منزلة التدبر

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,554
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
منزلة تدبر القرآن الكريم
معنى التدبر
قال الشوكاني: يقال تدبرت الشيء : تفكرت في عاقبته وتأملته ، ثم استعمل في كل تأمل ، والتدبير : أن يدبر الإنسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته ، (1)
التفكر: جولان الفكرة وهي القوة المطرقة للعلم ، قال الراغب: ((ولا يمكن أن يحصل هذا إلا بما يكون له صورة في القلب )) (2) .
التأمل: النظر المؤمل به معرفة ما يطلب ولا يكون إلا في طول مدة فكل تأمل نظر وليس كل نظر تأملا (3)
التدبر: النظر في عواقب الأمور وما تصير إليه الأشياء. أي أنه يتجاوز الحاضر إلى المستقبل(4).
فالتدبر والتفكر من عمل القلب وحده إلا أن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب وكلاهما لا يشترط فيه الديمومة والاستمرار بخلاف التأمل، والتأمل قد يحدث بالبصر وحده أو بالبصر يعقبه التفكر أما التفكر والتدبر فالبصيرة وحدها إذ هما من أعمال القلب
(1) فتح القدير: 2/ 180
(2) المفردات للراغب (374).
(3) معجم الفروق اللغوية لابن عساكر( 271)
(4) معالم الطريق إلى فقه المعنى القرآنيّ ، (11)
منزلة تدبر
1- قال تعالى: [ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص :29]
قال الشنقيطي ذكر جل وعلا ، في هذه الآية الكريمة ، أنه أنزل هذا الكتاب ، معظماً نفسه جل وعلا ، بصيغة الجمع ، وأنه كتاب مبارك وأن من حكم إنزاله ، أن يتدبر الناس آياته ، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها ، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى ، وأن يتذكر أولوا الألباب ، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة ، من شوائب الاختلال(1)
قال ابن كثير: [ يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن
الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون
القرآن ]، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب.(2)
قال الشوكاني: وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه لا لمجرد التلاوة بدون تدبر [ وليتذكر أولو الألباب ] أي ليتعظ أهل العقول والألباب جمع لب: وهو العقل.(3) قال السعدي: فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون،.
(1) أضواء البيان
(2) تفسير ابن كثير ، 3/364
(3) فتح القدير: 4/ 611
2- قولِ الله تعالى:  الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ البقرة: 21 .
قال أبو جعفر:: يعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم فيه، ولا يحرفونه عن مواضعه، ولا يبدلونه، ولا يغيرونه – كما أنزلته عليهم – بتأويل ولا غيره، أما قوله: + حَقَّ تِلاوَتِهِ " فمبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به (1) .
قال الشوكاني: يَتْلُونَهُ أنهم يعملون بما فيه، فيحلُّون حلالَه، ويحرِّمون حَرَامه، فيكون مِن تَلاه يتْلُوه إذا اتبعه، ومنه قوله تعالى: وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا الشمس:2 أي: اتبعها، كذا قيل .
قال السعدي:  يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي: يتبعونَه حقَّ اتبَاعِه.
والتلاوة: الاتباعُ، فيحلُّون حلاله، ويحرِّمُون حرَامَه، ويعمَلُون بمحكَمِه، ويؤمنون بمتشابِهه، وهؤلاء همُ السعداء من أهلِ الكتابِ، الذين عرفوا نعمةَ اللهِ وشكروها، وآمنوا بكلِّ الرسلِ ولم يفرِّقوا بين أحدٍ منهم، فهؤلاءِ همُ المؤمنون حقًا (2) .
(1) الطبري ج/1 ص/ 569،
(2) تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المتوفى سنة: 1376هـ، ص/ 65، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى 1420هـ .
3- قوله تعالى:  وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران: 79 .
قَالَ ابْنُ جرير: كونوا، أيها الناس سادة الناس وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربَّانِيِّين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام، فرض وندب، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إياه وِدرَاسَتِكُمُوهُ(1).
قال الشوكاني: كونوا معلمين بسبب كونكم علماء، وبسبب كونكم تدرسون العلم، وفي هذه الآية أعظم باعث لمن عَلِم على أن يعمل، وإنَّ مِن أعظمِ العملِ بالعلم تعليُمه، والإخلاص لله سبحانه . اهـ(2).
قال القرطبي: والربانيون واحدهم ربانى منسوب إلى الرب، والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره وكأنه يقتدى بالرب سبحانه في تيسير الأمور(3).
قال الدكتور عبد القادر بن شيبه:رَبَّانِيِّينَ أي: كونوا حكماء، حلماء، علماء بإخلاص العبادة لله وحده، ومعرفة حقوق ربكم عليكم، ووضع الأمور في مواضعها وأدوا لكل ذي حق حقه، الربَّاني: هو المعلم للخير، ومن يسوس الناس، ويعرفهم أمور دينهم وأسباب سعادتهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال علي : الربانيون: هم الذين يُغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها(4) .
(2) تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المتوفى سنة: 1376هـ، ص/ 65، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى 1420هـ .
(1) تفسير الطبري: ج/3، ص/326 .
(2) تفسير الشوكاني: ج/1، ص/ 451 .
2- قوله تعالى:  وَرَتِّلِ القُرْءان تَرْتِيلاً المزمل: 4 .
قَالَ ابْنُ جرير: بيِّنِ القُرْءان إذا قرأته تبيينًا وترسل فيه ترسلا. اهـ(1) .قال الشوكاني: أي: اقرأه على مهْلٍ مع تَدَبُّر، وأصل الترتيل: قال الضحاك: اقرأه حرفًا حرفًا، قال الزجاج: هو أن يُبَيِّن جميع الحُرُوف ويوفي حَقَّها من الإشباع ، وأصل الترتيل التنضيد، والتنسيق، وحسن النظام، وتأكيد الفعل بالمصدر يدل على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحُرُوف ببعض، ولا ينقص من النُطْق بالحَرْف من مَخْرَجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة . اهـ(2) .
روى القرطبي عن أبي بكر بن طاهر: تدبَّر في لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأَحْكَامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه(3).
قَالَ ابْنُ كثير: اقرأه على تمَهُّل فإنه يكون عونًا على فهم القُرْءان وتَدَبُّره(4).
قال السعدي: فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه قال:  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً أي: نوحي إليك هذا القرآن(5).
(1) الطبري، ج/ 12، ص/281 .
(2) الشوكاني: ج/5 ص/387،
(3) الجامع لأحكام القرآن ، ج/19ص/ 53،
(4) تفسير ابن كثير: ج/4 ص/ 557،
(5) تفسير تيسير الكريم الرحمن، ص/ 893 .

ما ورد عن السلف في مسألة التدبر
1. روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: [ تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلما ختمها نحر جزوراً ].(1) عن ابن عباس قال: [ قدم على عمر رجل فجعل عمر يسأل عن الناس فقال: يا أمير المؤمنين ! قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا ، فقلت: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزجرني عمر ، ثم قال: مه ! فانطلقت لمنزلي حزيناً فجاءني ، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفاً ؟ قلت: متى ما يسارعوا هذه المسارعة يحتقوا - يختصموا: كلٌ يقول الحق عندي - ومتى يحتقوا يختصموا ، ومتى اختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا ، فقال عمر: لله أبوك ! لقد كنت أكتمها الناس حتى جئت بها ] ، وقد وقع ما خشي منه عمر وابن عباس - رضي الله عنهما - فخرجت الخوارج الذين يقرؤون القرآن ؛ لكنه لا يجاوز تراقيهم.(2
2. عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: [ كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن ، وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن ، منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به.
3. قال ابن مسعود: إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن ، وسهل علينا العمل به ، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به ].(1)
4. وقف تميم بن أوس الداري رضي الله عنه بآية يقرؤها ويرددها في جوف الليل الآخر حتى أصبح قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.
5. قال ابن أبي مليكة: سافرت مع ابن عباس من مكة إلى المدينة فكان يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفا حرفا ثم يبكي حتى نسمع له نشيجا .
6. قال الفضيل بن عياض: كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يردد فيها ويسأل.
7. قال محمد بن كعب: لأن أقرأ إذا زلزلت الأرض زلزالها والقارعة أرددهما وأتفكر فيهما أحب إلى من أن أهز القرآن كله هزا.
8. قال النووي: وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظمها يتدبرها عند القراءة
9. قال ابن القيم: هذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصبح
قال محمد بن كعب القرظي: [ لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ [إذا زلزلت] و [القارعة] لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً. أو قال: أنثره نثراً ] (1)

حمل كتاب منزلة التدبر لـ جمال القرش
http://mlffat.tafsir.net/index.php?action=viewfile&id=3333
 
عودة
أعلى