مقال: الذكر في سورة (ص) للأستاذ صالح سرحان

إنضم
09/06/2005
المشاركات
1,295
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
الطائف
الذكر في سورة (ص)
المتأمل في دلالة الذكر في سورة (ص ) يجد أن هذه المفردة ،وما يشتق منها دلت على الشرف والصيت ، ودلت على تمجيد الله ، وتقديسه ، وتسبيحه ، والثناء عليه ، ودلت على التذكر في مقابلة النسيان ، ودلت على آخذ العظة والعبرة من أمم سابقة ، ودعوات مقدسة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللدعاة من بعده في كل عصر وزمان .


دلالة الشرف :
بدأت هذه السورة بقوله تعالى : ( ص والقرآن ذي الذكر ) وهنا نجد الذكر وهو القرآن شرف وعظمة ، وشرف لمن بلغه للناس رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى في سورة (الشرح ) (ورفعنا لك ذكرك ) أي شرفك ، والشرف يمتد إلى كل من أهتم بهذا الشرف ، وقرأه وحفظه وطبقه جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القران اقرأ و ارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها
وفي دلالة الشرف نجد أن السورة تحدثت عن دعاة الشرف الزائف ، وهم (الملأ) المكذبون للذكر الذين يدعون شرفا زائلا، وذكرا واهيا لا يتحقق إلا في عقولهم وأبصارهم البليدة ، التي لا تتأمل ولا تبصر إلا في سياق اللحظة الفانية ،وتورمها المؤلم ، فحجبت أبصارها عن الشرف الحقيقي فلم تستحضره وتستشرفه ، فستكون نهايتها الشقاء ، بينما يرتاد المتقون مراقي العزة والشرف في جنات النعيم .


وأرباب الشرف الواهي حسدوا حامل الشرف الحقيقي ، حسدوه بحجج واهية منها عدم السماع عن هذا الشرف في أمم سابقة واصفين هذا الذكر بالسحر قال تعالى : ( أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري ....الآيات ) وينقلنا السياق بان الله هو المتصرف ،في هذا الكون المالك له ،يهب الشرف لمن يشاء قال تعالى : ( أم لهم ملك السموات والأرض .... الآيات ) وينقلنا السياق على أن المكذب بهذا الشرف ، الذي لا يوحد ربه ولا يذكره سيلقى بعيدا في مهاوى الردى قال تعالى : (جند ما هنالك مهزوم الأحزاب ...... )

الذكر للأمم السابقة :
تتحدث هذه السورة عن ذكر أقوام طغوا وتجبروا ،وأعرضوا عن الذكر فماذا كان مآلهم إلا الخسران في الدنيا والآخرة ، فهل يعتبر مشركي مكة بما حل بهم؟ قال تعالى : ( كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب) إن تلك الأمم أعرضت عن ذكر الله وتوحيده فماذا كانت عاقبتهم غير الخسران وحرمان الشرف والرفعة في الدنيا والآخرة .


ذكرقصص بعض الأنبياء عليهم السلام :
وبدأ سياق القصص بقوله تعالى ( اصبرعلى مايقولون ) وصاحب الصبر ذاكر لله لأنه يتذكر أن ما عند الله خير وأبقى ، وأن كاشف الهم هو الله سبحانه وتعالى ، بعد ذلك يقص الله علينا قصة داود عليه السلام ، عن قوته في العبادة ، وما يشتمل عليه التعبد من ذكر لله سبحانه وتعالى سواء في الصلاة ،أو في تسبيحه ، وتسبيح الجبال ،والطير معه ( واذكر عبدنا داود) وقصة داود عليه السلام في مجملها ذكر ترددها أجيال الطائعين على مر العصور، والأزمنة ، وفي كافة البقاع والأمكنة ولنا أن نتأمل هنا كيف كان الذكر سبب لقوة الملك ،ووجود الحكمة وحصول البيان قال تعالى : (وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) وكيف أن المرء قد يبتلى ، ويختبر في مكان الذكر قال تعالى : (وهل آتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ) والذاكر لربه كثيرا يدرك على الفور معنى الامتحان بخلاف الغافل قال تعالى ( وظن داود إنما فتناه فا ستغفرربه وخرراكعا وأناب ) ثم وتأتي المغفرة لتذكر كل مؤمن أن الله غفور رحيم : (فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) ولك أن تـتأمل في دلالة القربى من الله في الآخرة ولعل الذي أوصله إليها هو كثرة الذكر ، بعد ذلك يذكره الله بمهمة الحاكم ووجوب الحكم بالعدل قال تعالى : (ياداود إنا جعلناك خليفة فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) وتذكر يوم الحساب، واستحضاره في كل وقت حين كفيل بالحياة السعيدة المطمئنة ، والعذاب الشديد لا يحل إلا بالغفلة عن تذكر هذا اليوم واستحضاره , فالغفلة عدو الذكر فمن غفل عن ذكر ربه غفل عن يوم الجزاء ، والحساب . بعد يتحدث السياق عن قصة سليمان عليه السلام ، وكيف كان يستعرض القوة المادية (الخيل ) المعينة على ذكر الله وتوحيده ، مما أنساه القوة الحقيقة وهي ذكر الله (الصلاة ) قال تعالى : (قال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) وهنا وقفة تأمل وهي أن المر قد يفتتن بالشيء الذي يذكربه ، ويشتهر فسليمان عليه السلام قد أفتتن باستعراض الخيل الذي هو جزء لا يتجزءا من قوة الملك وعظمته ، وكذا ألقي على كرسي عرشه جسدا قال تعالى : ( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب )وقيل إن فتنة سليمان أنه لم يقل إن شاء الله وهذا القول ( ذكر ) أخرج البخاري في صحيحه مرفوعا : (قال سليمان : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون )


بعد ذلك ينقلنا السياق إلى قصة أيوب عليه السلام وكيفية صبره، والصابر ذاكر ، لأنه يحسن الظن بربه، وقصة أيوب عليه السلام مثلا للابتلاء ، فما من صابر إلا ويستحضر صبر أيوب عليه السلام ، ويذكره ، ويعتبربه ، وكان الشيطان يوسوس لخلصاء أيوب عليه السلام أن الله لوكان يحبه ما أبتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا ومنهم زوجته ، وكان هذا يؤذيه أشد مما يؤذيه المرض . بعد ذلك نجد أن القصة تختم ، ويأتيه الفرج وتتنزل عليه الرحمات ، ويأتي التعليل بقوله تعالى : ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) والأواب هو المسبح ، كما ذكر سعيد بن جبير والتسبيح ذكر . وهنا وقفة وهي أن المسبح الذاكر لربه ، مهما ادلهمت عليه الخطوب ، وكثرت ، وتجاسرت ، واستعصت على الحل ، ففرجها أتي لا محالة . وهذا مشاهد ملموس في واقع حياتنا اليومي ، فضلا عن تلك الحياة الرفيعة والمقامات السامقة . ويذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ختام تذكيره بالأخيار قبله بذكر إبراهيم ،وإسحق ، ويعقوب وإسماعيل عليهم السلام ،وكيف أن الله سبحانه وتعالى وصفهم بأنهم (أولي الأيدي والأبصار ) أي القوة في العبادة ،والبصيرة في الدين ، وهذا يوقفنا وقفة تأمل مع الإمام ابن تيميه رحمه الله فقد كان يذكر ربه من بعد صلاة الفجر ويستمرفي ذلك وقتا طويلا ويناقشه في ذلك تلميذه ابن القيم فيقول له (هذه غدوتي لو لم أتغد هذه الغدوة سقطت قواي) فهنا أدرك رحمه الله أن الذكر سبب للقوة على العبادة ، أما عن البصيرة فكان رحمه الله يقول : " إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل علىّ فاستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر ،أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينجلي إشكال ما أشكل " . وتبين لنا الآيات أن هولاء الأنبياء، وبسبب ذكرهم للآخرة، والعمل الدائم لها نالوا ذلك الشرف العظيم في الآخرة بالمنازل الرفيعة ، وفي الدنيا بذكرهم وذكرأحوالهم ، فيعتبربأحوالهم المعتبر ويذكرون ، بأحسن الذكر. يقول عنهم الرب سبحانه وتعالى (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) وينتهي سياق التذكير بإلماحه سريع للأخيار عليهم السلام إسماعيل واليسع وذا الكفل . وتبين لنا الآيات أنهم أيضا من الأخيار.


ذكر مآل المتقين والطاغين :
ينقلنا السياق هنا إلى مآل المتقين : ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ) ولك أن تتأمل بين كلمتي الأواب، والمآب ، فالمسبح الذاكر لربه له المرجع الحسن في الآخرة . (جنات عدن ) وهنا وقفة مع دلالة (عدن ) فعدن في اللغة تعني الإقامة والمرء يذكر ويعرف بمكان إقامته . ويذكر أيضا بما له من نعيم في واقع الحياة اليومية من مسكن وغيره .
أما الغافل عن ذكر ربه السادرفي غيه له شر المآب في الآخرة قال تعالى (هذا وإن للطاغين لشر مآب ) (جهنم يصلونها فبئس المهاد ) وهنا تأمل مع المهاد ، وهو الفراش والمرء أيضا يذكر ويتميز بما يجلس عليه ولكن الذي يجلس عليه الطاغين في الآخرة سيكون شرالفرش ،لأنها مؤلمة محرقة ، ويتحدث السياق عن مجادلة الداخلين للنار، وذكر أقوالهم لبعضهم البعض ، وخصومتهم الشديدة التي لا تغني عنهم شيئا فقد صارالجميع إلى مرجعهم الذي استحقوه ، وهنا نقف وقفة عند قوله تعالى عنهم (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ) (أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار )
فأرباب الذكر والصيت في الدنيا يتساءلون وهم في النار، عمن كانوا يعدونهم من السفلة والفقراء الذين إذاغابوا لم يفقدوا ، وإذا حضروا لم يعرفوا فيتوقعون أنهم يكونون معهم في النار ،ولكنهم في مقامات الشرف الرفيعة في جنان الخلد جزاء لحملهم الشرف الحقيقي، والإيمان به فإن غاب عنهم ذكر البشر في دنيا زائلة فسيحضر ذكرهم في الآخرة الباقية ، ويكون لهم النعيم المقيم في جنات النعيم .


ذكر خصام الملأ الأعلى :
بعد ذلك تنقلنا الآيات إلى الحديث عن الملأ الأعلى ، وكيف كان خصامهم في شأن آدم عليه السلام والملأ هنا هم الملائكة ، ولهم شرفهم الكبير فالله جل وعلا خلقهم من نور، وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وفي ثناياهذه القصة نجد الشرف والصيت لآدم عليه السلام فقد نفخ الله عز وجل فيه من روحه , وخلقه بيديه ، وأمر الملائكة بالسجود له قال تعالى : (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .. الآيات ) وهذه القصة ،وما تخللها من استكبار إبليس لهي ذكرى دائمة يستحضرها المؤمن ،ويعتبر منها في تذكر العداوة الحقيقة بين ذرية أدم عليه السلام وإبليس، وكيف أنه أقسم أنه ليغويهم عن جادة الحق والصواب (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) (إلا عبادك منهم المخلصين) وتنهي هذه السورة بذكر مهمة حامل الشرف (الذكر ) قال تعالى ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين ) فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يختلق القرآن من عنده وسيعلم المؤمن ، خبرهذا الذكر بعد الإيمان، والكافر بعد الموت ، ولك أن ترجع أيها القارئ إلى بداية السورة (ص والقرآن ذي الذكر ) وتقرأ خاتمتها (إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين ) وتتأمل فيما بينها من آيات وكيف أن الذكر كان هو المسيطر على جو السورة سواء كان الذكر القرآن ،أو الشرف والصيت، أو التسبيح ،أو الصلاة ،أو تذكر حال الأمم السابقة والأنبياء السابقين ،أوذكر مآل المتقين والطاغين أوالاعتبار وأخذ العظة والعبرة والتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم .




رابط الموضوع /

صفحة الأستاذ صالح سرحان في الفيسبوك
 
((أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب * جند ما هنالك مهزوم الأحزاب))
قال صلى الله عليه وسلم عن ست أمور بين يدي الساعة :
(....، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَيايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَيايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) .
ملحوظة : الرواية المشهورة :(غاية) ، ولعل رواية (غياية) هي الصحيحة .

وللفائدة : كأنّ في السورة الكريمة إشارة إلى أبواب الجنة من قصص الأنبياء ، حيث يقول سبحانه بعدها : ((هذا ذكر ، وإن للمتقين لحسن مآب * جناتِ عدن مفتّحةً لهم الأبواب)) .
أي : للمتقين الذي اتقوا ربهم بهذا الذكر .
وهذا اجتهادي في استنباطها -مع ما صح في السنة النبوية- :
1- باب القسط
2- باب الصلاة
3- باب الإنابة والتوبة
4- باب الجهاد
5- باب الصبر
6- باب الريان
7- باب الصدقة
8- باب الذكر ، ومن ضمن الذكر : ذكرى الدار .
 
عودة
أعلى