ماجد حسن الشريمي
New member
التفسير الأدبي للقرآن ومعالمه
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
النص القرآني منهج محروس بمعجزة بيانية، لا تُدرك مقاصدُها وأبعادُها إلا بمعرفة لغة القرآن وطرائقه في الأداء البياني، ونزول النص باللسان العربي المبين اقتضى أن تدرك حقيقة الوحي فيه من خلال لغته، ودعي المسلمون من أول فترة من نزوله إلى تدبره باعتباره آخر رسالات السماء إلى الأرض والمصدر الأول للحقيقة في الإسلام، فظل القرآن محط أنظار وعناية المسلمين يتدارسونه ويتعمقون في قضاياه.
وقد اهتم علماء العربية بجماليات النص القرآني، فتتبعوا أسرار البلاغة فيه وكشفوا عما يتميز به أسلوبه من ثراء وخصوبة في مناحي القول، مما جعل منه منبعاً متجدداً ينفذ إلى أعماق النفس فيشيع فيها حركة الحياة.
وقد استمرت العناية بالبلاغة القرآنية في التاريخ الإسلامي ولم تنقطع يوماً، غير أنها اختفت حيناً في بعض كتب التفسير، ولكنها ظلت متوهجة في التراث البلاغي وكتب الإعجاز خاصة. وإن المتتبع للدراسات النقدية والبلاغية في التراث العربي يجد أن دراسة الخصائص الأسلوبية للنص القرآني، قد أفادت تلك الدراسات وأثْرَتْها بنظراتها وتأملاتها. حيث نجد أن محاولة إدراك المعجز في العبارة القرآنية قد هيأت الأذواق والأفهام لتقويم التجربة الفنية الإنسانية. وتعددت قراءات النص القرآني في العصر الحديث وتنوعت ألوان تفسيره في ضوء قضايا العصر، وما يضطرب فيه من مشاكل، وما يحفل به من قضايا، وارتبطت حركات التجديد في عصر النهضة العربية بالقرآن الكريم.
واتضحت ملامح التفسير الأدبي للنص القرآني في أواسط القرن العشرين، على إيدي (جماعة الأمناء) وهي جماعة أنشأها أمين الخولي (1895 – 1966م) وحاول الأمناء أن يتميزوا بمنهج في تحليل النص القرآني غير أن جهودهم بقيت محدودة، ولم يخل بعضها من ادعاءات وانحرافات، كمن حاول تطبيق نظرية الرواية التاريخية على القصة القرآنية أو من ادعى أنه اكتشف ما لم تعرفه الأوائل.
وما يحسب لهؤلاء الأمناء أنهم اتخذوا المستوى الفني في النص القرآني المقصد الأول في الدرس، ولكن أعمالهم جميعا تظل من حيث التطبيق ضئيلة أمام مجهود سيد قطب (1906-1966م)، فهو خير من تناول الجانب الفني في القرآن في هذا العصر، وجعل التصوير الفني منبع السحر في القرآن ودعامة إعجازه، وكانت أعمال سيد قطب رائدة: التصوير الفني (ط1-1944) مشاهدة القيامة (ط1-1946) في ظلال القرآن (ط1-1952).
وقد دعا أمين الخولي إلى اعتماد المنهج الأدبي في التفسير، ورأى أن أول ما ينبغي القيامُ به هو النظر إلى القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبيّ الأعظم.
وقد حدد قواعد المنهج الأدبي في مادة التفسير من (دائرة المعارف الإسلامية) الجزء الخامس، مادة تفسير ص 365 – 374 وأعيد نشره ضمن كتابه ( مناهج تجديد..)، وهو يرى أن دراسة النص القرآني ينبغي أن تتناول ما يلي:
أ – التأمل في الظروف العامة التي أحاطت بالنص القرآني، أي الانفتاح على علوم القرآن ( وكانت المرحلة متأثرة بالمنهج التاريخي).
ب – تحليل النص بالنظر في مفرداته وتتبع أصولها ومعانيها في العصر الذي نزل فيه القرآن، مع القيام باستقراء لتلك المعاني، بمختلف استعمالاتها في القرآن.
ج – الدراسة الأسلوبية: أي الاستعانة بالصنعة النحوية بقصد بيان المعنى وتحديده والنظر في اتفاق القرارات المختلة للآيات.
د – النظرة البلاغية: والمراد بها تلك "النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلي قسماته في ذوق بارع قد يستشف خصائص التراكيب العربية لمعرفة المزايا الخاصة بها بين آثار العربية".
وبعد أن يرسُم الخطوط العريضة للمنهج الذي يقترحه للتفسير الأدبي للقرآن؛ يؤكد أن التفسير هو الدراسة الأدبية الصحيحة، ويرى أن المقصد الأول للتفسير اليوم، أدبيٌّ محضٌ، صِرْفٌ، غيرُ متأثر بأي اعتبار وراء ذلك.
وختاماً فإن فهم مفردات القرآن وأساليبه يقومان أساساً على الدرس الأدبي الدقيق، المتذوق للأقصى ما يقدمه إيحاء التعبير في ضوء دلالتها السياقية، وما توحيه من ظلال وأبعاد في النفس والفكر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...