مقال الشيخ د/ ذياب بن سعد الغامدي "مشاركة النساء في الرياضة"

إنضم
11/08/2014
المشاركات
95
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المملكه العربية
مُشَارَكَةُ النِّسَاءِ في الرياضة

نَعَمْ؛ لَقْدَ تَعَالَتْ أصْوَاتٌ نِسَائِيَّةٌ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ مُتَابَعَةً، وانْسِيَاقًا لِمدَادِ الأقْلامِ المَسْمُوْمَةِ الَّتِي يَزْبُرُهَا بَعْضُ مُرَوِّجِي الصَّحَافَةِ، فَمَنِ ابْتَلاهُ الله بِمُتَابَعَةِ مَا تُفْرِزُهُ هَذِهِ الأقْلامُ الدَّخِيْلَةُ عَلِمَ يَقِيْنًا أنَّ القَوْمَ لا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعةً ولا لَحْظةً في دَفْعِ نِسَاءِ المُسْلِمِيْنَ في مُسْتَنْقَعَاتِ الرَّذِيْلَةِ؛ باسْمِ : المُسَاوَاةِ، والحُرِّيَّةِ، والعَدَالَةِ، والحُقُوْقِ المَسْلُوْبَةِ ... إلخ .
لَقَدْ باتَ مِنَ المَعْلُوْمِ عِنْدَ الجَمِيْعِ أنَّ نِسَاءَ بِلادِ الحَرَمَيْنِ كُنَّ مَثَلًا يُقْتَدَى بِهِنَّ في العَفَافِ، والحَيَاءِ، والحُشْمَةِ، كَمَا كُنَّ غَافِلاتٍ عَمَّا يُرَوِّجُ لَهُ العَلْمَانِيُّوْنَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيْدٍ، ومَا ذَاكَ إلَّا أنَّ الصَّحَافَةَ كَانَتْ تَحْتَ رَقَابةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، ووُلاةِ الأمْرِ .
أمَّا اليَوْمَ فَقَدِ اتَّسَعَ الخَرْقُ؛ ومِنْهُ خَرَجَتْ عَلَيْنا رُؤوْسُ الأفَاعِي تَنْفُثُ سُمُوْمَهَا بألْوَانٍ غَرَّاءَ، وبألْسِنَةٍ نَكْرَاءَ، حَتَّى كَانَ مَا أرَادُوْهُ؛ فَلَهُم الوَيْلُ مِمَّا يَصْنَعُوْنَ، فَمِنْ دَعْوَاتِهم الآثِمَةِ : كَشْفُ وَجْهِ المَرْأةِ([1])، ومُشَارَكَتُهَا في العَمَلِ([2])، والتَّعْلِيْمِ([3]).
وكذا قِيَادَتُهَا للسَّيَّارَةِ([4])، ومُسَاوَاتُهَا بالرَّجُلِ ... وأخِيْرًا دَعْوَتُهُم السَّافِرَةُ لِمُشَارَكَةِ المَرْأةِ في الرِّياضَةِ لاسِيَّمَا (كُرَةِ القَدَمِ)!
* * *
إنَّ مُشَارَكَةَ النِّسَاءِ مُؤخَّرًا في مُتَابَعَةِ، ومُشَاهَدَةِ (كُرَةِ القَدَمِ)، هَذِهِ الأيَّامِ لَمْ يَعُدْ مِنَ الخَفَاءِ بِمَكَانٍ؛ حَيْثُ ظَهَرَتْ بَعْضُ أصْوَاتِ نِسَاءِ بِلادِ الحَرَمَيْنِ، وكَذَا كَلِمَاتُهُنَّ مِنْ خِلالِ الصَّحَافَةِ المَحَلِّيَّةِ، والإذَاعَاتِ المَسْمُوْعَةِ مِمَّا يَنْدَى لَهُ جَبِيْنُ الصَّالِحِيْنَ، ويُدْمِي قَلْبَ الغَيُوْرِيْنَ!
فَخُذْ مَثَلًا : فَتَاةٌ تَصْدَعُ بِصَوْتِهَا عَبْرَ الإذَاعَةِ بأنَّهَا تُشَجِّعُ الفَرِيْقَ الفُلانِيَّ، وأُخْرَى تُفَضِّلُ (تُحِبُّ!) اللَّاعِبَ الفُلانِيَّ، وثَالثةٌ تَبُثٌّ شُعُوْرَهَا نَحْوَ انْتِصَارِ، أو هَزِيْمَةِ فَرِيْقِهَا، والمُصِيْبَةَ كُلَّ المُصِيْبَةِ يَوْمَ تُجَاهِرُ الفَتَاةُ باسْمِهَا ونَسَبِهَا كَامِلًا!
وقَدْ نَشَرَتْ مَجلَّةُ «اليَمامَةِ» في عَدَدِهَا (652) وتَارِيْخِ (1401هـ ) مَقَالًا للكَاتِبِ المَنْصُوْرِ، وهُوَ أحَدُ أبْرَزِ المُحَرِّرِيْنَ الرِّياضِيِّيْنَ المَحَلِّيِّيْنَ مُنْدَهِشًا مِنْ تَأثِيْرِ (كُرَةِ القَدَمِ) على الشَّبَابِ، والنِّسَاءِ على السَّوَاءِ، حَيْثُ يَقُوْلُ : «مَعْشُوْقَةُ الجَمَاهِيْرِ بَدَأتْ تَنْتَقِمُ مِنْ مُحِبِّيْهَا .. كَيْفَ لا، وَبَعْضُ الجَمَاهِيْرِ وَصَلَ بِه الهَوَسُ الكُرَوِيُّ لِدَرَجَةٍ لا تُوْصَفُ، ولا تُصَدَّقُ، إنَّ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ حَالاتِ إغْمَاءٍ كَثِيْرَةً في بَعْضِ المُبَارَيَاتِ لَهُوَ أصْدَقُ دَلِيْلٍ على ذَلِكَ، والأسَالِيْبُ البَذَيْئَةُ الَّتِي تَتَلَفَّظُ بِهَا جَمَاهِيْرُ المُدَرَّجَاتِ تَقْشَعِرُّ لَهَا الأبْدَانُ ... (إلى أنْ قَالَ) : «لَقَدِ انْتَقَلَتِ العَدْوَى إلى بَعْضِ الفَتَيَاتِ، فَأخَذْنَ يَتَقَلَّدْنَ صُوَرَ اللَّاعِبِيْنَ، ويَتَبَادَلْنَ صُوَرَهُم في المَدَارِسِ .. سَيَّارَاتٌ فَخْمَةٌ تُقِلُّ مَجْمُوْعَةً مِنَ الفَتَياتِ بَعْدَ انْتِهَاءِ المُبَارَياتِ تَجُوْبُ بِهِنَّ الشَّوَارِعَ، والقُبَّعَاتُ تَعْلُو رُؤوسَهُنَّ، والأعْلامُ تُرَفْرِفُ مِنْ نَوَافِذِ السَّيَّارَاتِ .. أمْرٌ مُؤْسِفٌ حَقًّا .. فأيُّ جِيْلٍ هَذَا؟ .. وأيُّ مُسْتَقْبَلٍ يَنْتَظِرُنا؟.. والأدْهَى والأمَرُّ : فَتَاةٌ في مُقْتَبَلِ العُمُرِ انْتَقَلَتْ إلى ربِّهَا أثْنَاءَ مُبَارَاةِ الكَأسِ» انْتَهَى .
* * *
لَيْتَ شِعْرِي؛ لَمْ تَقِفْ الوَقَاحَةُ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ؛ بَلْ سَارَتْ عَجَلَةُ الجُرْأةِ عِنْدَ بَعْضِهِنَّ : أنْ صَرَّحْنَّ بأقْلامِهِنَّ في الصَّحَافَةِ المَحَلِّيَّةِ بأنَّهُنَّ يُطَالِبْنَ المَسْؤوْلِيْنَ بِمُشَارَكَتِهِنَّ في (كُرَةِ القَدَمِ)، ولَوْ على حَدِّ زَعْمِ بَعْضِهِنَّ : للنِّسَاءِ فَقَطُ!
إنِّنا هُنَا لا نَرْمِي بالرَّجْمِ أو الغَيْبِ في مَا ذَكَرْنَاه، أو قَرَّرْناه هُنَا، ويَشْهَدُ لِهَذا مَا نَشَرَتْهُ جَرِيْدَةُ عُكَاظٍ بِتَارِيْخِ (3/2/1421هـ)، ورَقْمَ (12307)، تَحْتَ عُنْوَانِ «تَصْوِيْتٌ : نَوَادٍ رِياضِيَّةٌ للسَّيِّدَاتِ!»، وهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِبْيَانٍ، واسْتِطْلاعٍ عَنِ الآرَاءِ، والاقْتِرَاحَاتِ حَوْلَ قَضِيَّةِ : «إنْشَاءِ نَوَادٍ للسَّيِّدَاتِ بإشْرَافِ الأنْدِيَةِ الرِّياضِيَّةِ»!
إلَّا أنَّ هَذَا التَّصْوِيْتَ لَمْ يَمُرْ دُوْنَ اعْتِبَارٍ؛ بَلْ لَقِيَ ولله الحَمْدُ رُدُوْدًا كَثِيْرَةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ والغَيْرَةِ مِنْ أهْلِ هَذِهِ البِلادِ إلَّا أنَّهَا لَمْ تُنْشَرْ كَمَا يَنْبَغِي!
ويُؤكِّدُ ذَلِكَ أنَّنِي قُمْتُ ولله الحَمْدُ عِنْدَ نَشْرِ هَذَا العُنْوَانِ بِرَدٍّ مُخْتَصَرٍ عِلْمِيٍّ، ثُمَّ أرْسَلْتُهُ للجَرِيْدَةِ رَجَاءَ أنْ تَقُوْمَ بِنَشْرِهِ، فَلَمْ يِكُنْ مِنَ ذَلِكَ شَيْءٌ، كَمَا أنَّنِي لَسْتُ بِمُفْرَدِي الَّذِي غُيِّبَتْ رِسَالَتُهُ؛ بَلْ غَيْرِي كَثِيْرٌ!
لأجْلِ هَذا رَأيْتُ مِنَ المُنَاسِبِ أنْ أذْكُرَ رِسَالَتِي هُنَا على وَجْهِ الاخْتِصَارِ، تَعْمِيْمًا للفَائِدَةِ، والله المُوَفِّقُ .
* * *
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

إلى الإخْوَةِ القَائِمِيْنَ على جَرِيْدَةِ عُكَاظٍ ... هَدَانا الله، وإيَّاهُم لِمَا فِيْهِ خَيْرٌ .
السَّلامُ عَلَيْكُم، ورَحْمَةُ الله، وبَرَكَاتُه . أمَّا بَعْدُ :
فَقَدْ وَقَفْتُ على مَقَالِكُم بِرَقْمِ (12307)، وتَارِيْخِ (3/2/1421هـ) تَحْتِ عُنْوَانِ «تَصْوِيْتٌ : نَوَادٍ رِياضِيَّةٌ للسَّيِّدَاتِ»، حَوْلَ قَضِيَّةِ : «إنْشَاءِ نَوَادٍ للسَّيِّدَاتِ بإشْرَافِ الأنْدِيَّةِ الرِّيَاضِيَّةِ» .
قُلْتُ : لاشَكَّ أنَّ الجَمِيْعَ على يَقِيْنٍ بأنَّكُم تُرِيْدُونَ بِهَذا التَّصْوِيْتِ؛ طَرْحَ الآرَاءِ، والاقْتِرَاحَاتِ، ومُطَارَحَتَهَا للمُنَاقَشَةِ؛ ومِنْ ثَمَّ أخْذُ مَا كَانَ مِنْهَا حَقًّا، وطَرْحَ مَا سِوَاهُ، وهَذَا هُوَ حُسْنُ ظَنِّنَا بِكُم إنْ شَاءَ الله، لا مُجَرَّدُ مُدَاعَبَةِ المَشَاعِرِ، أو العَبَثُ بِعُقُوْلِ القُرَّاءِ، أو تَهْمِيْشُ آرَاءِ المُشَارِكِيْنَ .
* * *
لِذَا كَانَ مِنْ حَقِّنَا أنْ نُشَارِكَ ببَعْضِ مَا نَرَاهُ مُنَاسِبًا حَوْلَ القَضِيَّةِ المَطْرُوْحَةِ مِنْ خِلالِ أمُوْرٍ مُخْتَصَرَةٍ :
أوَّلًا : لا نَنْسَى بأنَّ النَّوَادِيَ الرِّياضِيَّةَ الَّتِي أُنْشِئَتْ مِنْ زَمَنٍ بَعِيْدٍ للشَّبَابِ؛ لَهِيَ جَدِيْرَةٌ بأنْ تَكُوْنَ مِثَالًا وَاقِعِيًّا حَيًّا نَسْتَطِيْعُ مِنْ خِلالِهِ أنْ نَأخُذَ العِبْرَةَ، والأحْكَامَ مِنْهَا؛ والحَالَةُ هَذِهِ نَسْتَطِيْعُ حِيْنَئِذٍ أنْ نَحْكُمَ على النَّوَادِي النِّسَائِيَّةِ، وهَذَا ما يُسَمَّى بالقِيَاسِ الأصُوْلِي .
فإذَا كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ فَلَنَا الحَقُّ أنْ نُفْصِحَ بِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْنَاهُ، أو رَأيْنَاهُ في هَذِهِ النَّوَادِي الرِّياضِيَّةِ (للأسَفِ) فَنَقُوْلَ : إنَّنا لَمْ نَجْنِ مِنْهَا مُنْذُ عَرَفْنَاهَا إلَّا الثِّمارَ الرَّدِيَّةَ، والأشْوَاكَ الوَخِيْمَةَ : كقَتْلِ الأوْقَاتِ، وهَدْرِ الطَّاقَةِ والجُهُوْدِ، وضَيَاعِ الأمْوَالِ ... كَمَا أنَّهَا حَمَلَتْ النَّاشِئَةَ مِنْ شَبَابِ الأمَّةِ على سَفَاسِفِ الأمُوْرِ، وسَيءِ الأخْلاقِ، في حِيْنَ أنَّهَا أبْعَدَتُهُم عَنْ مَعَالِي الأمُوْرِ، وجَمِيْلِ الأخْلاقِ؛ حَتَّى وَصَلَ الحَالُ عِنْدَ أكْثَرِ النَّاشِئَةِ أنَّ غَايَةَ عِلْمِهِم مَا كَانَ مِنَ الأخْبَارِ الرِّياضِيَّةِ، وحَيَاةِ الرِّيَاضِيِّيْنَ : كَيْفَ يَلْعَبُوْنَ، ومَتَى يَنَامُوْنَ، ومَاذَا يَأكُلُوْنَ، ومَاذَا يَرْكَبُوْنَ ومَاذَا يَسْكُنُوْنَ ...؟وهَكَذَا غَايِةُ ثَقَافَتِهِم! فأوْقاَتُهُم فَارِغَةٌ، وطَاقَتُهُم مُهْدَرَةٌ، وأهْدَافُهُم صِبْيانِيَّةٌ، وحَيَاتُهُم عَشْوَائِيَّةٌ ... وهَذَا الغَالِبُ، والحُكْمُ للأعَمِّ .
فَلَيْتَ شِعْرِي لَوْ أنَّ أحَدًا مِنَ العُقَلاءِ أرَادَ أنْ يَجْلِسَ سَاعَةً بَيْنَ صُفُوْفِ الجَمَاهِيْرِ الرِّياضِيَّةِ لِيَسْمَعَ، ويَرَى مَا تَلْفِظُهُ ألْسِنَتُهُم، وتُكِنُّه قُلُوْبُهُم ... لَعِلَمَ أنَّ الأمْرَ جِدُّ خَطِيْرٌ، والشَّرَّ مُسْتَطِيْرٌ، وهَذَا كُلَّهُ لا يَحْتَاجُ إلى كَبِيْرِ مُخَافَتَةٍ، أو مُجَامَلَةٍ؛ فالوَاقِعُ أكْبَرُ شَاهِدٍ على مَا أقُوْلُ .
* أمَّا إذَا سَألْتَ عَمَّا تَلْفِظُه أفْوَاهُهُم : فالسِّبابُ، والكَلِمَاتُ النَابِيَةُ، والعِبَارَاتُ السُّوْقِيَّةُ، والصَّيْحَاتُ الجَمَاعِيَّةُ، والصُّرَاخَاتُ الأجْنَبِيَّةُ ...!
* أمَّا مَا تُكنُّه قُلُوْبُهم : فالحِقْدُ، والحَسَدُ، والبُغْضُ، والحَنَقُ تُجَاهَ بَعْضِهِم بَعْضًا!
* أمَّا إذَا سَألْتَ عَنْ ألْوِيَتِهم، وشِعَارَاتِهم الَّتِي يَنْضَوْوُنُ تَحْتَهَا، أو يَسْتَظِلُّوْنَ بِظِلِّهَا : فألْوَانٌ مَا أنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ؛ فَعَلَيْهَا يَتَقَاتَلُوْنَ، ويُبْغِضُوْنَ، ويَسُبُّوْنَ، ويَبْكُوْنَ، ويُصْعَقُوْنَ، ورُبَّما يَمُوْتُوْنَ...!
فإذَا كَانَتِ الحَالَةُ هَذِهِ؛ فَلا تَسْألْ سَاعَتَئِذٍ عَنْ وَاجِبِهِم نَحْوَ أمَّتِهِم، وكِتَابِهِم، وسُنَّةِ نَبِيِّهِم ؛ عِلْمًا أنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ هَذِهِ الأيَّامِ أحْوَجُ مَا تَكُوْنُ إلى شَبَابِهَا الَّذِيْنَ هُمْ أرْكَانُهَا، وعِمَادُهَا : فِكْرًا، وعَقِيْدَةً، وأخْلاقًا، وهِمَّةً، ونُصْرَةً ... فإلى الله المُشْتَكَى، وعَلَيْهِ التُّكْلانُ!
* * *
فإذَا سَلَّمْنا مَا ذَكَرْنَاهُ، أو بَعْضَ مَا حَقَّقْنَاهُ؛ فَهَلْ يَأتِي بَعْدَ هَذَا مُسْلِمٌ غَيُوْرٌ، أو عَاقِلٌ رَشِيْدٌ فَيُنَادِي، أو يُطَالِبُ بإنْشَاءِ نَوَادِي رِيَاضِيَّةٍ للنِّسَاءِ؛ إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ؛ بَلْ هَذَا فَسَادٌ في الألْبَابِ .
فَكَانَ الأوْلَى بِنَا جَمِيْعًا أنْ نَسْعَى في اسْتِدْرَاكِ وإصْلاحِ مَا يُمْكِنُ إصْلاحُه تُجَاهَ نَوَادِي الشَّبَابِ لا أنْ نَزِيْدَ الطِّينةَ بِلَّةً، وأنْ نَأخُذَ بأيْدِي شَبَابِنَا إلى مَعَالِي الأمُوْرِ ومَحَاسِنِهَا، ورَفْعِ هِمَمِهم إلى أعْلَى الغَايَاتِ، وأفْضَلِهَا .
فَكَانَ الأوْلَى بِجَرِيْدَةِ «عُكَاظٍ« أنْ تَطْلُبَ مِنْ قُرائِهَا تَصْوِيْتًا لِذِكْرِ آرَائِهِم، واقْتِرَاحَاتِهم حَوْلَ نَوَادِي الشَّبَابِ القَائِمَةِ، لا النِّسَاءِ القَادِمَةِ؟!
* * *
ثَانِيًا : وهَلْ بَنَاتُنا في هَذِهِ البِلادِ ـ بِلادِ الحَرَمَيْنِ، ومَهْبَطِ الوَحْي ـ كُنَّ يَوْمًا مِنَ الأيَّامِ في حَاجَةٍ إلى هَذِهِ النَّوَادِي؟ أو هَلْ رَفَعْنَ أصْوَاتَهُنَّ، وطَالَبْنَ بِهَذِهِ النَّوَادِي؟ إنَّ هَذِهِ الأسْئِلَةَ لا تَحْتَاجُ إلى كَبِيْرِ إجَابَاتٍ؛ لأنَّ وَاقِعَ بَنَاتِنا في هَذِهِ البِلادِ الإسْلامِيَّةِ أبْعَدُ مَا يَكُوْنُ عَنْ هَذِهِ المُطَالَبَاتِ المُخْتَلَقَةِ، والنِّدَاءاتِ المُفْتَعَلَةِ، ولا عِبْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بالوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ أو الاثْنَتَيْنِ، فَالشَّاذُ لا حُكْمَ لَهُ!
فَبَنَاتُنَا في هَذِهِ الجَزِيْرَةِ ـ ولله الحَمْدُ ـ قَدْ بَلَغْنَا غَايَةَ العِفَّةِ، وأحْسَنَ الأخْلاقِ؛ حَيْثُ ارْتَدَيْنَ جِلْبَابَ الحَيَاءِ الَّذِي فَرَضَهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِنَّ في كِتَابِهِ، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ؛ فَهُنَّ عَفيفَاتٌ غَافِلاتٌ عَنْ هَذِهِ القَضِيَّةِ المَطْرُوْحَةِ؛ بَلْ إخَالُهَا قَضِيَّةً مَفْضُوْحَةً مَجْرُوْحَةً في شَهَادَتِهَا، وطَرْحِهَا .
* * *
ثَالِثًا : لَوْ فَرَضْنا جَدَلًا ـ لا قَدَّرَ الله ـ أنَّ امْرَأةً مُسْلِمَةً عَفيفَةً أرَادَتْ أنْ تُشَارِكَ في أحَدِ النَّوَادِي الرِّياضِيَّةِ؛ فَمَاذَا يَا تُرَى سَيَكُوْنُ لِبَاسُهَا حِيْنَئِذٍ؟ سَافِرًا أمْ سَاتِرًا؟ وهَلْ يَكُوْنُ ضَيِّقًا أم وَاسِعًا؟ وهَلْ شَعْرُهَا يَكُوْنُ مَكْشُوْفًا أم مَسْتُوْرًا؟
وهَلْ يَا تُرَى المُدَرِّبَاتُ سَيَكُنَّ كَافِرَاتٍ، أم مُسْلِمَاتٍ؟ وهَلْ سَيَكُنَّ النِّسَاءُ المُشَارِكَاتُ في النَّادِي فاسِقَاتٍ مُتَبَرِّجَاتٍ، أم عَفيفَاتٍ مُحْتَشِمَاتٍ؟ وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأسْئِلَةِ الَّتِي يُمْلِيْهَا وَاقِعُ النَّوَادِي النِّسَائِيَّةِ الَّتِي تَرَكْنَاهَا خَشْيَةَ الإطَالَةِ .
فَإذَا كَانَ الجَوَابُ مَا كَانَ مِنَ الاخْتِيَارِ الأوَّلِ مِنْ كُلِّ سُؤالٍ :
فَهَذَا لا يَجُوْزُ شَرْعًا، وطَبْعًا، كَمَا أنَّهُ لا يَتَمَاشَى مَعَ عَادَاتِ بَنَاتِنا، وحُسْنِ أخْلاقِهِنَّ؛ والحَالَةُ هَذِهِ فَلَيْسَ إذَنْ لِوُجُوْدِ النَّوَادِي النِّسَائِيَّةِ مَكَانٌ بَيْنَنَا، وكَفَى الله المُؤْمِنَاتِ القِتَالَ والفِتَنَ .
* أمَّا إذَا كَانَ الجَوَابُ، مَا كَانَ مِنَ الاخْتِيَارِ الثَّانِي مِنْ كُلِّ سُؤَالٍ؛ فَلا يَخْلُو مِنْ مَلْحُوظَاتٍ :
أوَّلًا : أنَّ اللِّباسَ السَّاتِرَ الوَاسِعَ المُحْتَشَمَ لا يَصْلُحُ للحَرَكَاتِ الرِّيَاضِيَّةِ؛ سَوَاءٌ : في (كُرَةِ القَدَمِ)، أو اليَدِ، أو السِّبَاحَةِ ... لأنَّه يُخَالِفُ الحَرَكَةَ الرِّياضِيَّةَ ضَرُوْرَةً .
ثَانِيًا : وإنْ كُنَّ عَفيفَاتٍ صَالِحَاتٍ مُحْتَشِمَاتٍ، وهُوَ كَذَلِكَ ... فَهُنَّ إذَنْ لا يَحْتَجْنَ إلى شَيْءٍ مِنَ هَذِهِ التُّرَّهَاتِ والمَتَاهَاتِ؛ بَلْ هُنَّ مَشْغُوْلاتٌ بِمَعَالِي الأمُوْرِ، ومَحَاسِنِ الأخْلاقِ، ومُتَفَرِّغَاتٌ لأعْمَالِهِنَّ نَحْوَ بِيُوْتِهِنَّ، وطَاعَةِ أزْوَاجِهِنَّ، وتَرْبِيَةِ أبْنَائِهِنَّ، وهَذَا كُلُّهُ لا يَلِيْقُ قَطْعًا مَعَ هَذِهِ الفَرَاغَاتِ، والتُّرَّهَاتِ الكَامِنَةِ فِيْمَا يُسَمَّى : بالنَّوَادِي الرِّياضِيَّةِ!
* * *
رَابِعًا : أنَّهُ لا يَجُوْزُ شَرْعًا لأيِّ مُسْلِمٍ أنْ يَطْرَحَ مَسْألةً شَرْعِيَّةً لأذْوَاقِ النَّاسِ، وتَحْتَ أصْوَاتِهم لاسْتِطْلاعِ آرَائِهِم .

فَكَانَ الوَاجِبُ على جَرِيْدَةِ «عُكَاظٍ» أنْ تَأتِيَ البُيُوْتَ مِنْ أبْوَابِها! لِذَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا شَرْعًا أنْ تَرْفَعَ هَذِهِ القَضِيَّةَ، وقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ إلى عُلَمَائِنا الأفَاضِلِ؛ كَيْ يَدْلُوا بِحُكْمِهِم الشَّرْعِي؛ لا أنْ تُتْرَكَ في مَهَبِّ رِيَاحِ الأهْوَاءِ، والأذْوَاقِ .
عِلْمًا أنَّ مَا يُسَمُّوْنَه : «اسْتِطْلاعَ الرَّأي العَامِ»، مَا هُوَ إلَّا تَغْلِيْفًا للبَاطِلِ بأسْمَاءٍ وعِبَارَاتٍ مُفَخَّمَةٍ ـ مُلَغَّمَةٍ ـ يَحْسَبُهَا الظَّمَآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءهَا وَجَدَهَا سَرَابًا، وهَذَا ـ الاسْتِطُلاعُ العَامُ ـ هُوَ في الحَقِيْقَةِ «دِيْمُقْرَاطِيَّةٌ» أيْ : حُكْمُ الشَّعْبِ بالشَّعْبِ، لا شَرِيْعَةَ الرَّبِّ! لِذَا ألْبَسُوْهَا لَبُوْسَ الظَّأنِ، ومَرَّرُوْهَا على الصُّمِّ، والعُمْيَانِ!
وصَدَقَ فيهِم قَوْلُ الرَّسُوْلِ ؛ حِيْنَمَا قَالَ : «سَيَأتِي على النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيْهَا الكَاذِبُ، ويُكَذَّبُ فِيْهَا الصَّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فِيْهَا الخَائِنُ، ويُخَوَّنُ فِيْهَا الأمِيْنُ، ويَنْطِقُ فِيْهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيْلَ : ومَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ :«الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أمُوْرِ العَامَّةِ» أخْرَجَهُ أحمَدُ (2/291)، وابنُ مَاجَه (4042)، وهُوَ صَحِيْحٌ، انْظُرْ «الجَامِعَ الصَّحِيْحَ» (1/681)، و«السِّلْسِلَةَ الصَّحِيْحَةَ» (1888) كِلاهمَا للألْبَانيِّ .
فإنْ تَعْجَبَ؛ فَعَجَبٌ لِمَنْ ذَهَبَ يُحَكِّمُ أذْوَاقَهُ في قَضَايا الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ مَعَ قِلَّةِ عِلْمِهِ، وفَسَادِ لِسَانِهِ!
وقَدْ أحْسَنَ المُتَنَبِّي في قَوْلِهِ :
ومَنْ يَكُ ذَا فَمٍّ مُرٍّ مَرِيْض --- يَجِدْ مُرًّا بِهِ المَاءَ الزُّلالا
* * *
ولَوْ أنَّنَا أرَدْنا هَذِهِ المَسْألَةَ وأمْثَالَهَا «دِيْمُقْرَاطِيَّةً» ـ عَيَاذًا بالله ـ فَلْيَكُنْ اسْتِطْلاعُ الرَّأيِ حِيْنَئِذٍ على كَافَّةِ أهْلِ بِلادِ الحَرَمَيْنِ، ولَوْ حَصَلَ ـ جَدَلًا ـ لَتَجَاوَزَتِ الأرْقَامُ الحِسَابَاتِ، وعَلَتِ الأصْوَاتُ كُلَّ مَكَانٍ؛ حَتَّى إنَّك لا تَجِدُ أهْلَ بَيْتِ مَدَرٍ، ولا حَجَرٍ إلَّا وَنَادَى : بِمَنْعِ وحُرْمَةِ (النَّوَادِي الرِّياضِيَّةِ للنِّسَاءِ)، في هَذِهِ البِلادِ، في حِيْنَ تَخْفِقُ أصْوَاتُ الآخَرِيْنَ، وتَتَلاشَى أرْقَامُهُم بَيْنَ المَلايِيْنَ ... فلله الأمْرُ مِنْ قَبْلُ، ومِنْ بَعْدُ .
وكَذَا نُذَكِّرُهُم بِقَوْلِ الله تَعَالَى : «واتقوا فتنةً لا تصيبنَّ الَّذِيْنَ ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديدُ العقاب» [الأنفال: 25]، وبِهَذَا نَكْتَفي بِمَا أجْرَاهُ القَلَمُ بِصَدَدِ : (إنْشَاءِ نَوَادٍ رِياضِيَّةٍ للنِّسَاءِ) .
فأسْتَوْدِعُكُم اللهَ تَعَالَى في السِّرِّ والعَلَنِ، وأسألُهُ تَعَالَى أنْ يَحْفَظَ بِلادَنا، وبَلادَ المُسْلِمِيْنَ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ، وأنْ يَعْصِمَ نِسَاءَ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ، آمِيْنَ!والصَّلاةُ، والسَّلامُ على مُحَمَّدٍ المُخْتَارِ، وعلى آلِهِ الأطْهَارِ، وصَحْبِهِ الأبْرَارِ .

وكَتَبَهُ
ذياب بن سعد الغامدي
(5 / 2 / 1421)


وهذا مقال مستل
للشيح الدكتور/ ذياب بن سعد الغامدي
من كتاب حقيقة كرة القدم ص412


([1]) ومِنْ أفْضَلِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي تَكَلَّمَتْ عَنْ مَسْألةِ حِجَابِ المَرْأةِ المُسْلِمَةِ، ومَا يُدَارُ حَوْلَهَا مِنْ مُؤامَرَاتٍ ... كِتَابُ «عَوْدَةِ الحِجَابِ» للشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ إسْمَاعِيلَ المُقَدَّمِ، وكِتَابُ «حِرَاسَةِ الفَضِيْلَةِ» للشَّيْخِ بَكْرٍ أبو زَيْد .

([2]) وهَذَا ظَاهرٌ في كَثِيرٍ مِنْ أعْمَالِ النِّسَاءِ اليَوْمَ لاسِيَّما في المُسْتَشْفَيَاتِ، والفَنَادِقِ، والطَّيْرَانِ ... إلخ .

([3]) وهَذَا ظَاهِرٌ في دَمْجِ الرِّئاسَةِ العَامَّة لتعلِيمِ البَنَاتِ بوَزارَةِ التَّرْبِيَةِ والتَّعْلِيْمِ ... مُؤخَّرًا!
([4]) انْظُرْ : كِتَابَ «قِيَادَةِ المرأةِ للسَّيارَةِ بَيْنَ الحقِّ والبَاطِلِ» للمُؤلِّفِ، ففِيْهِ بَيَانُ حَقِيقةِ هَذِهِ المَسألَةِ، مِنْ أدِلَّةٍ، وكَشْفِ شُبَهٍ ... إلخ .
 
عودة
أعلى