محمد بن جماعة
New member
- إنضم
- 23/01/2007
- المشاركات
- 1,211
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 38
- الإقامة
- كندا
- الموقع الالكتروني
- www.muslimdiversity.net
في ما يلي قراءة (أو مراجعة) لكتاب د. محمد علي الجوزو: مفهوم العقل والقلب في القرآن و السنة.
أرجو مساعدتي في العثور على بحوث أو رسائل حول مصطلحي (العقل) و(القلب) ؟
==============================
قراءة في كتاب: مفهوم العقل والقلب في القرآن و السنة (محمد علي الجوزو)
د. محمود الذوادي
المصدر: مجلة إسلامية المعرفة
عنوان الكتاب: مفهوم العقل والقلب في القرآن و السنة
تأليف: الدكتور الشيخ محمد علي الجوزو
الناشر: دار العلم للملايين، بيروت 1980م، 304 صفحة.
ظهر كتاب "مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة" في المكتبات العربية منذ 1980. ولعله حظي بنشر أكثر من مراجعة وتقويم لأفكاره في المجلات العربية. ومع ذلك يبقى محتوى الكتاب مرشحاً لمراجعات جديدة في الأمد القريب على الأقل. فمن جهة، إن مقولة الكتاب الأساسية لها علاقة وثيقة بموضوعات الساعة في ميادين البحث العلمي. فالبحوث في طبيعة العقل ونشاطاته والغوص في آليات الذكاءين الإنساني والاصطناعي وتتصدر اليوم أحدث قائمة البحوث التي يقوم بها العلماء المختصون في المجتمعات المتقدمة1. هل للحاسوب Computer أو الإنسان الآلي Robot عقل مفكر مثل الإنسان؟ هل سوف يبقى عقل بني البشر متفوقاً على برمجة الآلات الحديثة ذات الذكاء الاصطناعي في ميادين استعمال الرموز الثقافية مثل اللغة والعلم والفكر والقيم والمعايير الثقافية...؟ هذه التساؤلات ما هي إلا نزر جد قليل من الأسئلة المشاهدة التي تطرحها علوم الدماغ/العقل وبحوث الذكاءين الإنساني والاصطناعي. هناك إجماع اليوم بين الباحثين على أن الذكاء الاصطناعي يتصف بالبدائية والبساطة وذلك مقارنة بالذكاء الإنساني الذي يتميز بمستوى رفيع ومعقد من القدرة الذكائية.
ومن جهة أخرى فالكاتب يعرض رؤية مختلفة عما هو متعارف عليه اليوم في البحوث حول ظاهرتي التفكير والذكاء. فبينما يرجع العلم الحديث هاتين الظاهرتين إلى بنية المخ/العقل، يرى القرآن أن عمليات الذكاء والتفكير والعقلانية هي حصيلة التفاعل وتعاون بين العقل والقلب.
إنّ الخلاصات التي توّصل إليها مؤلف هذا الكتاب حول العلاقة بين القلب والعقل ذات أهمية خاصة بالنسبة للعلماء المسلمين وغير المسلمين المعاصرين على حد سواء. فمن ناحية يرى الجوزو أن لفظة القلب ليست مرادفة تماما لمفردة العقل كما ذهب إلى ذلك الفقهاء والعلماء المسلمون الأوائل. ففي نظره، لو كان الأمر كذلك لكان العكس أيضاً صحيحا، أي أن العقل هو القلب. ومن هذه الرؤية يصبح العقل مصدرا للمشاعر والأحاسيس والعواطف البشرية. إن في مثل هذا الاعتقاد كثيرا من الخلط في نظر الكاتب؛ فالقرآن والسنة يؤكدان أن هناك تشابها بين العقل والقلب على مستوى ما يمكن أن نسميه بجبهة التفكير. إذ أن القلب يشارك العقل في عمليات التفكير. وفضلاً عن ذلك تظل المشاعر والعواطف من سمات القلب المميزة له.
ومن ناحية أخرى، يميل العلم الحديث إلى القول بالقطيعة بين القلب والعقل. فوظيفة القلب، بالنسبة للعلم، تنحصر أساساً في دوره في ضخ الدم في جسم الإنسان، فأدبيات العلم الحديث لا تكاد تذكر أي شيء عن المقدرات المعرفية والإدراكية للقلب، فالمخ البشري الذي هو وعاء العقل2 صاحب سلطة شاملة في نظر العلم الحديث. ففي المخ يكاد يوجد كل شيء من أفكار ومشاعر وعواطف وإحساسات بشرية، كلها تخضع لتأثير المخ المهيمن.
وهكذا يتضح أن موقف العلم الحديث من علاقة القلب والعقل لا ينسجم مع رؤية القرآن والسنة لهذه العلاقة. فبينما ينحو العلم الحديث إلى الفصل بينهما، يؤكد القرآن والسنة على وجود وحدة وتميز بينهما في الوقت نفسه. ومن ثم يصعب التوفيق بين هاتين الرؤيتين إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
في القرآن يمثل القلب والعقل كينونتين. ففعل عقل يرد تسعاً أربعين مرة في القرآن بصيغ مختلفة. أما مفردة القلب (أو قلب) فيأتي ذكره مائة واثنين وعشرين مرة. ورغم ذلك فالقرآن لا يرى ضرورة القطعية بينهما. بل يؤكد واقع الالتقاء بين العقل والقلب. ولعل أكثر آيات القرآن تعبيراً عن ذلك الآية السادسة والأربعون من سورة الحج: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج:46). يمثل القلب هنا تلك القوة التي تقف وراء العقل ولا نستطيع تحديدها تحديدا مادياً. إنها البصيرة. فالقلب هنا يرى الوجود بعين البصيرة لا بعين البصر ويدرك الحقيقة إدراكاً من الداخل لا من الخارج أو الظاهر. وبتعبير العلم الحديث فكسب رهان الحقيقة ويتطلب رؤية مركبة ومعقدة للأشياء. فالإمساك بإيمان مطمئن لا يكفي فيه التوكل على سلطان العقل وحده بل يحتاج فيه المتعطش إلى نور اليقين إلى هدي القلب. فبصيرة القلب وعقلانية العقل مستويان ضروريان للمجتمع باليقين. ومن ثم لا يمكن للرؤية القرآنية إلا أن تدعو إلى التواصل والتعاون بين العقل والقلب في مثل هذا النوع الرفيع المستوى في دنيا المعرفة الإنسانية.
وللمرء أن يتساءل هنا: هل من سبيل إلى تقريب الرؤية العلمية من الرؤية القرآنية/السنية بخصوص العلاقة الرابطة بين القلب والعقل؟
نحن نرى أن القيام بذلك مسألة ممكنة وكل ما يتطلبه الأمر من العلوم الحديثة هو أن تتبنى بجدية دراسة مدى تأثير القلب على الأنشطة المعرفية والذهنية والعقلانية والعاطفية.. التي ترى الرؤية العلمية التقليدية أن أحداثها تجري داخل حدود الدماغ/العقل لا غير. إن ما ينبغي استقصاؤه هو درجة التأثير التي يمكن أن تكون للقلب فيما يجري داخل المخ البشري الذي يفترض أن يكون تأثيره تأثيراً شموليا مهيمنا.
فلو أمكن التأكد علميا من وجود التواصل والتبادل والتعاون بين القلب والعقل، فان أمر تجاوز الاختلاف بين موقف القرآن/السنة والعلم الحديث لا يصبح واردا فحسب، وإنما ستصبح فرص التعاون بين الطرفين قوية بحيث يتعزز رصيد المعرفة في هذا الميدان الذي لا يزال مهملاً إلى حد كبير في مجال البحوث في الدماغ/ العقل والذكاءين الإنساني والاصطناعي.
إن تكامل القلب والعقل والتقاءهما في رؤية القرآن والسنة يمكن إبرازهما في النقاط التالي: فالعقل يسمح للفرد بالتفكر في الطبيعة والحياة والإنسان، ومن ذلك يستنتج أدلته على وجود الخالق. فيسعى إلى كسب رهان العقيدة واليقين. أما القلب فيقوم أساسا بالشيء نفسه لكن بأسلوب تفكير مختلف، فهو يستند إلى الوجدان العميق والبصيرة النفاذة. إن هناك اختلافا في الأدوار بين الإثنين. فالعقل يجمع المعلومات وينظمها ويستنتج منها ما يمكن أن يساعده على تحسين رصيد معرفته. أما القلب فهو يدرك هذه المعلومات إدراكاً باطنياً ووجدانياً قد يكون العقل عاملا مساعدا فيها أو قد يكون جزءاَ لا يتجزأ من القلب، يندرج تحته ويكون العقل في خدمته، لأن المعرفة الحقيقة هي معرفة القلب" (275).
وبعبارة أخرى، فالعقل تأمل وإدراك والقلب إحساس ويقين وفهم عميق. فالقلب يختلف إذن، في القرآن والسنة، اختلافاً بينا عن العقل. إن القلب هو عبارة ملهم، إنه عقل مبصر. فلعله أهم حواس الإنسان جميعا؛ فبصلاحه يصلح الإنسان.
فالقلب إذن بمثابة (الرادار)؛ فهو الذي يراقب سلوك الإنسان ويرسم له الخطي التي ينبغي عليه إتباعها. وعندما يتعرض هذا (الرادار) إلى عطب، فإن وقع الإنسان في مطبات الانحراف والغي يصبح أمرا يسيرا. فالقلب ليس بالعقل الآلي (الميكانيكي) الذي يتلقى المعلومات من العالم الخارجي وينظمها ويصوغ نتائجها في معادلات حسابية جافة.
ويخلص صاحب الكتاب من تحليله لعلاقة القلب بالعقل في القرآن والسنة إلى هذه الملاحظات: "لذلك يبدو العقل في القرآن فذا فريدا في نوعه، عندما يستخدم التعبير بالقلب إلى جانب فعل العقل، ليؤكد أن الإنسان ليس عقلاً جامداً فقط، بل هو عقل وقلب أو هو قلب يعقل، يحس، يشعر، يتأثر ويدرك. إن هذا المزج بين التعبيرين يشكل ظاهره فريدة تختلف عن غيرها كل الاختلاف، وتعطي للعقل في القرآن بعدا جديدا يجمع بين العقل الظاهر والعقل الباطن وبين التفكير والشعور الوجداني" (ص 279).
إن إعطاء القرآن قدرة التعقل للقلب يسحب بساط الهيمنة من تحت أقدام العقل الذي أسند إليه العلم الحديث سلطة التعقل كاملة لا يشترك فيها معه أي عضو آخر من كينونة الإنسان. فالرؤية القرآنية تقلل بهذا الاعتبار من وزن احتكار المقدرة التعقلية عند عقل الإنسان. فالقرآن يقوم بتوزيع جديد للطاقة التعلقية بين القلب والعلق، ويتحيز القرآن في نهاية الأمر لصالح القلب وذلك لانفراده بالعمل التأليفي بين شيء من الشعور وشيء من التعقل في الوقت نفسه. فالقلب في نهاية المطاف هو عقل متوازن. وهذا ما يمثل أكبر تحد للقائلين بالذكاء الاصطناعي حاضراً ومستقبلاً3.
أرجو مساعدتي في العثور على بحوث أو رسائل حول مصطلحي (العقل) و(القلب) ؟
==============================
قراءة في كتاب: مفهوم العقل والقلب في القرآن و السنة (محمد علي الجوزو)
د. محمود الذوادي
المصدر: مجلة إسلامية المعرفة
عنوان الكتاب: مفهوم العقل والقلب في القرآن و السنة
تأليف: الدكتور الشيخ محمد علي الجوزو
الناشر: دار العلم للملايين، بيروت 1980م، 304 صفحة.
ظهر كتاب "مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة" في المكتبات العربية منذ 1980. ولعله حظي بنشر أكثر من مراجعة وتقويم لأفكاره في المجلات العربية. ومع ذلك يبقى محتوى الكتاب مرشحاً لمراجعات جديدة في الأمد القريب على الأقل. فمن جهة، إن مقولة الكتاب الأساسية لها علاقة وثيقة بموضوعات الساعة في ميادين البحث العلمي. فالبحوث في طبيعة العقل ونشاطاته والغوص في آليات الذكاءين الإنساني والاصطناعي وتتصدر اليوم أحدث قائمة البحوث التي يقوم بها العلماء المختصون في المجتمعات المتقدمة1. هل للحاسوب Computer أو الإنسان الآلي Robot عقل مفكر مثل الإنسان؟ هل سوف يبقى عقل بني البشر متفوقاً على برمجة الآلات الحديثة ذات الذكاء الاصطناعي في ميادين استعمال الرموز الثقافية مثل اللغة والعلم والفكر والقيم والمعايير الثقافية...؟ هذه التساؤلات ما هي إلا نزر جد قليل من الأسئلة المشاهدة التي تطرحها علوم الدماغ/العقل وبحوث الذكاءين الإنساني والاصطناعي. هناك إجماع اليوم بين الباحثين على أن الذكاء الاصطناعي يتصف بالبدائية والبساطة وذلك مقارنة بالذكاء الإنساني الذي يتميز بمستوى رفيع ومعقد من القدرة الذكائية.
ومن جهة أخرى فالكاتب يعرض رؤية مختلفة عما هو متعارف عليه اليوم في البحوث حول ظاهرتي التفكير والذكاء. فبينما يرجع العلم الحديث هاتين الظاهرتين إلى بنية المخ/العقل، يرى القرآن أن عمليات الذكاء والتفكير والعقلانية هي حصيلة التفاعل وتعاون بين العقل والقلب.
إنّ الخلاصات التي توّصل إليها مؤلف هذا الكتاب حول العلاقة بين القلب والعقل ذات أهمية خاصة بالنسبة للعلماء المسلمين وغير المسلمين المعاصرين على حد سواء. فمن ناحية يرى الجوزو أن لفظة القلب ليست مرادفة تماما لمفردة العقل كما ذهب إلى ذلك الفقهاء والعلماء المسلمون الأوائل. ففي نظره، لو كان الأمر كذلك لكان العكس أيضاً صحيحا، أي أن العقل هو القلب. ومن هذه الرؤية يصبح العقل مصدرا للمشاعر والأحاسيس والعواطف البشرية. إن في مثل هذا الاعتقاد كثيرا من الخلط في نظر الكاتب؛ فالقرآن والسنة يؤكدان أن هناك تشابها بين العقل والقلب على مستوى ما يمكن أن نسميه بجبهة التفكير. إذ أن القلب يشارك العقل في عمليات التفكير. وفضلاً عن ذلك تظل المشاعر والعواطف من سمات القلب المميزة له.
ومن ناحية أخرى، يميل العلم الحديث إلى القول بالقطيعة بين القلب والعقل. فوظيفة القلب، بالنسبة للعلم، تنحصر أساساً في دوره في ضخ الدم في جسم الإنسان، فأدبيات العلم الحديث لا تكاد تذكر أي شيء عن المقدرات المعرفية والإدراكية للقلب، فالمخ البشري الذي هو وعاء العقل2 صاحب سلطة شاملة في نظر العلم الحديث. ففي المخ يكاد يوجد كل شيء من أفكار ومشاعر وعواطف وإحساسات بشرية، كلها تخضع لتأثير المخ المهيمن.
وهكذا يتضح أن موقف العلم الحديث من علاقة القلب والعقل لا ينسجم مع رؤية القرآن والسنة لهذه العلاقة. فبينما ينحو العلم الحديث إلى الفصل بينهما، يؤكد القرآن والسنة على وجود وحدة وتميز بينهما في الوقت نفسه. ومن ثم يصعب التوفيق بين هاتين الرؤيتين إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
في القرآن يمثل القلب والعقل كينونتين. ففعل عقل يرد تسعاً أربعين مرة في القرآن بصيغ مختلفة. أما مفردة القلب (أو قلب) فيأتي ذكره مائة واثنين وعشرين مرة. ورغم ذلك فالقرآن لا يرى ضرورة القطعية بينهما. بل يؤكد واقع الالتقاء بين العقل والقلب. ولعل أكثر آيات القرآن تعبيراً عن ذلك الآية السادسة والأربعون من سورة الحج: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج:46). يمثل القلب هنا تلك القوة التي تقف وراء العقل ولا نستطيع تحديدها تحديدا مادياً. إنها البصيرة. فالقلب هنا يرى الوجود بعين البصيرة لا بعين البصر ويدرك الحقيقة إدراكاً من الداخل لا من الخارج أو الظاهر. وبتعبير العلم الحديث فكسب رهان الحقيقة ويتطلب رؤية مركبة ومعقدة للأشياء. فالإمساك بإيمان مطمئن لا يكفي فيه التوكل على سلطان العقل وحده بل يحتاج فيه المتعطش إلى نور اليقين إلى هدي القلب. فبصيرة القلب وعقلانية العقل مستويان ضروريان للمجتمع باليقين. ومن ثم لا يمكن للرؤية القرآنية إلا أن تدعو إلى التواصل والتعاون بين العقل والقلب في مثل هذا النوع الرفيع المستوى في دنيا المعرفة الإنسانية.
وللمرء أن يتساءل هنا: هل من سبيل إلى تقريب الرؤية العلمية من الرؤية القرآنية/السنية بخصوص العلاقة الرابطة بين القلب والعقل؟
نحن نرى أن القيام بذلك مسألة ممكنة وكل ما يتطلبه الأمر من العلوم الحديثة هو أن تتبنى بجدية دراسة مدى تأثير القلب على الأنشطة المعرفية والذهنية والعقلانية والعاطفية.. التي ترى الرؤية العلمية التقليدية أن أحداثها تجري داخل حدود الدماغ/العقل لا غير. إن ما ينبغي استقصاؤه هو درجة التأثير التي يمكن أن تكون للقلب فيما يجري داخل المخ البشري الذي يفترض أن يكون تأثيره تأثيراً شموليا مهيمنا.
فلو أمكن التأكد علميا من وجود التواصل والتبادل والتعاون بين القلب والعقل، فان أمر تجاوز الاختلاف بين موقف القرآن/السنة والعلم الحديث لا يصبح واردا فحسب، وإنما ستصبح فرص التعاون بين الطرفين قوية بحيث يتعزز رصيد المعرفة في هذا الميدان الذي لا يزال مهملاً إلى حد كبير في مجال البحوث في الدماغ/ العقل والذكاءين الإنساني والاصطناعي.
إن تكامل القلب والعقل والتقاءهما في رؤية القرآن والسنة يمكن إبرازهما في النقاط التالي: فالعقل يسمح للفرد بالتفكر في الطبيعة والحياة والإنسان، ومن ذلك يستنتج أدلته على وجود الخالق. فيسعى إلى كسب رهان العقيدة واليقين. أما القلب فيقوم أساسا بالشيء نفسه لكن بأسلوب تفكير مختلف، فهو يستند إلى الوجدان العميق والبصيرة النفاذة. إن هناك اختلافا في الأدوار بين الإثنين. فالعقل يجمع المعلومات وينظمها ويستنتج منها ما يمكن أن يساعده على تحسين رصيد معرفته. أما القلب فهو يدرك هذه المعلومات إدراكاً باطنياً ووجدانياً قد يكون العقل عاملا مساعدا فيها أو قد يكون جزءاَ لا يتجزأ من القلب، يندرج تحته ويكون العقل في خدمته، لأن المعرفة الحقيقة هي معرفة القلب" (275).
وبعبارة أخرى، فالعقل تأمل وإدراك والقلب إحساس ويقين وفهم عميق. فالقلب يختلف إذن، في القرآن والسنة، اختلافاً بينا عن العقل. إن القلب هو عبارة ملهم، إنه عقل مبصر. فلعله أهم حواس الإنسان جميعا؛ فبصلاحه يصلح الإنسان.
فالقلب إذن بمثابة (الرادار)؛ فهو الذي يراقب سلوك الإنسان ويرسم له الخطي التي ينبغي عليه إتباعها. وعندما يتعرض هذا (الرادار) إلى عطب، فإن وقع الإنسان في مطبات الانحراف والغي يصبح أمرا يسيرا. فالقلب ليس بالعقل الآلي (الميكانيكي) الذي يتلقى المعلومات من العالم الخارجي وينظمها ويصوغ نتائجها في معادلات حسابية جافة.
ويخلص صاحب الكتاب من تحليله لعلاقة القلب بالعقل في القرآن والسنة إلى هذه الملاحظات: "لذلك يبدو العقل في القرآن فذا فريدا في نوعه، عندما يستخدم التعبير بالقلب إلى جانب فعل العقل، ليؤكد أن الإنسان ليس عقلاً جامداً فقط، بل هو عقل وقلب أو هو قلب يعقل، يحس، يشعر، يتأثر ويدرك. إن هذا المزج بين التعبيرين يشكل ظاهره فريدة تختلف عن غيرها كل الاختلاف، وتعطي للعقل في القرآن بعدا جديدا يجمع بين العقل الظاهر والعقل الباطن وبين التفكير والشعور الوجداني" (ص 279).
إن إعطاء القرآن قدرة التعقل للقلب يسحب بساط الهيمنة من تحت أقدام العقل الذي أسند إليه العلم الحديث سلطة التعقل كاملة لا يشترك فيها معه أي عضو آخر من كينونة الإنسان. فالرؤية القرآنية تقلل بهذا الاعتبار من وزن احتكار المقدرة التعقلية عند عقل الإنسان. فالقرآن يقوم بتوزيع جديد للطاقة التعلقية بين القلب والعلق، ويتحيز القرآن في نهاية الأمر لصالح القلب وذلك لانفراده بالعمل التأليفي بين شيء من الشعور وشيء من التعقل في الوقت نفسه. فالقلب في نهاية المطاف هو عقل متوازن. وهذا ما يمثل أكبر تحد للقائلين بالذكاء الاصطناعي حاضراً ومستقبلاً3.