هلالة الحويطي
New member
بسم1
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ..
الرغبة العلمية المُلحّة تقود صاحبها للبحث عن المعلومة من مصادرها ، وإن مكث في تحصيلها السنين ذوات العدد ، وأفنى في ذلك كل جهد ومدد ، ولقد ضرب السلف الصالح خير مثال في ذلك كما حدث لعكرمة -رحمه الله - إذ قال : (طلبت اسم الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشر سنة حتى وجدته )ويقول ابن عباس رضي الله عنه : مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تلك حفصة وعائشة)
قال العلماء : هذا الدليل أصل في علم المبهمات .
والمقصود بالمبهمات في القرآن : ما لم يُنص على ذكره من الأسماء ( كعَلَمٍ أو نبات ، أو حيوان ، أو مكان أو زمان ، أو عدد ... ألخ )
وبإمكاننا أن نقسّم المبهمات في القرآن إلى:
1ـ قسم يجوز البحث فيه : وهذا محل حديثنا الآن.
2ـ وقسم لا يجوز الخوض فيه: لأنه علم غيبي استأثر الله بعلمه كقوله (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ..)
قال الزركشي في ذلك « فمن تَطَلَّبَ معرفة هذه الأمور، فقد تجرأ على الله تبارك وتعالى، وتعدَّى الحَدَّ الذي يجب الوقوف عنده»
والمفسرون و العلماء انقسموا في تعاملهم مع مبهمات القرآن إلى قسمين :
الأول: صنف من المفسرين والعلماء اهتموا بالمبهمات بالتفصيل فتوسعوا فيها وأفردوا لها المؤلفات :
كالسهيلي (ت: 581هـ) وابن عسكر ( ت:636هـ ) و ابن جماعة (ت: 733هـ) و البلنسي ( ت: 782هـ ) ، والسيوطي (ت:911هـ) .
الثاني: صنف آخر من المفسرين يقف على الموضع المبهم فيودره ثم ينتقد أو يرشد من توسع فيها :
وهذا تكرر عند كثير من المفسرين ، كالطبري ، وابن كثير ، والقرطبي ، والرازي ، وأبي حيان ، و محمد رشيد رضا ، وسيد قطب ، و...غيرهم )
مثال على ذلك : ماقاله الطبري في قوله{ولا تقربا هذه الشجرة}(البقرة: 35) :
" ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع دليلاً على ذلك في القرآن ، ولا في السنة الصحيحة ، فأنى يأتي ذلك من أتى؟ "
ويقول الرازي في الآية السابقة : " ليس المقصود من هذا الكلام أن يعرفنا عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصوداً في الكلام لا يجب على الحكيم أن يبينه ، بل ربما كان بيانه عبثاً ! لأن أحدنا لو أراد أن يقيم العذر لغيره في التأخر فقال: شغلت بضرب غلماني لإساءتهم الأدب ، لكان هذا القدر أحسن من أن يذكر عين هذا الغلام ويذكر اسمه وصفته، فليس لأحد أن يظن أنه وقع هاهنا تقصير في البيان "
ويقول محمد رشيد رضا في قوله ( أو كالذي مر على قرية ..) ( البقرة : 259):
(..هذا المار وهذه القرية ، فلم يذكر مكانها وأصحابها ، بلاقتصر على الوصف الذي تقرر بهالحجة حتى لا يشغل القارئ أو السامع عنها شاغل ،
فهو من الاختصار البليغ ، ولكن المفسرين أبوا إلا أن يبحثوا عنهاوعمن مر بها...)
ويقول سيد قطب :(فلندع هذا الغيب إذن لصاحبه ، وحسبنا ما يقص لنا عنه ، بالقدر الذي يصلح لنا في حياتنا ، ويصلح سرائرنا ومعاشنا.
ولنأخذ من القصة ما تشير إليه من حقائق كونية وإنسانية .. .. فذلك وحده أنفع للبشرية وأهدى)
إذاً المفسرون غالباً لم ينشغلوا بما أبهمه الله في كتابه، بل اكتفوا بالإسناد والنقل وإيراد الأقوال، ثم أرشدوا من توسع فيها ،وهم بذلك قد أنزلوا هذا العلم منزلتة الصحيحة،
فمعرفة اسم قرية أو رجل أُبْهما في القرآن ، أو معرفة أسماء أهل الكهف أو لون كلبهم وغير ذلك ، ليس له أثر في تفسير الآية وفهمها ، ولا يُعد من متين العلم ،
بل غاية ما فيه أنه يورد كمِلح للعلم فقط ..
و برغم ذلك تبقى كتب المبهمات التي أُلفت مرجعاً وشاهداً على جهود العلماء والمفسرين في خدمة كتاب الله ،
وهي كما قيل" لا تخلو كتب المبهمات من فوائد تفسيرية ، لكن غالبها خارج عن حد المبهم .."
أسأل الله أن ينفعنا ويرفعنا بكتابه العظيم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد ..
ـــــــــــــــــــــــ
المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآنـ الطبري
مفاتيح الغيب ـ الرازي
الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي
البحر المحيط ـ ابن حيان
المنار ـ محمد رشيد رضا
في ظلال القرآن ـ سيد قطب
مفحمات الأقران في مبهمات القرآن ـ السيوطي
أنواع التصانيف المتعلقة بتفسير القرآن د. مساعد الطيار
الرقم الأكاديمي : 12127