ليلى العبيد
New member
.
كيف تعامل المفسرون مع المتشابهات ؟
كيف تعامل المفسرون مع المتشابهات ؟
تنوعت معاني المتشابه في الاصطلاح ولعل أفضلها المعاني التالية:
ما لم يتضح معناه إما لاشتراك إو إجمال أو غير ذلك . وما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره. وما أشكل في تفسيره لمشابهته غيره .
وقد اختلف العلماء في إمكان معرفة المتشابه في القرآن الكريم على قولين ومنشأ هذا الاختلاف: اختلافهم في إعراب الواو في قوله تعالى: ( والراسخون ) .
وبما دلت عليه الآية من ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة . فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( تلا رسول الله هذه الآية { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ..} الآية. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا رأيت الذين يتبعون ماتشابه منه فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم) أخرجه البخاري.
وفي ذم متبعي المتشابه, يختار الطبري وابن عطية وابن كثير في تفسيرهم لقوله تعالى :
{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الإسراء:60. أن المراد بذلك ليلة الإسراء, وأن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم .
وفي سورة الصافات: 62: { أذلك خير نزلًا أم شجرة الزقوم * إنا جعلنا فتنة للظالمين* .. } قال ابن كثير في معنى هذه الآية: يقول الله تعالى:أهذا الذي ذكره الله من نعيم الجنة ومافيها من مآكل ومشارب وغير ذلك من الملاذّ خير ضيافة وعطاءً من شجرة الزقوم؟أي التي في جهنم؟
قال قتادة: ذُكرت شجرة الزقوم فافتتن بها أهل الضلالة, وقالوا صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة, والنار تأكل الشجر, فأنزل الله {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} غذيت من النار ومنها خلقت.ومعنى الآية : إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختبارا تخبر به الناس من يصدق منهم ممن يكذب كقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ..} الآية
وذكر القاضي أبو محمد : قال قتادة والسدي ومجاهد : يريد ابا جهل ونظراءه وذلك أنه لما نزلت {أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم } ، قال الكفار ، وكيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار وهي تأكلها وتذهبها ففتنوا بذلك أنفسهم وجهلة من أتباعهم ، وقال أبو جهل : إنما الزقوم التمر بالزبد ونحن نتزقمه.
ذكرالطبري أن الله تعالى لما أنزل هذه الآية قال المشركون: كيف ينبت الشجر في النار، والنار تحرق الشجر؟ فقال الله:{ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ } يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فقال{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ }
وذكر ابن عطية في قوله تعالى: { إنَّ شَجَرة الزقّوم طَعام الأثيم* كالمُهل يغلي في البطون ..}الدخان: 44
: وروي أن أبا جهل لما نزلت هذه الآية فيه ، وأشار الناس بها إليه ، جمع عجوة بزبد ودعا إليها ناساً وقال لهم : « تزقموا ، فإن الزقوم هو عجوة يثرب بالزبد ، وهو طعامي الذي حدّث به محمد » ، وإنما قصد بذلك ضرباً من المغالطة والتلبيس على الجهلة .
من خلال الآيات السابقة وما ورد في أسباب نزولها وتفسيرها يتبين أن المشركين كذبوا بما أخبرت به رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وبما أخبر به القرآن الكريم من الشجرة الملعونة , وشجرة الزقوم التي تخرج من أصل الجحيم , ولا شك أنه اجتمع في هذا المثال كل الصفات التي ذكرت في آية المتشابه, حيث تتبع المشركون هذه الآيات المتشابهة ابتغاء الفتنة وتأويلها, وقد تحققت الفتنة بارتداد البعض عن الإسلام.
_
المراجع : تفسير القرآن العظيم لابن كثير , المحرر الوجيز لابن عطية , جامع البيان في تأويل القرآن للطبري , الوجيز في علوم القرآن العزيز للـ د. علي العبيد , معاني المحكم والمتشابه في القرآن الكريم للـ د. أحمد حسن فرحات .
الرقم الأكاديمي : 12123