د محمد الجبالي
Well-known member
مقدمة:
الحمد لله واسع الفضل، عظيم الْمَنّ، الرحمن الرحيم الودود الكريم، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، هو الله الرزاق ذو القوة المتين، بيده الأمر كله، وهو على كل شيء قدير، وصلاة وسلاما على النبي الأحمد الحامد المحمود محمد الرسول الكريم ذي الخلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
إن الرزق هو أعظم ما يشغل الناس في مَعاشِهم، وهو أكثر ما يَسْعَوْنَ إليه، خَلْفَه يَلْهَثُون، وفيه يبذلون الْجَهْدَ والصحة ما لا يبذلون في غيره، إليه تَتَوقُ النفوس، وبه تَتَعَلَّق القلوب، ولأَجْلِه قد تُشْرَعُ السيوف، وبِسَبَبِه تَشْتَعِل أَوَارُ الحقد والحسد، وفيه تَتَّقِدُ نيرانُ الحروب بين الأفراد والجماعات.
يحمل الناس هم الرزق حِمْلاً ثقيلا، ويَشْتَدُّون في طلبه خَشْيَةَ فَوَاتِه، غَفَلُوا عَن أنَّ رزقهم يَطْلُبُهم أكثر مما يطلبونه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرزق لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ أكثر مما يَطْلُبُه أَجَلُه" وفي ذلك يقول ابن القيم: "لا تحمل هَمَّ الدنيا فإنها لله، ولا تحمل هَمَّ الرزق فإنه مِن الله، ولا تحمل هَمَّ الْمُسْتَقْبَل فإنه بيد الله، فقط احمل هَـمّاً واحدًا، كيف تُرْضِي الله، لأنك لو أرضيتَ الله، رَضِيَ عنك الله وأرضاك وكفاك وأغناك" .
فإنْ شئتَ أن تُحَصِّلَ الرزقَ، فعليك أنْ تَسْلُكَ مَسَالِكَه، قال ابن القيم: "أَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الرِّزْقَ: قِيَامُ اللَّيْلِ، وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ، وَتَعَاهُدُ الصَّدَقَةِ، وَالذِّكْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَأَرْبَعَةٌ تَمْنَعُ الرِّزْقَ: نَوْمُ الصُّبْحَةِ، وَقِلَّةُ الصَّلَاةِ، وَالْكَسَلُ، وَالْخِيَانَةُ، وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ: الْمُرُوءَةُ، وَالْوَفَاءُ، وَالْكَرَمُ، وَالتَّقْوَى" .
لقد خلق الله الخلق وتَكَفَّلَ لهم الرزق، وقد ضَمِنَ الله لِعِبَادِهِ مُسْلِمِين وغير مُسْلِمِين الرزقَ، قال الله تعالى: [{لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى]} (طه: 132) ، ومع هذه الضَّمَانَةِ فإن الإنسان يَلْهَثُ خَلْفَ رِزْقِه حتى تنقطع أنفاسه، ولن ينال منه إلا ما قَدَّرَ الله له.
والرزق أنواع كثيرة، أحدها المال والعَرَض، يظن الناس أنَّ الرزق مَوْقُوفٌ فيما يُؤْتَوْنَ مِنْ مال وعَرَض، وذلك ظَنٌّ خَائِبٌ، فإنَّ الرزق أنواع تَكْثُر وتَتَنَوَّعُ وتَـتَمَدَّدُ حتى تشمل كل شيء في حياة الإنسان، فالصحة رزق، بل إنها مِن أعظم الأرزاق، والعِلْم رزق عظيم، والزوجة الصالحة رزق، والذرية الطيبة رزق، والصُّحْبَةُ الطيبة رزق، والجار الصالح رزق، وبَدَنُكَ وما فيه مِنْ نِعَمٍ وجَوَارِح قد حُرِمَ مِنْ بَعْضِها كثير من الناس، وأعظم الأرزاق الإيمان، فكفى به نعمة.
جَدِيرٌ بالمسلم حَقِيقٌ به أن يُجْمِلَ في طلب الرزق، فلا يَطْلُبُه بمعصية، ولا يَسْخَطُ إذا تَأَخَّرَ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ وقُدْوَة، قال صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ" .
وقال صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "لا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُم رِزْقَهُ؛ فَإِنَّ جِبْريلَ أَلْقَى في رَوْعِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُم لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حتى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَه، فاتَّقُوا الله أَيُّها الناسُ، وأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، فَإِنْ اِسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُم رِزْقَه فَلا يَطْلُبْهُ بِـمَعْصِيَةِ الله؛ فإنَّ اللهَ لا يُنَالُ فَضْلُهُ بِـمَعْصِيَتِه" .
وبعد:
هذا كتاب [مفاتيح الرزق] جَمَعْتُ فيه أربعة عشر مِفتاحا تَسْتَجْلِبُ الرزقَ، وتُدِرُّهُ، وتُنَمِّيه، وتُثَمِّرُه، فالكتاب دَلِيلٌ يَسْتَرْشِدُ به المسلمُ في باب الرزق، وفيه تفصيل مُوجَزٌ لُكُلِّ مفتاح، وكيْفِيَّةُ الْوُلُوجِ به مِنْ بَابِه.
وقد بَدَأْتُ فيه بِأَعْلَى هذه المفاتيح إِدْرَاراً للرزق وإِنْـماءً، ألا وهو الاستغفار، ثم رَتَّبْتُ باقي المفاتيح بِـحَسْبِ رُتْبَتِها في إِدْرَارِ الرزق وإِنْـمَائِه، فَجَعَلْتُ التَّقْوَى الْمِفْتَاحَ الثاني، ثم صِلَةَ الرَّحِمِ ثالثا، ثم أَتْبَعْتُها مِفتاح الصَّدَقَة رابعا، ثم التَّوَكُّلَ مُقْتَرِناً بِالسَّعْيِ خامسا، ثم جَعَلْتُ شُكْرَ النِّعَمِ سادسا، ثم جَاءَ الزواج عَفَافاً سابعا، وأَتْبَعْتُهُ بِالتَّعَفِّفِ عن سُؤال الناس ثامنا، ثم جاء مُتَابَعَةُ الحج والعمرة تاسعا، ثم جَعَلْتُ الْبُكُور وإنْ اِقْتَرَنَ بُكُلِّ مفتاح، جَعَلْتُهُ في الرُّتْبَةِ العاشرة، ثم تَلاهَا في الرُّتْبَةِ الحادية عشرة الْهِجْرَة، ثم جَاءَتْ إِعَانَةُ الضُّعَفاءِ والانْتِصَارُ لهم والإحسان إليهم في الرُّتْبَةِ الثانية عشرة، ثم جَعَلْتُ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ أَثْنَاءَ الْعِبَادَةِ ثالث عشر، وأَخِيراً رَصَدْتُ عَدَداً مِنَ الْمَفاتيح العامَّة التي تَفْتَحُ كل أبواب الرزق، ومنها: الكلمة الطيبة، وحُسْنُ الْخُلُق، والبَشَاشَة، وحُسْنُ اِخْتِيَارِ الرِّفَاق والأَعْوان، والاعتدال في النَّفَقَة، وغَيرِها مِنَ الْمَفَاتِيح التي لا يَنْغَلِقُ دُونَها بَابٌ.
ولا أَزْعُمُ أنَّ هذا التَّرْتِيبَ هو الْحَقُّ ولا حَقَّ غَيْرُه، لا، إنما هو اجتهاد مني من خلال تَأَمِّل النصوص الواردة في كل مفتاح من هذه المفاتيح، مِن خِلال النَّظَرِ والتأمُّل في الآيات والأحاديث والآثار والواقع قَدَّرْتُ هذا الترتيب، فإنْ رَأَيْتُمُوهُ صَوَاباً، فَذَاكَ فَضْلٌ مِنَ الله، سَاقَهُ علَى يَدَيّ، وإنْ رَأَيْتُم غير ذلك، فلا بَأْسَ، فَلَعَلَّ ما رَأَيْتُم خَيْرُ مما رَأَيْتُ، ويَبْقَى أَنَّنا اِتَّفَقْنَا علَى أنَّ هذه المفاتيح ذاتُ شَأْنٍ في إزاحة الْمَغَالِيِق دُونَ الرزق.
وأخيرا، إني لا أَزْعُمُ أنَّ هذه المفاتيح هي كل مفاتيح الرزق، لا، بل إني اجتهدت في جمع ما استطعت، فإن الله عز وجل يرزق بسبب، وبغير سبب يرزق، ومفاتيح رزقه أكثر مِن أن تُحْصَى، وأعظم مِن أن يَقِف عليها جميعا أحدٌ.
ورجاءً: إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إذا مَا تَمَّ نُقْصَانَ، إنما نحن بَشَرٌ، وكُلُّنَا خَطَّاء، وإني أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَني مِنْ خَيْرِ الْخَطَّائِين الذين يَثُوبُونَ فَيئُوبُون مِنْ قَرِيبٍ إلى الله أَوْبَةَ التَّائِبِينَ الْخَاشِعِين، فَجَزَى اللهُ خَيْراً كُلَّ مَنْ يَلْفِتُ نَظَرَي إِنْ وَجَدَ مَا يَسْتَوْجِبُ التصويب.
د. محمد رجائي أحمد الجبالي [email protected]
الحمد لله واسع الفضل، عظيم الْمَنّ، الرحمن الرحيم الودود الكريم، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، هو الله الرزاق ذو القوة المتين، بيده الأمر كله، وهو على كل شيء قدير، وصلاة وسلاما على النبي الأحمد الحامد المحمود محمد الرسول الكريم ذي الخلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
إن الرزق هو أعظم ما يشغل الناس في مَعاشِهم، وهو أكثر ما يَسْعَوْنَ إليه، خَلْفَه يَلْهَثُون، وفيه يبذلون الْجَهْدَ والصحة ما لا يبذلون في غيره، إليه تَتَوقُ النفوس، وبه تَتَعَلَّق القلوب، ولأَجْلِه قد تُشْرَعُ السيوف، وبِسَبَبِه تَشْتَعِل أَوَارُ الحقد والحسد، وفيه تَتَّقِدُ نيرانُ الحروب بين الأفراد والجماعات.
يحمل الناس هم الرزق حِمْلاً ثقيلا، ويَشْتَدُّون في طلبه خَشْيَةَ فَوَاتِه، غَفَلُوا عَن أنَّ رزقهم يَطْلُبُهم أكثر مما يطلبونه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرزق لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ أكثر مما يَطْلُبُه أَجَلُه" وفي ذلك يقول ابن القيم: "لا تحمل هَمَّ الدنيا فإنها لله، ولا تحمل هَمَّ الرزق فإنه مِن الله، ولا تحمل هَمَّ الْمُسْتَقْبَل فإنه بيد الله، فقط احمل هَـمّاً واحدًا، كيف تُرْضِي الله، لأنك لو أرضيتَ الله، رَضِيَ عنك الله وأرضاك وكفاك وأغناك" .
فإنْ شئتَ أن تُحَصِّلَ الرزقَ، فعليك أنْ تَسْلُكَ مَسَالِكَه، قال ابن القيم: "أَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الرِّزْقَ: قِيَامُ اللَّيْلِ، وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ، وَتَعَاهُدُ الصَّدَقَةِ، وَالذِّكْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَأَرْبَعَةٌ تَمْنَعُ الرِّزْقَ: نَوْمُ الصُّبْحَةِ، وَقِلَّةُ الصَّلَاةِ، وَالْكَسَلُ، وَالْخِيَانَةُ، وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ: الْمُرُوءَةُ، وَالْوَفَاءُ، وَالْكَرَمُ، وَالتَّقْوَى" .
لقد خلق الله الخلق وتَكَفَّلَ لهم الرزق، وقد ضَمِنَ الله لِعِبَادِهِ مُسْلِمِين وغير مُسْلِمِين الرزقَ، قال الله تعالى: [{لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى]} (طه: 132) ، ومع هذه الضَّمَانَةِ فإن الإنسان يَلْهَثُ خَلْفَ رِزْقِه حتى تنقطع أنفاسه، ولن ينال منه إلا ما قَدَّرَ الله له.
والرزق أنواع كثيرة، أحدها المال والعَرَض، يظن الناس أنَّ الرزق مَوْقُوفٌ فيما يُؤْتَوْنَ مِنْ مال وعَرَض، وذلك ظَنٌّ خَائِبٌ، فإنَّ الرزق أنواع تَكْثُر وتَتَنَوَّعُ وتَـتَمَدَّدُ حتى تشمل كل شيء في حياة الإنسان، فالصحة رزق، بل إنها مِن أعظم الأرزاق، والعِلْم رزق عظيم، والزوجة الصالحة رزق، والذرية الطيبة رزق، والصُّحْبَةُ الطيبة رزق، والجار الصالح رزق، وبَدَنُكَ وما فيه مِنْ نِعَمٍ وجَوَارِح قد حُرِمَ مِنْ بَعْضِها كثير من الناس، وأعظم الأرزاق الإيمان، فكفى به نعمة.
جَدِيرٌ بالمسلم حَقِيقٌ به أن يُجْمِلَ في طلب الرزق، فلا يَطْلُبُه بمعصية، ولا يَسْخَطُ إذا تَأَخَّرَ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ وقُدْوَة، قال صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ" .
وقال صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم: "لا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُم رِزْقَهُ؛ فَإِنَّ جِبْريلَ أَلْقَى في رَوْعِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُم لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حتى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَه، فاتَّقُوا الله أَيُّها الناسُ، وأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ، فَإِنْ اِسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُم رِزْقَه فَلا يَطْلُبْهُ بِـمَعْصِيَةِ الله؛ فإنَّ اللهَ لا يُنَالُ فَضْلُهُ بِـمَعْصِيَتِه" .
وبعد:
هذا كتاب [مفاتيح الرزق] جَمَعْتُ فيه أربعة عشر مِفتاحا تَسْتَجْلِبُ الرزقَ، وتُدِرُّهُ، وتُنَمِّيه، وتُثَمِّرُه، فالكتاب دَلِيلٌ يَسْتَرْشِدُ به المسلمُ في باب الرزق، وفيه تفصيل مُوجَزٌ لُكُلِّ مفتاح، وكيْفِيَّةُ الْوُلُوجِ به مِنْ بَابِه.
وقد بَدَأْتُ فيه بِأَعْلَى هذه المفاتيح إِدْرَاراً للرزق وإِنْـماءً، ألا وهو الاستغفار، ثم رَتَّبْتُ باقي المفاتيح بِـحَسْبِ رُتْبَتِها في إِدْرَارِ الرزق وإِنْـمَائِه، فَجَعَلْتُ التَّقْوَى الْمِفْتَاحَ الثاني، ثم صِلَةَ الرَّحِمِ ثالثا، ثم أَتْبَعْتُها مِفتاح الصَّدَقَة رابعا، ثم التَّوَكُّلَ مُقْتَرِناً بِالسَّعْيِ خامسا، ثم جَعَلْتُ شُكْرَ النِّعَمِ سادسا، ثم جَاءَ الزواج عَفَافاً سابعا، وأَتْبَعْتُهُ بِالتَّعَفِّفِ عن سُؤال الناس ثامنا، ثم جاء مُتَابَعَةُ الحج والعمرة تاسعا، ثم جَعَلْتُ الْبُكُور وإنْ اِقْتَرَنَ بُكُلِّ مفتاح، جَعَلْتُهُ في الرُّتْبَةِ العاشرة، ثم تَلاهَا في الرُّتْبَةِ الحادية عشرة الْهِجْرَة، ثم جَاءَتْ إِعَانَةُ الضُّعَفاءِ والانْتِصَارُ لهم والإحسان إليهم في الرُّتْبَةِ الثانية عشرة، ثم جَعَلْتُ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ أَثْنَاءَ الْعِبَادَةِ ثالث عشر، وأَخِيراً رَصَدْتُ عَدَداً مِنَ الْمَفاتيح العامَّة التي تَفْتَحُ كل أبواب الرزق، ومنها: الكلمة الطيبة، وحُسْنُ الْخُلُق، والبَشَاشَة، وحُسْنُ اِخْتِيَارِ الرِّفَاق والأَعْوان، والاعتدال في النَّفَقَة، وغَيرِها مِنَ الْمَفَاتِيح التي لا يَنْغَلِقُ دُونَها بَابٌ.
ولا أَزْعُمُ أنَّ هذا التَّرْتِيبَ هو الْحَقُّ ولا حَقَّ غَيْرُه، لا، إنما هو اجتهاد مني من خلال تَأَمِّل النصوص الواردة في كل مفتاح من هذه المفاتيح، مِن خِلال النَّظَرِ والتأمُّل في الآيات والأحاديث والآثار والواقع قَدَّرْتُ هذا الترتيب، فإنْ رَأَيْتُمُوهُ صَوَاباً، فَذَاكَ فَضْلٌ مِنَ الله، سَاقَهُ علَى يَدَيّ، وإنْ رَأَيْتُم غير ذلك، فلا بَأْسَ، فَلَعَلَّ ما رَأَيْتُم خَيْرُ مما رَأَيْتُ، ويَبْقَى أَنَّنا اِتَّفَقْنَا علَى أنَّ هذه المفاتيح ذاتُ شَأْنٍ في إزاحة الْمَغَالِيِق دُونَ الرزق.
وأخيرا، إني لا أَزْعُمُ أنَّ هذه المفاتيح هي كل مفاتيح الرزق، لا، بل إني اجتهدت في جمع ما استطعت، فإن الله عز وجل يرزق بسبب، وبغير سبب يرزق، ومفاتيح رزقه أكثر مِن أن تُحْصَى، وأعظم مِن أن يَقِف عليها جميعا أحدٌ.
ورجاءً: إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إذا مَا تَمَّ نُقْصَانَ، إنما نحن بَشَرٌ، وكُلُّنَا خَطَّاء، وإني أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَني مِنْ خَيْرِ الْخَطَّائِين الذين يَثُوبُونَ فَيئُوبُون مِنْ قَرِيبٍ إلى الله أَوْبَةَ التَّائِبِينَ الْخَاشِعِين، فَجَزَى اللهُ خَيْراً كُلَّ مَنْ يَلْفِتُ نَظَرَي إِنْ وَجَدَ مَا يَسْتَوْجِبُ التصويب.
د. محمد رجائي أحمد الجبالي [email protected]