مقود(محور) سورة يوسف دراسة مقارنة (الجزء الثاني)

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
تنبيه : هناك ألوان في البحث توضح الموضوع قد حذفت في هذا الموقع (ينظر فيس :علي هاني العقرباوي) هناك نسخة ملونة
  1. المبحث الخامس: دلالة الألفاظ والتراكيب التي انفردت بها السورة، والتي كثر دورها في السورة على مقصودها.
عندنا جهتان في مقصود السورة كما تقدم، ونجد أن الانفرادات في السورة الكريمة تشير إشارة واضحة إلى كلا الجانبين من المقصود بدقة وإليك بيان ذلك:
  • الجانب الأول:"وهو إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم".
"قال د. عمر عرفات: من لطائف هذه السورة أنها تميزت بعدد من الأمور تؤكد المحور المذكور ودلالة اسم السورة عليه، ومن ذلك:
1)أولًا: قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} ِ[آية:3] ذكر هنا فقط بهذه الصيغة.[1]
2) ثانيًا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] لم ترد في موضع آخر".[2]
يقول علي هاني: يلاحظ أنَّ هاتين الآيتين تلخصان الجهة الأولى من مقصود السورة، وهذا قد شرحته في المبحث السابق" دلالة بداية السورة وخاتمتها على مقصودها".

  • ب‌- الجانب الثاني وهو: "بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين ".
" جاء في (دلالات الألفاظ التي انفردت بها سورة يوسف في ضوء وحدتها الموضوعية) للدكتور الفاضل جهاد نصيرات، وأحمد حسين:

الألفاظ التي استقلت بها سورة يوسف عن غيرها من السور، ولم ترد إلا مرة واحدة فقط، ولم يشتق من جذرها اللغوي سواها ثلاث عشرة كلمة مرتبة على النحو الآتي:
  1. اطرحوه: وردت في قوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [آية:9].
  2. يرتع: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [آية:12].
  3. دراهم، الزاهدين: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [آية:20].
  4. : غلقت: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [آية:23]
  5. هيت: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [آية:23].
  6. شغفها: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آية:30].
  7. خبزًا: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [آية:36].
  8. حصص: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [آية:51].
  9. نمير: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [آية:65].
  10. صواع: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [آية:72].
  11. تفتأ: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [آية:85].
  12. تفندون {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [آية:94].[3]
يقول علي هاني: هنا شيء عجيب أشارت له هذه الانفرادات، فكل منها يشير إلى مرحلة من مراحل حياة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ ابتلاءً وفرجًا بغاية الاختصار:
  1. فكل من {اطرحوه}، {يرتع} تشير للكيد به من جهة إخوته وشدة حقدهم ومكرهم وخداعهم، وهذا بعينه ما كان عليه أهل مكة.
  2. وكل من {دراهم، الزاهدين} يشير إلى فتنة إبعاده عن أهله ووطنه وبيعه وتغريبه.
  3. كل من {غلقت، هيت، شغفها} يشير إلى فتنة جديدة وهي شدة عشق امرأة العزيز له، وشدة كيدها لإيقاعه في الفاحشة معها.
  4. وكلمة {خبزًا}: تشير إلى فتنة السجن، وإحسان يوسف عليه السلام فيه وتعليمه التأويل.
  5. وكلمة {حصص}تشير إلى الفرج الذي حصل لسيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ وانكشاف الحقيقة بعد هذه السنين الشديدة.
  6. وكلمة {نمير} تشير إلى مرحلة حكم سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ وتمكينه، ومجيء إخوته محتاجين له.
  7. صواع: تشير لكيده لأخذ أخيه، ووقوع إخوته في الكرب.
  8. تفتأ: تشير إلى شدة محنة يعقوب عليه السلام، واشتداد الكرب به إلى الغاية ثم أعقبها الفرج.
ومن يتأمل هذه الانفرادات المختارة بدقة يرى أنها تلخيص للقصة بأوجز ما يمكن مشيرةً إلى كل مرحلة منها، وهي موزعة توزيعًا متناسبًا على جميع مراحل القصة، مشيرة للجزء الثاني من مقصود السورة الذي هو:" بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين "."، فلله در شأن التنزيل.
ومما كثر دوره في السورة ما ذكره سيد قطب حيث قال: "وفي هذه السورة - كما في السور القرآنية الأخرى - تتكرر تعبيرات معينة، تؤلف جزءًا من جو السورة وشخصيتها الخاصة، وهنا يرد ذكر العلم كثيرًا، وما يقابله من الجهل وقلة العلم في مواضع شتى"[4]، يقول علي هاني: ونركز منها على جانبين:

  • الجانب الأول: الآيات التي فيها التركيز على علم الله تعالى وحكمته:
  1. {وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [آية:6]
  2. {فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آية:34]
  3. {قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ} [آية:77]
  4. {يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [آية:83]
  • الجانب الثاني: الآيات التي فيها: إعطاء الله تعالى العلم لسيدنا يعقوب ويوسف ـ عليهما السلام ـ لإحسانهما ورعاية الله تعالى لعباده الصالحين المحسنين، وفي المقابل ذكر أنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون.
  1. {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [آية:21]
  2. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [آية:22]
  3. {قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [آية:37]
  4. {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [آية:68]
  5. {قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [آية:86]
  6. {قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [آية:96]
  7. {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} [آية:101]
ويلاحظ من هذه الآيات إلى أنها أشارت إشارة واضحة لمقصود السورة:
  • فالجانب الأول: ذكر فيه أن الله تعالى العليم هو الذي يجتبي من هو أهل لذلك من المحسنين، ويعلمه العلم كتأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليه، وهو الذي يستجيب الدعاء، وهو الذي يفرج الكروب، ويصرف الكيد ويَعْلَم بالكذب والافتراء من أعدائهم، وهذا يتناسب مع مقصود السورة من: إثبات تعليمِ العليمِ النبيَّ المحسنَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن َ، واجتبائِه، ثم صرفِ الكيد والافتراء عنه، وتفريجِ همومِه ثم تمكينه، وهذا ملخص مقصود السورة .
  • وفي الجانب الثاني: ذكر فيه تعليم العليم تعالى تأويل الأحاديث والحكُم والعلم ليوسف ويعقوب ـ عليهما السلام ـ لإحسانهما.
وهذا يشير إلى جانب من مقصود السورة وهو أن الله تعالى هو الذي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن والحُكْم كما عَلَّم يوسف ويعقوب ـ عليهما السلام ـ العلم وآتاهما الحكم، فتعليمه ـ عليه السلام ـ لذلك ليس بدعًا، ففيه ثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ من الله تعالى دعوةً له وردًا على من جحده وأشرك وكذب أن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم.
فانظر إلى هذه الدقة القرآنية العالية في اختيار الألفاظ، والتعبيرات التي تناسب موضوع السورة، فلكل سورة موضوعها وجوها وجرسها وألفاظها.
  1. المبحث السادس: العلاقة بين سورة يوسف وهود يشير لمقصود السورة.
بين سورة هود ويوسف علاقات وارتباطات كثيرة كما هو الشأن بين كل سورتين متجاورتين في القرآن الكريم، وإليك جدولًا يوضح بعض العلاقات بين السورتين ثم شرحها:














[TABLE="class: MsoTableGrid, align: right, width: 766"]
[TR]
[TD]1ـ {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }[آية:1][/TD]
[TD]{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آية:13]

[/TD]
[TD]{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}.[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]3ـ {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (49)[/TD]
[TD]{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD] [/TD]
[TD]{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[110][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD] [/TD]
[TD]{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (3)[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]4ـ {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (120)[/TD]
[TD]{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]5ـ {لَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود:12][/TD]
[TD]{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]6ـ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]، {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73]،[/TD]
[TD]{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف:6][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD] [/TD]
[TD] [/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]7ـ {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115]،[/TD]
[TD]{قَالُوا أَءِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]
{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:22].
{وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}.
{قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]
  1. في بداية السورتين افتتحت السورة بالأحرف المقطعة الدالة على إعجاز القرآن الكريم، وأنه من عند الله تعالى لا مفترى من عند الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما بقول الكافرون، وفي ضمنها تحدٍّ للعرب أن يأتوا بمثله فهو مكون من جنس أحرفهم ثم مدح القرآنَ وآياته، ففي سورة هود: { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }[آية:1]، وفي سورة يوسف: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}[الآيات:1ـ3]
وفي سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آية:13] {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)} ففيها تحدٍّ للناس أن يأتوا بمثله، وتدل على أنَّ القرآنَ من عند الله تعالى لا مفترى.
وفي خاتمة سورة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}.
  1. في كلتا السورتين الاستدلال على كون القرآن الكريم وحيًا من الله تعالى، وأنه لا يمكن أن يكون من النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وفيهما الاستدلال بقص أخبار الغيب والأمم الضاربة في التاريخ من النبي الأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لم يقرأ على أحد من العلماء، وهو أمي ـ صلى الله عليه وسلم:
  • ففي آخر قصة نوح ـ عليه السلام من سورة هود: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
  • وفي آخر سورة يوسف: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102].
  • وفي أول سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (3).
يلاحظ التوافق والتكامل، فكل آية ذكرت جهة من الدليل على أن مَنْ قَصَّ هذه الأنباءَ هو الله تعالى، وليس من عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإذا جمعنا هذه الآيات الثلاث على حسب ترتيبها في المصحف تحصل الصورة كاملة عندنا:
مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ـ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ـ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ.

  • الآية الأولى تقرر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جميع فترات ما قبل مجيء الوحي لم يكن يعلم قصة نوح ـ عليه السلام ـ وتفاصيلها لا هو ولا قومه.
  • والآية الثانية تقرر أن القرآن أوحي للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقص عليه قصة يوسف ـ عليه السلام ـ وقد كان في جميع فترات ما قبل وحيِ القرآنِ وقصِّ القصصِ عليه من الراسخين في الغفلة عن الوحي ، وأنها لم تخطر في ذهنه ولا سمعها ولا تعلمها ولا قرأها فهو الأمي صلى الله عليه وسلم.
  • والآية الثالثة تقرر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن حاضرًا في زمن يوسف ـ عليه السلام ـ حتى يعلم هذه القصة.
وبهذا اكتملت الصورة في بيان أن القرآن الكريم من عند الله تعالى، وهو الجانب الأول من مقصود سورة يوسف ـ وهو " إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم".
وهذه طريقة القرآن الكريم، التكاملية في عرض موضوعاته، فكل سورة تكمل ما تركته أختها، وكل سورة تعرض جزءًا من المشهد، وهكذا إلى ختام القرآن الكريم، حيث تتكامل الصورة كاملة بسورة الناس، وتبنى عقائد المؤمن وتصوراته بطريقة عجيبة من الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
وقد اعتنى ببيان هذا الفن الإمام البقاعي، وشرحَ منهجَ البقاعي صاحبُ كتاب " العزف على أنوار الذكر"، واعتنى به " أبو جعفر بن الزبير "ثم " سعيد حوى"، وقد وضح مذهبه كتاب" نظرية الوحدة الموضوعية من خلال كتاب الأساس في التفسير لسعيد حوى" ، والمجال مفتوح فيه للباحثين لكشف أسرار ترتيب القرآن المعجز ، لا سيما بإدخال الوسائل الإلكترونية.
ولا بد من الاعتناء بدراسة الألفاظ المتشابهة في السورة الواحدة والعلاقات بينها ، ثم الألفاظ والتراكيب المتشابهة في جميع سور القرآن ودراسة العلاقة بينها ، ففيها كشف لأسرار لا تتناهى ، وفيها عون على تفسير القرآن بالقرآن وفيها فتح مجال أوسع لأدلة التفسير، مع الاعتناء بجمع جميع ما قاله علماء التفسير في الربط والعلاقات بين الآيات والسور ، مع مزجه بما ذكره علماء البديع لا سيما أوسع كتاب في هذا الفن وهو" أنوار الربيع في أنواع البديع" لـ"صدر الدين المدني"، وبما ذكره ميشيل كويبرس[5] في كتبه حيث يدرس النص بطريقة ما يسمى بـ(التحليل البلاغي )،أو( التحليل البنائي)أو (التحليل على الطريقة السامية )، أو (فن تركيب الخطاب) وهي طريقة عجيبة جدًا ، وبهذا تتكشف أسرار لا حصر لها ، وتظهر الصورة الكاملة للتناسق القرآني المعجز ، فإذا كانت الطبيعة الخلابة التي هي من صنع الله تعالى بينها غاية التناسق لا سيما في وقت الربيع، فكيف بكلام الله الذي هو صفته ؟!
ثم إذا نظرنا في الآيات السابقة:
{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49]
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف:3]
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102].
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(109)لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}[يوسف:110]
الآية التي في سورة هود (49) جاءت تعليقًا على قصة نوح ـ عليه السلام ـ في خاتمتها، وآية (102) من سورة يوسف جاءت تعليقًا على قصة يوسف ـ عليه السلام ـ في خاتمتها، ويلاحظ التوافق بينهما { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ}،{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}
والجميل أن في كلا القصتين الصبر الطويل على الأذى.
ونجد آيتين تتوافقان مع هاتين الآيتين وهما الآية الثالثة (3) {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ (3)} التي كانت مقدمة للسورة ولقصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ والآية (111){ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ(111)} التي جاءت في خاتمة سورة يوسف جاءت تعليقًا على قصة يوسف ـ عليه السلام ـ .
ثم نلاحظ أن آية سورة هود التي جاءت تعليقًا على قصص سورة هود ختمت بقوله تعالى:
{ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } كما أن الآية الأخيرة والتي قبلها في سورة يوسف ـ عليه السلام ـ التي جاءت تعليقًا على سورة وقصة يوسف ـ عليه السلام ـ ختمت بالقانون الكلي لهذا المعنى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(109) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}[يوسف:110] وأهم تفصيل و هدى في هذه القصص هو الصبر وعاقبته الطيبة.
وإذا جمعنا ما تقدم نلاحظ التوافق والتكامل التام بين الآيات السابقة:

  1. تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ـ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ـ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ـ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ـ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ـ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ـ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ـ َتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
  1. العجيب أنه لما جاء في خاتمة سورة هود بعد قص قصص الأنبياء وصبرهم وتحملهم ثم نصرهم ـ آيةٌ تذكر أهداف القصص القرآني وهي قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]جاء في خاتمة سورة يوسف بعد قص قصة يوسف ـ عليه السلام ـ وبعد ذكر مجيء نصر الرسل بعد اليأس من النصر ـ آيةٌ تذكر أهداف قص قصص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ويدخل دخولًا أوليًا قصة يوسف عليه السلام :{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}.
وجاء في مقدمة سورة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}
فانظر التوافق العجيب في المعاني بين الآيات الثلاث مع التكامل بحيث تذكر وتكمل كل سورة ما لم تذكره الأخرى:
مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ، وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ـ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ـ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ـ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ ـ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ـ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
لِلْمُؤْمِنِينَ ـ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ـ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ـ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
وتوضيح هذا التكامل والتوافق:

  • مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ، وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ـ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ـ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
  • لِلْمُؤْمِنِينَ ـ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ـ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ـ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
فإذا جمعنا ما ذكرته الآيات الثلاث نأخذ صورة متكاملة لأهداف قص القصص القرآني وهي: تثبيت فؤاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين، وموعظة وذكرى للمؤمنين، وآيات للسائلين عن قصص الأنبياء المعتنين بها وهم المؤمنون ـ وعبرة لأولي الألباب وهم أصحاب العقول الصافية عن الشوائب وهم المؤمنون ومن إذا سمعها آمن ـ وتفصيل كل شيء مما يحتاجه الناس في دينهم وينفعهم في دينهم ودنياهم، وهدى ورحمة للراسخين في الإيمان.
فانظر إلى هذا التوافق والتكامل في أهداف القصص القرآني.
ثم في الآيات وصف المؤمنين ومن عنده قابلية للإيمان عند سماع هذه القصص: بالمؤمنين، وبأولي الألباب، والسائلين المعتنين بالقصص المهتمين بالانتفاع بها، وفيها تعريض بالكفار بأنهم ليسوا بأولي الألباب وبأنهم معرضون لا يلتفتون لهذه القصص ولا للاعتبار بها.
  1. العجيب أنه لما جاء في خاتمة سورة هود قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120].
ذكرت سورة يوسف بعدها؛ لأنها من أنباء الرسل ـ عليهم السلام ـ التي فيها تثبيت فؤاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والموعظة والذكرى للمؤمنين، وسورة يوسف أيضًا متممة لما في سورة هود من قصص الرسل عليهم السلام، وقد أفردت قصة يوسف ـ عليه السلام ـ في هذه السورة اهتمامًا بها.
والجميل أن سورة هود ذكَرَتْ من الأنبياء نوحًا، وهودًا، وصالحًا، وشعيبًا، وإبراهيمَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، عليهم السلام، وختمت بقصة سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ في مصر مع فرعون، وبقي تفصيل قصة مَنْ هو الواسطة في انتقال بني إسرائيل لمصر بين يعقوب وموسى ـ عليهما السلام ـ فجاءت سورة يوسف مكملة لتلك الحلقات.
ولما كانت قصة يوسف ـ عليه السلام ـ طويلة وموضوع قصتها فيه نوع اختلاف عن بقية الأنبياء أفردت في سورة، هذا مع كون كل من سورة يونس، وهود، ويوسف سميت باسم نبي من أنبياء الله تعالى .
وقد ذكرت سورة هود ما لقى الأنبياء ـ عليهم السلام ـ من قومهم الأجانب تسلية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ { لَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }[هود:12]، وذكر في سورة يوسف ما لقي يوسف من إخوته الأقارب؛ ليعلم ما قاسَوه من أذى الأجانب والأقارب، فبينهما أتم المناسبة، والمقصود تسلية النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عما لاقاه من أذى القريب والبعيد، فهي من جملة ما يثبت به الفؤاد ، ويقع به التسلية مما يواجه به العبد من الأنكاد.
والجميل أن سورة يوسف ختمت بالقانون الكلي الذي يحكي ما أصاب جميع الرسل ـ عليه السلام ـ من الشدة حتى وصلوا إلى اليأس من النصر ثم جاءهم النصر :{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[يوسف:110] وما أجمله وأصدقه وأجمعه من قانون يلخص كل قصص سورة هود، فجميع قصص الأنبياء التي وردت في سورة هود كقصة نوح ـ عليه السلام ـ مثلًا وطال فيها الابتلاء جدًا على الرسل ثم جاءهم النصر، فكأنما السورتان لحمة واحدة ". [6]
وبما سبق ذِكْرُه من العلاقات بين سورة هود ويوسف: من العلاقة الأولى، إلى الرابعة يتضح تمام الاتضاح إشارة العلاقات لمقصود السورة وهو:

  • إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم.
  • بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين ".
  1. "لما وقع في سورة هود {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]، وقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:73]، ذكر هنا حال يعقوب مع أولاده وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع أخوته فكان كالشرح لإجمال ذلك، وكذلك قال في سورة يوسف:
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف:6] فكان ذلك كالمقترن بقوله في هود
{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73][7]، ويضاف لذلك أن سورة هود ذكرت قصة سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ وسورة يوسف ذكرت قصة أحفاده.[8]
  1. لما جاء في خاتمة سورة هود: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115]، أتبع بحال يعقوب ويوسف ـ عليهما السلام ـ المحسنَينِ الصابرَينِ بذكرهما في السورة بعدها، وما كان من صبرهما مع طول المدة وتوالي امتحان يوسف ـ عليه السلام ـ بالجب ومفارقة الأب والسجن حتى خلصه الله أجمل خلاص بعد طول تلك المشقات[9] ، وهذا ما ذكره القرآن في تعليقه على تمكين يوسف عليه السلام في مصر:
{نصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)} وهو ما لخصه سيدنا يوسف ـ عليه السلام في بيان سبب رفعته: {قَالُوا أَءِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)} والعجيب أن آية هود جاءت في خواتيم السورة لتقرر هذه القاعدة، ثم جاءت سورة يوسف بذكر التطبيق العملي لما قررته سورة هود.
ويضاف إلى ذلك أنه قد وردت كلمة "المحسنين" عدة مرات في سورة يوسف:
  1. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}.
  2. {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}.
  3. {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
  4. {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}.
والعجيب أن كلمة "المحسنين" جاءت في جميع المراحل التي مر بها سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ فالأُولى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا} كانت تعليقًا على وصول سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ إلى بيت العزيز، والثانية :{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}وهو في السجن، والثالثة: { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)}عندما سلمه ملك مصر الوزارة وتمكن في مصر ، والرابعة {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}عندما جاءه أخوته في وقت المجاعة وهو يوزع أرزاق الناس متمكنًا، والخامسة:{قَالُوا أَءِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}عندما وقف أخوته أمامه خاضعين معترفين بذنبهم ، وفي هذا دروس عظيمة لنا ،منها:
  • أن المؤمن لا بد أن يحسن في جميع أحواله عند البلاء والشدائد، وفي أوقات التمكين والسراء والغنى والنصر التي يبطر عندها الناس عادة، فالقرآن يبين لنا أن يوسف ـ عليه السلام النموذج الكامل في الإحسان، والقدوة والأسوة الكاملة الحسنة في أطوار كثيرة مختلفة، ويصور الفضائل في أَسمى صورها.
  • أنَّ من يتق ويصبر فهو محسن والله لا يضيع أجرهم، ولو ابتلاهم الله تعالى مدة من الزمان فلن يصيب المحسنين إلا ما هو محمود العاقبة.
  1. جاء في خاتمة هود: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123] فناسب أن يذكر سورة يوسف التي ذكر وكرر فيها علم الله تعالى مرات كثيرة، ومن جملة ذلك علمه سبحانه بما فعله إخوة يوسف بيوسف، وامرأة العزيز والعزيز، والنسوة، تسلية بما يعلمه الله تعالى من فعل المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين [10].
وبالتأمل في العلاقة السادسة والسابعة نجد أنها تشير لجزء من مقصود السورة وهو:
"بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين ".
  1. ما ذكره البقاعي في العلاقة بين السورتين بقوله: "لما خلل سبحانه سورة هود بما خللها به من القصص والآيات القاطعة بأن القرآن من عنده وبإذنه نزل، وأنه لا يؤمن إلاّ من شاء إيمانه ،وأنه مهما شاءه كان ، وبيّن عظيم قدرته على مثل ما عذب به الأمم، وأشار إلى أنه حكم بالنصرة لعابديه فلا بد أن يكون ما أراد ؛لأنه إليه يرجع الأمر كله ،تلاها بسورة يوسف ـ عليه السلام ؛ لبيان هذه الأغراض بهذه القصة العظيمة الطويلة التي لقي فيها يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما لقي من أقرب الناس إليه ومن غيرهم ومن الغربة وشتات الشمل ، ثم كانت له العاقبة فيه على أتم الوجوه لما تَدَرَّع به من الصبر على شديد البلاء والتفويض لأمر الله جلَّ وعلا؛ تسلية لهذا النبي الأمين وتأسية بمن مضى من إخوانه المرسلين فيما يلقى في حياته من أقاربه الكافرين وبعد وفاته ممن دخل منهم في الدين في آل بيته، كما وقع ليوسف ـ عليه السلام ـ من تعذيب عقبه وعقب إخوته ممن بالغ في الإحسان إليهم، فكان في سوق قصيه عقب الإخبار بأن المراد بهذه القصص تثبيته صلى الله عليه وسلم وتسلية فؤاده إشارة إلى البشارة بما وقع له صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من ملك قيادهم ورد عنادهم ومنّه عليهم وإحسانه إليهم".[11]
ومن الواضح فيما ذكره البقاعي أنه يشير لمقصود ومحور السورة، والحاصل أننا إذا تأملنا ما سبق من العلاقات نجد أنها تدل دلالة واضحة على مقصود السورة حتى لو لخصت لكانت عينَ ما كتبناه في مقصود السورة.
  1. المبحث السابع: سر إفراد قصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ في سورة واحدة، وعدم توزيعها وتكرارها كبقية قصص الأنبياء؟
  1. السر في ذلك أنَّ قصص الأنبياء إنما كررت؛ لأن المقصود بها بيانُ تبليغِ دعوةِ الأنبياءِ ـ عليهم السلام ـ لأقوامِهم ومحاجتِهم، وطريقتِهم في الدعوة وصبرِهم ، وتحملِهم للأذى في الدعوة ،وبيانُ كيفيةِ تلقي قومهم لهم ،و إفادةُ إهلاكِ مَنْ كذبوا رسلهم، ونجاةِ من آمن، ولما كان تكذيبُ كفارِ مكةَ وغيرِها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ متكررًا ، يحتاج معه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للتصبير والتثبيت وتعليم طريقة الدعوة ورد الشبهات المتكررة ،ناسب تكرير قصص الدعوة فكلما كذبوا أنزلت قصة مناسبةٌ لذلك مثبتةٌ هاديةٌ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذرةٌ بحلولِ العذابِ كما حل بالمكذبين ، ثم هناك تناسب بين ما ذُكِر من قصص نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى ـ عليهم السلام ـ وما جرى من أممهم ، فلذلك ذكرت مع بعضها.
أما قصة يوسف ـ عليه السلام ـ فلم يقصد منها أصالة الدعوة ـ وإن جاء فيها ذلك مع السجينين ـ لكن حاصلها:
  • بيان النموذج الكامل من المحسنين، والقدوة والأسوة الكاملة الحسنة في أطوار كثيرة مختلفة، وتصوير الفضائل في أَسمى صورها، وغاية الإحسان والعفة والإخلاص لله سبحانه، وبيان ولايةِ الله تعالى جزاء له على ذلك بالتربية، والاجتباء.
  • فيها عبرة بالفرج بعد شدة، وتعريف بحسن عاقبة الصبر، فإنه تعالى امتحن يعقوب ـ عليه السلام ـ بفقد ابنيه وبصره وشتات بنيه، وامتحن يوسف ـ عليه السلام ـ بالجبِّ، والبيعِ، وبامرأةِ العزيزِ، وفقدِ الأبِ والأخوة، والسجنِ، ثم امتحن جميعهم بشمولِ الضررِ وقلةِ ذاتِ اليدِ {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ}[آية 88] ثم تداركهم الله تعالى بإلفِهم وجمعِ كُلِّهم، وردِّ بصَرِ أبيهم وائتلافِ قلوبهم، ورفعِ ما نزغ الشيطانُ بينهم، وخلاصِ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من كيد من كاده واكتنافِه بالعصمة وبراءتِه عند الملك، وكل ذلك مما أعقبه الصبرُ، وجلالةُ اليقينِ في حسن تلقي الأقدار بالتفويض والتسليم على توالي الامتحان وطول المدة، إلى ما أنجرَّ في هذه القصة الجليلة من العجائب والعبر، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آية:111]، فقد انفردت هذه القصة بنفسها على حِدَتها بموضوعها، و مفارقةِ مضمونها قصص دعوة الأنبياء، فهذا ما أوجب تجرد هذه القصة عن تلك القصص؛ فلذلك لم تنسق على قصص الرسل مع أممهم في سورة واحدة وفُصِلت عنها سورةً برأسها[12].
  1. يضاف إلى ذلك أن قصة يوسف ـ عليه السلام ـ تحتاج لدقة فهمها إلى السرد المتتابع لقصته من البداية إلى النهاية، لا سيما أنها تبدأ برؤيا وتنتهي بتأويلها ، بحيث لا يناسب أن تكون حلقة منها أو جملة حلقات في سورة وتكون بقيتها في سورة أخرى ،فوَحدة أحداث قصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ تقتضي أن توزع[13] ،بخلاف قصص بقية الأنبياء والرسل الذين حصل معهم مواقف وأحداث يمكن أن تُقَص ويعتبرَ ويُتَّعظَ بها مفردةً دون تتابع زمني، وفي هذا يتجلى وجه من وجوه الإعجاز القرآني [14]ودقة وحكمة هذا الكتاب الذي هو من لدن حكيم خبير.[15]
  1. المبحث الثامن: أقوال المفسرين في مقصود السورة (محورها الذي تدور عليه)، وهي منقسمة إلى سبعة أقوال.
  1. القول الأول:
تثبيت وتسلية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين مما يلقون من شدة أذى أقاربهم من مشركي قريش ومن غيرهم من الأجانب والأباعد، وحثهم على الصبر على الابتلاءات وعدم اليأس، وترغيبهم بذلك ببيانِ الفرجِ بعد الشدةِ وإن طالت، و حسنِ عاقبةِ من صبر من أولياء الله ووثق به ورضي وسلم لقضاء الله تعالى ـ من الفرج والرفعة والعزة على العدو، وإظهار الكلمة والدين، والأجر دنيا وأخرى ،كما حصل ليوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام ، وخلاصة ذلك قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[آية:18]، وقوله تعالى: { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }[آية 87]،وقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }[آية:90]، وقوله تعالى: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }[آية:110].
اختار هذا القول: الطبري، وأبو جعفر بن الزبير، والشهاب الخفاجي، واطفيش، والصابوني، والمراغي، والفراهي، والدكتور فاضل السامرائي، والدكتور الخضيري، والدكتور عمر حماد، ومحمد المقدم، وقاسم عاشور، ومحمد بن خالد الخضير، وحمد العثماني، والأستاذ المبارك، و صفية السحيباني، و عمرو خالد، وموقع (الكلم الطيب)، وموقع المصحف الإلكتروني، وموقع الدرر السنية.

  • قال الطبري:" يعني السائلين عن أخبارهم وقصصهم، وإنما أراد جل ثناؤه نبِيَّه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك أنه يقال: إن الله تعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه فيها ما لقي يوسف ـ عليه السلام ـ من إخوته وإذايته من الحسد، مع تكرمة الله إياه، تسليةً له بذلك مما يلقى من إذايته وأقاربه من مشركي قريش".[16]
  • قال أبو جعفر بن الزبير ما حاصله:" مقصود سورة يوسف الأمر والحث على الصبر، وبيان الفرج بعد الشدة وحسن عاقبة صبر أولياء الله فيه ويقينهم ورضاهم وتسليمهم لقضاء الله؛ لتثبيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين ، وشرحها {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }[يوسف:90]، وفي قوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا }[النور: 55] كما كان حال يعقوب ويوسف ـ عليهما السلام ـ في صبرهما ورؤية حسن عاقبة الصبر في الدنيا مع ما أعد الله تعالى لهما من عظيم الثواب ، وهو أنسب شيء لحال نبينا ـ عليه السلام ـ في مكابدة قريش ومفارقة وطنه، ثم تعقب ذلك بظَفَرِه بعدوه، وإعزاز دينه، وإظهار كلمته، ورجوعه إلى بلده على حالة قرت بها عيون المؤمنين وما فتح الله عليه وعلى أصحابه ، ويوضح ذلك ما ختمت به السورة { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)}. [17]
  • قال الشهاب الخفاجي: لما ختمت السورة التي قبلها بقوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ}[هود:120] ذكرت هذه بعدها؛ لأنها من أنبائهم، وقد ذكر أولًا ما لقى الأنبياء ـ عليهم السلام ـ من قومهم، وذكر في هذه ما لقي يوسف من إخوته؛ ليعلم ما قاسوه من أذى الأجانب والأقارب، فبينهما أتم المناسبة، والمقصود تسلية النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما لاقاه من أذى القريب والبعيد. [18]
  • جاء في كتاب "ألف سؤال وجواب في القرآن":" المقصود بها تسلية النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بما لاقاه من حزن بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة.[19]
  • جاء في كتاب" سورة يوسف فوائد وفرائد": "والمقصودُ بها تسلية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما مرَّ عليه من الكرب والشدة، وما لاقاه من أذى القريب والبعيد".[20]
  • قال محمد المقدم:" والمقصود بذلك تسلية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما لاقاه من أذى القريب والبعيد".[21]
  • قال الصابوني:" محور مواضيع السورة: تناولت قصص الأنبياء، وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله " يوسف بن يعقوب " وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته ومن الآخرين في بيت عزيز مصر، وفي السجن، وفي تآمر النسوة حتى نَجَّاهُ الله تعالى من ذلك الضيق، والمقصود بها تسلية النبي بما مر عليه من الكرب والشدة وما لاقاه من أذى القريب والبعيد [22].
  • جاء في " تأملات في سورة يوسف عليه السلام لحمد العثماني":" سورة يوسف أنزلت على الرسول- صلى الله عليه وسلم- تسليةً لقلبه وقلوب أصحابه وهم في حاجة إلى معرفة إخوانهم السابقين وما لاقوه من الابتلاءات والشدائد".[23]
  • قال الأستاذ المبارك في "دراسة أدبية": " أما فلسفة القصة العميق فتتجلى في الإيمان العميق بالله تعالى الذي ينصر الحق على الباطل ولو طال الأمد، والثقة بهذا الانتصار، ومواجهة أزمات الحياة المختلفة بصبر وثبات وإيمان، والتفاؤل حتى في الشدة وترقب الفرج من الله تعالى في الأزمات، والإيمان أن نية الخير والعزم عليه لا يولد في النهاية إلا خيرًا، والإيمان صبر وجهاد وثقة وتفاؤل. وتتمثل هذه الفلسفة في آيات كثيرة منها {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [(18)]، {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [آية 87]، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }[آية:90].
  • جاء في موقع (الكلم الطيب): " والمقصود بهذه السورة التسرية عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدما مرّ به من أذى ومن محن في عام الحزن وما لاقاه من أذى القريب والبعيد، فأراد الله تعالى أن يقص عليه قصة أخيه يوسف وما لاقاه هو في حياته، وكيف أن الله تعالى فرّج عنه في النهاية لأنه وثق بتدبير الله تعالى ولم ييأس لا هو ولا أبوه يعقوب.
  • جاء في مشروع تواصل (تنمية وحضارة):" محور سورة يوسف وموضوعها الأساسي: تسلية وتسرية وتلميح بالفرج للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدعاة من بعده حيث كانت الظروف تشبه ظروف سيدنا يوسف ـ عليه السلام وسلم ـ والدعاة من بعده حيث كانت كثير من الظروف تشبه ظروف يوسف عليه السلام من حيث الضيق والشدة.[24]
  • جاء في موقع المصحف الإلكتروني: والمقصود بها تسلية النبي بما مر عليه من الكرب والشدة وما لاقاه من أذى القريب والبعيد
  • جاء في رسالة "دلالة الألفاظ التي انفردت بها سورة يوسف في ضوء وحدتها الموضوعية ": الغرض الرئيسي من السورة: "هو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته، وكذلك تثبيت الأمة الإسلامية وتقوية عزيمتها من خلال عرض قصة نبي من أنبياء الله تعرض لأنواع البلاء الذي عرضته السورة".[25]
وجاء فيها أيضًا: "وجدنا أن غرض السورة هو تثبيت قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه، وهذا الغرض قد خدم في السورة كلها، فكل ما ورد في السورة من عناصر القصة المتماسكة، ومشاهد السورة التصويرة المتكاتفة، ليصب في خدمة هذا الغرض العظيم.[26]
  • قال الدكتور الخضيري: جاءت سورة يوسف لتؤكد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن عاقبة الصبر حميدة جميلة، في الدنيا والآخرة، انظر لأخيك يوسف ويعقوب نزل بهم من البلاء ما يفتت الصخر فصبرا واتقيا الله تعالى فكانت العاقبة لهما.[27]
  • قال المراغي:" وفى هذا تذكير من الله لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسلية له على كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى، فكأنه يقول له: اصبر على ما نالك في الله، فإني قادر على تغيير ذلك، كما قدرت على تغيير ما لقي يوسف من إخوته، وسيصير أمرك إلى العلوّ عليهم كما صار أمر يوسف مع إخوته إذ صار سيدهم".[28]
  • قال الدكتور فاضل السامرائي:" هدف السورة: الثقة بتدبير الله (اصبر ولا تيأس).[29]
  • جاء في كتاب الخرائط الذهنية: مقصود السورة الثقة بتدبير الله تعالى.[30]
  • قال عمرو خالد في خاطر قرآنية :"المحور الأساسي للسورة: الله تعالى يعلم ولا نعلم ،إن هدف سورة يوسف هو إعلامنا أن تدبير الله تعالى للأمور يختلف عن النظرة البشرية القاصرة ، وكأنها تقول لنا:" ثق بتدبير الله تعالى ، واصبر [31]ولا تيأس"[32] والسورة باختصار قصة نجاح إنسانية : إنها قصة إنسان صبر ولم ييأس بالرغم من كل الظروف التي واجهها، نجح في امتحان الضراء الصبر والأمل ، ونجح في امتحان السراء بشكر الله تعالى والتواضع، وملخص حياته{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}.([33])
  • جاء في التيسير في التفسير لاطفيش:" ويقال: إِن أَهل الجنة يتفكهون بسورة مريم وسورة يوسف، وأَنه لا يسمع سورة يوسف محزون إِلا استراح إِليها، فيناسب أَن يقال على هذا: لعلها نزلت بعد سورة هود التي شيبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليزول بها بعض همه، وفيها أَيضاً تسلية له بما لاقى يوسف ممن هو أَقرب إٍليه وهم إِخوته ، عمَّا لقى من عمه وقرابته إِليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهى كقصص من تقدم كهود؛ إِلا أَن هذه سورة رحمة يستراح إِليها .[34]
  • جاء في موقع الدرر السنية: مِن أهمِّ مَقاصِدِ سُورَةِ يُوسُفَ:
    1) بَيانُ أنَّ العاقِبَةَ للمُؤمِنينَ المُتَّقِينَ الصَّابِرينَ رُغْمَ الابْتِلاءاتِ والمِحَنِ.
    2) تَسْلِيَةُ الرَّسولِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَصحابِه ـ وتَطْمِينُ نُفوسِهم.[35]
  • قال عبد الحميد الفراهي: "عمود سورة يوسف إشارة إلى قرب الهجرة، وتمثيل للفرج بعد وغلبة الحق".[36]
  • قال الدكتور عمر عرفات ملخصًا لكلام علماء التفسير ومقاصد القرآن: ويمكن تلخيص الأقوال السابقة بالقول بأن محور السورة هو تثبيت قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسرية عنه وتصديقه مما يلاقيه من قومه، من خلال عرض قصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ التي أهم دلالاتها ـ فيما أعتقد ـ بيان علم الله تعالى التام بالغيب مع قدرته التامة على توجيه أحداثه حسب إرادته العليمة الحكيمة فكما هو قادر على تحقيق الفرج ليوسف وأبيه عليهما السلام، فهو قادر على تحقيق النصر والفرج لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.[37]
  1. القول الثاني:وهذا القول قريب من القول الأول، قالوا:
عاقبة الصبر على الابتلاء النصر، وأنها طريق التمكين؛ تثبيتًا ووعدًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين، وهذا المقصد يلخصه قوله تعالى: {وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ} [سورة يوسف: 21].
اختار هذا القول: المختصر في تفسير القرآن الكريم، وصاحب كتاب" أول مرة أتدبر القرآن، وموقع (موضوع)، والدكتور عمر حماد، والشيخ ياسر برهامي.

  • جاء في "المختصر في تفسير القرآن الكريم" ووافقه الدكتور عمر حماد [38]:" مقصود السورة:" الوعد بالتمكين بعد الابتلاء المبين؛ تثبيتًا ووعدًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين.[39]
  • جاء في موقع (موضوع): "في السورة الكريمة رسالةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- مفادها أن الصبر طريق التمكين، وأن الله -تعالى- ينصر أولياءه وعباده الصالحين، مصداقاً لقوله تعالى: {وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ} [يوسف: 21].
  • جاء في كتاب" أول مرة أتدبر القرآن":" المحور الرئيسي للسورة: "عاقبة الصبر".[40]
  • قال الشيخ ياسر برهامي:" وسورة يوسف نزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم -قبل الهجرة، وبعد زيادة الأذى- تبشر بقرب الفرج، رغم أن الأذى قد وصل إلى شخصه عليه الصلاة والسلام بعد موت أبي طالب، خديجة، حتى خططوا لقتله أو سجنه أو إيثاقه، وكل ذلك كان مقدمة قبل الفرج، وقبل النصر والتمكين بإذن الله تبارك وتعالى.[41]
  1. القول الثالث:
مقصودها ما لخصه قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)}، وقوله تعالى:
{ومَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:67]وهو بيان قدرة الله تعالى وحكمته على تحقيق الفرج والنصر، من خلال بيان كمال قدرته وحكمته على توجيه أحداث الغيب حسبما أراد ، وغلبة إرادته لجميع الإرادات.
اختار هذا: ابن عجيبة، و د. عمر عرفات، محمد فاروق الزين.

  • قال د. عمر عرفات:" سورة بيان قدرة الله تعالى على تحقيق الفرج والنصر من خلال بيان كمال قدرته على توجيه أحداث الغيب حسبما أراد". [42]
  • قال ابن عجيبة: قال تعالى: والله غالب على أمره: قال بعض المفسرين: هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال: أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمر مراد الله، وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله، وأراد النمرود هلاك إبراهيم ـ عليه السلام ـ ولم يرده الله، فكان الأمر كما أراد الله، وأراد فرعون هلاك موسى ـ عليه السلام ـ فأهلكه الله، ونجى موسى، وأراد داود أن يكون الملك لولده ميشا، وأراد الله أن يكون لسليمان ـ عليه السلام ـ فكان كما أراد الله، وأراد أبو جهل هلاك سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونبوة الوليد بن المغيرة، فأهلك الله أبا جهل والوليد ونبأ محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأراد المنذر بن عاد البقاء في الدنيا، فأهلكه الله وخرب ملكه، وأراد إرم العاتي، الذي بنى إرم ذات العماد، يحاكي بها الجنة، أن يسكنها خالدًا فيها، فكذبه الله، وحال بينه وبينها، وغيبها عنه، حتى مات بحسرتها...ثم ذكر مراودة زليخا ليوسف، وما كان من شأنهما.[43]
  • جاء في كتاب "محاور السور وتكاملها وخلاصة معانيها": تدور سورة يوسف حول قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[يوسف:67]،فكأن هذه الآية تهيمن على جميع مجريات الأحداث في قصة يوسف عليه السلام ، مصداقًا لقوله تعالى:{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}ففيها إشارة إلى الحكمة الإلهية في مجريات الأمور ، الخافية عن معظم الخلق.[44]
  1. القول الرابع:
مقصود السورة:
  • بيانُ ولاية الله لعباده الذين أخلصوا إيمانهم له تعالى فكانوا في غاية الإخلاص له والعفة، وامتلأت قلوبهم بمحبته وبالثقة به لا يبغون له بدلًا، ولا يلوون إلى غيره ـ ولايته بالتربية، والاجتباء والإخلاص إليه، والإنجاء من الشدائد والكيد، والتمكين والعزة والنصرة، ورفع الدرجات دنيا وأخرى.
  • وإعطاءُ القدوة وتصوير الفضائل في أَسمى صورها بقص قصة نبي كريم تقلب في أطوار كثيرة كان قدوة وأسوة حسنة فيها كلها.
اختار هذا : الطباطبائي، و محمد رشيد رضا، و المكي الناصري، و القاضي عبد الجبار ، وا لدكتور عبد البديع أبو هاشم، والتفسير الوسيط (لمجموعة من العلماء)، و التفسير المنتخب.
  • قال الطباطبائي:" غرض السورة بيان ولاية الله لعبده الذي أخلص إيمانه له تعالى إخلاصًا و امتلأ بمحبته تعالى لا يبتغي له بدلا و لم يلو إلى غيره تعالى من شيء، و أن الله تعالى يتولى هو أمره فيربيه أحسن تربية فيورده مورد القرب و يسقيه فيرويه من مشرعه الزلفى فيخلصه لنفسه و يحييه حياة إلهية و إن كانت الأسباب الظاهرة أجمعت على هلاكه، و يرفعه و إن توفرت الحوادث على ضعته، و يعزه و إن دعت النوائب و رزايا الدهر إلى ذلته و حط قدره [45]...فالغرض بيان قصته (عليه السلام) و قصة آل يعقوب، و قد استخرج تعالى ببيانه ما هو الغرض العالي منها و هو طور ولاية الله لعباده المخلصين كما هو اللائح من مفتتح السورة و مختتمها.[46]
  • جاء في التفسير المنتخب:" وأظهر خصائص هذه السورة أنها ذكرت قصة يوسف بتمامها، وأظهرت شيوع الحسد في الأسرة إذ ظهرت المحبة لبعضهم، فكان حسد أولاد يعقوب لأخيهم قد حملهم على إلقائه في غيابة الجب، ولكن الله حفظه من مكرهم، كما حفظه من إغراء امرأة العزيز حين بلغ أشده في بيت العزيز، ومكن له أرض مصر، وجعله ملاذ الذين ائتمروا به . . وكذلك شأنه سبحانه مع أنبيائه وأوليائه ينصرهم على أعدائهم ويمكن لهم في الأرض، ما تمسكوا بالحق، وآمنوا به ، واعتصموا بحبله .[47]
  • قال محمد رشيد رضا، ود. أحمد نوفل: "موضوعها قصة نبي كريم تقلب في أطوار كثيرة كان قدوة خير وأسوة حسنة فيها كلها، فالبيان بها أخص".[48]
  • جاء في التفسير الوسيط (مجموعة من العلماء):
ومما يلاحظ في هذه السورة الكريمة أنها تصور الفضائل في أَسمى صورها مثل: صبر يعقوب على فراق يوسف ثم فراق أخيه، وصبر يوسف على ما قاساه من تعرض للهلاك بعد الأمان في حضن أبويه، وما عاناه من عبودية بعد الحرية، وما تعرض له من ظلم في غيابة السجن دون ذنب جناه.
ومن الفضائل الكبرى في القصة: العفة في أسمى صورها في يوسف عليه السلام، مع وفرة عوامل الإغراء والإغواء في شرخ الشباب، ومن الفضائل الكبرى التي أَبرزتها أيضا الثقة بالله وآثارها فإن يعقوب لم يفقد ثقته به، ولم يقنط من رحمته، ويوسف لم ييئس - وهو في قرارة السجن - من الفرج، وظل ثابت الإِيمان يدعو إِلى الله ويعتصم بتقواه، حتى بدل الله حالهما إلى أحسن حال.
كما أبرزت القصة فضيلة العفو والصفح الجميل الصادر من يوسف لإِخوته والاستغفار من يعقوب لأبنائه، ومقابلة الإِساءة بالإِحسان.
وكما صورت القصة الفضائل في أسمى صورها صورت أَيضًا الرذائل في أبشع مظاهرها: حيث صورت حقد إخوة يوسف عليه، وارتكابهم ما آذى أَباهم أَشد الإِيذاء، وما عرَّض أخاهم للهلاك، كما صورت استهتار زوجة العزيز وإصرارها كلَّ الإصرارِ على الخيانة الزوجية، وأنها لم تكترث بسوء القالة في حقها، ولما لم يستجب يوسف لرغبتها، أغرت به زوجها العزيز وحرضته على إلقائه في السجن ظلمًا وعدوانًا.
وقد بينت سورة يوسف كما بينت سورة هود أنَّ العاقبة للمتقين، كما بينت أنَّ مع العسر يسرًا وأن لكل شدة نهايةً، وأَن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.[49]

  • جاء في موقع الألوكة الدكتور عبد البديع أبو هاشم:" سورة يوسف عليه السلام تذكر لنا مثالاً بيوسف ـ عليه السلام ـ منذ صغر سنه إلى أن أتم الله عليه النعمة، كيف كان موصولاً بالله تبارك وتعالى، وكيف نفعته هذه الصلة، خاتم النبيين، وإعجاز كتابه، والعبرة العامة بقصص الرسل عليهم السلام".
  1. القول الخامس: قالوا:موضوع سورة يوسف :هو والتأكيد والإثبات والتدليل على أنَّ القرآن الكريم وحي من الله تعالى ، أنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبًا على الله، وذلك من خلال قص قصة يوسف ـ عليه السلام ـ على مثل هذا البيان والتفصيل والكمال، والعظة والصدق، والدقة والبلاغة في اللفظ والأسلوب والعرض، وبما يصدق ما في الكتب السماوية السابقة، كل ذلك دليل على أن مثل هذا الكمال لا يصدر إلا عن المحيط علما بكل شيء وهو الله جل ،ولا يمكن معرفته وصدوره عن النبي الأمي ـ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها من الغيب الذي ما كان يعلمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقومه .
ويدل على أنَّ هذا هو مقصود السورة بدايتها وخاتمتها ، فتبدأ سورة يوسف بقوله تعالى: {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ}[يوسف:1 ـ3] ،وتنتهي بقوله تعالى: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف:111].
اختار هذا: سعيد حوى، وعبد المتعالي الصعيدي، وعبد الحميد طهماز[50].

  • قال الشيخ سعيد حوى: "سورة يوسف فيها الدليل على: أن منزل هذا القرآن هو الله[51]، وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبًا على الله، وأن ذكر قصة يوسف ـ عليه السلام ـ على مثل هذا البيان والتفصيل والكمال والعظة والصدق والدقة والبلاغة في اللفظ والأسلوب والعرض وبما يصدق ما في الكتب السماوية السابقة، كل ذلك دليل على أن مثل هذا الكمال لا يصدر إلا عن المحيط علما بكل شيء وهو الله جل شأنه، و محور سورة يوسف هو قوله تعالى: {وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ}[البقرة: 23ـ 24]".[52]
  • قال الدكتور عبد المتعالي الصعيدي في "النظم الفني في القرآن":" يقصد من هذه السورة إثبات تنزيل القرآن، كما يقصد من سورتي «يونس» «وهود»، ولهذا ذكرت بعدهما، وتختلف طريقة إثباته فيها عن طريقة إثباته فيهما؛ لأن طريقة إثباته فيهما، كانت بتحدّيهم أن يأتوا بسورة أو عشر سور مثله، أما طريقة إثباته في هذه السورة، فبأنه يقصّ عليهم من تفصيل أخبار يوسف ـ عليه السلام ـ ، ما لا يمكن أميّا مثله أن يعرفه".[53]
  • قال الدكتور عبد المتعالي الصعيدي في "الأقوال الحسان": ويقصد منها ما يقصد من تلك القصص من التنويه بشأن القرآن والاحتجاج بها على أنه من عند الله تعالى؛ لأنها من الغيب الذي ما كان يعلمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقومه الذين كانوا يجهلون أنباء تلك الشعوب جهلًا تامًا، ولهذا افتتحت هذه السورة بقوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}.[54]
  • قال عبد الحميد طهماز: موضوع سورة يوسف: هو والتأكيد على أنَّ القرآن الكريم وحي من الله تعالى، أنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن الوحي مصدر من أعظم مصادر العلم[55] والحقيقة[56] .
  1. القول السادس:
الجمع لمعظم الأقوال السابقة، قالوامقصودها:
  1. القطع بأنَّ القرآنَ من عنده سبحانه، ووصفه بالإبانة لكل ما يوجب الهدى؛ لما ثبت مِنْ تمامِ علْمِ مُنزِلِه تعالى غيبًا وشهادةً، ردًا على من كذب بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن، ومن هداه ذكر قصة يوسف التي فيها النموذج الكامل والقدوة الكاملة في أطوار كثيرة.
  2. وأنه لا بد أن يكون ما أراده الله وشاءه؛ لشمولِ وعظيم قدرتِه قولاً وفعلًا، ولأنه إليه يرجع الأمر كله، فينصر عابديه كما فعل مع يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدما لقي الشدائد من أقرب الناس إليه ومن غيرهم، ومن الغربة وشتات الشَّمْل، ثم كانت له العاقبة فيه على أتم الوجوه؛ لما صبر على شديد البلاء وفوض الأمر إلى الله سبحانه، تسلية وتثبيتًا لهذا النبي الأمين وتأسية بمن مضى من إخوانه المرسلين، وبشارة إلى ما وقع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح من ملك قيادهم، وتذكيرًا وعظة للكافرين.
اختار هذا القول: البقاعي، و عبد الرحمن حبنكة، و سيد طنطاوي، وسيد قطب، ود . محمد القيعي.
  • قال البقاعي:" ومقصودها: وصف الكتاب بالإبانة لكل ما يوجب الهدى لما ثبت فيما مضى - ويأتي في هذه السورة - من تمامِ علْمِ مُنزِلِه غيباً وشهادةً، وشمولِ قدرتِه قولاً وفعلاً، وهذه القصة - كما ترى - أنسب الأشياء لهذا المقصود، وأدل عليه مما في آخرها، فلذلك سميت سورة يوسف. ( [57])
  • ثم قال البقاعي ما ملخصه أنَّ مقصود السورة :" القطع بأن القرآن من عنده سبحانه، وأنه لا بد أن يكون ما أراده الله وشاءه ؛لأنه إليه يرجع الأمر كله وهو عظيم القدرة، فينصر عابديه كما فعل مع يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدما لقي الشدائد من أقرب الناس إليه ومن غيرهم، ومن الغربة وشتات الشمل ،ثم كانت له العاقبة فيه على أتم الوجوه؛ لما صبر على شديد البلاء وفوض الأمر إلى الله سبحانه، تسلية وتثبيتًا لهذا النبي الأمين وتأسية بمن مضى من إخوانه المرسلين، وبشارة إلى ما وقع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح من ملك قيادهم [58].
  • قال أ. د. محمد عبد المنعم القيعي ملخصًا لما قاله البقاعي:" سورة يوسف: وصف الكتاب بالإبانة لكل ما يوجب الهدى لما ثبت فيما مضى، ويأتي في هذه السورة من تمام علم منزله غيبًا وشهادة، وشمول قدرته قولًا وفعلًا.[59]
  • قال عبد الرحمن حبنكة: موضوع السورة متابعة معالجة الذين كفروا بالرسول وكذبوا بالقرآن، وقصة يوسف على طولها من عناصر هذه المعالجة، ومع هذه المعالجة توجيهات وتربيات للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين.[60]
  • قال سيد طنطاوي:" ونزول سورة يوسف في هذه الفترة، كان من أعظم المسليات التي واسى الله- تعالى- بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقد أخبره عما دار بين يوسف وإخوته، وعما تعرض له هذا النبي الكريم من مصائب وأذى ...ولا شك أن في قصة يوسف وما يشبهها، تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه. والذي يطالع هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، يراها قد اشتملت على أوضح الدلائل، وأنصع البراهين، التي تشهد بأن هذا القرآن من عند الله ...فقد قصت علينا قصة يوسف- عليه السلام- مع إخوته ومع غيرهم بأسلوب مشوق حكيم، يهدى النفوس، ويشرح الصدور، ويكشف عن الخفايا التي لا يعلمها أحد إلا الله- تعالى-، ويصور أحوال النفس الإنسانية تصويرا بديعا معجزا ...كما يراها قد ساقت ما ساقت من حكم وأحكام، وعبر وعظات، بأسلوب يمتاز بحسن التقسيم، وجمال العرض".[61]
  • قال سيد قطب:" ثم تختم السورة بإيقاع آخر يحمل عبرة القصص القرآني كله ، في هذه السورة وفي سواها، يحملها للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - والقلة المؤمنة معه ، ومعها التثبيت والتسرية والبشرى ويحملها للمشركين المعاندين ، ومعها التذكير والعظة والنذير، كما أن فيها للجميع تقريرًا لصدق الوحي وصدق الرسول وتقريرا لحقيقة الوحي وحقيقة الرسالة ، مع تخليص هذه الحقيقة من الأوهام والأساطير.[62]، وقال:" إن قصة يوسف - كما جاءت في هذه السورة - تمثل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة ، بقدر ما تمثل النموذج الكامل لهذا المنهج في الأداء النفسي والعقيدي والتربوي والحركي أيضًا".[63]
  • قال محمد رشيد رضا:" وختمت بإحدى عشرة آية في الاستدلال بها على ما أنزلها الله لأجله من إثبات رسالة.
  1. القول السابع:
قالوا: مقصود السورة هو الدعوة إلى توحيد الله، ونبذ الشركاء والأنداد، ومن جملة ذلك أن الحكم له وحده سبحانه، وبيان أن الإيمان بالله هو الطريق الواضح، والدين القيّم الذي يسمو بصاحبه ويعصمه من الفتنة، ويمنعه من الرذيلة، ويجعله يقف ثابت اليقين، يقاوم الإغراء، وتربط بين رسالات السماء جميعها برباط أساسي وهدف مشترك وهو التوحيد ونبذ الشرك.
اختاره: د. عبد الله شحاتة، ود. زاهر الألمعي، وأصحاب التفسير الموضوعي، وأشار له سيد قطب في ضمن كلامه.
قال الدكتور زاهر بن عواض الألمعي: "السورة تربط بين رسالات السماء جميعها برباط أساسي وهدف مشترك هو الدعوة إلى توحيد الله تعالى، ونبذ الشركاء والأنداد[64]، وبيان أن الإيمان بالله تعالى هو الطريق الواضح والدين القيم".[65]

  • جاء في التفسير الموضوعي: سورة يوسف دافعت عن العقيدة، وأكدت قضية التوحيد، من خلال تركيز سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ على وجوب أن تكون الحاكمية لله تعالى وحده، موظفًا تأويله للرؤى، وما صاحب ذلك من أحداث في تثبيت الوحدانية الخالصة لله تعالى، وإبطال الآلهة المزيفة، وهذه هي وحدة العقيدة الإسلامية التي جاء بها الرسل جميعًا عليهم السلام.[66]
  • قال د. عبد الله شحاتة: مقصود السورة هو الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشركاء والأنداد، وبيان أن الإيمان بالله هو الطريق الواضح، والدين القيّم الذي يسمو بصاحبه ويعصمه من الفتنة، ويمنعه من الرذيلة، ويجعله يقف ثابت اليقين، يقاوم الإغراء، ويردّ المنحرف إلى طريق الصواب".[67]
  1. المبحث التاسع: مناقشة الأقوال والترجيح بينها:
إذا تأملنا الأقوال السبعة السابقة نجد كثيرًا منها قد وفق لتحديد محورِ السورةِ أو جزءٍ من محور السورة، والاختلافُ بينها في استيفاءِ ذكرِ المحور، أو الاقتصارِ على بعض هذا المحور، وإليك بيانَ ذلك:
  1. فأما القول الأول القائل:مقصود السورة :"تثبيت وتسلية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين مما يلقون من شدة أذى أقاربهم من مشركي قريش ومن غيرهم من الأجانب والأباعد، وحثهم على الصبر على الابتلاءات وعدم اليأس، وترغيبهم بذلك ببيانِ الفرجِ بعد الشدةِ وإن طالت، و حسنِ عاقبةِ من صبر من أولياء الله ووثق به ورضي وسلم لقضاء الله تعالى ـ من الفرج والرفعة والعزة على العدو، وإظهار الكلمة والدين، والأجر دنيا وأخرى ،كما حصل ليوسف ويعقوب عليهما الصلاة والسلام ، وخلاصة ذلك قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[آية:18]".
فقد أتى بجزء كبير من مقصود السورة لكنه ترك أجزاء مهمة من المقصود وهي:
  • "إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم".
وهذا المقصد اعتنت به السورة ودل عليه عدة أمور:
  1. بدايتها وخاتمتها :{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ}[يوسف:1 ـ3] ، {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف:111].
فسورة يوسف تبدأ بتقرير أن منزل الكتاب على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الله تعالى، وأن سيدنا محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن ينزل عليه هذا القرآن كان من الغافلين عن القرآن والقصص الذي فيه، وتختم السورة بنفي أن يكون هذا القرآن مفترى من دون الله، وما بين ذلك تأتي قصة يوسف ـ عليه السلام ـ بتفصيل لأمور الغيب بشكل دقيق، وترتيب عجيب؛ ليكون ذكرها في هذا المقام دليلًا على أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وعلى أنه لا يرقى إليه ريب ولا شك، وأنه لا يكون إلا من عند الله بما حواه من تفصيل لكل شيء وهداية ورحمة، فسورة يوسف فيها الدليل على: أن منزل هذا القرآن هو الله، وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبًا على الله، وأن ذكر قصة يوسف على مثل هذا البيان والتفصيل والكمال والعظة والصدق والدقة والبلاغة في اللفظ والأسلوب والعرض وبما يصدق ما في الكتب السماوية السابقة، كل ذلك دليل على أن مثل هذا الكمال لا يصدر إلا عن المحيط علما بكل شيء وهو الله جل شأنه.
  1. أول آية في التعليق على قصة يوسف ـ عليه السلام ـ بعد انتهاء القصة {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)}. وقد تقدم شرح الآية.
  2. يدل عليه علاقة سورة يوسف بسورة هود وقد بينته في المبحث السادس.
  • وترك كذلك بيان أن من أهداف السورة:" الرد على من أشرك " وقد دل على كونه من مقاصد السورة عدة أدلة:
  1. مقدمة السورة { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }[الآيات (1ـ3)]، والخاتمة:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}[الآيات:(103ـ 109)] وقد وضحت هذا في المبحث الرابع.
  2. ويدل عليه الجو الذي نزلت فيه السورة، فقد نزلت عند احتدام الصراع واشتداد المواجهة بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقاربه وعشيرته من مشركي قريش، كما هو موضح في المبحث الأول.
  3. ويدل عليه دعوة يوسف ـ عليه السلام ـ للسجينين وما ورد فيها من الرد على المشركين: { قالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[الآيات (37 ـ 40)].
  • وترك التنصيص على أن من مقصود السورة بيان أنه سبحانه:" غالب على أمره عليم بكل شيء"، وهذا جزء مهم من مقصود السورة ويدل عليه عدة أمور:
        1. ما في مضمون سورة يوسف ـ عليه السلام ـ من أن إخوته، والذي شروه بثمن بخس من السيارة ، وامرأة العزيز وزوجها ، أرادوا كيدًا بيوسف ـ عليه السلام ـ فلم يكن إلا ما أراد الله تعالى من نجاته وعزه ، فكلما ألقوه في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل التي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجب ، ثم وجده السيارة فشروه بثمن بخس دراهم معدودة، فأدخله الله تعالى إلى بيت العزيز، وراودته التي هو في بيتها عن نفسه و اتهمته عند العزيز و لم تلبث أن اعترفت عند النسوة ببراءته، ثم اتهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطخ بالدم الذي جاءوا به إلى أبيه يعقوب أول يوم هو السبب في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس، بل أراد يعقوب أن يحمي يوسف من كيد إخوته وأراد يوسف بطلبه من الساقي أن يخرج من السجن فلم يكن إلا ما شاء الله تعالى .
        2. قد ورد التركيز على هذا المعنى في عدة آيات من السورة منها: {وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ} [سورة يوسف: 21]، {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)}[الآيات: 68،67].
        3. هذا هو الذي قرره سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ في نهاية المطاف:{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يا أبت هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}فالله سبحانه هو الذي حقق الرؤيا مع أن الظروف كلها معاكسة، وهو الذي أخرج يوسف ـ عليه السلام ـ من السجن ، وهو الذي جاء بأهله من البدو ، وهو سبحانه لطيف التدبير لما يشاء أن يفعله من الأمور ،إذا أراد أمرًا قيض له أسبابًا ويسره وقدَّره، بلطف ودقة خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها ، فجعل عوامل الشدة عوامل رخاء وراحة، وأسباب الذلة وسائل عزة وملك، وهو سبحانه هو الذي آتاه الملك وعلمه.
ووضح هذا أيضًا سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ بقوله: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا}أي: مبدع السماوات والأرض ومبتدعهما من غير مثال، وشاقهما من العدم إلى الوجود، على هيئة تؤهلهما للفعل، وصفه تعالى بأنه فاطر السموات والأرض بعد وصفِه بالربوبية مبالغةً في ترتيب مبادئ ما يعقُبه من ولايته الدنيا والآخرة ، وتوفيه على الإسلام ، وإتمام نعمه عليه، ففاطر السماوات والأرض وموجدها من العدم هو الذي أنعم بما أنعم والقادر على إتمامه .
ثم بقوله عليه السلام :{أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } أي : أنت الأقرب إليّ باطناً وظاهراً فأنت الناصر والمعين، لا ولي لي غيرك، ولا أعول على غيره في شيء من الأشياء، وأنا تحت ولايتك التامة من غير أن يكون لي صنع في نفسي واستقلال في ذاتي وصفاتي وأفعالي أو أملك لنفسي شيئًا من نفع أو ضر أو موت أو حياة أو نشور.[68]{ في الدنيا والآخرة} وليي في دنياي الذي أولاني ما أولاني من النعم ، وولي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك ، فأحسن بي في الآخرة أعظم ما أحسنت بي في الدنيا، والولي (فعيل) تفيد الثبوت ،والجملة ثناء على الله تعالى من توليه في جميع ما مضى وثقته بما يأتي ثقة به عبودية له وقياسًا على ما أراه من ولايته.

        1. ويدل عليه جو السورة الموضح في المبحث الأول ، فنزول هذه السورة كان في أحلك الظروف ؛ لتقول للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب ليهلك ، ثم بِيع بيعَ العبيد بالخسيس من الثمن ، وبعد الإسار والحبس الطويل وإعلائه بعد حبسه في السجن ، بتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون به أنه عبد لهم، ومَكَّن له في الأرض وأعلاه على من بغاه بسوء من إخوته ، وجمعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد المدة الطويلة ، لقادر على إعزاز محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإعلاء كلمته ، ولا يتعذّر عليه أن يفعل مثله به، فيخرجه من بين أظهركم ثم يظهره عليكم ويمكن له في البلاد ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب ، وإن مرّت به شدائد وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان" .
  • وترَك من مقصود السورة "تقرير أن الله تعالى عليم بكل شيء".
ودليل أنه من أجزاء مقصود السورة كثرة ورود علم الله سبحانه في هذه السورة: اختار واجتبى من هو أهل للاجتباء كيوسف ـ عليه السلام، واستجاب دعاءه، وعلم كيد إخوة يوسف وكذبهم ، ورد يوسف إلى يعقوب عليهما الصلاة والسلام ، و علَّم يوسف ويعقوب ـ عليهما السلام ـ من العلوم الكثيرة.

الجانب الأول: الآيات التي فيها التركيز على علم الله تعالى وحكمته:

        1. {وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [آية:6]
        2. {فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آية:34][*=1]{قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ} [آية:77][*=1]{يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [آية:83]
  • الجانب الثاني: الآيات التي فيها: إعطاء الله تعالى العلم لسيدنا يعقوب ويوسف ـ عليهما السلام ـ لإحسانهما ورعاية الله تعالى لعباده الصالحين المحسنين، وفي المقابل ذكر أنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون.
  1. {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [آية:21]
  2. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [آية:22]
  3. {قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [آية:37]
  4. {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [آية:68]
  5. {قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [آية:86]
  6. {قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [آية:96]
  7. {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} [آية:101]
وقد وردت آيات أخرى تركتها اختصارًا، وقد شرحت هذا الدليل في المبحث الخامس.
  1. وأما القول الثاني القائل: "مقصود السورة عاقبة الصبر على الابتلاء النصر، وأنها طريق التمكين؛ تثبيتًا ووعدًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين". فهذا قريب من القول الأول لكن القول الأول أجمع لمقصود السورة منه، ويرِدُ عليه ما ورد على القول الأول من الاعتراض.
  2. وأما القول الثالث القائل:" مقصودها ما لخصه قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)}، وقوله تعالى: {ومَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:67] وهو بيان قدرة الله تعالى وحكمته على تحقيق الفرج والنصر، من خلال بيان كمال قدرته وحكمته على توجيه أحداث الغيب حسبما أراد، وغلبة إرادته لجميع الإرادات".
فما ذكره صحيح لكنه جزء من مقصود السورة، ويرد عليه ما ورد على القول الأول، كتركه بيان أن مما تقصده السورة:" إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم".
  1. وأما القول الرابع القائل:" مقصود السورة:
  • بيانُ ولاية الله لعباده الذين أخلصوا إيمانهم له تعالى فكانوا في غاية الإخلاص له والعفة، وامتلأت قلوبهم بمحبته وبالثقة به لا يبغون له بدلًا، ولا يلوون إلى غيره ـ ولايته بالتربية، والاجتباء والإخلاص إليه، والإنجاء من الشدائد والكيد، والتمكين والعزة والنصرة، ورفع الدرجات دنيا وأخرى.
  • وإعطاءُ القدوة وتصوير الفضائل في أَسمى صورها بقص قصة نبي كريم تقلب في أطوار كثيرة كان قدوة وأسوة حسنة فيها كلها".
فيرد عليه ما ورد على القول الثالث.
  1. وأما القول الخامس: القائل:" مقصود السورة: هو والتأكيد والإثبات والتدليل على أنَّ القرآن الكريم وحي من الله تعالى، أنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبًا على الله" فقد ترك أن من مقصود السورة:" بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين ".
كما تدل عليه بداية السورة وخاتمتها: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [الآيات (5ـ 7)].
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الآيات:(110 ـ 11)}، وقد بينت دلالة الآيات على هذا المعنى في المبحث الرابع.
  1. [*=1]وأما القول السادس القائل: مقصودها:
  • القطع بأنَّ القرآنَ من عنده سبحانه، ووصفه بالإبانة لكل ما يوجب الهدى؛ لما ثبت مِنْ تمامِ علْمِ مُنزِلِه تعالى غيبًا وشهادةً، ردًا على من كذب بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن، ومن هداه ذكر قصة يوسف التي فيها النموذج الكامل والقدوة الكاملة في أطوار كثيرة.
  • وأنه لا بد أن يكون ما أراده الله وشاءه؛ لشمولِ وعظيم قدرتِه قولاً وفعلًا، ولأنه إليه يرجع الأمر كله، فينصر عابديه كما فعل مع يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدما لقي الشدائد من أقرب الناس إليه ومن غيرهم، ومن الغربة وشتات الشَّمْل، ثم كانت له العاقبة فيه على أتم الوجوه؛ لما صبر على شديد البلاء وفوض الأمر إلى الله سبحانه، تسلية وتثبيتًا لهذا النبي الأمين وتأسية بمن مضى من إخوانه المرسلين، وبشارة إلى ما وقع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح من ملك قيادهم، وتذكيرًا وعظة للكافرين.
وهذا القول هو الذي اختاره إمام هذا الشأن البقاعي، وسيد قطب، وعبد الرحمن حبنكة، وسيد طنطاوي.
فهذا القول أجمع الأقوال لمقصود السورة، فقد حوى المقصود والمحور من أطرافه، وراعى جميع جوانب السورة من حيث الجو الذي نزلت فيه، ودلالة مقدمتها وخاتمتها، ومضمونها وقصتها، والألفاظ التي كثر دورها فيها ،وهو الذي نختاره ونعبر عنه بعبارة أخصر بأن نقول:
مقصود السورة:

  • إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وأشرك، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم.
  • بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين ".
وأما القول السابع: القائل " مقصود السورة هو الدعوة إلى توحيد الله، ونبذ الشركاء والأنداد، ومن جملة ذلك أن الحكم له وحده سبحانه، وبيان أن الإيمان بالله هو الطريق الواضح، والدين القيّم الذي يسمو بصاحبه ويعصمه من الفتنة، ويمنعه من الرذيلة، ويجعله يقف ثابت اليقين، يقاوم الإغراء، وتربط بين رسالات السماء جميعها برباط أساسي وهدف مشترك وهو التوحيد ونبذ الشرك".
فقوله " مقصود السورة هو الدعوة إلى توحيد الله، ونبذ الشركاء والأنداد" لا شك أنه صحيح بدليل بداية السورة وخاتمتها في الرد على المشركين، وما ورد في قصة دعوة سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ للسجينين.
وقوله:" وبيان أن الإيمان بالله هو الطريق الواضح، والدين القيّم الذي يسمو بصاحبه ويعصمه من الفتنة، ويمنعه من الرذيلة، ويجعله يقف ثابت اليقين" لا شك أنه صحيح.
لكن هذا القول ترك أن من أجزاء مقصود السورة "إثباتُ أنَّ القرآنَ وحي هادٍ، من الله تعالى؛ دعوةً له وردًا على من جحده، وكذب بأن الله علمه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم".
وترك أن من أجزاء المقصود: "بيانُ حسنِ عاقبةِ المؤمنين المحسنين بنصرِهم على مَنْ مَكَر بهم وإن طال الأمد، وإيتائِهم العلمَ، وولايةِ الله تعالى لهم، وأنه غالب على أمره عليم بكل شيء؛ تثبيتًا وتسليةً للرسول والمؤمنين " وهذا جزء هام وهو الطابع الغالب على السورة.
وبعد هذه الرحلة في ظلال هذه السورة الكريمة تبين لنا بفضل الله تعالى وفتحه أنَّ مقصود السورة هو ما قرره أصحاب القول السادس، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }.






الفيس واليوتيوب :علي هاني العقرباوي
عمان الأردن ـ 3 ـ رمضان ـ 1441






[1] قريب منه في سورة الأعراف: { تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }[الأعراف:101]،وفي سورة هود:{ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود:120]،وطه:{ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا }[طه:99].

[2] دلالة أسماء السورة القرآنية على محاورها وموضوعاتها/د. عمر عرفات (148).

[3] دلالة الألفاظ التي انفردت بها سورة يوسف في ضوء وحدتها الموضوعية /د. جهاد نصيرات، أحمد حسين إسماعيل (6 ـ 34).

[4] في ظلال القرآن / سيد قطب (4/ 1966).

[5] قد عرفت به، وشرحت طريقته في بحث " المناسبات العجيبة بين مقدمة سورة يوسف وخاتمتها".

[6] حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي (5/ 150) مع شيء من كلام محمد رشيد رضا تفسير المنار/ محمد رشيد رضا) (12/ 208)،( روح المعاني/ الآلوسي (6/ 362)، (سورة يوسف دراسة تحليلية /د. أحمد نوفل (88)) بتصرف.

[7] أسرار ترتيب القرآن/ السيوطي (109).

[8] سورة يوسف دراسة تحليلية/ د. أحمد نوفل (88)، وفيه أيضًا أن في سورة هود عليه السلام قصة نوح ـ عليه السلام ـ مع ابنه، وفي سورة يوسف قصة يعقوب عليه السلام مع ابنه يوسف ـ عليه السلام ـ لكن شتان ما بينهما، ابن نوح قال: إنه سيأوي إلى قمة جبل ـ ظالمًا [كافرًا]، وسيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ ألقي في قعر جب ـ مظلومًاـ والذي طلب النجاة هلك، والذي طلب له الهلاك نجا.

[9] البرهان في تناسب سور القرآن/أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (227)، نظم الدرر في تناسب الآي والسور (4/12،11،10)، (سورة يوسف دراسة تحليلية /د. أحمد نوفل (88)).

[10] قال الدكتور أحمد نوفل: وما أشبه قصة سيدنا شعيب ـ عليه السلام ـ مع قومه في سورة هود حين قالوا له: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91]، وكانوا الأذلة وهو العزيز، وفي قصة سيدنا يوسف ـ عليه السلام، مع أخوته {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف:9] ثم كان هو " العزيز" بعد أن كان المستضعَفَ المكيدَ. (سورة يوسف دراسة تحليلية /د. أحمد نوفل (90))

[11] (نظم الدرر/ البقاعي (4/4). بتصرف يسير.

[12] وبهذا أيضاً يحصل الجواب عن عدم تكرير قصة أصحاب الكهف ،وقصة ذي القرنين ، وقصة موسى مع الخضر ، وقصة الذبيح إسماعيل، وقصة أصحاب الجنتين ونحوها ؛ لأن موضوعها ليس كموضوع قصص الأنبياء من الدعوة وما يتعلق بها ، وقد يقال لكن قصة آدم تكررت مع أنها ليس من قصص الدعوة ، فالجواب أن قصة آدم تبين سبب نزول البشر إلى الأرض،و هدف وجودهم في الحياة وهي قضية خطيرة مهمة في البشرة، ثم خطر المعصية فالشجرة التي نهي آدم ـ عليه السلام ـ عنها تمثل الأوامرَ والنواهيَ التي يؤمر بها الناس على الأرض ، وخطرَ مخالفتها ، ثم فيها تذكير بالموطن الأول لهم، وهو الجنة لترغيبهم بالرجوع إليه ، وفيها بيان خطر إبليس وتوعده لإضلال البشرية؛ فلشدة أهمية وخطر هذه القصة كررت مع زيادات في كل موضع تناسب موضوع السورة التي سيقت القصة لخدمته، بل قصة آدم كانت أول قصة ذكرت في أوائل سورة البقرة لتجيب عن أهم سؤال تحيرت فيه البشرية ، وهو سبب وجودهم على هذه الأرض.

[13] قال سيد قطب:" وقد بدأت القصة وانتهت في سورة واحدة؛ لأن طبيعتها تستلزم هذا اللون من الأداء، فهي رؤيا تتحقق رويدًا رويدًا ، ويومًا بعد يومٍ ، ومرحلةً بعد مرحلةٍ، فلا تتم العبرة بها - كما لا يتم التنسيق الفني فيها - إلا بأن يتابع السياق خطوات القصة ومراحلها حتى نهايتها، وإفراد حلقة واحدة منها في موضع لا يحقق شيئًا من هذا كله كما يحققه إفراد بعض الحلقات في قصص الرسل الآخرين: كحلقة قصة سليمان مع بلقيس، أو حلقة قصة مولد مريم، أو حلقة قصة مولد عيسى، أو حلقة قصة نوح والطوفان ... إلخ، فهذه الحلقات تفي بالغرض منها كاملًا في مواضعها، أما قصة يوسف فتقتضي أن تتلى كلها متوالية حلقاتها ومشاهدها ، من بدئها إلى نهايتها وصدق اللّه العظيم : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ}(في ظلال القرآن(4/ 2037).

[14] قال القرطبي:" قال العلماء: وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنًى واحد في وجوه مختلفة، بألفاظ متباينة على درجات البلاغة، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها، فلم يقدر مخالفٌ على معارضة ما تكرر، ولا على معارضة غير المتكرر، والإعجاز لمن تأمل".
(الجامع لأحكام القرآن/ (9/ 118).

[15] هذا المبحث ملخص من: (البرهان في تناسب سور القرآن/أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (227))، و(نظم الدرر في تناسب الآي والسور (4/12،11،10)، و(الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي (9/ 118و208)، و(روح المعاني/ الآلوسي (6/ 362)، و(في ظلال القرآن (4/ 2037))، و(تفسير المنار/ محمد رشيد رضا) (12/ 208)، و(سورة يوسف دراسة تحليلة /شيخنا الدكتور أحمد نوفل (ص9).


[16] تفسير الطبري 12/93 "

[17] البرهان في تناسب سور القرآن/أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (227)، نظم الدرر في تناسب الآي والسور (4/12،11،10).

[18] حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي (5/ 150).

[19] ألف سؤال وجواب في القرآن/ قاسم عاشور (274).

[20] سورة يوسف فوائد وفرائد/ محمد بن خالد الخضير (ص 3).

[21] تفسير القرآن الكريم/ محمد أحمد إسماعيل المقدم (3/ 218).

[22] صفوة التفاسير / الصابوني (2/34)، (إيجاز البيان في سور القرآن / الصابوني (49).

[23] تأملات في سورة يوسف عليه السلام لحمد العثماني/ حمد بن محمد العثماني (38).

[24] يتم ذلك من خلال: استعراض لقصة يوسف ـ عليه السلام ـ والمحن التي مر بها وذلك لبيان:

  • أن تدبير الله للأمور يختلف عن النظرة البشرية القاصرة.
  • وأن حقيقة الأمور وغاياتها ومقاصدها قد تكون خلاف ظاهر الأحداث.
  • وأن على الدعاة دائمًا التمسك بالصبر والأمل وعدم اليأس في فترات الشدة.
  • وأن عليهم التواضع والإخلاص لله في فترات الرخاء. والآيات :{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) }، { يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) }،{ قَالُوا أَئنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}، { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يا أبت هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) } ـ آيات محورية في هذا المعنى.
  • وأن على الدعاة الاقتداء بنجاح سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ بقدراته البشرية العادية التي سخرها في إطار من الإيمان والتصميم وقوة الإرادة للفوز في الدنيا والآخرة. (مشروع تواصل (تنمية وحضارة) على الفيس.
[25] إن سورة يوسف من السور التي نزلت لتثبيت قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسليته، فدَرْب الأنبياء والمؤمنين محفوف بالمخاطر والأذى؛ لذا كان المدد من الله في تسليتهم وتثبيتهم، وذلك بمواساتهم بما حصل مع إخوتهم الأنبياء من قبل، فهذه السورة نزلت في أوقات عصيبة حلت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد توالت الكروب والبلايا عليه وعلى المؤمنين، وذلك بعد أن فقد عليه الصلاة والسلام زوجته "خديجة" رضي الله عنها، وعمه "أبا طالب" فقد كانا له خير معين ونصير، وبوفاتهما اشتد الأذى والبلاء على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. .. إنَّ سور القرآن كلها تتصف بمزايا وخصائص عديدة، وهذه المزايا والخصائص لا تكاد تنتهي عجائبها عند كل ذي لب، فسور القرآن الكريم لها موضوعها وجوها وبيئتها وأحداثها الخاصة بها؛ لذا فسورة يوسف اتسمت على غرار السور الأخرى بصبغة ، انفراد أحداثها كلها في قصة واحدة لم تتكرر في مواضع أخرى، وكذلك هي من أكثر سور القصص القرآني تنوعًا، في الشخصيات والمشاعر والبيئات وتطور الأحداث، وقد وصفت هذه السورة بأحسن القصص ولم يوصف غيرها بذلك، وما ذلك إلا لتميزها وتفردها؛ ولقد كان لهذه السورة حين نزولها دور بارز في تثبيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والجماعة المؤمنة، وهي بدورها منارة لكل من سلك طريق الدعوة إلى الله....وقد حقق القسم القصصي من السورة غرض التثبيت بطريق غير مباشرة في صورة النهايات السعيدة لجل شخصيات القصة ، وفي صورة الإشارات المتعددة إلى أن العاقبة للمتقين ، بينما حقق التأصيل والتعقيب تسلية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بطريق مباشر . (دلالة الألفاظ التي انفردت بها سورة يوسف في ضوء وحدتها الموضوعية إعداد د. عمر حماد بإشراف الأستاذ الدكتور الفاضل جهاد محمد فيصل النصيرات. أحمد حسين إسماعيل حسين. (6،5،1).

[26] ص 6

[27] دروس مسجلة في مقاصد السور على الانترنت.

[28] تفسير المراغي/أحمد بن مصطفى المراغي (12/ 124).

[29] ثم قال :" وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله يوسف بن يعقوب وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته والآخرين في بيت عزيز مصر والسجن وفي تآمر النسوة حتى نجّاه الله تعالى، والمقصود بهذه السورة التسرية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما مرّ به من أذى ومن محن في عام الحزن وما لاقاه من أذى القريب والبعيد فأراد الله تعالى أن يقص عليه قصة أخيه يوسف وما لاقاه هو في حياته، وكيف أن الله تعالى فرّج عنه في النهاية؛ لأنه وثق بتدبير الله تعالى ولم ييأس لا هو ولا أبوه يعقوب، ونلاحظ أن سورة يوسف تناولت قصة يوسف الإنسان وليس يوسف النبي إنما جاء ذكره كنبي في سورة غافر؛ لذا فقصته في سورة يوسف لها ملامح إنسانية تنطبق على يوسف وقد نتطبق على أي من البشر، وقصة يوسف تمثل قصة نجاح في الدنيا (أصبح عزيز مصر) وقصة نجاح في الآخرة أيضاً (وقوفه أمام إغراءات امرأة العزيز رغم كل الظروف المحيطة به خوفاً من الله عزّ وجلّ)، فجاءت ندّية في أسلوب ممتع رقيق يحمل جو الأنس والرحمة وقد قال عطاء: "لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها" وقال خالد بن معدان: "سورة يوسف ومريم مما يتفكّه به أهل الجنة في الجنة". ولقد ابتدأت السورة برؤيا {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4]، وانتهت بتفسير الرؤيا: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف:100].
وتسير أحداث القصة بشكل مدهش فالأصل أن يكون محبة الأب لابنه شيء جميل لكن مع يوسف تحول هذا الحب لأن جعله إخوته في البئر، ثم إن الوجود في البئر أمر سيء لكن الله تعالى ينجي يوسف بأن التقطه بعض السيّارة، ثم كونه في بيت عزيز مصر كان من المفروض أن يكون أمراً حسناً لولا ما همّت به امرأة العزيز، ثم السجن يبدو سيئاً لكن الله تعالى ينجيه منه ويجعله على خزائن الأرض ثم يصبح عزيز مصر، وكأن الرسم البياني للسورة يسير على النحو التالي: بيت الأب، البئر، قصر العزيز عزيز مصر، السجن.
وقد أسهبت السورة في ذكر صبر يوسف على محنته بدءاً من حسد إخوته له وكيدهم ثم رميه في الجبّ ومحنة تعلق امرأة العزيز به ومراودته عن نفسه، ثم محنة السجن بعد الرغد الذي عاشه في بيت العزيز، ولمّا صبر على الأذى في سبيل العقيدة وصبر على الضر والبلاء نقله الله تعالى من السجن إلى القصر، وجعله عزيز مصر وملّكه خزائن الأرض، وجعله السيد المطاع والعزيز المكرم ، وهكذا يفعل الله تعالى بأوليائه ومن يصبر على البلاء، فلا بد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بمن سبقه من المرسلين ويوطّد نفسه على تحمل البلاء { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف: 35]، وكأنما قصة يوسف مشابهة نوعاً ما لما حصل مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيوسف لاقى الأذى من إخوته والرسول - صلى الله عليه وسلم - لاقاه من أقرب الناس إليه من أقاربه وعشيرته ويوسف هاجر من بلده إلى مصر وفيها أكرمه الله بجعله عزيز مصر وفي هذا إشارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بهجرته إلى المدينة سيكون له النصرة والمنعة ويحقق الله تعالى له النصر على من آذوه وأخرجوه من مكة، وقد تحدثت الآيات كثيراً عن عدم اليأس في سورة يوسف فالأمل والصبر موجودان دائماً للمؤمن مهما بلغت به المحن والبلايا {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[ آية 87]و {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[ وآية 110 ]، ولننظر إلى قمة التواضع عند يوسف - عليه السلام - فبعد كل ما أعطاه الله تعالى إياه من ملك مصر وجمعه بأهله جميعاً ماذا طلب من ربه بعد هذا كله؟ قال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[آية101 ]،فيا لتواضعه - عليه السلام ـ ".لمسات بيانية / د. فاضل السامرائي (محاضرات مفرغة).

[30] الخرائط الذهنية لسور القرآن / صفية السحيباني (ص11).

[31] الأحداث في سورة يوسف غريبة ، تسير بعكس الظاهر ...مع أن إلقاء يوسف ـ عليه السلام ـ في البئر في ظاهره أمر سيء ، لكن نتيجة هذا الإلقاء كانت أنه أصبح في بيت العزيز ،ووجود يوسف في بيت العزيز هو أمر ظاهره جيد ، لكنه بعد هذا البيت ألقي في السجن ، وكذلك سجن سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ في غاية السوء لكن نتيجته كانت تعيينه في منصب عزيز مصر ، فالله سبحانه وتعالى يخبرنا من خلال قصة يوسف ـ عليه السلام ـ بأنه هو الذي يدبر الأمور ، وقد تكون نظرة المرء للأحداث التي تحصل معه على أنها سيئة لكن هذه النظرة قاصرة عن إدراك تقدير الله تعالى وحكمته في قضائه ... رغم كل الصعوبات هذه الصعوبات نرى سيدنا يوسف ـ وسط هذا كله ـ ثابت الأخلاق لا ينحني مع منحنيات الحياة ...تَعَلَّمْ من سيدنا يوسف كيف كان متحليًا بالصبرِ والأملِ وعدمِ اليأس رغم كل الظروف ، وبالمقابل تعلَّمْ منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان بالتواضع والإخلاص لله تعالى عز وجل ، فالسورة تعلمنا أن حياة الإنسان عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة ، فلا يوجد إنسان كانت حياتُه كلُّها فتراتِ رخاء، أو كلها فترات شدة وهو في الحالتين : الرخاء والشدة يختبر .
وقصة يوسف عليه السلام هي قصة ثبات الأخلاق في الحالتين ، فنراه في الشدة صابرًا لا يفقد الأمل ولا ييأس ، ونراه في فترات الرخاء متواضعًا مخلصًا لله عز وجل ...وكان التعقيب على تجربة يوسف ـ عليه السلام ـ آية رائعة ؛ ليطمئن قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى نصر الله تعالى ووعده ، ولتسمعها أمته من بعده وتوقن بها { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }[آية 110].(خواطر قرآنية / عمرو خالد (171 ـ 175).

[32] { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }[آية:87] إن قصة يوسف ـ عليه السلام ـ قصة نجاح إنسان مرت عليه ظروف صعبة ، لم يملك فيها أيَّ مقوم من مقومات النجاح، لكنه لم يترك الأمل وبقي صابرًا ولم ييأس ، وآيات السورة مليئة بالأمل ومن ذلك أن يعقوب ـ عليه السلام ـ عندما فقد ابنه الثاني وصارت المصيبة مصيبتين قال { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [آية:87]...فالإنسان لا يدرك أن تدبير الله سبحانه وتعالى في الكون لا يعرفه أحد ، وأن الله تعالى كريم رحيم حكيم في أفعاله.

[33] من الملاحظات المهمة أنَّ السورة ركزت على حياة سيدنا يوسف البشرية ، أي على يوسف الإنسان لا على يوسف النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتسليط الضوء على يوسف عليه السلام نبيًا كان في سورة غافر حين قال سيدنا موسى عليه السلام { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}[غافر : 34]، فتجربة يوسف ـ عليه السلام ـ في هذه السورة هي تجربة إنسانية بحتة ، كانت نهايتها نجاحًا كاملًا في الدنيا والآخرة ، فلقد نجح في الدنيا وتفوق في حياته عندما أصبح عزيز مصر ، ونجح في الآخرة حين قاوم امرأة العزيز وقاوم مغريات نساء المدينة ، فالسورة باختصار قصة نجاح إنسانية ، إنها قصة نجاح إنسان صبر ولم ييأس بالرغم من كل الظروف التي واجهها ، والتي لم يكن لإنسان أن يتوقع نجاحه ، فمن السجن والعبودية وكراهية إخوته له إلى الغربة ، إلى مراودة امرأة العزيز له عن نفسه ، إلى تحمل الافتراء والاتهامات الباطلة .(خواطر قرآنية / عمرو خالد (174).

[34] تيسير التفسير / اطفيش (4/ 297).

[35] موقع الدرر السنية (على الانترنت) /موسوعة التفسير / بإشراف علوي السقاف.

[36] دلائل النظام /عبد الحميد الفراهي الهندي (95)، قال سيد قطب:" إن الخاطر ليذهب بي اللحظة إلى الإحساس بالإيحاء البعيد بالإخراج من مكة إلى دار أخرى يكون فيها النصر والتمكين مهما بدا أن الخروج كان إكراهًا تحت التهديد! كما أخرج يوسف ـ عليه السلام ـ من حضن أبيه؛ ليواجه هذه الابتلاءات كلها. ثم لينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين: {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ، وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
(4/1950). قال ابن عاشور:" وفيها العبرة بهجرة قوم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى البلد الذي حل به كما فعل يعقوب- عليه السلام- وآله، وذلك إيماء إلى أن قريشًا ينتقلون إلى المدينة مهاجرين تبعا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم". (12/199).

[37] دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د. عمر عرفات (148،147).

[38] الانفرادات اللفظية من سورة الأنعام ـ يوسف / د. عمر حماد (ص160).

[39] المختصر في تفسير القرآن الكريم/جماعة من العلماء (235).

[40] أول مرة أتدبر القرآن/ عادل محمد خليل (79).

[41] دروس مفرغة للشيخ ياسر برهامي (29/ 2).

[42] دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د. عمر عرفات (147).

[43] البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (2/ 585).

[44] محاور السور وتكاملها وخلاصة معانيها/محمد فاروق الزين (109).

[45] ثم قال: وقد بين تعالى ذلك بسرد قصة يوسف الصديق ـ عليه السلام ـ ولم يرد في سور القرآن الكريم تفصيل قصة من القصص باستقصائها من أولها إلى آخرها غير قصته (عليه السلام)، وقد خصت السورة بها من غير شركة ما من غيرها.
فقد كان ـ عليه السلام ـ عبدًا مخلصًا في عبوديته فأخلصه الله لنفسه و أعزه بعزته، و قد تجمعت الأسباب على إذلاله و ضعته فكلما ألقته في إحدى المهالك أحياه الله تعالى من نفس السبيل التي كانت تسوقه إلى الهلاكة: حسده إخوته فألقوه في غيابة الجب ثم شروه بثمن بخس دراهم معدودة فذهب به ذلك إلى مصر و أدخله في بيت الملك و العزة، راودته التي هو في بيتها عن نفسه و اتهمته عند العزيز و لم تلبث دون أن اعترفت عند النسوة ببراءته ثم اتهمته و أدخلته السجن فكان ذلك سبب قربه عند الملك، و كان قميصه الملطخ بالدم الذي جاءوا به إلى أبيه يعقوب أول يوم هو السبب الوحيد في ذهاب بصره فصار قميصه بعينه و قد أرسله بيد إخوته من مصر إلى أبيه آخر يوم هو السبب في عود بصره إليه، و على هذا القياس.
وبالجملة كلما نازعه شيء من الأسباب المخالفة أو اعترضه في طريق كماله جعل الله تعالى ذلك هو السبب في رشد أمره ونجاح طلبته، ولم يزل سبحانه يحوله من حال إلى حال حتى آتاه الحكم والملك واجتباه وعلمه من تأويل الأحاديث و أتم نعمته عليه كما وعده أبوه (تفسير الميزان/ الطباطبائي (11/40).يقول علي هاني: نحن لا نوافق الطباطبائي على أن إخوته هم الذين شروه بل تركوه فوجده السيارة وشروه في مصر.

[46] تفسير الميزان/ الطباطبائي (11/40).

[47] المنتخب في تفسير القرآن الكريم/ لجنة من علماء الأزهر (330).

[48] تفسير المنار/ محمد رشيد رضا) (12/ 208)، (سورة يوسف دراسة تحليلية / د. أحمد نوفل (ص91).

[49] التفسير الوسيط للقرآن الكريم/ مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (4/ 274).

[50] لكن زاد طهماز على هذا المقصد قوله:" وأن الوحي مصدر من أعظم مصادر العلم والحقيقة".

[51] قال القرطبي. قال العلماء: وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة، بألفاظ متباينة على درجات البلاغة، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر، ولا على معارضة غير المتكرر، والإعجاز لمن تأمل .( الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي(9/ 118).

[52] عبارة الشيخ سعيد حوى:" تبدأ سورة يوسف بقوله تعالى: {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ}[يوسف:1 ـ3] ..وتنتهي سورة يوسف بقوله تعالى: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ* ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف:111].
تأمل هذه البداية والنهاية وتذكر: أنَّ سورة يونس جاءت مفصلة للآية الأولى في البقرة: {الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:1 ـ3]،وأن سورة هود مفصلة لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]،وسنرى أن سورة الرعد تأتي مفصلة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها}[البقرة:26]،فالمفروض على حسب نظريتنا التي مشينا عليها أن يكون محور سورة يوسف ما بين قوله تعالى في البقرة :{يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة:21] ... وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها}[البقرة:26].
وأول آية تصادفنا بعد قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً }[البقرة:21ـ 22]...هي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:23] وإذا تأملنا مقدمة سورة يوسف ونهايتها، أدركنا أن محور السورة هو هذا، فسورة يوسف تبدأ بتقرير أن منزل الكتاب على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الله، وأن سيدنا محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن ينزل عليه هذا القرآن كان من الغافلين، وتختم السورة بنفي أن يكون هذا القرآن مفترى من دون الله، وما بين ذلك تأتي قصة يوسف ـ عليه السلام ـ بتفصيل وترتيب عجيبين ليكون ذكرها في هذا المقام دليلًا على أن هذا القرآن من عند الله، وعلى أنه لا يرقى إليه ريب ولا شك، وأنه لا يكون إلا من عند الله بما حواه من تفصيل لكل شيء وهداية ورحمة، فسورة يوسف فيها الدليل على: أن منزل هذا القرآن هو الله، وأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون مكذوبًا على الله، وأن ذكر قصة يوسف على مثل هذا البيان والتفصيل والكمال والعظة والصدق والدقة والبلاغة في اللفظ والأسلوب والعرض وبما يصدق ما في الكتب السماوية السابقة، كل ذلك دليل على أن مثل هذا الكمال لا يصدر إلا عن المحيط علما بكل شيء وهو الله جل شأنه، إن محور سورة يوسف هو قوله تعالى: {وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ}[البقرة: 23ـ 24] إن السورة تؤكد أن هذا القرآن تنزيل من الله على قلب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقيم الدليل على ذلك بما حوته من إعجاز، لقد ختمت سورة يوسف بقوله تعالى: {وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف:111 ]، فهذا الختام يوحي أن سورة يوسف علامة ونموذج على هذا التصديق، وعلى هذا التفصيل ....(الأساس في التفسير/ سعيد حوّى (5/ 2621).
وقال الشيخ سعيد أيضًا:" رأينا أن محور سورة يوسف هو قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا}[البقرة:23]
ونلاحظ أن المقدمة ذكرت أن الله عزّ وجل يقص في هذا القرآن أحسن القصص، وكيف أن سيدنا محمدًا ـ عليه الصلاة السلام ـ كان قبل الوحي غافلًا، فلم يكن متعلمًا ولا مقبلًا على التعلم، وقد وصف القرآن في هذه المقدمة بالبيان، فإن يكون كتاب هذا شأنه في مثل هذا البيان، وفي مثل هذا الحسن، وفي اختيار القصة الهادفة، وأن يكون منزلًا على مثل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أميته، وعدم تعلمه، إنَّ هذا كله لا يمكن أن يكون، لولا أنَّ هذا القرآن من عند الله، فالسورة إذن تعالج موضوع الريب والشك بشكل يختلف عما عالجته سور أخرى".(الأساس في التفسير/سعيد حوى (5/ 2630).

[53] «النظم الفنّي في القرآن» /عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز (149)، ونقله جعفر شرف الدين في "الموسوعة القرآنية، خصائص السور"(4/127).

[54] الأقوال الحسان في حسن نظم القرآن / عبد المتعالي الصعيدي (1/151).

[55] جاء في الانفرادات اللفظية / د. عمر حماد: ورد الجذر (علم) تسعًا وعشرين مرة في السورة، والابتلاء والتمكين أساسها العلم، فلا بد للتمكين وصقل الشخصية من العلم. (166).

[56] وأكمل كلامه:" فالحقيقة لا تعرف كلها بالعلوم التجريبية وحواس الإنسان المادية ، فثمة مصدر آخر للحقيقة لا يصل إليه إلا من اختارهم الله تعالى واجتباهم من الأنبياء والمرسلين ، هو الوحي المنزل من الله تعالى عليهم ، وقد أبرزت الآية الأولى في السورة هذا الموضوع وأكدته بقوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}كما أكدته أيضًا من التعقيب الأول على حوادث القصة في قوله تعالى { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)} ويلاحظ القارئ أن سورة يوسف اهتمت كثيرًا ببيان صلة الوحي بالعلم ، وأنَّ الوحي مصدر من مصادره ، فعلم تعبير الرؤيا وعلوم يوسف ـ عليه السلام ـ التي كانت سبب نجاته من محنة السجن وتمكينه في أرض مصر وسلطانها ، مما علمه الله تعالى يوسف بواسطة الوحي، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام { ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي}[يوسف: 37].
وعلوم يعقوب عليه السلام التي عبر بها رؤيا يوسف، وواجه أيضًا بها أولاده مما علمه الله بواسطة الوحي أيضًا، ولهذا قال عليه اسلام {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} ، وكل هذه العلوم جزء من علم الله تعالى الذي وسع كل شيء علمًا، والذي قال: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}.(التفسير الموضوعي لسور القرآن العظيم / عبد الحميد طهماز (4/118،117).

[57] مَصَاعِدُ النَّظَرِ للإشْرَافِ عَلَى مَقَاصِدِ السِّوَرِ/ البقاعي (4/ 3)، (نظم الدرر / البقاعي (4/4،3).

[58] نظم الدرر / البقاعي (4/4،3).

[59] الأصلان في علوم القرآن/أ. د. محمد عبد المنعم القيعي(ص239).

[60] معارج التفكر ودقائق التدبر / عبد الرحمن حبنكة الميداني (10/597).

[61] التفسير الوسيط للقرآن الكريم/ محمد سيد طنطاوي (7/ 300).

[62] في ظلال القرآن / سيد قطب (4/ 1965).

[63] المرجع السابق (4/ 1951).

[64] يقول علي هاني وقد جاء في ضمن كلام سيد قطب هذا الكلام حيث قال: " وفي السورة تعريف بخصائص الألوهية ، وفي مقدمتها «الحكم» وهو يرد مرة على لسان يوسف - عليه السلام - بمعنى الحاكمية في العباد من ناحية دينونتهم وطاعتهم الإرادية ، ويأتي مرة على لسان يعقوب - عليه السلام - بمعنى الحاكمية في العباد من ناحية دينونتهم للّه في صورتها القهرية القدرية ، فيتكامل المعنيان في تقرير مدلول الحكم وحقيقة الألوهية على هذا النحو الذي لا يجيء عفوا ولا مصادفة أبدا يقول يوسف في معرض تفنيد ربوبية الحكام في مصر ومخالفتها لوحدانية الألوهية :
«يا صاحِبَيِ السِّجْنِ، أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ؟ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، ذلِكَ الدِّينُ القيم "ويقول يعقوب في معرض تقرير أن قدر اللّه نافذ وأن قضاءه ماض: «يا بَنِيَّ ، لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ ، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» ..
وهذا التكامل في مدلول الحكم يشير إلى أن الدين لا يستقيم إلا أن تكون الدينونة الإرادية للّه في الحكم، كالدينونة القهرية له سبحانه في القدر. فكلاهما من العقيدة وليست الدينونة في القدر القاهر وحدها هي الداخلة في نطاق الاعتقاد، بل الدينونة الإرادية في الشريعة هي كذلك في نطاق الاعتقاد. (في ظلال القرآن/ سيد قطب (4/ 1967).
وقال " إنها تقرر ابتداء وحدة العقيدة الإسلامية التي جاء بها الرسل جميعا واستيفاء مقوماتها الأساسية في كل رسالة وقيامها على التوحيد الكامل للّه سبحانه، وعلى تقرير ربوبيته للبشر وحده، ودينونة البشر له وحده.. كما تقرر تضمن تلك العقيدة الواحدة للإيمان بالدار الآخرة بصورة واضحة. وهذا التقرير يقطع الطريق على مزاعم ما يسمونه «علم الأديان المقارن» من أن البشرية لم تعرف التوحيد ولا الآخرة إلا أخيرا جدًا، بعد أن اجتازت عقائد التعدد والتثنية بأشكالها وصورها المختلفة وأنها ترقت في معرفة العقيدة كما ترقت في معرفة العلوم والصناعات.. هذه المزاعم التي تتجه إلى تقرير أن الأديان من صنع البشر شأنها شأن العلوم والصناعات «3».
كذلك هي تقرر طبيعة ديانة التوحيد التي جاء بها الرسل جميعًا. (في ظلال القرآن / سيد قطب (4/ 1963).

[65] دراسات في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم / د. زاهر عواض الألمعي (142).

[66] التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم / مجموعة من العلماء (3/505)، وجاء فيه أيضًا:" يوسف عليه السلام رسول من رسل الله، ورسل الله عليهم السلام دعوا إلى التوحيد الخالص لله تعالى، وبتتبع مراحل حياة الرسول الكريم يوسف عليه السلام بدءا من الرؤيا، ومرورًا بمكر إخوته به وما حدث له في مصر، ولقائه بإخوته مرة أخرى، وعودته لأبويه، وانتهاء بالتعقيب على أحداث القصة كل ذلك يدل دلالة واضحة على التوحيد، وهذا ارتباط وثيق بين الاسم والمحور. التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم / مجموعة من العلماء (3/505).

[67] وعبارته:" وحين نستعرض سورة يوسف، نجد أنها سورة فريدة من نوعها من بين سور القرآن الكريم، فهناك قصص متعدد مبثوث في ثنايا سور القرآن، لكن القرآن كان يكتفي أحيانًا بذكر حلقة أو حلقات محدودة من القصة، كحلقة قصة مولد عيسى، أو حلقة قصة نوح والطوفان؛ لأن هذه الحلقات تفي بالمقصود منها.
أما قصة يوسف، فتقتضي أن تتلى كلها متوالية الحلقات والمشاهد، من بدئها إلى نهايتها، وصدق الله العظيم، إذ قال:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ }،وسورة يوسف، هي قصة يوسف مطوّعة في سردها، وطريقة أدائها ، وخصائصها الفنية كلها، للقضية الكبرى التي جاء القرآن ليعالجها ويوضحها، ويثبتها في القلوب، وهي قضية العقيدة وما يقوم عليها في حياة الناس من روابط ونظم وصلات، تسبقها في السورة مقدمة تشير إلى الوحي بهذا القرآن، وبقصصه الذي هو أحسن القصص، والذي لم يكن سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرف عنه شيئا من قبل.
وتتلوها تعقيبات شتّى، تفيد أن القصص القرآني غيب من عند الله سبحانه يثبّت به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويعظ به المؤمنين، قال تعالى: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}.
كذلك تضم السورة جناحيها على لفتات ولمسات أخرى في صفحة الكون، وفي أغوار النفس، وفي آثار الماضين، وفي ضمير الغيب المطوي، لا يدري البشر ما هو مخبوء خلف ستاره الرهيب وكل هذه العظات المبثوثة في حنايا السورة، تتناسب مع القصة، والقصة تتكامل معها، لتحقيق القضية الكبرى التي جاء بها هذا القرآن للبشرية، وجاءت بها رسالات الأنبياء في العصور المتلاحقة.
وقد ساق القرآن دعوة صريحة إلى العقيدة السليمة، والإيمان بالله تعالى على لسان يوسف ـ عليه السلام ـ حين مكث في السجن يدعو إلى الله، ويأخذ بيد الضعفاء، ويواسي المحزونين، ويفسّر الأحلام، ويشرح لهم سر معرفته وإيمانه، فيقول كما ورد في التنزيل:
{ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)} .
وبذلك نجد السورة تربط بين رسالات السماء جميعها برباط أساسي وهدف مشترك هو الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشركاء والأنداد، وبيان أن الإيمان بالله هو الطريق الواضح، والدين القيّم الذي يسمو بصاحبه ويعصمه من الفتنة، ويمنعه من الرذيلة، ويجعله يقف ثابت اليقين، يقاوم الإغراء، ويردّ المنحرف إلى طريق الصواب، قال تعالى:{وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23}( «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» /عبد الله محمود شحاته (139 ـ 141).

[68] يقول علي هاني الترقي واضح بين هذا وبين اذكرني عند ربك.
 
عودة
أعلى