ملاحظة في تفسير ( وكهلاً ) في تفسيرين مختصرين معاصرين

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
كنت ، ولا زلت أنظر في تفسيرات القرآن المختصرة ، وأسبر غورها ، وأستفيد من مناهجها ، ومن طريقة سبك العبارة فيها ، ولقد رأيت أن من الصعوبات التي تواجه المختصِر الذي يريد تقريب المعنى للقارئ بعبارة ( سهلة موجزة ) = سبك التفسير بعبارة واضحة سهلة موجزة ، لا يحتاج القارئ بعد قراءتها إلى سؤال عن المعنى .
وقد يحسب بعض طلبة العلم أن سبك التفسير بأسلوب مختصر أمرًا سهلاً ، وليس هو كذلك ، وإن كان في بعض المواطن ممكنًا بلا عُسرٍ .
وإن من أكبر ما يواجه من يكتب التفسير على وجه الاختصار ، مبتعدًا عن ذكر الأقوال ، حريصًا على الجمع بينها ما أمكن ؛ إن من أكبر ما يواجهه هو سبك هذه الأقاويل بعبارة تدل على هذه الأقوايل ، وتُلِمُّ بمعنى الآية إلمامًا واضحًا مفهومًا .
وهناك أمر آخر يرتبط بتفسير المفردة القرآنية ، ومنها : أن يكون المراد منها التفسير السياقي لا اللغوي ، فيترك المفسِّرُ المعنى اللغوي الذي قد يكون القارئ بحاجة إليه ؛ ليعرف وجه القول في التفسير السياقي ، أو يكون معنى اللفظ مرتبطًا بعدد يحسن ذكره ، كقوله تعالى : ( والقمر إذا اتسق ) أي إذا كان في ليلة (الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) ، وهو ما عبَّر عنه بعضهم : إذا اكتمل ، أو إذا صار بدرًا .
والمقصود أننا بحاجة إلى تقعيد أصول للاختصار السهل الذي لا يُخلُّ بالمعنى ، ولا يزيد في ألفاظ التفسير عبارات لا داعي لها كبعض العبارات الإنشائية التي يمكن أن يستغني عنها التفسير .
وهذا الموضوع طويل ، وهو يحتاج إلى بسط أكثر ، وإنما دعاني إليه مثال راجعته في تفسيرين مختصرين متميزين معاصرين :
التفسير الأول : ( المنتخب في تفسير القرآن الكريم ) وهو من تأليف لجنة من علماء الأزهر ، وقد طبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر .
والتفسير الثاني : ( التفسير الميسر ) ، وهو من تأليف نخبة من العلماء بإشراف معالي الدكتور عبد الله التركي ، وقد طبعته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المملكة العربية السعودية .
وهذا المثال هو تفسيرهم للفظ ( وكهلاً ) الوارد وصفًا لعيسى ـ عليه السلام ـ في موطنين ، وقد ورد عنهم الآتي :
الموطن الأول : قوله تعالى : ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (آل عمران : 46 ) .
المنتخب : وميَّزه الله بخصائص ، فكان يكلم الناس وهو طفل فى مهده كلاماً مفهوماً حكيماً ، كما يكلمهم وهو رجل سوى ، من غير تفاوت بين حالتى الطفولة والكهولة . وكان ممن منحهم الله الصلاح .
التفسير الميسر : ويكلم الناس في المهد بعد ولادته, وكذلك يكلمهم في حال كهولته بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد, وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله.
الموطن الثاني : قوله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) ( المائدة : 110) .
المنتخب : وفى ذلك الوقت ينادى الله عيسى ابن مريم من بين الرسل فيقول له : اذكر ما أنعمت به عليك وعلى أمك فى الدنيا ، حينما ثَبَّتُك بالوحى وأنطقتك وأنت رضيع بما يُبَرِّئُ أمك مما اتُّهمت به ، كما أنطقتك وأنت كبير بما قد أوحيت إليك
التفسير الميسر : إذ قال الله يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك إذ خلقتك من غير أب, وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء العالمين, وبرأتها مما نُسِب إليها, ومن هذه النعم على عيسى أنه قوَّاه وأعانه بجبريل عليه السلام, يكلم الناس وهو رضيع, ويدعوهم إلى الله وهو كبير بما أوحاه الله إليه من التوحيد .
وإذا تأملت تفسير ( كهلاً ) وجدت أن أصحاب التفسير الميسر في الموطن الأول لم يفسروه ، بل أعادوا اللفظ القرآني كما هو ، والمراد منه غير متبيِّن ، وأما في الموطن الثاني فقد اتفقوا مع ( أصحاب المنتخب في تفسير القرآن ) في كونه يكلم الناس كبيرًا ـ وكذا قال أصحاب المنتخب في الموطن الأول ـ غير أن الوصف بكونه كبيرًا لا يحدد بالدقة وقت الكهولة ، فمرحلة المهد معروفة بينة ، لكن متى هي مرحلة الكهولة ؟
لو سألت بعض طلبة العلم اليوم عنها لقال لك : أي شيخًا كبيرًا ، لما جرت عادة الناس من وصف الشيخوخة بالكهولة ، والغالب في وصف مرحلة الكهولة دون ذلك السِّن ؛ فقيل : ثلاثين سنة ، وقيل ثلاث وثلاثين سنة ، قال الأزهري : ( قيل له حينئذ : كهل ؛ لانتهاء شبابه ، وكمال قوَّته ) .
وهذه المرحلة هي ابتداء الكهولة ، وإن كان قد يطلق على من فوق هذه إلى الخمسين كهلاً ؛ كما ذكر الأزهري قول الشاعر :
هل كهل خمسين إن شاقته منْزلة *** مُسَفَّهٌ رأيهُ فيها ومسبوبُ​
قال : فجعله كهلاً ، وقد بلغ الخمسين .
، وقال الليث : الكهل الذي وخطه الشيب .
حكى ذلك كله الأزهري في مادة ( كهل ) .
وإذا كان عيسى قد رُفِع ـ كما حُكي ـ وهو في سن الثلاثين أو فويقها ـ فإن الكهولة التي كان يكلم الناس فيها ، وهم مشاهدون لها قبل رفعه إنما هي في هذا السنِّ ، فلو أضيف إلى قولهم ( كبيرًا ) عبارة ( في السن الثلاثين وفويقها ) لكان أوضح لمعنى ( وكهلاً ) ، والله الموفق .
ولعل الله ييسر عودة إلى بعض مشكلات التفاسير المختصرة إن شاء الله .
 
الحمد لله ، وبعد ..

ماشاء الله لا قوة إلا بالله .

نعم هكذا عوَّدتمونا أيها الشيخ المفضال درراً وجواهر غالية ، تدل على نظر ثاقب ، وفكر متنورٍ .

فتح الله عليكم ، وزادكم بسطة في العلم .

وإلى مزيد من الفتح والفوائد والتمحيص .


محبكم
 
شكراً دكتور مساعد على هذا الطرح ،واسمح لي بهذه المداخلة :
أولاً:
لو أخذنا التفسيرين كليهما في الآيتين لوجدنا الآتي :
تذكير سيدتنا مريم بأن الله تعالى يبشرها بعيسى عليه السلام وأنه "يكلم الناس في المهد وفي حالة الكهولة"،هذا في آية سورة "آل عمران"
أما في آية سورة "المائدة" :فالخطاب موجّه إلى سيدنا عيسى عليه السلام يذكّره بهذه النعم من الله عليه ،وهنا نلاحظ شيئين رئيسين وهما :
1- السياق في الموضع الأول سياق في المستقبل ؛هكذا :
"يبشرك " و"يكلم " و"يعلمه " ،أما في الموضع الثاني فالسياق "ماضي" :اذكر إذ "أيدتك" و"إذ علمتك "000
وهذا نفهم منه أن كلام يوسف عليه السلام قد "حدث" بغض النظر عن المعنى اللغوي للكهولة 0
2- أن آية "آل عمران " الحديث فيها "موجّه " لمريم عليها السلام ،وهذا واضح لا إشكال فيه 0
أما آية "المائدة" فالحديث "موجّه " لسيدنا عيسى عليه السلام ،وهذا أيضاً واضح ،لكن فيه استفسار عندي وهو : أن كل النعم المذكورة في الآية والآيات بعدها إنما هي نعم لسيدنا عيسى عليه السلام لا تشاركه فيها مريم عليها السلام والاستفسار عندي هو :"ما هو وجه ذكر قوله تعالى "وعلى والدتك " مع أنه ليس هنا –حسب ما يظهر لي –شيء مما هو لها 0
ثانياً :
بالنسبة – مع تحفظي على هذا اللفظ لغوياً- لكلمة "كهلاً " في سورة "آل عمران" ما مدى قوة قول الفراء والأخفش رحمهما الله تعالى عندما قالا إن "كهلاً " عطف على "وجيهاً " ،فهو يظهر أنه قول له أهمية ،لكن لم أستطع توضيح ذلك الآن بعبارة علمية 0
ثالثاً:
هل اختلاف السياق في الآيتين له مراعاة في التفاسير المختصرة التي اطلعتم عليها أم لا ؟
 
الشيخ السالم وفقك الله
أشكر لك مداخلتك العلمية ، لكن هل هناك اعتراض على ما ذكرته من تفسير الكهل من جهة اللغة ، وكذا هل هناك اعتراض على الملحوظة التي ذكرتها على منهج الاختصار في التفسير ، أو أن مداخلتك في موضوع يتعلق بسياق الآيتين ؟
 
عفواً د/مساعد حفظك الله :
المداخلة متعلقة ب "سياق الآيتين " + طلب رأيكم الكريم في إعراب "وكهلاً" على أنها "عطف على "وجيهاً " حسب رأي الفراء ،والمطلوب الرأي "التفسيري " وليس "النحوي" 0
هذا ؛وقد طرأ لي هذا القول الآن وأنا أحرر هذا الكلام وهو :
ألا يمكننا القول بأن "وكهلاً" يراد بها وقت آخر وهو الوقت الذي يهبط فيه عيسى عليه السلام آخر الزمان ،إذ ليس في الآية ما يدل على أن المراد هو كلامه لأهل عصره ،بل كلمة "الناس " عامة فلا تخصص إلا بدليل 0
أقول هذا وأستغفر الله إذا كان غير صحيح لأني لم أبحث بعد في كتب التفسير هل قال به أحد أم لا 0
 
السلام عليكم

ملاحظة أخي الكتور مساعد قيّمة جدا---


وملاحظة أخي الأستاذ الجكني أثمنها كثيرا من حيث قوله (أقول هذا وأستغفر الله إذا كان غير صحيح لأني لم أبحث بعد في كتب التفسير هل قال به أحد أم لا )

فالمنهج الأصوب هو في ثنايا عبارته والتي تعني عدم تجرؤه على قول قول دون أن يكون لقوله سند من كلام أئمة سابقين

وعندنا في القدس الشريف شخص يدّعي أنّ كلامه أمتن من كلام إبن عبّاس ولا يأخذ بأي كلام لمفسّر فيأتينا بالعجب العجاب


وقد تكلّم الرازي بما تفضل بع الأستاذ الجكني إذ نقل قولا فيه نفس ما أراد


قال
(والجواب: من وجهين الأول: بينا أن الكهل في أصل اللغة عبارة عن الكامل التام، وأكمل أحوال الإنسان إذا كان بين الثلاثين والأربعين، فصح وصفه بكونه كهلاً في هذا الوقت والثاني: هو قول الحسين بن الفضل البجلي: أن المراد بقوله { وَكَهْلاً } أن يكون كهلاً بعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان، ويكلم الناس، ويقتل الدجال، قال الحسين بن الفضل: وفي هذه الآية نص في أنه عليه الصلاة والسلام سينزل إلى الأرض.)

وسوف أنقل هذا الرابط كله إلى موقع تفسير أشرف عليه تقديرا منّي لمداخلات الأعضاء فيه
 
فتح الله عليك أخي جمال ،فوالله فرحي بما نقلته من تفسير الإمام الرازي لا يوصف ،لأني كتت ما كتبت وقلت إذا رجعت بعد الصلاة إن شاء الله سأبحث المسالة وأعطيت لنفسي (4) أيام وإلا سأطلب من الإخوة حذف المشاركة ،فالحمد لله ،ثم شكراً لك فقد أسديت إلي جميلاً أقله "وفّرت " علي جهد هذه الأيام في هذه المسألة 0
تمنياتي لك بالتوفيق والسداد ،وفتح عليك ويسر لك أمرك وحقق لك مبتغاك ورجاك 0
 
لما جررتنا إلى اقتناص الفوائد في هذا الموضوع أيها الشيخ الجكني الفاضل ، فلا بأس بإيراد بعض اللطائف من تفاسير الأئمة ، ومنها ما قاله الطبري في سبب ورود كلامه في حال الكهولة ، مع أن الأصل كلامه في ذلك الوقت كغيره من الناس ، قال :
( وأما قوله:"وكهلا"، فإنه: وُمحتَنِكًا فوق الغُلومة، ودُون الشيخوخة، يقال منه:"رجل كهل = وامرأة كهلة"، كما قال الراجز:
وَلا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيَّا... أُمَارِسُ الكَهْلَةَ وَالصَّبِيَّا
وإنما عنى جل ثناؤه بقوله:"ويكلم الناسَ في المهد وكهلا"، ويكلم الناس طفلا في المهد = دلالةً على براءَة أمه مما قَرَفها به المفترون عليها، وحجة له على نبوّته = وبالغًا كبيرًا بعد احتناكه، بوحي الله الذي يوحيه إليه، وأمره ونهيه، وما ينزل عليه من كتابه.
وإنما أخبر الله عز وجل عبادَه بذلك من أمر المسيح، وأنه كذلك كان، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخًا = احتجاجًا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطلَ، وأنه كان = [منذ أنشأه] مولودًا طفلا ثم كهلا = يتقلب في الأحداث، ويتغير بمرُور الأزمنة عليه والأيام، من صِغر إلى كبر، ومن حال إلى حال = وأنه لو كان، كما قال الملحدون فيه، كان ذلك غيرَ جائز عليه. فكذّب بذلك ما قاله الوفدُ من أهل نجران الذين حاجُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، واحتج به عليهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم، كما:-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين": يخبرهم بحالاته التي يتقلب بها في عمره، كتقلب بني آدم في أعمارهم صغارًا وكبارًا، إلا أن الله خَصّه بالكلام في مهده آيةً لنبوته، وتعريفًا للعباد مواقع قدرته.
 
ما ذكر الشيخ جمال الشرباتي نقلاً عن الإمام الرازي ( رحمه الله تعالى ) قد قال به من أعلام مفسري أتباع التابعين عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ( رحمهم الله تعالى ) ، وقد نقل ذلك عنه الطبري ، فقال :
( وقال آخرون: معنى قوله:"وكهلا"، أنه سيكلمهم إذا ظهر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته - يعني ابن زيد - يقول في قوله:"ويكلم الناس في المهد وكهلا"، قال: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذ كهلٌ ) .
 
جزيت خيراً و (0000راً) أستاذنا الفاضل،وما أنا لكم إلا كمن يجلب التمر لأهل هجر،على حد قولهم 0
 
ماشاء الله لا قوة إلا بالله .

نعم هكذا عوَّدتمونا أيها المشايخ الفضلاء ..

فأساله تعالى أن يفتح علينا وعليكم ، ويزيدنا واياكم بسطة في العلم .

وإلى مزيد من الفتح والفوائد والتمحيص ..
 
عودة
أعلى