لا يخفى على أهل هذا الملتقى المبارك أهمية البحث في مناهج المفسرين ،وأجدها فرصة مناسبة لأهنئ نفسي وأهنيء أهل هذا الملتقى ببرنامج (أهل التفسير) الذي يطل فيه علينا أخونا الشيخ المفيد د.عبدالرحمن الشهري ، فاللهم زده توفيقا وتسديداً.
والذي أريد التنبيه إليه في هذا الموضوع أن نجمع ما قيل عن مناهج المفسرين التي يتكلم بها العلماء والباحثون في غير موضعها المتوقع.
فمثلاً .. ليس غريباً أن يتحدث مفسر يعلق على الجلالين ـ مثلاً ـ عن منهج المؤلف في كتابه ،ولكن الذي يحتاج إلى جمع وضم هو ما يذكره بعض العلماء في غير مظنته ،كما نجده من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن مناهج بعض المفسرين استطراداً ،وكذا ما يصنعه ـ على قلة ـ تلميذه ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ.
وكما نجده في كلام بعض المفسرين عن منهج مفسر قد سبقه.
فلو أن كل من وقف على شيء من ذلك أضافه إلى موضعه ؛ لحصل من ذلك خير كثير ،والله الموفق.
شكر الله لكم يا أبا عبدالله هذه الفائدة ، وأشكرك على تشجيعك لأخيك وأسأل الله لي ولك ولجميع إخواننا التوفيق والسداد وحسن القصد في القول والعمل . وما تفضلتم به من أهمية ما يشير إليه كثير من المؤلفين من الإشارة إلى بعض مناهج المفسرين في كتبهم عَرَضاً موضوع مهم ، وأكثر ما تجده في كتب التراجم التي تترجم للمفسرين كمعجم الأدباء للحموي مثلاً ، ففيه ذكر لمناهج عدد من المفسرين عند التعرض لتراجمهم كما في ترجمة ياقوت الحموي للعلامة المفسر محمد بن جرير الطبري ، فقد أشار إلى جوانب من منهجه في تفسيره ، ولعلي أذكر أمثلة لذلك في هذا الموضوع في مشاركة لاحقة بإذن الله .
وأما برنامج (أهل التفسير) فهو مشروع علمي قديم أرجو أن يكتب الله له النجاح والقبول والنفع مع اعترافي بقلة البضاعة ، وسأقوم بالتعريف به والإشارة إلى المنهج الذي توخيته في إعداد هذا البرنامج الذي يبث على قناة المجد العلمية في مشاركة قادمة على صفحات هذا الملتقى طلباً للتقويم والتسديد من الإخوة الفضلاء في هذا الملتقى العلمي ، وسيعاد البرنامج بإذن الله على قناة المجد العامة كما أخبرتُ بذلك من الأخ الكريم مدير القناة العلمية والله الموفق.
سأذكر مثالاً .. ربما أنازع في انطباقه على شرط العنوان ،ولكن عذري أن هذا الكلام لم ينشر بعد ،وهو أن شيخنا العثيمين رحمه الله قال عن منهج صاحب الجلالين ـ في تفسيره لسورة يس ـ :
(إذا قال المؤلف عن قراءةٍ ما : وقيل ،فهذا يعني أنها ليست بسبعية ؛ لأن من عادته إذا كانت القراءة سبعية أوردها وضبطها) انتهى بمعناه.
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
الإخوة الأفاضل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد ، فإني أحمد الله إليكم أن وفقنا للاجتماع في هذا الموقع المتميز لنتدارس كتاب الله . أما بخصوص ما يرد في بعض الكتب من إشارات لمعالم مناهج المفسرين . فإنني أرى ـ والله أعلم ـ أننا بحاجة إلى تحديد المصطلحات ، لنكون على بينة من أمرنا ، وليكون حديثنا منضبطا بمقاييس العلم ، خاصة و أن الموقع يرتاده المتخصصون وطلبة العلم . ومن ثم نتساءل عن المقصود بالمنهج و المناهج ، و الاتجاه ، و ما الفرق بينهما ؟، فضلا عن أننا في حاجة ماسة إلى دراسة مصطلحات متداولة بدون تحديد دقيق ، مما يجعل أعمالنا تمتاز بالتبسيط و السطحية ، من ذلك مثلا مصطلحات :
1- التفسير .
2- التأويل .
3- الفهم .
4- الإدراك .
4- الاستنباط .
4- الشرح .
5- التعليق .
6-الإشارة .
7- النقل ." مصادر نقلية " .
8- العقل " مصادر عقلية " .
10- لي عنق النص " الإسقاط " .
11- جعل القرآن أميرا يقتدى و يتبع على كل حا " الاستنباط " .
12- الرواية و الدراية .
13- ما الفرق بين أصول التفسير و قواعده .
وغيرها من الاصطلاحات المتداولة في حقل التفسير ، و التي تحتاج منا إلى تدقيق ، وعدم الاقتصار على ترديد ما قاله سلفنا دون تمحيص . مما جعل كثيرا من طلابنا يرددون كثيرا منها دون فهم و لا تمييز . وإني لآمل أن يكون هذا الموقع منارة لتداول مثل هذه القضايا العلمية بشكل علمي ، وفي إطار علوم اللسان ، باعتبار القرآن الكريم خطابا لغويا عربيا من حيث اللسان ، عالميا من حيث الثقافة.
وتفضلوا بقبول خالص التحيات و التقدير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وقد وقفت على كلام يصلح ـ على سبيل التجوز ـ أن يدخل في هذا الموضوع ،وهو :
كلام المؤرخ الكبير ابن خلدون ،حيث تعرض في مقدمة مقدمته إلى نقد طريقة بعض المفسرين الذين لا ينظرون في سياق الآية ،ولا ما يتصل بالتاريخ المتعلق بها ... الخ كلامه الذي سأسوقه الآن ؛ ليتضح مراده .
وهو ـ في الحقيقة ـ لم يخص المفسرين بذلك ،بل كان يتحدث عن أهمية فن التاريخ ،وأثره في نقد ما يقع من الأخبار والحكايات الواهية ،والتي يتبين ـ عند إمرارها على محك النقد ـ أنها لا تثبت .
قال رحمه الله في أول مقدمته (1/13) ط.الباز :
(فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الامم والاجيال وتشد إليه الركائب والرحال * وتسمو إلى معرفته السوقة والاغفال * وتتنافس فيه الملوك والاقيال * وتتساوى في فهمه العلماء والجهال * إذ هو ـ في ظاهره ـ لا يزيد على أخبار عن الايام والدول ... إلى أن قال :
فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق * وجدير بأن يعد في علومها وخليق * وإن فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبوا أخبار الايام وجمعوها * وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها * وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها * وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها * واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها * وأدوها إلينا كما سمعوها * ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والاحوال ولم يراعوها * ولا رفضوا ترهات الاحاديث ولا دفعوها * فالتحقيق قليل * وطرف التنقيح في الغالب كليل * والغلط والوهم نسيب للاخبار وخليل * والتقليد عريق في الآدميين وسليل * والتطفل على الفنون عريض طويل * ومرعى الجهل بين الانام وخيم وبيل * ... إلى أن قال ـ 1/13 ـ :
لأن الاخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والاحوال في الاجتماع الانساني ، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور ، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق ، وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأيمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الاخبار فضلوا عن الحق ... إلى أن قال ـ وهذا هو هو الشاهد ـ 1/17:
وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة الفجر في قوله تعالى : (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) فيجعلون لفظة إرم اسما لمدينة وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين وينقلون أنه كان لعاد بن عوص بن إرم ابنان هما شديد وشداد ملكا من بعده وهلك شديد فخلص الملك لشداد ودانت له ملوكهم وسمع وصف الجنة فقال لا بنين مثلها فبنى مدينة إرم في صحارى عدن في مدة ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وأنها مدينة عظيمة قصورها من الذهب وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الشجر والانهار المطردة ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته حتى إذا كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم ذكر ذلك الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم من المفسرين وينقلون عن عبد الله بن قلابة من الصحابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها وحمل منها ما قدر عليه وبلغ خبره معاوية فأحضره وقص عليه فبحث عن كعب الاحبار وسأله عن ذلك فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل وهذه المدينة لم يسمع لها خبر من يومئذ في شئ من بقاع الارض وصحارى عدن التي زعموا أنها بنيت فيها هي في وسط اليمن ومازال عمرانه متعاقبا والادلاء تقص طرقه من كل وجه ولم ينقل عن هذه المدينة خبر ولاذكرها أحد من الاخباريين ولامن الامم ولو قالوا إنها درست فيما درس من الاثار لكان أشبه إلا ان ظاهر كلامهم أنها موجودة وبعضهم يقول إنها دمشق بناء على أن قوم عاد ملكوها.
وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة وإنما يعثر عليها أهل الرياضة والسحر مزاعم كلها أشبه بالخرافات والذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الاعراب في لفظة ذات العماد أنها صفة إرم وحملوا العماد على الاساطين فتعين أن يكون بناء ورشج لهم ذلك قراءة ابن الزبير عاد إرم على الاضافة من غير تنوين ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي أشبه بالاقاصيص الموضوعة التي هي أقرب إلى الكذب المنقولة في عداد المضحكات وإلا فالعماد هي عماد الاخبية بل الخيام وإن أريد بها الاساطين فلا بدع في وصفهم بأنهم أهل بناء وأساطين على العموم بما اشتهر من قوتهم لانه بناء خاص في مدينة معينة أو غيرها وإن اضيفت كما في قراءة ابن الزبير فعلى إضافة الفصيلة إلى القبيلة كما تقول قريش كنانة وإلياس مضر وربيعة نزار وأي ضرورة إلى هذا المحمل البعيد الذي تمحلت لتوجيهه لامثال هذه الحكايات الواهية التي ينزه كتاب الله عن مثلها لبعدها عن الصحة . انتهى كلامه رحمه الله .