ندى بنت صالح
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى واليقين،والصلاة والسلام على إمام المتقين،وأشرف المرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد:
خلق سبحانه الخلق،واختار منهم نبينا صلى الله عليه وسلم ليكون رحمة للعالمين،اختاره ليرتوي الناس بعد الظمأ،ويخرجوا به من الظلمات إلى النور.حمل الوحي للناس كافة،وقد كان يصيبه حين تنزل الوحي عليه-بأبي هو وأمي-من الكرب الشيء العظيم،ووصف الصحابة رضي الله عنهم أحواله صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي بصفات يمكن إجمالها بما يلي:
1-أنه صلى الله عليه وسلم يعرق عرقاً شديداً:
قالت عائشة رضي الله عنها:"ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً"1
والفصد قطع العِرق لإسالة الدم،شبّه جبينه بالعِرق المفصود مبالغة في كثرة العَرق.2
وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه:"كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ أَخَذَتْهُ بُرَحَاءٌ شَدِيدَةٌ وَعَرِقَ عَرَقًا شَدِيدًا مِثْلَ الْجُمَانِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ"3
قال ابن الأثير:"البرحاء:شدة الكرب من ثقل الوحي".4
وقال ابن منظور:"الجمان:هو اللؤلؤ الصغار ،وقيل :حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ"5
2-أن جسمه صلى الله عليه وسلم يثقل ثقلاً شديداً،وكانت الشدة التي يلقاها يمتد تأثيرها إلى مايتصل به أو يلامسه:6
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا"7
قال السندي: قولها: فتضرب بجِرانها، بكسر الجيم: باطن العنق، والبعير إذا استراح، مدَّ عنقه على الأرض.
وكان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على رجل زيد بن ثابت رضي الله عنه فيصف ذلك ويقول:
"حَتَّى تَكَادَ رِجْلِي تَنْكَسِرُ مِنْ ثِقَلِ الْقُرْآنِ، وَحَتَّى أَقُولَ: لَا أَمْشِي عَلَى رِجْلِي أَبَدًا"8
3-أن للوحي صوتاً يسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الصلصلة،ويسمعه الصحابة رضي الله عنهم مثل دويّ النحل:9
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ"
4-كان وجهه صلى الله عليه وسلم يتغير عند نزول الوحي:
عن عبادة بن الصامت: قال:"كَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ"10
قال النووي: تَرَبَّدَ أَيْ تَغَيَّرَ وَصَارَ كَلَوْنِ الرَّمَادِ.
5-كان صلى الله عليه وسلم ينكس رأسه ويغطيه بثوب:
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ نَكَسَ رَأْسَهُ وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُءُوسَهُمْ، فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ رَفَعَ رَأْسَهُ»أُتلي:بمعنى ارتفع عنه الوحي.11
6-كان يُسمع له صلى الله عليه وسلم غطيط كغطيط البَكر:12
عن يعلى بن أميّة رضي الله عنه قال:" وددت أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط، - وأحسبه قال: كغطيط البكر –"
قال ابن الأثير:البَكْر بِالْفَتْحِ: الفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ.
وكل ماأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من كرب وشدة لا شك أنه بسبب ثقل الوحي الذي قال الله جل وعلا عنه:{إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولاً ثقيلاً}.
قال أبو شامة المقدسي:"وَهَذَا الْعرق الَّذِي كَانَ يَغْشَاهُ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث، واحمرار الْوَجْه والغطيط الْمَذْكُورَان فِي حَدِيث يعلى بن أُميَّة، وَثقله على الرَّاحِلَة وعَلى فَخذ زيد بن ثَابت كَمَا ورد فِي حديثين آخَرين، إِنَّمَا كَانَت لثقل الْوَحْي عَلَيْهِ كَمَا أخبرهُ سُبْحَانَهُ فِي ابْتِدَاء أمره بقوله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولاً ثقيلاً} ، وَذَلِكَ لضعف الْقُوَّة البشرية عَن تحمل مثل ذَلِك الْوَارِد الْعَظِيم من ذَلِك الجناب الْجَلِيل، وللوجل من توقع تَقْصِير فِيمَا يُخَاطب بِهِ من قَول أَو فعل".13
الرقم الأكاديمي12104
[line]-[/line]
1رواه مالك والبخاري ومسلم.
2فتح الباري.
3مجمع الزوائد للهيثمي.
4النهاية في غريب الحديث و الأثر.
5لسان العرب.
6أنظر محاضرات في علوم القرآن،غانم بن قدوري.
7مجمع الزوائد,وقال:رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
8 رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات.
9رواه الإمام أحمد،وصححه:أحمد شاكر.
10رواه مسلم
11أنظر شرح النووي على صحيح مسلم.
12رواه البخاري ومسلم.
13شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى