مقال للتأمل: السلفيون والشيعة والذاكرة المشوشة (محمد مختار الشنقيطي)

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
مقال يستدعي التأمل، كتبه الأخ العزيز الأستاذ محمد مختار الشنقيطي، مدير أحد المراكز الإسلامية في تكساس، في موضوع ذي صلة بموضوع رسالة الدكتوراه في تاريخ الأديان، والتي يعدها بجامعة تكساس، حول الخلاف السني-الشيعي.
===

السلفيون والشيعة والذاكرة المشوشة
* محمد بن المختار الشنقيطي

كاتب موريتاني
المصدر: الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/765529F9-8F7D-48C4-A1BD-5A4B0319FA50.htm

- التاريخ والذاكرة الاجتماعية
- قراءتان لصلاح الدين
- خلل القراءة السلفية
- خلل القراءة الشيعية



تصبح الشعوب أحيانا أسيرة لتاريخها، حينما تبتعد ذاكرتها الاجتماعية أشواطا عن وقائع التاريخ، ويتم تصور تلك الوقائع في شكل أمان حول ما كان ينبغي أن يقع، لا وعيا بما وقع بالفعل، ويسود التحيز والجدل في قراءة التاريخ.

والمتتبع للصراع الحالي بين التيار السلفي والتيار الشيعي في العالم الإسلامي يجد أهم أسبابه الخلاف في تفسير التاريخ الإسلامي، لا تاريخ الخلافة الراشدة فحسب، وإنما تاريخ الإسلام بجميع مراحله، بما في ذلك الغزو المغولي والحروب الصليبية والدولة العثمانية.

لكن هذا الخلاف ليس خلافا أكاديميا نزيها عن الوقائع ومعناها، فالخلافات الأكاديمية لا تؤدي عادة إلى إراقة الدماء، وإنما هو صراع بين ذاكرتين اجتماعيتين متناقضتين، لا تنبني أي منهما على قراءة دقيقة لوقائع الماضي، بقدر ما تعتمد على خلاصات متعجلة ذات أسس واهية من المنطق وأسانيد ضعيفة من التاريخ، وعلى تراكم ضخم من الأوصاف السلبية للطرف الآخر، دون إنصاف أو تدقيق.

* التاريخ والذاكرة الاجتماعية

وفي هذا المقال نحاول إيضاح الفرق بين التاريخ والذاكرة الاجتماعية، ونورد مثالا من أمثلة الذاكرة الاجتماعية المشوشة، وهو صورة صلاح الدين الأيوبي في الذاكرة السلفية والشيعية اليوم، وكيف ساهمت هذه الصورة الشوهاء في العصف بوحدة المسلمين في وقت هم في أمس الحاجة إلى ثقافة الإجماع والإحساس بالهوية المشتركة والمآل المشترك.

يمكن تعريف علم التاريخ بأنه "التسجيل النزيه لوقائع الحياة البشرية في سياق الزمان وتحليل معناها ومغزاها في الحاضر والمستقبل" أما الذاكرة الاجتماعية فهي "التذكر الانتقائي لوقائع التاريخ خدمة لغايات سياسية وأيديولوجية جماعية".

وبناء على هذين التعريفين يمكن استخلاص عدة فروق بين التاريخ والذاكرة الاجتماعية منها:

أولا: أن الحقيقة في علم التاريخ غاية في ذاتها، ووظيفتها علمية تعليمية، أما الذاكرة الاجتماعية فالحقيقة فيها وظيفية لا علمية، وكثيرا ما تتم التضحية بها خدمة لأهداف آنية.

ثانيا: أن التجرد هو أهم خصائص علم التاريخ الحق، أما الذاكرة الاجتماعية فطابعها التحيز دائما، لأن غايتها بناء الهوية الجماعية، ورسم الحدود بين الجماعة وغيرها، حتى ولو كانت تلك الحدود مصطنعة أو وهمية.

ولست أعني هنا أن الذاكرة الاجتماعية ظاهرة سلبية بالمطلق، فكل جماعة دينية أو وطنية أو عرقية تحتاج إلى ذاكرة اجتماعية في شكل قصص وملاحم بطولية تكون أساسا لوجودها الجماعي وعملها المشترك، إنما السلبي أن تكون هذه الذاكرة الاجتماعية مبنية على الأوهام لا على الحقائق، أو أن تتحدد تلك الذاكرة الاجتماعية سلبا عبر احتقار الآخر، بدلا من أن تتحدد إيجابا عبر احترام الذات.

* قراءتان لصلاح الدين

ليس صلاح الدين في الذاكرة الاجتماعية السلفية اليوم بطل كل المسلمين، وإنما هو بطل سني سلفي، كان ذا أولويات واضحة. بدأ حياته السياسية والعسكرية بهدم الدولة الفاطمية، ثم انتقل إلى تحرير الأرض الإسلامية من الصليبيين، ورفع راية السنة والجماعة بالمعنى السلفي الضيق الشائع اليوم.

ويمكن الاطلاع على هذه النظرة لحياة صلاح الدين في كتابات الشيخ سفر الحوالي من السعودية، والمؤرخ علي محمد الصلابي من ليبيا وآخرين كثير.

فقد ورد على موقع الشيخ الحوالي من محاضرة له بعنوان "التواطؤ الرافضي مع الصليبيين لاحتلال بيت المقدس" قوله "فكان التواطؤ والتعاون بين الرافضة والباطنية الذين كانوا يحكمون بلاد مصر والشام وبين الصليبيين، فسهلوا لهم دخول بيت القدس، ولم يكن بينهم أي حرب، وإنما دخلوه وانتهكوا حرمته، وقتلوا سبعين ألفا من المسلمين حتى غاصت خيولهم في دماء المسلمين إلى الركب".

ثم يتحدث عن صلاح الدين قائلا "بدأ صلاح الدين من النقطة الصحيحة وهي أن يجتمع المسلمون أهل السنة على العقيدة الصحيحة على الكتاب والسنة، وأن يطهر الصف الداخلي من المجرمين ومن المنافقين ومن أهل الضلالات، ثم انطلق لمحاربة الأعداء الخارجيين، ثم بعد ذلك يكون النصر بإذن الله تعالى ولهذا ترك صلاح الدين الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين، وذهب إلى بلاد مصر فقضى على الفاطميين.."

ويتجاهل الشيخ الحوالي هنا ملحمة الصمود الرائعة التي خاضها مسلمو القدس بقيادتهم الفاطمية مدة أربعين يوما من الحصار والقتال العنيف، كما يتجاهل أن الفاطميين لم يكونوا يحكمون الشام يومئذ.

والمعنى العملي لهذه الذاكرة الاختزالية أن واجب الشباب السلفي اليوم هو تطهير الأرض من الشيعة قبل تحريرها من الغزو الخارجي، وعدم التعاون مع الشيعة من أبناء البلد الواحد أو الثقة فيهم، حتى ولو كان المصاب مشتركا والهم واحدا.

أما في الذاكرة الاجتماعية الشيعية اليوم فإن صلاح الدين ليس بطلا على الإطلاق، وإنما هو مغامر عسكري هدم أهم دولة في التاريخ الإسلامي، وهي الدولة الفاطمية، وتساهل مع الصليبيين وتنازل لهم عن بعض الأرض الإسلامية في صلح الرملة، ونشر الجهل والتعصب عن طريق اضطهاده للشيعة وإحراقه لمكتبات الفاطميين في مصر.

وقد عبر عن هذا التوجه المؤرخ السوري حسن الأمين في كتابه "صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين" وذهب أحد الكتاب الشيعة بمصر -د.أحمد راسم النفيس- إلى حد تسمية صلاح الدين "هولاكو الدين الأيوبي".

ويتجاهل الكتاب الشيعة هنا أن صلاح الدين –على أخطائه العديدة ومنها التفريط في المكتبات المصرية- قضى حياته على صهوات الخيل وفي ظل الخيام مدافعا عن أرض الإسلام، بينما كان حكام عصره غارقين في ترف القصور، وأولهم الخلفاء الفاطميون الذين خلَّفوا كنوزا حار المؤرخون في وصفها.

والمعنى العملي لهذه القراءة اليوم أن تنظر بعين الريبة إلى أصوات التحرير الصادرة من أي جهة سُنِّية، وأن لا تثق إلا بأبناء الطائفة.

إن التدقيق في حياة صلاح الدين عن طريق المصادر الأصلية المكتوبة في حياته أو قريبا من عصره يدل على أن كلا القراءتين السلفية والشيعية لسيرته تبسيط مخل واختزال لشخصية مركبة في القوالب الطائفية المتحكمة في ثقافتنا اليوم، وهما مثالان واضحان على الذاكرة الاجتماعية المبنية على الأوهام.

* خلل القراءة السلفية

أما القراءة السلفية لصلاح الدين فيظهر خللها من خلال أمرين:
أولا: لم يكن صلاح الدين سنيا بالمعنى الذي يفهمه السلفيون اليوم، بل كان أشعري المعتقد، حتى ليذكر السيوطي وغيره أن صلاح الدين أمر المؤذنين بإعلان العقيدة الأشعرية من منابرهم كل ليلة. كما يذكر عنه قاضيه وكاتب سيرته ابن شداد أنه كان يستمع لسماع الصوفية.

ومن المبادئ الجليلة التي أرساها أبو الحسن الأشعري أنه لا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة، والحق أن صلاح الدين لو كان سلفيا يعادي الأشعرية ويبدِّع الصوفية ويكفر الشيعة لما استطاع توحيد الكلمة وتحرير الأرض.

لقد كان من حسن حظ الأمة الإسلامية آنذاك أن صلاح الدين الذي حمل راية الدفاع عنها أيام الصليبيين كان ذا عقل أشعري تركيبي، ومن سوء حظ الأمة اليوم أن من يحملون راية الدفاع عنها الآن ذوو عقول سلفية تبسيطية أو شيعية تبسيطية.

ولست أقول هذا لأني أشعري، فأنا لست بحمد الله أشعريا ولا سلفيا ولا سنيا ولا شيعيا، بل أتشبث بالتسمية القرآنية: "هو سماكم المسلمين" وأراها خيرا وأبقى من الاصطلاحات التاريخية المبتدَعة.

ثانيا: لم يكن لدى صلاح الدين مشكلة مع الشيعة الإمامية -وهم عامة الشيعة اليوم- بل كانت مشكلته مع الشيعة الإسماعيلية الفاطمية –ومنهم حكام مصر يومئذ- ومع طائفة الحشاشين الدموية التي حاولت اغتياله.

ولذلك حينما زالت الدولة الفاطمية الإسماعيلية تحول الكثير من الإسماعيلية إلى شيعة إمامية، لأن الإمامية كانت أكثر طوائف الشيعة –بعد الزيدية- قبولا لدى أهل السنة في عصره وبعد عصره، حتى رسم ابن تيمية ومدرستُه حدودا جديدة وبنوا أسوارا عالية بين الإمامية والسنة.

وقد كان الشيعة الإمامية -وهم غالبية سكان دمشق وحلب أيام الصليبيين حسب تقديرات الرحالة ابن جبير وغيره- موالين لصلاح الدين وجزءا لا يتجزأ من جيوشه، على عكس ما تقدمه الروايات السلفية اليوم.

ويكفي أن نعرف أن من أول كتَّاب سيرة صلاح الدين المؤرخ الشيعي يحي بن أبي طي الحلبي، وهو رجل شديد الولاء للأسرة الأيوبية، كما تدل على ذلك النصوص التي وصلتنا من كتابه مقتبسة في كتب أبي شامة وغيره.

ثم إن صلاح الدين لم يقاتل الشيعة بسبب تشيعهم، ولا تجنب قتال السنة بسبب تسننهم، فقد كان الرجل عمليا ومنصفا يؤاخذ الناس بالفعل لا بالمذهب، ويقدر الإخلاص للأمة والولاء لها أكثر مما يقدر التنطعات الكلامية والفقهية.

وقد عمل وزيرا للخليفة الفاطمي، كما قاتل أبناء نور الدين زنكي وأبناء أخيه سبع سنين –وهم سنة- سعيا لتوحيد الشام مع مصر في وجه الصليبيين.

ونجد أشد مؤرخي ذلك العصر انتقادا لصلاح الدين مؤرخ سني، وهو ابن الأثير الذي كان مواليا للزنكيين في الموصل وحلب حينما كان صلاح الدين يقاتلهم.

وكان عمارة اليمني الفقيه الشاعر السنّي هو الذي قاد المحاولة الانقلابية على صلاح الدين من أجل استرداد الدولة الفاطمية الشيعية. وكانت دوافع عمارة النفعية قد غلبت انتماءه المذهبي –كما هو حال الكثيرين في كل عصر- وقد عبر عن ذلك في شعره من مثل قوله يمدح الفاطميين:
وزرت ملوك النِّيل أرتاد نَيْلهم *** فأحمدَ مرتادي وأخصب مرتعي
مذاهبهم في الجود مذهب سنةٍ *** وإن خالفوني في اعتقاد التشيعِ

ولم يكن عمارة يهتم بتشيع أو تسنن بقدر ما كان يحن إلى عطايا الفاطميين التي اعتادها، ولم يكن يهمه الانشقاق التاريخي الذي بدأ منذ حرب الجمل وصفين، بقدر ما تهمه ليالي السمر المترفة في قصور الفاطميين.

وهو القائل:
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمــةٍ *** لك الملامة إن قصَّرتَ في عذلي
بالله زُرْ ساحة القصرين وابك معي *** عليهما لا على صِفِّينَ والجملِ

* خلل القراءة الشيعية

أما القراءة الشيعية السائدة اليوم لسيرة صلاح الدين، واتهامه بالغدر والموالاة للصليبيين –كما عبر عن ذلك حسن الأمين في كتابه- فالخلل فيها أوضح من الشمس في رابعة النهار.

أولا: على عكس بعض الحكام الذين سبقوه، مثل نور الدين زنكي، لم يضطهد صلاح الدين الشيعة، بل سعى إلى احتوائهم باعتبارهم إخوة في المعتقد رغم خلاف المذهب، ودمَجهم في جهده العسكري ضد الصليبيين.

وهذا ما يفسر ثناء المؤرخ الشيعي ابن أبي طي على صلاح الدين وتأليفه كتابا في سيرته. فوالد ابن أبي طي –وهو من فقهاء الشيعة وقادتهم- تم نفيه وأسرته من مدينتهم حلب على يدي نور الدين حتى جاء صلاح الدين ورفع الظلم عنهم. أما إطاحة صلاح الدين بالدولة الفاطمية فلم تكن دوافعه طائفية، إذ قد أطاح بدويلات سنية كثيرة في الشام والعراق سعيا لتوحيد الكلمة والجهد.

وحينما قرر صلاح الدين وضع حد للحكم الفاطمي في مصر، لم يقتل الخلفية الفاطمي العاضد –كما هو العرف السائد في ذلك العصر المليء بالاغتيالات السياسية- بل تدرج وانتظر موت العاضد ميتة طبيعية. وحينما مات العاضد "جلس السلطان (صلاح الدين) للعزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وبلغ الغاية في إجمال أمره، والتوديع له إلى قبره" كما يقول ابن شداد.

ثانيا: أما اتهام حسن الأمين صلاح الدين بموالاة الصليبيين والتنازل لهم عن الأرض اختيارا في صلح الرملة فسخف لا معنى له، وهو قول من لا يعرف –ولا يريد أن يعرف- الحالة العسكرية للطرفين المتحاربين في الحملة الصليبية الثالثة.

ويكفي أن نقول هنا إن المؤرخين الصليبيين في الماضي والمستشرقين الغربيين اليوم أكثر نزاهة في رؤيتهم لصلاح الدين من حسن الأمين.

فالمؤرخ القسيس وليم الصوري الذي عاصر تلك الأحداث يثني على شجاعة صلاح الدين ونبله وسخائه، رغم أن كلماته تقطر حسرة على استرداد صلاح الدين للقدس.

والمستشرقون اليوم أكثر اعترافا بمناقب صلاح الدين، ومنهم هاملتون جيب في كتابه "حياة صلاح الدين" وجيفري هيندلي في كتابه "صلاح الدين" وآندرو أهرنكريتز في كتابه "صلاح الدين".

إن الذاكرة الاجتماعية هي أساس الهوية في كل أمة، والذاكرة الاجتماعية المشوشة تنتج هوية مشوشة وأمة في حرب مع ذاتها. وليست القراءات السلفية والشيعية لسيرة صلاح الدين الأيوبي إلا مثالا واحدا من أمثلة كثيرة على هذا التشويش والتمزق الذي نعيشه اليوم.

ويحاول الآن بعض أهل الرأي والقلم من السنة والشيعة، مثل الأستاذ أحمد الكاتب من العراق ود. محمد الأحمري من السعودية، تقديم مراجعات لتصحيح هذا الخلل في التفكير التاريخي الذي يقود أمتنا إلى الانتحار. فهل نبذل جهدا أكبر في ترميم ذاكرتنا الاجتماعية وإعادة بنائها على الحقائق التاريخية لا على الأوهام الطائفية؟
 
والله هذا المقال وامثاله من المقالات الحرية بالقراءة والتدبر والتامل وليس المهم هنا ان نوافق الكاتب او نخالفه لكن هذه فكرة ممتازة في محاولة دراسة الواقع المؤلم الذي نعيشه والذي طرق المقال زاوية من زواياه
فشكر الله للكاتب ولناقل المقال على صنيعهما وارجو من الاخوة في هذا المنتدى الادلاء بدلائهم لعلنا نخرج بشيء مهم ومفيد
والله يتولانا جميعا
 
قرأت مقال محمد الشنقيطي في مجلة العصر ... فلما قرأته هنا .. أحببت المطارحة الفقهية لمحتوى المقال وذلك من خلال عدة نقاط سأستعين الله عليها :

أولا :
أعتقد أن مايهدف إليه مقال الشنقيطي من : مراجعة نقدية للماضي ... والتفريق بين ما يسمى ( التقرير المسبق ) وبين (حقيقة التقرير ) ... أعتقد أنه مهم بالنسبة لقادة الأمة من علمائها ومفكريها .. إلا أن ذلك لا يتم إلا بناء على استقراء صحيح لجزيئات الأمثلة .. حتى يمكن نظمها في منظومة واحدة ..

ثانيا :
المثال الذي استنبط منه الشنقيطي تلك النتيجة .. وهو شخصية صلاح الدين .. أعتقد أن فيه مغالطات كبرى ...

ثالثا :
لو أن الشنقيطي درس لنا (سيرة صلاح الدين في تطبيق السياسة الشرعية ) لكان أوفق من وجهة نظري .. أو لو جعل له مثالا غير سيرة صلاح الدين لكان أقرب إلى النتيجة الحتمية ...

رابعا :
جعل الكاتب الشنقيطي أهم ركيزة في الخلاف بين (التيار الشيعي) .. (والتيار السلفي ) هو الخلاف في تفسير التاريخ الإسلامي وليس تاريخ الخلفاء الراشدين فحسب . وأظن أن : هذا أحد الأسباب ... إلا أني أخالفه في كونه (أهم الأسباب ) ... فأعتقد أن الخلاف بين (التيارين ) أعمق من ذلك بكثير ... بل إني أظن أن الخلاف في التاريخ الإسلامي هي نتيجة لخلاف عقدي آخر .. وفرق بين كون الأمر سببا وأهم الأسباب .. وبين كونه نتيجة ...

خامسا :
المعنى العملي الذي استنبطه الشنقيطي من كلام أهل السنة .. والذين عبر عنهم بمثالين (الحوالي - الصلابي ) .. والذي نص فيه على أن : (المعنى العملي لهذه الذاكرة الاختزالية أن واجب الشباب السلفي اليوم هو تطهير الأرض من الشيعة قبل تحريرها من الغزو الخارجي، وعدم التعاون مع الشيعة من أبناء البلد الواحد أو الثقة فيهم، حتى ولو كان المصاب مشتركا والهم واحدا ) أ.هـ .
أعتقد أن هذا استنباط غير لازم .. بل لعله من (إلزامات الخصوم ) .. و(لازم المذهب غير لازم ) ... إلا أن الذي يستنبط من كلام أهل السنة في كلامهم على سيرة صلاح الدين ، أمور أهمها من وجهة نظري مايلي :

1ـ أن الأمة عليها أن تسعى لنشر العقيدة الصحيحة في أول أولوياتها .
2ـ جمع الأمة الشرعي .. والذي أمرت به الشريعة .. هو (جمعها على العقيدة الصحيحة ) .. وهذا يستلزم :
محاربة العقائد البدعية ـ إزالة نفوذ ورؤساء تلك البدع ـ نشر العقيدة السنية بين جماهير الناس ـ محارصة البدع في أماكن غير قابلة للإنتشار ـ عدم نشر كتب تلك الطوائف .. وإلا مالفائدة من محاربة البدعة والمحافظة على كتبها ..

3ـ التعامل مع المخالفين من خلال (السياسة الشرعية ) ولهذا قواعد تحكمه عند أهل السنة ... يخضع هذا لظروف الوقت وقوة أهل السنة .. وقوة أهل البدع .. وأخيرا حجم البدعة بالنسبة لأصول أهل السنة .. وبعدها عن الكتاب والسنة .

سادسا :
ماذكره الكاتب من أن صلاح الدين لم يقاتل (الشيعة بسبب تشيعهم ، ولا السنة بسبب تسننهم ) .... أظنه إختزال مخل لسياسة أصبحت علامة بارزة لصلاح الدين عبر الزمن ، بل هو طعن في أعز وأغلى ما يمكن دراسته واستنباطه من سيرة هذا الملك البطل العادل ... وهو ما يمكن أن أعنون له بـ ( السياسة الشرعية لجمع الأمة في أوقات الاختلاف ) أو ( النهج الشرعي في إقامة الدولة مع قيام الدويلات ) .. أو غيرها مما تعتبر سيرة صلاح الدين (المثال التطبيقي له)

سابعا :
إن مقاتلة صلاح الدين للجبهتين :

1ـ المصرية : واضح أنه كان بسبب تشيعهم ومواقفهم من الدولة الإسلامية ... بل إن تقديم صلاح الدين لمقاتلة هذه الجبهة على الصليبين يعطينا الدلالة الواضحة على مقدار ما (تسببه هذه الدولة الفاطمية من عائق ) في المسلمين آنذاك .

2ـ الشامية : وهي الدولة النورية ... التي استنبط منها الكاتب الشنيقطي أن صلاح الدين لم يقاتل الشيعة لتشيعهم ... وإلا لما قاتل الدولة النورية ... !!!! ومن قرأ سيرة صلاح الدين في تعامله مع هذه الجبهة .. والحلول التي فرضها أثناء مقاتلته لأبناء عمه ... (من تقديم الصلح .. والرضا بأقل مبادرة .. ومحاولة الاجتماع .. ) من قرأ ذلك علم أنه لم ينطلق في قتاله للشاميين من نفس منطلق المصريين (الفاطميين ) .. فإن قتاله لأبناء عمه كان بسبب :
الفتن والقلائل والتفرق والتقاتل والتقسيم الذي سببته (شهوات الملك والدنيا ) .. ومعلوم أنه في مثل هذه الحالة يتعين على أهل الحل والعقد والحزم إيجاد حل لمثل هذه الفئات الباغية ... والتي تقود الناس (على غير رغبة ) .. حتى يصبح عموم اهل السنة في انتظار أي شعلة ضوء تخرجهم من مأزقهم ... (والعراق بين أيدينا ... مثال حي .. في محبة أهلها لأي شعلة ولاية تفرض هيبة على الناس ) ... ولا ولاية أعدل من أهل السنة ...

ثامنا :
إن الدراسة الجديرة بالذكر في مثل هذه الظروف التي تمر بها أمتنا ... ليس أن نذهب إلى التاريخ فنطعن فيه ... وننزله على ما نقرره في أذهاننا ... ولكن الأجدر في ظني أن ندرس قواعد تعامل أهل السنة مع غيرهم على مر العصور بمختلف الحالات .. ولا يرجع ذلك إلى المصلحة والمفسدة كما يعتقد البعض .. وإنما إلى نصوص الكتاب والسنة .. التي تؤصل هذا الموضوع .. والإستئناس بقواعد السياسة الشرعية وبهذا لا نطعن في تعالم أهل السنة مع غيرهم ... ونعدل مع خصومنا حيث تعاملنا معهم على ضوء ما يمليه علينا النص الشرعي .. ولن يطلبوا أعدل عبارة منه .

تاسعا :
أما ماذكره من أشعرية صلاح الدين .. فهذا من أكبر قواعد أهل السنة في فقه جمع الكلمة ... حيث لم يتمحض صلاح الدين رحمه الله في السنة ... ولم يمنع ذلك أهل السنة من الجهاد معه .. بل جعلوه إماما عادلا .. يدرسون سيرته . ولو كانت (الذاكرة الاجتماعية ) عند أهل السنة تطغى على العدل .. فلن يبلغ صلاح الدين تلك المرتبة .. وبسط ذلك يطول .

عاشرا :
وزارة صلاح الدين للفاطميين لا تدل على أن صلاح الدين ليس لديه إشكالية مع الفاطميين .. بدليل سيرته معهم .. حيث عزل القضاة منهم .. ومنع (حي على خير العمل .. وغير ذلك ... إلا أني أقرأ في سياسة صلاح الدين البعد السني للتعامل مع الظروف الحالية ... حتى تدور الدائرة لأهل السنة .. وهو ما يسمى بـ (فقه المرحلة ) ... أما وزارته لهم .. فلك تكن بطوع منهم... لكنه بذكاء من الدولة الزنكية .. والتي كانت تتربص أي فرصة للتدخل بشؤن مصر .. والتي يرونها أصبحت تستقل وكأن ليس شأن بالبلاد الإسلامية .. فعرف الزنكيون الأمر .. وهيأ الله الفرصة .. فأحسنوا استغلالها .. وتولي صلاح الدين الوزارة كان خلفا لعمه أسد الدين .. الذي أصبح وزيرا للعاضد حينما استنجد به على بني قومه ... فنصره .. وتم توليته وزيرا .. فلما توفي أسد الدين .. لم تكن الدولة الزنكية لتترك الفرصة تفوت .. فأصبح صلاح الدين وزيرا مكانه ... وسار بالبلاد أحسن سيرة .. وكانت تلك الفترة تشهد قوة في الوزراء وضعفا في الأمراء .. فسار صلاح الدين على طبيعة عصره ... لا كما نظر إليها الكاتب الشنقيطي .

الحادي عشر :
إن تم للكاتب الشنقيطي مااستنتجه من سياسة صلاح الدين .. فسيعكر عليه سياسة نور الدين رحمه الله ... وأعتقد أن صلاح الدين اللبنة الثانية في بناء نور الدين ... فقد اعتمد سياسته .. وسار على دربه .. فنور الدين رسم الخطط ..وتولى صلاح الدين تنفيذها ... (مع العذر لأهل الإدارة ) ...

هذا ما أحببت الوقوف معه في مقال الشنقيطي .. وأترك الجزء الثاني من المقال وهو ما يتعلق (بالخلل في القراءة الشيعية صلاح الدين ) ...
 
من المقالات التي اطلعت عليها معقبة على مقال الشنقيطي، ما نشرته مفكرة الإسلام في الرابط التالي:
http://islammemo.cc/article1.aspx?id=61374
وأضعها للاستفادة، ولعلي أعقب عليها بعد حين.
 
عودة
أعلى