منزلة الاستشهاد بالقرآن الكريم بين مصادر الاستشهاد النحوية للدكتور محمد عبدالله عطوات

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
هذا بحث ماتع للدكتور محمد عبدالله عطوات ، الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة طرابلس بلبنان . وهي تدور حول موضوع الاستشهاد بالقرآن الكريم في مسائل النحو ، وتصحيح بعض الأفكار حوله. وقد نشر هذا البحث في العدد 100 من مجلة التراث العربي التي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.- رمضان 1426هـ .
[line]
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

أولاً: موازنة بين الاستشهاد بالقرآن الكريم، والاستشهاد بالشعر:

أ- إذا قارنا بين الاستشهاد بالقرآن الكريم وبين مصادر الاستشهاد الأخرى من شعرٍ وحديث وغيرهما فإننا نجد أن القرآن الكريم هو الأصل الأول لهذه المصادر، وهو الدعامة التي ترتكز. عليها مصادر الاستشهاد الأخرى.
ذلك أن الشعر العربي الجاهلي أو الإسلامي كان في نظر النحاة منبعاً يمدُّ النحو بالحياة والنمو والحركة، وعلى أساسه ملئت صفحات كتب النحو بالقواعد التي يصعب حصرها، ويصعب استيعابها، ومع ذلك فإن هذا الشعر أثر من آثار القرآن الكريم، وفضلٌ من أفضاله على النحو واللغة، ولولا القرآن الكريم ما جُمِعَ هذا الشعر وما عني به الرُّواة.
ولا أدلّ على ذلك من أن "ابن الأنباري كان يحفظ ثلاث مئة ألف بيت شاهد في القرى، الكريم([1])".
والشافعي الفقيه الكبير صاحب المذهب المعروف في الفقه "كان يحفظ عشرة آلاف بيت من شعر هذيل بإعرابها، وغريبها ومعانيها([2])".
وقد عَرَف للقرآن منزلته نُقَّادُ الأدب فكانوا يُصَحِّحون الشعر على هدى من أسلوب القرآن ونهجه، فأبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت 487هـ) يقول في كتابه التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه" ما نصه: "وأنشد أبو علي رحمه الله للفرزدق:
[align=center]فقلت ادْعي وأدع فإن أندى * لصوت أن ينادي داعيان [/align]
هذا البيت ليس للفرزدق، وقد نُسب إلى الحطيئة، ولم يروِهِ أحدٌ في شعره، والصحيح أنه لدثار بن شيبان، ودثار هو الذي حمله الزبرقان على هجاء بني بغيض
وقوله: (وأدْعُ) على توهم اللام، ولو أظهرها كان خيراً كما قال الله سبحانه وتعالى: "اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم([3])".
وروى صاحب "الطراز" أن ذا الرِّمَّة قال في قصيدته الحائية:
[align=center]إذا غيَّر النأى المحبِّين لم يكد * رسيس الهوى من حبِّ مية يبرح[/align]
فناداه ابن شبرعة: أراه الآن قد برح، فأخذ يفكر، ثم قال:
[align=center]إذا غيَّر النأى المحبين لم أجد * رسيس الهوى من حبِّ ميَّة يبرح [/align]
قال عنبسة: فحكيت لأبي القصة، فقال: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرِّمَّة، وأخطأ ذو الرِّمَّة حيث غيَّر شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا كقول الله تعالى: "ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها([4])"،والمعنى أنه لم يرها ولم يقارب رُؤْيتها([5]).
والنحاة أنفسهم كانوا يؤمنون بهذا الاتجاه، ويعتقدون أن الشعر دون القرآن في موطن الاستشهاد، وفي مجال بناء القاعدة. فالفراء يقول في معرض إعرابه لقوله تعالى "وحور عين([6])" "والكتاب أعرب، وأقوى في الحجة من الشعر([7])".
ولما كان القرآن الكريم قبله النقاد والعلماء فإننا نستغرب كيف أن بعض العلماء وفي العصر الحديث ينكر أن يكون هذا القرآن هو الأصل الأول في الاستشهاد، لأن الذي يستحق هذه المنزلة إنما هو الشعر، وذلك حيث يقول أحدهم: "ولا نزاع في أن كلام العرب هو الأصل الذي يقاس به القرآن الكريم حتى تصح الموازنة التي أوجبها التحدِّي، وما كان أصلاً يجب أن يكون الدليل المقدَّم([8])".

ب ـ وإذا قارنَّا بين القرآن الكريم وبين الشعر من زاوية التوثيق ندرك أن الله تعالى سخَّر جنوده من العلماء والصحابة وأولي الرأي لحفظ النص القرآني وصيانته.
أما الشعر، وبخاصة الشعر الجاهلي، فقد أُثيرت حوله ضجَّة، وكان مصدر هذه الضجة الدكتور طه حسين في كتابه "في الأدب الجاهلي"، فقد شكَّ في قيمة هذا الأدب الجاهلي
وألحَّ عليه الشك كما يقول ـ فأخذ يبحث ويفكر حتى انتهى به هذا كلّه "إلى شيء إن لم يكن يقيناً فهو قريب من اليقين، ذلك أن الكثرة المطلقة مما نُسَمِّيه أدباً جاهلياً ليست من الجاهلية ـ في شيءٍ، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام". ثم قال: "ولا أكاد أشكُّ في أن ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداً لا يمثل شيئاً، ولا يدلّ على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي([9])".

والأدلة التي اعتمد عليها في هذا الإنكار تتلخص في ما يأتي:

1 ـ الشعراء الجاهليون معظمهم ينتسب إلى قحطان، وكثرتهم كانوا ينزلون اليمن، والقلَّة منهم قد هاجرت إلى الشمال([10])، مع أن لسان حمير في اليمن ليس هو لسان عدنان في الشمال، وقد قال أبو عمرو بن العلاء "وما لسان حمير بلساننا، ولا لغتهم بلغتنا([11])".

2 ـ وينبغي على هذا أن "الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس أو إلى الأعشى، أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل، وأذيع قبل أن يظهر القرآن([12])".

3 ـ إن الشعر الجاهلي العدناني لا يقوم على أساس علمي "فالرواة يحدّثوننا أن الشعر تنقَّل في قبائل عدنان. كان في ربيعة، ثم انتقل إلى قيس، ثم إلى تميم، فظلَّ فيها إلى ما بعد الإسلام أي إلى أيام بني أمية حين نبغ الفرزدق وجرير. ونحن لا نستطيع أن نقبل هذا النوع من الكلام إلا باسمين، لأننا لا نعرف ما ربيعة، وما قيس وما تميم معرفة علمية صحيحة([13])".

رأي ومناقشة:
لا أريد من هذه المقارنة بين القرآن والشعر ـ من زاوية التوثيق ـ أن أهدم الشعر الجاهلي، مطمئناً إلى رأي الدكتور طه حسين في ذلك، ولو فعلت ذلك أو أردته لظلمت الحقيقة العلمية، كما ظلمها غيري، وإنما هدفي من هذه المقارنة الإشارة إلى أن توثيق الشعر الجاهلي لم يصل إلى الذروة، كما حدث في القرآن الكريم، وليس معنى ذلك أن الشعر الجاهلي مشكوك فيه، أو لم يكن له وجود قبل القرآن الكريم.
والشعر الجاهلي ـ كما قدَّمت ـ كان الغرض من جمعه خدمة القرآن الكريم، ولا يُعقل أن يخدم القرآن الكريم بشعرٍ مشكوكٍ فيه، ولا قيمة له من الوجهة اللغوية.
يدلُّ على ذلك ما قاله ابن عباس: "إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله فلم تعرفوه، فاطلبوه في أشعار العرب، فإن الشعر ديوان العرب، وكان إذا سُئل عن شيء من القرآن أنشد فيه شعراً([14])".
هنا ويجب أن نضع في أذهاننا أن الشعر الجاهلي كان يجري على ألسنة العرب الفصحاء قبل نزول القرآن الكريم، وأن العرب ما اشتهروا بالفصاحة والبلاغة إلاَّ لنبوغهم في هذا الشعر، لأنه إذا أنكرنا هذا الشعر أنكرنا إعجاز القرآن الكريم، وهو المعجزة الخالدة للإسلام، ولو أنكرنا هذا الشعر لأنكرنا القرآن الكريم نفسه، فقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى فصاحة العرب وبلاغتهم، ومن ثم تحدَّى هذه الفصاحة وهذه البلاغة في آيات عديدة تمثل ذلك.
أما كذب حمَّاد الذي اعتمد عليه الدكتور طه حسين في أنه كان "مشهوراً بالكذب، وعمل الشعر، وإضافته إلى الشعراء المتقدمين، ودسِّه في أشعارهم حتى إن كثيراً من الرواة قالوا: قد أفسد حماد الشعر لأنه كان رجلاً يقدر على صنعه، فيدس في شعر كل رجل منهم ما يشاكل طريقته فاختلط لذلك الصحيح بالسقيم([15])".
فالواقع أن الاستناد إلى مثل هذه الرواية وحدها خطأ علمي فليس كل راوية "حماد" أو "خلف". وكثير من الرواة ـ كما سنبيِّنه ـ ليسوا على هذا المستوى من الكذب والنتحال.

وقد وضع الأمر في نصابه الأستاذ أحمد ضيف حيث قال:
"من المستحيل أن تكون كل هذه الأشعار أو أكثرها مخترعة أو منسوبة إلى غير قائلها بدون سبب، ولا داعٍ إلى ذلك، وذا كذب الرواة أو دسوا على بعض الشعراء شيئاً، فإن ذلك لا يمكن أن يصل إلى مقدار ما نعرفه من الشعر الجاهلي. وكيف يمكن اختراع هذا الشعر الكثير وبه من العبارات والأساليب ما يدّل على أنه بدويُّ صرف، وأيُّ إنسان يمكنه أن يحصل على هذه القدرة ليشغل وقته بذلك، وينسبه إلى غيره، وكان أولى به أن يذكره لنفسه ليفخر به".. إلى أن قال: "أنرمي كل الرواة وعلماء اللغة والأدب بالكذب، أو نتهمهم بعدم الثقة، لأن حماداً وغيره كذب مرة أو مرتين، وهل يصحُّ أن نحكم على البلد أجمع بالمرض، لأن بها إنساناً مريضاً؟([16])".

وأما كلمة أبي عَمْرو بن العلاء، فقد بيَّن الدكتور أحمد الحوفي المراد منها بأنها صالحة لأن يكون معناها:
1 ـ أن الحميرية الموغلة في القدم.. هي التي تغاير لغة قريش، فليست حميرية القرن الخامس الميلادي ـ وهو عهد الأدب الجاهلي المروي ـ هي المغايرة للغة قريش، لأن النصوص التي عثروا عليها في النقوش، وفيها خلاف بين اللغتين نصوص معينيّة أو سبئية أكثرها غير مؤرخ، وفي رأي "جلازر" أن أقدمها هي المعينة، وأقدم هذه يرجع إلى القرن الخامس عشر أو السادس عشر قبل الميلاد، وأحدثها يرجع إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد.

2 ـ إن اللغتين عربيتان، ولكن التطور والمكان والزمان والأحداث والألسن...الخ قد شققت من اللغة لهجتين بدليل قوله، ولا عربيتهم بعربيتنا، والعرب يطلقون على اللهجة اللسان([17])".

ويذكر الشيخ الخضرفي هذا المجال أن طه حسين حرَّف كلمة أبي عمرو بن العلاء لهوى في نفسه([18]).
وبيَّن الشيخ العاملي خطأ طه حسن في هذه الفكرة بأن الحميرية لغة عربية، وكانت القبائل تجتمع من جنوبيين وشماليين في أسواقها وتتفاهم دون أدنى كلفة، ويساعدهم على ذلك أن لغاتهم أو لهجاتهم على ما كانت عليه كانت متحدة في صميمها، وأن هذا الاختلاف لم يعدُ كونها لهجات للغة واحدة.
ويقدم دليلاً لما يقول في قصة وفد الحجاز عند سيف بن ذي يزن ملك اليمن، وعلى رأس ذلك الوفد سيد قريش عبد المطلب بن هاشم يخطب ببيانه القرشي العدناني، وسيد اليمن يصغي إليه، ويسمع شاعر الوفد أُميَّة بن أبي الصلت ينشد قصيدته بلهجة الفصحى، والملك يُصغي طروباً لا يجد غرابةً في ذلك([19]).
وفي هذه الأدلة التي سجَّلتها في هذا المقام ردود ملجمة لدعوى الدكتور طه حسين في إنكار الشعر الجاهلي.
وأُضيف ـ في الردِّ على الدكتور طه حسين ـ إلى الأدلة السابقة ما يأتي:

1 ـ رواة الشعر الجاهلي لم يكونوا في غفلة عن نسبة هذا الشعر إلى قائليه، فكان لهم إلمام واسع بهذا الشعر وبأساليبه وبقائليه، ويتحرّون الأمانة فيه. والأصمعي يقول: "سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: لقي الفرزدق في المربد، فقلت يا أبا فراس: أحدثت شيئاً؟
قلت شيئاً؟ قال: فقال: خذ، ثم أنشدني:
[align=center]كم دون ميَّة من مستعجلٍ قُذُفٍ * ومن فلاة بها تستودع العيس([20])[/align]
قال: فقلت سبحان الله: هذا للمتلمس، فقال: التمسها فَلَضوالّ الشعر أحبّ إليّ من ضوالّ الإبل([21])".
والكسائي، يتحدث الفرَّاء عنه فيقول: "دخلت عليه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: هذا الملك "يحيى بن خالد" يوجِّه إليِّ ليحضرني فيسألني عن الشيء، فإن أبطأت في الجواب الحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل.. فقلت له: يا أبا الحسن: من يعترض عليك؟ قل ما شئت فأنت الكسائي؟!
فأخذ لسانه وقال: قطعه الله إذن إذا قلت ما لا أعلم([22])".
والأصمعي لم يحتج بشعر ذي الرِّمَّة لكثرة ملازمته الحاضرة ففسد كلامه([23]).

2 ـ نرجح أن بعض الشعر الجاهلي كان مدوَّناً، ولاسيما المعلَّقات، ذلك أنه كان يوجد في العرب من يجيد الكتابة والقراءة، ولكنهم ليسوا جميعهم أميين. أمَّا وصف العرب بالأمية في قوله تعالى: "وقل للذين أوتوا الكتاب والأُميين أأسلمتم؟"([24])،وقوله تعالى: "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأُمِّيين سبيل"([25])، وقوله تعالى أيضاً: "هو الذي بعث في الأُميِّين رسولاً"([26])، فليس المقصود الأُمية الكتابية ولا العلمية، ,إنما يعني الأميَّة الدينيّة، أي أنهم لم يكن لهم قبل القرآن كتاب ديني، والدليل على ذلك قوله تعالى: "ومنهم أُمِّيُّون لا يعلمون الكتاب إلاَّ أمانيَّ([27])".
وإذا كان بعض الشعر الجاهلي قد وصلنا مكتوباً مدوَّناً، وكُتب بيد الجاهليين أنفسهم فلا داعي للإنكار، وقد أثبت القرآن الكتابة للعرب فقال: "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها([28])"
كما أثبت لهم القراءة فقال: "وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجِّر من الأرض ينبوعاً"، إلى قوله تعالى: "أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تُنزل علينا كتاباً نقرؤُه([29])".
ويتضح لنا أن الدكتور طه حسين كان يؤمن بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يجب أن تدرس الحياة الجاهلية في مرآته، حيث يقول: "فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي([30])".
ومن المعلوم لدى الدكتور أنه من غير المعقول أن يقوم الشعراء بتأليف الشعر. وهو مجهود عقلي يحتاج إلى وقت من غير أن يكون لدى الشاعر صحيفة يكتب فيه شعره ليعاوده مرة بعد مرَّة ومن ثم قال جويدي: "إن قصائد القرن السادس الميلادي لجديرةٌ بالإعجاب، تُنْبِئ بأنها ثمرة صناعية طويلة، فإن ما فيها من كثرة القواعد والأصول في لغتها، ونحوها، وتراكيبها وأوزانها يجعل الباحث يؤمن بأنه لم تستوِ لها تلك الصورة الجاهلية إلاَّ بعد جهود عنيفة بذلها الشعراء في صناعتها([31])".
وهذا الجاحظ يدلي برأيه في هذه المشكلة فيقول: "ومن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده زمناً طويلاً، يردِّد فيها نظره، ويجيل فيها عقله، ويقلِّب فيها رأيه اتهاماً لعقله، وتتبعاً على نفسه فيجعل عقله زماماً على رأيه، ورأيه عياراً أعلى شعره، إشفاقاً على أدبه، وإحرازاً لما خوَّله الله من نعمته، وكانوا يسمُّون تلك القصائد الحوليات والمقلدات، والمحكمات، ليصير قائلها فحلاً حينئذ، وشاعراً مغلقاً([32])".
وأوضح الأدلة على كتابة العشر الجاهلي المعلقات "فقد ذهب الأكثرون من العلماء إلى أنها استمدَّت تسميتها من تعليقات على الكعبة([33])".
وعلى الرغم من أن الدكتور الحوفي يرفض "رأي القائلين بتعليقها على الكعبة جملة وتفصيلاً([34])". حيث قال: "كيف نصدق أن العرب كتبوا هذه القصائد بماء الذهب على القباطي، وهم كانوا أمة أُميَّة ندر فيها من يقرأ ويكتب، وهل من المعقول أن ينبغ فيهم من يجيد الكتابة، حتى يكتب بماء الذهب على القباطي؟ وماذا يدعوهم لكتابة هذه القصائد، وتعليقها على الكعبة ما دامت الأميَّة فاشية فيهم([35])".
وعلى الرغم من هذا الرفض فإننا نؤمن بالاتجاه الذي يقول: إنها علقت على الكعبة، أما دليل الدكتور الحوفي فقد نقضناه حينما أثبتنا أن العرب ليسوا أميين بشهادة القرآن نفسه.
وقد كانت الكعبة مقدسة لدى العرب، وكان هذا التقديس في نفوسهم يدفعهم إلى تعليق ما كثرت قيمته عندهم. فهذه القصائد كانت لديهم ذات قيمة فعلَّقوها كما علَّقوا غيرها.
وظل هذا التعليق سنَّة متبعة، وعرفاً لا ينكر. حدَّث محمد بن يحيى عن الواقدي عن أشياخه قال: "لما فتح عمر بن الخطاب رضى الله عنه مدائن كسرى كان ممَّا بُعِثَ به إليه هلا فبعث بهما فعلقهما في الكعبة... وكان هارون الرشيد قد وضع في الكعبة قصبتين علَّقهما مع المعاليق في سنة ستِّ وثمانين ومئة، وفيها بيعة محمد وعبد الله ابنيه، وما عقد لهما وما أخذ عليهما من العهود([36])".
وأعتقد بوجود إجماع على إعجاز القرآن وبلاغته، وأن النحو القرآني جاء على سنن ما تنطق به العرب، وباختصار فإن القرآن يتميز بقوِّة لا تجارى، وبلاغة لا تنازع، وفصاحة لا تبارى، وأضيف القول: إن هذه الأدلة كلَّها تثبت أن العصر الجاهلي لم يكن خيالاً، وإنما كان حقيقة واقعة، وتاريخاً ينطق بالحق والبرهان.

3 ـ عيوب الشعر الجاهلي:
لا نعني بالدفاع عن الشعر الجاهلي وقيمته التاريخية أنه كان خُلْواً من العيوب، بريئاً من النقد، ومن هذه الناحية لا نستطيع أن نضعه بجانب القرآن الكريم في مجال الاستشهاد به على اللغة والنحو، وإنما نضعه في منزلة تلي منزلة القرآن الكريم. أما عيوب هذا الشعر فقد تجرَّد لها العلماء منذ زمنٍ قديم محاولين الكشف عنها بما أُوتوه من خبرة، تضع الموازين القسط لهذا الشعر، وتقيم الأسس التي تبيّن خطأه أو صحته.
ومن النقاد الذين قاموا بهذه النقد أبو العلاء المعرِّي، فقد ذكر المعرِّي بشأن البيتين التاليين اللذين تنطوي عليهما معلَّقة عمر بن كلثوم:
[align=center]تصدُّ الكأس عنَّا أُمُّ عمرو * وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شرّ الثلاثة "أُمَّ عمرو" * بصاحبك الذي لا تَصبحينا [/align]
أن أُم عمرو هذه قينة من قيان الجنة. فلما سألها السامعون عن هذين البيتين، أَلعمرو بن عدي هما أم لعمرو بن كلثوم؟ أجابت: أنا شهدت نَدْمَانَي جذيمة مالكاً وعقيلاً، وصبحتهما الخمر المشعشعة لما وجدا "عمرو بن عدي" فكنت أصرف الكأس عنه، فقال هذين البيتين، فلعلَّ عمرو بن كلثوم حسَّن بهما كلامه واستزادهما في أبياته([37])، ونستطيع أن نرجع عيوب الشعر الجاهلي إلى الأمور الآتية:

1 ـ التصحيف:
لقد كثر هذا في الشعر العربي، وهذا يدلّ على أن الشعر العربي كان مسجَّلاً في صحفِ أو في دواوين يٌقرأ منها. "يُروى أن الأصمعي قُرئَ عليه يوماً في شعر أبي ذؤَيب:
[align=center]بأسفل ذات الدير أفرد جحشها([38])[/align]
فقال أعرابي حضر المجلس: ضلَّ ضلالك أيها القارئ إنما هي "ذات الدَّبر" وهي ثنية عندنا، فأخذ الأَصمعي بذلك فيما بعد([39])".
والقرآن الكريم بقراءاته العديدة مرجعه الرواية والنقل، وقد عيب على هؤلاء الذين يعتمدون على خط المصحف في قراءة القرآن.

2 ـ الاضطراب في رواية هذا الشعر:
لقد وصل إلينا الشعر العربي عبر روايات عديدة، وفي كل رواية كانت تقوم القاعدة وتبنى الأصول، مما أدى إلى اضطراب هذه القواعد، فالكوفيون مثلاً يجوزون تأكيد النكرة المحدودة بألفاظ الشمول ويستدلّون بقول الشاعر:
[align=center] يا ليت عدة حول كلّه رجبُ[/align]
ولو علمنا أن الرواية في البيت بنصب رجب، وأن النحاة غيروا رواية البيت ليتفق مع المشهور من لغة العرب لعرفنا كيف يكون الاضطراب في رواية هذا الشعر، فالقصيدة التي منها هذا البيت كما ذكر ياقوت في معجم البلدان لعبد الله من مسلم بن جندب الهذليّ قالها حينما منعه الحسن بن زيد والي المدينة من إمامة الناس فقال له: أصلح الله الأمير، لِمَ منعتني مقامي، ومقام آبائي وأجدادي من قبل؟ فقال: ما منعك إلاَّ يوم الأربعاء، يريد قوله:
[align=center]يا للرجال ليوم الأربعاء أَمَا * ينفكَّ يحدث لي بعد النهى طربَا [/align]
إلى أن قال:
[align=center]لكنه شاقه أن قيل ذا رجب * يا ليت عدة حولٍ كلُّه رجبا[/align]
ونصب رجب جاء على لغة العرب الذين ينصبون المبتدأ والخبر جميعاً بعد إن([40]).
والرواية في مجال القرآن وقراءاته موثقة تقوم على سندٍ متين لا يتسرَّب إليه الشك ولا يعتريه الريب.

3 : وقد يعتمد الشاعر الضرورات في شعره، لأن الوزن وقيوده، والقافية وروِّيها، ومراعاة الموسيقى بين الكلمات أمور يضعها الشاعر نصب عينيه، ومن أجلها قد يخرج عن القاعدة، ويتنكَّب عن الجادّة، ويجوِّز ما لم تجوِّزه أساليب العربية. يقول الشيخ بهاء الدين: "إن كل ضرورة ارتكبها شاعر قد أخرجت الكلمة عن الفصاحة([41])".

ومن الأمثلة على ذلك قول ابن هشام: لا تظهر أَن بعد كَيْ ([42]) إلاّ في الضرورة كقوله:
[align=center]فقالت: أَكلُّ الناس أصبحت مانحاً * لسانك كيما أن تغرَّ وتخدعا([43])[/align]

ومن ذلك ثبوت الحرف مع الجازم في نحو قوله:
[align=center]وتضحك منِّي شيخة عبشمية * كأَن لم ترى قبلي أسيراً يمانيا([44])[/align]
ومن ذلك الإتيان بضميرٍ منفصل في موضعٍ يجب فيه اتصاله كقول:
[align=center]بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت * إياهم الأرض في دهر الدهاريرِ[/align]

ومن ذلك تقديم المستثنى وعامله على المستثنى منه كقوله:
[align=center]خلا الله لا أرجو سواك وإنما * أعد عيالي شعبةً من عيالكا([45])[/align]
والقرآن الكريم ليس موضع ضرورات.

4: كثرة الأبيات المجهولة:
والشعر العربي كثرت فيه الأبيات المجهولة النسب، فزيادة أن بعد كي بهذا البيت المجهول القائل:
[align=center]أردت لكيما أن تطير بقربتي * فتتركها شَنّاً ببيداء بلقع[/align]
لا يمكن أن نضعه بمنزلة آية من آيات الله قرئت بوجه ما، وبرواية مسلسلة معروفة لا تمتد إليها الجهالة أو الشك.
ومن العجيب أن بعض النحويين يستدلُّون بشطر بيت لا يُعرف شطره الآخر "كالشاهد الذي يحتجُّون به على جواز دخول اللام في خبر لكن، وهو قول القائل المجهول:
[align=center]ولكنني من حُبِّها لعميد([46])". [/align]

ومع ذلك نجد هؤلاء النحويين يقفون من بعض قراءات القرآن التي لم يجهل سندها موقف النقد والمعارضة كما فعل الزمخشري في قراءة ابن عامر.

5 : كثرة الأبيات المدسوسة أو المنحولة:
لقد وضع بعض رواة الشعر أشعاراً، ودسُّوها في القصائد ونسبوها إلى غير أصحابها، كحمَّاد الذي "كان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار([47])". وقد قال يونس عنه: "العجب لمن يأخذ عن حمَّاد، كان يكذب، ويلحن، ويكسر([48])".
وابن دأب الذي كان "يصنع الشعر، وأحاديث السمر، وكلاماً ينسبه إلى العرب([49])".
وخلف الأحمر الذي تحدث عن نفسه فقال: "أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر فبخلوا عليَّ به، فكنت أعطيهم المنحول، وآخذ الصحيح، ثم مرضت، فقلت لهم: ويلكم: أنا تائب إلى الله، هذا الشعر لي، فلم يقبلوا منِّي، فبقي منسوباً إلى العرب لهذا السبب([50])".
وكان هذا الشعر المدسوس يعتمد عليه النحاة في استنباط القاعدة واستخراج الأصول حتى كتاب سيبويه لم يخلُ من وبائه أو يسلم من شرِّه، فقد "وضع المولودون أشعاراً، ودسُّوها على الأئمة، فاحتجُّوا بها ظنَّاً أنها للعرب، وذكر أنه في كتاب سيبويه منها خمسين بيتاً، وأن منها قول القائل.
[align=center]أعرف منها الأنف والعينانا * ومنخرين أشبها ظبيانا([51])"[/align]

6 : الإقواء:
ومن عيوب الشعر الإقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ، وزعموا أن بعضاً من الشعراء القدماء قد وقعوا في هذا العيب، ويروون لهذا قصة عن النابغة الذبياني ويقولون: "إنه نظم قصيدته التي مطلعها:
[align=center]أَمِن آلِ ميَّة رائحٌ أو مغتدي * عجلان ذا زادٍ، وغير مزوَّد[/align]

وجعل حركة الرَّويّ في أبياتها الكسرة إلاَّ في بيتٍ قال فيه:
[align=center]زعم البوارح أن رحلتنا غداً * وبذاك حدَّثَنا الغراب الأسود([52])"[/align]

وينكر الدكتور إبراهيم أنيس هذا العيب في الشعر الجاهلي فيقول: "وعندي أنه لو صحَّت مثل هذه الروايات يجب أن تُعَد‍َّ خطأً نحوياًن لا خطأً شعرياً، فالشاعر صاحب الأذن الموسيقية والحريص على موسيقى القافية لا يعقل أن يزل في مثل هذا الخطأ الواضح الذي يدركه حتى المبتدئون في قول الشعر([53])".

وفي رأيي أن خطأ النابغة في الشعر أسهل من خطئه في النحو، لأن العربيّ لا يخطئ في اللغة، لأنه يتكلمها سليقة وطبعاً وبخاصة في مجال القول، والنابغة الذبياني صاحب هذا الخطأ النحوي ـ كما يقول الدكتور أنيس ـ كانت "تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء، فتعرض عليه أشعارها([54])".

كيف يخطئ النابغة في النحو، وهو الناقد للشعر، بل الحَكَم بين الشعراء؟ على أن النابغة ليس أول من ٌأقوى من الشعراء "فقد قيل لأبي عمرو بن العلاء: هل أقوى أحد من فحول شعراء الجاهلية كما أقوى النابغة؟ قال: نعم بشر بن أبي خازم، قال:
[align=center]ألم تَرَ أَنَّ طول الدهر يسلى * وينسى مثل ما نَسِيَتْ جذام
وكانوا فوقنا فبغوا علينا * فسقناهم إلى البلد الشآمي([55])"[/align]
وقال قدامة بن جعفر: "وقد ركب بعض الفحول الإقواء في مواضع منها قول سحيم بن وئيل الرياحي:
[align=center]عذرت البُزْلَ إن هي خاطرتني * فما بالي، وبال ابن اللبونِ
وماذا تدَّرِى الشعراء مني * وقد جاوزت حدَّ الأربعينَ[/align]
فنون الأربعين مفتوحة، ونون اللبون مكسورة([56])".

وكما أقوى بعض شعراء الجاهلية أقوى بعض شعراء الإسلام كجرير الذي روي أنه قال:
[align=center]عرين من عرينة([57]) ليس منَّا * برئت إلى عرينة من عرين
عرفنا جعفراً وبني عُبَيْد * وأنكرنا زعانف آخرينا([58])[/align]
ومالي أذهب بعيداً وقد ذكر صابح القاموس في مادة (قوى) ما نصه: "وقلت قصيدة لهم بلا إقواء([59])".
وفي هذه النصوص التي قدمتها ما يدل على أن الإقواء ليس بدعاً، وليس مقصوراً على النابغة وحده، وإنما شارك في ذلك شعراء سابقون ولاحقون، وهل يقال عن هؤلاء جميعاً إنهم يخطئون في النحو، والنحو من كلامهم أُخذ؟ فعلى أيِّ الشعراء إذاً نعتمد في تقعيد القواعد، واستخراج الأصول؟

على أنه كان من الممكن للدكتور إبراهيم أنيس أن يخرج من هذا المأزق كما خرج منه نقَّاد الأدب فيقول كما قال قدامة في هذا الإقواء: إن الشاعر: "وقف القوافي فلم يحركها([60])"، أو كما قال الدكتور عبد الله الطيب في هذا الموضع: "ويظهر أن الأذواق الجاهلية كانت تقبل هذا، ولعلَّ السبب في قبولها لـه أنهم كانوا يقفون كثيراً بالسكون في القوافي المطلقة، فيقولون: مزوَّد، والأسود([61])".

وبعد، أليس هذا القول أجدى وأولى من أن يقال: إن الشاعر الجاهلي أخطأ في النحو؟

7: الخلط بين القبائل في جمع هذا الشعر:

وحينما جمع الشعر العربي من أفواه الرجال، أو من صفحات الكتب لم يُعْنَ الرواة بإسناد كل شعر إلى القبيلة التي ينتمي إليها الشاعر، ومن ثَمَّ فإننا نجد في الشعر لهجات عديدة، ولغات مختلفة، ولم يحاول النحاة حينما وضعوا قواعدهم أن يميزوا بين القبائل، وأن يضعوا لكل قبيلة قواعدها الخالصة في مرآة شاعرها أو شعرائها.
إنهم لو فعلوا ذلك لأراحونا من هذا الاضطراب والتناقض في وضع القواعد.
من أجل هذه العيوب كلِّها التي أجملناها في هذا المقام نرى أن القرآن الكريم هو المصدر الذي يجب أن نتجه إليه في كل قاعدة نقيمها، وفي كل حكم نصدره، وفي كل أسلوب ننشئه.

ثانياً: موازنة بين الاستشهاد بالقرآن، والاستشهاد بالحديث الشريف:
لم يكن الاستشهاد بالحديث الشريف موضع اتفاقٍ بين النحاة، فأبو الحسن بن الضائع وأبو حيَّان ذهبا إلى أن الاحتجاج بالحديث في الدراسات النحوية واللغوية لا يجوز. قال ابن الضائع في شرح الجمل: "تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة ـ كسيويه وغيره ـ الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك. على القرآن الكريم، وصريح النقل عن العرب، ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأنه أفصح العرب([62])".

ويرى آخرون خطأ هذا الرأي، ذلك لأنه مهما أنكر النحاة هذا الاحتجاج بالحديث، فإن إنكارهم يفقد قيمته إذا عرفنا أن الرواة كانوا يتحرون ويضبطون الأحاديث حتى لا يزيدوا فيها، أو ينقصوا منها أو يُغَيِّروا في كلماتها، وهي في ميدان التوثيق والضبط أقوى من الأشعار التي صُنِعت أو دُست، أو الأشعار الحائرة التي لا تعرف لها أباً ولا جدّاً.

على أن بعض العلماء كالإمام أبي حنيفة كانوا لا يجوّزون "نقل الحديث إلاَّ باللفظ دون المعنى. وممَّا يروى عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: لا ينبغي للرجل أن يحدِّث من الأحاديث إلا بما حفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به([63])".

وعلى الرغم من رأي المدافعين عن الاستشهاد بالحديث فإن ـ ثغرة ـ الرواية بالمعنى لا تؤهلها للوصول إلى مستوى الاستشهاد بالقرآن الكريم في باب التوثيق ومجال القاعدة، واستنباط الأصول اللغوية والنحوية.

ثالثاً: آراء العلماء في الاستشهاد بالقرآن وأثره في النحو واللغة:

وأرغب في نهاية هذا البحث تسجيل آراء بعض العلماء في فضل القرآن الكريم على اللغة، وأثره في النحو لأبيِّن أنني لست وحدي صاحب هذا الاتجاه، أو رائد هذا الميدان، وذلك في ما يلي:
1 ـ إن أمماً كثيرة تركت لغتها تتطور وتفرَّع إلى لغات كثيرة دون أن تعنى بضبطها، والوقوف في سبيل تطورها ولكن علماء الإسلام عنوا بضبط لغتهم من أجل المحافظة على القرآن الكريم، فنشأت هذه الظاهرة العجيبة، وهي أنه لو قُدِّر أن يحيا اليوم رجل مات منذ ألف سنة فسمح المتحدِّثين بالعربية لما أنكرها، ولفهمها([64]).

2 ـ إن هذا الكتاب السماوي ـ القرآن الكريم ـ منارة تتلألأ يهتدي بها العاملون لإرساء قواعد اللغة، وإبقائها في سلامة وصحة، وأنا أعتقد أن كل تيسير، وكل أمر ينزع بنا بعيداً عن هذه المنارة المتلألئة التي نقدر جميعاً بإيمان أنها كانت سبباً في نشر اللغة، وفي ربطها بشعوب كبيرة، كل تيسير ينأى بنا عن قواعد وأصول هذه المنارة لا يؤبه له، ولا يعمل به([65]).

3 ـ لولا القرآن الكريم لكان من المشكوك فيه كثيراً أن يتوافر العلماء على وضع علم النحو، وعلوم البلاغة، واستقصاء المفردات وتحرِّي مصادر الفصيح والدخيل....

ومما لا خوف فيه أن اللغة العربية نشطت هذا النشاط، وتقدمت هذا التقدم لأنها لغة كتاب مقدس يدين به المسلمون، وهو القرآن الكريم([66]).

4 ـ لولا هذه العربية التي حفظها القرآن الكريم على الناس، وردهم إليها، وأوجبها عليهم لما اطردَّ التاريخ الإسلامي، ولا تراخت به الأيام إلى ما شاء الله([67]).

يقول المعجم الفرنسي الكبير: "إن اللغة تشارك الأمة أقدارها، فإذا ضعفت الأمة وتهافتت ماتت اللغة، ولا أمَل في بعثها بعد أن تموت".

أما اللغة التي تبقى بعد تفرُّق أمتها، فهي التي أودعتها السماء رسالة أو التي أودعها الشعراء والأدباء والعلماء أفكاراً سامية.

ولغتنا العربية تجمع بين رسالة السماء، ورسالة الأرض فيها شعر خالد، وفيها نثر خالد، وفيها القرآن الكريم([68]).


قائمة المصادر والمراجع
أولاً: الكتب:
1 ـ القرآن الكريم
2 ـ أبو هلال العسكري ومقاييسه البلاغية للدكتور بدوي أحمد طبانة. طبة 1952م.
3 ـ أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي. المطبعة الماجدية بمكة المكرمة.
4 ـ الأسس المبتكرة لدراسة الأدب الجاهلي لعبد العزيز مزروع الأزهري. مطبعة العلوم.
5 ـ الاقتراح للسيوطي (ت 911 هـ/ 1505م) طبعة الهند.
6 ـ أمالي المرتضى للشريف المرتضى، علي بن حسين العلوي ( ت 436هـ/ 1044م)، تحقيق محمد أبي الفضل. مطبعة الحلبي. طبعة أولى.
7 ـ البيان والتبين للجاحظ ( ت 255هـ/ 868م)، تحقيق عبد السلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، طبعة ثانية.
8 ـ تاريخ آداب العرب للرافعي. طبعة ثانية، سنة 1940م.
9 ـ تحت راية القرآن لمصطفى صادق الرافعي، مطبعة الاستقامة.
10 ـ التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه للبكري. دار الكتب، طبعة أولى، سنة 1926م.
11 ـ حاشية الخضري على ابن عقيل. مطبعة الحلبي.
12 ـ الحياة العربية من الشعر الجاهلي: الدكتور أحمد الحوفي. طبعة أولى، مطبعة نهضة مصر بالفجالة.
13 ـ خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون. المطبعة السلفية، سنة 1347هـ.
14 ـ شرح ابن عقيل، مطبعة الحلبي.
15 ـ شرح الأشموني، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة الحلبي.
16 ـ طبقات الشعراء لابن سلاَّم. المطبعة المحمودية.
17 ـ الطراز: يحيي بن حمزة بن علي إبراهيم العلوي. مطبعة المقتطف بمص، سنة 1924م.
18 ـ العمدة في صناعة الشعر ونقده لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني ( ت 463هـ). طبعة أولى، مطبعة أمين هند.
19 ـ الغزالي: أحمد فريد رفاعي، مطبوعات دار المأمون، المجلَّد الثاني.
20 ـ الفن ومذاهبه في الشعر العربي: الدكتور شوقي ضيف. طبعة دار المعارف.
21 ـ في الأدب الجاهلي: الدكتور طه حسين. مطبعة دار المعارف.
22 ـ القاموس المحيط: مجد الدين الفيروز أبادي ( ت 817هـ). مطبعة دار المأمون طبعة رابعة.
23 ـ لسان العرب: ابن منظور ( ت 711هـ/ 1311م). المطبعة الأميرية، طبعة أولى، 1301هـ.
24 ـ مدرسة الكوفة: الدكتور مهدي المخزومي. مطبعة الحلبي، طبعة ثانية.
25 ـ المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها: الدكتور عبد الله الطيب. مطبعة الحلبي.
26 ـ المزهر: السيوطي. مطبعة الحلبي، طبعة ثانية.
المزهر: السيوطي. مطبعة السعادة، سنة 1335هـ.
27 ـ مصادر الشعر الجاهلي: الدكتور ناصر الدين الأسد. دار العارف بمصر. سنة 1956م.
28 ـ معاني القرآن: الفرَّاء ( ت 352هـ)، تحقيق الأستاذين أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار. مطبعة دار الكتب.
29 ـ المعجم المفهرس الألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي. المكتبة الإسلامية، استانبول، 1984م.
30 ـ المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرون. طبعة ثانية، دار المعارف بمصر، 1392 هـ/ 1972م.
31 ـ مغني اللبيب: ابن هشام ( ت 761هـ). مطبعة البابي الحلبي.
32 ـ مقدمة لدارسة بلاغة العرب: أحمد ضيف. طبعة أولى، سنة 1921.
33 ـ موسيقى الشعر: الدكتور إبراهيم أنيس. مطبعة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1952م.
34 ـ الموشح لأبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني ( ت 384هـ). المطبعة السلفية، 1343هـ.
35 ـ مولَّد اللغة، الشيخ أحمد رضا العاملي. دار مكتبة الحياة، بيروت.
36 ـ نقد الشعر: قدامة بن جعفر، تصحيح س.أ. بونيباكر. طبعة ليدن.
37 ـ النقد واللغة في رسالة الغفران: الدكتور أمجد الطرابلسي. مطبعة الجامعة السورية.
38 ـ نقض كتاب في الشعر الجاهلي: محمد خضر حسين. المطبعة السلفية.
39 ـ النوادر في اللغة لأبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، تعليق سعيد الخوري، المطبعة الكاثوليكية.
40 ـ همع الهوامع للسيوطي. مطبعة السعادة، طبعة أولى.

ثانياً: الدوريات:
1 ـ مجلَّة الأزهر. المجلَّدان 22 و 24.
2 ـ مجلَّة المجمع العلمي العربي. المجلَّد 32.


ـــالحواشي ـــ
([1]) مدرسة الكوفة: الدكتور مهدي المخزومي، مطبعة الحلبي، طبعه ثانية. ص 15.
([2]) المزهر: السيوطي (ت 911هـ/ 1505م) . مطبعة الحلبي، مطبعة ثانية. ج1 ، ص 60.
([3]) سورة العنكبوت: الآية 12. راجع كتاب والتنبيه على أوهام أبي علي في أماليه البكري. دار الكتب، سنة 1926، طبعة أولى، ص 100
([4]) سورة النور، الآية، 40.
([5]) الطراز: يحيى بن حمزة بن علي إبراهيم العلوي. مطبعة المقتطف بمصر، سنة 1924. ج 2 ، ص 199 بتصرف.
([6]) سورة الواقعة، الآية 22.
([7]) معاني القرآن: الفرَّاء (ت 352هـ). تحقيق الأستاذين أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار. مطبعة دار الكتب. ج1 ، ص 14
([8]) مجلة الأزهر، مجلد 22، ص 600، وما بعدها من مقل للمرحوم الشيخ عبد الجواد رمضان، بعنوان: القرآن واللغة.
([9]) في الأدب الجاهلي، الدكتور طه حسين، مطبعة دار المعارف. ص 65.
([10]) المصدر السابق، ص 88.
([11]) المصدر السابق، ص 81.
([12]) المصدر السابق، ص 67.
([13]) المصدر السابق: ص 92.
([14]) العمدة في صناعة الشعر ونقده لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني (ت 463هـ) طبعة أولى، مطبعة أمين هند، ص 11.
([15]) أمالي المرتضى قسم أص 132 للشريف المرتضى علي بن الحسين العلوي، تحقيق محمد أبي الفضل. مطبعة الحلبي، طبعة أولى.
([16]) مقدّمة لدراسة بلاغة العرب للأستاذ أحمد ضيف طبعة أولى سنة 1921م. ص 62
([17]) الحياة العربية من الشعر الجاهلي: الدكتور أحمد الحوفي. مطبعة نهضة مصر بالفجالة. ج1 ، ص 41.
([18]) انظر نقض كتاب في الشعر الجاهلي لمحمد الخضر حسين. المطبعة السلفية، ص 74.
([19]) انظر مولد اللغة للشيخ أحمد رضا العاملي. نشر دار مكتبة الحياة في بيروت. ص 56.
([20]) يقال: ناقة قذاف، وقذوف، وقُذُف، وهي التي تتقدم من سرعتها، وترمي بنفسها أمام الإبل في سيرها.
والعيس: جمع أعيس، والأعيس من الإبل: الذي خالط بياضه شُقرة، والأعيس: الكريم منها.
لسان العرب لابن منظور (ت 711هـ/ 1311م) المطبعة الأميرية، طبعة أولى، 1301هـ، ج11 ، ص 185.
والمعجم الوسيط لإبراهيم أنيس وآخرين. طبعة ثانية، دار المعارف بمصر، 1392هـ/ 1972م. ج2 ، ص 646.
([21]) الموشح لأبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني (ت 384هـ) المطبعة السلفية، ص 111.
([22]) الأسس المبتكرة لدراسة الأدب الجاهلي لعبد العزيز مزروع الأزهري. مطبعة العلوم، ص 222.
([23]) جمع الهوامع للسيوطي. مطبعة السعادة، طبعة أولى. ج1 ، ص 120.
([24]) سورة آل عمران، الآية 20.
([25]) سورة آل عمران، الآية 75.
([26]) سورة الجمعة، الآية 2.
([27]) سورة البقرة، الآية 78.وانظر مصادر الشعر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد، دار المعارف بمصر، سنة 1956م. من ص 44 إلى 46.
([28]) سورة الفرقان، الآية 5.
([29]) سورة الإسراء، الآية 93.
([30]) في الأدب الجاهلي، ص 70.
([31]) الفن ومذاهبه في الشعر العربي للدكتور شوقي ضيف، طبعة دار المعارف. ص 14.
([32]) البيان والتبيين للجاحظ (ت 255هـ/ 868م) تحقيق عبد السلام هارون. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. طبعة ثانية. ج2 ، ص 9.
([33]) الحياة العربية من الشعر الجاهلي للدكتور أحمد الحوفي، طبعة أولى. ص 131.
([34]) المصدر السابق، ص 331. وفي الطبعة الرابعة، دار النهضة مصر، ص 212.
([35]) الحياة العربية من الشعر الجاهلي، ط1، ص 133. وفي الطبعة الرابعة، دار نهضة مصر، ص 207.
([36]) انظر أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار لأبي الوليد محمد بن عبد الله أحمد الأزرقي، المطبعة الماجدية بمكة المكرمة. ج1 ، ص 147 و 148.
([37]) النقد واللغة في رسالة الغفران للدكتور أمجد الطرابلسي، مطبعة الجامعة السورية، ص 57.
([38]) الجحش: ولد الظبية (هذلية) أي في لغة هذيل، وتكملة البيت:
[align=center]فقد ولهت يومين فهي خلوج [/align]
لسان العرب ج8، ص 157، وجاء في اللسان ج5، ص 360 ما نصُّه وقول أبي ذؤَيب:
بأسفل ذات الدّبر أفرد خشفها.. وقد طردت يومين فهي حلوج على شعبة فيها دبر (والدبر، قال أبو حنيفة: النحل بالكسر).
([39]) أبو هلال العسكري ومقاييسه البلاغية للدكتور بدوي أحمد طبانة، طبعة 1952، ص 92.
([40]) شرح الأشموني، الهامش، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة الحلبي. ج4 ، ص 365.
([41]) المزهر للسيوطي (ت 911 هـ/ 1505م). مطبعة الحلبي، طبعة ثانية. ج1 ، ص 188.
([42]) مغني اللبيب لابن هشام (ت 761هـ) مطبعة البابي الحلبي. ج1، ص 157.
([43]) حاشية الخضري علي ابن عقيل. مطبعة الحلبي، ج1 ، ص 51.
([44]) شرح ابن عقيل، مطبعة الحلبي، ج1، ص 60.
([45]) شرح الخضري على ابن عقيل. ج1 ، ص 6.
([46]) تاريخ آداب العرب للرافعي، طبعة ثانية، سنة 1940م. ج1 ، ص 371.
([47]) طبقات الشعراء لابن سلاَّم. المطبعة المحمدية، ص 23.
([48]) المصدر السابق. ص 24.
([49]) المزهر للسيوطي: مطبعة السعادة، سنة 1335هـ. ج2 ، ص 359.
([50]) النوادر في اللغة لأبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري. تعليق سعيد الخدري، المطبعة الكاثوليكية المقدمة، ص (و).
([51]) الاقتراح للسيوطي. طبعة الهند، ص 26.
([52]) موسيقى الشعر للدكتور إبراهيم أنيس. مطبعة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1952م. ص 257.
([53]) المرجع نفسه.
([54]) الموشَّح لأبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني. المطبعة السلفية، 1343هـ، ص 60.
([55]) المصدر السابق، ص 59.
([56]) نقد الشعر لقدامة بن جعفر، تصحيح س. أ. بويباكر.طبعة ليدن، ص 109 و 110.
([57]) قال الأزهري: عرينه حيٌّ من اليمن، وعرين حيٌّ من تميم. لسان العرب لابن منظور، ج17، ص 155، ومما يذكر أن الدكتورة بنت الشاطئ جعلت عرينة بطناً من تميم، وهي من اليمن كما يقول الأزهري. (رسالة الغفران، ص 454).
([58]) نقد الشعر لقدامة بن جعفر، ص 110.
([59]) القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز بازي. مطبعة دار المأمون، طبعة رابعة، ج4، ص 381.
([60]) نقد الشعر لقدامة بن جعفر، ص 110.
([61]) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها للدكتور عبد الله الطيب. مطبعة الحلبي. ج1 ، ص 31.
([62]) خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، المطبعة السلفية، سنة 1347 هـ. ج1 ، ص 23.
([63]) الغزالي لأحمد فريد الرفاعي. مطبوعات دار المأمون، المجلد الثاني، ص 135.
([64]) هذا رأي الأستاذ محمد عرفة في مجلة الأزهر، مجلد 24، ص 61.
([65]) رأي الأستاذ الدكتور منصور فهمي، في مجلة المجمع العلمي العربي، مجلد 32، ج1 ، ص 67.
([66]) رأي الأستاذ العقاد في مجلة الأزهر، مجلة 24، ص 55.
([67]) رأي الأستاذ مصطفى صادق الرافعي ( تحت راية القرآن ص: 52) مطبعة الاستقامة.
([68]) مقال للأستاذ منير العجلاني في مجلة المجمع العلمي العربي، مجلد 32، ج1 ، ص 43.
 
عودة
أعلى