ملخص في منهج الطبري في تفسيره

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
الإخوة الكرام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فأقدم لكم ملخصًا موجزًا يصف طريقة ابن جرير في كتابه ، وهو من باب التذكرة ، إذ الكلام المفصل على منهج هذا الإمام لا يحتمله هذا المقام ، وما لا يُدركُ كله لا يُترك جُلُّه من أجل عدم إدراك الكلِّ .
أملى ابن جرير كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن على تلاميذه من سنة ( 283 ) إلى سنة ( 290 ) ، ثمَّ قُرئ عليه سنة ( 306 ) ، وقد أطبق العلماء على الثناء على كتابه .
وقد قدَّمَ الطبريُّ لتفسيرِه بمقدمة علميَّةِ حشدَ فيها جملة من مسائل علوم القرآن ، منها : اللغة التي نزل بها القرآن والأحرفُ السبعة ، والمعربُ ، وطرق التفسيرِ ، وقد عنون لها بقوله : ( القول في الوجوه التي من قِبَلِها يُوصلُ إلى معرفةِ تأويلِ القرآنِ ) ، وتأويل القرآنِ بالرأي ، وذكر من تُرضى روايتهم ومن لا تُرضى في التَّفسيرِ .
ثمَّ ذكر القولَ في تأويلِ أسماء القرآنِ وسورِه وآيه ، ثمَّ القول في تأويلِ أسماء فاتحة الكتابِ ، ثمَّ القول في الاستعاذةِ ، ثُمَّ القول في البسملةِ .
ثمَّ ابتدأ التفسيرَ بسورة الفاتحة ، حتى ختم تفسيرَه بسورةِ النَّاسِ .
ـ كان يُجزِّئ الآيةَ التي يُريدُ تفسيرَها إلى أجزاء ، فيفسرها جماة جملة ، ويعمدُ إلى تفسير هذه الجملة ، فيذكر المعنى الجملي لها بعدها ، أو يذكره أثناء ترجيحه عن كان هناك خلاف في تفسيرها .
ـ إذا لم يكن هناك خلاف بين أهل التأويل فسَّر تفسيرًا جُمْلِيًا ، ثم قال : وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ـ وإذا كان بين أهل التأويل خلاف ، فقد يذكر التفسير الجملي ، ثم ينص على وجود الخلاف ، ويقول : واختلفَ أهلُ التَّأويلِ في تأويلِ ذلكَ ، فقال بعضهـــم فيه نحوَ الذي قلنا فيه
ـ وقد يذكر اختلاف أهل التأويل بعد المقطع المفسَّرِ مباشرةً ، ثمَّ يذكر التفسير الجملي أثناء ترجيحه .
ـ ومن عادته أن يُترجمُ لكل قولٍ بقوله : فقال بعضهم …. ، ثمَّ يقول : ذكر من قال ذلك ، ثمَّ يذكر أقوالهم مسندًا إليهم بما وصله عنهم من أسانيد . ، ثمَّ يقول : وقال غيرهم ، وقال آخرون … ، ثمَّ يذكر أقوالهم ، فإذا انتهى من عرضِ أقوالِهم ، رجَّحَ ما يراه صوابًا ، وغالبًا ما تكون عبارته : قال أبو جعفر : والقول الذي هو عندي أولى بالصواب ، قول من قال ، أو يذكر عبارة مقاربةً لها ، ثمَّ يذكر ترجيحَه ، ومستندَه في الترجيحِ ، وغالبًا ما يكون مستندُه قاعدةً علميَّة ترجيحيَّةً ، وهو مما تميَّزَ به في تفسيرِه .
ـ اعتمدَ أقوال ثلاث طبقات من طبقات مفسري السلف ، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين ، ولم يكن له ترتيب معيَّن يسير عليه في ذكر أقوالهم ، وإن كان يغلب عليه تأخير الرواية عن ابن زيد ( ت : 182 ) .
ـ ويحرص على ذكر ما ورده عنهم بالإسناد إليهم ، ولو تعدَّدت الأسانيد في القول الواحد .
ـ وقد يورد قول الواحد منهم ويعتمده إذا لم يكن عنده غيره .
ـ ولم يخرج في ترجيحاته عن قول هذه الطبقات الثلاث إلا نادرًا ، وكان شرطه في كتابه أن لا يخرج المفسر عن أقوال هذه الطبقات الثلاث ( ينظر : تفسير الطبري ، ط : الحلبي 1 : 41 ) .
ـ ولهذا ردَّ أقوال أهل العربية المخالفة لأقوال السلف أدنى مخالفةٍ ، ولم يعتمد عليها إلا إذا لم يرد عن السلف في مقطع من مقاطع الآية شيء ( ينظر تفسيره للواو في قوله ( والذي فطرنا ) فقد اعتمد ما ذكره الفراء من احتمالات ) .
وإذا ذكر علماء العربية فإنه لا يذكر أسماءهم إلا نادرًا ، وإنما ينسبهم إلى علمهم الذي برزوا فيه ، وإلى مدينتهم التي ينتمون إليها ، كقوله : » قال بعض نحويي البصرة « .
وغالب ما يروي عنهم مما يتعلق بالإعراب .
ـ اعتمد الطبري النظر إلى صحة المعنى المفسَّرِ به ، وإلى تلاؤمه مع السياق ، وقد كان هذا هو المنهج العامَّ في تفسيره ، وكان يعتمد على صحة المعنى في الترجيح بين الأقوال .
ـ وكان لا يبين درجة إسناد الآثار إلا نادرًا ، ولم يكن من منهجه نقد أسانيد التفسير ، كما أنه لم يعمد إلى ما يقال من طريقة : من أسندك فقد أحالك .
ـ وكان ـ في الغالب ـ لا يفرق بين طبقات السلف في الترجيح ، وقد يقدم قول أتباع التابعين أو التابعين على قول الصحابي .
ـ وإن كان في بعض المواطن يقدم قول الصحابة ، خصوصًا فيما يتعلق بالنُّزول.
ـ يقدم قول الجمهور على قول غيرهم ، وقد يعدُّه إجماعًا ، ويَعُدُّ القول المخالف لهم شاذًّا .
ـ يَعُدُّ عدم قول السلف بقولٍ دلالة على إجماعهم على تركه ، ويرجح بهذه الحجة عنده .
ـ لم يلتزم بالأخذ بقول الصحابي في الغيبيات .
ـ لم يُعْرِضْ عن مرويات بني إسرائيل لأنه تلقاها بالآثار التي يروي بها عن السلف ، وقد يبني المعنى على مجمل ما فيها من المعنى المبيِّن للآية ( ينظر : تفسير الطبري ، ط : الحلبي : 1 : 274 ) .
ـ يؤخر أقوال أهل العربية ، ويجعلها بعد أقوال السلف ، وأحيانًا بعد ترجيحه بين أقوال السلف .
ـ لا يقبل أقوال اللغويين المخالفة لأقوال السلف ، ولو كان لها وجه صحيح في المعنى .
هذا ما أردت التنبيه عليه من منهج الطبري ، وقد بقي بعض المسائل لعل الله أن يمن بكتابتها ـ خصوصًا ما يتعلق بالقراءات ـ والله الموفق .
 
جزاك الله خيراً أيها الشيخ الكريم ، فقد أشرت إشارات بديعة ، تبصرةً للمنتهي ، وتذكرةً للمنتهي.
ولا زلنا ننتظر بقية الإشارات حول منهج هذا الإمام الذي لم يظفر إلى الآن بدراسة شاملة لكتابه في التفسير على كثرة ما كتب حوله حسب ما رأيت وقرأت.
وكم كنت أتمنى أن يتم الكتاب الذي وعد به الشيخ محمود محمد شاكر في بداية تحقيقه لكتابه ، حيث وعد بأن يكتب كتاباً مستقلاً يبين فيه منهج ابن جرير الطبري في التفسير ولكن حالت دون ذلك حوائل ، ومات رحمه الله ، وما رأينا ذلك الكتاب ، وقديماً قيل : كمْ قطعَ تطلبُ الكمال ، الكثيرَ من جلائل الأعمال.

وأذكر هنا فائدة حول تفسير الطبري :
وهي أنك تجد في تفسيره كلاماً في اللغة قل أن تظفر به في كتب اللغة العربية ومعاجمها. وأضرب لذلك مثالاً عند تفسيره للآية رقم (79) من سورة آل عمران في تفسير قوله تعالى :(ولكن كونوا ربانيين) بعد ذكره لأقوال المفسرين .
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب في (الربانيين) أنهم جمع (ربَّاني) ، وأن الرَّبانيِّ المنسوب إلى (الرَّبَّان) ، الذي يرُبَّ الناس ، وهو الذي يصلح أمورهم ، ويربها ، ويقوم بها ... فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا = وكان الرَّبَّانُ ما ذكرنا ، والرَّبَّانيُّ هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ = وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين يربُّ أمور الناس ، بتعليمه إياهم الخير ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم = وكان كذلك الحكيم التقي لله ، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق ، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم ، وعائدة النفع عليهم في دينهم ، ودنياهم = كانوا جميعاً يستحقون أن يكونوا ممن دخل في قوله عز وجل :(ولكن كونوا رَبَّانيينَ).
فالرَّبَّانيُّونَ إذاً ، هُم عِمَادُ النَّاسِ في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا.
ولذلك قال مجاهد : (وهمْ فوق الأَحبارِ) ؛ لأن الأحبار هم العلماء.
والرباني الجامع إلى العلم والفقه ، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم. أ.هـ.
وقد علَّق على هذا الكلام الشيخ أبو فهر محمود محمد شاكر رحمه الله بقوله : هذا التفسير قلَّ أن تجده في كتاب من كتب اللغة ، وهو من أجود ما قرأت في معنى الرباني ، وهو من أحسن التوجيه في فهم معاني العربية ، والبصر بمعاني كتاب الله. فرحم الله أبا جعفر رحمة ترفعه درجات عند ربه.
قلتُ : ورحمَ الله الشيخ أبا فهرٍ فقَلَّ مَن يتنبهُ لفضل أمثالِ هؤلاءِ الأئمةِ ، وقديماً قيل: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
لقد ذكر الطبري روايات دون أن يمحصها أو يقف منها موقف الناقد البصير.
ومن الأمثلة على ذلك رواية ذكرها في مقدمة تفسيره ولم يعلق عليها بشيء، وهي:
"حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيّب: أن الذي ذكر الله تعالى ذِكره [أنه قال] ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾[النحل: 103] إنما افتُتِن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سميعٌ عليمٌ، أو عزيزٌ حكيمٌ، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي، فيستفهمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أعزيزٌ حكيمٌ، أو سميعٌ عليم أو عزيز عليم؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّ ذلك كتبت فهو كذلك». ففتنه ذلك، فقال: إن محمدا وكَلَ ذلك إلي فأكتبُ ما شئتُ. وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة ".
فأين قدسية القرآن حين يكون لهذا الكاتب اختيار ما شاء من العبارات المذكورة لكتابتها؟؟
وكيف لم يَشُكّ الطبري في صحة هذه الرواية، التي تعارض مبدأ حفظ القرآن من التحريف؟؟
 
الذي يظهر للمتتبع لتفسير ابن جرير أنه رحمه الله يهتم بإيراد الروايات أكثر من اهتمامه بتمحيصها - أي من جهة السند - . بل إنه يبني على هذه الرويات تفسيره ولو كان فيها ما فيها من النكارة أو الغراية خاصة إذا اتفقت على معنى واحد . أما إذا تعددت معانيها فإنه يجتهد في الموازنة بينها ، ويقوم بتمحيصها . هذا منهجه الغالب .
 
جزاك الله خيراً أستاذنا الفاضل ونفع بعلمك
ابن جرير الطبري رحمه اللهيلاحظ عليه ترجيح القراءات على بعضها ، وقد سار بعض المفسرين على نهجه كالشوكاني رحمه الله،
وسؤالي : ماحكم ترجيح القراءات على بعضها خاصة إذا كانت صحيحة ، وهل يُعتبر هذا من المآخذ على بعض المفسرين .
وفقكم الله لماا يحبه ويرضاه .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...لقد قام الأستاذ زيد بن علي بالكتابة في موضوع القراءات بكتابه منهج الإمام الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره وهذا رابطه منهج الإمام الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره - زيد بن علي بن مهدي مهارش | مركز تفسير للدراسات القرآنية

وفقكم الله تعالى واياكم.
 
جزاك الله خيراً دكتور مساعد الطيار طرح رائع
 
عودة
أعلى