امصنصف كريم
Active member
- إنضم
- 12/08/2016
- المشاركات
- 199
- مستوى التفاعل
- 44
- النقاط
- 28
- العمر
- 46
- الإقامة
- المغرب
- الموقع الالكتروني
- sites.google.com
ملحقات تفسير سورة العصر بالتفسير الموسوعي التجارة الرابحة في عصر فساد البلاد وخسر العباد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:ننشر هنا إتماما للفائدة ملحقات بتفسير سورة العصر بتفسيرنا الموسوعي (التجارة الرابحة في عصر فساد البلاد وخسر العباد) والتي ستدرج فيما بعد إن شاء الله -في النسخ القادمة- عما قريب:
الملحق الأول: تفسير سورة العصر للسامرائي
تمهيد: يُقدم الدكتور فاضل السامرائي في تحليله لسورة العصر، عبر قناتي: (نفحات بيانية) و(لمسات بيانية) على يوتيوب في أربعة مقاطع متفرقة ومختلفة، تفسيرًا دقيقًا يكشف عن موقع السورة الفريد وأسرار القسم الإلهي فيها، ودلالات الخسران والنجاة.
أولا: موقع سورة العصر في سياق القرآن الكريم: بين (خسرين) عظيمين
يُشير الدكتور السامرائي إلى أن سورة العصر تأتي بين (خسرين) عظيمين، مما يُبرز أهمية ما أقسم الله عليه فيها ويؤكد أن الإنسان في خسران محاط به من كل جانب. هذا الترتيب طبيعي ومنطقي بحسب التسلسل الزمني للأحداث:
الخسر الأول (ما قبلها): سورة التكاثر
تصف هذه السورة الذين ألهاهم التكاثر بالدنيا حتى زاروا المقابر ويرون الجحيم، ويتجلى هذا الخسر في (رؤية الجحيم).
الخسر الآخر (ما بعدها): سورة الهمزة
تصف هذه السورة الذي جمع مالًا وعدده ويُنبذ في الحطمة، وهذا الخسر هو (النبذ في الحطمة).
يُلاحظ أن هذا الترتيب منطقي؛ فرؤية الجحيم تسبق الدخول فيها أو النبذ فيها. كما أن سورة التكاثر، التي تتحدث عن رؤية الجحيم، تسبقها سورة القارعة التي تصور يوم القيامة حيث يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالصوف المنفوش. وهذا يوضح تسلسلًا دقيقًا للأحداث:
القارعة: الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش.
التكاثر: رؤية الجحيم (الخاسر الأول).
العصر: تأكيد الخسران العام.
الهمزة: النبذ في الحطمة (الخاسر الآخر).
يُظهر هذا التناسق في الترتيب عظمة الإعجاز البياني في القرآن، وأن مفهوم (الخسر) نفسه مرتب بحسب السبق الزمني، مما يجعل موقع سورة العصر بين خسرين (تناسبًا غريبًا).
ثانيا: دلالات القسم بـ(العصر): الشاهد على حقيقة الإنسان
1. العصر بمعنى الدهر والزمان:
الدهر هو الشاهد الأكبر والأدق على ما أقسم عليه الله I، وهو أن الإنسان لفي خسر.
الزمن والتاريخ يشهدان على مصائر الأمم والأفراد، فكثيرون "هلكوا أو قُتلوا أو عُذبوا" من غير المؤمنين، وحتى من عاش حياته ولم يؤمن، كان خاسرًا أيضًا. فالدهر "خير شاهد على حال الخاسرين".
لماذا لم يقسم الله بأوقات أخرى؟!
يتساءل الدكتور السامرائي عن سبب اختيار الله I للقسم بـ(العصر) دون غيره من الأوقات، ويقدم تفسيرات عميقة لذلك:
لو أقسم الله بالفجر أو الضحى، لم تكن لتكون هناك مرحلة كافية للاستشهاد؛ فالناس في بداية يومهم أو وقت الضحى لم تُكشَف حقيقتهم بعد. أما لو أقسم بالمغرب، فلا فائدة من الاستشهاد حينئذٍ؛ فالدنيا قد غربت والناس ذهبوا إلى الحساب.
يُلاحظ وجود تناسب بين القسم بالوقت والأقوام المذكورة بعده: عند ذكر الفجر، ذُكر قوم عاد وهم من أوائل الدنيا بعد نوح. وعند ذكر الضحى، ذُكر قوم ثمود وهم بعد عاد، والضحى بعد الفجر.
2. العصر بمعنى وقت صلاة العصر:
وقت العصر بحد ذاته يُعد مدة كافية من الصباح حتى المساء لكي تتضح حقيقة الإنسان وما آل إليه من أعمال وتصرفات.
الرسول r بُعث وكأن ما بقي من رسالته هو ما بين العصر والمغرب، مما يشير إلى أن هذه المدة كافية للاستشهاد بما وقع فيها من أحداث ودلائل.
لذلك، فإن "أنسب وقت للقسم والاستدلال هو العصر".
ثالثا: دلالات (الخسر) و(الخسار) و(الخسران) في القرآن الكريم
يُقدم الدكتور فاضل السامرائي تحليلًا لغويًا عميقًا للفروقات الدقيقة في استخدام القرآن لهذه المصطلحات الثلاثة، مستعرضًا السياق الذي ترد فيه كل كلمة ودلالتها المحددة، مما يكشف عن إعجاز بياني:
1. (الخسر):
التعريف والدلالة: يُستعمل (الخسر) لعموم الخسارة، سواء كانت قليلة أو كثيرة؛ أي مطلق الخسارة. ويعني التعبير ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ أن الإنسان "ساقط في الخسر... في لجة في الخسر"، مما يدل على أن الإنسان في أصل حياته، من حين التكليف إلى مماته، هو في حالة خسران مستمر إلا من استثناهم الله.
النقص والزيادة: "فكل إنسان هو في خسر قليل أو كثير إلا من اتصف بأربع صفات". وكل نقص في هذه الصفات الأربع يسبب خسرانًا بمقداره.
يوم القيامة: حتى المؤمن يشعر يوم القيامة أنه "خسر شيئًا كان ممكن أن يستزيد من الشيء ولم يفعله".
2. (الخسار):
التعريف والدلالة: لا يستعمل القرآن كلمة (الخسار) إلا للدلالة على الزيادة في الخسارة أو تراكمها. بمعنى أن الشخص كان خاسرًا، ثم زادت خسارته وتضاعفت.
أمثلة قرآنية: ﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82] و﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا٣٩﴾ [فاطر: 39].
الملاحظة اللغوية: "تلاحظ زاد الألف الخسار زيادة الألف على الخسر". وهذه الزيادة في المبنى (حرف الألف) تقابلها زيادة في المعنى (زيادة الخسارة).
3. (الخسران):
التعريف والدلالة: يدل (الخسران) على أكبر الخسارة وأعظمها؛ إنه أعلى درجة في الخسران.
أمثلة قرآنية: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج: 11] و﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر: 15]. هذه الخسارة كلية للدين والدنيا والآخرة.
الملاحظة اللغوية: "لما زاد الخسران زاد ألف ونون". زيادة الألف والنون في (الخسران) تدل على عظم الخسارة وكمالها.
خلاصة دلالات الكلمات: يمكن تلخيص العلاقة بين هذه المصطلحات بأن (الخسر) هو الخسارة المطلقة والعامة (البداية)، و(الخسار) هو الزيادة في هذه الخسارة، بينما (الخسران) هو أعظم وأكبر درجات الخسارة.
رابعا: الاستثناء من الخسران و[سبل] النجاة
بعد أن أقسم الله على أن الإنسان لفي خسران، استثنى الله I من هذا الخسران فئة معينة، وهي أربع صفات أساسية للنجاة:
1. الذين آمنوا: أي الذين صدقوا بالله ورسله وشرعه.
2. وعملوا الصالحات: أي قاموا بالأعمال الصالحة التي أمر بها الله.
هذان الشرطان يمثلان "تكميل النفس"، وهو الجانب الفردي الذي يخص صلاح الإنسان لذاته.
3. وتواصوا بالحق: أي أوصى بعضهم بعضًا بالحق، وهو كل ما فيه خير وعدل.
الحاجة إلى الصبر: التواصي بالحق قد يولد مشاكل؛ فالحق قد يكون مرًا، والتواصي به قد يؤدي إلى غضب الآخرين أو أذاهم، مما يستلزم الصبر من الموصي والموصى إليه.
4. وتواصوا بالصبر: أي أوصى بعضهم بعضًا بالصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة.
شمولية الصبر: لم يُقيّد الصبر بنوع معين، فهو يشمل "الصبر على الشهوات... والصبر على الطاعات... والصبر على أذى الآخرين والصبر على الابتلاء".
العلاقة بالحق: مجيء (التواصي بالصبر) بعد (التواصي بالحق) يدل على أهميته كملازم للحق، لأن التواصي بالحق قد يؤدي إلى الأذى أو الهلكة، مما يستدعي الصبر.
هذان الشرطان يمثلان "تكميل الغير وبناء المجتمع"، حيث الإنسان ليس مطالبًا فقط بأن يكون صابرًا أو على حق، بل يجب عليه أن يوصي غيره بذلك.
كلمة (تواصوا) تحمل معنى المشاركة والتفاعل الإيجابي، أي "يوصي بعضهم بعضًا". وهذا يعني "لا توجد فئة محددة توصي فئة معينة"، بل الجميع يوصي بما يعلم من الحق والصبر، و"على بصيرة"، بهدف "بناء المجتمع".
دلالة تكرار (تواصوا بـ):
يلاحظ الدكتور السامرائي أن القرآن لم يقل (وتواصوا بالحق والصبر) أو (وتواصوا بالحق وبالصبر)، بل كرر الفعل وحرف الجر (تواصوا بـ... وتواصوا بـ...). هذا التكرار ليس مجرد تكرار لفظي، بل هو "أعلى الاهتمامات" ويحمل "دلالة مؤكدة" على أهمية كل من الحق والصبر بشكل منفصل ومستقل، وأن كلاهما أساسي في بناء المجتمع الصالح.
خامسا: الفرق بين سورة العصر وسورة التين:
سورة التين ذكرت: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين: 6] كشرط للنجاة من (أسفل السافلين) ودخول الجنة، ولم تذكر التواصي. يوضح الدكتور السامرائي أن هذا يمثل "الحد الأدنى" الذي يكفي لإخراج الإنسان من دركات النار وإدخاله الجنة.
أما سورة العصر فتضيف "التواصي بالحق والتواصي بالصبر". هذا يدل على أن من يكتفي بالإيمان والعمل الصالح (كما في التين) وينجو من النار ويدخل الجنة، فإنه قد يكون قد "خسر شيئًا كان ممكن أن يحصل عليه لو كان فعل أكثر". فالتواصي بالحق والصبر هو من الحسنات التي يمكن للمؤمن أن يستزيد منها ليحقق الربح الكامل في الآخرة، وتجنب أي شكل من أشكال (الخسر) الذي يمكن أن يطاله بسبب نقص عمله، حتى لو لم يؤدِ ذلك إلى دركات النار.
انتهى -بتصرف- ملخصا مهذبا مقربا
الملحق الثاني: تفسير: الإنسان بين الربح والخسارة في ضوء سورة العصر أذ. عبد الرزاق حسين أحمد
نذكر هنا من تفسير الشيخ بعض الزوائد التي لها علاقة بأسرار ولطائف بيانية.
أسرار ولطائف بيانية في قوله تعالى: "إن الإنسان لفي خسر"
- التنكير في قوله "خسر" يجوز أن يكون للتعظيم والتهويل، والمعنى أن الإنسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلا الله. ويجوز أن يكون للتنويع، أي نوع من الخسران غير ما يعرفه الإنسان.
- يلاحظ أن "الخسر" هنا أدق من لفظ "النقص"؛ لأن الخسر فيه مبالغة في تحقيق معنى النقص وتنوع جهاته. وفيه إشعار بذهاب رأس المال بالكلية، وهو ما أشار إليه البغوي في التعريف الاصطلاحي للخسر.
أسرار ولطائف بيانية في قوله تعالى: "إلا الذين آمنوا"
الفرق بين الإيمان والإسلام: إذا ذُكرا مجتمعين افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. فإذا اجتمعا، صار الإيمان للأعمال الباطنة، والإسلام للأعمال الظاهرة.
المفرد والجمع: السورة تحدثت عن الإنسان بصيغة المفرد ("الإنسان") ثم استثنت الناجين بصيغة الجمع ("الذين آمنوا"). وهذا للدلالة على أن النجاة ليست فردية، إنما هي مع الجماعة المسلمة، فالمرء ضعيف بمفرده، قوي بإخوانه.
اختيار اللفظ: لم يقل الله عز وجل في ذكر أهل الإيمان: "إلا المؤمنين" بصيغة الاسم، وإنما ذكر بلفظ "الذين آمنوا"؛ وذلك لحث الإنسان الذي قد أحيط به الخسران من كل الجوانب على إحداث الإيمان وتجديده.
أسرار ولطائف بيانية في قوله تعالى: "وعملوا الصالحات"
لفظ "العمل": أعم من الفعل والكسب؛ لأنه يشمل الفعل والقول.
الفعل الماضي: اختيار الفعل الماضي "وعملوا" للدلالة على التحقيق، بمعنى أن الذي سينجو من الخسر من قد عمل الصالحات، لا من في نيته أن يعملها.
عدم ذكر سبب الخسر: لم يذكر الله سبب الخسران؛ لأن الخسر يحصل بالفعل (الإقدام على المعصية) وبالترك (عدم الإقدام على الطاعة). أما الربح فلا يحصل إلا بالفعل.
أسرار ولطائف بيانية في قوله تعالى: "التواصي بالحق"
أهميته: ذكر التواصي بالحق بعد الإيمان والعمل الصالح يدل على أن المنهج الرباني ليس مقصورًا على الصلاح الذاتي فحسب، بل يتعداه إلى الإصلاح الجماعي.
لماذا ذُكر التواصي بالحق بعد العمل الصالح مع كونه منه؟: هو من أفضل الأعمال الصالحة، وذُكر إفرادًا لأهميته والتأكيد عليه. يقول ابن عاشور: "عطف الخاص على العام للاهتمام به؛ لأنه قد يُغفل عنه ويُظن أن العمل الصالح هو ما أثره عمل المرء في خاصته، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشاد المسلم غيره ودعوته إلى الحق".
صيغة الجمع: مجيء لفظ "التواصي" بصيغة الجمع يدل على أهمية الاجتماع في أمور الدعوة إلى الله، وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. التعاون والتكاتف والائتلاف من صفات الجماعة الرابحة.
الأفعال في السورة جاءت بصيغة الماضي ("آمنوا"، "عملوا"، "تواصوا")، وهذا يدل على أن الذي سيربح وينجو هو من قام بهذه الأفعال، لا من يحدث نفسه بالقيام بها.
أسرار ولطائف بيانية في قوله تعالى: "وتواصوا بالصبر"
لم يقل "ويتواصون"؛ لئلا يقع أمرًا، لأن الغرض مدحهم بما صدر عنهم في الماضي، وذلك يفيد رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل.
في آية البلد ذكر الله الصبر مع الرحمة وأخرها عليه، بينما في سورة العصر ذكر الحق مع الصبر وقدمه عليه. ذكر الرحمة مناسب لجو سورة البلد التي ذكر فيها الرق واليتيم والمسكنة. بينما ذكر الحق مناسب لجو سورة العصر التي ذكر فيها خسران الإنسان عمومًا، والاستثناء منها لا يكون إلا لمن عرف الحق.
- اهـ -