محبة أهل القرآن
New member
بسم1
حكمة وقوع النسخ في القرآن الكريم
حكمة وقوع النسخ في القرآن الكريم
إن علم النّاسخ والمنسوخ من أهم العلوم وأجلها قدرًا, لأن مدار هذا الدّين كتاب الله تعالى, فما ثبت فيه محكمًا غير منسوخ عملنا به, وما كان منسوخًا لم نعمل به, لذا فقد وردت آثار كثيرة عن السلف في الحث على معرفته, فروي أن عليًا - رضي الله عنه - مرّ على قاص, فقال له: أتعرف النّاسخ والمنسوخ قال: لا, فقال: هلكت وأهلكت, وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال في قوله تعالى: "وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" قال: ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه. وإن الإلمام بهذا العلم يُطلع العبد على حكمة الله في تربيته للخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس مما يدل دلالة واضحة على أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد .
ومن حكمة الله تعالى في وقوع النّسخ في القرآن:
تطور التّشريع حسب تطور الدّعوة وتطور حال الناس ,وكذلك مراعاة مصالح العباد بتشريع ماهو أنفع لهم في دينهم ودنياهم, ومن الحكم أيضًا الامتحان بكمال الانقياد والابتلاءُ بالمبادرة إلى الامتثال، وذلك فيما إذا أمر الله عبده بأمر فامتثله ثم أمره بنقيض ذلك الأمر فامتثله أيضًا، فيكون هذا دليلاً على كمال الانقياد والاستسلام.
هذه حكم عامة تشمل النّسخ بجميع أقسامه, وقد ذكر العلماء حكم خاصة بكل قسم من أقسامه, فالنسخ له أقسام متعددة باعتبارات مختلفة , وفي كل قسم منه تتجلى حكمة من حكم الباري جل وعلا.
أولا:النسخ باعتبار الأخف والأثقل من الحكم فيه:
*الرحمة للخلق والتّخفيف عنهم والتّوسعة عليهم، وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأثقل بالأخف، مثل نسخ وجوب مصابرة المسلم عشرة من الكفار بمصابرة المسلم اثنين من الكفار.
*تكثير الأجر للمؤمنين وتعظيمه لهم،وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأخف بالأثقل، كنسخ التّخيير بين الصوم والإطعام في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بتعيين إيجاب الصوم في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَفَلْيَصُمْهُ} .
*أن يكون النسخ مستلزمًا لحكمة خارجة عن ذاته، وذلك فيما إذا كان النّاسخ مماثلاً للمنسوخ, كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام, فمن الحكم:
أ-دفع حجة اليهود والمشركين على النبي - صلى الله عليه وسلم - , فاليهود يحتجون عليه بقولهم: تعيب ديننا وتصلي لقبلتنا، والمشركون يقولون: تدعي أنك على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتصلي لغير قبلته، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكمة بقوله: { لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } .
ب-تمييز قوي الإيمان من ضعيفه، كما قال سبحانه:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} .
ثانيًا : النّسخ باعتبار بقاء التلاوة والحكم:
فمن الحكم من نسخ الحكم وبقاء التّلاوة أن القرآن كما يتلى ليعرف الحُكم منه والعمل, فيتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه, فتركت التلاوة لهذه الحكمة, كذلك بقيت التّلاوة تذكيرًا للنّعمة ورفع المشقة, لأن النّسخ غالبًا يكون للتّخفيف .
وأما نسخ التلاوة وبقاء الحكم فحكمته تظهر في كل آية بما يناسبها, ومن أشهر الأمثلة على هذا النوع, ماصح عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب - رضي الله عنهما - أنهما قالا: كان فيما أنزل من القرآن: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ", فذكر العلماء السبب في نسخ تلاوتها, وهوالتخفيف عن الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف, وإن كان حكمها باقيًا, لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود وفيه الإشارة إلى ندب الستر, ومن الحكم أيضًا اختبار الأمة في العمل بما لا يجدون لفظه في القرآن, وتحقيق إيمانهم بما أنزل الله تعالى عكس حال اليهود الذين حاولوا كتم نص الرجم في التوارة.
هذه بعض حكم النسخ في القرآن, وهي تدل على سعة رحمة الله بعباده, فينسخ حكمًا ويشرع آخر مراعاة لمصالحهم فالحمد لله الذي من علينا بشرعه .
الرقم الأكاديمي : 12117