مقال للنشر: دعاوى أنسنة النص القراني..بين هوس العقلانية الحداثية وحقيقة الوحي الالهي

نايف عبوش

New member
إنضم
12/01/2013
المشاركات
18
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
79
الإقامة
العراق
دعاوى أنسنة النص القراني..بين هوس العقلانية الحداثية وحقيقة الوحي الالهي
نايف عبوش
لاجرم ان النص القراني بهر عند نزوله العرب حين سمعوه،وسلموا بالعجز المطلق عن محاكاته،او الاتيان بمثله، على بلاغتهم المعروفة، وجزالة ألفاظهم، وكفر المشركين الصريح منهم به،بعد ان استهلكوا كل ما دار في خلدهم من ادعاءات زائفة،من انه قول شاعر، او قول ساحر، او قول مجنون.ولم يستطيعوا قط أن يأتوا بمثله، أو ان ينتقصوا منه في لفظه أو معناه. وما حصل مع الوليد بن المغيرة،وغيره من زعماء قريش،وهم ارباب الفصاحة والبيان، معروف للجميع،ومن ثم فلا حاجة لتكراره.
وتأتي الحداثوية اليوم بشقيها الفكري والفلسفي،لتركز الاهتمام على مركزية الإنسان،وتمجيد العقل البشري بمغالاة غريبة تجاوزت معها كل الغيبيات،في محاولة متعمدة لتقديس العقل الانساني،تحت اوصاف العقلانية ،والاستنارة تارة،والبنيوية، والتفكيكية وغيرها من التسميات،تارة اخرى. ولعل هوس بعض النخب الحداثوية بمعطيات العلوم المعاصرة، وما انجزته الثورة المعلوماتية والتكنولوجية من انجازات مادية ملموسة،هو ما شجعها على المبالغة في تقديس العقل الانساني،والتطاول على المقدسات الغيبية، ومنها الطعن بالقران،والتجرؤ على القول بأنسنته، الى الحد الذي باتت معه كثير من الكتابات الحداثوية المعاصرة، تعتبره من وضع البشر من دون تردد.
ومع أن مماحكات بعض الحداوثيين،وإن اختلفت ألفاظها،وتنوعت طرائقية عروضها،الا انها لا تختلف من حيث الجوهر عن مقالات من سبقوهم من المغالطين من مشركي عرب الجاهلية،الذين اذعنوا في نهاية الامر لحقيقة الهية النص القراني على فصاحتهم،حيث يحاول بعض المفتئتين المعاصرين من الحداثويين، أن ينزع القدسية عن نص الوحي،من خلال السعي المحموم لمعاملة نصوص الوحي كما يعامل النصوص البشرية تماما،بل ويعتبرها جزءا من الإبداع البشري، ولا تختلف عن غيرها من نتاجات البشر، في تفيقهات تسطيحية تدعي أنسنة الوحي،مع ان نصوص الوحي القراني تختلف عن نصوص البشر،من حيث انها كلام يتكامل مع بعضه،ولا يتناقض اطلاقا،ويأخذ بعضه بتلابيب بعض،ولا يلغي بعضه بعضا،وهو كلام ينبغي أن يؤخذ في سياقاته الخاصة عند التعاطي معه،ناهيك عن كمال الصياغة، ودقة النظم، وجمال الإيقاع، كما يعرف ذلك جيدا المختصون في علوم القران،والعلوم الاسلامية .
وقد جافت بعض النخب الحداثوية،طرق البحث المدرسية المعروفة في العلوم الاسلامية عند التعامل مع النص القراني، فعمدت الى اخضاعه لنقد العقل التجريدي بمنهجيات اخرى،تتجاوز اليقينيات المطلقة،ولا تقرالحقيقة الغيبية،ولا تؤمن بالماورائيات،تمشيا مع طراقياتها القائمة على الملاحظة الحسية،وذاتية الباحث المرتبط بلحظته الزمنية،وما تعنيه تلك المنهجية من شرعنة نزع القدسية عن أي نص مقدس عند التعامل معه كنص تاريخي تحدده اللحظة الزمنية للتناول،وذاتية الباحث،حيث يجوز لنفسه ان ينزل به عن مستوى الوحي الالهي، إلى مستوى التاريخ البشري،ومن ثم التعامل معه كما لو ان التعامل يحصل بين الإنسان والإنسان،بدلا من أن تكون العلاقة فيه بين الخالق والمخلوق كما هي في حقيقتها.
ولابد من الاشارة الى ان المسلمين الاوائل كانوا يتحرزون من تفسير القرآن،بسبب القدسية التي اعطوها للنص لقناعتهم المطلقة باعجاز لغته اولا، وسمو مقاصده ثانيا، فحددوا بناء على تلك المؤشرات،شروطا للمفسر في مقدمتها التجرد التام من الهوى،والعلم باللغة العربية وفروعها، والعلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن،بما يمكنه من القدرة على الترجيح اذا لزم الامر،والتمكن من استنباط المعاني التي تتفق مع المراد من النص على حقيقته.
لذلك فان التعامل مع نصوص القران الكريم ينبغي ان يتم وفقا لمنهجية العلوم الاسلامية المعتمدة في هذا المجال حصرا،لا وفقا لمنهجيات كيفية يقررها كل من هب ودب. فكما ان علوم الطب تدرس بمنهجيات لا تصح الا في بحث العلوم الطبية ،وان علوم الفيزياء لا تدرس الا من خلال المنهجية المعتمدة في بحثها،وهكذا.. فانه لا يصح ايضا،من باب اولى،ان تجري دراسة القران،وبحث نصوصه،الا من خلال منهجية علوم القران،والمنهجيات المعتمدة في المعرفة الاسلامية المتراكمة في هذا المجال، بدءا من مرحلة نزول القران، وانتهاء بعصرنا الراهن،من دون تسويغ لأي نزق مهووس يفسح المجال للعقل الجامح،بتجاوز حدود طاقته لدى الباحث غير المتسلح بمنهجية المعرفة الاسلامية،يدفعه الى القفز بسهولة فوق اشكالية قصور تصورات العقل،ومحدودية افق العلم التجريبي المحكومة بقاعدة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)،فيقع منه عندئذ الوهم،وخطأ القياس،فيتجاسر تحت وطأة الاستنتاجات الذاتية غير المقيدة بمنهجية العلوم الاسلامية المعروفة،مما يجوز له الطعن بصدقية وحي النص القرآني، وإسقاط الانسة عليه زورا وبهتانا،ليحشره في زاوية النقد البشري، كما لو انه كتاب في الاجتماع، او الأدب، او الفلسفة.
وباعتماد مثل هذه المنهجية الصحيحة فقط،يمكن التوصل الى نتائج موضوعية، تتوافق مع قدسية النص القراني، وتنأى به عن الانسنة، والإخضاع للنقد البشري.
وهكذا يتداعى عندئذ،اجترار مثل تلك التنطعات المتهافتة التي تظهر اليوم في كثير من المواقع العنكبوتية،التي تستهدف المس بقدسية النص القراني بسبب خطأ استخدام منهج التعاطي،وزيف ما يتم التوصل اليه من استنتجات، وركة حجتها،امام رسوخ حقيقة الوحي الالهي للنص القراني.
 
بارك الله فيك
مقال رائق وموضوع فائق
 
نعم الاستهلال: يصدق على مقالك:" كل الصيد في جوف الفرا" جزاك الله خيرا.
ولكل قوم وارث، فتقديم العقل على النص تركة المعتزلة وإخوانهم... مع إضافات جديدة الآن في الشرح أشد جرأة.
 
جزاكم الله خير الجزاء
تنظير مميز
كنت اسأل عن العنوان (أنسنة النص)
هل ينبني على خلفية مصطلحية معينة
لاني ربما افهمها من زاوية اخرى حيث تعني المساواة في الانسانية
 
يهرب العلمانيون بمصطلح (الأنسنة) من التصريح بإنكارهم لإلهية مصدر القرآن الكريم
وله أصل هو: أنسنة الإله
ومصطلح: أنسنة الإله (وما يصدر عنه) أول من تحدث به هو فيورباخ 1804 – 1872م، في كتابه: أصل الدين: الذي اعتبر أن الإنسان هو الله [ تعالى الله وتقدس] أو الله هو الإنسان (ص115)، وأن الإنسان حين يتحدث عن الله [عز وجل] فإنه في الحقيقـة يتحـدث عن نـفسه ، لأن الآلـهة ليست إلا تجسيـداً لرغبات الإنسان (ص87) والله [عز وجل] - بنظره - ليس إلا مـرآة تنعكس فيهـا صفـات النوع البشري (ص29)، والإنسان هو الذي خلق الله [ تعالى وتقدس ] على صورته يحمل ملامحه تماماً ، ووضعه في عالم متسام كطبيعة سامية له ، وهذه الطبيعة يجب أن ترجع إليه ، فالاعتقاد في الله [ عز وجل ] نتيجة لضعف الإنسان وفقره ، ولو كان قوياً ما كان يحتاج إلى الله (ص87).
أما أكثر من تبنى هذا من العلمانيين العرب كل من أركون في كتابه: " نزعة الأنسنة " وأسماها أحياناً " النزعة الإنسية " وكذلك نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي بمصطلحات أخرى مثل تاريخية النص، الفكرانية (تحويل النص إلى إيديولوجيا)، مركزية الإنسان.. الخ
وقد حاولوا جاهدين ربطها بقضية خلق القرآن
يقول أركون في كتابه: قضايا في نقد العقل الديني : " أن نقول القرآن مخلوق فهذا يعني أنه متجسد في لغة بشرية هي هنا اللغة العربية "
وصرح نصر حامد أبو زيد في كتابه: الخطاب والتأويل: بأن النص القرآني كغيره من النصوص البشرية معرض لأن يموت إذا لم يجد قراءً
 
يهرب العلمانيون بمصطلح (الأنسنة) من التصريح بإنكارهم لإلهية مصدر القرآن الكريم
وله أصل هو: أنسنة الإله
ومصطلح: أنسنة الإله (وما يصدر عنه) أول من تحدث به هو فيورباخ 1804 – 1872م، في كتابه: أصل الدين: الذي اعتبر أن الإنسان هو الله [ تعالى الله وتقدس] أو الله هو الإنسان (ص115)، وأن الإنسان حين يتحدث عن الله [عز وجل] فإنه في الحقيقـة يتحـدث عن نـفسه ، لأن الآلـهة ليست إلا تجسيـداً لرغبات الإنسان (ص87) والله [عز وجل] - بنظره - ليس إلا مـرآة تنعكس فيهـا صفـات النوع البشري (ص29)، والإنسان هو الذي خلق الله [ تعالى وتقدس ] على صورته يحمل ملامحه تماماً ، ووضعه في عالم متسام كطبيعة سامية له ، وهذه الطبيعة يجب أن ترجع إليه ، فالاعتقاد في الله [ عز وجل ] نتيجة لضعف الإنسان وفقره ، ولو كان قوياً ما كان يحتاج إلى الله (ص87).
أما أكثر من تبنى هذا من العلمانيين العرب كل من أركون في كتابه: " نزعة الأنسنة " وأسماها أحياناً " النزعة الإنسية " وكذلك نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي بمصطلحات أخرى مثل تاريخية النص، الفكرانية (تحويل النص إلى إيديولوجيا)، مركزية الإنسان.. الخ
وقد حاولوا جاهدين ربطها بقضية خلق القرآن
يقول أركون في كتابه: قضايا في نقد العقل الديني : " أن نقول القرآن مخلوق فهذا يعني أنه متجسد في لغة بشرية هي هنا اللغة العربية "
وصرح نصر حامد أبو زيد في كتابه: الخطاب والتأويل: بأن النص القرآني كغيره من النصوص البشرية معرض لأن يموت إذا لم يجد قراءً
جزاكم الله خير الجزاء واحسن اليكم
 
عودة
أعلى