عبدالله جلغوم
New member
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، فبعد :
إن عمليّة إحصاء ما ورد في القرآن الكريم من ألفاظٍ ، بصورة ٍشاملةٍ ، بدأت مع عصر الاستشراق ، فأمّا قبل ذلك ،فكانت محاولاتٍ بسيطةً أوردها ابن النديم في كتابه الفهرست ؛ حيث قام المستشرق الألماني جوستاف فلوجل بإصدار فهرسٍ موضوعيٍّ لآيات القرآن الكريم سمّاه ( نجوم الفرقان في أطراف القرآن) حوالي عام 1257هـ وقصد من وراء هذه الفهرسة - بحسب رأي بعض الباحثين - إعادة ترتيب القرآن حسب الموضوعات، وقد مهّد لمشروعه في تأليف معجمه الموضوعيّ (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) بطباعة مصحفٍ كامل لكي يستعين به في معجمه ، فوقع في أخطاء فاحشة وكثيرة جداً في عدّ الآي ، فجعل ما ليس برأس آيةٍ رأسَ آية ، ووقع الخلل في معجمه بشكل ظاهر .
ولم تكن هذه الأخطاء دون فائدة ، فقد كانت دافعاً للمرحوم محمد فؤاد عبدالباقي لإعداد معجمه " المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم " ( 1878 - 1967) ، وقد أشار إلى ذلك في مقدّمة معجمه ، وأثبت قائمةً بتلك الألفاظ التي أخطأ فلوجل بردّها إلى جذورها ، حيث قال : ( وإذ كان خيرُ ما ألف وأكثره استيعاباً في هذا الفن ، دون منازع ولا معارض ، هو كتاب " نجوم الفرقان " لمؤلفه المستشرق فلوجل الألمانيّ ، الذي طُبع لأول مرة عام 1842 ميلادية ، فقد اعتضدتُ به وجعلته أساساً لمعجمي ). وفي النهاية وصف محمد فؤاد معجمه بقوله : ( فلئن كان كتابٌ من عند غير الله له أوفر نصيبٍ من الصحّة ، لقد كان هذا الكتاب ) .
وقد اكتسب ( المعجم المفهرس ) أهميةً خاصةً، وشهرةً واسعةً؛ لما يملكه من خصائص، واعتُبر لدى الكثيرين أكمل وأفضل ما وُضع في فهرسة كلمات وآيات القرآن الكريم، وقد تكرر طبــعه أكثر من مرّة ، ومع ذلك - ورغم شهرته الواسعة - فهو لم يسْلم من الأخطاء ؛ فقد استطعنا أن نحصر فيه ستين خطأً مختلفاً ، نذكر منها :
ومن الجدير بالذكر أن محمد فؤاد قد اقتصر في معجمه المفهرس هذا على الأسماء الصريحة والأفعال ، وأهمل الأدوات والضمائر ، وإن كان يخرج عن هذه القاعدة أحيانا ، وربما يعود ذلك إلى تقدير خاص من المؤلف نفسه ، وبذلك فالمعجم من هذه الناحية لا يعتبر شاملا لألفاظ القرآن الكريم ، فعدد ما أهمله قد يصل إلى الثلث .
وقد تنبّه باحثون إلى هذه الناحية ، فقاموا بإعداد معاجم خاصة للأدوات والضمائر التي أغفلها محمد فؤاد ،واعتبروا ما قاموا به تكملة لهذا المعجم ، إلا أن هذه الأعمال رغم ما بُذل فيها من جهد جاءت ملأى بالأخطاء المختلفة ، ونذكر منها " معجم الأدوات والضمائر " لمؤلفَيْه د.اسماعيل العمايرة , ود.عبد الحميد مصطفى .
وأراد آخرون أن يضعوا معجما مفهرسا لألفاظ القرآن الكريم شاملا الأسماء والأفعال والأدوات، ومن تلك الأعمال " معجم ألفاظ القرآن الكريم " لواضعه حسان عبد المنان .
ويقول عنه واضعه " معجم فريد من نوعه ، فهرس لكلمات القرآن كلها ، أسماء وأفعال وحروف ، فهو معجم شامل جمع بين الأفعال والأسماء من جانب ، والأدوات من جانب آخر ، ورُتب بطريقة يستطيع استخدامها الجميع لأن هذا الفهرس مبني على ترتيب الكلمة كما وردت في المصحف على حروف الهجاء .. "
فهل جاء هذا المعجم كما وصفه واضعه ؟
لنأخذ مثالا على ترتيب لفظ " الرحمن " الذي ورد في القرآن 57 مرة :
لقد جاء الترتيب على النحو التالي - نقلاً حرفياً من المعجم - :
-الرحمن آلهة يعبدون .ولقد أرسلنا موسى بآياتنا . (492) الزخرف 45 .
-الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من ... (564) الملك 29 .
-الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا .. (365) الفرقان 63 .
-الرحمن إن الكافرون إلا في غرور .أم .. (563) الملك 20 .
هذه هي المرات الأربع الأولى لورود لفظ " الرحمن " كما أوردها واضع المعجم ، حيث نلاحظ أنه لا يذكر عدد مرات ورود اللفظ في المصحف، وهذا يجعله في منأى عن عيون المدققين والباحثين عن الأخطاء ، كما أنه لا يذكر اللفظ حسب وروده في المصحف ، ولا حتى حسب تكراره في السورة الواحدة ، فهو يقفز من سورة إلى سورة ويظن أنه قد أحسن صنعا .كما أن القاريء وهو يقرأ النص الذي اختاره المؤلف لا يشعر أنه يتلو شيئا من القرآن ، ولا نظن أن هذا العمل قد يفيد الباحث في شيء ، فلو افترضنا أن باحثا يريد البحث عن تكرار لفظ " الرحمن " في سورة مريم فليس أمامه إلا أن ينظر في جميع ما ذكره المؤلف ، ويفرز تلك المرات ، ويدونها في ورقة جانبية ، ويقوم بمراجعتها مرارا ، ولعله لن يصل إلى العدد الصحيح أبدا ، وأظنه سيبحث عن معجم آخر .
وخلاصة القول إن ما جاء بعد معجم محمد فؤاد من مؤلفات أراد أصحابها أن يكملوا ما قدّمه ، لم ترق أعمالهم إلى المستوى المطلوب ، وظل معجم محمد فؤاد – على علاته - أشهرها ، وأكثرها تداولاً ، وأدقّها ترتيباّ .
وإلى جانب هذا المعجم ، صدرت معاجم أخرى ، منها :
فتح الرحمن لطالب آيات القرآن : لعلمي زادة فيض الله الحسني .
ومنها: المرشد إلى آيات القرآن الكريم وكلماته : لمحمد فارس بركات .
ومنها : الموسوعة القرآنية : لإبراهيم الأبياري .
ومنها : معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : لمحمد إسماعيل إبراهيم .
ومنها : معجم ألفاظ القرآن الكريم : مجمع اللغة العربية في القاهرة .
وإذا توقّفنا عند المعجم الأخير ( معجم ألفاظ القرآن الصادر عن مجمع اللغة العربية - مصر ) والذي يقع فى جزأين كبيرين مجموع صفحاتهما 1228 صفحة من القطع الكبير ، وقد تولّت إعداده كوكبة مباركة من علماء هذا العصر ، وتمّ إخراجه على مراحل بدءاَ من سنة 1953 م وحتى سنة 1970 م ، أى على مدى سبعة عشر عاماً ، وأعيدت طباعته عدة مرات ، حتى قرر مجمع اللغة العربية أخيرا إعادة تنقيحه فأصدر سنة 1988 م طبعة جديدةً منقحةً هى الطبعة الرابعة له ، نجد أنه لم يسْلم من الأخطاء والهفوات ، حتى في طبعته الرابعة .
وكلّ هذه المعاجم يجمعها الأسلوب الواحد ، فقد اتخذت من جذر الكلمة أساساً في وضعها ، حيث تورد جذر الكلمة ، ثم ما يتفرّع عنها من كلمات .
فأمّا الصّفة الثانية التي تجمع هذه المعاجم وغيرها ، فهي اعتمادها الرّسم الإملائيّ لألفاظ القرآن الكريم ؛ وبذلك يمكننا القول : إن المكتبة الإسلاميّة – على كثرة كتبها – تخلو من أي معجمِ مفهرسٍ لكلمات القرآن بالرّسم القرآنيّ ، المعروف بالعثمانيّ ، يتمّ فيه نسخ الآيات والألفاظ ، كما وردت في المصحف الشريف .
ليس هدفنا هنا تتبّع أخطاء الآخرين ، أو الانتقاص من جهودهم ، فما من شك أن الكلّ يسعى إلى خدمة كتاب الله وأهله ، إلا أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن بعض تلك الأعمال - ومنها ما لا نرى ضرورة لذكره هنا - تنقصها الدقّة التي تليق بكتاب الله الكريم ، فوقع أصحابها في أخطاء كثيرة .
من هنا جاءت فكرة إعداد هذا المعجم ، معجم مفهرس لألفاظ القرآن الكريم، الذي أردنا أن يكون خالياً من الأخطاء بصورها المختلفة ، من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، تُنسخ فيه الآيات والألفاظ من المصحف الشّريف برسمها العثمانيّ ، فممّا لا شكّ فيه أن نسخ الآيات من المصحف الشريف، سيجنّبنا الوقوع في كثير من الأخطاء التي وقعت بها المعاجم الأخرى من ناحية ، ومن ناحية أخرى، فإنّ في هذا العمل محافظةً على الرسم العثمانيّ ، والذي أجمع المسلمون على وجوب المحافظة عليه ، سواء القائلون منهم بأنه توقيفيّ ، أو القائلون بأنه اصطلاحيّ . ولعلّ هذه الميزة التي سيتفردّ بها هذا المعجم ستجعله الأدقّ والأفضل من نوعه .
وقد جعلنا المعجم المفهرس لمحمد فؤاد أساساً لعملنا هذا ، إلاّ أنّنا تداركنا الأخطاء التي وقعت فيه ، فاعتمدنا ترتيبه ، واقتصرنا على ما جاء فيه ، وأمّا نسخ الآيات والألفاظ ، فقد اعتمدنا مصحف المدينة النبويّة .
وقبل شروعنا في هذا العمل ، أعْدَدنا معجماً أسميناه " المعجم الرقميّ " قمنا فيه بترقيم كلمات القرآن كلمةً كلمةً ( وَفق الرسم القرآنيّ ) ، فأعطينا كل كلمةٍ رقماً يدل على ترتيب ورودها في المصحف، وقد بلغ عدد كلمات القرآن وَفق عدّنا 77432 كلمة ، ممّا يعني أن إثباتها كلّها في هذا المعجم يتطلّب كثيرا من الصفحات ؛ فارتأينا الاقتصار على ما ورد في المعجم المفهرس لمحمد فؤاد، حيث بلغ عدد الكلمات المثبتة فيه 52226 ، واستبعدنا ما استبعده المعجم المفهرس، نحو: الضمائر المنفصلة،وأسماء الإشارة ، وأسماء الإستفهام ، وجميع الحروف ، على أن نضيف كلّ ذلك في كتاب مستقل ، إذا وجدنا فرصةً لذلك إن شاء الله .
ولمـّا تمّ لنا ذلك ، بدا لنا العمل ناقصاً ، فشرعنا في إعداد معجم آخر للأدوات والضّمائر ، وتمّ لنا ذلك بحمد الله وفضله ، وهنا ارتأينا رأياً جديداً ، لماذا لا نضمّ هذا المعجم إلى المعجم الأول ، وبذلك يصبح لدينا معجم شامل مفهرس لألفاظ القرآن الكريم ؟ . وهكذا تطورت الفكرة الأولى ، فولّدت أفكاراً جديدة ، كانت موضع استحساننا ، فلم نستطع مقاومتها .
لم يكن الأمر سهلاً ؛ فقد تطلّب إدخال الألفاظ التي ضمّها معجم الأدوات والضّمائر في مواقعها - وفق الجذور - مرتبة وفق ورودها في المصحف ، إعادة ترتيب بعض الأبواب بصورة جديدة مختلفة عمّا كانت عليه ، وقد تمّ لنا ذلك بعد جهد ِكبير ، واستغرق منّا سنة أخرى من العمل الجادّ غير المنقطع ، ولم تكن الأمور تجري دائما على نحو ما نحب ونتمنى ، فكان التنسيق أحيانا يعاندنا ويضطرنا إلى الإعادة أكثر من مرة ، إلا أن ذلك لم يفلّ من عزيمتنا ، وحرصنا على تنسيق هذا العمل وترتيبه على نحو ييسر على الباحثين الوصول إلى غايتهم بيسرٍ وسهولة ، فقمنا بتمييز اللفظة موضع البحث باللّون الأحمر ، وقد أدى ذلك إلى زيادة في النفقات لم تكن متوقعة بسبب غلاء سعر الأحبار ، ولم يكن هذا ليوقفنا عن الوصول إلى غايتنا ، فلا بد دون الشهد من إبر النحل ، كما أثبتنا في رأس كل صفحة عنوان الباب بخط واضح ، وجذور كلّ الألفاظ التي وردت في تلك الصفحة ، تيسيرا للباحثين .
وحينما وصلنا إلى هذه المرحلة ، قمنا بطباعة ثلاث نسخ من عملنا هذا ( باستخدام طابعة ليزر ملوّنة بيتيّة ) لغاية المراجعة والتدقيق ، وحرَصنا غاية الحرص على أن ينتهي هذا العمل على أفضل صورة ، فكنّا نعيد طباعة كلّ صفحة يتمّ اكتشاف خطأ فيها ، ونعيد ما تمّ تصحيحه إلى نسخة المراجعة ، لتتم مراجعتها ثانية ، وكلما اكتُشف خطأ ، صُحح وأعيدت المراجعة، حتى أن بعض الأبواب أعيدت مراجعتها بضع مرات لمزيد من الاطمئنان . ونتوقّع أننا بذلك قد حقّقنا ما نصبو إليه : إعداد معجم مفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، يليق بكتاب الله ، شامل لكلّ ألفاظ القرآن - وفق رسمها في المصحف - معجم خال من الأخطاء ، غاية في الدقّة .
ومما لا شك فيه أن هذا المعجم سيكون مرجعاً مميزاً للباحثين في الرّسم القرآني ، حيث وفّر لهم ما لم توفره المعاجم الأخرى ، كما أنه سيكون مرجعا مميزا أيضا للباحثين في الإعجاز العدديّ لما يتميز به من دقة الإحصاءات ، ومرجعا سهلا لكل طالب علم .
ولما كان عدد صفحات هذا المعجم قد بلغ ما يزيد على ألف وأربعمائة وخمسين صفحة ، فقد ارتأينا أن نجعله في جزأين كبيرين ، يقتسمان هذا العدد مناصفةً :
- الأول : ويضم الأبواب من باب الهمزة ، وينتهي بباب الظّاء .
- الثاني : ويبدأ بباب العين ، وينتهي بباب الياء .
ولا يسعنا في نهاية هذه الكلمة - بعد حمد الله وشكره على ما أنعم ويسّر - إلا أن نتقدّم بالشكر الجزيل لكلّ من كانت له يدٌ في إنجاز هذا العمل ، بأي صورة كانت ، ونخص بالذكر الأخ الفاضل المهندس حسن فتاح " الهيئة المغربية للإعجاز في القرآن والسنة " ، والأخ الفاضل المهندس الدكتور ماهر أمين ، والأخ الفاضل الدكتور عبد الرحمن الشهريّ، والأخ الفاضل محمد العبادي " ملتقى أهل التفسير "، والأخ الفاضل الدكتور أحمد كسّــــــــــــــــــار " مدير مركز بحوث القرآن - ماليزيا " ........ لما أبدوه من مساندة وتأييد لهذا المشروع العلميّ .
نسأل الله التوفيق والتيسير ، وأن يتقبّل منا هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن نكون قد أدّينا به واجباً علينا في خدمة القرآن وأهله ، وأن يلقي عملنا هذا قبولاً واستحساناً ، وأن ينفع به المسلمين كافة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
المؤلفون / عنهم
عبدالله جلغوم
( ملاحظة : المقدمة قابلة للتعديل ) .
- الهوامش في نهاية الصفحة ، والأمثلة لم تظهر هنا .