ملكة الاستشهاد واستحضار الآيات ( وقفة وحكاية )

إنضم
04/04/2003
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ملكة الاستشهاد واستحضار الآيات ( وقفة وحكاية )

يعد الاستحضار والانتزاع من القرآن في موضوع ما ؛ ملكة قلّ من يتقنها حتى من حفاظ القرآن ، وقد رأينا بعض المشايخ تميز بهذه الصفة ، ومنهم سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وغيره وهم قليل ، ولو أردت أن أضرب مثالا يكون كالاختبار لأحدنا وقلت :
- اذكر الآيات الواردة في الأمر بتوحيد العبادة .
- اذكر الآيات الواردة في الجبال – مثلا - .
فلينظر كل واحد منا قدر الآيات التي استحضرها دون مراجعة أو بحث أو طول وقت ، بل تأتيه بديهة قريبة المأخذ ، بحيث يستطيع إيرادها لو كان يرتجل خطبة أو كلمة في ذلك الموضوع ، ثم يقوّم نفسه في هذا الأمر .

ومن الأمور التي تفيد في تحصيل هذه الملكة :
1. إتقان حفظ القرآن ، فالحفاظ اليوم كثير ، ولكن أين منهم المتقنون ؟
ويعجبني في هذا ماأخرجه الخطيب في ( الجامع ) عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال :"الحفظ الإتقان " .
2التدريب العلمي ، وذلك بمراجعة الآيات في كل موضوع يطرقه أحدنا في درس أو كلمة أو خطبة ، ويستودع ذلك مخزن صدره وسويداء قلبه .
وأنصح في هذا الباب ابتداء بكتاب ( رياض الصالحين ) فإنه جمع أصول أبواب العلم والدين ومهمها ، وطريقته أنه يصدر كل باب ببعض الآيات فيه ، فيعتني بذلك طالب العلم ويمرن نفسه بمراجعته كثيرا ، ثم ينتقل إلى معاجم الموضوعات القرآنية .
3. التدريب العملي ، وذلك بالممارسة والتطبيق فيما يلقيه من درس أو كلمة أو خطبة أو غيرها ، ويحرص على حشد الآيات وإيرادها أثناء تناوله للموضوع الذي يتحدث عنه ، ومراجعة ذلك وتسديده مرة بعد أخرى .

ومن عجيب ماوقفت عليه في هذا الباب ماحكاه الماوردي قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول : سمعت أبي يقول سألت الحسين بن الفضل فقلت : إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن فهل تجد في كتاب الله: (خير الأمور أوساطها ) قال : نعم ، في أربعة مواضع قوله تعالى: (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) وقوله تعالى : (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) وقوله تعالى : (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وقوله تعالى : (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) .
قلت : فهل تجد في في كتاب الله : (من جهل شيئا عاداه )؟ قال : نعم في موضعين ، ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ) .
قلت : فهل تجد في كتاب الله (احذر شر من أحسنت إليه) قال : نعم ، (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) .
قلت : فهل تجد في كتاب الله (ليس الخبر كالعيان) قال : في قوله تعالى (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
قلت : فهل تجد في كتاب الله (في الحركات البركات ) قال : في قوله تعالى : (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) .
قلت : فهل تجد في كتاب الله (كما تدين تدان ) قال : في قوله تعالى (من يعمل سوءا يجز به ) .
قلت : فهل تجد فيه قولهم (حين تقلي ندري ) قال : (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ) .
قلت : فهل تجد فيه (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) قال : (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ) .
قلت : فهل تجد فيه (من أعان ظالما سلط عليه ) قال : (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) .
قلت : فهل تجد فيه قولهم (لا تلد الحية إلا حية ) قال : قوله تعالى ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) .
قلت : فهل تجد فيه (للحيطان آذان ) قال : (وفيكم سماعون لهم ) .
قلت : فهل تجد فيه (الجاهل مرزوق والعالم محروم) قال : (من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ) .
قلت : فهل تجد فيه (الحلال لا يأتيك إلا قوتا والحرام لا يأتيك إلا جزافا ) قال : (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) .
هذه خاطرة عجلى حول هذا الموضوع ، وهو يحتمل المزيد .
والله أعلم
 
كم أحرص على قراءة كتاباتك المحررة أخي أبا عبدالعزيز ، والتي تنادي على ما وراءها من العناية ، والدقة ، والأناة ، أسأل الله أن يؤيدك بتوفيقه ، وأن يزيدك من العلم النافع .
وقد فتحتَ باباً نافعاً من العلم ، وهو باب عزيز ، من يتقنه في العلماء قليل. وقد يكون العالم من الحفاظ ، ويسرد المتون سرداً ، ولكنه إذا أعوزته الحاجة للاحتجاج والاستشهاد ندت عنه الشواهد كما يند البعير الشارد ، فتراه مغموماً لذلك ، وقديماً قيل : الذاكرة ماكرة. وقد كنت سألت عن ذلك من أعرف فيه الإتقان الشديد للاستحضار فقال : إنما ذلك بالتعود وكثرة الممارسة ، ولقد كنت أول عهدي بالتدريس يصعب علي الأمر صعوبة شديدة ، ثم لم أزل أمرن نفسي على ذلك حتى يسر الله من ذلك ما كان عسيراً.
وقد ذكر قصصاً كثيرة من هذا علي بن ظافر الأزدي (567-613هـ) في كتابه الذائع :بدائع البدائه ، ومن المتأخرين الطبيب العلامة محمد أبو اليسر عابدين في كتابه :النباهة في البداهة وغيرها مما أورده الأدباء في موسوعاتهم الأدبية كالنويري في (نهاية الأرب) ، وأصحاب كتب التراجم على كثرتها. وهنا أنقل لك ما أذكره مما يشبه ما نقلته عن الحسين بن الفضل ، وما رزقه من البداهة وسرعة الاستحضار.

** قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يوماً : أيها الناس ! إن الله أحيا قريشاً بثلاث :
- فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :(وأنذر عشيرتك الأقربين) ، ونحن عشيرته الأقربون.
- وقال تعالى : (وإنه لذكر لك ولقومك) ونحن قومه.
- وقال تعالى : (لإيلاف قريش) ونحن قريش.
فأجابه رجل من الأنصار ، فقال : على رسلك يا معاوية
- فإن الله تعالى يقول : (وكذب به قومك وهو الحق). وأنتم قومه !
- وقال تعالى :(ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) وأنتم قومه !
- وقال تعالى :(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) وأنتم قومه !
ثلاثة بثلاثة ، ولو زدتنا لزدناك !

** وقال الهيثم بن عدي : جاء رجل إلى الحجاج ، فقال : إنَّ أخي خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمي في الديوان ، ومنعت العطاء ، وقد هدمت داري !!
فقال الحجاج : أما سمعت قول الشاعر :
ولرُبَّ مأخوذٍ بذنبِ قريبهِ ** ونَجَا المُقارفُ صاحبُ الذنبِ !
فقال الرجل : أيها الأمير ، إني سمعت الله يقول غير هذا ، وقول الله أصدق من هذا !!
قال : وما قال ؟
قال :(قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون)..
قال : يا غلام ، أعد اسمه في الديوان ، وابن داره ، وأعطه عطاءه ، ومر منادياً ينادي : صدق الله وكذب الشاعر!!

** وفي حياة الحيوان للدميري في ترجمة الحجاج بن يوسف ، قال : كان الحجاج كثيراً ما يسأل القراء ، فدخل عليه يوماً رجلٌ . فقال له الحجاج : ما قبل قوله تعالى :(أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) ؟
فقال له : قوله تعالى :(إنك من أصحاب النار) !!
فما سأل الحجاج أحداً بعدها.
والقصص كثيرة ، والأمر كما ذكرت يتأتى بالدربة ، وكثرة المران ، والحرص على الحفظ ، وتعاهد المحفوظ بكثرة المراجعة ، فإنه إذا كثر المحفوظ كان تذكر المطلوب أيسر على الذاكرة ، وكان طلبه على طرف الثمام عند الحاجة إليه.
كما أن للذكاء الفطري دور في تلك القدرة على الاستحضار ، فإنك تجد ذلك عند عوام الناس ، ممن لم يطلب العلم ، ولا سيما الشعراء الذين رزقوا حظاً منه ، فإن بدائهم في الغالب أسرع من غيرهم ، وأذكر قصصاً كثيرة للفرزدق في استحضاره للشواهد من الآيات ، مع إن الناس لم يعرفوه إلا بالشعر. أذكر منها :
* صعد سليمان بن عبدالملك يوم جمعة المنبرَ ، فسمع صوت ناقوس ؟ فقال : ما هذا ؟
قالوا : البيعة يا أمير المؤمنين . فأمر بهدمها فهدمت.
فبلغ ذلك ملك الروم ، فكتب إليه : إنَّ هذه البيعة أقرها من كان قبلك ، فإن كانوا أصابوا فقد اخطأتَ ، وإن تكن أصبتَ فقد أخطؤوا !
فسأل سليمان من خواصِّ دولته الجواب ، فأعياهم ، فقال الفرزدق : عن إذن أمير المؤمنين.
قال : قل!
قال : يكتب إليه :(ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً) . فسرَّ بذلك ، وأمر له بجائزة.
 
أتمنى من الشيخ خالد أن يستمر في هذا الموضوع ، وذلك بوضع حلقات للاستحضار على أن تكون المواضيع دقيقة لاعامة مما يظهر فيها الاستنباط والاستحضار.
 
الأخوان الكريمان :
الشيخ / عبد الرحمن الشهري ..أشكرك على هذه الزيادات التي يحتفل بها في هذا الموضوع وهذا ماعهدناه في قلمك السيال .

الشيخ / محمد الربيعة ..أشكرك على تعليقك ، ولم يتضح لي المراد من اقتراحك ، وهل تقصد طرح أسئلة مشابهة لما مثلت به ؟
ولك من أخيك التحية والتقدير ،،

والسلام عليكم
 
هذا الموضوع بحاجة إلى مدراسة فهو مفيد جداً ، ويمكن تعزيز هذه المهارة بالتمرين والتدريب كما ذكر أخي د. خالد الباتلي، وهي تظهر في باب الاستفتاء والإجابة عن أسئلة السائلين بشكل واضح، فكثيراً ما يتردد المفتي بسبب عدم استحضار الدليل أو موضع الشاهد منه .
وترى هذا أيضاً في باب حفظ المنظومات العلمية، فقد يسهل على أحدنا سرد الألفيات من أولها أو من أوائل أبوابها، ولكنه يصعب عليه استحضار مواضع الاستشهاد مباشرة في داخل النظم .
 
ممن اشتهر عنه قوة استحضار الآيات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان .
 
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]الحمد لله، وبعد..[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]من عجيب ولطيف ما وقفت عليه، ما ذكره المؤرِّخون وأهل السِّير عن الإمام البخاري[/FONT] رحمه الله .[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1] يقول عنه ورَّاقه محمد بن أبي حاتم : بلغني أنَّ أبا عبد الله شرب البَلاذُر للحفظ، فقلتُ له: وهل من دواءٍ يشربه الرجل للحفظ؟[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]فقال: لا أعلم، ثم أقبل عليَّ وقال: لا أعلم شيئاً أنفعَ للحفظ من نَهْمة الرجل، ومداومة النَّظَر، وذلك أني كنتُ بنَيسابور مقيماً، فكان يَرِدُ إليَّ من بُخارى كُتبٌ، وكُنَّ قراباتٌ لي يُقرئن سلامهنَّ في الكتب، فكنتُ أكتب إلى بُخارَى، وأردتُ أن أقرئهنَّ سلامي، فذهب عليَّ أساميهنَّ حتى كتبتُ كتابي ولم أقرئهنَّ سلامي، وما أقلَّ ما يذهب عني من العلم.[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]قال الحافظ الذهبي:[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]يعني: ما أقلَّ ما يذهب عنه من العلم لمداومة النَّظر والاشتغال، وهذه قراباته نَسِـي أسماءهنَّ، وغالب الناس بخلاف ذلك , فتراهم يحفظون أسماء أقاربهم ومعارفهم، ولا يحفظون[/FONT][FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1] إلَّا اليسير من العلم. ( [/FONT]«[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]تاريخ الإسلام[/FONT]»[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1] 6/148)[/FONT]

وقال أيضاً: سمعتُ أبا عبد الله يقول: تفكَّرتُ أصحاب أنسٍ، فحضرني في ساعةٍ ثلاثُ مئة.[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]([/FONT]«[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]سير أعلام النبلاء[/FONT]»[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1] 12/410)[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]فهذا الإمام البخاري رحمه الله أعجوبة من عجائب الدنيا ، فمن أراد أن يعرف أنه لا شيء في باب العلم فليقرأ سيرته التي زهد الكثير فيها وغابت عنا وقلَّ من يعتني بها ؛ولعمر الله فيها من الفوائد والعبر ما لايخطر على بال أقول هذا لنعرف اليوم كيف تكون همم الرجال ، أما نحن ... فالله المستعان .[/FONT]

[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]ومن المعاصرين الذين رزقوا هذه النِّعمة الشيخ العلامة المحقق عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله فقد كان فريداً بين أقرانه العلماء في الاستحضار للآيات والأحاديث ، [/FONT][FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]يحدِّثني شيخنا العلامة شعيب الأرنؤوط حفظه الله يقول :[/FONT]
[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]كان الشيخ عبد القادر واعظاً فريداً حين كان في بلاد الشام ، وكان ربَّما ذكر في موعظةٍ قرابة المئة آية، وعشرات الأحاديث لا يَذكر حديثاً صحيحاً أو حسناً في الموضوع إلَّا ويأتي به، وكانت عنايته بذلك ظاهرة رحمه الله .اهـ [/FONT]

[FONT=AAAGoldenLotus Stg1_Ver1]فنسأل الله أن يمنَّ علينا بنعمة من عنده تُكمل نقصنا وتُعلِينا في مراتب العلم والإيمان والعمل، اللهم آمين .[/FONT]
 
إن انسى فلا أنسى كتاب الحيدة للإمام النحرير أبي الحسن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي الكناني، المتوفى سنة 240 رحمة اللة واسمه (الحيدة و الاعتذار .. في الرد على من قال بخلق القرآن )
فليس في هذا الباب ما يقارعه .. اضافة إلى أنه انتصار مذهل لأهل السنة .. رحم الله الإمام رحمة واسعة
وحقيق بطلبة العلم أن لايفوتهم هذا الكتاب النفيس

وهذا رابط الكتاب في صيد الفوائد http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=135
 
عودة
أعلى