للمهتمين بالموضوع فإن فضيلة الدكتور منصور أبو زينة أكرمه الله له بحث مقبول للنشر في المجلة ذاتها بعنوان: " قضية المعرب في القرآن الكريم – تحقيق وتأصيل "
وملخصه هنا:
http://www.pubcouncil.kuniv.edu.kw/jsis/homear.aspx?id=19&Root=yes#
إن من المؤكد أن الباحثين سيجدون فائدة طيبة في الموضوع؛ فالدكتور منصور من أهل العلم والتدقيق في البحث العلمي، وأكاد أجزم بأن بحثه خير من البحث المذكور هنا.
أما الذي أرجحه خلاصةً لهذا الموضوع:
احتمال الخطأ ـ غير المقصود ـ في اجتهاد كثير من القائلين بالأصل الأعجمي لعدد من كلمات القرآن الكريم وارد، وإن كان الثعالبي قد اتخذ منحى آخر باتهام الذين كانوا يتوسعون في ادعاء المعرَّب والدخيل في اللغة العربية بأنهم كانوا يقصدون ذلك؛ لأنهم قاموا بذلك بسبب التعصب للأصل غير العربي لجنسهم، فقال: " وكانت العرب تلبس العمائم المهرّاة ـ وهي الصُّفر ـ.. فزعم الأزهري أن العمائم المهراة كانت تُحمل إلى بلاد العرب من هراة فاشتقوا لها وصفاً من اسمها، وأحسبه اخترع هذا الاشتقاق تعصباً لبلده هراة، كما زعم حمزة الأصبهاني أن السام: الفضة (وهو معرَّب عن سيم)، وإنما تقوَّل هذا التعريب ـ وأمثاله ـ تكثيراً لسواد المعرَّبات من لغات الفرس وتعصُّباً لهم. وفي كُتب اللغة أن السام: عروق الذهب، وفي بعضها أن السامة: سبيكة الذهب ".[1]
أما جواد علي فنظر إلى تعليل خطأ كثير من دعاوى دخول ألفاظ معرَّبة إلى لغة العرب بلا مسوغ ولا دليل من زاوية أخرى، فقال: " إن علماء اللغة لم يكونوا على علم باللغات الأعجمية، ولذلك لم يتمكنوا من رجع المعرَّبات إلى أصولها الحقيقية، فأخطأوا في ذكر الأصول. ونظراً إلى أن فيهم من كان يتقن الفارسية، فقد رجع أصول كثير من الألفاظ إلى أصل فارسي؛ لأنه وجد أن الفرس نطقوا بها، ولم يعلموا أنهم أخذوها هم بدورهم من غيرهم، فصارت من لغة الفرس، أو أنهم وجدوا بعض الألفاظ قريبة من أوزان الفارسية للكلمات، فظنوا أنها فارسية، مع أنها من أصل آخر ".[2]
وعلى كل حال، ففوق كل ذي علم عليم، وقد أخذ تقعيد أسس المنهج النقدي العلمي لعلم اللغات عقوداً طويلة حتى استقر؛ ولهذا يعد من العلوم المعاصرة. وكثير من الكلمات التي حسبها العلماء السابقون معرَّبة، أظهرت الدراسات الحديثة أصلها العربي الساميّ الأصيل. فالحبشية والعربية لها أصل واحد، وللعربية والعبرية أصل واحد، فالشعوب السامية ـ ذات الأصل اللغوي الواحد ـ كلها قدِمَت من شبه جزيرة العرب، ومثلها اللهجة النبطية؛ فالنبط أصولهم عربية على الأرجح. ولا يجوز نسيان الأثر اللغوي لحضارة العرب البائدة، التي كانت حضارة كبرى قبل اندثارها ـ كما تدل الاكتشافات الأثرية ـ فمن غير المستبعَد أن تكون أدخلت بعض الألفاظ إلى الحضارات المجاورة ـ كالفارسية ـ وبعد اندثارها بقيت تلك الألفاظ، فظن الناس أنها ذات أصل غير عربي.[3]
مثلاً: كلمة (غساقاً) بمعنى: البارد المنتن. ذكر أكثر العلماء المتقدمين أن أصلها تركي، وبعد التحقيق وفق أسس البحث العلمي الحديث، تبين بالأدلة القطعية أنها عربية أصيلة.[4]
ومثلها كلمة: " منسأة " بمعنى عصا، فهي عربية أصيلة. جاء في معجم مقاييس اللغة: " نسأت ناقتي.. رفقت بها في السير، ونسأتها: ضربتها بالمنسأة: العصا. وهذا أقيَسُ؛ لأن العصا كأنه يُبعَد بها الشيء ويُدفع ".[5]
ولما كان وجود العربية قبل الإسلام وجوداً غير مدوَّن في معاجم، فإن كثيراً من ألفاظ اللغة قد اندثر مع اندثار كثير من الأشعار التي تلاشت لقصور الرواية، وتشتَّتتِ القبائل، وضعف الاتصال فيما بينها.. فلولا القرآن الكريم لما بقي من العربية إلا أقل القليل.[6] لذا لا يستبعد أن كثيراً من الألفاظ التي حفظها القرآن الكريم، ولم يعرفها كثير من الناس فظنوها أعجمية، هي عربية في أصلها.
تأمل هذه الإحصائية:
لو قمنا بجمع الكلمات المزعوم أنها معرَّبة، وأكبر إحصاء لها في المهذب للسيوطي بلغ (129) كلمة، ثم بعمل نسبة مع عدد كلمات القرآن الكريم من غير المكرر، وهي: (17458) كلمة ـ بحسب إحصاءات الحاسوب ـ [7] يكون الناتج: (262
,99 %) عربياً أصيلاً يخلو من أدنى شبهة حول أصله.
كل هذا دون حذف الأعلام وما هو عربي أصيل، دلت الدراسات على أصالته..
وهنا الذروة في الفصاحة بأن يوجَد نصٌّ عربي محكم، تحدث عن شتى العلوم الدينية، والقضايا الدنيوية، وآيات الله في الأنفس والآفاق، وتنظيم علاقة الحاكم برعيته، وأحكام الأسرة.. عددُ كلماته غير المكررة (17458) كلمة، ولا يوجد فيه سوى " 738
,0 % " من كل ما زُعِمَ أنه معرَّب!
كيف وإن حُذف منه ما لا يجوز عدُّه من المعرَّب؟
نتائج الدراسة:
1. لا يعيب القرآن الكريم وجود ألفاظ معرَّبة فيه.
2. لا يصح الاحتجاج بالمعرَّب في القرآن الكريم للاستدلال به على دعوى وجود مصدر بشري من المعلمين الأعاجم.
3. الألفاظ المعرَّبة الموجودة في القرآن الكريم عرفتها العرب قبل نزول القرآن بعقود وقرون.
4. عدد الكلمات التي قيل إنها معرَّبة في القرآن الكريم لا تتجاوز ( 5
, 0 %) من مجموع كلماته، فهو بحق "
لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ " [النحل: 103].
------------------------------
[1]) فقه اللغة، الثعالبي، ص267 (الفصل العاشر: في الثياب المصبوغة التي تعرفها العرب)، ووافقه ابن منظور في لسان العرب على معنى: " سام "، انظر: 12 /314 (سوم).
2) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي 16 /360.
3) انظر تفصيل ذلك في كتاب: المعرَّب في القرآن الكريم، محمد بلاسي، ص67-100.
4) انظر تفاصيل البحث في أصل كلمة (غساق): المرجع السابق، ص263-267.
5) لابن فارس 5 /324 (نسأ).
6) انظر: عربية القرآن، عبدالصبور شاهين، ص7.
7) انظر:
http://vb.tafsir.net/tafsir4174/#.VMHBm_mUeSo