مناقشة دكتوراه أدت عن الجزائر دينًا غاليًا في علم التفسير (مقال منقول)

إنضم
05/04/2013
المشاركات
52
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجزائر
منقول من شبكة الألوكة للكاتبة فيه د. مفيدة بلهامل مع تصرف يسير.

اكتظَّ مدرج ابن خلدون بجامعة الأمير عبدالقادر بالحضور يوم الخامس من شعبان المبارك من الأسبوع الماضي، على غير العادة في السنوات الأخيرة، وفي غير ما مناسبة، وازداد الحضور حتى كثر الوقوف وراء المقاعد وعلى جنباتها، أعاد المشهد الجامعة إلى أيامٍ من زمنها الجميل.
وكانت المناسبةُ مناقشة رسالة دكتوراه متميِّزة بشهادة كل عضو من لجنة المناقشة، ممتازة في موضوعها الموسوم بـ"مناهج المفسِّرين في تناول القصص القرآني، دراسة تحليلية نقدية"، ومتميزة من حيث الطالب الذي تقدَّم بها، فالطالب هو الشيخ والإمام عبدالعزيز ثابت، الحافظ لكتاب الله، والقامة الخطابية النادرة في الجزائر، وربما في العالم الإسلامي، والأستاذ الذي تخرَّجت على يديه أجيال من الطلبة، وهو مَن يصفه العارفون به بأنه قبس من شيخه الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله تعالى - والذي خصَّه وأهدى إليه عبد العزيز عمله. استغرقت المناقشة أكثر من ثلاث ساعات، أمام لجنة مناقشة مكونة من الأساتذة الدكاترة: سامي الكيلاني، مشرفًا ومقررًا. رمضان يخلف، عضوًا مناقشًا. رابح دوب، رئيسًا. عبدالحليم بوزيد، عضوًا مناقشًا. نادية وزناجي، عضوًا مناقشًا. واستحقت الرسالة مرتبة مشرف جدًّا مع تهنئة اللجنة. القصص القرآني كلية كبرى من كليات القرآن الكريم، ومحور من محاوره ومن أهم أهدافه، لإيراد الله تعالى إياه في كتابه العظيم؛ فهو: إثبات النبوة وأنها وحي يوحى من الله. وأنها للعظة والاعتبار. وهي إيضاح لأسس الدعوة إلى الله تعالى. وطريق لمجادلة أهل الكتاب وبيان أخطائهم بالحجة القاطعة. وبيان سنن الله في الأمم والأفراد. وضرب من ضروب الأدب والبيان الرفيع. والقرآن أولاً وأخيرًا بيان لوحدة الدين عند الله، وأن الدين المبني على التوحيد موجود منذ أوجد الله الإنسان. إن إجالة النظر في كثيرٍ من كتب التفسير تنبّه إلى أن العديد من المفسرين قد ذُهلوا عن بيان أهداف وأغراض القصة القرآنية كما أرادها الله تعالى، وانشغلوا بكثرة الروايات وسرد الوقائع، التي قد تكون في كثيرٍ من الأحيان من نسج خيال أصحابها الذين يحشون بها مادة التفسير ويشغلون بها العقول بما لا ينفع.
.. لقد أُولِع كثير من المفسرين بالتعليق على ما ورد في القرآن الكريم ولعًا كبيرًا، تجاوزوا فيه حدود الروايات المنسوبة للصحابة والتابعين، على علل كثيرة في هذه الروايات، مع نسبتها إلى أسماء أصحابها أحيانًا، وبدون نسبتها إليهم أحيانًا كثيرة، وجالوا في ساحات التخمين والتزيُّد جولات مسهبة، حتى يكاد يفهم من عباراتهم أن القصص القرآني إنما هو بقصد الإخبار لا بقصد العظة، بل إن كثيرًا مما أوردوه لا يتفق مع دلالات الآيات، ولا تحمله أهدافها، ولا تقتضيه عباراتها، وإن فيه كثيرًا من المفارقات، وما هو أدخل في باب الخرافة منها في باب الحقائق.
وإذا كان فريق من المفسرين قد سلك منهجًا أسرف فيه في إيراد الروايات، وأفسح للخيال مجالاً واسعًا، فإن فريقًا آخر قد أساء للقصة القرآنية، وتجاوزوا التفسير إلى تحكيم عقولهم في فَهم النص القرآني نفسه، فراحوا يصرفون الكلام من مدلوله اللُّغوي إلى معنى آخر دون ما يدعو إلى التأويل، وبلغت الجرأةُ بفريق ثالث إلى القول بالتخيل والتمثيل، فليس شرطًا في زعمهم أن يكون مقصد القرآن الكريم من أخبار ووقائع قد حدث فعلاً وصدقًا، بل يجوز أن يكون ضربًا من القول شبيهًا بما يوضع من حكاية بين أشخاص مفترضين، أو على ألسنة الطير والحيوان؛ للإيحاء فقط بمغزى الحكايات من الإرشاد إلى فضيلة والحث عليها، أو التحذير من رذيلة والتنفير منها. إن هؤلاء وهؤلاء قد أرادوا بحسن نية أو بسوئها، وبقصد أو من غير قصد - وإن كان تيار عدد من المتأخرين من العلمانيين والحداثيين لا يمكن وصفهم إلا بسوء النية والقصد المحظور - إزالة روعة الحق في القصص القرآني من النفوس والتهوين من قدسيته مع أنه من المقطوع به لدى المسلمين والممحِّصين من الباحثين بأن كل ما ذكره القرآن الكريم من الأخبار حق لا شك فيه. ولَمَّا كانت هذه النظرات المختلفة للقصص القرآني بحاجةٍ إلى بحث ودراسة لاستكشاف وجوه الصواب، أو الأخطاء التي تناولها به المفسرون، وبيان المنهج الأمثل في فهمها، جاءت دراسة فضيلة الشيخ عبدالعزيز ثابت. 1- لتبحث طريقة تناول المفسِّرين للقصة القرآنية، وبخاصة تلك التي نأت بها عن الغرض الذي سيقت له. 2- لتعرضَ الكثير من المصنفات والمؤلفات التي خصت القصة القرآنية بالبحث، دون نقد مناهج المفسرين في تناولهم لها، والاكتفاء بالإشارات القليلة إزاءها في مقدمات بعض كتب التفسير لا يفي بغرض التنبيه والتمحيص والتصحيح في هذا الموضوع الملحِّ. 3- لإفراد موضوع تحليل وتمحيص مناهج المفسرين في تناولهم للقصص القرآني بدراسة جامعة متكاملة، تعلي الراجح والصحيح منها، وتزيح الكثير من الغثِّ والمرجوح من الخرافات والأباطيل التي علِقت بالقصة القرآنية بعدما روَّجها بعض المفسرين. 4- تدوين أهم الأسس الواجب اتِّباعها في التعامل مع القصص القرآني للوصول إلى المنهج الأمثل في دراستها؛ من أجل المحافظة على أغراضها وفوائدها التي سيقت من أجلها. وكانت مادة البحث ثرية جدًّا في تراثها العلمي، وجاءت في مجلدين وفي 969 صفحة كاملة؛ مما يجعل منه مصدرًا علميًّا للباحثين في هذا الموضوع لاحقًا، كما كان ثريًّا في تنويع زوايا التناول بما يفيد حرص الطالب - الشيخ - على لثمِ جوانب هذا الموضوع الهامِّ وسدِّ ثغرات الغفلة التي تفاداها البعض، أو لم تسكن انشغالهم؛ لاختلاف أهدافهم بدون قصدِ الإساءةِ إلى القصة القرآنية، أو المساس بقدسية النص القرآني، كما نبَّه على مثالب البعض الآخر الذي قصد ووجَّه الإساءة إلى قدسية النص القرآني تماشيًا مع تيار الحداثة الأعمى في وضع القرآن الكريم في منزلة الكتب المحرَّفة، والتي نزلت بهذا التحريف إلى الصفة البشرية غير المقدَّسة؛ مما يمنع منطقًا و إنصافًا التعامل بالمثل مع النص القرآني. وعُرِضت الدراسة عبر مقدِّمة تناولت الإطار المنهجي للدراسة، وتمهيدًا تناول القصة عند العرب قبل الإسلام وأربعة أبواب، وستة عشر فصلاً، وكل باب كان بمثابة دراسة خاصة، ثم خاتمة شاملة. بدأ الباب الأول بلثم الانشغال اللُّغوي والاصطلاحي للقصة والقصص القرآني، ثم تناول مكانة القصص القرآني بين موضوعات القرآن الكريم، وطرق القرآن الكريم في عرض القصص القرآني، ثم الخصائص الفنية للقصة القرآنية، ثم أغراض وفوائد القصة القرآنية. أما الباب الثاني، فبحث نشأةَ علم التفسير وأهميته والحاجة إليه، والفرق بينه وبين التأويل، ثم تناول مراحل تطور هذا العلم، وأهم خصائص كل مرحلة، منتهيًا إلى موضوع التفسير بالمأثور، وأهم خصائصه، الذي كان مادة الباب الثالث في دراسة هذا المنهج في معالجة القصص القرآني، عبر عرض مصادره وأسباب ضعفه، ونماذج لبعض المفسرين به؛ أمثال تفسير ابن أبي حاتم، والطبري، وابن أبي زمنين، والبغوي، وابن كثير، والخازن، والثعالبي، والشيخ القاسمي، وقد عرض الباحث إلى هؤلاء المفسرين ومنهج كلٍّ منهم في تفسيره، وتقديم نماذج تطبيقية من كل منها، ثم خص مناهج هؤلاء لدراسة نقدية إجمالية أولاً ثم تفصيلية ثانيًا. وخصَّص الباحثُ البابَ الرابع من دراسته للقصص القرآني عند المفسرين بالرأي، وعرض ذلك عبر التعريف بهذا النوع من التفسير، بتناول الرأي بالشرح، على أن هناك رأي ممدوح ورأي مذموم. ثم جال بالنظر في كتب التفسير بين الأثر والنظر، وقد أورد لنموذج التفسير بالرأي المحمود تفاسير كلٍّ من ابن عطية، والرازي، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، وأبي حيان، وأبي السعود، والألوسي، وابن عاشور، وقد عرض الباحث إلى هؤلاء المفسِّرين ومنهج كلٍّ منهم في تفسيره، وتقديم نماذج تطبيقية من كلٍّ منها، ثم خص مناهج هؤلاء لدراسة نقدية إجمالية أولاً ثم تفصيلية ثانيًا. وعرض الباحثُ لنماذج من تفسير القصص القرآني بالرأي المذموم عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، بعرض ونقد تفاسير كلٍّ من الطبرسي، ومحمد بن حسين الطباطبائي، وجواد مغنية، وسلطان بن محمد بن حيدر الجنابذي، ثم عند المعتزلة بتناول ونقد تفسير الزمخشري، ثم عند الإباضية بعرض ونقد تفسير هود بن محكم الهواري، والشيخ أطفيش، ثم عند أصحاب الاتجاه الصوفي بعرض ونقد نماذج من تفسير سهل التستري، وتفسير السلمي، وابن عجيبة في كتابه البحر المديد. وأخيرًا تناول الباحثُ منهجَ المدرسة العقلية وأقطابها في تناول القصص القرآني، فعرض نماذج مثل: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ومحمود شلتوت، والمراغي، وانتقد منهج كل منهم. وقد أفرد الباحثُ فصلاً خاصًّا لتناول الاتجاهات المنحرفة في تناولها لقضايا من القصص القرآني، ومنها اتجاه رسالة الفن القصصي في القرآن الكريم، وتيار إخضاع القصة القرآنية لمعايير النقد الأدبي، وخاصة منها دعوى أن القصص القرآني مأخوذٌ من أهل الكتاب، ودعوى تعارض القرآن الكريم مع الوقائع التاريخية، والقول بوجود أساطير في القرآن الكريم. وانتهت الدراسة بفصل ختامي يجمع ويُؤسِّس للمنهج الأمثل في دراسة القصة القرآنية، وتطبيق خطوات هذا المنهج الجامع على قصة أصحاب الجنة، وتتجلَّى معالِم هذا المنهج - كما استنبطها ورتّبها الباحث - في عشر نقاط؛ هي كما يلي: 1- الاكتفاء في تفسير القصة القرآنية بما ورد في القرآن الكريم أو جاء في صحيح السنة دون تعدٍّ وتجاوز. 2- الابتعاد عن الجري وراء المبهمات واستقصاء بعض التفاصيل والجزئيات التي يذكرها القرآن الكريم، فلا فائدة فيما عدا ما توقف عنده القرآن الكريم، وإلا كان قد أورده الله تعالى وفصَّله وهم أعلم به. 3- التنبيه على بطلان المرويَّات والأخبار القادحة في شريعة الإسلام، والماسة بقداسة وعصمة الأنبياء، فقد استباح بعض المفسرين بعض الأقوال المنكرة في بعض عقائد الإسلام دون بيان زيفها وبطلانها. 4- التجرد من المقرَّرات والمعتقدات المذهبية الباطلة والمنحرفة، والتي من شأنها تحريف الكلم عن مواضعه، بتشويه القصة القرآنية بالتأويلات الباطلة لا يساعد عليها سياق الكلام ولا يقتضيها اللسان العربي. 5- بيان أسباب النزول الصحيحة المتعلقة بالقصة، والاعتماد عليها دون ما سواها من الأخبار العارية من الصحة. 6- بيان معاني الألفاظ الواردة في القصة. 7- البحث في مناسبة القصة لسياقها الخاص والعام، والربط بين خصائصها وخصائص السورة الواردة فيها، وإبراز الخصائص القرآنية في منهج عرضه للقصة القرآنية، وتوزيع حلقاتها على السور القرآنية ومناسبات ذلك. 8- تجميع الآيات الواردة في القصة وترتيبها ترتيبًا مصحفيًّا، أو ترتيبًا يُراعَى فيه أسباب النزول، وهذا يساعد في تحليل القصة وبيان أغراضها وأهدافها، وأهم ما اشتملت عليه من توجيهات. وقد ظهرت بوادرُ هذا الأسلوب في دراسة القصة على يد الشيخ سيد قطب، ثم اكتمل على يد الشيخ حسن عباس في كتابيه: "القصص القرآني، إيحاؤه ونفحاته"، وكتاب "قصص القرآن". 9- العناية بتحليل عناصر القصة، ببيان شخصياتها وحوادثها وطريقة الحوار، فعلى الدارس أن يُجلِّيَها ويظهرها حتى يتسنَّى إبراز القيم الجمالية والفنية للقصة القرآنية. 10- الحرص التامُّ على ضرورة إبراز العظات والدروس والعبر المستخلصة من القصة، وربطها بواقع الدعوة المحمدية. لقد درس البحثُ دراسةً وتحليلاً ونقدًا ستة وعشرين تفسيرًا، واعتمد الباحث على مائة وثمانية وثمانين مصدرًا ومرجعًا، وأورد سبعمائة وثلاثًا وأربعين آية قرآنية من تسع وستين سورة، كما أورد أربعة وثمانين حديثًا نبويًّا، وثمانية وعشرين بيتًا شعريًّا، وواحدًا وأربعين عَلَمًا. ولئن قام الاتفاق على أنَّ كلَّ مَن كتب في القصص القرآني بعد الشهيد سيد قطب - رحمه الله تعالى - عالةٌ عليه، وأن الوحيد الذي فسر القرآن الكريم شفاهة في الجزائر هو الإمام الشيخ عبدالحميد بن باديس - رحمه الله تعالى - فيمكن التأكيد على أن الشيخ "عبدالعزيز ثابت" قد أدَّى دَين الجزائر في جمع وتمحيص ونقد مناهج المفسرين في تناولهم للقصص القرآني، في هذا العصر، عبر هذا البحث الموسوعي، ولا ندري متى يأتي مَن يؤديه في غيرها من العلوم الشرعية بعده، ولا نزكّي على الله أحدًا، وحقيقٌ بشعبنا وأمَّتنا أن تكرم صاحبه بأن تطبع مصنَّفه حتى تنتفع به الأجيال المتعطِّشة للهمم المتفانية في سبيل العلم في الجزائر وفي العالم الإسلامي، وهنيئًا لنا بهذا العمل المبارك الجدير بالتوقير والافتخار.
المصدر:
مناقشة دكتوراه أدت عن الجزائر دينا غاليا في علم التفسير
 
شكرا لصاحب الرسالة ولصاحبة هذا التعريف ونرجو ان ترى الرسالة النور وتصبح في ايدي الباحثين
 
هنيئًا لأستاذنا الفاضل على هذه الرتبة وأسأل الله أن يجعلها عونا له على طاعته, ويزيده علما وينفع به.
 
عودة
أعلى