منهج الزمخشري رحمه الله في الكشاف لسورة نوح

إنضم
25/04/2007
المشاركات
20
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
منهج الزمخشري رحمه الله في الكشاف لسورة نوح

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغـفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألاّ إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا . أما بعد ,,,
فأنا في هذا البحث المتواضع أسلط الضوء على أحد أعلام التفسير ، وأذكر منهجه التي اعتمده في تفسيره من خلال سورة نوح .
وكما هو معروف أن لكل واحد من أهل العلم من المفسرين منهج وأصول اعتمد عليها في سَـيْـره في تفسير كلام الله تعالى .
وهذا المنهج والأصول تختلف من حيث التعامل معها من مفسر إلى آخر ، حسب التوجه العقدي للمفسر ، أو حسب الظروف السياسية أو المالية أو الاجتماعية التي كان يمر بها .
الفصل الأول : التعريف بالمفسر وبالسورة :
المطلب الأول : التعريف بالمفسر وذكر بعض مؤلفاته :
المسألة الأولى : التعريف بالمفسر :
الزمخشري (467 - 538هـ )
قال عنه الذهبي في سير النبلاء : العلامة، كبير المعتزلة ، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري الخوارزمي النحوي ، صاحب " الكشاف " و " المفصل " .
رحل، وسمع ببغداد من نصر بن البطر وغيره. وحج ، وجاور، وتخرج به أئمة.
وكان مولده بزمخشر - قرية من عمل خوارزم - في رجب سنة سبع وستين وأربع مئة.
وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد.( )
( وقد قال في الكشاف يمدحه: إن التفاسير في الدنيا بلا عدد وليس فيها لعمري مثل كشافي إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته فالجهل كالداء والكشاف كالشافي )
المسألة الثانية : مؤلفات الزمخشري :
ألَّف الزمخشري تصانيف عديدة في صنوف المعرفة المختلفة،
1- ففي تفسير القرآن الكريم ألف كتابه الكشاف الذي وصف بأنه لم يصنَّف قبله مثله. وفي تفسير الحديث صنف كتاب الفائق،
2- في اللغة كتاب أساس البلاغة.
3- في النحو فقد صنف كتبًا كثيرة منها: المفصل، وقد اعتنى بشرحه خلق كثير، والأنموذج، والمفرد، والمؤلَّف، وشرح أبيات كتاب سيبويه،
4- في الأمثال: المستقصي في أمثال العرب. كما أن له كتبًا في علم الفرائض، والأصول، والفقه والأمالي في كل فن، وله شعر جميل.

المطلب الثاني : التعريف بالسورة :
المسألة الأولى : نوع السورة :
سورة نوح من السور المكية .

المسألة الثانية : فضل السورة :
- ذكره الزمخشري في تفسيره هذا الفضل لهذه السورة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَرَأ سُورةَ نُوحٍ ، كَانَ مَنَ المُؤمِنْينَ الَّذينَ تُدركُهمْ دَعْوَة نُوحٍ عليْهِ السَّلامُ » . ولا يثبت هذا الحديث.

المسألة الثالثة : المحور الرئيسي للسورة :
هو الدعوة .
المسألة الرابعة : أغراض السورة :
1- وصف تجربة من تجارب الدعوة لله وما جرى فيها.
2- بيان الصراع بين الحق والباطل وأنه سنة الله في الكون .
3- بيان حقيقة أنّ العاقبة للحق مهما ارتفع الباطل فالعاقبة للمتقين .
4- ضرب المثل للمشركين- قريش – بقوم نوح وتحذيرهم من أن يَحِلَّ بهم ما حَلَّ بقوم نوح بسبب الكبر عن الحق ، والكفر بالله وبرسوله.( )
5- التمثيل لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بحال نوح عليه السلام وحال قومه.( )

المسألة السادسة : الافـتـتاح بالسورة :
افـتـتحت السورة بالتوكيد ( إنــَّا) للاهتمام بالخبر ، إذ ليس المقام مقام رد إنكار منكر ، ولا لدفع شَكّ عن متردد في هذا الكلام ، وكثيرًا ما يـَفْـتـتح بلغاءُ العرب أولَ الكلام بحرف التوكيد لهذا الغرض.( )
المسألة الخامسة : الوحدة الموضوعية للسورة :
ذكر صاحب ظلال القرآن كلامًا جميلاً وهو :
هذه السورة كلها تقص قصة نوح عليه السلام مع قومه؛ وتصف تجربة من تجارب الدعوة في الأرض؛ وتمثل دورة من دورات العلاج الدائم الثابت المتكرر للبشرية ، وشوطاً من أشواط المعركة الخالدة بين الخير والشر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل .هذه التجربة تكشف عن صورة من صور البشرية العنيدة ، الضالة ، الذاهبة وراء القيادات المضللة ، المستكبرة عن الحق ، المعرضة عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان ، المعروضة أمامها في الأنفس والآفاق ، المرقومة في كتاب الكون المفتوح ، وكتاب النفس المكنون .
وهي في الوقت ذاته تكشف عن صورة من صور الرحمة الإلهية تتجلى في رعاية الله لهذا الكائن الإنساني ، وعنايته بأن يهتدي . تتجلى هذه العناية في إرسال الرسل تترى إلى هذه البشرية العنيدة الضالة الذاهبة وراء القيادات المضللة المستكبرة عن الحق والهدى .
ثم هي بعد هذا وذلك تعرض صورة من صور الجهد المضني ، والعناء المرهق ، والصبر الجميل ، والإصرار الكريم من جانب الرسل صلوات الله عليهم لهداية هذه البشرية الضالة العنيدة العصية الجامحة . وهم لا مصلحة لهم في القضية ولا أجر يتقاضونه من المهتدين على الهداية ، ولا مكافأة ولا جُعل يحصلونه على حصول الإيمان( ).
الفصل الثاني : التعريف بتفسير الكشاف :
المطلب الأول قصة تأليف الزمخشري للكشاف :
فقد قال الزمخشري في مقدمة تفسيره الأمر الذي دعاه إلى الإقدام على كتابة التفسير : أنه كـلما رجع إليه بعض إخوانه من أهل العلم والفضل في تفسير آية فأبرز لهم بعض الحقائق من الحجب ، أفاضوا في الاستحسان والتعجب ، واستطاروا شوقًا إلى مصنف يضم أطرافًا من ذلك ، ثم ذكر كلامًا طويلا وقال فيما معناه أن الله شرح صدره لكتابة هذا التفسير .( )
المطلب الثاني : النهج الأصول التي اعتمد عليها الزمخشري في تفسير الكشاف :
المبحث الأول : تفـسير القرآن بالقرآن :
اعتنى الزمخشري رحمه الله بتفسير القرآن بالقرآن وكان يكثر من ذلك ومثال ذلك :
المسألة الأولى : عند قوله تعالى :{ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي } جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار . والمعنى على أنهم ازدادوا عنده فراراً؛ لأنه سبب الزيادة .
ثم ذكر لها شواهد من القرأن تفسرها نحوه:
قوله تعالى : { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ]
وقوله تعالى :{ فَزَادَتْهُمْ إيمانا } [ التوبة : 124 ].
المسألة الثانية : وعند قوله تعالى : { واستغشوا ثِيَابَهُمْ } وتغطوا بها ، كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم ، أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله .
ويعضده قوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } [ هود : 5 ]
المسألة الثالثة : ولما تكلم عن تفسير قوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم أنهارًا ) ذكر كلاما في تفسيرها ثم قال رحمه الله :
كما قال تعالى : { وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن الله } [ الصف : 13 ]
وقوله تعالى :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات } [ الأعراف : 96 ] .
وقوله تعالى :{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لاَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ } [ المائدة : 66 ] . وقوله تعالى :{ وَأنَّ لو استقاموا عَلَى الطريقة لاسقيناهم } [ الجن : 16 ] .
المسألة الرابعة : ولما تكلم عند قوله تعالى : ( وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا ) ذكر تفسيرها ثم قال رحمه الله : ومثله قوله تعالى : { هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً } [ يونس : 5 ] .
المسألة الخامسة : وعندما تكلم في تفسير قوله تعاى { وَقَدْ أَضَلُّواْ } ذكر أن الضمير للرؤساء .
ومعناه : وقد أضلوا { كَثِيراً } .
ثم ذكر لها آية تفسرها وهي قوله تعالى :{ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس } [ إبراهيم : 36 ] .
المسألة السادسة : وذكر رحمه الله عند تفسير لقوله تعالى : { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً } تعريض بإتخاذهم آلهة من دون الله وأنها غير قادرة على نصرهم ، وتهكم بهم ، كأنه قال : فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله .
ثم ذكر آية تفسر هذه الآية وقال رحمه :وهي كقوله تعالى :{ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ]
المبحث الثاني : تفسير القرآن بالحديث ( عنايته بالحديث ) :
يتضح من تفسير الزمخشري رحمه الله لسورة نوح وغيرها من السور ، أنه رحمه الله قليل الاستشهاد بالأحاديث النبوية .

المبحث الثالث : الاستشهاد بالسيرة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين :
المسألة الأولى: يتضح من أسلوب الزمخشري انه كان يولي السيرةَ وأقولَ الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين إهتمامًا بالغًا في تفسيره ، فعندما ذكر رحمه الله قوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل المساء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا )
ذكر هذا الأثر الذي هو عن عمر رضي اللَّه عنه : أنه خـرج يستسقي ، فـما زاد عـلى الاستـغـفار ، فقيل له : ما رأيناك استسقيت! فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر .
المسألة الثانية : وعــن الحسن : أنّ رجلاً شكـا إليه الجدب . فقال : استغفر الله ؛ وشكا إليه آخر الفقر ، وآخر قلة النسل ، وآخر قلة ريع أرضه ، فأمرهم كلهم بالاستغفار .
فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أبواباً ويسألون أنواعاً ، فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فتلا له هذه الآية .
المسألة الثالـثـة : يتضح ذلك أيضًا عندما تكلم في قوله تعالى : ( مالكم لا ترجون لله وقارًا )
فـقد ذكر رحمه الله أقوال الصحابة والتابعين فقال :
عن ابن عباس : لا تخافون لله عاقبة .
المسألة الرابعة : وذكر عند قوله تعالى ( مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلةا نارًا ) .
قولاً عن الضحاك وهو : كانوا يغرقون من جانب ويحرقون من جانب .
المبحث الرابـع : عنايته بذكر إسناد الروايات :
يتضح من تتبع تفسير الزمخشري رحمه الله مع علو مكانته العلمية أنه يفتقد ركـنًا مهمًا من أركان التثبت من الرواية وهو أنه لا يذكر الإسناد لما يروي من الآثار أو أقوال الصحابة التي يرويها.
المبحث الخامس : ( القراءات ) عنايته بالقراءات :
اعتنى رحمه الله بالقراءات في تفسيره ، ولكن بغير توجيه لها ، أو اختيار منها ، ويرجع ذلك إلى – والله أعلم – إلى أنه وجه أكثر اهتمامه لمسائل اللغة والبلاغة أكـثر من غيرها. ومثال ذلك :
المسألة الأولى : عند قوله تعالى : ( أن أنذر قومك ) :
قال : وقرأ ابن مسعود «أنذر» بغير «أن» على إرادة القول .
المسألة الثانية : وعند قوله تعالى : ( وولده ) :
قال : وقرىء : «وولده» بضم الواو وكسرها.
المسألة الثالثة : وعند قوله تعالى : ( ومكروا مَكْراً كُبَّاراً ) :
قال رحمه الله : قرىء بالتخفيف والتثقيل . والكبار كبر من الكبير والكبار أكبر من الكبار ، ونحوه : طوال وطوّال.
المسألة الرابعة : وعند قوله تعالى : ( مما خطيئاتهم اغرقوا ) :
قال : وقرىء «خطيئاتهم» بالهمزة .
وخطياتهم بقلبها ياء وإدغامها وخطاياهم وخطيئتهم بالتوحيد على إرادة الجنس .
المسألة الخامسة : وعند قوله تعالى : ( رب اغفر لي ولوالدي ).
قال رحمه الله : وقرأ الحسين بن علي «ولولدي» يريد : ساما وحاما.
المبحث السادس : ذكر الفضائل للسور :
ويلاحظ أن الزمخشري يذكر في نهاية كل سور حديث في فضلها ، مثل ذكره لفضل سورة نوح وغيرها من السور مثل سورة الجن وسورة المعارج وغيرها من السور .
والذي يؤخذ عليه فيها أن أكثرها ضعيف أو موضوع ، ويرجع ذلك إلى أن الزمخشري جل اهتمامه في اللغة والبلاغة ، وليس له اهتمام كبير في الصنعة الحديثية .
ومن ذلك ما ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح عليه السلام "
المبحث السابع : النحو ( عنايته بالنحو ) :
اعتنى الزمخشري رحمه الله بالنحو وبيان مسائله ، وهذا أمر غير مستغرب منه لأن الزمخشري هو فارس ميدانه ومثال ذلك :
المسألة الأولى : عند قوله تعالى : { أَنْ أَنذِرْ } :
قال رحمه الله: أصله : بأن أنذر ، فحذف الجار وأوصل الفعل : وهي أن الناصبة للفعل.
المسألة الثانية : و عند قوله تعالى : { جـِهَاراً } :
قال رحمه الله : منصوب بدعوتهم ، نصب المصدر لأنّ الدعاء أحد نوعيه الجهار ، فنصب به نصب القرفصاء بـقَـعَدَ ، لكونها أحد أنواع القعود .
أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم .
ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا ، بمعنى دعاء جهاراً ، أي : مجاهراً به .
أو مصدراً في موضع الحال ، أي : مجاهراً .
المسألة الثالثة : وعندما تكلم في قوله تعالى { وَقَدْ أَضَلُّواْ } وعلى أي شيئ يعود الضمير في ( أضلوا ) :
قال رحمه الله : الضمير للرؤساء ، ومعناه : وقد أضلوا { كَثِيراً } قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام ليسوا بأوّل من أضلوهم . أو وقد أضلوا بإضلالهم كثيراً ، يعني أنّ هؤلاء المضلين فيهم كثرة . ويجوز أن يكون للأصنام ، كقوله تعالى : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس } [ إبراهيم : 36 ] .
المبحث الثامن : ( اللغة ) عنايته باللغة :
المسألة الأولى : وعندما ذكر قوله تعالى : ( وأصروا واستكبروا استكبارًا ):
قال رحمه الله : الإصرار : من أصر الحمار على العانة إذا صرّ أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها.
المسألة الثانية : وعندما ذكر قوله تعالى : ( يرسل السماء عليكم مدرارً ) :
قال رحمه الله : والسماء : المظلة؛ لأنّ المطر منها ينزل إلى السحاب؛ ويجوز أن يراد السحاب أو المطر ،
من قوله : إذَا نَزَلَ السَّمَاءِ بِأَرْضِ قَوْمٍ ...
والمدرار : الكثير الدرور .
ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ، كقولهم : رجل أو امرأة معطار و متفال .
المسألة الثالثة : وعند قوله تعالى : ( ومكروا مكرًا كُـبَّـارًا ) :
قال رحمه الله : والكبار أكبر من الكبير ، والكبار أكبر من الكبار ، ونحوه : طوال وطوّال .
المسألة الرابعة : وعند قوله تعالى : ( رب لا تذر من الكافرين ديَّارًا ) :
قال رحمه الله : { دَيَّاراً } من الأسماء المستعملة في الــنـفي العام .
يقال : ما بالدار ديار وديور ، كـقيام وقيوم . وهو فيعال من الدور . أو من الدار؛ أصله ديوار ، ففعل به ما فعل بأصل سيد وميت ، ولو كان فعالاً لكان دوّاراً .
المبحث التاسع : السؤال والجواب ( ذكره للإشكالات والجواب عليها ) :
المسألة الأولى : قال رحمه الله : فإن قلت : كيف قال { وَيُؤَخِّرْكُمْ } مع إخباره بامتناع تأخير الأجل ، وهل هذا إلا تناقض؟ قلت : قضى الله مثلاً أنّ قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة ، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة . فقيل لهم : آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى ، أي : إلى وقت سماه الله وضربه أمداً تنتهون إليه لا تتجاوزونه ، وهو الوقت الأطول تمام الألف ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ، ولم تكن لكم حيلة ، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير .
المسألة الثانية : وقال أيضا : فإن قلت : علام عطف قوله : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين } ؟ قلت : على قوله : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى } على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد { قَالَ } وبعد الواو النائبة عنه : ومعناه قال رب إنهم عصوني ، وقال : لا تزد الظالمين إلا ضلالاً ، أي : قال هذين القولين وهما في محل النصب ، لأنهما مفعولا «قال» كقولك : قال زيد نودي للصلاة وصل في المسجد.
المسألة الثالثة : وقال أيضا : فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعو الله بزيادته؟ قلت : المراد بالضلال : أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف ، لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم ، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به ، بل لا يحسنَ الدعاء بخلافه .
ويجوز أن يريد بالضلال : الضياع والهلاك ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً } .
المسألة الرابعة : وقال أيضا : فإن قلت : بم علم أن أولادهم يكفرون ، وكيف وصفهم بالكفر عند الولادة؟ قلت : لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فذاقهم وأكـلهم وعرف طباعهم وأحوالهم ، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه ، ويقول : أحذر هذا ، فإنه كذاب ، وإن أبي حذرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك؛ وقد أخبره الله عزّ وجل أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
المسألة الخامسة : وقال أيضا : فإن قلت : ما فعل صبيانهم حين أغرقوا؟ قلت : غرقوا معهم لا على وجه العقاب ، ولكن كما يموتون بالأنواع من أسباب الموت ، وكم منهم من يموت بالغرق والحرق ، وكأن ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون .
المبحث العاشر عشر : الإسرائيليات ( موقفه من الاسرائيليات ) :
يتضح أن الزمخشري كان مُقلاً من الاسرائيليات ، ولا يذكرها إلا نادرًا وإذا ذكر شيئًا منها إمَّا يصدرها بلفظ رُوِيَ ، المشعر بضعفها ، وإمَّا أن يفوض علمها إلى الله سبحانه .
المبحث الحادي عشر : الاعتدال والتشدد:
يظهر من كلام الزمخشري أنه متشدد مع خصومه ويحمل عليهم إذا سنحت له الفرصة للنيل منهم :
ويظهر ذلك عندما تكلم عند قوله تعالى ( والله أنبتكم من الأرض نباتــًا ).
فقال : استعير الإنبات للإنشاء ، كما يقال : زرعك الله للخير ، وكانت هذه الاستعارة أدلّ على الحدوث ، لأنهم إذا كانوا نباتاً كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات : ومنه قيل للحشوية : النابتة والنوابت ، لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أوّلية لهم فيه .
المبحث الثاني عشر : المسائل الفقهية ( موقفه من المسائل الفقهية ):
كان الزمخشري لا يكثر من ذكر المسائل الفقهية ، وإذا ذكر شيئًا منها كان لا يتوسع فيها ، وكان رحمه الله معتدلاً ولا يتعصب لمذهبه الفقهي الحنفي بخلاف تعصبه لمذهبه العقدي ، ذلك لأنه يعتبر من العلماء المجتهدين ، وأيضًا يدل هذا الأمر على نضوجه العلمي الفقهي .
ومثال ذلك ما ذكره في قوله تعالى في سورة البقرة : ( إلاّ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ):
قال رحمه الله : الوليّ يعني إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر ، وتقول المرأة : ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئاً ، أو يعفو الولي الذي يلي عقد نكاحهن ، وهو مذهب الشافعي .
وقيل هو الزوج ، وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملاً ، وهو مذهب أبي حنيفة .
ثم قال رحمه الله : والأوّل ظاهر الصحة . أي مذهب الشافعي رحمه الله .

الخاتمة :
وفي الختام يتضح مما سبق عرضه من أصول الزمخشري رحمه الله في تفسيره الكشاف ، أنَّه رحمه كان ذا مكانة علمية عظيمة ، يشهد له فيها .
و يتضح أنَّ الزمخشري كان يكـثر في تفسيره من تفسير القرآن بالقرآن وهذا إن دلَّ فيدل على سعة علمه رحمه الله .
ويتضح أيضًا إنــَّه رحمه الله كان قليلاً من الاستشهاد بالأحاديث النبوية .
هذا بخلاف ذكره لبعض الآثار عن الصحابة أو التابعين ، ولكن إذا ذكر القول فلا يذكر له سندًا ، أو حكمًا بصحة أو ضعف .
وكان أيضًا يهتم كثيرًا باللغة والبلاغة حتى أصبح تفسيره مليءً بمسائل اللغة والتوجيهات النحوية .
وكان أيضًا يهتم كثيرًا بالقراءات حتى أصبح تفسيره مليءً بذكر القراءات ، ولكـن من غير توجيه لها أو اختيار منها.
ويتضح أيضًا أن الزمخشري شديد على من خالفه في المذهب العقدي المعتزلي ، بخلاف موقـفه من مخالفه في مذهبه الفقهي الحنفي .
 
وفق الله الباحث في بحثه وبارك له في علمه ، ومن وجهة نظري لا يصلح مثل

هذا العنوان { منهج الزمخشري رحمه الله في الكشاف لسورة نوح } فما معنى

منهجه في الكشاف لسورة نوح؟!! أليست سورة نوح ضمن الإطار العام لمنهج الزمخشري ؟

وهل الزمخشري أفرد السورة بمنهجية تختلف عن باقي الكتاب ؟؟!! هذا من حيث العنوان فحسب.

مع دعائي للباحث بالتوفيق والتبصر بما تحت العنوان.
 
السلام عليكم . أشكر الشيخ الفاضل الدكتور خضر على هذه الملاحظة المباركة ، وسوف أتدارك هذا الخطأ مستقبلا إن شاء الله.
أما المقصود من الموضوع أن لكل مفسر منهج سار عليه في تفسيره ، وأنا طبقت هذه الأمور على سورة واحدة ، إلا بالمسال الفقهية فلم أجد الزمخشري تكلم فيها بسورة نوح فأخذت نموذجا من خارج السورة .
وأكرر شكري وحبي لكم فالله. نفع الله بكم .
 
أشكر اهتمامك أخي العزيز على ما أبديته لكم وأزيدك شكرا على أدبكم

وأقترح أن يكون الموضوع هو { الزمخشري ومنهجه في التفسير تطبيقا على

سورة نوح }، أو ما شابه هذا العنوان فما رأيكم.
 
السلام عليكم.أشكركم شيخنا الفاضل المبارك عبدالفتاح خضر على توجيهاتكم التي هي تاج على رأسي . نعم العنوان الذي تفضلتم بذكره هو الأنسب للموضوع ، فلكم الشكر بعد شكر الباري.
 
عودة
أعلى