مقال: التفسير الأدبي للقرآن الكريم ومعالمه

إنضم
31/10/2012
المشاركات
15
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المدينة المنورة
التفسير الأدبي للقرآن الكريم ومعالمه

بسم الله الرحمن الرحيم

هل في القرآن الكريم حقا جمالٌ ناشئ عن الخيال الرائع و التصوير الدقيق ؟ وقد قال تعالى [ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء].(1)
وهل فيه تلمُّسٌ لوجوه الشبه البعيدة بين الأشياء؟ وقد قال تعالى [كذلك يضرب الله الأمثال]( 2).
وهل يبلغُ التصوير الدقيق إلباس المعنوي ثوب المحسوس وإظهار المحسوس في ثوب المعنوي؟
فيال الروعة لو أنَّ في القرآن الكريم مثل هذه الأساليب الأدبية, فحينها سينعم الأديب بما سيبيّنه من معاني وما سيستخرجه من أحكام وحكم في ضوء تفسيره الأدبي.
ولنقف هنا وقفات مع التفسير الأدبي لنبيّن مفهومَه ونشأته ومحاسنه وعيوبه, ثم نتناول جوانب الإبداع والجمال فيه من خلال سورة العاديات نموذجا.
مفهوم الأدب:
الأدب في اللّغة: عرّفه ابن منظور بأنّه الظَّرف وحُسن التناول. (3)
الأدب في الاصطلاح الحديث: عرّفه طه حسين بأنّه فنّ جميل يُتوسل باللّغة. (4)
الأدب بمعناه الخاص :هو كل ما يؤثّر في النفس من نثر رائع وشعر جميل فيراد به التعبير عن مكنون الضمائر ومشبوب العواطف وسوانح الخواطر بأسلوب إنشائيّ أنيق.
مفهوم التفسير:
التفسير لغة: البيان والكشف والتوضيح والإظهار.( 5)
التفسير اصطلاحا: علم يفهم به كلام الله المنزَّلِ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه.(6 )
مفهوم التفسير الأدبي: هو معالجةُ النصوص القرآنيّة معالجة تقوم أولا وقبل كل شيء على إظهار مواضع الدّقة في التعبير القرآنيّ ثم بعد ذلك تصاغ المعاني التي يهدف القرآن إليها في أسلوب شيّقٍ أخّاذٍ. (7 )
نشأته:
إنّ هذا اللّون الأدبيّ الاجتماعيّ يُعدُّ عملاً جديداً في التفسير وابتكار يرجع فضله إلى مفسري هذا العصر الحديث وبالتحديد إلى مدرسة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.(8)
أهمّ رجال هذه المدرسة:
إنّ من أهمّ رجال هذه المدرسة الشيخ محمد عبده, زعيمها وعميدها, ثم السيد محمد رشيد رضا والشيخ مصطفى المراغي وهما خير ما أنجبت هذه المدرسة.(9)
محاسنه:
كشفت مدرسة التفسير الأدبي عن بلاغة علوم القرآن وإعجازه وأوضحت معانيه ومراميه وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم. ووقفت بين القرآن وما أثبته العلم من نظريات صحيحة وجلت للناس أن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي يستطيع أن يساير التطور الزمنيّ والبشريّ.
ودفعت ما ورد من شبه على القرآن وفنّدت ما أثير حوله من شكوك وأوهام كل هذا بأسلوب شيّق جذّاب يستهوي القارئ ويستولي على قلبه ويحبب إليه النّظر في كتاب الله ويرغّبه في الوقوف عند معانيه وأسراره ولم تشوه التفسير بالإسرائيليّات والرّوايات الخرافيّة المكذوبة, ولم تتطرّق إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة.( 10)
عيوبه:
أنّها أعطت لعقلها حرية واسعة ؛ فتأولت بعض الحقائق الشرعيّة وعدلت بها عن الحقيقة إلى المجاز أو التّمثيل, وليس هناك ما يدعو لذلك إلا الاستبعاد والاستغراب.
كما حمّلت بعض ألفاظ القرآن من المعاني ما لم يكن معهودا عند العرب في زمن نزول القرآن. (11)
نموذج من التفسير الأدبي: سورة العاديات نموذجا:
تعتبر هذه السورة تطبيقًا عمليًا للتصوير الدقيق الذي أضفى جمالية على عدةِ مشاهدَ نبعت عن خيال يخاطب العقل ويشرح حقائق غامضة عن النفس التي لا تخلو من غموض وخفاء. اِبتدأت بمشهدِ الخيل العادية, ثم مشهدٍ في النفس من الكنود والجحود, يليه مشهدٌ لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور, واختُتِمت باستقرار ومصير ينتهي إليه كل شيء.
وقد أبدع سيد قطب رحمه الله في تصويره لهذه المشاهد أيما إبداع, فيقول رحمه الله:
" يجري سياق هذه السورة في لمساتٍ سريعة عنيفة مثيرة، ينتقل من إحداها إلى الأخرى قفزًا وركضًا ووثبًا، في خفة وسرعة وانطلاق، حتى ينتهي إلى آخر فقرة فيها فيستقر عندها اللفظ والظل والموضوع والإيقاع,كما يصل الراكض إلى نهاية المطاف. وتبدأ بمشهد الخيل العادية الضابحة، القادحة للشرر بحوافرها، المغيرة مع الصباح، المثيرة للنقع وهو الغبار، الداخلة في وسط العدو فجأة تأخذه على غرة، وتثير في صفوفه الذعر والفرار. يليه مشهد في النفس من الكنود والجحود والأثرة والشح الشديد, ثم يعقبه مشهد لبعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور. وفي الختام ينتهي النقع المثار، وينتهي الكنود والشح، وتنتهي البعثرة والجمع إلى نهايتها جميعا إلى الله.فتستقر هناك: ( إنَّ ربَّهم بِهم يومئذٍ لخبير ) ... إن السورة مشوار واحد لاهث صاخب ثائر, حتى ينتهي إلى هذا القرار معنى ولفظا وإيقاعا، على طريقة القرآن ".(12)

وهكذا يتضح أنّ جمال الأدب في القرآن الكريم يتجلى في طريقة اختيار الألفاظ وتركيبها, للتعبير عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير, فهو ناشئ عن الخيال الرائع الذي يخاطب العقل ويناجي الفكر ويشرح الحقائق العلمية التي لا تخلو من غموض وخفاء.
فالدِقَّة في التصوير من أظهر مزاياه, إذ يبدو فيه أثر القول والجمال, وقوته في سطوع بيانه وسلاسة عباراته حتى يسهل تقرير المعنى في الأفهام, وعندها يلبس التصوير ثوب المحسوس فيؤثر في عواطف القارئ والسامع ويقع في نفسه موقع الإقناع والتأثير والموعظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ النحل 89 ].
(2) [الرعد 17].
(3 ) لسان العرب, ج1, ص93.
(4) محمد عناني, الأدب وفنونه, ص13.
(5) د.صلاح الخالدي, اتفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق, ص14
(6) الزركشي, البرهان في علوم القرآن , ج1, ص13
(7 ) محمد حسين الذهبي, التفسير والمفسرون, جـ2, ص523.
(8 ) نفسه
(9 ) المصدر السابق, ص526
(10 ) المصدر السابق, ص523-524
(11) المصدر السابق, ص525
(12) سيد قطب, في ظلال القرآن, ج6, ص3957.
 
جهد مشكور وفقك الله أخي العزيز في جمع مادة المقال ، وأشكرك على محاولتك إعطاء تعريف موجز بهذا اللون من ألوان التفسير . وقد أصلحت الخطأ في آية النحل التي نبه عليه أخي نادر مشكوراً .
والغالب في المقالات عدم الإكثار من العناوين الجانبية في التعريفات لغة واصطلاحاً ، ويكتفى فيها بالتعريف الاصطلاحي مدمجاً في أثناء الكلام حتى لا يشعر القارئ . وقد اعتمدتم - مشكورين - على ما كتبه الدكتور محمد حسين الذهبي في (التفسير والمفسرون) وهو كلام جيد وقد فتح الباب للكلام عن هذا اللون ، ولكن هناك بحوث معاصرة قيمة في الموضوع ، نبهت على أخطاء وقع فيها بعض المشهورين بهذا اللون من التفسير ، وأظنني نبهت إلى بعضها في سؤال سابق كما في مجلة الشاطبي (التفسير الأدبي للقرآن) للدكتور عبدالرحمن السلمي. وفقك الله وبارك في جهدك .
 
كتب الاستاذ بالحسن زين العابدين:
(إنّ هذا اللّون الأدبيّ الاجتماعيّ يُعدُّ عملاً جديداً في التفسير وابتكار يرجع فضله إلى مفسري هذا العصر الحديث وبالتحديد إلى مدرسة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.)
السؤال:
بناء على المكتوب اعلاه: التفسير الأدبي للقران نشا في العصر الحديث (بالتحديد إلى مدرسة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.)،
هل توجد في كتابات علماء التفسير القدماء او من لهم مشاركة في الكتابة في علوم القران إشارات او كتابات في هذا الاتجاه؟ ( ملاحظة: أرجو الانتباه للتمييز بين الاتجاه البلاغي في التفسير و الذي كتب فيه القدماء، و بين التفسير الأدبي للقران بمفهومه الحديث)
الاستاذ محمد عبده أقام في فرنسا و بريطانيا في فترة من فترات حياته - بغض النظر عن طول او قصر المدة التي قضاها في الغرب- حسب ما ذكر اعلاه انه يعود الى مدرسة الاستاذ محمد عبده الفضل في نشأة هذا الاتجاه في التفسير في العصر الحديث، و بناء عليه هل يمكن استنباط وجود تأثير للفكر الغربي في نشأة هذا الاتجاه من التفسير في العصر الحديث؟
 
بارك الله فيك أخي : بلحسن عرفتنا على لون جميل من ألوان التفسير .
 
عودة
أعلى