أحمد بن فارس السلوم
New member
- إنضم
- 17/04/2005
- المشاركات
- 65
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
[align=center] لحن القراء
( يبحث هذا الكتاب في تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه)
تأليف :
الدكتور أحمد بن فارس السلوم
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله الواحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم الحمد الله القائل ( وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) وأخبر عن نفسه الشريفة فقال ( ورتلناه ترتيلا) ثم قال في محكم كتابه آمرا نبيه والمؤمنين ( ورتل القرآن ترتيلا).
فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا به.
أما بعد:
جنبني الله وإياك اللحن في القول والعمل، ورزقني وإياك الإصابة والسداد فيهما، ذلك لأن اللحن هجنة في الشريف، وضعة في المتعلم ، ونقص في أجر القارئ.
والمهرة الذين هم مع السفرة الكرام البررة لا يتطرق إليهم اللحن، ويحسنون قراءتهم وأفعالهم .
وهذا الجزء الذي أقدمه لك ، وأضعه بين يديك، ينادي على ما فشا في المحاريب من خطأ في إقامة حروف الذكر الحكيم، ويشهر بما انتشر بين عوام القراء من لحن في الأداء لا يحتمل وقوعه، وينبه على ما قد يزل به القرأة مما لا يعرفه إلا الماهرون منهم .
دعا إلى تسطيره شكاية المحاريب من تردد اللحن على جدرانها، وقلق المساجد لقلة المهرة الذين هم رفقاء السفرة الكرام البررة ، حتى المساجد الثلاثة التي لا تشد إلا إليها رحال المسلمين فيها من اللحن ما يقلقل القلوب المطمئنة عن طمأنينتها، وينقل النفوس المنشرحة عن انشراحها، فالأئمة يلحنون، والمؤذنون يلحنون، وأقوالنا تلحن، وأفعالنا تلحن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكذلك حال القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية التي أسست على تلاوة القرآن الكريم ونشره وتبليغه – كثر الله في المسلمين أمثالها – لم يسلم بعض قرائها من هذا اللحن المزعج، الذي هو كالنكتة السوداء في المرآة الصافية.
وكان هذا الموضوع – أعني اللحن في القراءة - قد شغلني جدا منذ زمن، وتأذيت من انتشاره، وتحرجت من كثرة سماعه، وخشيت أن يصبح مألوفا فلا ينكر، وواقعا فلا يتغير، فدعوت الله ورجوته أن ييسر لي كتابة شيء في هذا الباب، ينبه القراء على هذه المسألة، ولو بحثا يسيرا، ولو جملاً قليلة تكون للقراء كالقلادة التي أحاطت بالعنق، وذلك حسبك من القلادة وكافيك، فالحمد لله الذي يسر كتابة هذا الأوراق، ثم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وكما قيل: " إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْد شيءٍ تَيَسَّرَا "
(على أنني سلكت في النهوض بعبئه والعناية بتأليفه وجمعه مذهب أبي زبيد الطائي في قوله:
حَمَّالَ أَثْقَالِ أَهْل الوُدِّ آَوِنَةً أُعْطِيهمُ الجُهْدَ مِنِّي بَلْهَ مَا أَسَعُ)
يدعو هذا البحث إلى إقامة حروف القرآن كما أنزلها البارئ سبحانه وتعالى، إقامة خالية من التنطع، سالمة من اللحن، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
وهذه الإقامة المنشودة لحروف القرآن – يسرها الله لي ولك- مطلب شرعي، وواجب حكمي، كما أنَّ إقامة حدوده مطلب شرعي أسمى، بل إنَّ إقامة الحروف طريق لإقامة الحدود.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ أهـ
ولأجل ذلك كان من كمال النصح لكتاب الله عز وجل إقامة حروف القرآن وإعرابه على نحوٍ صحيحٍ خالٍ من اللحن والخطأ.
قال العالم الزاهد يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى: ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
قال العلماء رحمهم الله : النصيحة لكتاب الله تعالى هي بالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة .. أهـ
مَع ما لإقامة الحروف وتجويد القرآن من أثرٍ بيِّن في تحصيل الخشوع في الصلاة الذي هو من أهم أعمال المصلين، وأول ما يفقد في مساجد المسلمين، فإنَّ القارئَ الماهرَ العارف بمواطن الوقوف، وطريق الحركات والسكنات، ومواضع الألفات والمدات، يتهيأ في الصلاة خلفه من أسباب الخشوع ودواعي الطمأنينة مالا يتهيأ بالصلاة خلف من لا يحسن ذلك، ولا يعرف ما هنالك.
وهل استقرأَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم إلا البُزْلَ القناعيس مِن أصحابه، وإلا القراء المجودين الماهرين منهم؟
فبكَى لقراءةِ ابن مسعود وهو من رُفعاء القراء، وكُبراء العلماء، وحثَّ على القراءة على نحوِ قراءته، والاتساء بطريقته وتلاوته، وما ذاك إلا لسلامتها وحسنها وطيبها.
وقال صلى الله عليه وسلم – حاثاً على الأخذ عنه وعن أمثاله من القراء الماهرين- : ( خذوا القرآن عن أربع ..).
وفي هذا دليل على علو شأن الماهرين المجودين وتميزهم عما سواهم، مع أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عرباً خلصاً، لا يعتريهم اللحن، ولا يتطرق إليهم الخطأ، إلا أنه لما تميز هؤلاء الأربعة بالحفظ والإتقان والمعرفة وحسن الأداء ميزهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشرف العظيم، وحسبك بهذا دليل على علو شأن الماهرين بالقرآن، الحافظين له، العارفين به.
والقارئ: يطلق على قارئ كتاب الله بإتقان، ممن استظهره في صدره، وسلم في قراءته من اللحن والخطأ، وعرف مقاطع الوقف والابتداء، وسلمت حروفه ومخارجه من الجور والاعتداء، فإذا انضاف إلى ذلك معرفة بتفسيره وحدوده وأحكامه فذاك الغاية.
انظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) أتظن أن القارئ الذي عناه المصطفى وارتضاه للإمامة في الدين يلحن في قراءته، ويغلط في أدائه، كلا وحاشا، فإنَّ مَنْ كان كذلك حريٌّ أنْ يُؤخَّرَ في الصفوف، ويدفع عن الإمامة.
ثم انظر إلى الخبر الذي رواه البخاري من حديث ابن شهاب الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً .
أتحسب أنَّ عمر يستشير من يلحن ولا يحسن يجود القرآن ويخل بإعرابه وإقامة حروفه، وهو الذي قال في اللحن والإعراب ما قال، ولك أنْ تتوهم لو أنَّ أحداً منهم قرأ آية فلحن فيها ، أو أخطأ في حرف منها، إذاً كان يجعله نكالاً وعبرة للمسلمين.
وهو الذي ثبت عنه التشديد في القراءة والرواية، على حد سواء ، والخبر في ذلك مشهور .
وبعد، فصول هذا الكتاب ثلاثة:
الأول في لحن القراء: وفيه تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه وما ينبغي على القراء الاعتناء به والحذر منه .
الثاني في لحن المؤذنين .
والثالث في لحن الأعمال والأفعال، وهو أشدها وأنكاها .
مبنى هذه الفصول كلها على الاختصار والإيجاز في العبارة، (والحر تكفيه الإشارة).
وهذا الذي تجده في هذا الكتاب من دقيق العلم الذي يحتاج إليه الخاصة، ويصدق فيه وصف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من تعلم علما فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم .
وأما العوام وأشباههم فليسوا من هذا الباب في شيء.
أسأل الله أن يوفقني وإياك لأعراب كتابه حروفاً وحدوداً، وأن يجنبنا اللحن فيهما، ولا يجعلنا كما قال الأول ( أعربت أقوالنا فلم تلحن، ولحنت أفعالنا فلم تعرب) .
وألا نكون ذلك الرجل الذي لقيه الزاهد العابد مالك بن دينار رحمه الله، فقال فيه وفي أمثاله: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله كله لحن .
وقال بعض الزهاد : لم نؤت من جهل ولكننا نستر وجه العلم بالجهل نكره أن نلحن في قولنا ولا نبالي اللحن في الفعل .
وأسأله سبحانه أن ييسر لي ولك تحقيق القراءة على ما يحب ويرضى، وأن يجعلنا بالحال التي قال حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله تعالى لما طُولب بالتحقيق، وقال له رجل: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فبكى، ثم قال: يا ابن أخي، إنَّ التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته أهـ
اللهم ارزقنا صاينته واتباعه، وأجعلنا من أهله وحفاظه.
على الله توكلت وإليه أنبت وهو حسبي ونعم الوكيل.
وكتب: العبد الضعيف أحمد بن فارس السلوم ، في25 من ذي الحجة عام 1426 من الهجرة المباركة، في أطهر البقاع وأزكاها : مكة المكرمة، حرسها الله تعالى.
( يبحث هذا الكتاب في تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه)
تأليف :
الدكتور أحمد بن فارس السلوم
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله الواحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم الحمد الله القائل ( وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) وأخبر عن نفسه الشريفة فقال ( ورتلناه ترتيلا) ثم قال في محكم كتابه آمرا نبيه والمؤمنين ( ورتل القرآن ترتيلا).
فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا به.
أما بعد:
جنبني الله وإياك اللحن في القول والعمل، ورزقني وإياك الإصابة والسداد فيهما، ذلك لأن اللحن هجنة في الشريف، وضعة في المتعلم ، ونقص في أجر القارئ.
والمهرة الذين هم مع السفرة الكرام البررة لا يتطرق إليهم اللحن، ويحسنون قراءتهم وأفعالهم .
وهذا الجزء الذي أقدمه لك ، وأضعه بين يديك، ينادي على ما فشا في المحاريب من خطأ في إقامة حروف الذكر الحكيم، ويشهر بما انتشر بين عوام القراء من لحن في الأداء لا يحتمل وقوعه، وينبه على ما قد يزل به القرأة مما لا يعرفه إلا الماهرون منهم .
دعا إلى تسطيره شكاية المحاريب من تردد اللحن على جدرانها، وقلق المساجد لقلة المهرة الذين هم رفقاء السفرة الكرام البررة ، حتى المساجد الثلاثة التي لا تشد إلا إليها رحال المسلمين فيها من اللحن ما يقلقل القلوب المطمئنة عن طمأنينتها، وينقل النفوس المنشرحة عن انشراحها، فالأئمة يلحنون، والمؤذنون يلحنون، وأقوالنا تلحن، وأفعالنا تلحن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكذلك حال القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية التي أسست على تلاوة القرآن الكريم ونشره وتبليغه – كثر الله في المسلمين أمثالها – لم يسلم بعض قرائها من هذا اللحن المزعج، الذي هو كالنكتة السوداء في المرآة الصافية.
وكان هذا الموضوع – أعني اللحن في القراءة - قد شغلني جدا منذ زمن، وتأذيت من انتشاره، وتحرجت من كثرة سماعه، وخشيت أن يصبح مألوفا فلا ينكر، وواقعا فلا يتغير، فدعوت الله ورجوته أن ييسر لي كتابة شيء في هذا الباب، ينبه القراء على هذه المسألة، ولو بحثا يسيرا، ولو جملاً قليلة تكون للقراء كالقلادة التي أحاطت بالعنق، وذلك حسبك من القلادة وكافيك، فالحمد لله الذي يسر كتابة هذا الأوراق، ثم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وكما قيل: " إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْد شيءٍ تَيَسَّرَا "
(على أنني سلكت في النهوض بعبئه والعناية بتأليفه وجمعه مذهب أبي زبيد الطائي في قوله:
حَمَّالَ أَثْقَالِ أَهْل الوُدِّ آَوِنَةً أُعْطِيهمُ الجُهْدَ مِنِّي بَلْهَ مَا أَسَعُ)
يدعو هذا البحث إلى إقامة حروف القرآن كما أنزلها البارئ سبحانه وتعالى، إقامة خالية من التنطع، سالمة من اللحن، لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
وهذه الإقامة المنشودة لحروف القرآن – يسرها الله لي ولك- مطلب شرعي، وواجب حكمي، كما أنَّ إقامة حدوده مطلب شرعي أسمى، بل إنَّ إقامة الحروف طريق لإقامة الحدود.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ أهـ
ولأجل ذلك كان من كمال النصح لكتاب الله عز وجل إقامة حروف القرآن وإعرابه على نحوٍ صحيحٍ خالٍ من اللحن والخطأ.
قال العالم الزاهد يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى: ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
قال العلماء رحمهم الله : النصيحة لكتاب الله تعالى هي بالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة .. أهـ
مَع ما لإقامة الحروف وتجويد القرآن من أثرٍ بيِّن في تحصيل الخشوع في الصلاة الذي هو من أهم أعمال المصلين، وأول ما يفقد في مساجد المسلمين، فإنَّ القارئَ الماهرَ العارف بمواطن الوقوف، وطريق الحركات والسكنات، ومواضع الألفات والمدات، يتهيأ في الصلاة خلفه من أسباب الخشوع ودواعي الطمأنينة مالا يتهيأ بالصلاة خلف من لا يحسن ذلك، ولا يعرف ما هنالك.
وهل استقرأَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم إلا البُزْلَ القناعيس مِن أصحابه، وإلا القراء المجودين الماهرين منهم؟
فبكَى لقراءةِ ابن مسعود وهو من رُفعاء القراء، وكُبراء العلماء، وحثَّ على القراءة على نحوِ قراءته، والاتساء بطريقته وتلاوته، وما ذاك إلا لسلامتها وحسنها وطيبها.
وقال صلى الله عليه وسلم – حاثاً على الأخذ عنه وعن أمثاله من القراء الماهرين- : ( خذوا القرآن عن أربع ..).
وفي هذا دليل على علو شأن الماهرين المجودين وتميزهم عما سواهم، مع أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا عرباً خلصاً، لا يعتريهم اللحن، ولا يتطرق إليهم الخطأ، إلا أنه لما تميز هؤلاء الأربعة بالحفظ والإتقان والمعرفة وحسن الأداء ميزهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشرف العظيم، وحسبك بهذا دليل على علو شأن الماهرين بالقرآن، الحافظين له، العارفين به.
والقارئ: يطلق على قارئ كتاب الله بإتقان، ممن استظهره في صدره، وسلم في قراءته من اللحن والخطأ، وعرف مقاطع الوقف والابتداء، وسلمت حروفه ومخارجه من الجور والاعتداء، فإذا انضاف إلى ذلك معرفة بتفسيره وحدوده وأحكامه فذاك الغاية.
انظر إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) أتظن أن القارئ الذي عناه المصطفى وارتضاه للإمامة في الدين يلحن في قراءته، ويغلط في أدائه، كلا وحاشا، فإنَّ مَنْ كان كذلك حريٌّ أنْ يُؤخَّرَ في الصفوف، ويدفع عن الإمامة.
ثم انظر إلى الخبر الذي رواه البخاري من حديث ابن شهاب الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً .
أتحسب أنَّ عمر يستشير من يلحن ولا يحسن يجود القرآن ويخل بإعرابه وإقامة حروفه، وهو الذي قال في اللحن والإعراب ما قال، ولك أنْ تتوهم لو أنَّ أحداً منهم قرأ آية فلحن فيها ، أو أخطأ في حرف منها، إذاً كان يجعله نكالاً وعبرة للمسلمين.
وهو الذي ثبت عنه التشديد في القراءة والرواية، على حد سواء ، والخبر في ذلك مشهور .
وبعد، فصول هذا الكتاب ثلاثة:
الأول في لحن القراء: وفيه تاريخ اللحن وحكمه وسبل التوقي منه وما ينبغي على القراء الاعتناء به والحذر منه .
الثاني في لحن المؤذنين .
والثالث في لحن الأعمال والأفعال، وهو أشدها وأنكاها .
مبنى هذه الفصول كلها على الاختصار والإيجاز في العبارة، (والحر تكفيه الإشارة).
وهذا الذي تجده في هذا الكتاب من دقيق العلم الذي يحتاج إليه الخاصة، ويصدق فيه وصف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من تعلم علما فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم .
وأما العوام وأشباههم فليسوا من هذا الباب في شيء.
أسأل الله أن يوفقني وإياك لأعراب كتابه حروفاً وحدوداً، وأن يجنبنا اللحن فيهما، ولا يجعلنا كما قال الأول ( أعربت أقوالنا فلم تلحن، ولحنت أفعالنا فلم تعرب) .
وألا نكون ذلك الرجل الذي لقيه الزاهد العابد مالك بن دينار رحمه الله، فقال فيه وفي أمثاله: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله كله لحن .
وقال بعض الزهاد : لم نؤت من جهل ولكننا نستر وجه العلم بالجهل نكره أن نلحن في قولنا ولا نبالي اللحن في الفعل .
وأسأله سبحانه أن ييسر لي ولك تحقيق القراءة على ما يحب ويرضى، وأن يجعلنا بالحال التي قال حمزة بن حبيب الزيات رحمه الله تعالى لما طُولب بالتحقيق، وقال له رجل: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فبكى، ثم قال: يا ابن أخي، إنَّ التحقيق صون القرآن، فإن صنته فقد حققته أهـ
اللهم ارزقنا صاينته واتباعه، وأجعلنا من أهله وحفاظه.
على الله توكلت وإليه أنبت وهو حسبي ونعم الوكيل.
وكتب: العبد الضعيف أحمد بن فارس السلوم ، في25 من ذي الحجة عام 1426 من الهجرة المباركة، في أطهر البقاع وأزكاها : مكة المكرمة، حرسها الله تعالى.