منهج الشيخ سليمان العلوان في أُطروحاته

إنضم
15/04/2006
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
منهج الشيخ سليمان العلوان في أُطروحاته

يُعدُّ الشيخ سًليمان العلوان – غفر الله له ووفقه - من أهل العلم النابهين الذين لم يُظهروا مؤلَّفاتهم وبحوثهم في المشهد العلمي بقدرٍ واسع ، فعلمه بين طُّلابه ومحبيه أظهر من علم غيره ، ممن أذاعوا علومهم ومؤلَّفاتهم .

ولأنَّ في بعض تقريراته وتحريراته تأملات ونظرات تقتضي الإشارة إليها وتصحيح ما يلتبس فيها ، فقد رقمتُ هذه المقالة احتسابًا للأجر، وقياماً بحقِّ أهل العلم والأثر ، وقد تقرَّر عند الُأصوليين أن التأسيس خير من التأكيد ، وأن إعمال الكلام أولى من إهماله .

وقد استعنتُ بالله تعالى في كتابة خطوط عريضة ، بها دلائل وتعقبات ورؤى عن منهجه في النوازل وطريقته في ُأطروحاته العلمية والشرعية .

ولم أعرِّج على بحوثه في العقيدة ، لأنها على منهج الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الُأصول ، والمقصود معرفة طريقته في البحث والإستدلال في الإتجاه الفقهي والحديثي .
• والمقصود بأُطروحات العلوان :
أ- الكتب والشروحات الحديثية والفقهية
ب- الرسائل والنشرات العلمية
ج – الفتاوى المتعلِّقة بالنوازل المعاصرة

وقد رجعتُ ولله الحمد لكل ما تيسر لي من بحوث وتسجيلات صوتية موثَّقة للعلوان ، ولم ألتفت إلى ما نُسب له ولم يثبت أنه من تحريره ، أو أنه من دروسه .
وقبل بيان منهجه ُأريد أن أشير إلى أن الشيخ العلوان من أهل الدليل جملةً وتفصيلا ، ولم أقف على غير ذلك أثناء مطالعتي لبحوثه . وهذه من محامده التي يجب نشرها، لا دفنها ، فجزاه الله خيراً وبارك له في علمه وعمله .

• يمكن إجمال منهج الشيخ العلوان في النقاط الآتية :
1- اعتماده على بعض آراء وترجيحات ابن حزم :
وهذا يعرف باستقراء فتاويه وانفراداته ، فكثير منها مُقتبس من المُحلَّى لابن حزم الأندلسي( ت : 456ه ) رحمه الله تعالى ، وإن لم يُفصح الشيخ عن ذلك صراحة .وهذا يُدرك بالمطالعة العامة لبحوثه ورسائله .
فالعلوان غفر الله له جرَّد المحلى واستظهر مسائله وخالفه في عقيدته ، لكنه وافقه في غالب المسائل المنثورة في ثناياه ، وقد أورثه ذلك جرأةً في طرح المسائل وقوة في طرحها على الناس ، فكان ظاهريًا بلباس السلفية.

ومن ذلك ما رُوي عنه أنه ذاكر الشيخ محمد بن عثيمين( ت: 1421هـ ) رحمه الله تعالى في حديث أُم سلمة رضي الله عنها: " إنَّ هذا يومٌ رُخِّص لكم فيه إن أنتم رميتم جمرة العقبة أن تُحلُّوا " أخرجه أبو داود . وفي إسناده مقال .
وقول ابن عثيمين له : بلغني من بعض طلبة العلم أنكم تُضعِّفون حديث أم سلمة ، وإقرار العلوان له بصحة ما نُقل عنه ، وأن الحديث عنده منكر ، وأن ابن عثيمين تراجع عن تصحيح الحديث بسبب ما تقدَّم من مذاكرة !.

فهذه الرواية فيها مبالغة واضحة ، لأن ابن حزم في المحلَّى قبل تسعمئة سنة ضعَّف حديث أُم سلمة ، ويستحيل على العلامة ابن عثيمين عدم وقوفه على ذلك ! .
ويضاف لما تقدَّم قوله بعدم وجوب الدم على من ترك واجبًا أو فعل محظورًا بعد إحرامه في النُّسك .
فهاتان المسألتان أيضاً نصَّ عليهما ابن حزم في المُحلَّى ، وهما مشهورتان عند الظاهرية .


ويضاف إلى ما تقدَّم أيضا : فتواه بجواز قرآءة الجنب للقرآن ، وله في ذلك رسالة مطبوعة في مجلة الحكمة . وهي مخالفة لأصول المذاهب الأربعة ، وعليها تعقب . وإذا كان حديثُ عليِّ رضي الله عنه وحديثُ ابن عمر رضي الله عنه لم يثبتا في النهيِّ عن ذلك ، لكن الفتوى بغيره على خلاف الأصل المشروع ، لحديث عمرو ابن حزم المشهور : " لا يمس القرآن إلا طاهر " أخرجه الطبراني بإسناد صحيح .
واعتماد العلوان على اختيار ابن عباس رضي الله عنه مردود ، وليس بحجة عند الُأصوليين ، لأنه تفرَّد وخالف غيره . ولا يعدُّ إجماعًا سكوتيًا ، لأن الإجماع السكوتي شرطه أن لا يخالف ظواهر الأدلة وهو مُنتفٍ هنا . ويجب التفريق في الاستدلال بأقوال الصحابي للإلزام في المسائل ، بين عدالتهم وشروط الإحتجاج بأقوالهم ، فليُتنبَّه لهذا .

والوهم في هذه المسألة عند الشيخ العلوان – غفر الله له ووفقه – أنه يُرجِّح بين ظني وقطعي ، وهذا لا يجوز في علم الأُصول .

فمن شرط الترجيح أن لا يمكن العمل بكل واحد منهما ، وقد قال الإمام الرازي ( ت: 606هـ ) رحمه الله تعالى : " إذا تعارض الدليلان فالعمل بكل منهما من وجهٍ أولى من العمل بأحدهما دون الثاني ، لأن دلالة اللفظ على جزء مفهومه دلالة تابعة لدلالته على كل مفهومه ، ودلالته على كل مفهومه دلالة أصلية ، فإذا عملنا بكل واحدة منهما بوجه دون وجه فقد تركنا العمل بالدلالة التبعية ، وإذا عملنا بأحدهما دون الثاني فقد تركنا العمل بالدلالة الأصلية ، ولا شك أن الأول أولى " .



2- المبالغة في الإجتهاد في النوازل :
فبسبب غيرته على السنة واجتهاداً منه ، كتب رسالة في بِدعية الاحتفالات المقامة لتخريج حفظة القرآن الكريم ، فقد أفتى بأن هذا العمل لم يكن معروفاً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عصر صحابته ، ولا فَعله أحد من أئمة التابعين ولا الأئمة الأربعة ، على أنه انعقد سببه وقام مقتضاه في عصرهم ، وليس ثمّ مانع يحول بينهم وبين فعله .
وجوابه مُتعقَّب عليه. فقد قال الله تعالى : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " ( يونس: 58 ) . فأصل العمل مشروعٌ ، فيكون نصَّاً على الإباحة بلفظ الشارع ، وعند الأصوليين أن الأمر بالفعل مع القرينة الدالة على الإباحة دليل على الإباحة . وهو كقول الله تعالى : " فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " ( الجمعة : 10 ) .


ومما يضاف إلى ذلك جزمه - غفر الله له - بالقول بعدم وجوب الدم على من ترك واجباً أو فعل محظوراً بعد دخوله في النسك . وله رسالة مخطوطة في أن الدم لا يجب على الحاج إلا في خمسة مواضع . واختياره منقول بمعناه من " المُحلَّى " لابن حزم في ، في موضعين وهما في المسألة ( 874) والمسألة (894 ) من كتاب المناسك .


3- عدم التقيُّد بفقه المذاهب الأربعة :
من ثمرات شغفه – غفر الله له ووفقه - بمنهج ابن حزم والشوكاني رحمهما الله تعالى ، تصدَّر لهذا الرأي ، حيث يقول : " العلم ليس محصوراً بآراء الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الفقهاء السبعة " .

ومن أقواله أيضاً : " لا أعلم مسألة تفرَّدتُ بها عن الأمة ولا خالفت فيها إجماعاً صحيحاً ، لكنني أبحث عن الحق والدليل ، فإذا لاح لي دليل صحيح لم يكن بُدّ من القول به ، وإن لم يذهب إليه إلا نفرٌ يسير من أهل العلم ، وإن أمة وقوماً لا يذهبون إلى الدليل ويؤثرون الدعة والتقليد تهيباً من العامة والدهماء أو استيحاشاً من التفرد عن الجمهور، لقومٌ محرومون ، فالأصل في العالم أن يقول الحق الذي يعلمه ووصل إليه اجتهاده " . وهذا القول ليس على إطلاقه فقد تقدَّم مخالفته للمذاهب الأربعة في تجويزه قراءة القرآن للجنب .

وقد تقدَّم بيان مخالفته للإجماع الظنِّي في بعض المسائل ، وهو مأجور في اجتهاده إن شاء الله تعالى .
وتقعيده - غفر الله له - مُتعقَّب بأصل الشرع ، لقول الله تعالى : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى " ( النساء : 115 ) .

قال الآمدي الأصولي( ت: 631هـ ) رحمه الله تعالى : " وجه الاحتجاج بالآية : أن الله تعالى توعَّد على متابعة غير سبيل المؤمنين ، ولو لم يكن ذلك محرما لما توعَّد عليه ، ولما حسن الجمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول في التوعد ، كما لا يحسن التوعد على الجمع بين الكفر وأكل الخبز المباح " .وفي المرفوع : " لا تجتمع أمتي على خطأ " أخرجه الطبراني بإسنادٍ حسن .

وقد قال الإمام مالك ( ت: 179هـ ) رحمه الله تعالى في حواره مع الخليفة المنصور العباسي :" إن الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث وروايات ، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ، ودالوا له من اختلاف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وغيرهم ، وإن ردَّهم عما اعتقدوا شديد ، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم "

والقاعدة عند الأصوليين أنه لا يجوز مخالفة العرف ، إلا إذا خالف الشرع . والدليل أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يتبايعون الثمر السنة والسنتين والثلاث ، فقال : " من أسلم فليسلم في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه ، فهذا الحديث نصٌّ على العمل بالعرف ، مع تعديل ما فيه استقامة حاله .


4- جرأته في النوازل الجهادية :
لم يكن الشيخ العلوان- غفر الله له ووفقه - يتأنَّى في النظر في هذا الباب ، بسبب الأحداث المؤلمة التي نزلت في بعض بلاد المسلمين ، فقد كان يُفتي بأن الجهاد في وقتنا فرض عين ، وتواتر عنه الدعوة لجمع الأموال النقدية للمجاهدين في الخارج ، وتضعيفه لمقولة إن الجهاد لا يصح إلا بإذن وليِّ الأمر ، وتجويزه للعمليات الإنتحارية في فلسطين .

وقد تعجَّل الشيخ – غفر الله له ووفقه - في الفتوى فيما تقدَّم .
فهذه المسائل لا يسوغ فيها الإجتهاد ولا يجوز الافتئات فيها على حاكم البلد الذي ينتسب إليه المجتهد ، لأنها من حقوقه ، ولعجز الدُّول الإسلامية اليوم في العدد والعُدَّة عن قِتال أعدائهم .
وقد قال الإمام ابن تيمية( ت : 728هـ ) رحمه الله تعالى : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورًا بالكفِّ عن قتال الكفار لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك " . والمقصود به قبل فتح مكة وقبل حصول العون له. وقال العِز بن عبد السلام ( ت: 660هـ ) رحمه الله تعالى :" إنَّ أيَّ قتالٍ للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو ، فإنه يجب تركه " .

وقال ابن قدامة ( ت: 620هـ ) رحمه الله تعالى : " أمر الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " .

واطلاق جواز العمليات الاستشهادية في فلسطين والقياس عليها عند غيرهم لا يصح ، لأن هذا العمل عبادة ، والعبادة مبنيةٌ على التوقيف ، والأصل فيها الحظر إلا ما دلَّ الدليل على جوازه .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُظاهر بين درعين . وقد قال الله تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " ( النساء : 29 ) .

ومن القواعد عند العلماء أن الفِتن تنبلج عندما يستحِرُّ قيظ الأحداث ويتطاول الأحداث . والخروج عن رأي العلماء من غير استشارتهم في النوازل الكبرى يوغر الصدور ويخرج الضغائن .
وبعض محبِّي الشيخ العلوان- غفر الله له ووفقه - ممن نصروا منهجه في هذا الباب يستدلون بحديث : " الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال " .

وهذا الحديث في سنده يزيد بن أبي نُشبة ، قال عنه ابن حجر : " مجهول ، وقد ضعَّفه ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري .
وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " من كان من المؤمنين بأرضٍ هو فيها مُستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف ، فليعمل بآية الصبر والصفح ".

أما تصحيح العلوان لحديث : " يخرج اثنا عشر ألفاً من عدن أبْيَن ، ينصرون الله ورسوله " . أخرجه الإمام أحمد في مسنده . فهو وهمٌ وقع له ، ولا يجوز متابعته عليه .ففي إسناده مقال .
وهو حديثٌ أسقطه كثير من المتحمِّسين على الواقع وعلى تنظيم القاعدة اليوم في اليمن . فلا يجوز الإنتصار لتنظيم القاعدة ولا غيره بهذا الحديث. و الحديث فيه انقطاع ، لأن مداره على وهب بن منبه عن ابن عباس . وقد نصَّ ابن معينٍ على أن وهباً لم يسمع من جابر بن عبدالله شيئاً ، فعدم سماعه من ابن عباس أولى ، حيث إنه تُوفي قبل جابر رضي الله عنهما .
وختاماً أُذِّكر بقول الثعالبي ( ت: 429هـ ) رحمه الله تعالى : " الكامل من عُدَّت سقطاته ، والسعيد من حُسبت هفواته ، وما زالت الأملاك تُهجى وتُمدح " .


نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق ، وأن يوحِّد صفوفهم ، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتِّباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة

(منقول )
 
عودة
أعلى