منهج العماني -رحمه الله- في (بلى) من حيث الوقفُ عليها والابتداءُ بها

إنضم
30/04/2011
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم

منهج العماني-رحمه الله- في (بلى) من حيث الوقفُ عليها والابتداءُ بها​

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد المختار، وعلى أصحابه الأطهار، وآله الأخيار إلى يوم القرار وبعد:
إن علم الوقف والابتداء من أجل العلوم قدراً، وأرفعها شرفاً ونسباً، فهو علمٌ يحوي في طيّاته علوماً كثيرة، وفوائد غزيرة، وقد أُلف في هذا العلم كتبٌ عديدة متقدمةٌ ومتأخرةٌ؛ ومن أهم هذه الكتب، وأروعها كتاب الإمام العماني -رحمه الله- في الوقف والابتداء؛ فقد أحسن وأفاد كما قال عنه ابن الجزري -رحمه الله- ، وإن كتابه مليء بالفوائد التفسيرية والنحوية وغيرها، ومليء بنقولات العلماء، وقد لاحظت اهتمامه بأقوال أبي حاتم وترجيحه بعضها، ولاحظت اهتمامه أيضاً بأقوال ابن الأنباري وابن مقسم -رحمهما الله-، وكثرة رده عليهما، ولاحظت أن له اختياراتٍ واجتهاداتٍ كثيرةً؛ وهذا يدل على سعة علمه واجتهاده -رحمه الله-.
أما عن منهج الإمام العماني في الوقف والابتداء في كلمة (بلى)؛ فقد تتبعت كلامه بحمد الله في كتابه في جميع مواضع (بلى) في القرآن الكريم؛ فوجدته لا يمشي على قول واحد فيها؛ وإنما يرى منهج التفصيل، وبعد تتبعي واستقرائي لكلامه في جميع المواضع رأيت حسب اجتهادي -والله أعلم- أن الكلام عنده في (بلى) يكمن في أربعة أضرب:

أولاً: مالا يوقف فيه على (بلى) ولا يبتداُ بها؛ ويكون هذا فيما إذا كان قبل (بلى) لفظ القول؛ وهذا في المواضع التالية:
1) قوله تعالى: "قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" (البقرة :260)
2) قوله تعالى: "قالوا بلى وربنا" (الأنعام:30)
3) قوله تعالى: "قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" (الزمر:71)
4) قوله تعالى: "قالوا بلى وربنا " (الأحقاف:34)
5) قوله تعالى: "قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم " (الحديد:14)
6) قوله تعالى: "قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا" (الملك:9)
وحجته -رحمه الله-في عدم الابتداء ب (بلى) في هذه المواضع أن من لازم الابتداء بها الوقوفَ على لفظ القول، ولفظ القول لا يوقف عليه بوجه من الوجوه ؛ لأن القول كلام يقتضي الحكاية بعده.
وحجته في عدم الوقوف على (بلى) أنه لابد من إكمال الكلام المحكي؛ فهي متعلقة بما بعدها، ولا يجوز فصلها عمّا بعدها.

ثانياً: ما يبتدأ بها ولا يوقف عليها، وهذا في المواضع التالية:
1) قوله تعالى: "بلى من أسلم وجهه لله" (البقرة:112)
2) قوله تعالى: "بلى من كسب سيئة" (البقرة:81)
3) قوله تعالى: "بلى من أوفى بعهده واتقى"(آل عمران:76)
4) قوله تعالى: "بلى إن تصبروا وتتقوا"(آل عمران:125)
5) قوله تعالى: "بلى وهو الخلاق العليم " (يس:81)
6) قوله تعالى: "بلى ورسلنا لديهم يكتبون" (الزخرف:80)
7) قوله تعالى: "بلى إنه على كل شيء قدير"(الأحقاف:33)
وحجته في عدم جواز الوقف على (بلى ) أن ما بعدها في صلة الجواب؛ فما بعد (بلى) كلام أوجبه (بلى) ؛ فيجب صلتها بما بعدها.

ثالثاً: ما يجوز عنده الوقف على (بلى)؛ وهذا في المواضع التالية:
1) قوله تعالى: "بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون" (النحل:28)
2) قوله تعالى: "بلى وعداً عليه حقاً"(النحل:38)
3) قوله تعالى: "قالوا بلى قالوا فادعوا"(غافر:50)
4) قوله تعالى: "أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه"(القيامة:4)

رابعاً : ما ذكر القول فيه مفصلاً؛ وهذا في المواضع التالية:
1) قوله تعالى: "قالوا بلى شهدنا أن تقولوا" (الأعراف:172)
ذكر -رحمه الله- القولين المشهورين بجواز الوقف على (بلى) وعلى (شهدنا) إن قدر الكلام أنه من قول الملائكة، أو من قول بني آدم، ثم قال: وعندي وجه آخر: وهو أن يكون قوله: "أن تقولوا" في موضع جر، ويكون متعلقاً بقوله "وأشهدهم"؛ كأنه قال: وأشهدهم على أنفسهم لئلا يقولوا؛ فعلى هذا الوجه لا يوقف على قوله "بلى" ولا يوقف على "شهدنا" ولكن الوقف عند آخر الآية لأن قوله "أن تقولوا" متعلق بقوله "وأشهدهم" على تقدير (لئلا يقولوا) أو كراهة أن يقولوا فاعلم ذلك وبالله التوفيق.
2) قوله تعالى: " قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب"(سبأ:3)
قال -رحمه الله-: "والأحسن في هذا عندي أن من قرأ بالرفع وقف على الموضع الذي نص عليه أبو حاتم وهو حسن -أي وقف على لتأتينكم-، ثم قال: ومن قرأ بالجر وقف على قوله "قل بلى" وهو كافٍ".
3) قوله تعالى: "ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرًا " (الانشقاق:15)
قال -رحمه الله-: "نص أبو حاتم على الوقف عند بلى، وأجاز غيره الابتداء بها، والوجهان عندي جيدان".

• إن الذي ترتاح إليه النفس، ويميل إليه الفؤاد بالنسبة لبلى من حيث الوقف عليها والابتداء بها؛ أن الكلام فيها ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: ما يترجح فيه جواز الوقف عليها لعدم تعلقها بما بعدها تعلقاً لفظياً؛ وهذا يكمن في ثمانية مواضع:
1) قوله تعالى: "بلى من أسلم وجهه لله" (البقرة:112)
2) قوله تعالى: "بلى من كسب سيئة" (البقرة:81)
3) قوله تعالى: "بلى من أوفى بعهده واتقى"(آل عمران:76)
4) قوله تعالى: "بلى إن تصبروا وتتقوا"(آل عمران:125)
5) قوله تعالى: "بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون"(النحل:28)
6) قوله تعالى: "قالوا بلى قالوا فادعوا"(غافر:50)
7) قوله تعالى: "بلى إنه على كل شيء قدير"(الأحقاف:33)
8) قوله تعالى: "ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرًا" (الانشقاق:15)

ثانياً: ما يترجح فيه عدم جواز الوقف عليها لقوة تعلقها بما بعدها من حيث اللفظُ؛ وهذا يكمن في تسعة مواضع:
1) قوله تعالى: "قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" (البقرة :260)
2) قوله تعالى: "قالوا بلى وربنا" (الأنعام:30)
3) قوله تعالى: "بلى وعداً عليه حقاً"(النحل:38)
4) قوله تعالى:"قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب"(سبأ:3)
5) قوله تعالى: "قالوا بلى وربنا" (الأحقاف:34)
6) قوله تعالى: "قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم" (الحديد:14)
7) قوله تعالى: "قل بلى وربي لتبعثن" (التغابن:7)
8) قوله تعالى: "قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا" (الملك:9)
9) قوله تعالى: "أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه"(القيامة:4)

ثالثاً: ما يكون فيه التفصيل على اختلاف التقدير؛ وهذا يكمن في خمسة مواضع:
1) قوله تعالى: "قالوا بلى شهدنا أن تقولوا" (الأعراف:172)
2) قوله تعالى: "بلى قد جاءتك آياتي"(الزمر:59)
3) قوله تعالى: "بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين" (الزمر:71)
4) قوله تعالى: "بلى وهو الخلاق العليم " (يس:81)
5) قوله تعالى: "بلى ورسلنا لديهم يكتبون"(الزخرف:80)
وللأمانة العلمية فإن التقسيم الأخير قد استفدته من شيخي الشيخ الدكتور عبد الرحيم الشنقيطي -حفظه الله-.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



وكتبه
أبو قدامة المدني
سعيد بن إبراهيم بن"محمد سعيد" النمارنة
المدرس في الجامعة الإسلامية/المدينة النبوية
في يوم الاثنين الثالث عشر من شهر جمادى الثانية لعام 1432 من الهجرة​
 
بارك الله تعالى فيك على هذا التحرير الطيب من كلام هذا العلَم المحقِّق رضي الله عنه , وأحب أن أزيد أنَّ الوقف على كلمة (بَلَى) والابتداء بها (إجمالاً) له ثلاثة مذاهب:

* فمن العلماء من يقعِّدُ لها فيمنعُ الوقف عليها في كل القرآنِ ؛ ويقول إنه لا يحسن الابتداء بها لأنها جوابٌ لما قبلَها فلا تُفصَل عنهُ.
* ومنهم من يصلُها في كل القرآنِ بما قبلَها وما بعدَها.
* ومنهم من يقول إنها لم تجئْ في القرآن على وجهٍ واحدٍ من حيثُ التعلُّق بما قبلها ؛ فيفرقُ بين ما كان منها جواباً وما لم يكن كذلك , كقوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا) فالوقفُ على بلى في هذا الموضع والابتداء بها كذلك لا وجهَ لهُ لمجيئها جواباً وحكايةً ؛ والجواب لا بدَّ من اتصاله بما هو جوابٌ له , والحكاية لا تُفصَل عن المحكي عنه اتفاقاً , أمَّا ما لم يكن كذلك كقوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيقول المفرِّقون بين أنواع بلى: إنَّ الوقف عليها تامٌّ في هذا الموضع لعدم تعلقها بما يليها , ويستدلون بكسر همزة إنَّ في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيقولون: همزةُ إنَّ تُكسر في الابتداء ومعنى الابتداء بها عدم تعلقها بِـبلى السابقة لها إطلاقاً.
 
من باب الفائدة لي ولإخوتي...
فهذه نتفة مختصرة، وقصاصة منحصرة كتبتها عن هذا الإمام العلم -العماني-؛ فإليكموها:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
* لم تذكر كتب التراجم شيئاً كثيراً، وكلاماً وفيراً عن ترجمة الإمام الحسن بن علي بن سعيد (أبو محمد العماني)، لكن من خلال كتابه النفيس في بابه، المليء بالفوائد، المشبع بالفرائد يتبين لنا أنه نشأ نشأةً علميةً قويةً دقيقةً، وأنه كان عالماً بحراً في علم التفسير واللغة والوقف والنحو.
وقد ترجم للعماني وذكره -حسب علمي- ثلاثة :
1) ذكره السخاوي في جمال القراء.
2) وترجم له الإمام ابن الجزري في غاية النهاية.
3) وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون.
قال عنه ابن الجزري -رحمه الله- : "إمام فاضل محقق، لا أعلم على من قرأ ولا من قرأ عليه"
* اختلف الناس في مكان نشأة العماني؛ فقال بعضهم: نشأ العماني في عُمان بدليل قوله في كتابه القراءات الثمان: "ثم عدت إلى مستقري عمان"، وقال بعضهم إن أصله من عمّان الشام والله أعلم.
* قد عاصر العماني العصر العباسي حال كونه ضعيفاً، وفي عصره ظهرت المدارس النظامية، وعاصر القضاء على البويهيين وقيام دولة السلاجقة.
* مؤلفات العماني:
1) كتاب المرشد في الوقف والابتداء؛ وقد ذكره ابن الجزري فقال: " له كتابان في الوقف أحدهما المرشد وهو أتم من الآخر وأبسط وأحسن فيه وأجاد "
2) المغني في معرفة وقوف القرآن.
ذكره المرعشلي في تحقيقه لكتاب المكتفى، وذكره محقق كتاب الغزال، وذكره محقق كتاب الاقتداء للنكزاوي.
3) كتاب القراءات الثمان للقرآن الكريم وهو مطبوع بتحقيق إبراهيم عطوة وأحمد حسين صقر.
4) كتاب الجامع في التفسير وقد ذكره في كتابه المرشد.
5) كتاب الحدود وقد ذكره في كتابه المرشد.
6) الكتاب الأوسط وقد ذكره في كتابه المرشد.
7) الجامع الكبير وقد ذكره في كتابه المرشد.
8) المعاني وقد ذكره في كتابه المرشد .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى