفهارس البحث، فبعد أن مهد للبحث ، تناول الباحث في الباب الأول: العناصر النظرية لأخلاق التعامل المالي في القرآن ، متناولا مفهوم المال في المنظور القرآني ،وعناصر المنهج القرآني في بيان أخلاق التعامل المالي،و أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى أخلاق التعامل المالي.
أما الباب الثاني فقدم الباحث نماذج تطبيقية لأخلاق التعامل المالي في القرآن الكريم، وذلك من خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الكسب ، كالوفاء بالكيل والميزان،و تحريم التعامل بالربا،و تحريم أكل المال بالباطل ،والتحذير من الانشغال بالتجارة عن ذكر الله تعالى.ومن خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الإنفاق، كتحرّي الطيّب في الإنفاق، واجتناب المنّ والأذى،و الاعتدال في الإنفاق ،وذم البخل والتنفير منه.وأشار الباحث أيضا إلى أهمية أخلاق التعامل المالي في المداينة ،ككتابة الدَّيْن، والإشهاد على الدَّيْن.
وقد توصل الباحث في ختام الدراسة إلى النتائج التالية:
اعتنت الدراسة بالبحث في الأحكام الخُلُقية؛ لأنها أقدر على ضبط السلوك الإنساني من الأحكام القانونية؛ ذلك أن النية أمر جوهري فيها؛ ومجالها أرحب وأوسع من مجال القانون؛ حيث تتوجه إلى الظاهر والباطن؛ ومصدر الإلزام فيها داخلي ذاتي؛ كما أنها تسعى إلى الإحسان، لا مجرد إقامة العدل.
كانت مظاهر الفساد والظلم والانحراف في التعامل المالي منتشرة عند العرب الجاهليين إبان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن الكريم، فقد كان المجتمع يعاني سوء توزيع الثروة، وسعة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وانتشار التعامل بالربا، وظهور أشكال من الانحراف في شؤون البيع والشراء، كما كانت مظاهر الظلم فاشية في شأن أموال اليتامى والنساء وتقسيم الميراث. فكانت مهمة القرآن الكريم هي التصدي لهذه المظاهر ومعالجتها بأسلوبه المتميز، ومنهجه الفريد.
اهتم القرآن الكريم بشأن المال، فذكره في مواضع عديدة من آياته، ونسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه العليّة تشريفاً وتكريماً، وتنويهاً بالمالك الحقيقي للمال، الذي له الحق في بيان أحكامه وأخلاق التعامل به. ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالمال أمره بحفظه من الضياع والتلف، وتشريع أخلاق التعامل به كسباً وإنفاقاً واستثماراً وادخاراً، واتباع منهج حكيم في التأكيد على هذه الأخلاق وترسيخها في أذهان الناس.
نظرة القرآن الكريم إلى المال نظرة واقعية متوازنة، فالمال مال الله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، وهو قوام الحياة، وحبه فطري وغريزي في الإنسان، والمال في نظر القرآن الكريم خير فلا يذم لذاته، وإنما للعوارض التي تطرأ في استعماله، وهو وسيلة لا غاية، وهو متاع الحياة الدنيا وزينتها، وينطوي على عناصر الفتنة والابتلاء، والمال ليس أساس التفاضل بين الناس، ولا علامة رضا الله تعالى، كما أنه لا يُغني في الآخرة شيئاً، حيث ينتهي أثره بانقضاء الحياة الدنيا.
ابتدأ القرآن الكريم خطواته في الحث على التزام أخلاق التعامل المالي بذم مظاهر الانحراف والفساد في السلوك البشري، ولم يترك البشر حيارى في هذا المجال، بل أرشدهم إلى البديل الفاضل، ودعاهم إلى التزام مكارم الأخلاق ومحاسنها، القائمة على الإحسان والتكافل والتعاون.
تدرج القرآن الكريم في تشريعه لبعض أخلاق التعامل المالي، فاتخذ بشأنها إجراءات تمهيدية، بإيحاءات وإشارات إلى ما يتجه إليه أمر التشريع، وذلك لخلخلة ارتباط النفوس بما اعتادت عليه من مساوئ الأخلاق، خصوصاً تلك الأخلاق التي أصبحت جزءاً من واقع الحياة وسلوك الناس اليومي، بحيث يكون النهي عنه دفعة واحدة عسيراً على النفوس، وقد لا يحقق الهدف المنشود من التشريع، من حُسْن الالتزام وتنفيذ الأوامر.
ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين العقيدة في كثير من المواضع، فالعقيدة هي الأساس الذي تنبني عليه جميع نظم الإسلام، وهي الدافع والباعث على الاستجابة والانقياد لأحكام القرآن الكريم، وقد جاء ذلك عن طريق التذكير بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وتقرير زوال الدنيا وبقاء الآخرة، والأمر بالتقوى في ثنايا التوجيهات الخُلُقية المتعلقة بالشؤون المالية، والتذكير بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا في سياق الآيات وخواتيمها؛ بعثاً على استحضار عظمته وخشيته وقدرته ورقابته على جميع تصرفات الفرد.
ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين المقاصد التي تُحققها، والآثار التي تترتب على الالتزام بها، فالإنسان مجبول على تكرار السلوك الذي يحسّ بأثره في حياته وواقعه. والآثار التي أشار إليها القرآن الكريم لا تقتصر على الجانب الروحي الأخروي متمثلاً في الثواب وحُسْن العاقبة فحسب، بل تشمل الآثار القريبة المحسوسة في الحياة الدنيا، بما فيها مظاهر من الكسب المادي، والخير الدنيوي للفرد والمجتمع.
أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق الأحكام التكليفية الأخرى؛ للتدليل على مساواتها مع بقية أحكام القرآن وتشريعاته، فهي في مستوى واحد من القوة التكليفية؛ ولبيان عدم إمكانية الفصل بين أحكام العبادات وأحكام المعاملات، وبين شؤون الدنيا وشؤون الآخرة.
أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق القصص القرآني؛ وذلك لفاعليه هذا الأسلوب وتأثيره في مشاعر الناس وأحاسيسهم، ففيه عناصر التشويق والإثارة، كما يعطي القدرة على استحضار المشاهد، واستذكار الأوامر والتوجيهات، وحُسْن الاعتبار والاتعاظ بمضامين القصص.
استعمل القرآن الكريم أسلوب الترغيب والترهيب في دعوته لالتزام أخلاق التعامل المالي، فالإنسان ميّال بفطرته إلى جلب الخير لنفسه ودفع الشر عنها، وقد جاء الترغيب متعلقاً بالجانب المادي والجانب المعنوي لحياة الناس، ومرتبطاً بمنافع الدنيا وخيرات الآخرة.
استخدم القرآن الكريم في حثه على التزام أخلاق التعامل المالي أسلوبي الأمر والنهي، فإن لهما قوة تكليفية واضحة، تدل على أن الفعل مطلوب طلباً جازماً، وذلك يدفع إلى تنفيذ الأوامر والمسارعة للعمل، وقد استعمل القرآن الكريم الأوامر والنواهي المباشرة وغير المباشرة، كما استعمل الإيحاءات والإشارات والدلالات الخفية، كل على مقتضى الحال والمصلحة.
استعمل القرآن الكريم أسلوب التصوير بضرب الأمثال وسَوْق الاستعارات في مجال تأصيل أخلاق التعامل المالي، فالتصوير يقرّب المعاني للأذهان، ويحوّل المعاني اللغوية المجردة إلى مشاهد محسوسة، فيسهل استحضارها في الأذهان في أثناء التعامل اليومي، لا سيما وأن مجال التعامل بالمال محفوف بالغفلة والذهول عن الأوامر والنواهي.
كرر القرآن الكريم بعض الأخلاق المتعلقة بشؤون التعامل المالي، تأكيداً عليها، وترسيخاً لها في الأذهان، فقد أثبت أسلوب التكرار جدواه في استحضار المعاني وتذكّرها، والاهتمام بالتوجيهات، وقد جاء ذلك عن طريق تكرار بعض المعاني المتعلقة بالتصرفات المالية، وعن طريق تكرار بعض القصص القرآني المتضمن عظات تتعلق بأخلاق التعامل المالي.
تراوح أسلوب القرآن الكريم في بيانه لأخلاق التعامل المالي بين الإجمال والتفصيل، فأجمل بيانه في القضايا التي تقبل التطور، ويدخلها الاجتهاد، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، فأشار في هذا المجال إلى المبادئ الكلية، والقواعد الأساسية، بينما فصّل القول في المجالات المالية التي لا تقبل الاجتهاد والتطور، ولا يدخلها التجديد، ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فاتبع أسلوب التفصيل الدقيق في هذا المجال.
تبين من الدراسة التطبيقية أن القرآن الكريم اتبع منهجاً واضح المعالم، حكيم الإجراءات في تأصيله لأخلاق التعامل المالي، وقد ظهرت مفردات هذا المنهج في النماذج التي تمت دراستها، ولم يكن من ضرورات المنهج انطباق جميع عناصره وأساليبه على كل خُلُق من أخلاق التعامل المالي، بل إن اطراد المنهج في مجمل القرآن الكريم دليل كافٍ على وجوده.
--------------------------------------------------------------------------------
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي
(دراسة تفسيرية تحليلية)
للباحث: كامل محمود الشرباتي
تم في قسم القرآن والسنة بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية/الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا مناقشة رسالة الدكتوراة المقدمة من الباحث كامل محمود الشرباتي وهي بعنوان : ( منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي(دراسة تفسيرية تحليلية) ).وقد تألفت لجنة المناقشة من : الدكتور محمد بهاء الدين حسين – مشرفا ، والأستاذ الدكتورسعاد يلدريم - مناقشا والدكتور ليث سعود جاسم – رئيسا ومناقشا، والدكتور سوهرين محمد صولحين – مناقشا. وبعد المناقشة منح الباحث درجة الدكتوراة بتقدير امتياز في التفسير وعلوم القرآن الكريم.
ويعزو الباحث سبب اختياره لهذا الموضوع إلى حاجة الواقع الإسلامي المعاصر إلى دراسة متخصصة تتعلق بجوانب التعامل المالي من وجهة نظر قرآنية، تسعى لتوضيح القيم الإسلامية الراقية المتعلقة بهذا المجال ، وإلى حاجة مكتبة التفسير القرآني خصوصاً إلى دراسة موضوعية تحليلية تستقرئ آيات القرآن الكريم، وتبرز الأخلاق التي أكد عليها القرآن الكريم في موضوع التعامل المالي، والمنهج والأسلوب الذي اتبعه في تأصيل هذه الأخلاق وترسيخها في التعامل بين الناس.
ملخص الرسالة:
قام الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي والتحليلي للدراسة ومن ثم قام بتقسيم الدراسة إلى بابين بالإضافة إلى الفصل التمهيدي والخاتمة والتوصيات وفهارس البحث، فبعد أن مهد للبحث ، تناول الباحث في الباب الأول: العناصر النظرية لأخلاق التعامل المالي في القرآن ، متناولا مفهوم المال في المنظور القرآني ،وعناصر المنهج القرآني في بيان أخلاق التعامل المالي،و أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى أخلاق التعامل المالي.
أما الباب الثاني فقدم الباحث نماذج تطبيقية لأخلاق التعامل المالي في القرآن الكريم، وذلك من خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الكسب ، كالوفاء بالكيل والميزان،و تحريم التعامل بالربا،و تحريم أكل المال بالباطل ،والتحذير من الانشغال بالتجارة عن ذكر الله تعالى.ومن خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الإنفاق، كتحرّي الطيّب في الإنفاق، واجتناب المنّ والأذى،و الاعتدال في الإنفاق ،وذم البخل والتنفير منه.وأشار الباحث أيضا إلى أهمية أخلاق التعامل المالي في المداينة ،ككتابة الدَّيْن، والإشهاد على الدَّيْن.
وقد توصل الباحث في ختام الدراسة إلى النتائج التالية:
اعتنت الدراسة بالبحث في الأحكام الخُلُقية؛ لأنها أقدر على ضبط السلوك الإنساني من الأحكام القانونية؛ ذلك أن النية أمر جوهري فيها؛ ومجالها أرحب وأوسع من مجال القانون؛ حيث تتوجه إلى الظاهر والباطن؛ ومصدر الإلزام فيها داخلي ذاتي؛ كما أنها تسعى إلى الإحسان، لا مجرد إقامة العدل.
كانت مظاهر الفساد والظلم والانحراف في التعامل المالي منتشرة عند العرب الجاهليين إبان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن الكريم، فقد كان المجتمع يعاني سوء توزيع الثروة، وسعة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وانتشار التعامل بالربا، وظهور أشكال من الانحراف في شؤون البيع والشراء، كما كانت مظاهر الظلم فاشية في شأن أموال اليتامى والنساء وتقسيم الميراث. فكانت مهمة القرآن الكريم هي التصدي لهذه المظاهر ومعالجتها بأسلوبه المتميز، ومنهجه الفريد.
اهتم القرآن الكريم بشأن المال، فذكره في مواضع عديدة من آياته، ونسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه العليّة تشريفاً وتكريماً، وتنويهاً بالمالك الحقيقي للمال، الذي له الحق في بيان أحكامه وأخلاق التعامل به. ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالمال أمره بحفظه من الضياع والتلف، وتشريع أخلاق التعامل به كسباً وإنفاقاً واستثماراً وادخاراً، واتباع منهج حكيم في التأكيد على هذه الأخلاق وترسيخها في أذهان الناس.
نظرة القرآن الكريم إلى المال نظرة واقعية متوازنة، فالمال مال الله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، وهو قوام الحياة، وحبه فطري وغريزي في الإنسان، والمال في نظر القرآن الكريم خير فلا يذم لذاته، وإنما للعوارض التي تطرأ في استعماله، وهو وسيلة لا غاية، وهو متاع الحياة الدنيا وزينتها، وينطوي على عناصر الفتنة والابتلاء، والمال ليس أساس التفاضل بين الناس، ولا علامة رضا الله تعالى، كما أنه لا يُغني في الآخرة شيئاً، حيث ينتهي أثره بانقضاء الحياة الدنيا.
ابتدأ القرآن الكريم خطواته في الحث على التزام أخلاق التعامل المالي بذم مظاهر الانحراف والفساد في السلوك البشري، ولم يترك البشر حيارى في هذا المجال، بل أرشدهم إلى البديل الفاضل، ودعاهم إلى التزام مكارم الأخلاق ومحاسنها، القائمة على الإحسان والتكافل والتعاون.
تدرج القرآن الكريم في تشريعه لبعض أخلاق التعامل المالي، فاتخذ بشأنها إجراءات تمهيدية، بإيحاءات وإشارات إلى ما يتجه إليه أمر التشريع، وذلك لخلخلة ارتباط النفوس بما اعتادت عليه من مساوئ الأخلاق، خصوصاً تلك الأخلاق التي أصبحت جزءاً من واقع الحياة وسلوك الناس اليومي، بحيث يكون النهي عنه دفعة واحدة عسيراً على النفوس، وقد لا يحقق الهدف المنشود من التشريع، من حُسْن الالتزام وتنفيذ الأوامر.
ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين العقيدة في كثير من المواضع، فالعقيدة هي الأساس الذي تنبني عليه جميع نظم الإسلام، وهي الدافع والباعث على الاستجابة والانقياد لأحكام القرآن الكريم، وقد جاء ذلك عن طريق التذكير بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وتقرير زوال الدنيا وبقاء الآخرة، والأمر بالتقوى في ثنايا التوجيهات الخُلُقية المتعلقة بالشؤون المالية، والتذكير بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا في سياق الآيات وخواتيمها؛ بعثاً على استحضار عظمته وخشيته وقدرته ورقابته على جميع تصرفات الفرد.
ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين المقاصد التي تُحققها، والآثار التي تترتب على الالتزام بها، فالإنسان مجبول على تكرار السلوك الذي يحسّ بأثره في حياته وواقعه. والآثار التي أشار إليها القرآن الكريم لا تقتصر على الجانب الروحي الأخروي متمثلاً في الثواب وحُسْن العاقبة فحسب، بل تشمل الآثار القريبة المحسوسة في الحياة الدنيا، بما فيها مظاهر من الكسب المادي، والخير الدنيوي للفرد والمجتمع.
أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق الأحكام التكليفية الأخرى؛ للتدليل على مساواتها مع بقية أحكام القرآن وتشريعاته، فهي في مستوى واحد من القوة التكليفية؛ ولبيان عدم إمكانية الفصل بين أحكام العبادات وأحكام المعاملات، وبين شؤون الدنيا وشؤون الآخرة.
أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق القصص القرآني؛ وذلك لفاعليه هذا الأسلوب وتأثيره في مشاعر الناس وأحاسيسهم، ففيه عناصر التشويق والإثارة، كما يعطي القدرة على استحضار المشاهد، واستذكار الأوامر والتوجيهات، وحُسْن الاعتبار والاتعاظ بمضامين القصص.
استعمل القرآن الكريم أسلوب الترغيب والترهيب في دعوته لالتزام أخلاق التعامل المالي، فالإنسان ميّال بفطرته إلى جلب الخير لنفسه ودفع الشر عنها، وقد جاء الترغيب متعلقاً بالجانب المادي والجانب المعنوي لحياة الناس، ومرتبطاً بمنافع الدنيا وخيرات الآخرة.
استخدم القرآن الكريم في حثه على التزام أخلاق التعامل المالي أسلوبي الأمر والنهي، فإن لهما قوة تكليفية واضحة، تدل على أن الفعل مطلوب طلباً جازماً، وذلك يدفع إلى تنفيذ الأوامر والمسارعة للعمل، وقد استعمل القرآن الكريم الأوامر والنواهي المباشرة وغير المباشرة، كما استعمل الإيحاءات والإشارات والدلالات الخفية، كل على مقتضى الحال والمصلحة.
استعمل القرآن الكريم أسلوب التصوير بضرب الأمثال وسَوْق الاستعارات في مجال تأصيل أخلاق التعامل المالي، فالتصوير يقرّب المعاني للأذهان، ويحوّل المعاني اللغوية المجردة إلى مشاهد محسوسة، فيسهل استحضارها في الأذهان في أثناء التعامل اليومي، لا سيما وأن مجال التعامل بالمال محفوف بالغفلة والذهول عن الأوامر والنواهي.
كرر القرآن الكريم بعض الأخلاق المتعلقة بشؤون التعامل المالي، تأكيداً عليها، وترسيخاً لها في الأذهان، فقد أثبت أسلوب التكرار جدواه في استحضار المعاني وتذكّرها، والاهتمام بالتوجيهات، وقد جاء ذلك عن طريق تكرار بعض المعاني المتعلقة بالتصرفات المالية، وعن طريق تكرار بعض القصص القرآني المتضمن عظات تتعلق بأخلاق التعامل المالي.
تراوح أسلوب القرآن الكريم في بيانه لأخلاق التعامل المالي بين الإجمال والتفصيل، فأجمل بيانه في القضايا التي تقبل التطور، ويدخلها الاجتهاد، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، فأشار في هذا المجال إلى المبادئ الكلية، والقواعد الأساسية، بينما فصّل القول في المجالات المالية التي لا تقبل الاجتهاد والتطور، ولا يدخلها التجديد، ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فاتبع أسلوب التفصيل الدقيق في هذا المجال.
تبين من الدراسة التطبيقية أن القرآن الكريم اتبع منهجاً واضح المعالم، حكيم الإجراءات في تأصيله لأخلاق التعامل المالي، وقد ظهرت مفردات هذا المنهج في النماذج التي تمت دراستها، ولم يكن من ضرورات المنهج انطباق جميع عناصره وأساليبه على كل خُلُق من أخلاق التعامل المالي، بل إن اطراد المنهج في مجمل القرآن الكريم دليل كافٍ على وجوده.