مناقشة هادئة لدعوى أن القرآن الكريم لا يقول بالتحريف الحرفي للتوراة والإنجيل

إنضم
14/05/2012
المشاركات
1,111
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الأردن
اطلعت على كتابات لبعض المكرمين يجزمون بذلك، ولكن الواقع يخالف جزمهم!
ابتداءً ، القرآن الكريم حين يناقش بعض القضايا العقلية والكونية والتاريخية فإنه يتحدث بكليات عامة، ويترك للعقل الإنساني مساحة (هامش حرية) للبناء على تلك الكليات وتتبع فروعها، فيشعر بلذة البحث العلمي والوصول إلى النتائج المبنية على تلك المقدمات ومعززاتها.

إن الكتب المقدسة لأهل الكتاب ليست كلها محرفة 100%، بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف.. ومن ذاك الصحيح القليل ما بقي بلا تحريف مبثوثاً فيما نُسِب إلى كتب جهلة اليهود، ومَن يُطلقون عليهم (الموحدين الهراطقة)، مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
من المعقول أن يُبقي المحرِّفون جزءاً من النص الأصلي؛ من باب ترويجه للناس.. فإنه لو كان باطلاً محضاً لمَا التفت إليه عوام الناس فضلاً عن الأكثر علماً.
وهذا ما أثبته القرآن الكريم، فقد بيَّنَ أنهم حرَّفوا وتناسوا جزءاً (حظاً) من الحق في كتبهم، وبقي بقية صحيح فيها. لذا: لا مانع من وجود بقية صحيح فيما أهملوه منها، قال تعالى: " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.. " [المائدة: 13].
قال ابن عاشور: " والنسيان مرادٌ به: الإهمال المفضي إلى النسيان غالباً. وعبَّر عنه بالفعل الماضي؛ لأن النسيان لا يتجدد، فإذا حصلَ مضى، حتى يذكره مذكر. وهو وإن كان مراداً به الإهمال، فإنَّ في صوغه بصيغة الماضي ترشيحاً للاستعارة أو الكناية لتهاونهم بالذكرى. والحظ: النصيب، وتنكيره هنا للتعظيم، أو التكثير ـ بقرينة الذم ـ ".

والآن مع مناقشة أدلتهم:
يستدل القائلون بعصمة أسفار العهد القديم وأناجيل الجديد وسلامتها من التحريف بسبع آيات، هي:
1. في سورة آل عمران: " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(93) ".
2. في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ.. (47) ".
3. في سورة المائدة خمس آيات: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(43)إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(44).. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(47).. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66).. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.. (68) ".

وهذا الاستدلال بالآيات الكريمة قديم، وجوابه ذكره الإمامان ابن حزم وابن تيمية بالتفصيل:
أ) جواب الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى:
- إقرارُنا بالتوراة والإنجيل، فنعم، وأي معنى لتمويهكم بهذا، ونحن لم ننكرهما قط بل نكفِّر من أنكرهما؟ إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً، وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً، وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً، وأنزل كتباً لم تُسمَّ لنا، على أنبياء لم يُسَموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك.. وبدَّل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون‏. فدرسَ ما بدلوا من الكتب المذكورة.
- وأما قوله تعالى: " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [آل عمران: 93]. فنعم، إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم، فبكَّتهم في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم‏.‏
وكم عَرَضَ لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا معهم قبل أن نقف على نصوص التوراة، فالقوم لا مؤونة عليهم من الكذب ـ حتى الآن ـ إذا طُعِنوا بالتخلص في مجلسهم ذلك بالكذب، وهذا خُلُقٌ خسيس، وعارٌ لا يرضى به مصحح، ونعوذ بالله جل جلاله من مثل هذا‏.‏
- وأما قوله تعالى: " إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.. " [المائدة: 44].
فنعم، هذا حق على ظاهره كما هو، وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة، وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام، ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء لكن حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام قبل حدوث التبديل‏، هذا هو نصُّ قولنا، وليس في هذه الآية أنها لم تبدَّل بعد ذلك أصلاً، لا بنص ولا بدليل‏.
- وأما قوله تعالى: ".. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ " [المائدة: 47]. فحق على ظاهره؛ لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، واتباع دينه، فلا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله، ولم يأمرهم قط تعالى بالحكم بما سمي إنجيلاً وليس إنجيلاً، ولا أنزله الله تعالى ـ كما هو ـ قط. فالآية موافقة لقولنا، وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل، إنما فيه إلزام النصارى الذين يسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه، وهم على خلاف ذلك‏.‏
- وأما قوله تعالى: " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.. " [المائدة: 66]، فحقٌّ كما ذكرناه قبل، ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً؛ لإيمانهم بالمنزل فيهما، وجَحْدِهم ما لم ينزل فيهما، وهذه هي إقامتهما حقاً‏.‏
- وأما قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " [النساء: 47]. فنعم، هذا عمومٌ قام البرهان على أنه مخصوصٌ، وأنه تعالى إنما أراد: مصدقاً لما معكم من الحق، لا يمكن غير هذا؛ لأننا ـ بالضرورة ـ ندري أنَّ معهم حقاً وباطلاً، ولا يجوز تصديق الباطل أوالحكم به البتة، فصحَّ أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق.
- وأما قوله تعالى: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ " [المائدة: 43]، فإنما هو على الاستخفاف بهم والتوبيخ لهم، كقول القائل لآخر: أنا أعلم منك، ثم يأتيه ثانية فيسأله فيقول المسؤول: كيف تسأل وأنت أعلم مني؟
وقد قلنا إن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً؛ ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم، وبالله تعالى التوفيق، فبطُلَ تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا، والحمد لله رب العالمين.

ب) جواب الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ادَّعى النصارى أن محمدًا صلى الله عليه وسلم صدق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم. فجمهور المسلمين يمنعون هذا، ويقولون: إن بعض ألفاظها بُدِّل كما قد بُدِّل كثير من معانيها. ومن المسلمين من يقول: التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها، وهذا القول يقرُّ به عامة اليهود والنصارى. وعلى القولين فلا حجة لهم في تصديق محمد صلى الله عليه وسلملما هم عليه من الدين الباطل؛ فإن الكتب الإلهية التي بأيديهم لا تدل على صحة ما كفَّرهم به محمد صلى الله عليه وسلموأمته، مثل: التثليث، والاتحاد، والحلول، وتغيير شريعة المسيح، وتكذيب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فليس في الكتب التي بأيديهم ما يدل لا نصًا ولا ظاهرًا على الأمانة التي هي أصل دينهم، وما في ذلك من التثليث والاتحاد والحلول، ولا فيها ما يدل على أكثر شرائعهم: كالصلاة إلى الشرق، واستحلال المحرمات من الخنزير والميتة، ونحو ذلك..
والصحيح أن هذه التوراة والإنجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ما هو حكم الله جل جلاله ـ وإن كان قد بُدل وغُير بعض ألفاظهما ـ كقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " [المائدة 41 – 43]. وهو أمر من الله أنزله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر من مات قبل هذا الخطاب ممتنع، وإنما يكون الأمر أمرًا لمن آمن به من بعد خطاب الله لعباده بالأمر.
فعُلم أنه أمر لمن كان موجوداً حينئذ أن يحكموا بما أنزل الله في الإنجيل. والله أنزل في الإنجيل الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلمكما أمر به في التوراة، فليحكموا بما أنزل الله في الإنجيل مما لم ينسخه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أمر أهل التوراة أن يحكموا بما أنزله مما لم ينسخه المسيح، وما نسخه فقد أمروا فيها باتباع المسيح، وقد أمروا في الإنجيل باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فمن حكم من أهل الكتاب بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلمبما أنزل الله في التوراة والإنجيل لم يحكم بما يخالف حكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانوا مأمورين في التوراة والإنجيل باتباع محمد صلى الله عليه وسلمكما قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ الأعراف: 157]. وقال تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة: 48]، فجعل القرآن مهيمناً. والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن، فهو يحكم بما فيها مما لم ينسخه الله، ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يُبدل.. ".

وأكثر ما يستشهد المناصرون لدعوى عدم التحريف حالياً بآيتين كريمتين: قوله تعالى: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " [المائدة: 43]. وقوله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [الحجر: 9].
بحجة أنَّ الأولى: تشهد للتوراة التي بين يدينا أنها ( حكم الله ).
والثانية: شهادة القرآن لكتبهم بالحفظ، وقد خُصِّصت لأجل الاستشهاد بها صفحة كاملة هي صفحة (الذكر المحفوظ) ملخصها: زعم أن الذكر في الآية الكريمة هو التوراة والإنجيل لا القرآن، بدليل أن القرآن الكريم وصف التوراة أنها (ذِكْر)، ولا دليل أن المقصود بـ(الذكر) القرآن الكريم.

- الرد على استشهادهم بالآية الأولى ـ بالإضافة إلى ما سبق من كلام الإمامين ابن حزم وابن تيمية ـ:
الآية الكريمة خاصة بسبب نزولها، عن البراء بن عازب رضي الله عنه " قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمبِيَهُودِيٍّ مُحَمَّماً مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صلى الله عليه وسلمفَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ. نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلماللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ ". ونزلت الآيات الكريمة بعدها.
فـ " حُكْمُ اللَّهِ " هو حُكم: رجم الزاني المحصن، وهو حكم الله (في الإسلام)، وما بقي سالماً من التوراة بلا تحريف [سفر التثنية: 22/20-21]. لكنهم تركوا حكم الله، طلباً للتخفيف بحسب نص الحديث.
ومن الإعجاز البياني القرآني أن الحق جل جلاله لم يقل: " وعندهم التوراة فيها كلام الله ". بل قال: " وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ". فقد يكون حكم في ملة من الملل، مطابقاً لحكمِ الله حقاً.

وليس كل أحكام نصوص ما بقي من التوراة (العهد القديم) حكمُ الله، فسفر التثنية نصَّ أنَّ البكر تُرجَمُ.

- والرد على دعوى أن الذكر المحفوظ يُقصد به العهد القديم والعهد الجديد لا القرآن الكريم!!، هو سياق الآية الكريمة. قال تعالى في سورة الحِجْر: " وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) ". فسياق الآية الكريم يدل بوضوح لا لبس فيه، أن الذكر هنا، هو كتاب الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم(القرآن الكريم).
صحيح: كتاب الله الذي أنزِل على سيدنا موسى عليه السلام وصِفَ بالذكر [الأنبياء: 105]، والقرآن الكريم وصِفَ بالذكر [النحل: 44، ص: 8، القلم: 51]. ولكن: الذِّكر المقصود في آية الحِجْر بيَّنه السياق بأنه: القرآن الكريم.
مثلاً: إن قيل: " يوجد خطأ في الإنجيل ". قد يُقصد إنجيل لوقا أو متى أو يوحنا أو مرقص.
وإن قيل:" في إنجيل متى [21/4-5] : (فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان). يوجد خطأ في الإنجيل، كيف يركب شخص حيوانين في الوقت ذاته؟ ".
فـ " الإنجيل " المقصود هنا: هو إنجيل متى؛ والدليل: السياق.
ومن المهم التأكيد على أن ( الـ ) في كل من كلمتي (التوراة والإنجيل) تدلان على معهود سابق في الذهن وهو: (التوراة: الكتاب الحق المنزل على سيدنا موسى عليه السلام ، والإنجيل: الكتاب الخق المنزل على سيدنا عيسى عليه السلام ). وليس من المعهود أبداً الشهادة بالخيرية والصحة لكتب ثبت تحريفها بل وتناقض القرآن الكريم، أو أربعة أناجيل مضاف إليها أعمال الرسل وأحلام يوحنا !
كما يُقال لأولئك الناس: إن آمنتم أن القرآن الكريم يشهد لما تزعمون أنه التوراة والإنجيل، فأتونا بالتوراة والإنجيل التي فيها: " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.. " [التوبة: 111].
والتي فيها أيضاً: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.. ". [الفتح: 29]، سنؤمن أنها من عند الله جل جلاله غير محرَّفة.


* الخلاصة: هل يشهد القرآن الكريم للتوراة والإنجيل؟
الجواب بكل بساطة: نعم.
لكن انتبه.. ليس في القرآن الكريم ما اسمه: " العهد القديم " ولا " العهد الجديد "، فـ:
- كِتاب التوراة الذي شهِدَ له القرآن بالهدى هو: كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه الكريم سيدنا موسى عليه السلام .
- كِتاب الإنجيل الذي شهِدَ له القرآن بالهدى هو: كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه الكريم سيدنا عيسى عليه السلام .
لكن:
- هل يشهد القرآن الكريم أن العهد القديم كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على سيدنا موسى عليه السلام ؟
الجواب: لا.
- هل يشهد القرآن الكريم أن العهد الجديد كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على سيدنا عيسى عليه السلام ؟
الجواب: لا.
بالإضافة إلى أن من يزعمون مطابقة التوراة والإنجيل في القرآن الكريم لما بَينَ أيدينا مما يُدعى (الكتاب المقدس)، مُطالَبون بإلغاء جميع ما يخالف ما قرره القرآن الكريم من عقائد وقصص.. ناقَضَت ما ورد في التوراة والإنجيل التي بين أيدي القوم؛ فكلام الله جل جلاله لا يتناقض.
وإن رفَضُوا كل ذلك، يُقال لهم: إذن كيف يشهد القرآن الكريم بصحة كلام يناقضه ؟!
كيف يشهد الحق بصحة الباطل ؟ أليس في ذلك تُهمة للحق ؟
إننا ننزه القرآن الكريم عن الشهادة بإلهية كتاب متناقض، لا يُعرَف كتبته، وبلا إسناد. وننزهه عن إقرار العقائد الباطلة ـ التي من يعتقد بمثلها يكفر ـ وخاصة ما يتعلق بصفات الله جل جلاله وعصمة الأنبياء.. فضلاً عن إقرار ما أثبتت مكتشفات العلم والتاريخ خطأه. كل ذلك إن حصل، سيُعَدُّ طعناً في صحة القرآن الكريم، وحاشاه!

ويسألهم العقلاء: أي توراة شهِد لها القرآن الكريم ؟ هل هي السامرية ؟ أم العبرية ؟ أم السبعينية ؟
وأي إنجيل شهد له القرآن الكريم ؟ متَّى ؟ أم مرقص ؟ أم لوقا ؟ أم يوحنا ؟ أم الأناجيل التي رفضتها المجامِع؟
وأي مخطوطة ـ أوطبعة ـ لكلِّ كتابٍ منها، قصدها القرآن الكريم ؟
موضوع (تحريف الكتاب المقدس) من المعلوم لدارسيه دراسة علمية، لا يحتاج إثباته كثير عناء. فإثبات التحريف من أي جانب من الجوانب، سيأتي بثماره مباشرة: من حيث إثبات عدم وجود سند للكتب المقدسة، وتعارض المخطوطات معاً، وتعارض المخطوط مع المطبوع، وتعارض المطبوع مع بعضه، والتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها، والأخطاء التي يستحيل صدورها عن الإله المعبود بحق.. وغير ذلك.

وإن رفضوا تصديقنا، وتصديق شهادة واقع الحال... فليصدقوا نصوص الكتاب المقدس التي تشهد بتحريفه، وشهادة علمائهم بذلك.. ومنها:
- مزمور 56/4: " ماذا يصنعه بي البشر. اليوم كله يحرفون كلامي. عليّ كل أفكارهم بالشر ".
- إرميا 23/13-16: اتهم الأنبياء بالتحريف: " في أوساط أنبياء السامرة شهدت أموراً كريهة، إذ تنبأوا باسم البعل، وأضلوا شعبي إسرائيل. وفي أوساط أنبياء أورشليم رأيت أموراً مهولةً: يرتكبون الفسق، ويسلكون في الأكاذيب.. لأنه من أنبياء أورشليم شاع الكفر في كل أرجاء الأرض ". (وانظر: 23/36، وإشعيا 29/15-16).
و جاء في مقدمة الترجمة العربية الحديثة للكتاب المقدس الصادرة عن دار المشرق/ بيروت لسنة 1989م ما نصه: " إنَّ نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم عن مختلف الأخطاء، دون أن تخلو منها أية نسخة كانت مهما بذل فيها من الجهد. ويضاف إلى ذلك: أن بعض النساخ حاولوا ـ أحياناً عن حسن نية ـ أن يصوِّبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي على أخطاء واضحة، أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي. وهكذا أدخلوا على النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات للعهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة، أدى أحياناً كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس، أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليها التلاوة بصوت عال، ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون، قد تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة، مثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ".

هذا قولهم هم عن كتبهم المقدسة، أفنكون أحرص منهم؟!
 
جزإك الله خيرا أخي الدكتور الشريف؛ أظن علينا التمييز بين المعرفة و التعايش، الحوار و المجادلة بالتي هي أحسن. أؤمن أن الإسلام أحسن من الأديان الآخرى و أن المسيحية و إليهودية أحسن الأديان بعد الإسلام لكن أحيانا نلتزم أخلاقيات الإسلام في التعامل مع الآخر و نقول {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
 
شكرا للحبيبين الكريمين، جمعنا الله معاً في مكة المكرمة، آمين.

أصل الموضوع لمناقشة أخوة يكتبون في هذا الملتقى يؤيدون وجهة نظر تقول بحفظ الموجود التوراة والإنجيل عن التحريف.

وتجدر الإشارة إلى التنبيه لعدم اتهام من يقول بذلك في دينه وأمانته وعلمه..
نعم، التحريف المعنوي (أي التعسف في التأويل) للتوراة والإنجيل مجمع عليه، لكن الخلاف في مسألة تحريف ((ألفاظ)) التوراة والإنجيل خلاف قديم.

ذكر ابن تيمية أن في المسألة رأيان:
١. قيل ليس فى العالم نسخة بنفس ما أنزل الله فى التوراة والانجيل بل ذلك مبدل فان التوراة انقطع تواترها والانجيل انما أخذ عن أربعة ثم من هؤلاء من زعم أن كثيرا مما فى التوراة أو الانجيل باطل ليس من كلام الله.

٢. وقيل لم يحرف أحد شيئا من حروف الكتب وانما حرفوا معانيها بالتأويل
وهذان القولان قال بهما كثير من المسلمين.

* والصحيح (عند ابن تيمية) القول بأن في الأرض نسخا صحيحة وبقيت الى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ونسخا كثيرة محرفة.
ومن قال أنه لم يحرف شيء من النسخ فقد قال ما لا يمكنه نفيه.
ومن قال جميع النسخ بعد النبى صلى الله عليه وسلم حرفت فقد قال ما يعلم أنه خطأ
والقرآن يأمرهم أن يحكموا بما أنزل الله فى التوراة والانجيل ويخبر أن فيهما حكمه وليس فى القرآن خبر أنهم غيروا جميع النسخ.

انتهى النقل عن ابن تيمية باختصار

إن الهدف من هذا النقل عن ابن تيمية هو بيان أن المسألة خلافية رغم أني أرجح القول الأول للأدلة المذكورة في الموضوع.
 
بارك الله فيك يادكتور .
الذي أسمعه من النصارى أنه لا يوجد عالم من المسلمين قال بالتحريف الحرفي قبل ابن حزم.
وأظن القضية تحتاج لنقاش مستفيض. لأن الكثير من الدراسات الغربية الأكاديمية تشير أن القرآن لم يقل بالتحريف الحرفي.
 
جزاكم الله خيراً أخي المكرم

أظن ما ورد في صلب الموضوع يدل على ثبوت القول بالتحريف الحرفي للتوراة والإنجيل كما قرر ذلك القرآن الكريم، ليتغير اسمهما إلى العهدين القديم والجديد، سواء أكان بدلالة المنطوق أم بدلالة المفهوم.

أما القول بأن التحريف الحرفي لم يُسبَق به ابن حزم فيعكر عليه ما نسب إلى مقاتل (ت150 هـ) في تفسيره لآية: " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ. وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ".
والطبري (ت310هـ) في تفسيره لآية: " أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ".
وكذلك آية: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ".
والماتريدي (ت333هـ) في تفسير: " وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ".
بل نص الماتريدي في تفسير قوله تعالى: " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ " بأنه:
" يحتمل التحريف وجهين:
يحتمل: تبديل الكتابة من الأصل؛ كقوله - تعالى -: " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ "، ويحتمل تغيير المعنى في العبارة على غير تبديل الكتاب، يغيرون على السفلة، والذين لا يعرفون غير ما فهموا منه ".

أما عن تعليل سبب اشتهار ابن حزم بذلك فيبدو بأن علماء أهل الكتاب كانوا قبل ابن حزم (زمانياً ومكانياً) يخشون التصريح بما سمي (مقارنة الأديان)؛ خوفاً من السلطان، بينما عاصر ابن حزم جانباً من ضعف حكم دولة الإسلام في زمنه ومكانه؛ وذلك تم بسطه في بحث علمي محكم مقبول للنشر قبل سنة ونصف في مجلة جامعة القصيم للعلوم الشرعية، وقد يُنشر بعد شهر من الآن (والله أعلم)،
والبحث يتناول دراسة نقدية لرد ابن حزم على ابن النغريلة اليهودي، ومما جاء في ذلك البحث:

كما كان لابن حزم مناظرات معروفة مع يهود الأندلس، قال ابن حيان: "ولهذا الشيخ أبي محمد مع اليهود لعنهم الله ومع غيرهم من أولي المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام مجالس محفوظة وأخبار مكتوبة"[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP].
من أشهر تلك المناظرات والردود: " الرد على [ابن النغريلة] إسماعيل اليهودي، الذي ألف في تناقض آياتٍ ".[SUP]([/SUP][2][SUP])[/SUP]
عاصر ابن حزم وصول اليهود إلى منصب الوزارة في بلده، حيث كان إسماعيل بن النغريلة وزيراً عند " حبوس " ملك غرناطة، وبقي وزيراً عن ابنه " باديس بن حبوس "، وبعد وفاة الوزير تم تعيين ابنه يوسف بن النغريلة وزيراً مكان والده.
وكان ابن حزم يعرف ابن النغريلة ويناقشه قبل حصوله على الورقات التي تحوي الشبهات - محل هذا البحث -، ومن ذلك نقاشه له حول لفظ: " أخت " في التوارة: هل تدل على الأخت الشقيقة أم يقصدون بها القريبة بشكل عام؟
قال ابن حزم: " وقد وقفت على هذا الكلام من بعض من شاهدناه منهم، وهو إسماعيل بن يوسف الكاتب المعروف بابن النغرالي، فقال لي: إن نص اللفظة في التوارة: " أخت "، وهي لفظة تقع في العبرانية على الأخت وعلى القريبة. فقلت: يمنع من صرف هذه اللفظة إلى القريبة ههنا قوله: " لكن ليست من أمي، وإنما هي بنت أبي "، فوجب أنه أراد الأخت بنت الأب "[SUP]([/SUP][3][SUP])[/SUP].
وناظره كذلك في الجواليت [أبناء جالوت]، وعده أعلَم اليهود وأجدَلهم، قال: " وقد قررت على هذا الفصل أعلمَهم وأجدَلهم وهو أشموال بن يوسف اللاوي - الكاتب المعروف بابن النفرال - في سنة أربع وأربعمائة، فقال لي: لم تزل رؤوس الجواليت ينتسلون من ولد داود وهم من بني يهوذا، وهي قيادة ومُلك ورياسة. فقلت: هذا خطأ؛ لأن رأس الجالوت لا ينفذ أمره على أحد من اليهود - ولا من غيرهم - وإنما هي تسمية لا حقيقة لها، ولا له قيادة.. ".[SUP]([/SUP][4][SUP])[/SUP]
ويدل تاريخ هذا الرد (404هـ) على أن عناية ابن حزم بمناظرة ابن النغريلة - في عقائده وفي الانتصار للقرآن الكريم - بدأ في سن مبكرة من حياته، فقد كان عمره حينئذ عشرون عاماً.
وقد اختلف المؤرخون في تعيين اسم ابن النغريلة الذي كتب ابن حزم رسالة في الرد عليه، فذكر بعضهم أنه اسماعيل (الوالد)[SUP]([/SUP][5][SUP])[/SUP] بينما جزم محقق الرسالة – د. إحسان عباس - بأنه يوسف (الابن)،[SUP]([/SUP][6][SUP])[/SUP] وليس غرض هذا البحث التوسع في ذكر أدلة طرفي النزاع حول هذه المسألة وتحليلها ونقدها، فلا ثمرة كبيرة لها تخدم البحث، وإن كان الباحث يرجح أنه إسماعيل؛ لأن دقة الأدلة عليه أشد، وعدد القائلين بذلك من المؤرخين المحققين أكثر، وعصرهم الأقرب إلى الأحداث والأشخاص من عصرنا.
فمن هو ابن النغريلة، وما مكانته؟ هذا ما سيتبين في المطلب التالي.
المطلب الثاني: ابن النغريلة:
كان ابن النغريلة[SUP]([/SUP][7][SUP])[/SUP] رجل دين يهودي صاحب شأن عظيم، ووصل أعلى رتبة دينية يهودية وهي رتبة الحاخام،[SUP]([/SUP][8][SUP])[/SUP] قال المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت: " ازدهرت غرناطة بعض الوقت في حكم الحاخام صمويل هليفي (Samuel Halevi) المعروف عند العرب باسم إسماعيل بن نغرلة ".[SUP]([/SUP][9][SUP])[/SUP]
وتوسع عبدالوهاب المسيري في ترجمته، ومما قال: " ابن نغريلة (993-1055م=382-446هـ) (Ibn Nagrila): هو صموئيل اللاوي بن يوسف بن نغريلة - المشهور بين اليهود باسم شموئيل هانجيد -. وقد عرفه العرب باسم: إسماعيل بن يوسف بن نغريلة. وهو رجل سياسة وشاعر وعالم وقائد عسكري عربي يهودي، ويُعَدُّ أهم شخصية يهودية في الأندلس.
وُلد في قرطبة من عائلة غنية، وأتقن العبرية والعربية واللاتينية ولغات البربر، كما درس القرآن الكريم والتوراة والتلمود على يدي حنوخ بن موسى في قرطبة، وكان يُشيع عن نفسه أنه من نسل داود، فرَّ من قرطبة في القرن الحادي عشر الميلادي بعد غزو المرابطين لها، وفتح دكان توابل في ملقا، ثم ألحقه الملك " حبوس " بخدمته حيث عَمل بجمع الضرائب، ثم كاتباً ومساعداً للوزير أبي العباس. وبعد أن أيَّد " باديس " [وهو ابن حبوس]، في معركته ضد أخيه على العرش، كافأه الملك الجديد وقرَّبه منه وعيَّنه وزيراً له، بحيث أصبح ابن نغريله من أهم الشخصيات في المملكة. وحيث إن " باديس " كان مستغرقاً في لذاته ومسراته، فإن ابن نغريلة كان الحاكم الفعلي، فقاد جيوش غرناطة في معاركها الدائمة مع أشبيلية، وحقق انتصارات عسكرية عديدة فيها.
ألَّف ابن نغريلة عدة كتب في الشريعة اليهودية، من بينها مقدمة للتلمود، وحرَّر معجماً لعبرية التوراة. كما وضع كتاباً يطعن في الإسلام وكتابه الكريم، فرد عليه أبو محمد بن حزم في كتاب سماه الرد على ابن نغريلة اليهودي ".[SUP]([/SUP][10][SUP])[/SUP]




([1]) الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ابن بسام (1/170).

([2]) سير أعلام النبلاء، الذهبي (18/196)

([3]) الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم (1/135).

([4]) المصدر ذاته، (1/118).

([5]) منهم: الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء (18/196)، وابن سعيد في كتابه المغرب (2/114)، والمسيري في موسوعة اليهود واليهودية (3/121).

([6]) انظر: ص(18) من المجلد الثالث من الكتاب الذي حمل عنوان: " رسائل ابن حزم الأندلسي "، وما سيحيل عليه الباحث في هذا البحث من إحالات على رسالة ابن حزم في الرد على ابن النغريلة سيكون من هذا المجلد لهذا الكتاب.

([7]) ذكر المحقق د. إحسان عباس أن المصادر تختلف في رسم اسمه على النحو الآتي: ابن النغرالي، وابن نغرالة، ونغرالة، وابن نغرله، وابن النغريلي، وابن نغدالة، وابن نفريلة. انظر: ص (1). وأرجع سبب الاختلاف إلى التصحيف، ولكون هذا اللقب أصله عبراني، ومعناه: القيّم على المعبد.

([8]) الحاخام (Rabbis): كلمة عبرية معناها: الرجل الحكيم، وهي تطلق في اصطلاحهم على القائد الديني للجماعة اليهودية الذي يقوم بتفسير التوراة وإصدار الفتاوى، إلى جانب قيامه بالإشراف على الصلوات في المعبد اليهودي، وأحياناً يضطلع بوظائف دنيوية مثل جمع الضرائب. انظر: موسوعة اليهود واليهودية، عبدالوهاب المسيري (13/388).

([9]) في كتابه قصة الحضارة (13/290)

([10]) موسوعة اليهود واليهودية (3/121).
 
في الغالب هم يستدلون بقول الطبري في تفسيره لآية الأنعام رقم 115 .
ونعم هناك فرقة منهم تكتب وتقول هذا من عند الله لكن أصل التوراة والانجيل لم يصبه التحريف ( حسب قولهم ).
لي عودة لأذكر بعض الإشكالات إن شاء الله .
 
مناقشة هادئة لدعوى أن القرآن الكريم لا يقول بالتحريف الحرفي للتوراة والإنجيل

محمد رشيد رضا كان يرى أن التحريف الحرفي غير ممكن عقلاً
ثم عندما روجع في ذلك شرح وجهة نظره فقال
" المسلمون لا يقولون أن هذه الكتب سماوية منقولة نقلاً صحيحاً ، وأن اليهود والنصارى غيروها بعد ما انتشروا في الشرق والغرب ونقلها كل قوم دخلوا في اليهودية أو النصرانية إلي لغتهم ، وإنما البحث في أصلها وكاتبيها في أول الأمر ، ومن تلقاها عنهم قبل ذلك الانتشار العظيم ، وهذا هو المشكل ".

أي: وقع التحريف بسبب انقطاع السند بين زمن التنزيل وزمن التدوين، وبسبب الشك في المدونين من حيث العدالة والضبط.
 
مناقشة هادئة لدعوى أن القرآن الكريم لا يقول بالتحريف الحرفي للتوراة والإنجيل

ولا يفوتنا هنا ذكر جهود المهتدي (محمد بن ربن الطبري) (ت260 هـ) في خاتمة كتابه: " الدين والدولة في إثبات نبوة محمد ".

أما النقد العلمي لإسناد العهدين (النقد الخارجي) فمن المهم مراجعة ما كتبه الشرقاوي في كتاب أبحاث في مقارنة الأديان
حين توسع فيه في بيان رأي كل من اسبينوزا وابن حزم في دراستهما التفصيلية لأسانيد التوراه المحرفة، ص61
ثم تلاه بذكر كلام أبي المعالي الجويني (ت٤٧٨هـ) الذي يجزم فيه بأن الأسفار الخمسة ليست التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام يقيناً، ثم درس مناظرة رحمة الله الهندي (ت1308هـ) مع المنصر (فندر) في أسانيد العهدين، التي هذبها في موسوعته الرائعة: (إظهار الحق).
انظر ص122 - 138 من دراسة الشرقاوي للأدلة الثمانية لرحمة الله الهندي على ثبوت التحريف الحرفي.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة للأخ الفاضل صاحب الموضوع ولجميع المشاركين فيه، وبعد..
لقد شغلني هذا موضوع مدة، خاصة بعد قرائتي المتكررة لكتاب: (يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ ) للشيخ الدكتور سفر الحوالي وهو المتخصص والمتبحر في تاريخ الحضارات، وكتابه هذا - كما هو معلوم - تطرق الى الكتب السماوية السابقة، بل وتناول الشيخ فيه أكثر من نبؤة وردت في الكتاب المقدس (التوراة )، وحاول تفسيرها وإبانة حجم التزييف الذي أنزله اليهود بتفسيرها.. وهنا تتابعت داخلي استشكالات في هذا الصدد.. وأرى بعضها قد طرح هنا فجزاكم الله خيرا.
وارجو أن يستمر النقاش.. وفقنا الله وإياكم.
 
ما ذكره د. سفر الحوالي شافاه الله مستند في أكثره إلى شروحات التوراه (التلمود)
وإلى أدبيات الصهاينة المسيحيين وبخاصة السبتيين منهم
الذين يعتقدون بأن المسيا= المسيح المنتظر سيظهر بعد مذبحة عظيمة يُهيئون لها قبيل سنة ٢٠٢٢م وهي سنة بناء الهيكل بحسب التقويم العبري. لذا فهم يريدون تهيئة المنطقة العربية وما حول فلسطين لتلك المذبحة التي ستنتهي _ بزعمهم _ بهدم المسجد الأقصى على يد اليهود والأموي على يد الفرس؛ لوجود تقاطعات وتوافقات كثيرة بين مهدي الروافض ومسيا اليهود.
والله غالب على أمره

أنصح بقراءة كتاب
قبل أن يهدم الأقصى
لعبدالعزيز مصطفى كامل
والذي يحتوي ما يؤيد ذلك
 
لعلي أحاول تفكيك المحاور ليسهل النقاش.

من الواضح والجلي أن المسلمين لم يتفقوا على ( ماهية ) التحريف الذي وقع على الكتب السابقة.
فبعضهم قال أن (جميعها محرفة مبدلة حرفياً ) وآخرون قالوا ( لم تحرف كتابة بل حرفت معانيها )
وهذا الأمر أكده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله : " وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ قَالَ كُلًّا مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ".

ثم عرض ابن تيمية رحمه الله قولاً ثالثاً وهو " وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الثَّالِث ُ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ نُسَخًا صَحِيحَةً وَبَقِيَتْ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُسَخًا كَثِيرَةً مُحَرَّفَةً " انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/ 103-104) .

إذن فالأقوال متتابعة هي :
١- غير محرفة بل حرفت معانيها.
٢- محرفة تحريفاً حرفياً ومعنوياً .
٣- حرفت لكن يوجد نسخ منها صحيحة بقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

===========
ماهي أقوال بعض المفسرين ؟

بعد اطلاع سريع،،،
الطبري: فلم يتضح لي شخصياً موقفه .
أما الرازي فقد كان يقول : بالتحريف المعنوي وهو عنده الأصح ، بالرغم أنه قال عن التحريف الحرفي أنه (وجه ) قد يفهم من الآيات بل حصل فعلاً من قلة منهم. كذلك قال أنهم ( أخفوا ) نعت النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة وأعازه كذلك إلى قلة منهم . وقد ذكر أسباباً عقلية تفيد بصحة التوراة لم يذكرها اليهود والنصارى أنفسهم ولا يفيده العقل . بل أثبت العلم الحديث عكسه ولعل في هذا نكتة على الاختلاف بين منهج الأشاعرة والسنة في التعامل مع النصوص في المقام الأول.
ابن كثير : يقول بكلا التحريفين ( معنوي وحرفي )

==========
ماهي الأسباب التي جعلت بعض علماء المسلمين يقولون ( بالتحريف المعنوي فقط)؟

بشكل مبسط:
١- يبدو أنها الآيات التي تثني على التوراة والإنجيل في القرآن الكريم .
تلك الآيات التي تأمر اليهود والنصارى أن يقيموا التوراة والإنجيل ، فلو كانت محرفة لما كان لأمره سبحانه وتعالى اعتبار.
تلك الآيات التي تصف التوراة والإنجيل أنها ( معهم ،عندهم ) .

٢- بعض الأحاديث ، و سأذكر مثالين :
عن ابن لبيد الأنصاري قال:-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [هذا أوان ذهاب العلم قال شعبة أو قال هذا أوان انقطاع العلم فقلت وكيف وفينا كتاب الله نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم قال ثكلتك أمك ابن لبيد ما كنت أحسبك إلا من أعقل أهل المدينة أليس اليهود والنصارى فيهم كتاب الله تعالى قال شعبة أو قال أليس اليهود والنصارى فيهم التوراة والإنجيل ثم لم ينتفعوا منه بشيء أو قال أليس اليهود والنصارى أو أهل الكتاب شعبة يقول ذلك فيهم كتاب الله عز وجل.]

الحديث الآخر رواه أبو داود ولفظه : [عن ابن عمر قال أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم بينهم فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال بالتوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال ائتوني... الحديث]

٣- بعض الأسباب العقلية التي ذكرها الرازي، وقد ذكرها على وجه تساؤل أجاب عنها هو نفسه
أنقله بتصرف :
" أن الكتاب بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه ، ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه ، والدليل عليه أن الرجل في هذا الزمان لو أراد إدخال الزيادة والنقصان في القرآن لم يقدر عليه ، فكذا القول في التوراة . قلنا : قد ذكرنا في سورة البقرة أن المراد من التحريف تفسير آيات التوراة بالوجوه الباطلة الفاسدة كما يفعله المبطلون في زماننا ، هذا بآيات القرآن . فإن قيل : هب أنه حصل في التوراة آيات دالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، إلا أنها قليلة ، والقوم ما كانوا يخفون من التوراة إلا تلك الآيات ، فلم قال : ويخفون كثيرا ؟ قلنا : القوم كما يخفون الآيات الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، فكذلك يخفون الآيات المشتملة على الأحكام ، ألا ترى أنهم حاولوا على إخفاء الآية المشتملة على رجم الزاني المحصن "



===========
ماهي الأسباب التي جعلت الفريق الآخر يقول بالتحريف ( الحرفي)

كذلك بشكل مبسط

١- الآيات الواضحة كقوله تعالى ( فويل للذين يكتبون.....الآية ) ، (... يحرفون الكلم من بعد مواضعه.. الآية )، وقوله تعالى ( ...تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً ...)

٢- بعض الأحاديث والآثار
قول ابن عباس في صحيح البخاري [ كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرءونه محضا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم].

حديث معاذ وأظنه ( حديث ضعيف بهذا اللفظ ولا يصح ).
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال ( أنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لأحبارهم وعلمائهم وفقهائهم فقال لأي شيء تفعلون هذا قالوا هذه تحية الأنبياء قلنا فنحن أحق أن نصنع بنبينا صلى الله عليه وسلم فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سجد فقال ما هذا يا معاذ قال إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسيسيهم ورهبانهم وبطارقتهم ورأيت اليهود يسجدون لأحبارهم وفقهائهم وعلمائهم فقلت أي شيء تصنعون هذا وتفعلون هذا قالوا هذه تحية الأنبياء قلت فنحن أحق أن نصنع بنبينا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب )

٣- واقع هذه الكتب الآن : فهي ولا شك محرفة كقولهم أن نبي الله هارون عليه السلام هو من أمر بصناعة العجل.
أو أن سليمان عليه السلام عبد الأصنام آخر حياته وأن الله استراح بعد خلق السموات والأرض ، أو كوصف عيسى عليه السلام أنه ابن الله وعيسى عليه السلام يقر .
ولو أن الرازي اطلع عليها لما أظنه قال برأيه ذاك .

*ملاحظة: أظن الغزالي في الكتاب المنسوب إليه (الرد الجميل على أهل الانجيل ) يرى صحة جميع مافي العهد الجديد بوضعه الحالي حتى كتابات بولس!، لكنه فسر الألفاظ المشكلة بتفسير آخر وهذا غريب منه . فكما يقال الخرق أكبر من أن يرقع وبالأخص أن كتابات بولس لا تسمى إنجيلاً عندنا.

٤- الإخفاء : فإخفاء بعض الكتاب في قرطاس كنعت النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً يعد بالضرورة تحريفاً حرفياً . لذلك نجد أن الرازي لم يتمكن من الرد جيداً على آية ( ...يجعلونه قراطيس ...) إلا بالإقرار بهذا وإن زعم أنهم قلة.

==============
موقف النصارى ؟

على مايبدو أن النصارى رحبوا بقول المسلمين الأول - أي أن القرآن أشار إلى التحريف المعنوى فقط - وهذا الأمر ليس بجديد فردود ابن حزم رحمه الله مدارها حول قولهم هذا .

أما في العصر الحديث وفي الدراسات الأكاديمية ( من وجهة نظر غير إسلامية ) :

١- فنجد أن هناك فريقاً يرى- بشكل عام- يقول : أن "كاتب" القرآن إنما مصدره ( السماع )، وقد أخذ معظم قصصه عن الرسل والأنبياء بشكل سماعي من أهل الكتاب ، والذي لم يعجبه في تلك القصص قام بتغييره وتعديله ، وبنفس الوقت فإن
"ذاك الكاتب" كان يظن أن الكتب التي معهم تؤيده ولا تؤيدهم . وأنهم يخفون كتابهم لهذا السبب. ولكن اتضح أنه هو المخطيء وهم المصيبون فاضطر المسلمون لاحقاً للقول بالتحريف الحرفي.

Gordon Nickel على سبيل المثال يجادل في هذا المضمار ، والذي أصدر كتابه عام 2014 عن هذا الموضوع .
شخصياً : لم أقرأ الكتاب لكن أرى الكثير من النصارى يستشهدون به .

٢- الفريق الآخر من الأكاديميين - كذلك بشكل عام - يقول : أن " كاتب " القرآن يقول بتحريف الكتب السابقة من خلال عبث اليهود والنصارى بنصوصها وحروفها .

لماذا ؟
قالوا : أن " كاتب القرآن " يستحيل أن تكون معرفته بالكتب السابقة بشكل سماعي فقط . بل الواضح أنه اطلع عليها . لأن هناك تفاصيل عن القصص في الكتب السابقة لا يمكن أن تكون قد جاءت بشكل سماعي.
ومن أمثلتهم Sidney H. Griffith في كتابه " البايبل في الجزيرة العربية ".

شخصياً لو أردنا نقاشهم من ( وجهة نظر غير إسلامية ) : فالكلام الأخير هو الأكثر منطقية . إذ كيف يراهن شخص ما على شيء لم يطلع عليه.
بل الواضح أن القرآن لغته لغة التحدي. كذلك من الصعب جداً ألاّ يقول له أحد مسلمة أهل الكتاب " أنه أخطأ برأيه عن الكتب السابقة بقوله أنها ليست محرفة وأن نعته موجود " مثلاً ! ، فضلاً عن أنه لم يردنا أي أثر أو قصة تقول أن أهل الكتاب واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم بكتبهم . بل كان القرآن يقرعهم على إخفائهم للكتب لا على المواجهة .

============
بقي قول ابن تيمية وهو " وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ نُسَخًا صَحِيحَةً وَبَقِيَتْ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُسَخًا كَثِيرَةً مُحَرَّفَةً "
هذا القول يحل كثير من الإشكالات .
لكن النصارى واليهود يقولون أن ( كتبهم التي بين أيديهم الآن وعلي حسب المخطوطات) هي أقدم من القرن السابع للميلاد ( أى وقت ظهور الإسلام ) . فماهي تلك النسخ الصحيحة التي قد تكون بقيت إلى عهده صلى الله عليه وسلم ؟

قد يجاب عنه : أننا لا نسلم بقولهم أن ما بين ( أيديهم الآن ) هي الكتب نفسها قبل الإسلام وفي عهده صلى الله عليه وسلم.
فقد أثبتت مخطوطات قمران عكس ذلك إذ وجدت نسخة ثالثة للتوراة غير السامرية و الماسورتية . كذلك توجد أناجيل مفقودة هم أنفسهم لا يعلمون ماهي كإنجيل إيجرتون .
نعم هناك بعض المخطوطات قبل الإسلام فيها شركياتهم وبعض عقائدهم بل توافق بعض مافي أيديهم اليوم. لكن هذا لايعني أن هذه المخطوطات هي جميع المخطوطات الموجودة على الأرض.

وفي السنة النبوية ( الصحيحة ) شيء يشير لهذا
ففي سنن النسائي
عن أبي هريرة قال [ أتيت الطور فوجدت ثم كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن التوراة فقلت له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه قبض وفيه تقوم الساعة ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا ابن آدم وفيه ساعة لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه فقال كعب ذلك يوم في كل سنة فقلت بل هي في كل جمعة فقرأ كعب التوراة ثم قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في كل جمعة فخرجت فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال من أين جئت قلت من الطور قال لو لقيتك من قبل أن تأتيه لم تأته قلت له ولم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس فلقيت عبد الله بن سلام فقلت لو رأيتني خرجت إلى الطور فلقيت كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن التوراة فقلت له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه قبض وفيه تقوم الساعة ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا ابن آدم وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه قال كعب ذلك يوم في كل سنة فقال عبد الله بن سلام كذب كعب قلت ثم قرأ كعب فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في كل جمعة فقال عبد الله صدق كعب إني لأعلم تلك الساعة فقلت يا أخي حدثني بها قال هي آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغيب الشمس فقلت أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة وليست تلك الساعة صلاة قال أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى وجلس ينتظر الصلاة لم يزل في صلاته حتى تأتيه الصلاة التي تلاقيها قلت بلى قال فهو كذلك]

فلو قرأت نسخ التوراة اليوم لن تجد ساعة الجمعة والله أعلم
 
تفكيك جميل أخي عبدالله الأحمد زادته لمساتكم رونقا وجمالاً
وأنوه إضافة إلى ما تكرمتم به بما ورد في أحاديث ومرويات فتن آخر الزمان التي تتحدث عن استخراج المسيح عليه السلام لعصا موسى ونسخاً غير محرفة لكتبهم المقدسة
وهذا يجعلنا ننظر بعين الفحص للحق الوارد في بعض الأسفار غير القانونية وكتب الأبوكريفا كإنجيل طفولية المسيح وبرنابا ومخطوطات قمران ونجع الحمادي.. وغيرها
ولعل لجوء بعض أهل الكتاب إلى صحراء الجزيرة وتركهم لبلاد الروم وخيراتها هو للهرب بدينهم وما يحملون من وريقات ومرويات شفوية فيها بقية خير وحق كان مجرد احتفاظهم بها سبباً لإعدامهم حرقاً بنيران كتبهم، فلما جاء الإسلام لم يجدو داعياً للاحتفاظ بها، فقد أبدلهم الله خيراً منها، والله أعلم
 
عودة
أعلى